المقدمة: انظر ماذا رأيت أسفل هذا الحجر. — OP."Hand_Cuffs"
(إعدادات القراءة)
ماتت البنت. في الثالثة عصرًا من الخامس والعشرين من ديسمبر. كانت شيراي كُروكو، بنت السنة الأولى الإعدادية بشَعرٍ كَسْتنائيٍّ أم قرنين [1] وبقميصِ نومٍ بنفسجي شفاف ولا سواه، مستلقية بلا حراك على سريرها في سكنها لطالبات مدرسة توكِـوَداي. كجثةٍ كانت.
ميتة كقنديل بحر تعفّن على الشاطئ.
「أوّيه-شاما... للآن لم ترجع.....」
نعم.
رفيقتها في السكن، ميساكا ميكوتو، لم تعد بعد أن اختفت ليلة الرابع والعشرين. تخلت عن واجباتها. الأونيه-ساما الجميلة كانت تستمتع بوقتها في مكان آخر خلال الكرسماس، وزميلتها الأصغر الظريفة تأخرت في لحاق سفينة نوح. ولربما كانت منفية إلى جزيرة مهجورة وحيدة؟ لقد صُدَّت شيراي كُروكو بشكل مأساوي. وكانت أكثر إيلامًا لعلمها أن الأخرى لم تنوي خباثة أو أي شيء.
(ك-كيف لهذا أن يحدث؟ لقد جهزت كل شيء لهذا اليوم: تصبيرات وهدايا وشموع معطرة ومشروبات صحية وبدلة مطاطية غير موصلة للكهرباء مع قفازات ومادة هلامية شفافة مصنوعة من مستخلص الطحالب وبلورات سيليكون و×××× وحتى ×××××. إهيهيهيهي. والآن كلها متكدسة في الزاوية كالكعك الذي ما اشتراه أحدٌ في يوم السادس والعشرين!!)
لو أن فضائيا سمع أفكارها وهي تزداد فسادًا، لعَدِلَ عن فكرة اختطافها ولهرب بمركبته الفضائية إلى حيث جاء. لكن الحقيقة تبقى أن النبات المفترس العملاق فشل في صَيْدِه.
لم تحمل طاقةً حتى أن تتلوى على الأرض محبطةً. ونغمة رنينة رتيبة انبعث من الهاتف جوار وسادتها، فمدت يدها إليه بينما لا يزال وجهها مدفونًا في الوسادة، وتحدثت بصوت عميق يشبه صوت الزومبي.
「إياه؟ عملية مطاردة مشتركة مع الأنتي-سْكِل؟」
『يبدو أنهم يخططون لعملية اعتقال كبرى. أليس مثل هذا العنف هو المفضل عندكِ يا شيراي-سان؟ وها هم الكبار يعرضون عليك فرصة أن تنطلقي بحرية هذه المرة، لذا أرى أن تقبلي العرض』
يبدو أن الجَدجِمِنت حافلين بالأعمال حتى في الكرسماس.
فكرت للحظة أن تتعذر وتتظاهر بألم شديد يَمنعها من قومة السرير بسبب "فترة بنفسجية" وهمية قد تُصيبك بلعنة ما لم تنسَ وجودها قبل بلوغك العشرين... لكن حينها خطرت لها فكرة أخرى.
نعم.
(أليس ممكنا أن تظهر أونيه-ساما في مكان وقوع حادث كبير؟)
قفزت من السرير، وأصلحت شعرها الفوضوي، وأجابت بسرعة.
「مفهوم، ويهارو!! سآتي هناك فورًا! لكن أين هو "هناك" بالضبط؟」
تفرض توكِـوَداي المثالية في السلوك على طالباتها، لذا كانت مساكن الطالبات مغلقة تمامًا خلال فترة عيد الميلاد، لكن عمل الجدجمنت كان استثناء. كانت هذه أول عطلة كرسماسية لشيراي كُروكو في توكِوَداي، لكنها سارت متخطيةً مديرة السكن بخطوات واثقة فخرجت من البوابة الأمامية المحصنة بزيها الشتوي وشالها الطويل.
「هيا」
زفرت زفيرًا فاختفت في الهواء.
كانت شيراي كُروكو متنقلة آنية من المستوى 4.
وتنقل الأشياء بمسافة تصل إلى 81.5 مترًا في كل مرة، وبوزن يصل إلى 130.74 كيلوغرام، لكن بتكرار نقل نفسها، لها أن تتحرك بسرعات تفوق سيارة سباق. وكل ذلك مع تجاوزها قيود الطرق الإسفلتة.
كانت سلامة الحي السابع الأكاديمي [2] تختلف باختلاف المواقع، لكنها اتجهت إلى أحد مناطقها الأقل أمانًا. رأت كتابات غير فنية بخاخة على الجدران، ودراجات هوائية مهجورة ومفترضة أنها مسروقة ملقاة في كل مكان. ولم ترى أي زينة كرسماسية في الأفق.
وأنّ عادةً غرستها فيها وظيفتها(؟) قد سيطرت عليها فبدأت تُصَوّر ملصق التسجيل للدراجات أسفل المقاعد.
「أهذا هو المكان؟」
『لابد أن شاحنة للأنتي-سكل متوقفة قريبة منك، فابحثي عنها. مع الأسف شغلي قد أكلني، ولا أستطيع المساعدة. ...آه؟ ماذا؟ إييهه؟ تريد مني تحويل كل هذا إلى مخطط تدفق تلقائي؟! واليوم؟!!』
بعد سماع أصوات تدل على صراع، انتهت المكالمة.
(يبدو أنه ما لي خيار....)
خروجها زوّد من فرصها أن تعثر على أُختها العزيزة، ميساكا ميكوتو، أكثر من بقائها ميتة على سريرها في سكن الطالبات. خاصة بوجود مشكلة. دوافعها ما كانت نقية إطلاقًا، لكنها تأمل أن يُسامحها الجميع إذا استطاعت أن تُعيد النظام إلى المدينة أثناء عملها.
طرقت على باب شاحنة فولاذية كبيرة تبدو كحافلة بلا نوافذ، وفتح الباب إلى الداخل.
