قصة الذهب الفرعية - فهرس سحري معين عهد التكوين
(إعدادات القراءة)
(تحميل المجلد)
كنا في أواخر القرن التاسع عشر.
حيث كان معبد إيزيس-يورانيا يقع في إحدى زوايا العاصمة البريطانية لندن. أو بالأحرى، كان شقة تحمل هذا الاسم.
هذه قصةٌ من حقبة سبقت طرق أليستر على ذلك الباب. عن زمن كان من صوب أكثر هدوءًا.
مينا، قد نصفها باختصار أنها شابة مجتهدة ساذجة، وكانت سهلة الخداع دائما.
لطالما رأت [آني إليزابيث فردريكا هورنيمان] الأمور بهذه الطريقة.
وفي الواقع، كان ذلك دافع آني للانضمام إلى [جماعة الذهب].
خافت على مينا.
ما عساها تترك هذه الفتاة الساذجة تقترب من موضوعات كمثل [شاي آسيا] أو [بناء الموانئ في العالم الجديد]. كانت وبلا ريب ستقع ضحية لأحد مخططات الثراء السريع. ولقد استحقت أن تعيش حياة خَلَت منها ما قبح العالم وما خرب. فلها أن تترك أتعاب العائلة وأشغالها لشقيقها الأكبر —المُحب لكل تلك الأمور المعقدة— بينما تتزوج مينا من أحدٍ تحبه بصدق. لا، وما حاجتها للزواج. بل كان عليها فقط أن تنسى مسألة الجنس وتختار عيش باقي عمرها معي بدل أن—
«مينا، هل تقبلين ماذرز زوجًا لكِ وتقبلين الاسم الجديد مينا ماذرز؟»
«أقبل. أنا سعيدة للغاية بأنكم جميعًا في عصبة الذهب تُقيمون هذه المراسم من أجلنا.»
.......
انتفخت وجنتا آني وحيدة. كانت أيضًا على حافة البكاء.
مشهد مليء بالسعادة العارمة يتجلى أمام عينيها.
(.....)
كان مشهدًا مشرقًا ساطعًا لدرجة شعرت وكأن الضوء يقتلها. في هذه اللحظة، تمنت لو تتحول إلى حلزون.
(ما أنضممتُ إلى العصبة لأسلّم حبيبتي مينا إلى ذلك الرجل المشبوه!!)
قرأ [وليام وَين وستكوت] الصحيفة بصرامة.
كان أحد المؤسسين الثلاث لعصبة الذهب.
«[جاك السفاح]، ها؟»
وحتى هذا كان موجودا في ذلك الوقت. أثارت جرائم القتل المتسلسلة البشعة مشاعر الناس البدائية كثيرا، لكنها وبطريقة مفارقة ساعدت على دق ناقوس الخطر في المجتمع الطبقي للإمبراطورية البريطانية. أثبتت أن الفقر والخوف كانا موجودين حتى في إمبراطوريةٍ صعدت قمة العالم.
كانت أهداف جاك السفاح بالطبع مجهولة.
علم النفس كان لا يزال في مراحله الأولى، ولذا كان صعبًا عليهم تحديد هويته.
«إنه لأمرٌ محزن، حقًا. مثل هذا تسبب في ضجةٍ كتلك، ومع ذلك فإن شرطة [اسكتلندا يارد] الشهيرة ما وجدوا بعد خيوط الجاني. وحتى هذا المقال يتحدث عنه وكأنه باء من الماضي والقاتل نفسه ربما لا يزال يسير بيننا في الشوارع.»
مهما كان هدفه، فإن قوة عقل القاتل الشريرة قد هزّت الناس بينما كان يسعى لتحقيقها. لقد خلق ظاهرةً اجتماعية هائلة تتجاوز ما يسع مجرم واحد أن يفعله. ووفقًا لمصطلحات الذهب، كان مخلوقًا خطيرًا متخصصًا في تسخير القوى القُليفوثية. وكلما أسرعوا في القبض عليه، كان ذلك أفضل.
كان معبد إيزيس-يورانيا – أو الشقة التي تحمل هذا الاسم – يعبق مرة أخرى برائحة الزيت الرخيص المحترق. لم يكن للمصباح فوق الطاولة أي معنى عميق يتعلق [بمصر القديمة] أو [الوردة والصليب]؛ كان مجرد وسيلة لتقليل التكاليف التشغيلية. أرادوا توفير قدرما استطاعوا في الكهرباء والمرافق الأخرى.
[سيدة الحفلة التنكرية]، بفستانٍ أحمر مبهرج وبقناعٍ دائمًا ما ترتديه حتى في قاعدة الجماعة السرية، كانت تستلقي على أريكة وتنفث دخان غليون طويل ورفيع. وفي يدها الأخرى تحمل كأسًا من البراندي. لا يزال الوقت صباحًا، لكنها أخذت كمية مضاعفة. كان هذا الجانب من الممثلة الشهيرة خفيًا عن الجمهور. لم يكن للقناع الأملس عيونٌ أو فم، ومع ذلك كان طرف الغليون وحافة الكأس يمران عبره بطريقة ما، وكأن القناع نفسه مصنوع من دخان أو سائل.
اكتسبت وهجًا كوهج ليليث وقت الثمالة، وقالت وهي مستلقية على الأريكة كوحش قططي:
«هوه؟ يا حضرة الطبيب الشرعي [1]، ما علمتُ أنهم كلفوك بمنطقة [إيست إند].»
«يا ليتني كنت، وإلا ما كنت مغتاظا للغاية. كنت لأتفهّمَ لو كانت هذه حربًا فردية ضد الأغنياء أو ضد جنودٍ دَمّروا المستعمرات، لكنّه لا يستهدف إلا البغايا [2]. هن في كربٍ يكفيهن، لذا فِعلُهُ هذا لا يُغتفر أبدا. فكيف بإزالتهن تتحسن البلاد؟ واضحٌ أنه لا يفهم هيكل المشكلات التي أجبرت أولئكن النساء على العمل في هذا المجال منذ البداية.»
