-->

فهرس سحري معين – عيدُ ميلادٍ عبر الزجاج

(إعدادات القراءة)

(التحميل PDF)

أراد شيئًا يسهل التحرك فيه، رخيص، ويرضي العُرف الاجتماعي بأدنىٰ حد. نتيجة لذلك، اختار هذا المُعَلّم بنطلوناً جاهزاً وقميصًا رسميًا وسترة كاردِجان. وكان يرتدي أنماطًا مختلفة من الكاردجان حسب اليوم. وكان بالكاد يفر بذلك كونه معلمًا، لكن حسب المجتمع كان غير مقبول.

«؟»

أكان جادًا في وظيفته أم لا؟

وأي مدرسة ابتدائية ستراها تضج بأصوات الأطفال بعد المدرسة، لكن هذه المدرسة كانت خاصّة صاخبة اليوم. أطلّ المعلم رأسه إلى الفصل المسائي ليرىٰ 5 أو 6 أطفال يأخذون حافظات الجلود الصناعية لمسجلاتهم الموسيقية (فلوت) ويستخدمونها عُصِيّاً ليضربون ورقة مطوية ما عادوا يحتاجونها.

امتدت يده كسوطٍ فأمسك بالورقة المطوية كالكُرة قبل أن يسأل سؤالاً.

«...ماذا تفعلون جميعًا؟»

«آه، كيهارا-سينسي!»

رفعت طفلة "مشاكل" ذاتُ شَعْرٍ مُمَوّج أسود عصاتها. بدا تركيزها منصباً تمامًا على زيادة متوسط ضرباتها، لكنه تمنى لو تهتم أكثر بتنورتها.

«ما كان عندنا خيار. كنا نلعب في الساحة الفارغة، لكن تلك العجوز العنيدة غضبت!»

«لابد أنكم خفتم.»

«صحيح أننا كسرنا الزجاج، لكن ما له من داعي أن تصرخ علينا كذلك.»

جزئية في هذا لم يستطع تجاهلها ببساطة.

أطلق المعلم المسمى كيهارا تنهدًا خفيفاً، وانحنى ليتساوى مع مستوى عينيها، وسألها عما تعنيه وهو حريص علىٰ ألا يخيفها فتصمت.

ما أمكنه أن يسترخي فقط لأنها حيوية الآن. البشر الذين بلغوا حوالي 10 سنوات ليسوا بكائنات بسيطة تزرع في إناء وتوضع بجانب النافذة وتؤتى بالشمس والماء.

وظيفة حارس الطلاب لم تنتهِ بعد إنقاذهم.

أطفال المشاكل ستستمر تقلباتهم النفسية الكبيرة. فقط لأنها الآن تحضر المدرسة بسعادة كل يوم لا يعني أنها لن ترفض مغادرة مهجعها مرة أخرى بعد حدوث حدثٍ ما. وفي الواقع، هذه الفتاة قد تعرضت لعدة انتكاسات عندما رفضت سابقاً ولفترة وجيزة حضور المدرسة ثانية.

كأن الأمر أشبه بتكديس الحصى في عالم ليمبو الأطفال، لكن ما عساه فقط يستسلم ويتحسر على مصيرهم إذا انهار ذلك الكدس. كان علىٰ المعلم أن يفكر في كل ما يقوم به داعمًا لحياة الآخرين.

وعلى أي حال، عبست فتاة الشعر المموج ولوحت بحافظة مُسجِّلتها الموسيقية وجادلت بقضيتها.

«كلنا نخطئ! ولقد ندمنا حيال كسر الزجاج ولهذا ذهبنا نعتذر. لكن تلك العجوز صرخت علينا ولم تسمع قولنا، ولا كلمة واحدة حتى!»

«وبعدها، ما عدتم إلى تلك الساحة الفارغة مجددًا، صح؟»

«حتى أنها صرخت علينا عندما جئنا ننظف الزجاج المكسور. فما عسانا نفعل؟»

«همم.»

وضع المعلم الذي يرتدي سترة كاردجان رخيصة وبنطلوناً جاهزاً يده على ذقنه.

قد فهم الوضع إلى حد ما.

أن يقنعها بكلامٍ أكبر منها قد يثبط من عزمها في المستقبل. ولكن إذا اهتزت ثقتها بالمعلمين، لصارت مشاعرها غير مستقرة. كان عليه الحذر هنا.