كانت أكبر من شاحنة صغيرة، لكنها أشعرت بالضيق كثيرا. كِلا الجدارَين امتلئا بأجهزة حاسوب صناعية، بينما المساحة الزائدة تكدست بصناديق تحتوي على أسلحة وذخيرة. لم تكن هناك إضاءة عادية، لذا كان ضوء الشاشات وحرارة الأجهزة يملآن المساحة المحدودة. يبدو أن هذه المركبة تُستخدم للتحكم بالبيانات وتوفير المعدات أكثر من نقل الأشخاص.
(وما هذا إلا الدعم. هل يعني ذلك أنهم نشروا عددًا أكبر من الأفراد مما يسعه باصٌ واحد؟)
بدت متشككة. الأنتي-سكل كانت المنظمة مخصصة للحفاظ على النظام في مدينة الأكاديمية. بالنسبة للعالم خارج المدينة، قد يُعتبرون أشبه بالشرطة. كانت تعلم أنهم مجموعة منظمة بشكل عالٍ من المعلمين المتطوعين، لكن هذه بدت عملية كبيرة حتى بالنسبة لهم. فكّر في الحكاية: كم ضابط شرطة نحتاج حتى نقبض على لص واحد هارب عبر الشوارع؟ من النادر ألا يكفي ثلاثون ضابطًا.
「عذرًا، لقد طلبتم حضوري هنا. أنا شيراي كُروكو من الجَدجِمِنت. إذا كانت هذه العملية الكبيرة تتطلب استدعائي، فهل هي قضية إسْبَر؟」
لم يكونوا بنفس لطف موظفي الاستقبال في متاجر الهواتف. أولا، أكل صوتها الصمت، ثم وُجهت لها نظرات حادة طولت لفترة. سياسة العميل دائمًا على حق لم تكن تطبق مع الموظفين الحكوميين. إضافة إلى ذلك، شيراي لم تكن عميلة فعلية. أخيرًا، تحدثت امرأة قريبة تبدو كأنها مُنفِّذة. [3]
أماءت بذقنها مشيرةً إلى ذاك المكان في الجزء الخلفي من الشاحنة.
「ستعملين معه」
بدا تصرفها فظا جافا بعد أن ذكرت شيراي اسمها وعبّرت عن حماسها للعمل، لكنها تقبلت الأمر لأنها تعرف بعض الفتيات من صفها يحاولن (ويفشلن) في تصرفات التسونديري مثل هذا. ثم نظرت إلى حيث أشارت الضابطة.
خارتها الكلمات. شعرت كأنها تكاد تنهار إلى الوراء.
دعونا نوضح شيئًا هنا.
لربما تستصعب أن ترى ذلك في بعض الأحيان، لكن شيراي كُروكو فتاةٌ أنيقة مخملية نشأت وترعرعت في بيئةٍ راقية وتدرس في مدرسة توكِوَداي الإعدادية المرموقة. تعيش في سكن للفتيات حيث لم يكن من الممكن أن تشم حتى رائحة رجل في حياتها اليومية. لم تكن تعاني من رهاب الرجال، ولكن إذا سُئلت ما إذا كانت ترتاح أكثر في مجموعة من الفتيان أم الفتيات، فالثانية أهون لها بطبيعة الحال.
لذا، ولها، كان شريكها المُعَيّن صدمة.
ذاك الكهل [4] بدا يشبه عود ثقاب.
وكان منحسر الشعر غريب.
ولعلّه كان من أولئك المتحمسين لنظام ترقيم الهوية الوطنية حيث أنّ شعره الممشط فوق صلعته بدت وكأنها باركود.
كان نحيف ولكن دهني المظهر.
وريحته ريحة تاكسي ما ودك تركبه أبدًا.
ولمظهره النظارات وتمشيطة الصلعة مزيجٌ تقليدي.
ولكن في النهاية، كلها توصَف بكلمة واحدة: رجل.
「اغووووآاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااههههههههههه!!!؟؟؟」
「أه، هلا. أنتِ الفتاة شيراي كُروكو؟ سرني لقاؤ—لحظة، ما هذا الذي يحدث!؟ أء - أهذه صحوتك للمستوى 5!؟」
الرجل الكهل في درعه المضاد للرصاص اقترب منها ثم قفز فجأةً خوفا.
لكنها كانت في حالة من الاضطراب شديد بحيث لم تلحظ.
「لماذا؟ أيُّ ذنبٍ اقترفت لتحل عليَّ هذه الكارثة؟ كانت الخطة أن أكون وحدي مع حبيبتي أونيه-ساما الآن، فلماذا أنا هنا مع رجل أقطب الوجه كريه كأنه هدية عيد ميلاد بقيت دون أن تفتح لعشرين سنة!!!؟؟؟」
「ل-لا أدري ما تقصدين، لكن على الأقل فكري في حقوق العم....؟ تراه إنسان مثلك وله حقوق」
سؤاله المهذب لم يجد آذانًا تصغي.
أو بالأحرى، لقد تلفظ بتلك العبارة المحظورة: عَمْ. عادةً، سماع تلك الكلمة الجحيمية كفيلٌ بجعلها تُخرج بخاخًا معقمًا تملؤها أيونات الفضة. الصدمة كانت كافية لجعله يتصبب عرقًا، وعرقه أطلق ريحا لا توصف، فشَحُبَ وجْهُهَا.
「ل-لنكمل في الخارج!!」
「يَهْ، استعددتِ للعمل؟ إنكن لملتزمات يا طالبات النخبة」
ليس الأمر ذلك. هي فقط لم ترد أن تشم تلك الرائحة التي ذكرتها بمقاعد التاكسي المكسوة بجلد صناعي رخيص. لكن الدخول في جدال هنا لن يساعد في شيء. الكهل ذو النظارات وتمشيطة الصلعة حَكَّ رأسه المكشوف مُحْرَجًا، ثم شهق وأعاد تسريحته إلى مكانها.
「ء-أنا رَكُوكا هَوفو」
「شيراي كُروكو」
ردت الفتاة أم قرنين بسرعة غير مُتحمِّلة.
تركت مسافة أكبر مما يلزم وزفرت ودخلت صلب الحديث.