كما ترون، كان لوستكوت قلبٌ رحيم وكان ذو مكانة اجتماعية، يحب الأعمال التفصيلية، وأصدقاءه ومعارفه كُثُر. طبيعته الجادة لطالما أودته إلى مواقف مُحرجة؛ كأن يُحادث امرأة شابة عن "أسباب بيع النساء أجسادهن"، لكن فيهِ جاذبية غامضة تجعل من حوله يغفرون له ويضحكون.
ببساطة، كان ذو شخصية.
بدونه، لكانت مجموعة الشواذ التي تُعرف بعصبة الذهب قد انهارت قبل أن تبدأ.
«فهل يكفيكِ هذا يا آني؟»
«لو كان مسرحا، لأردتُ رافعة في السقف.»
«هيهي. أنسيتِ أننا ما زلنا في مرحلة التخطيط؟»
كانوا يناقشون في [سراديب الموتى]... وهي غرفة خاصة حيث وحدهم السحرة المهمّون يُجرون فيها الطقوس.
لكنهم لم يحتاجوا فعليًا لحفر مكان تحت الأرض. [فسراديب الموتى] كان مجرد اسم. هم يخططون في كيف يجعلونها قابلة للتفكيك بحيث ينقلونها إذا اضطروا لتغيير الموقع.
مع العلم أن هذا هو أكبر مركز طقسي سحري في العالم، قد يتصور المرء أن المكان مليء بأنقاض حجرية وهياكل عظمية كسراديب موتى باريس، ولكن بدلاً من ذلك كانت الجدران والأرضية مطلية بألوان أساسية ومليئة بأسلحة رمزية مصنوعة عن طريق لصق مغناطيسات قوية على أطراف عصي خشبية أو طلاء الزجاج الشفاف بلون أزرق.
والإضاءة في السقف كانت كهربائية.
كانوا يستخدمون أي شيء متاح. هذا كان أسلوبهم في عصرٍ قبل انفصال العِلم عن السحر.
[مينا] تخرجت من مدرسةٍ للفنون، فكانت تعطي شكلاً للصور التي تدور في رأس زوجها [ماذرز]، لكنهم حصلوا أيضًا على مساعدة من [آني] و[سيدة الحفلة التنكرية].
وصنعوا مكانًا للطقوس يستخدم منطق المؤثرات المسرحية.
وهذا لم يكن مجرد عرضٍ مدرسي – فقدْ رفض هؤلاء المحترفون قطع أي زاوية.
كان بيتُ ماذرز وزوجته في باريس، لكنهما زارا معبد لندن لهذا العمل. ولم تكن آني سعيدة بفرصة قضاء وقت مع صديقتها القديمة.
«ربما بالغتُ قليلاً.»
«أوه؟ مينا، تتذكرين أيام المدرسة؟»
«لقد عدّلتُ تعديلاتٍ جريئة، لذا آمل ألا يُغضب أولئك من في المعبد الأول في ألمانيا.»
«لا عليكِ. فهناك قصصٌ غرائبية [3] عديدة عن تقنيات عالية أيضًا، كحديث الكاميرات تسرق أرواح الناس أو تمتص طاقة الحياة، أو مثل نماذج التشريح المدرسية التي تتحرك ليلاً، أو كسماع أصوات غريبة عبر الهاتف. وغيرها قصصٌ كثيرة عن أشباح يظهرون على المسارح.»
ليس هذا فقط، بل لم تكن [عصبة الذهب] الوحيدة التي استخدمت الأداء المسرحي لتعزيز الطقوس السحرية. لم تكن الأنابيب الموسيقية والجوقات المسيحية لتتخذ هذه الصورة لو لم يصممها أحدٌ لهذا الغرض.
عندما يرتدي الساحر زيًا أسطوريًا (مثلوجيًا) ويصعد إلى المسرح، فإنه بذلك يتخلص مؤقتًا من قيود الواقع.
هنا، يمكنهم أن يصبحوا التلاميذ الذين اكتشفوا جثة CRC المحفوظة.
«مينا، ألا تريدين مصعدًا مسرحيًا؟ تلك التي تُحدث – طاخ! – فيظهر الممثل منطلقا من تحت الأرض. هل أحضر لك التصاميم؟»
«سيبكي المؤجر إذا عدلنا الشقة لتلك الدرجة.»
في الآونة الأخيرة، أصبح [آرثر إدوارد وايت] محور الاهتمام. تحت ذريعة اختبار دقة بطاقات التاروت التي كان يطوّرها ويحسّنها، كان [إدواردُ بِريج] و[جُون وليام بُرودي-إنِس] وآخرون يتجمعون حول الطاولة. وغياب إدراك [وايت] بأن سبب سير الأمور بسلاسة كانت بفضل مساعدة [وستكوت] أظهرت أنه يحتاج وقتا أكثر ليلحق بالمؤسس.
كان [وايت] يُفسّر البطاقة التي قلبتها [مينا]. وكان [وستكوت] يحترم استقلاليته لكنه قَدّم له تلميحًا خفيًا إذا استصعب أمرا.
«التفسير الواضح سيكون قوى القمر: الأحلام، والخيالات، والغرائب عمومًا. [الرجل المشنوق] بجوارها يشير إلى مستوى آخر من الوجود. في هذه الحالة، ربما [الطائرة الأثيرية]. وهذه البطاقة تشير إلى [امرأة]. بما أنها [الكاهنة العظمى]، فربما تكون أصغر منكِ. كزميلة أصغر أو أخت.»
«وَيْ.»
«ولكن يا سيدتي، بطاقة [البرج] هذه تُقلقني. تُخبر أن عليك الحذر من مبتدئٍ. الدمار، والفضيحة... قد يعني هذا أنكِ ستدخلين في شجار لاحقًا. ولكن الجمع بين [مرحلةٍ] أخرى وشجار لأمرٌ غريب.»
«مينا!!»
اقتحم ماذرز الغرفة.
رفع هذا الأحمق، البارز حتى بين أولئك الشاذين، صوته.
«ما معنى هذا؟ أكره القول، لكن روحًا شريرةً بالتأكيد سكنتكِ. وإلا كيف تفسرين هذا النقص الفظيع في الأحمر؟ لا أتحمّل رؤيته. الحالة المؤسفة والبائسة لهذا البيض في الطبق تخبرني أن السُفَيرة الخامسة من جِفورة – أي قوة المريخ – تَضعُف!!»
