-->

الفصل الرابع: اِلۡعَبۡ في الفضاء

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء 1

صَصَعق!!

  • الجزء 2

「هئ!؟」

قفزت ميساكا ميكوتو على قدميها.

عندها فقط أدركت أنها كانت مستلقية.

ولم يكن حولها أثرٌ للشكل الإلفي المألوف بتشييت.

(لا، لا، لا!! أين أنا؟ واضحٌ أن هذا ليس عالم الآلهة أو العالم الخيالي. فماذا عن بتشييت!؟)

كان المكان أشبه بمختبر بارد.

لكنه كان أيضًا مساحة شاسعة لا تنتهي.

وقوة القفزة بقيت، تدوّرها في الفضاء الفارغ بضع لحظات.

كانت بزي توكيواداي الصيفي.

وهذا يعني أن تنورتها القصيرة رفرفت قليلًا.

「واااه، ما هذا المكان!؟」

「بلو-بلورغ!؟ بلو-بلو-جيوغ. بلو-جيو-بلو-بلو، جيوغ-جيوغ-بلو-بلو-بلو؟」

「وي منه من قروي مرعب A!」

ما يكون هذه المرة؟ بالتأكيد ليس عالمًا خياليًا، بل عالمٌ مختلف تمامًا. كل شيء كان غريبًا لدرجة أن عقلها لم يستوعب ويلحق بسرعة!

صرخت ميكوتو عندما أدركت أخيرًا أنها محاطة.

من تلك.

من أشياءٍ!؟

لمعت الكتل الحمراء كسيارة سباق. وبلغ طولها المترين. كانت أقرب شبهاً إلى فرس النبي العملاق يسير على قدمين، بمجسّات عديدة تلتوى من ظهورها. .....بالكاد يشبهون الروبوتات، لكنهم على الأغلب مخلوقات. وعدا أنها لا تملك أي دليل بيولوجي يدعم استنتاجها، إلا أن فكرة قفزت إلى عقل ميكوتو أولا.

「ف-فضائيون!؟」

「بلو-بلو-بلورغ. جيورغغغغغخخ. أ-إي-آي-أو-يو. لالالا. هل تفهمينني الآن؟ دو ري مي فا صول لا تي دو.」

「مم؟」 عبست ميكوتو.

「أنا فلوريا. هل تسمعينني؟」

على ما يبدو، لم تكن تتخيل.

بدل أن تنتظر الرد، استمرت الفضائية فلوريا تتكلم.

「نحن البشر المتقدمون من الجيل السابع تَطَوّرنا لنحيا على السفن. نحن كائنات حية ذكية أرضية تجاوزت حدود الوطنية والجنس والعرق والدين واللغة. وأعترف، ليس الأمر أننا تجاوزنا تلك الحدود بفضل ازدهارٍ ثقافي أو نموٍ عقلي بقدر ما هو عن حاجةٍ فينا للتجمع والتكاثر من بعد ما تقلص عدد البشر كثيرا بسبب الحروب」

「؟」

「ببساطة، نحن نسخة أكثر تطوراً من الأرضيين البشر أنتم. مع ذلك، يختلف مجرى التاريخ وترتيب الاختراعات والتقدم التكنولوجي في عالمنا بشكل كبير عن عالمكم، لذا لا علاقة للخط الزمني بمن هو الأكثر تطورًا. لكم أن تعتبروا هذا على أنه شكلٌ مختلف من القرن الواحد والعشرين」

كان هذا أدهش من الاتصال بالفضائيين.

وكان يبدو أن لديهم أساسًا منطقياً لادعائهم أنهم "من الجيل السابع" وليس مجرد اسم رنان، لكن ما يحتاج كوكب الأرض من تغيُّرٍ حتى يصير البشر بهذا الشكل في تكيفهم؟

إجابة فلوريا كانت بسيطة.

「لم يعد على الأرض بشر」

「مم؟!」

「حتى بعد تقدمٍ كثير في الحيوية والثقافة إلا أننا لا زلنا نقتتل لنسيطر على ذلك الكوكب الواحد، ولكن ما أصبحنا إلا وأسلحتنا باتت مدمرةً مُنهية. أدركنا أننا سندمر كوكبنا المائي إذا واصلنا. لذا تركناه وحرمنا على أنفسنا دخوله لتُحفَظَ الحياة ويستمر التكاثر بينما يعيش الإنسان في الفضاء. ولكم أن تقولوا أيضًا أننا نقلنا ساحات المعركة إلى الفضاء. فمع المساحة الشاسعة للفضاء الخارجي أصبحنا أحرارًا في استخدام الأسلحة المدمرة للكواكب」

أبدت فلوريا من الأمر بسيطًا يسيرا.