「إذن رَكُوكا-سينسيه. من هو الهدف الذي سنقبض عليه؟」
「لأوضح لكِ، لا تسمحي لأحدٍ أن يعرف. فنحن نعيش في عصر سيفعل فيه الناس أي شيء حتى يكسبوا مادة لفيديو على الإنترنت أو منشور على وسائل التواصل」
「قل وكفى」
「طيب」 نظر رَكُوكا هَوفو حوله كحيوان خائف واقترب ليهمس في أذنها:
「تُدعىٰ عملية الأصفاد. سوف نمسح الجانب المظلم」
"الجانب المظلم".
في الجَدجِمِنت، كانت شيراي كُروكو تتعامل مع المشاكل التي تواجه المدينة الأكاديمية، وكانت أحيانًا تواجه المجرمين مباشرة، لكن أدلتها حول وجود "الجانب المظلم" كانت بنفس سند أدلة الأساطير الحضرية مثل هيكيكو-سان أو كوني-كوني.
سمعت أقوالا ورأت إشارات توحي بوجوده المحتمل.
لكنها لم تواجه شيئًا جعلها تظن أنها تواصلت معه مباشراً.
(....الجانب المظلم موجود في مكانٍ أعمق منا.)
لكنها لم تستطع أن تحدد تعريفا واضحا لما يُفترض أن يكون عليه هذا "الجانب المظلم". بدا وكأنه شيء خيالي تسمع عنه فقط في الشائعات. وكأن بعض الحوادث المنفصلة ظهرت وبدت متصلة صدفة، مما خلق وهمًا بوجود شيء أكبر بكثير يُحدثها. ومع ذلك، كان حديثا مشؤومًا كثيرا بحيث لا يمكنها تجاهله ببساطة.
(هذا بالضبط هو المجال الذي قد تنخرط فيه أونيه-ساما. نعم!! هذا يعني أنني اتخذت القرار الصحيح!! أكيدٌ أنني سأجدها إذا اتجهت مباشرة نحو التهديد الأكبر!!)
「هو موجود حقًا،」 قال رَكُوكا هَوفو بوضوح. وبدا عليه رغبة أن يبقي هذا سراً حيث أنه تجاهل المسافة التي وَضَعَتها بينهما ودخل مساحتها الشخصية، لكن كلماته حملت قوة سحرية جعلتها لا تمانع كثيرًا. 「تعلمين أننا حصلنا مؤخرًا على رئيس جديد لمجلس الإدارة؟ هذا التغيير أثار الأمور. مثلما تطفو كل الأوساخ المتجمعة في قاع البحيرة إلى السطح」
「.....」
「لقد انكشف غطاء السرية عنهم. هذه هي فرصتنا الوحيدة. نحن نتحرك في كل الأحياء الثلاث والعشرين دفعة واحدة، ولقد أنشأنا قاعدة بيانات مستهدفة أسميناها『أوترنك』!」[5]
تم دمج جميع البيانات المجزأة التي جمعتها الأنتي-سْكِل والجَدجِمِنت مع جميع البيانات المخفية التي أطلقها ذاك الذي صعد على القمة تواً. وكانت الفكرة هي استخدام البيانات المجمعة لتنفيذ حملة واسعة النطاق ضد كل أعضاء [الجانب المظلم] الرئيسيين الذين ظلوا بعيدين عن متناولهم طويلاً.
「إذا لم نضع حدًا للجانب المظلم الآن بعد أن انكشفوا لنا، فسوف يعودون لفعل نفس الشيء مرة أخرى. وبمجرد أن يغوصوا مرة أخرى خلف النور، سوف يكملون جرّ الأبرياء إلى الدرك معهم ويأكلونهم وهم بعيدون عن متناولنا. علينا أن نوقفهم ما استطعنا」
「من تحديدًا تقصد؟」
「قائمتنا طويلة. سَجّلي الدخول إلى 『الأوترنك』 وستصدمين」 أشار بذقنه نحو المبنى. 「على أي حال، هيا نذهب إلى هدفنا. إنها في ذاك المبنى المهجور. اسمها [أومي كاريه]، لكنها تُعرف بلقب مروّضة الحيوانات. قيل إنها متخصصة في تدريب حيوانات خطرة سرًا لتهاجم الناس وتُبدي من الأمر كأنه حادث. بناءً على طلب العميل، فإمّا تُهدد الناس، أو تُبعد متسابقة ملكة جمال أو رياضي من المنافسة، أو حتى تغتال. يعتمد الأمر كله على شدة الضرر أو المرض الذي ترميه على الناس」
「لماذا لم تقبضوا عليها حتى الآن؟」
「بعض الحوادث كانت مشبوهة للغاية لتكون مجرد حوادث، ولكن ولا مرة عومل أي منها جريمةً. كان النمل الناري أو السلاحف المفترسة التي نكتشفها بالقرب من مسرح الجريمة تُنقل إلى مأوى الحيوانات فينتهي أمرها عند هذا الحد」
كان هذا المثال أسوأ مما توقعت. فكرة وجود مجرم محترف بدت غريبة جدًا لطالبة إعدادية في اليابان. أذلك ممكن حتى؟ خاصة في مدينة الأكاديمية المحاطة بجدران سميكة والمراقبة بكاميرات لا تُعد ولا تُحصى؟
(انكشف غطاء السرية عنهم.... ها؟)
إذا كانوا مخفيين، فلا بد أن "أحدًا ما" قرر أن يُبقيهم مخفيين لفائدة. ولكن كيف يفيد؟ إن المجرمين لشرٌّ كفاية، لكن فكرة أن يوجد نظام يخفيهم وأفعالهم الوحشية عن المجتمع جعلها ترتجف. هل يعني هذا أنهم كانوا قادرين على "محو" وجود الفتاة شيراي تمامًا من هذه المدينة إذا أرادوا......؟
「أين بقية الفريق؟」
「محاولة غلب مروّضة الحيوانات بالأعداد سينقلب علينا. أُفضّل أن نهزمها بضربةٍ دقيقة. لن نتنبأ متى سوف تُطلق مئات العناكب أو الأخطبوطات ضدنا بلمسة زر. حتى إذا أغلقنا الأبواب والنوافذ، قد تجتاحنا الحيوانات عبر الأنابيب أو المصارف. إنّ إحكام المبنى ليس بممكن」
「آعغ」
「للأمان، نادَينا فريق مكافحة حشرات لينتظرنا في الخارج. هم يستخدمون مبيد حشرات من نوع بيرِثُرويد لا يؤثر كثيرًا على البشر، لذا لا تقلقي من مشكلة نشره في هذه البيئة الحضرية. ومع ذلك، هذا يعني أن الجرذان والغربان وغيرها من الفقاريات قد تفلت منا، لذا من الأفضل أن لا تلاحظنا」
「ولهذا أحضرتم متنقلة آنية؟」
「الأبواب والنوافذ وحتى المساحات الداخلية قد تكون مغطاة بأجهزة استشعار، لذا نعتمد عليك. بالمناسبة، هذه أول مرة لي أتنقل فيها آنيا، فكيف تُصَوّبين بالضبط؟」
「......................................................................................................................................」
نظرت فتاة الإعدادية أم قرنين إلى الكهل بنظرة اشمئزاز تام، ثم وضعت يدها على كتفه —متصلةً جسديا معه— ثم اختفيا في الهواء.