«آهٍ يا حبيبي، نسيتُ أنك لا تأكل بيضة مقلية إلا إذا طهيتها على جانبين حتى يجمد الصفار تماما.»
«كفى عنك الشكى وحضري البييييييض!»
لماذا لا يطلب هذا الرجل ببساطة أن تطهو البيض أطول قليلاً؟ مبالغاته هذه أوجعت رأس آني.
«مينا، لا تدللي هذا العاطل الفاشل وإلا ازداد سوءًا.»
«لكن يا آني، لا شيء أمتع في نظري من أن أعتني بزوجٍ عاجزٍ تمامًا عن الاهتمام بنفسه☆»
«بالغتِ دور الزوجة المحبة كثيرا حتى دخلتِ دوامة من الهبووووط!!!»
أجاد ماذرز الملاكمة والمبارزة، ويتحدث اللاتينية والعبرية بطلاقة، وأتقن الشيفرات العددية. كان موهوبًا في كل مجال تقريبًا، لكنه افتقر وبشكل كارثي إلى الحس السليم والتعاون والقدرة على كسب المال بجهد ليوم واحد. السماء وهبته هبةً وحرمته ما غيرها. لذا باستثناء مينا ووستكوت، ما استطاع أن يحادث الناس إلا بإدخال كلماته وسط الشجارات.
كانت وفاة [آنا كينغسفورد] مأساة.
قيل إن تلك الخبيرة كانت الوحيدة القادرة على جعل ماذرز يُطيع كلمتها وتُسكِتَهُ بقبضتها.
يا ليتها فقط نقلت هذا السر قبل وفاتها.
مؤخرًا، دعت [سيدة حفلة التنكر] بعضًا من عصبة الذهب لتُشكل جماعة صغيرة من الأصدقاء.
عُرِفت باسم السُفير. [4]
كونهم أكبر عصبة سحرية في العالم له عيوبه. عندما يجتمع عدد كافٍ من الناس في غرفةٍ واحدة كبيرة، يميلون إلى الانقسام إلى مجموعات أصغر.
وفقًا لأحدث اتجاهات علم النفس، قد يكون هذا نتيجة ثاناتوس، الدافع العقلي لتغيير التقاليد القديمة والمنظمات.
...ورغم أن هذا قد يبدو دراميًا، إلا أنها ظاهرة تُرى عادةً على طاولات الحانات.
في يومٍ، وصل العظيم ماذرز إلى معبد إيزيس-يورانيا (الذي تفوح منه رائحة زيت المصابيح المحترق لدرجة أنهم ربما ماتوا جميعًا لولا مدخنة الموقد).
ما قاله هنا جاء فجأة ودون سياق.
«أنا أحد النبلاء المختارين لأحمي عامة الناس.»
«أنتَ من؟؟؟»
رد آني العاقل (البارد كالجليد) لم يدفعه لتصحيح نفسه.
النظرة في عينيه كانت مقلقة. نظرة داكنة.
كانت حدقتاه متوسعتين تمامًا.
ما كان عليّ أن أرد، كما فكرت آني والندم ظاهرٌ على وجهها. كنا في أواخر القرن التاسع عشر، ولم تُخترع القاعدة الذهبية التي نصت على تجاهل المزعجين بعد.
علاوة على هذا، قد لاحظت آني مسبقًا أن هذا الرجل كان يقوم بشيء غريب بعيدًا عن نشاطات الجماعة.
«حقًا، لا أصدق أنه استغرقني كل هذا الوقت لأدرك أن دماء النبلاء من الهايلَندر تجري في عروقي. أوه، معذرةً إذا أربكتكم، ولكن اطمئنوا الآن وسمّوني من الآن فصاعدًا [الكونت غلينستري]!! نعم، أظهروا لي احتراما أستحقه أيها العامة!!!»
نبيل؟ ما الذي يهذيه هذا العاطل؟؟؟
...لعلّ عقله لم يتحمل فراغه الطويل دون عمل.....
ولكن، إن كان كذلك، فلِمَ لا يتوظف؟
اختارت [آني هورنيمان] أن تناقش الأمر مع أحدٍ قد يفهمها. شدّت على ثياب المرأة بجانبها.
«مينا، عذرًا، مينا مينا. أظن زوجك مرهق نفسيًا، لذا لربما يكون أفضل له أن تُرسليه إلى قصرٍ عتيق هادئ أو ملاذ وسط الجبال. ويا حبذا لو يكون للأبد.»
«هيهي. يه يه. يا حبيبي، خيالك واسعٌ حقا. انظر، أحلامك وخيالاتك تسيل منك. فهلا تريد من زوجتك أن تمسح فمك لأجلك يا مدللي؟»
«حتى هذا لم يكسر روتين الزوجة الحنونة؟ ولكن إذا خرج هذا للعلن، فضررٌ حقيقي اجتماعي سينفجر!»
كانت عائلة آني ذات ثروة من تجارة الشاي، وهي أيضًا كانت موهوبة في كسب المال؛ إلى درجة أنها ستبني لاحقًا مسرحًا كبيرًا.
لذا، كانت هي من تموّل حياة مينا وزوجها. ليس لخاطر ماذرز العاطل، بل لدعم حبيبتها مينا! ولكن إذا بدأ ذلك العاطل يُبربر علنًا أنه من النبلاء أو الملوك، فقد يضر بسمعة مينا، ناهيك عن سمعة آني نفسها وهي تدعمهما!!
كانت بطاقات التاروت موجودة منذ زمن بعيد. أسماؤها وعددها اختلفت. [آرثر إدوارد وايت] بدا غير راضٍ عن دقة نسخته الأولية التي غيّر فيها الأرقام والرموز حيث كان يعبث ببعض البطاقات بينما يحتسي كأسًا من الويسكي.
«الموضوع يا ويستكوت....»
«هممم؟»
«أنا أحبك حقًا.»
كانت هذه العبارة وحدها كافية لتفهم نوع الساحر الذي كان عليه.
عموما، كان هناك خطان فكريان داخل عصبة الذهب.
ولم تكن شيئًا أنيقًا كالدائرة الداخلية والدائرة الخارجية أو الفيلق الأول والثاني.
بالعكس تمامًا.