«كوموكاوا-كن. قلتِ أنكِ اعتذرتِ، صح؟»

«نعم، كلنا ذهبنا وانحنينا! ولم يهرب أحد منا!!»

«ولكن لم يعرف أيُّ منكم ما الخطأ أو لماذا كانت تلك...المُسِنّة؟ غاضبة. فهل سيقبل أي شخص اعتذاركم إذا انحنيتم دون ذكر السبب؟»

عندما شرح ببطء، تبادل الصبية والبنات حول الفتاة كوموكاوا النظرات. كما هو متوقع، لم يخطر ذلك ببالهم.

أطفال المشاكل -كما يُسَمّوْن- هم أطفال لديهم مشاكل، وليسوا وحوشاً لا تُفهم. إذا فهمت مشاكلهم الفردية ورحت توجههم بالطريقة الصحيحة، فإنهم في الواقع سيقبلون ما تقوله بسهولة.

بعد قليل، واصل المعلم كيهارا كلامه.

«لنفكر في هذا خطوةً خطوة.»

«نفكر في ماذا يا سينسي؟»

«كسرتم الزجاج واغضبتم المُسِنّة. لا أرىٰ هذه المعلومات تكفي. أتعرفون التوقيت بالضبط؟ متى بعد كسر الزجاج غضبت المُسِنّة؟»

ما ظنه محتملاً أنها صرخت عليهم فور كسر الزجاج. لو أن الأطفال تجنبوا مواجهتها خوفاً في تلك اللحظة، لما ذهبوا معًا للاعتذار.

لذا، أحسن له أن يفترض أنها لم تغضب أول الأمر.

إذن، فما كان المحفز بالضبط؟

أعبست فتاة الشعر المموج كوموكاوا ماريا شفتيها وأجابت.

«كان، أممم...تعرف؟ عندما حاولنا تنظيف الزجاج المكسور.»

«حاولتم تنظيفه؟»

«نعم! حاولنا تنظيف فوضانا، لكننا ما استطعنا لأن العجوز صرخت علينا!»

«إذن، ألن يكون ذلك هو السبب؟»

قدم المعلم كيهارا الإجابة بسهولة.

شرح الأمر لكوموكاوا ماريا وهي تُميّل رأسها مستغربة.

«لم تغضب عليكم لكسر الزجاج. لعلها أرادت منعكم من لمس الزجاج المكسور بأيديكم العارية. ولعلها كانت مذعورة حتى صرخت دون قصد. ألا تظنون أن هذا هو كل ما في الأمر؟»

أجابه الصمت.

كان هذا الصمت أطول من سابقه.

لا معنى في انحناءة الرأس إذا لم تعرف السبب.

لا بد أنهم أدركوا أخيرًا ما كان يقصده إذ أنهم جميعًا بدأوا يتحدثون في آن واحد.

«...سأذهب وأعتذر لها ثانية.»

«أنا بعد.»

«نعم! لنذهب معًا جميعًا!!»

بينما كان يشاهد الأطفال يُعبّرون عن اتفاقهم ويغادرون الفصل، تنهد المعلم المسمى كيهارا –الذي كان يعمل مهنة حارسًا للطلاب لمنعهم من ترك المدرسة– تنهدًا خفيفًا. تعليم طفل المشاكل درسًا دون أن يسقط في حفرة نفسية قد يبدو بسيطًا ولكنه في الحقيقة صعب. وهذا ما جعله يسوىٰ كل هذا الجهد. ما كان لديه شغلٌ آخر في الفصل الفارغ، فعاد إلى غرفة المعلمين، وأخذ أغراضه، وراح يتجه نحو مدخل المعلمين.

كان في ساحة مدرسة ابتدائية. لكن لسبب ما، وَجَدَ كلبًا مستردًا ذهبيًا بدون طوق ينتظره بطاعة. وبجانبه وقفت امرأة كأنها مساعدته.

وتحدث بصوتٍ ميكانيكي.

تحدث، ليست المساعدة ذات الوجه الطفولي، بل الكلب.

«أوه؟ إذن ستفعلها يا كاغون-كن؟ نظرًا للمخاطر المكتشفة في التحقيق السابق، افترضت أنك ستترك هذه المهمة لي.»