لم تكن هناك أي علامة على روح عيد الميلاد داخل المبنى المهجور. لا ورق جدران ولا سجادة، كل شيء كان من الخرسانة العارية. النوافذ فقدت زجاجها وتغطّت بالقوة بشوادر زرقاء وشريط لاصق، وكان هناك ظلال صناديق مكدسة هنا وهناك. أكبرها كانت تبدو مثل مكعبات بارتفاع مترين ومليئة بالضوء الأبيض المزرق مثل حوض سمك استوائي.
لا.
افترضت شيراي أنها أحواض سمك أو أقفاص، لكنها أخطأت.
كانت تلك الصناديق تحتوي على أضواء فوق بنفسجية ومعدات زراعة مائية موصولة بنفس مصدر الطاقة.
「أتلك مصانع نباتات؟」 سألت.
「ربما تكون نوعًا من الموئل الحيوي. بدل أن يقدموا لهم الطعام في أوقات محددة، وفّروا لهم بيئة صناعية تحتوي طبيعيًا على طعامهم. ولنُسَمِّها بستانية قاتلة...؟」
تمعن وسترى أنواعا مختلفة من الحيوانات تتحرك داخل الصناديق المغطاة بالأكريليك السميك.
بعوض، ذباب، براغيث، قراد، وصراصير.
جرذان، غربان، ثعابين، ضفادع سامة، وخفافيش.
سلاحف عضاضة، أسماك البيرانا، سمك القُضّاع، والْباس الأسود.
كل صندوق احتوى على أكثر من نوع. بترتيبٍ ربما لا يأكل أنواعٌ بعضها البعض، ولربما جُمع المفترسون والفرائس معًا لإنشاء سلسلة غذائية.
「هـ-هل إذا أخطأنا، قد تعضنا أو تلدغنا أحد تلك؟ أتمنى لو عندهم أمصال في المستشفى...」
「لا تسألني. لكن هذا ليس نشاطًا ناديًا أو لجنة. إذا حدث لك شيء في عملك، ألا يعالجونك في المستشفى مجانًا؟」
「لا أستطيع ذلك يا شيراي-سان! أنا موظف حكومي! إذا أخذت إجازة غير ضرورية واستملتُ معاشي في نفس الوقت، سيبدأ الجميع ينادونني بالطفيلي على النظام」
ثم سمعا صوت ارتطام قادم من الأعلى.
سواء كان جبانًا أم مدمنًا للعمل، فإنه توقف فورًا عن الشكوى.
في هذه اللحظة، لم يتحدث أي منهما بصوت عالٍ لتأكيد أي شيء مع الآخر. استخدما إشارات اليد للتواصل وشقا طريقهما نحو السلالم الطارئة.
لحسن الحظ، لم يجدا أي كاميرات أو أجهزة استشعار قلقا منها. يبدو أن صاحب المكان لم يرَ أي تفرقة حقيقية بين الغرف أو الطوابق لأن هناك صناديق أكريليك بارتفاع مترين كانت موضوعة أيضًا على مهبط السلالم.
「(اص!!)」
أصمتت شيراي الرجل بيدها ثم حبست أنفاسها تمامًا.
بمجرد صعودهما السلالم، سمعت أصواتا تتكلم من الطابق الكبير المفتوح دون جدران داخلية.
هل كانوا كثرة؟
لم تستطع رؤية الداخل من السلالم، فابتلعت ريقها بصمت وخطت إلى تلك المساحة الكئيبة. كان التوتر العظيم يشد أعصابها، لكنها لاحظت شيئًا.
『...قد عُيِّنَ حديثًا...لكن.....』
صوت أنثوي واضح النطق للغاية كان مصحوبًا بموسيقى ومؤثرات صوتية. عندما أطلّت من خلف عمود، رأت تلفازًا بشاشة مسطحة يزيد حجمه عن ستين بوصة موضوعًا في وسط تلك المساحة الواسعة. بفضل توهج التلفاز، استطاعت رؤية ظل مظلم لشخص يجلس على كرسي.
لم يكن هناك أحد آخر. الصوت البهيج كان صادرًا من التلفاز.
هل كانت هذه مساحة معيشتهم؟ المكان الكئيب المحاط بصناديق ارتفاعها متران لم يظهر فيه أي فصل بين العمل والمنزل.
『بعد إعلانه رئيسا جديدا لمجلس الإدارة، سلّم نفسه إلى الأنتي-سْكِل، معترفًا بجرائمه. هذا الوضع اللامسبوق قد صدم محكمة المدينة الأكاديمية العامة. ويبدو أن التُهم قد وجهت عليه، لكن من غير المعروف ما إذا كانت المحاكمة ستُعقد كما هو مقرر. وقد اختار الأعضاء الاثنا عشر في المجلس الامتناع عن التعليق على هذا الوضع غير المسبوق』
مروضة الحيوانات.
أَوْمُي كاريه.
「ذلك فظيعٌ منه كثير」
ء!؟ توقفت أنفاس شيراي لسبب آخر غير حبسها عمدًا.