جماعةٌ أرادت إتقان السحر وتغيير العالم، وجماعةٌ رأت السحر موضوعًا جذاب تُلهم منه حديثا يستأنسون به داخل المجموعة.
كونها الأكبر في العالم، لم تفتقر عصبة الذهب إلى الناس. فبعضهم، مثل الطبيب [وستكوت] والدكتور [بِريج]، كانوا يتمتعون بالسلطة الرسمية والمكانة الاجتماعية. وبعضهم الآخر، مثل [آني] و[سيدة حفلة التنكر]، كانوا جزءًا من عالم الفنون الباذخ. كما كان لديهم عددٌ قليل من الشعراء وكتّاب السيناريو المشهورين عالميًا. حتى [مينا ماذرز] كانت ابنة عائلة بيرجسون (على الرغم من أن الزوجة اللطيفة لم تدرك امتياز نسبها).
مهما كان المجال الذي يعمل فيه المرء، فإن الانخراط في سر مشترك ليست طريقة سيئة لبناء العلاقات.
من هذا المنظور العالمي، كان ماذرز شخصًا غير جذاب استثنائيا لتوليه موقعا مركزيا في العصبة.
ففي نظره، السحر كان كل شيء.
وصف ماذرز بالجهبذ أو المتفاني كان حسنًا، ولكن الحقيقة هي أن هذا العبقري في السحر لم يملك سوى ألقابٍ رسمية قليلةٍ متواضعة. لم يملك مالاً ولا مكانة، وسلوكه العجيب المتكرر كان فقط يثير الجدل. ومع ذلك، لم يكن شخصًا غامضًا يعيش بلا عمل. فعليا، كان يعمل. لأن آني كانت تجد له وظائف. ولكن ولا واحدة دامت طويلاً. فدائمًا ما يرجع إلى بطالته سريعًا. والآن يَدّعي أنه من نسل النبلاء الاسكتلنديين.
كانت رسائل وستكوت مطعونةٌ في صحتها، ولكن ولا واحدٌ في العصبة صَدّق أوهام ماذرز حول نسبه. لأن لا شيء قاله قد يُغير حقيقة أنه وُلِد لأبٍ موظف في مكتبٍ من الطبقة المتوسطة في لندن.
وزوجته مينا كانت تتظاهر بلطف مصدقةً مزاعمه، لكن من يعرف ما كانت تفكر فيه فعلاً. حسب شخصيتها، ربما صدقته؟ ولكن من جهة أخرى، هي كانت ابنة عائلة بيرجسون التي أسقطت مكانتها بزواجها من ماذرز، لذا ربما لا تبالي بنظام الطبقات في الإمبراطورية البريطانية لعصر الملكة فيكتوريا.
«لا أستطيع أن أعزل نفسي عن الحياة العامة لئلاحق السحر مثلما يفعل ذاك "الكونت غلينستري". ولا أن أطارد أحلامي كما تفعل زوجته.»
«لا تقارن نفسك بهما. ليس الجميع قادر على عيش تلك الحياة. هما غريبان حتى في العصبة.»
«نفس الأمر ينطبق على هذه البطاقات. أتحدث عن استخدامها لتصنيف السِفِروث، لكن قراءة الطالع في الواقع تدور حول الفوائد العملية، صح؟ البنسات، الشلنات، الجنيهات... إني مجرد رجل سخيف لا يكف عقله عن الأرقام. مهما حاولت، أشك أنني سأكون ساحرًا مثلك.»
«تشعر بالذنب لعيشك حياةً مريحة؟»
«هناك 7=4 من يصرّ أنّ أي ساحر يركز على مال الدنيا هو من الدرجة الثانية.»
«ذلك مجرد حسد جاء من البطالة.»
فقط فردٌ آخر من فئة 7=4 من يمكنه التحدث علنًا عن ماذرز بهذه الطريقة. وبصفته ساحرًا ماهرًا يتمتع أيضًا بمكانة اجتماعية حقيقية، كان وستكوت وحشا مختلفًا آخرَ.
آرثر إدوارد وايت انكمش في مكانه وكأنه يتمنى أن يختفي.
«أخجل من هذا، لكنني ببساطة لا أكف عن جني المال. وما إن تكتمل هذه البطاقات، ستجلب لي ثروة. أنا متأكد أنها ستستمر في الإنتاج والبيع حتى بعد موتي. وتستمر في تحقيق الأرباح إلى أن يكف الناس خوفهم وفضولهم من نبوءاتها الغامضة ومستقبلهم المجهول.»
لقد كان يقترب من اختراع يمكن أن يكون —بطريقة ما— أعظم من تعويذة سحرية، ولكن هذا لا يعني أنه كان فخورًا به.
كان هذا تلميحًا إلى المعنى الحقيقي وراء كلماته.
وستكوت وماذرز.
اثنان من المؤسسين الثلاثة.
«لهذا السبب أحب أن يقود العصبة أحدٌ يوصلنا إلى اتفاق مع العالم الواقعي.»
«لا، لا تشرب.»
ماذرز، الذي كان محبًا للشرب ولكنه مفلس، شعر بالإحباط. لكن وستكوت لم يرجع.
«اسكر كما تشاء بَعْدَ أن ننهي أفكارنا حول [الرؤساء السريين]. لقد اكتشفتُ وفككتُ جميع كتب الشيفرة الأصلية. كان يفترض عليكَ أن تُنشئ طقوسًا مختلفة بناءً عليها تسع لأي شخص قراءتها. أما هكذات خططنا؟»
[الرؤساء السريون] كانوا كيانات غامضة يُقال إنها تمنح الإذن بإنشاء عصبةٍ سحرية، ولكل شخص فكرةٌ مختلفة عنهم. قال وستكوت ادّعى أنه يمكن استعارة قوتهم بسؤال كاهنة في ألمانيا البعيدة. وقال ماذرز إنهم كائنات غير مادية ولكنه تفاخر بأنه يستطيع الاتصال بهم مباشرة. وبعض السحرة قالوا عنهم أنهم مجرد أناسٍ عاديين يمشون على قدمين ويشربون القهوة في المدينة.
تنهد الشايب المحترم وستكوت وقال.
«إذا كان استخدام عقلك يزعجك كثيرًا، فلِمَ لا تذهب إلى التبت البعيد وتبحث عن [الرؤساء السريين] في العالم المادي؟ افعل ذلك وسأشتري لك ما تشاء من الويسكي الإسكتلندي.»