«دخن سيجارًا وسأقتلك. هذه مدرسة ابتدائية. ...وبالمناسبة، أتراني أقوم بهذا العمل حُباً مني؟»

هذا التهديد كان سيرجف أي شخص يعرف من كان هذا المسترد الذهبي، لكن كيهارا كاغون ببساطة مرّ متخطياً الكلب الكبير. لابد أن المساعدة ذات الوجه الطفولي لم تحبه كثيرًا إذ أنها أخرجت لسانها ساخرة، لكنه تجاهلها. لسوء الحظ، عندما يتعلق الأمر بمستواهم الكيهاري، كانت هي أدنى من كيهارا كاغون والكلب الكبير.

بالطبع مع وظيفة كيهارا كاغون، كان يفهم كيف أبداها هذا ظريفة في الواقع.

«لم يُحقق أي كيهارا تقدمًا في مجال الحياة كما فعلت أنت.»

ولا يزال يسمع صوت المسترد الذهبي خلفه.

«لكن احذر. تعمق كثيرًا في [الميلاد] وستجد نفسك مرة أخرى مثقلاً بظلام حسبت أنك قد هربت منه. ...فذلك المجال يتنافس مع بيوري-كن.»

«قل كلامًا أكثر وسأرسل الأطفال إليك مرة أخرى. أم هل تريد من كوموكاوا-كن أن تمتطيك وهي تصرخ "بأسرع ما عندك"؟»

«لا، لا أريد،» قال الكلب ممتعضاً. وبدا أنه خبئ ذيله بين ساقيه.

مشى كيهارا كاغون في موقف سيارات المعلمين بمفتاح سيارته في يده. حان الوقت ليركب سيارته الصغيرة المستديرة.

قاد المعلم في سترة كاردِجان رخيصة وبنطلون إلى إحدى زوايا المنطقة 13. كانت ساحة فارغة بدت عادية تمامًا، لكن لم تكن هذه وجهته. ابتغى المنزل القديم المجاور مباشرة. كان صغيرًا ومتهدمًا. وبعثت أجوائه الحنين في أنفس الناس لكن أيضًا غريب. كان نادرًا أن ترىٰ مثل هذا المشهد السكني القديم في مدينة الأكاديمية التي امتلكت قليلاً من الأراضي والتي فضلت البُنيان الرأسي. ما كان أحدٌ غيره هنا. قاد سيارته عبر طريقٍ خلفي ليتخطى بسهولة الأطفال الذين يسيرون على الطريق الرئيسي. كانوا ذاهبين لينحنوا أمام المُسِنّة في بيتها، لكنهم لم يحضروا علبة كعك.

كيف يعتذرون بدونها في المقام الأول؟

كان الأساس كله خاطئًا أصلاً.

«معذرة.»

مع هذا الإعلان السريع عن حضوره، ركل الباب الأمامي داخلاً فوجد مشهدًا مختلفًا تمامًا. المنزل العتيق الذي بدا عاديًا قد تحوّل. وجد قوارير وأنابيب اختبار ومصابيح كحولية وأسطوانات متدرجة وأطباق بتري ومكثفات وأجهزة تقطير والمزيد المزيد. كانت كل تلك المعدات المختبرية المرتبطة ببعضٍ بأنابيب زجاجية وأغطية مطاطية تبدو كمدينة ملاهٍ مفصلة مصنوعة من الزجاج.

ويبدو أن هناك تركيزاً خاصًا على التبريد.

وُضِعت مكعبات الثلج –التي بدت كأنها صنعت في قالب ثلج– في أطباق نصف كروية لتحيط بالأنابيب الشفافة.

وبدا أن الزجاج المكسور في نهاية المكان –المُطِل على الفناء– قد نُظّف على عجل. تنهد كيهارا كاغون تنهدًا كئيباً بعض الشيء عندما حَسَبَ ما قد هرب وما مقداره. أمكنه أن يُخبر أن هذا سيكون أسوأ من القبض على سلحفاة مهتاجة من بركة الحديقة.

«...طفلُ مشكلةٍ آخر، فهمت.»

كان هذا هو الجواب.

على الأرجح، كان من الدقة القول أن الأطفال قد كسروا زجاجًا.

لكن لم يقل أحدٌ أبدًا إنها نافذة انكسرت.

رأت كوموكاوا ماريا والأطفال الآخرون الكرة تطير نحو المنزل وسمعوا زجاجًا يتكسر، لذا ربما افترضوا بطبيعة الحال أنها كانت "فقط" نافذة.

لم تكن هناك أضواء.