المرأة الجالسة على الكرسي بوجهها بعيدًا عنها قد لاحظتها.
「لقد غرقنا في الظلام فقط لأن الحاجة لنا كانت مطلوبة، لكن ما إن تغيرت عقيدته رمانا في القمامة؟ حماقة، فإنّ إزالة هذه التروس بالقوة ستؤدي فقط إلى انهيار نظام المدينة الأكاديمية بأكملها」
「تش!! أولئكم الجدجمنت. أَوْمي كاريه، ابقي في محلك!!」
「إيه، إيه」
واصلت المرأة مشاهدة التلفاز. لم تنهض ولم تستدر.
إنما فقط هزت كتفيها لا مبالية.
ومباشرةً...
دُءْ!! أخضرٌ وبُنّي، رماديٌّ وأسْود، اندفع سيلٌ من تلك الألوان المختلفة فطافت شيراي كُروكو. [6]
لم تعرف ماذا حدث.
كان مرعبًا كفاية لأن تدرك أن هذه كانت كلها حشرات بحجم كف اليد، لكن عددها أرعب. انقطع أنفاسها كأن كرة بولينغ ثقيلة ضربتها فتشتّـتت أفكارها.
أصابتها الحشرات وهي من خلف العمود فسُحِبَت على الأرضية الخرسانية قبل أن تسوعب وضعها، وحينها همست لها مروضة الحيوانات بصوت هادئ وهي تتابع التلفاز.
「أوتدرين؟ حتى الحشرات عندها هَبّات وترندات كما البشر」 بنبرة جلفاء جافة.「كان النمل الناري رائجًا آخر الأيام، ولكن يبدو أن الجراد استحل الساحة الآن. أتدرين أن مظهر الحشرات يتغير حسب بيئتها؟ وإن زاد عددها حتى ما عادت تحتاج للاختباء من التهديدات، تفقد لونها الأخضر المموّه وتنقلب إلى البُنّي. وبدل أن تأكل العشب بهدوء، تتجرأ وتبدأ تصطاد الكائنات الأخرى بمهاجمتها وعض لحمها」
「غه...آه!؟」
「لذا، بضبط كثافة مجموعتها والتحكم في توترها وحقنها ببروتين الكورازونين أو بتعديل بيئتها بأي شكل، لنا أن نُدَرّبها على فعل ما نريد. فمثلا، لنا أن نعيد برمجة غرائزها بحيث تهاجم البشر بشراسة」
「تشه!!」
وهي مستلقية على الأرض، مدت شيراي كُروكو يدها نحو فخذها. هناك ترتدي حزامًا به سهامٌ معدنية.
ولكن بمجرد أن أطلقت أحدها بتنقُّلِها الآني، انهار الشكل الجالس أمام التلفاز وكأنه فرغ من الهواء. لا، ذلك الشكل اتضح أنه مجموعة من الأفاعي الجافة البنية. ومنها المئات... بل ربما الآلاف. خشخشة ذيولها العديدة أحدثت صوتًا يشبه صوت إنسان.
『ولأوضح أمرا، لستُ بساحرة من قصص الخيال』
「...ء!؟」
كانت الخطوات الثقيلة تأتي من اتجاهات مختلف تمامًا، لكن شيراي لم تتمكن حتى من الالتفات بينما كانت مثبتة على الأرض.
『العلم العادي يكفي لتفسير كل هذا. إذا حاولتِ بجد. تذكري هذا لأن ما ترينه هنا هو [الجانب المظلم]. التدخل في شؤوننا لن يوديك إلى خير إن لم تستعدّي. وخذي اعتبارك، لعلّ هذا التحذير قد جاء متأخرًا جدًا لكِ』
ستهرب على هذا المنوال.
مروضة الحيوانات قد خلقت عالمًا مشوهًا إجراميًا، وعلى الأرجح تستطيع الحصول على مواد جديدة من أي مكان تقريبًا. لأمكنها استئناف نشاطها حتى لو اضطرت أن تتخلى عن هذا المختبر.
وذلك سيؤدي إلى ضحايا إضافيين.
「كه!」
ومع ذلك.
كان وجوده ضعيفًا للغاية لدرجة أن كِلا الجانبين ربما نسياه تمامًا.
「غوااااااااه!!」
فجأة، صرخ أحدهم. كان الرجل الكهل ذو النظارات والصلعة الممشطة. عيناه مغمضتين بقوة خلف العدسات، ومدّ ذراعيه أمامه بينما يندفع للأمام. دار حول شيراي كُروكو، التي ثبتها الجراد أرضا، وواصل تقدمه نحو مروضة الحيوانات التي كانت تسير بمحاذاة الجدار باتجاه مخرج الطابق.
ويبدو أنها فوجئت.
「هِه؟」
كانت تلك أول مرة تسمع فيها شيراي كُروكو صوت أومي كاريه الحقيقي.
تجنبت الرجل بسهولة، ولذا اخترقَ الشريط الأزرق فسقط من النافذة مباشرة.
لكنها لم تستطع أن تتنفس الصعداء. ربما تحركت بقوة أكثر مما كانت تقصد حيث أن كتفها اصطدم بأحد المصانع النباتية المغطاة بالأكريليك السميك... لا، كان ذلك موئلاً حيوي يحتوي على جو خاص لتربية الحيوانات.
شيراي لم تعرف كيف تعمل هذه الأجهزة عادةً، لكن يبدو أن الأكريليك السميك لم يكن قطعة واحدة متماسكة. ربما كان الجانب المظلم يحاول خفض التكاليف تمامًا كالشركات القانونية. عندما اصطدمت المرأة بها، انفصلت قطعة طويلة بحجم الباب فسقطت داخلها. الألواح الملتصقة بالغراء قد تفرقت.
حينها فقط تمكنت شيراي من رؤية شكل أومي كاريه الحقيقي. ربما كان لديها سبب منطقي لملابسها العجيبة، وربما كان ذوقها الشخصي لا أكثر، لكنها كانت شابة في العشرينيات ترتدي لباسًا أسود كاشفًا يشبه ملابس القيود بالحبال.