«اص اصص!!» قال الدكتور بِريج بسَبّابته على فمه مُتروِّعاً.
وحده وستكوت، من كان بنفس مستوى ماذرز، قادر على لفظ مثل هذه النكت على العصبة الذهبية.
في هذا العصر، آمن السحرة أنهم سيحصلون على حكمةٍ وقوة لا تُدرك إذا سعوا في رحلةٍ طويلةٍ إلى التبت، ولكن ماذرز مَقَتَ أن بعض الناس سيرمون الجهد والدراسة طامعين في "غوامض شرقية" ترفع من مستواهم.
«أقول أن ننسى فكرة الرؤساء السريين وبدلا عنهم ندرس وسائل تُوَصّلنا إلى مستوى أعلى.»
«أيا كان حال، هذا ليس حديث الطعام والشراب. أساسا المشروب هو مكافأة لمن أنهى عمل يومه. والآن يا ماذرز، سأستخدم العبارة التي تكرهها أكثر من أي شيء آخر في هذا العالم: ابدأ العمل.»
حدّق الدكتور بِريج في وستكوت، وكان واضحًا أنه يريد قول شيء.
الكاهنة المدعوة [آنا سبرنجل] كانت شخصيةً غامضة لم تظهر أبدًا إلا في رسائل وستكوت. لم يرها أحدٌ قط في الواقع.
كانت أكثر من مجرد صديق لصديق؛ كانت أشبه بمعلمة صديق ذلك الصديق.
أوكان ذلك "الرئيس السري" موجودًا حقًا؟
أحَبَّ هذا الساحر المشي ليلاً.
كان ماذرز عبقريًا مُزعجًا لا يغادر منزله أبدًا، وبدل ذلك كان يعتمد على طلابه ليُزَوِّدوه بالمشروبات والجبن، لكن كان هناك مكان واحد حتى هو أتعب نفسه وأخذ وقته يذهب إليه: المتحف البريطاني. كانت النصوص الكثيرة المحفوظة هناك الشيء الوحيد في العالم التي امتلكت سُلطةً كاملةً عليه. ولأنه أحد المؤسسين، فربما من البديهي القول إنه كان دودة كتب بكل ما للكلمة من معنى. لم يكن يزوره بانتظام، ولكن بما أنه كان انزلق إلى ظلال لندن، فقد أراد أن يقرأ كل ما يستطيعه اليوم.
([كتب السحر] التي تحمل اسم ذاك الملك أصبحت أكثر شيوعًا في الآونة الأخيرة. الآن، سيكون من المفيد للعالم لو بحثتُ عن أقدم السجلات التي أستطيع العثور عليها ثم ألخّص نقاطها الرئيسية ثم أعد قائمة بسيطة تُظهر ما إذا كانت مرتبطة بذلك الملك أم لا.)
«تجميع كل تلك النصوص في مرجعٍ واحد سيكون اختراعًا عظيمًا. همم، لكن ذلك سيزيل متعة التنقل في متاهة الأرفف.»
ضحك ماذرز وهو يتجول في ليل لندن. بدا أنه قد نسي تحذير آني من أن ضحكته الشريرة العبثية هي ما تلفت انتباه السلطات أثناء دورياتها. لكنه لم يكن يستمع إليها منذ البداية.
كان متأخرًا في الليل. ولم يعد المتحف يستقبل الزوار العاديين.
لكن ساحرًا بارعًا بهذا القدر لم يرى أنه مضطر للدخول من الباب الأمامي، ليس والمعرفة تنادي باسمه. وبصفته كونت، كان من باب اللباقة أن يُجيب دعوتها ويقبل كرم ضيافتها.
فإذْ فجأةً بألمٍ يُصيب ماذرز بعد أن خطا ثلاث خطوات أخرى في الشارع المظلم.
لقد كان هجومًا جسديًا.
وكأنها ضربةٌ بمطرقة.
مرّ التأثير الثقيل عبر عباءته السميكة وملابسه ليصل إلى جلد كتفه الأيمن.
(انكسرت.)
أدرك ذلك فقط بعد أن أصيب.
بالطبع، ماذرز لم يكن ليرتكب مثل هذا الخطأ عادة. كان سيكشف فورًا نية المعتدي بالهجوم ويرسل عليه أحد ملوك الشياطين السبعة ليُواجهه.
«همم.»
(هذا يعني أن هذا العدو يعرف أساليبي فوَجَد ثغرة فيها.)
كان السحرة تقنيين. إن تعطيل ذراعه المهيمنة أولاً كان قرارًا حسنًا.
خطا ماذرز خطوات أخرى وكأن شيئًا لم يحدث، ثم التفت للخلف.
لو كان هناك أحد، لكان هذا مثل الصدى يُجبره على الالتفات أو أن يتفاعل بأي شكل، لكنه لم يفلح.
كان الشارع مظلمًا خاليًا.
لقد ركز على المكان الخطأ.
مدركًا ذلك، ضحك ماذرز ضحكة ساخرة من نفسه.
«إذن حتى الإمبراطورية البريطانية ليست آمنة؟ لو حدث هذا الهجوم في وضح النهار، لظهرتُ في الصحف ضحيةً لجريمة مسرحية أخرى.»
وهذا أيضا موجود في ذلك العصر.
ولربما شكّل هذا الهجوم مادة جيدة للموضة الجديدة في علم النفس. فقد أثار أحد القتلة الملولين ضجةً صغيرة، وكان ذلك كافيًا ليشوّه العالم. الجرائم كانت تنمو وتتطور لتجعل مستوى الإثارة الحالي شيئًا من الماضي.
أطلق ماذرز شخيرًا ساخرًا من الضحك.
أوكان هناك سحرٌ يُستخدم لهذا الغرض؟ بدت مألوفةً له، ثم أدرك أنها تعويذة استحضار قد وسّعها هو بنفسه بناءً على كتاب شيفرة معين.
«أن تكون الأكبر في العالم له سلبياته حقًا. فهناك الكثير من الخونة المُندسين.»