شمس المغيب أعطت المنزل المهترئ تبايناً مخيفاً بين البرتقالي والأسود. أو ربما كان مختبراً. أمكنه سماع كائن حي يتنفس في الخلف بعيد، بعيدًا جدًا. حسّ كيهارا كاغون بنظرة لزجة تتفحّصه ما كانت بوضوح جهازاً ميكانيكياً.

«البحث عن الحياة... لا، تدنيسها. إذن هذا هو الميلاد.»

«...»

استشعر أنوثة رقيقة من الصمت والنَفَس. هل جاءت رائحة الزهور الخفيفة من عطر؟ نادوها الأطفال "بالعجوز"، لكن ربما كانت إساءة بسيطة تتجاهل عمرها الفعلي. فهي أصغر بكثير مما توقع. ولو اهتمت بمظهرها قليلاً، فلربما بدت له بنصف العمر الذي تخيله. ...وهو ممكنٌ أيضًا أن الأطفال في سن العاشرة مثل كوموكاوا ماريا يرون كل من تخرّج من الثانوية "عجوزاً"، لكن كيهارا كاغون قرر أن هذه فكرة كئيبة جدًا لمتابعتها.

تذبذب شيء ما في الظلام الساتر. أكان معطف مطر أو شيئاً كأنه حجاب طويلٌ مديد يمتد من الرأس إلى الكاحل؟

«لأمكنكِ أداء عملكِ في أي مكان، فلماذا اخترتِ مثل هذا المكان الصاخب؟ ...أللأطفال ربما؟ أم جئتِ تبعثين أحدًا مات؟»

مزق شيء ما الهواء المغبر فطار نحوه.

أمسكهُ الرجل بسهولة بيدٍ فوجدهُ نوعًا من المنقار. كان هذا المخلوق المشوه برهابة يمتلك رأسَ طائرٍ جارح، وعمود فقر سمكة، وعدة أجنحة نحيفة كأجنحة اليعسوب. ورمى كيهارا كاغون بسهولة هذه التجميعة من الانتهاكات التي لا يمكنها الأكل أو التنفس بمفردها ولا يمكنها العيش إلا داخل حاوية من الزجاج.

لم يطرف له جفن.

ما حمل تعبير كيهارا أي تغيير أبدًا.

«لا، ليس هذا. إن كنتِ تحاولين إعادة خلق طفلك المفقود، لرأيتُ أغراضه هنا، أو على الأقل علامات لوجود أحدٍ آخر غيرك. فهذا المكان هو إقليمك حصراً.»

«...قد...فشلت...»

«فهل حاولتِ خلقه من الصفر؟ أأعجبتكِ العزلة وصددتِ عنك الآخرين، ولكن في يومٍ وجدتِ نفسك مغلوبةً عند الخوف من الشيخوخة؟ دعيني أكون صريحًا، يا مستجدة. بدلاً من تخطي الخطوات، تعلمي كيف تحبين.»

«خططتُ لحياتي بشكل خطأ تمامًا. وعلي تعويض ما فاتني بأي ثمن...!!»

«ماموث مُجَمّد.»

كان رده قصيرًا.

ربما لأن كيهارا كاغون قد اختار طريق المعلم؛ قرر أن يشرح أكثر. كما لو كان يسعى لفهم مشترك مع الآخرين.

«من المعروف أن جثث الحيوانات التي ماتت منذ قدم الزمان تجمدت وحُفِظت، ولكن قصة أخرى انبقثت من هذا. ...مهما كانت جودة تجميدك لشيء، فإن للتأثيرات حدود. حتى أفضل المُجمّدات المتطورة لن تحفظ الماموث طويلاً بشكله الحسن. ولذا، هذا ليس شيئاً حُفِظ في الماضي البعيد. هذا شكلُ حياةٍ مشابه ولكنه مميز صُمِّم في الأزمنة الحديثة بواسطة شخص غير إنساني باستخدام رحمٍ متجمد. وبالطبع، جاءت هذه الفكرة خلال إحدى فترات الاهتمام بظريات نهاية العالم وظهور الأجسام الطائرة المجهولة.»

«...»

«أياً كانت الحالة، لدي شيء واحد أقوله. ...هذا لم يعد عِلماً. إن قلت، فإن هذه القوانين تنتمي إلى الجانب الآخر خارج عالمنا.»

هز كيهارا كاغون رأسه مشفقاً.

كان بينهما خطٌ واضح فاصل.

ولكن أي أحدٍ عاش حياة طبيعية لن يدرك أبدًا أن هذا الخط كان موجودًا في المقام الأول.