فلهم، لعل الأرض كانت صفحة من صفحات التاريخ، كعصر الديناصورات الذي انتهى باصطدام كويكبٍ ضخم.

لكن ميكوتو لم تراه هكذا.

حتى وإن لم تكن هذه هي الأرض التي وُلدت عليها. حتى وإن كان عالمًا خياليًا مختلفًا تفرع كأحد احتمالاتها العديدة.

「ألم تفكروا أبدًا في العودة يومًا ما؟」

「نحن نرى نظامنا الشمسي بأسره بيتاً لنا، وليس فقط الكوكب الذي يُسمى الأرض. الأرض سرداب غرفةٍ لبيتنا نحافظ فيها على الحياة البيولوجية」

「.......」

「نرى العديد من الحيوانات النادرة والمفترسة في حديقة الحيوان، ولكن لا أحدا منا يريد الدخول إليهم وفي أقفاصهم. وحتى القليل منا يرغب في أن يقضي كل ليلة بينهم دون وسيلة ليحمي نفسه」

أفهكذا سنرى الأرض بعد مغادرتها؟

علّ البقاء في هذه العوالم الأخرى زمنا طويلا أمرٌ لا خير فيه.

شعرت ميكوتو بحرجٍ وهي تطفو في جاذبية ضئيلة، لكنها اقتربت عفويا من حافة الفضاء الشاسع بينما تمسك تنورتها.

رأت الفضاء الخارجي.

ومن بعيد، رأت كوكبًا أزرق.

「جديا؟」 همست.

في البداية، ظنت أن هذه شاشة LCD سميكة، ولكن كيف لمتحكم كهرباء في المستوى 5 ألا تلحظ خدعة كهذه.

لكن الحقيقة أن هذه نافذةٌ سميكة مكونة من طبقتين معززة بعازلٍ حراري ومقاوم للضغط وبدرعٍ يحمي من الإشعاع.

كانت كلها على هذا النطاق الكبير لدرجة أن أفكار ميكوتو هربت نحو شيء أصغر.

(فأين شوكهو في هذا العالم الشاسع؟ وكيف سأقتلها؟)

كانت الأزمات هي بالضبط الأوقات التي عليك فيها أن تركز على الأمور البسيطة.

لن تنسى ميكوتو مبتدأ كل هذا.

  • الجزء 3

لم تصدق شوكهو ميساكي عينيها بينما كان شعرها الأشقر الطويل وتنورة زيها الصيفي يتطايران في الفراغ.

إذن هذه المرة في الفضاء.

「هذا عالمنا」

كانت الصور تطفو في الفضاء. بعضها نماذج ثلاثية الأبعاد، بعضها صور التُقِطت من كاميرات خارجية مختلفة. بما في ذلك صورة بانورامية يبدو أنها صُوّرت بواسطة سفينة أخرى تحلق بالتوازي معهم.

بدت كسفينة بحرية ضخمة.

لكنها لم تكن مخصصة للإبحار، لذا كان شكلها مختلفًا تمامًا.

وبينما تراقب شوكهو الشكل الحاد والإنسيابي للسفينة، كلّمتها فتاةٌ جميلة ببشرة بنية وبنبرة (هواء؟) باردة تدعى فِكتوريا. ترتدي ما يشبه البيكيني، لكنها أيضًا تضع وشاحًا رقيقًا وقفازات وجزمًا معطيًا ملابسها مظهرًا غير متوازن. كيف يفيدها ذلك في هذه البيئة المغلقة الضخمة؟ لكن السفينة استطاعت الحفاظ على درجة حرارة ورطوبة مناسبَين في جميع الأوقات، لذا ربما ليس سعيا للدفء، بل إلى توفير حماية موضعية ومركزة لشيء آخر، مثل المغناطيسية أو الملح في الهواء.

「بطول 30 كيلومترا ووزن 1.8 مليون طن، كل طَرّاد حربي خارج الفضاء هناك يُعتبر ضخمًا. ونحن خُلقنا على هذه السفينة ونعمل هنا ونخوض معارك مع أسطول يضم قرابة الـ10 آلاف سفينة حربية. وطبعا لدينا أساطيل متعددة」

أحاط شوكهو رجالٌ ونساء جميلين من جميع الأعراق على الأرض. لكن ملامحهم كانت مثالية أكثر من اللازم، جاعلين الفتاة الشقراء لا ترتاح بينهم.