كان معبد إيزيس-يورانيا اسمًا مهيبًا، لكنه في الحقيقة كان مجرد شقة مستأجرة من قبل المجموعة. باستثناء أرضية الطقوس، كان الضوء الوحيد يأتي من مصباح زيت. وكانت هناك ظلال في الزوايا.
لم يكن لديها شيء ملموس تعتمد عليه.
لكن عينا مينا ماذرز انخفضتا إلى خاتمها وهي تتحدث بهمس.
كانت ساحرة من الطراز الأول وكانت أعظم أسلحتها الفن. وقد أنشأت عدة نصوص عن أشكال مختلفة من الرؤى والتأمل كمواد مرجعية للعصبة.
«حبيبي... لا، لا يمكن...»
تمزقت ظلال الليل، لكن ثقة ماذرز ظلت سليمة.
«هل تعلَّمت هذا من المجتمع العادي؟ "مسرحيٌّ" هو أفضل وصف له حقا. الطريقة التي تحفز بها هذه الجرائم المشاعر الأساسية لدى الناس في وقت قصير تُظهر أنها صُممت من قبل شخص يفهم أساسيات المسرح.»
ألم يكن أحد أعضاء [عصبة الذهب] يأمل في بناء مسرح؟ أليست هي المرأة التي أرادت تمزيق علاقة ماذرز ومينا؟
لكن ماذرز لم يكن ساذجًا كفاية ليُنهي بحثه عن الجاني هناك.
في الواقع، بخلاف المسرح العادي، لم يكن على الساحر البحث عن الجاني إطلاقا. اللعنات تعود إلى صاحبها. أو يمكن إعدادها لتفعل ذلك. إذا هَزم هذا وألغاه، فسوف يضر أيضًا الساحر المُسبب.
وإذا كان لديه وقتٌ فائض، يمكنه دائمًا البحث عن الخائن الأحمق بينما يتلوى ألمًا بسبب لعنته، لكن ماذرز ليس بهذه القسوة. وَلْتَمُت تلك الدودة في فجوتها بين الجدار القذر والصندوق الخشبي التي تختبئ وراءه.
ربما يبدو [الاستدعاء] و[الاستحضار] أمورًا مثيرة للإعجاب (وكان ذلك متعمدًا لأن ماذرز والسحرة الآخرون في الذهب أطلقوا عليها هذه الأسماء لهذا السبب بالذات)، لكن لم تكن هناك حاجة لبناء ملاك كامل أو شيطان من أجل إنتاج قوةٍ مميتة. سيكون ذلك مجهودًا مهدورًا، وأن البدء بها — وبالتالي القدرة على التفكير — تخلق خطر التمرد.
ختم الطلسمان (تليزما) في تعويذةٍ أو سلاح كان كافيًا لمعظم السحر، ولم تتطلب حتى مادة موجودة.
«ومع ذلك، هذه نسخةٌ مرتجلة. أظن أن وايت لا يزال يحاول تحسينه.»
همس ماذرز فقط.
شيء ما كان يطفو في الهواء.
ورقةٌ واحدة. كانت موجودة منذ البداية. لكن في الليل المظلم مع مصابيح الشوارع المتناثرة فقط، شيءٌ بحجم ورقة شجرة كان سيمر دون أن يُلاحظه أحد طافيا في النسيم.
كانت ورقة تاروت من الأركانا الكبرى: [الساحر]. كانت تعني البراعة، وفخ العدو، وقوة الإرادة. كانت فرصة لبدء شيء ما وبدايةً للتغيير.
(فهمت.)
أخبره ذلك بالغرض وراء هذه اللعنة.
وبمجرد أن قام بتفسيرها بدقة، ظهر على الأرض مباشرةً أسفل البطاقة الطافية خطٌّ من الضوء. انحنى الخط وفقًا لنوعٍ من القواعد، راسمًا نجمة حادة الزوايا على الأرض. كانت النجمة بعرض حوالي مترين، وتم رسمها بخط مستمر واحد. لم تكن هذه الرمزية تتخصص في عنصر معين، بل كانت مزيجًا من جميع العناصر.
لم تُخلق من جديد.
هذا المعنى كان موجودًا في البطاقة منذ البداية. يمكنك القول إن ماذرز نفسه أعطاها شكلاً خارجيًا مؤقتًا باستخدام قوة خياله. فهو، بعد كل شيء، أحد مؤسسي العصبة بدرجة 7=4. لو أراد، لأمكنه أن يعتبر البطاقة الطافية قلبًا، ويلف حولها عباءة كثيفة، ويحولها إلى "شخص زائف" بظل ثلاثي الأبعاد... لكن بعد التفكير إلى هذا الحد، تنهد الرجل المهووس. قلل تركيزه متعمدا. لم يكن بحاجة إلى تحليل جميع التفاصيل هنا بدقة. معرفة المعنى والإحداثيات كانت تكفي.
النجمة الثمانية كانت ترمز إلى قوة المعدن. وإذا استُخدمت عمدًا بشكل غير صحيح، يمكنها أن توجه ضربة قوية لأي شيء مكون من العناصر الأربعة التي تشكلت من الصفات الأربع.
وهذا جعلها بمثابة نابض ضخم يتحرك بحرية على الأرض. سوف تقترب من هدفها، وبمجرد أن تتطابق إحداثياتها مع الهدف، ترفضه وتقذفه للأعلى مباشرة. لم يكن هناك حد فعلي للارتفاع. إذا كنت تريد فقط قتل أحدٍ ما، فما عليك سوى أن تقذفه بعيدًا عن الكوكب.... تم سحق كتف ماذرز الأيمن لأن النجمة مرت بجوار قدمه مباشرةً، وضربت الذراع التي كانت تبرز خلف ساقه.
«أهذا كل ما عندك؟» خاب ماذرز وأحبط. «يا للإهمال. كنت تعتمد على عنصر المفاجأة وهجومك الأولي قد فشل في قتلي، لكنك لم تمحو جميع الأدلة ولم تمنعني من إرسالها إليك؟ أما فكرت حتى في إمكانية ردّي للهجوم؟»
هل رفض الاستماع، أم كان يفتقر إلى الذكاء للفهم؟ شك ماذرز في ذلك.
ليس إذا كانت هذه السيطرة تتم عن بُعد.