«لعلّ هذا التمييز عدميٌّ لمن في مستوى أعلى، لكنني ما زلت أرىٰ التمييز مهمًا. يجب ألا تلاحقي [الميلاد]. لا يمكنك ببساطة خلق أي شيء تبتغينه ثم ترمينه إلى العالم. أعتذر على أنانيتي، لكنني أيضاً أتقنت مجال الحياة. أعلَمُ أكثر من غيري ما يحدث عندما تُمنَح الأشياء الحياة فوضويًا.»

شيءٌ ما تَلَوىٰ في الظلام.

الشيء الذي يغطيها مثل معطف مطر واقِ أو حجاب طويل مديدُ قد اهتز وارتفع ثم سقط بصمت.

لم تكن الصورة الظاهرة أسفلها إنسانية على الإطلاق. كانت أشبه بإله شرير. أكانت منفرة؟ أم جميلة؟ أيًا كان الانطباع الذي تتركه على الناس الذين يرونها مقابل تدميرهم، إذا كان المرء العادي ليشاهد هذا الشكل مباشرة، لربما كفى لتحطيم شخصيته.

«شخص رزينٌ مثلك من المؤكد أن يدرك في النهاية.»

لكن كيهارا كاغون تنهد بلطف.

هذا كان كل شيء.

وجدها منفرة لأنها كانت أشبه برؤية باحث ملأ دماغه بالعفن ليزيد من سرعة معالجة عقله. لم يستطع فهم لماذا يقوم من عاش حياة طبيعية بمخاطرة كبيرة كهذه. وجدها جميلة لأن الأمر كان أشبه برؤية عيّنة شفافة مثل الكريستال. أشعرت كأنها كيانٌ بعيد لا يترك ثغرة لمشاعرٍ صافية كهذه.

لكن ما كان لأيٍّ من ذلك أهمية للرجل الذي اقترب بتعبيرٍ رصينٍ ما تغير أبدًا.

عندما تمعن الكائن أمام عينيه كما هي، وجدها مجرد كيانٍ ضئيل.

«التلميح كان في أطراف أصابع الأطفال والزجاج المكسور. لإنشاء شيء من الصفر، نحتاج أولاً إلى مخططٍ دقيق. الحسابات وحدها لن تكفي ببساطة. لقد وصلتِ إلى نقطةٍ ما عدتِ تجدين فيها أي معلوماتٍ قيّمة بقراءة الوثائق والحصول على لحم الميّت بكل الوسائل المتاحة لكِ. احتجتِ إلى فتح أجساد أطفال أحياء. لكن لسوء حظك، سأحسم الأمر قبل أن يصلوا إليك بوجوهٍ بريئة. هذا أفضل لكلينا.»

لقد أخطأت في شيء واحد.

مهما كانت ملتوية، ما كان بممكنٍ أبدًا أن تتجاوز كيهارا كاغون.

استغرق الأمر لحظة.

حقاً بطرفة عين.

تجاهل كيهارا كاغون المسافة بينهما فتقدم خطوة لامبالية نحو الظلام. شكل إيماءة مسدس بيده اليمنى وضغط إصبعه السبابة على مركز صدر الشريرة الغامضة. كان هذا كل شيء. فتجرد كل ذلك التشوه المتطرف من الإنسانة الفعلية ولم يتبقَ منها سوى الشكل البشري الضئيل.

ما احتاج أسلحة أو منتجات فاخرة. النظرية وحدها كانت كافية.

«مجرد 80 مليفولت»، همس صوت.

كأنها بالكاد فكرةٌ لاحقة، [1] تحطمت جميع الأدوات الزجاجية. لم تكن أفعال إنسان عادي، لكن كان خطأً التحدث عن هذا الرجل كأنه إنسانٌ عادي. بينما كانت الزجاجات العديدة تلمع بألوان الغروب، قال كيهارا كاغون المزيد.

«هذا لا يزيد عن 1/20 بطارية ذو جهدٍ كهربائي 1.5 (فولت). والكهرباء الحيوية في الإنسان ليست أكثر من ذلك. القلب والدماغ والعضلات والأعصاب وكل عضو آخر يعمل بناءً على فرق الجهد الكهربائي سيعتبر عادةً خطأً هامشيّاً تقريبيّاً في الحسابات الكبرى، وعادة ما يُتجاهل. لا حاجة لاستخدام العالم الآخر هنا.»