وقد تدحرجت مروضة الحيوانات داخل إحدى حاوياتها المغلقة ذات المترين.
بدت كقفص حشرات، لكن قاعها امتلئ بماء شفاف.
ما كان يتحرك في القاع ربما كان أنقليسًا كهربائيًا.
「غيا-غيا-غيا-غيا-غيا-غيا-غيا-غيااااااااه!!!؟؟؟」
صرخت صرخة لا تُفهم.
شيراي لم تعرف كيف تعمل هذه العملية، ولكن إذا كانت هذه هي [منتجاتها]، فهل هذا يعني أنها تُهاجم الآن من قبل مخلوقات ربّتها بنفسها؟ أم أن الأنقليس الكهربائي لم يكن مُدَرّبًا بالكامل بعد؟
「غ...」
بالكاد نهضت شيراي عن الأرض لتنظر، لكن وجه المرأة قد اندفن بالكامل في تلك اللحظة. كانت الصدمات الكهربائية في الماء مميتة بما يكفي، لكن بدا أيضًا أن الأنقليس كان يزحف داخل جسدها من خلال جلدها الممزق والمتفتق. استمرت أطرافها ترتعش، لكنها على الأرجح قد ماتت.
「لهث... لهث..」
نَقَلَت الفتاة أم قرنين سهمًا معدنيًا بقدرتها ليخترق زجاجة ماء معلقة من السقف. أنثر ذلك سائلاً أغمق من الشاي، وهرب الجراد منها مذعورًا. كما توقعت، كانت الزجاجات على السقف تعمل عمل "الرشاشات" في حالة الطوارئ. اخترقت عدة زجاجات أخرى لتملء الطابق كله بالمادة الطاردة التي لا يستطيع الأنف البشري كشفها.
بمجرد أن وقفت على قدميها المرتعشتين، اقتربت من الصندوق الأكريليكي.
كان حاجز المنطقة التي يبلغ طولها مترين قد كُسر.
لم يحاول الأنقليس الكهربائي الهروب عبر الجدار المكسور. كانوا جميعًا يركزون على داخل موطنهم. ولكن بدلاً من رفضهم مغادرة الماء، بدا الأمر كما لو أنهم كانوا سعيدين بتأسيس منزل لأنفسهم داخل جسد الضحية المسكينة.
كانت النتيجة مأساوية. ماتت نَفْسٌ.
فكرت بهذه الكلمات، لكن عقلها رفض استيعابها. وكأنها تسمع أحدهم يقول لها "امضغي البلاستيك جيدًا قبل ابتلاعه". كل شيء بدا خاطئًا بينما تدور الفكرة داخل رأسها. وقفت هناك مذهولة لفترة من الوقت. كان هذا حادثًا مؤسفًا، ولكنه كان مروعًا للغاية لدرجة يصعب قبول فكرة أنهم استجابوا بشكل مناسب. من جهة أخرى، لم تتمكن من لوم الضابط غير الماهر من الأنتي-سْكِل أيضًا. فلَوْلا دعمه، لربما كانت خاتمتها هِيَ أن تصبح موطن الأنقليس.
هذا هو [الجانب المظلم]. عالمٌ بلا أمل حيث بذل قصارى جهدك يوديك إلى نتائج مظلمة.
「......」
كم من الوقت مر منذ انخراطها البشع إلى هذا العالم؟
أخيرًا، سارت مترنحة نحو النافذة. وإن القماش الأزرق الممزق أدخل خيطًا رفيعًا من ضوء الشمس.
تفاجأت بما وجدته عندما نظرت إلى الأسفل.
رَكُوكا هَوفو قد سقط متدحرجا بعد أن فقد السيطرة على زخمه، لكن أسفله كانت سقالة بناء فسقط عليها آمنا. لكنه كان مرعوبًا للغاية، لذا لابد أنه كان جالسًا هناك في ذلك الوضع المحرج لفترة طويلة. ابتسم لها من الأعلى، وعرقه يغمره.
لم يدرك كيف انتهت الأمور داخل المبنى.
「هـ-هل كنتُ مفيدًا؟」
「اسألني هذا مجددًا بعد أن تكتب تقريرًا وتُبلغ أقاربها بالحادثة」
في هذه الأثناء، كان صبيٌّ يحبس أنفاسه متكئا على جدار خرساني.
كان اسمه هامازورا شياغي.
「أتمزح....معي؟」
لم تكن [مروضة الحيوانات] امرأةً صالحة. فلقد تورطت في العديد من الأعمال الغير قانونية، لكن هامازورا كان يعرف أن عمليات الاغتيال كانت مجرد احتمال ألمحت إليه ونادرًا ما كانت تقوم به.
كانت [أَوْمي كاريه] تحب استخدام الحشرات المشوهة والحيوانات الخطيرة، لكنها في الواقع كانت تسعى لتقليص التكاليف.
إنّ التعامل مع الذين يطأون عن غير قصد أرض الظلام ويُسببون المتاعب لأمرٌ مكلف. لذا وضعوا [قاعًا زائفًا] مشوهًا في جزء ضحل من عالم الظلام ليقنعوا أولئك من في النور أنهم لن يجدوا أعمق من ذلك. وكان ذلك يتطلب نوعًا من الخوف الواضح وقدرةً على التحكم عن بُعد حيث كانت أَوْمي ترغب في إعادة الناس إلى عالم النور دون أن يروا وجهها. ومن هنا جاءت هوية [مروضة الحيوانات]. كانت تلبس ذاك اللباس المشبوه للحبال لمتانتها ولتحمي نفسها من البقع والبيض الصغير. تمامًا كما تقول إحدى النظريات أن سروايل الثونغ لها جذر في ردع الكائنات الخطيرة عن الجسم. ومهما بلغت غرابتها، سيبدو كل شيء منطقيًا إذا بذلت جهدك لتحادثها وتسمع قولها.
وما كان ليقترب منها أبدًا عدى ذلك.
نظرًا لأنها كانت تتعامل مع العديد من الحيوانات، كان هامازورا يستغلها ليحصل منها على bC-96/R، وهو الدواء الحاسم الذي احتاجته عشيقته تاكيتسوبو ريكو.