النجمة الثمانية أعرجت يمينا ويسار على الأرض مقتربةً منه. بسرعات تفوق سرعة سيارة تعمل بالفحم. وكأنها تسحب أو تُوجه بواسطة بطاقة الساحر الطافية.
كانت تجاعيد وجه [آني هورنيمان] ليست فقط بسبب رائحة الزيت المحترق للمصباح على الطاولة.
ليس وكأنها لم تفكر في الاحتمالية. بل لقد أدركت وبشكل غامض أن هذا قد يحدث.
لكن ليس لأنها استخدمت بطاقات التاروت التي كان [وايت] لا يزال يعمل بجد على تعديل أرقامها ورموزها. لم تكن هناك حاجة للعرافة لأي أحد يملك حسًا عاديًا ليشعر بمشكلة شخصية تتفاقم.
المشكلة كانت في قلة عدد غريبي الأطوار في عصبة السحر الذين اقتدروا قراءة المشهد بهذه الطريقة. جميعهم كانوا دودة كتب مثقفين مفرطين، من النوع الذي يحدقون في كرة بلورية أو يقلبون بعض البطاقات حتى يفهموا شيئًا واضحا كهذا. لذلك، لن يلاحظوا غضب أحدٍ ما إلى أن ينفجر في وجوههم.
وطبعا، آني لم تهتم كثيرًا بما قد يحدث من كارثة لماذرز.
إذا صدمته سيارة تعمل بالفحم على جانب الطريق، وألقته في [نهر التمز] حيث تتجمع الأسماك لتلتهم لحمه، كان ذلك جيدًا طيبًا لها. وستفتح ذراعيها تواسي مينا الأرملة الحديثة.
لكن...
«...»
وقف أحدٌ ما في زاوية الغرفة.
مينا ماذرز. لكن عينيها لم تكن على آني. كانت تحدق في خاتمها، وتفكر فقط في زوجها الذي غادر ولم يعد بعد. بدت أصغر من المعتاد بطريقة ما.
(حسنًا، إذا كان هذا هو الحال.)
تنهدت آني بهدوء ورفعت شيئًا على كتفيها. شعرت بثقل ذلك عليها. رغم أنها لم تحب ذلك، توجهت إلى مخرج معبد إيزيس-يورانيا.
بعد أن حَلَّ لغزًا رقميًا على الطاولة، رفع وستكوت رأسه وألقى عليها نظرة متسائلة.
«أوه؟ آني، ومعكِ عَصَوانكِ [ياكِن] و[بوعز]؟ إلى أين معهما؟» [5]
«لأرفس أحد ما☆»
«استحضار.»
تغيّر كل شيء.
الناس، الهواء، الحضور، العالم.
فقط تلك الكلمة من ماذرز كَفَت.
لخصمٍ كهذا، لم يحتاج حتى أن يخرج أسلحته الرمزية الأربعة التي صنعتها زوجته.
[الاستحضار] و[الطرد] هما جزءان من تقنيةٍ واحدة.
كل ما يستحضره البشر؛ يطرده البشر أيضا. تمامًا كمثل من يُحرك قطارًا، فهو قادرٌ على إيقافه أيضًا.
«أُنادي أحد الخطايا السبع المميتة. على شَرٍّ كان يُنظر إليه يومًا أعظم من إبليس ولوسِفر. وعلى إلهٍ لم يفقد قوته العظيمة حتى بعد أن فسد اسمه الحقيقي.»
هذا العبقري ما كان ليضل بالمصطلحات الرنانة "خطايا سبعٍ مميتة".
ولم يرضى ويكتفي فقط ببعلزبول.
لهذا السبب، بحث في العديد من النصوص غير المفهومة في المكتبة البريطانية وترجم العبرية إلى اللاتينية ومن اللاتينية إلى الإنجليزية ليُمكّن الناس في العصر الحديث من قراءتها. لهذا السبب أعاد إنتاج وإحياء واستخدام آلهة قديمة من عصرٍ يسبق تعليق رجل مقدس على صليب. ولهذا السبب أعاد إحياء القوى التي دُفنت منذ زمن سحيق ليُسَهّل مصالح من كانوا في السلطة.
حتى لو جعله ذلك أحيانًا هدفًا لاغتيالات الكنيسة الأنجليكانية.
النجمة التي رسمت ثمانية رؤوس حادة بضربة واحدة انحرفت عن أقصر مسار لهجومها. توقفت مباشرة أمام ماذرز وبدأت تتحرك عشوائيا إلى الجانبين. كان من الواضح أن هناك من يتحكم بها، وليس مجرد سلاح موّجهٍ بسيط.
بدت وكأنها تتلوى. أو تتخذ وضعية تجنب مجمدة.
لكن ماذرز كان قد انتهى.
«تعال يا بعل الزبول.»
ضربةٌ فقط احتاجت.
دون أن تتمكن حتى من لمس ماذرز، انحرفت مجموعة الخطوط الملصقة على الأرض واحترقت، بينما انقلبت البطاقة الطافية بقوة قبل أن يتناثر رمادها في الرياح.
في تلك اللحظة، قَلَب عبقريٌّ مُعَيّنٌ مصيره القاتل بالقوة.
«آه.»
شخصية انحنت على نفسها.
كانت عند موقع سابق لأحد الأرصفة العديدة لنهر التمز.
مذبح، أعلام الغرب والشرق، ألواح من معادن مختلفة، بضع مقاعد لكل دور... تم قضاء الكثير من الوقت في تزيين المكان ليبدو المعبد كمعبد حقيقي، ولكن الآن أصبح كل شيء في حالة مزرية. لا، لم يكن ذلك دقيقًا تمامًا. قوة عظيمة قد انفجرت من الداخل أو مزقت كل شيء.
كل ما استُخدم في اللعنة قد دُمر بالتساوي.
شعرت بألمٍ شديد وحرارة في كتفها الأيمن.
لم تستطع الادعاء بالجهل هنا إذْ أنها هِيَ من أرسلت اللعنة.
«أوه، أووه.»
(انـ...ـكسرت.)
لم تكن هذه تعويذة تنتهي بمجرد أن تُطلق.
دُمية.
خنجر.
هذا هو جزء من السبب الذي جعل ماذرز يقرر أنه لا حاجة له للبحث عن الجاني.