«...»

«أتفهمين يا مستجدة؟»

لم يكن لديها فرصة لفعل شيء.

لم يُسمح لها بفرصة للهجوم المضاد. لعلها رأت أنها شقّت طريقها إلى الجانب السفلي من العالم واكتسبت حريتها. لكن لو أنها لم تختر هذا المسار؛ لما التقت به.

«لا يهم مقدار إمكانياتك، ومقدار التدريب، ومقدار تعزيزك لنفسك، أو حتى بمدى حرصك.»

كان حارس بوابة.

لا، صيادًا.

«ما الروح أكثر من هذا. لا مكان لمعجزات رخيصة أو مشاعر بسيطة تُغيّر القيم. يُنقذ كل الناس أو يُقتلوا بمجرد هذا.»

هل أبداهُ أجوفاً؟

أبداهُ نبلاً؟

فقط أولئك من عاشوها أمكنهم القول.



«قالوا إنها انتقلت.»

«قطعنا المسافة لنعتذر ولم تكن هناك حتى.»

ناقشت كوموكواوا ماريا والأطفال الآخرون ذلك وهزوا حقائبهم الملونة في طريقهم إلى المدرسة صباح اليوم التالي. مشى كلبٌ مسترد ذهبي بجانبهم. رأى معلماً يحمل كيساً بلاستيكياً يخوض عراكاً أمام متجر بقالة صغير. نادراً ما كان للمتاجر الصغيرة الحَضَرية مواقف للسيارات، لكن يبدو أنه قد ركن سيارته المستديرة على الرصيف فرصده روبوت أمن كان يمسح لوحة ترخيصه.

«مرحباً»، قال الكلب.

«كان من المفترض أن تكون هذه الوحدة تجري دورية في الشارع التالي. تلك المتدربة...يويتسو، كان اسمها؟ هي من أرسلت هذا الشيء علي، أليس كذلك؟ اضبط سلوك مساعدتك!»

«نعم، آسف لهذا. بفف، بفف.»

«دخان السيجار!؟ إني في طريقي إلى الصف!!»

«آسف لهذا أيضاً. بفف. مدينة الأكاديمية متساهلة حقاً بشأن هذه الأمور علىٰ أنها مدينة أطفال. بفف. إذا سألتني، فهذه ليست مدينة طلاب – بفف – بقدر ما هي مدينة باحثين، ولكن ما رأيك؟ بفف، بفف.»

تحول الدخان إلى شكلٍ مجنون من علامات الترقيم. وما بدا اعتذار الكلب مخلصاً على الإطلاق، وليس لأنه قيل بصوتٍ ميكانيكي. كان كيهارا كاغون مستعداً لركله حتى لو كان كلباً.

استخدم المسترد الذهبي ذراعاً ميكانيكية ليدفع عقبة السيجار العملاقة إلى منفضته للسجائر المحمولة ثم استأنف الكلام.

«هل تستمتع بحماية الأطفال؟»

«أكره أنني يجب أن أحميهم. إنها مأساة أننا نعيش في عصر يُمَجّد المقاتلين.»

طارح كيهارا كاغون الكلمات، وركل الروبوت الأسطواني بخفة، وندم فوراً عندما أصدر صوت صفارة وأُعطي مخالفة أخرى.

تابع المسترد الذهبي من بعد ضحكاتٍ ميكانيكية.

«هذه كل الحياة.»

«...»

«كان ذلك استنتاجك بعد أن قتلت أكثر من أي كيهارا في التاريخ في تجارب بحتة عوضاً عن أي شيء مدفوع بالخير أو الشر أو الإعجاب أو الكره. لقد توصلتَ إلى تعريف الحياة نفسها في صيغة من سطرٍ واحد. ورغم ذلك تعلم أيضا أنها أكثر من ذلك بكثير. هو تناقضٌ بحق، صح؟ قد ختمت الإجابة التي اكتشفتها وما زال فيك تناقضٌ من ذاك المستوى. إذا سألتني، فهذا دليل على أن رومانسية الحياة لأبدية. وبالطبع، تفتقر إلى الذوق الحسن لتقديرها، لذا أفترض أن شيئاً دقيقاً كهذا لن يكفيك لتغفر لنفسك أو للعالم.»

أراد أن يرىٰ شيئاً يفوقهُ نفسه.