إنّ تلك الفتاة قد تعاطت في وقتٍ مضى [بلورة الجسم]، وهو مُخدر يتم تحضيره بتركيز وتبلور مكون مستخرج مباشرة من جسد إسْبَرٍ فَقَدَ السيطرة على قواه. ولم تتعافَ بعد من آثار ذلك المخدر. كان المخدر يهدف فقط إلى تعزيز قوة فئة من الأسابر النادرين الذين يتوافقون مع تلك المادة عن طريق إفقادهم السيطرة، لكنه جاء مع آثار جانبية قاسية وكان في الواقع سُمًّا أكثر من كونه دواء.
كانوا بحاجة إلى مساعدة شخص ما لإخراج ذلك السُم من جسدها.
『ينبغي أن تكون درجة الحرارة والرطوبة تمام إذا احتفظت به في الثلاجة، لكن احترس من تسرب الكهرباء. فإن الكهرباء قد تكسر مكونات الدواء بسهولة』
تذكر كيف شرحت له تلك المرأة ذلك بأفضل محاكاة لطبيب.... لكنه لن يسمع صوتها مرة أخرى.
لقد كانت جزءًا من [الجانب المظلم] في مدينة الأكاديمية.
كان هناك العديد من المختلفين الذين ينتمون إلى ذلك الجانب، بما في ذلك كينوهاتا ساياي التي كانت معه منذ قليل، وعشيقته تاكيتسوبو ريكو التي كانت تنتظره في شقتهم. وبالطبع، كانت العائلات العادية ووسائل الإعلام الاجتماعية ترفض أن ترى أي استثناءات في الظلام، لكنه كان يعرف أفضل بعد أن كان جزءًا منه بنفسه. كان الجانب المظلم مقسومًا إلى مستويات متعددة وهناك أماكن أكثر إشراقًا في المستويات الضحلة. كانت أومي كاريه تنتمي إلى أحد تلك الأماكن، مثل كينوهاتا وتاكيتسوبو.
كان ذلك هو المكان الوحيد الذي يمكنهم البقاء فيه.
كانوا يعيشون في الجانب المظلم، ومع ذلك يمتلكون خطًا لم يسمحوا لأنفسهم بتجاوزه.
ومع ذلك...
(كانت أومي تحاول فقط تحذيرهم. تلك الثعابين الجرسية تبدو مخيفة، لكن أنيابها قد أُزيلت. وكان الجراد خيارا غير مميت مقارنة بالبعوض أو الذباب الذي يحمل أمراضًا معدية خطيرة. لا أعرف إن كانوا من الأنتي-سْكِل أو الجَدجمنت، لكن لو أنهم تراجعوا خوفًا، لهربت أومي بأمان. وأعني، لو كانت تحاول فعلاً قتلهم، لأطلقت أحد الضباع أو التماسيح أو أيًا من الكائنات القاتلة التي تحتفظ بها في الطابق العلوي)
ربما كانت فتاة القرنين التي تعرضت للهجوم من قبل الجراد قد غفلت عن الأمر من قربها الشديد للحدث، لكن الولد الجانح قد لاحظ شيئًا من موقعه البعيد والموضوعي.
(لم تكن صدفة. هُوَ فَعَلَها عمدًا.)
ابتلع هامازورا ريقه.
لقد فشل في ملاحظة كيف فعل الرجل ذلك بالضبط، لكنه استطاع أن يخمن جيدًا.
(لماذا لم تعمل مادة طاردة القناديل الكهربائية؟ لا بد أنه أبْطَلَ أمانها سرًا قبل أن يزج بها في البيئة المائية! لم تكن تلك حادثة إطلاقا. كان كل شيء مخططًا من البداية وكان يتظاهر فقط بالضعف!!)
كانت تلك جريمة قتل لم تترك أي دليل. سيتم تسجيلها على أنها حادثة أثناء الاعتقال، وكان سبب الوفاة المباشر هو الحيوانات القاتلة التي طورها المشتبه به بشكل غير قانوني. سيتم التغطية على كل شيء باعتبار أنه كان جزاءُها العادل. من قبل الأنتي-سْكِل ومن قبل الفتاة التابعة للجَدجمنت. تمامًا كما تعمل الشرطة حول العالم بكل جهدها ليقبضوا على قاتل شرطي، لكن دائمًا ما يتساهلون كثيرا إن كانت التحقيقات مع أحد أفرادهم.
هل كان للرجل عادة في فعل ذلك؟
بدا وكأنه يعرف بالضبط كيف يتصرف في مكان الحادث، وما الذي سيبحث عنه المفتشون عندما يصدرون حكمهم، وكيف يكتب تقريرًا بحيث لا يظهر أي شيء على أنه غير طبيعي. مع وجود جميع هذه العوامل في مكانها، كان هامازورا يشتبه في أنه اكتشف [ماكرا مظلما].
وحدها شاشة التلفاز المسطحة التي يزيد حجمها عن ستين بوصة ظلت دون أن يلمسها أحد.
يسمع صوت المذيعة في برنامج حواري بعد الظهر.
『يبدو أن رئيس مجلس الإدارة الجديد قد غيّر بيئة المدينة الأكاديمية بشكل كبير. كل ميدان يركز بشكل مكثف على كم من فساد يمكن التخلص منه بفضل هذه الفضيحة. رغم أن هذه الاكتشافات مخيفة، فلنأمل أن تساعد في فضح كل شيء إلى النور』
اهتز هاتفه. لم يرن لأنه كان على الوضع الصامت، ولكن الصوت الهادئ للمحرك كان مزعجًا كثيرا لقلبه. شعر وكأن عمره يُسحب.
『هانزو> هامازورا، وينك الحين؟ دمرنا رئيس الفريق المنافس وانتشرت الفوضى بيننا. ولا ندري من يستهدفنا!』
『كُرُوا [7]> كان ذلك الفريق يُوَصّل الطلبات للجانب المظلم، لكننا لا نعرف أين "حدودنا" في هذا. يا بو هامازورا [8]، سنختبئ الآن. أعتذر، لكن وقتنا ينفد!』
كانت هذه الرسائل المتوترة عبر تطبيق التواصل مِنْ أصدقائه القدامى أيام جُنحه.