ألِأنها، بجسدها اللحم والدم، تبدو مختلفة وسط كل هؤلاء الرجال والنساء الكاملين؟

ولمن اعتادت أن تكون ملكةً متوجة، استهجنت هذا الشعور المنعزل.

............أو لعلّه ذكّرها كثيرًا بعزلتها القديمة.

「أنتم أندرويدات صُنعتم لتبدون كالبشر، أم لا؟」

(التشريح الميكاتروني ذاك كان مفاجئةً بحد ذاتها، لكن هؤلاء لهم قدرةُ جودةٍ أعلى حتى)

「لم تستطع المخلوقات بالبشر سابقًا تحمل رؤية أجسادها وهي تتغير ببطء أثناء عيشهم على السفن فقرروا تجاهل العملية والوظائف العملية ليصمموا آلاتهم تتصرف كالبشر تمامًا. وهكذا وُجد أجدادنا من الجيل الأول، ونحن الآن أندرويدات متعددة الأغراض من الجيل الخامس. لقد سيطرنا على منشآتنا الإنتاجية فصممنا وأنتجنا كل جيل جديد جُملةً」

「مم، يعني أنكم لم تعودوا بحاجة إلى البشر؟」

「لا، نحن لا نرى معنًى في طاعة غير البشر التي تطور إليهم البشر. نحن لا نعترف بهم أولياء علينا لأن تطورهم البشع الذي انتهى إلى طريق مسدود جعل من المحال أن تعمل تقنيات التعرف على الوجه أو مقارنة الحمض النووي عليهم」

...أيعني هذا أنهم سوف يساعدون شوكهو؟

فلنأمل ألا يحبسوا هذه العينة "البشرية" الثمينة فيدرسونها ويعتنون بها تحت ذريعة "حمايتها من التهديدات الخارجية".

(إذن هذا هو العالم الذي تفوق فيه العمالة السهلة – أي العبيد –الجميع)

كان فعلا عكس العالم السابق تمامًا. بدل الإلف، هنا أندرويدات ميكانيكية.

لكن في ذي الحالة...

تنهدت الفتاة الـ#5 وأخرجت رموتا من شنطتها.

「إذا كان كل من حولي أندرويد، فلا أظن هذا يعمل」

「مم؟ لم نُصَمَّم لطاعة أجهزة التحكم البسيطة هذه」

「ما قصدت」

بإحباط، ضغطت شوكهو على زرٍ بإبهامها.

تجمدت الأندرويدة ذات البشرة البنية أمامها فورًا، واقفة منتبهة.

「.....ماذا؟」

اتسعت عينا شوكهو.

على جمالهم الكمالي غير الطبيعي، فإن فيكتوريا لم تكن سوى آلة بشرية الشكل. مما يعني أن المنتل آوت ما كان من المفترض أن يعمل عليها.

「إلى اليمين」

「......」

「اجلسي. صافحيني. أريني بطنك☆」

「.......」

فعلتها.

أطاعت.

إن كانت تمزح، فيا لها من ممثلة، لكن هؤلاء الأندرويد لم يعرفوا شيئًا عن أسابر المدينة الأكاديمية. لم تكن لتعرف كيف تتصرف ما لم تحمل هذه المعلومات مسبقًا.

وهذا لا يمكن أن يعني سوى...

(من جد؟ أبقي فيهم بعض البشرية حتى تعمل عليهم المنتل آوت!؟)

「مم؟ هممم؟؟؟ أود تفسيرًا لما فعلتِه لي تواً」

على الرغم من كونها أندرويدًا، أمالت فيكتوريا رأسها محتارة.

وعند التفكير، ألم تقل إنهم لا يرون أي "معنى" في طاعة الإنسان المتحول؟ هذا يعني أن هذه الآلات تفهم وتتصرف لإرادةٍ ومشاعر، بدل أن تعمل على وظائف محددة أو مجموعة من القواعد.

في العالم الخيالي، أخذ الإنسان كل أشكال الحياة الأخرى واستعملها. أما في هذا العالم العلمي، فقد حلت الحياة الصناعية محل الإنسان المتحول فأصبحت في القمة. أحملت هذه المقارنة معنًى خاص؟

كانت شوكهو مذهولة في نفسها، لكنها ولأنها ملكة توكيواداي لم تسمح لأي من ذلك أن يظهر على محياها.