عندما رأى أولئك [الأطفال المشاكل] يتخلون عن الظلام الذي يحملونه ويتسلقون بأيديهم وأقدامهم الصغيرة، أراد أن يشمل ذلك شيئاً لم تغطِّهِ إجابته الضئيلة. أراد أن يؤمن أن إجابته كانت وهمًا حسن الصنع ومعقولاً، مثل نموذج المركزية الأرضية أو نظرية اللاهوب.

ما كانت الحياة؟

أراد شخصًا يُعَلّمه أنه كان شيئاً نبيلاً كما اعتقد الناس.

...لم يحمل فكرةً عن كيفية تحقيق تلك المهمة، ولذا كان يعلم أن تكليفها لأحدٍ آخر كان نتيجة أنانية الكبار النمطية.

«ممتاز. رومانسيّتك لجميلة بحق. حقاً إنك مناسب لتكون باحثًا خيّراً.»

«لا أهتم بمديحك الفارغ.»

«إني أقول أنّ حتى أولئك من كرّسوا أنفسهم للعِلم يَحوجُهم إحساسٌ بالجمال. بعضهم سيتفاخر قائلاً إنه لا توجد أسرار في هذا العالم، ويصر على أن الغموض كله وهم، ويدحض كل ذلك بالنظريات العلمية. ...أولئك هم أسوأ الأسوأ. العالِم الذي لا يفهم الأماني والرومانسية ليس بمختلفٍ عن جهاز محاكاة لتطوير أسلحة القتل. هؤلاء الأغبياء سيدمرون العالم فقط للمتعة. هم نتانة كريهة لدرجة أنني بصراحة أُفضّل ألا يطلقوا على أنفسهم باحثين أبدًا. وأسوأ ما في هؤلاء الإمّعات أنهم يفشلون في ملاحظة الذباب المتجمع فوق رؤوسهم. في حين أن الباحثين الذين ينبغي لهم أن يقودوا العالم حقاً هم أولئك من يسمحون للصيغ البسيطة التي أولدوها بأن تثبت ما هو دقيق، ويقبلون النتيجة –مهما كانت– دون إضافةٍ أو تعديل. هؤلاء هم القادرين علىٰ أن يواجهوا رومانسية تكوين بلورات الثلج من زوايا 120 درجة فقط ويستشعروا جمالها بحق.»

«...لربما بكي رئيس المجلس إذا سمعك تقول هذا.»

«لا تقلق. اعتاد صديقي البكاء. وأيضًا، هو مثلك. قد تراه ملتويًا لإنكاره الرومانسية داخله بعناد، لكنهُ جميل في الأعماق. هِه هِه. من الظريف بصراحة أنه يعتقد أنه يخفيها عن من حوله.»

كان هذا الحكم حقاً مروعاً.

كان كيهارا كاغون قلقاً بعض الشيء مما سيحدث إذا عض ذلك الإنسان شفتيه وارتعش.

«على أي حال» قال الكلب. «أنت كتلك السندويشة المحشوة بالمواد الحافظة. تبقى مشرقاً ولطيفاً لدرجة مُنفرة.»

«لا أريد أن أسمع ذلك من كيهارا الخط الأمامي الحالي.»

«قتلتَ الشريرة، ألا؟» استخدم الكلب الذهبي صوته الميكانيكي ليضحك. «ثم أعدتها إلى الحياة. لقد قتلتَ أشخاصًا أكثر من أي كيهارا آخر في التاريخ، لكنك أيضًا أعدت كل واحد منهم إلى الحياة. في المدينة الأكاديمية العديد من الأشخاص الذين يعاقبون أولئك من دنّسوا الحياة والموت، ولكنك الوحيد الذي عَيّشهم ذلك بأنفسهم.»

«...»

كثيرٌ من الناس نظروا إلى الحياة باستخفاف ووصلوا إلى البحث المعروف باسم [الميلاد] لأنهم لم يفهموا ما كانوا يتورطون فيه. نظرًا لإمتلاكهم حياة واحدة فقط، أمكنهم فقط تجربة الموت بتخيّله. أو هكذا أخبرتهم أفكارهم الثابتة.

لذا كان عليهِ أن يُريهم. ما إن يفهموا مدى رعبها، لن يحاولوا مرة أخرى الوصول إليها أو لمسها.



التعلم من التجربة.

كان هذا الدرس الذي قدّمه الرجل الذي كان أقوى الكيهارا في زمانه والذي بدأ الآن مساره مُعَلّماً.

تعليقات (0)