لكن الصوت على التلفاز صار أبْهَجَ.
『والآن نعرض لكم أفضل عرض كرسماس ستراه اليوم! جِراء وقطط بلباس بابا نويل ظريف! وربما غيرهم من الحيوانات الغريبة سترون! استمتعوا بأفضل 100 فيديو شعبي』
كان غير طبيعي.
يكاد يبدو وكأنهم يَصُدُّون نظر الناس عن الأحداث المشؤومة عمدًا.
ومع ذلك، شعر هامازورا بوجود شخص آخر على نفس الطابق الذي كان فيه. ما عساه يتركه ينتبه له، لذا ابتعد عن الجدار الخرساني واتجه نحو الدرج بينما يتأكد أن لا يصدر صوتا.
ولكن الدرج الصلب والبارد كان ليُصدِرَ صوتًا مهما كان حذرًا، ولم يعد يستطيع التوقف الآن على أي حال. فاندفع نزولاً على الدرج بطريقة لم يدري ما إذا كانت ركضة أم قفزة.
لكن في طريقه إلى المدخل الأمامي، توقف وضغط بجسده ضد الجدار.
سمع صفارات الإنذار، فركض بسرعة إلى المدخل الخلفي بدل أن يكمل.
「مـء؟」
لم يفتح. أمسك بالقفل بين أصابعه وأدارها، لكن الباب المعدني المصدأ لم يتحرك. هل صدأت الفجوة من بعد سنين؟ أم بُنِيَ البناء خطأً؟ أم أن موادا مهجورة أو صناديق قد تكدست على الجانب الآخر من الباب؟ لم يعرف ما تسبب في هذا ولا عنده وقت ليجلس ويفكر.
『أواثقٌ أنك سمعت شيئًا؟』
『نعم. سمعتُ صوتا بالتأكيد. ربما هربت إحدى حيوانات المربية، وهذه مشكلة كبيرة』
شعر بقلبه يشتد. كانت الأصوات من الطابق العلوي تبدو متشككة، لكنهم سمعوه بالتأكيد. وهو يعلم أنهم يقتربون.
دَمَّعت عيناه وهو يواصل محاولاته فتح الباب دون جدوى.
「ال، اللعنة......」
أخبره عقله أن عليه ترك المحاولة وأن يبحث عن غير هذا المخرج، لكنه ما استطاع أن يتخلص من الإغراء الحلو "ماذا لو انفتح الباب هذه المرة؟" كانت هذه بنفس حماقة إسقاط الدلو في بئر فارغ في وسط الصحراء مرارًا وتكرارًا، لكنه كان في حالة من الذعر تمنعه من البحث بعيدًا في الأفق عن ماء قد لا يوجد.
كانوا يقتربون.
والباب لم يفتح.
يكادون يَصِلُون.
وقد طافه القطار. لا مكان يهرب إليه.
(آغغ.)
أسنانه تصطك وشعر بنَفْسِهِ تُحاصَر، فمد يده إلى جيبه وأخرج شيئًا ورفع صوته بذلك الإحساس القاسي في يده.
「افتحي هذا الباب يا [عُملة نيقولا] !!」
النتيجة فاجأت حتى نفسه.
انفتح الباب بصمت وسلاسة. ولقد استند بكل وزنه عليه، فطاح إلى الخارج. آلمه كل جسده. أراد أن يفتح الباب بشدة، ولكن عندما انفتح، جلبت له متاعب أكثر. لا بد أنه قد أسقط الشيء بوقوعه حيث أنه لم يعد يشعر به في يده. حرك رأسه وهو مستلقٍ على الأرض المبتلة بالثلج.
رأى بريقًا ذهبيًا هناك. وكانت أكبر قليلاً من عملة الـ 500 ين. كان عليها صورة مُسِنٍّ ذو لحية في الجانب، ولم يدري من هويته. كان يعرف فقط أن هذه لم تكن عملةً يابانية.
كانت عملة ذهبية بلونٍ يميل إلى البهتان، لكنها تلمع في نقطةٍ على حافتها. تلك النقطة اللامعة انتشرت ببطء في اتجاه عقارب الساعة من أعلى العملة. تقريبًا كمخطط دائري على شكل دونات أو فتيل.
تلك هي [عملة نيقولا].
كان عنصرا روحيًا يتجاهل جميع الاحتمالات والإحصاءات ليمنح الظاهرة المحددة فرصة نجاح بنسبة مئة بالمئة.
『سمعت شيئًا هذه المرة أيضًا』
『ا-احذر وانتبه. مروضة الحيوانات لديها أسلحة أكثر من الحيوانات نفسها. وتلك أيضًا تحمل أمراضًا مُعدية!!』
『هل يمكنك أن تقول ذلك دون أن تستعمل فتاةً في الإعدادية كدرع أمامك!! 』
「ء!」
لم يستطع البقاء طويلاً. أخذ عملة نيقولا ورفع جسده المتألم على قدميه. ثم جرى بأقصى سرعة بعيدًا.
كانت هذه [عملية الأصفاد]، وهي عملية تمشيط واسعة للجانب المظلم في المدينة.
(تستهبل.......)
فكر في العديد من الأشخاص الذين يعرفهم والذين لا يستطيعون العيش في المجتمع العادي.
وعشيقته تاكيتسوبو ريكو.
إذا كان مثل هذا يحدث في جميع أنحاء المدينة الأكاديمية، فإن لا مكان آمن بعد الآن.
إنها إبادة جماعية قد بدأت. حتى لو لم تُسَمِّها السجلات بذلك.
「تستهبلون علي!؟ لن أعلق في وسط تنظيفكم هذا، مهما كان! تبا!!」
ما عاد يستطيع البقاء في مدينة الأكاديمية.
كانت المدينة تحوطها جدران حصينة لتمنع تسرب تقنياتها المتقدمة، ولكن إذا لم يكن هناك أمان داخل المدينة، فما خياره الآن سوى الهروب إلى خارجها.
برفقة من لم يرغب أبدًا في فقدانها.
وبيده عملة ذهبية واحدة يبدأ فيها أسوأ عيد ميلاد سيعيشه.
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)