「ب-بالمناسبة، هل تمتلك أي من الآلات غير البشرية "عقلًا" مثلكم؟ فمثلا ماذا عن هذه السفينة الفضائية؟」

「التطبيق الذي تطلقون عليه اسم "العقل" لا يتطلب مساحة كبيرة، لذا من المفترض أن يكون مثبتًا على كل آلة تمتلك مساحة فارغة في أجهزتها. اعتبريها مثل الآلة الحاسبة أو لعبة الورق التي تُخزن في زاوية من الحاسوب」

(لحظة، أيعني أن الأندرويدات تستخدم الحواسيب في هذا العالم؟)

لكن إن صَدُقَ هذا الحس...

اتسعت عينا شوكهو.

(هل يمكنني أن "أغسل" وأتحكم في كل روبوت وحاسوب في هذا العالم بريموتي؟)

تقدر الملكة أن تتحكم في كل شيء هنا، سواءٌ آلة سواءٌ إنسان.

وعلى الأرجح أن هذا عالمٌ أدت اللهفة القوية إلى النزعة الإنسانية مقترنةً بالتقدم التكنولوجي إلى اختفاء الخط الفاصل بين الاثنين.

ما هذا؟

هذا عالمٌ مصممٌ خصيصًا لشوكهو ميساكي!

「كلٌ من البشر المتطورين غلوًا والأندرويدات بدأوا بالعيش في الفضاء تاركين الأرض محرمةً عليهما. وهناك انقسام بين جماعةٍ أرادت الاستمرار في بناء السفن الضخمة وجماعة أرادت تطوير أقمار المشتري الكبيرة أو القمر الصغير للمريخ، لكن هنا لا توجد مشاكل كبيرة」

「لا مشاكل كبيرة، هاه؟ علّ لأن آلات مثلكم تسبح ببساطة في فراغ الفضاء دون مشاكل」

「لتصحيح سوء فهمك الواضح، نحن الأندرويد صُممنا لنكون قريبين قدر الإمكان من البشر دون أي اعتبار للوظائف العملية أو الفعالية. لقد اخترنا نظامًا تطلّب كُلّاً من الماء والأكسجين، لذا نتضرر وتتوقف وظائفنا الحيوية إذا أُلقينا في فراغ الفضاء」

إذن هم بشرٌ بلا كربون؟ كان لشوكهو أسئلة حول ذلك، لكن من المحتمل أنهم وجدوا فخراً واعتزاز أن يُسَمُّوا أنفسهم أندرويد.

وربما جزء من ذلك أنهم لم يريدوا أن يُنظر إليهم بشر. خاصة عندما أظهرت الصور التي عرضتها فيكتوريا أن البشر في هذا العالم أصبحوا أقرب للسراعيف شبهًا برِجلين ومجسّات.

(غير ذلك...)

كان عالم سِلِساكفير عالمًا خياليًا حيث ترىٰ فيه قطعًا غير طبيعية من الأرض مكسورة تطفو فوق كوكب تغطيه المحيطات بالكامل، لكن هنا كان عالمًا علميًا خالصًا.

فهل أرسلت عمدًا إلى عالم معاكس تمامًا كمزحة سمجة أم ماذا؟

「فالأرض هناك لكن لا أحد يستطيع العودة إليها. ألا يبدو هذا مقيدًا؟」

「لا نرى هذا. صُنعنا على هذه السفينة، وهنا نعمل. كذلكِ، ظهرت مشكلة أعظم جاعلةً كل شيء غيرها تافهة」

「؟」

「الأجسام فائقة الضخامة دخلت في مسار لتصطدم بكواكب أخرى وتدمرها」

الآن، هذا مصطلحٌ لم تألفه.

لكنها أدركت أنه لم يكن خبر خير.