لقد خلقت قطعة لعبتها من خلال استحضار كمية كبيرة من الطلسمان ثم جعلتها تحمل صورتها الذهنية عبر البطاقة. كانت تلك الصورة هي رغبتها القاتلة وقد نعتبرها جزءًا منها. التحكم في الوحش بأفكارها جعل الهجوم يمتلك فرص نجاح أكبر، ولكن إرسال وحش قاتل لا يزال مرتبطًا بها خلق أيضًا خطر حدوث هذا.
تمامًا كما لو أن سد أنبوب بخار طويل يوفر الطاقة لمصنع كبير سيُطبق الضغط على الغلاية المركزية وفي النهاية يتسبب في انفجارها.
قد يرجع الهجوم إليها.
«أووووهه- غخخ.»
كان الدكتور بِريج والطبيب وستكوت قد جادلا ذات مرة أن الويسكي الاسكوتش داخل الجسم يُمنع عنك الألم، لكن ذلك كذبٌ. وإلا فكيف لها أن تشرح هذا الألم الشديد الذي شعرت به وكأن جسدها كله يتفكك؟
تكوّن عرقٌ بارد على جبهتها.
ركزت كل إرادتها على تبطيء تنفسها ومحاولة استئناف تنقية [قوتها الحياتية] إلى [طاقة سحرية]، لكنها كانت تكافح للتحكم في جسدها.
انكسر عظم كتفها السميك. بسهولةٍ شديدة.
«جيفورة، السُفَيرة الخامسة، عنصر النار. أيْ، رداء 6=5 من الدور المصري. تقبلني وأنا أتحرر من قيود جسدي المادي وأغادر. طهر الكوارث والعيوب في روحي بالنار التي دُوّن عنها في سجلات الآلهة القديمة. ولأولدن من جديد هنا متناسيا كل جروحي وآلا...»
«لن أفعل لو كنت مكانك.»
اهتزت الشخصية.
تحدثت آني هورنيمان إليها عفويا.
«أفهم رغبتك في التخلص من جسدك والفرار من الألم والخوف بعد أن تسببت اللعنة المرتدة في كسر كتفك، لكن الإسقاط النجمي هو شكل من أشكال التلاعب العقلي يُستخدم لتجاوز حدود وعيك السطحي. استخدامه وبافراط قد يُذهبُكِ ويجعل من لاوَعيُكِ يمتصك، ولن ترجعي من بعدها. السُفَيرة (الكرة) التي كنت تضعينها سراً تعلم كيف تجري كل الحسابات، لكن من الأفضل أن تتوقفي هنا.»
«متى أفشيتُ نفسي؟»
«لم تفضحي نفسك صراحةً. إنما تبدين من أولئك الذين يفضلون الهجمات عن بعد. تافثارثارث، كان اسمها؟ أتذكر خطتك لاسْتِحضار ذلك الرمز الخاص بكوكب عطارد. عذرًا. "إسْتِدعاء"، صح؟ ما زلتُ لا أفهم تمامًا هذا التعريف الجديد الذي ابتكره ماذرز وآخرون في يوم من الأيام فجأة. على أي حال، كنتِ جالسة عند الطاولة مع بعضٍ من تلاميذك تخططين لمراسم استحضار ذلك الكائن. ولكن ليس وأنني أراكِ قادرة على تجسيد الحقيقي.»
كانت هذه جريمة مسرحية.
كان التهديد قد تضمن منطقًا يشبه المسرحية، لكن آني هورنيمان لم تكن الوحيدة المرتبطة بتلك الصناعة.
ألم يكن هناك شخص آخر؟
سيدة حفلة التنكر. كانت تلك الساحرة في الواقع ممثلةً مشهورة.
كان من الواضح أنها كانت متوترة في معبد إيزيس-يورانيا. لم تشارك في الحديث عندما تسبب ماذرز في جريمةٍ أو عندما كان الجميع يختبرون نموذج تاروت وايت. لم تتحدث مع أحد سوى وستكوت، الذي كانت شخصيته تجعله نقطة اتصال للعديد من المجالات.
«ليس بممتعٍ أبدا...»
في هذه المرحلة، لم تكلف نفسها عناء تقديم الأعذار.
هل توقفت عن كل نشاط عقلي؟
نفخت المرأة المقنعة في الأنبوب الطويل والرفيع الذي مر عبر قناعها الأملس، وأخرجت سحابة من الدخان الحلو السام.
«كثيرٌ من القواعد. كثيرٌ من القيود. وربما يكون إنشاء إطار للطقوس السرية جزءًا ضروريًا من بدء نادينا السري، لكن تلك المرحلة انتهت. الوعود التي قُطِعت لإنشائه أصبحت الآن تُثقل علينا. أريد أن أستمتع بالسحر بتراخٍ أكثر. أريد أن أغمر نفسي فيه، وأسكر به، وأنسى تمامًا الحياة الواقعية.»
«نحن نطلق على أنفسنا أكبر عصبة سحرية في العالم، والآن نغرق في نزاعات داخلية؟ إنه لأمرٌ إنساني لدرجة تُضحكني.»
«أوه؟ ألستِ كذلك تريدين موت ذلك المتفاخر والمتعصب ماذرز؟ رغم أنه في حالتك ليس له علاقة بتأثيره على العصبة.»
«نعم. كنت لأقتل ذلك المجنون منذ وقت طويل لو كان خيارًا.»
لكنها لم تفعل. كانت تكره قلبه لأنه أفسد حياتها بأنانية وتزوج من مينا. لم يكن قتلُه لمرة واحدة كافيًا في رأيها. ومع ذلك.
ما كان سببها ليكون أبسط من ذلك.
سقط زوج من الأشياء الثقيلة على الأرض بصوت عالٍ.
عصا بيضاء وعصا سوداء.
ابتسمت آني هورنيمان ابتسامةً عدوانية وهي تمسك بالعَصَوان الطويلان في يديها.
كانا من نفس العصبة.
لن تقتل المرأة، لكنها ستقسو عليها قليلاً.
إلى أن تغني حنجرتها الجميلة ولسانها بأنها تفضل الموت.
«هذا جزاء من يضر بحياةٍ اختارتها حبيبتي مينا ولو بشكل طفيف، فهمت؟»
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)