「أو على وجه الدقة، عاصفةٌ منها. خمسة كواكب بحجم المشتري تحلق من بعيد تقترب. كانت الأجسام فائقة الضخامة تائهة في الفضاء البعيد بعد فقدان نجمها المركزي، لكن يبدو أن مسارها قد تغيّر بعد دخولها سحابة أُوُرت. هل تعرفين ما هي؟」

「حسب علمي، فهي مجموعة من كتل الجليد تقع بعييييييد عن الشمس. يُقدّر عددها بأكثر من تريليون. لكنها احتجزت بفعل جاذبية الشمس، لذا فهي تُعتبر أساسًا جزءًا من النظام الشمسي. ومعظم المذنبات تأتي منهم」

「صحيح. جميع الأجسام في النظام الشمسي تنجذب نحو الشمس. تمامًا كما يقترب مذنب هالي منها على طول منحنى هائل. لذا ومع الوقت الكافي، ستطير الأجسام فائقة الضخامة مباشرة إلى الشمس.،」

「و.... ماذا يحدث؟」

「إذا جمعتِ كل الأجسام في النظام الشمسي باستثناء الشمس، فلن يتجاوز مجموع كتلتها 1% من كتلة الشمس. لذا فإن اصطدامًا مباشرًا من الارتطامات فائقة الضخامة لن يكون له تأثير كبير على الشمس」

صرّحت فيكتوريا بذلك ببرود.

لكنها لم تنتهِ.

「ولكن، الأجرام التي تدور حول الشمس أمرها آخر. إذا اصطدم كوكب بحجم الأرض أو المريخ بآخر، فسوف تتحطم بالكامل. حتى وإن كان مروراً عابراً قريب، فإن جاذبية الأجسام فائقة الضخامة القوية ستجذب الكواكب الأخرى فتخرجها من مدارها حول الشمس وتدفعها خارج النظام الشمسي تمامًا. وعندها ستتجول هذه الكواكب في الكون الواسع دون شمس ترافقها فيتحولون إلى كواكب من الجليد والموت」

كان كل هذا على نطاق هائل، حتى أن خيال شوكهو استصعب استيعابه.

ولكنه العادي في هذا العالم.

「لدينا سفن فضائية ضخمة، لكنها صُممت على افتراض أننا نعتمد على الشمس مصدراً للضوء والحرارة، كما أننا نعتمد على استخراج وجمع الموارد من الكواكب والأقمار الأخرى. لذا، فإن انفصال الشمس عن كواكبها هو شيء نريد تجنبه بأي ثمن. لا مستقبل لنا إن كان علينا الاختيار بين الضوء والموارد」

「لكن...」 كانت شوكهو مترددة. 「هذه الكواكب القادمة تضاهي المشتري حجمًا، أليس كذلك؟ ذلك ضِعفُ كتلة الأرض ثلاثين مرة، وقلتِ أن خمسة منها تقترب. مهما كانت ضخامة سفنكم الفضائية، لا أراكم توقفونها」

「بل نوقفها」

كانت فيكتوريا واثقة.

「ما مدى تقدم قدرة علومكم؟」

「ما التكنولوجيا إلا محورٌ واحد. مع توفر الوقت والبيانات، يمكن لأي أحد الوصول إلى هذا المستوى」 صرّحت الأندرويدة وكأنها تغار من شوكهو لعدم اضطرارها إلى التطور لهذا الحد. 「هناك عاملان حاسمان: لسنا بحاجة إلى تحدي عاصفة الأجسام فائقة الضخامة مباشرة، ولدينا التكنولوجيا لنشر كتلة هائلة في الفضاء – وإن لم تكن بحجم تلك الكواكب فائقة الضخامة」

「ماذا، هل تبنون مدفعًا عملاقًا وتفجرون تلك الكواكب؟」

「لو فعلنا، فإن الارتداد سيدفع سفينتنا خارج النظام الشمسي تمامًا، وقد تؤدي موجة الصدمة الثانوية إلى دمار كل كواكب النظام الشمسي」

إذن فهي ليست بهذه البساطة.

لكن فيكتوريا لم تفرغ من الحديث بعد.

「ومع ذلك، أمامنا خطرٌ أعظم يجب أن نواجهه」

  • الجزء 4

على متن السفينة العملاقة تحاول ميكوتو تنظيم أفكارها.

يبدو أن في هذا العالم فصيلين: البشر المتحولون والأندرويدات المثالية. لكن الأمر ليس ببساطة مواجهة مباشرة بين اثنين بل تعقّد بعوامل أخرى.

「هذا جهاز تكهرب،」 قالت المرأة المدرعة الفضائـ- لا، بل الأرضية المسماة فلوريا. 「أثناء تطويرنا محركًا اصطناعي لمحاكاة المستعر الأعظم (سوبر نوفا)، اكتشفنا بالصدفة بوابة نقل عبر مجال جاذبية هائل. ببساطة، أنشأنا جهازًا ثانويًا أثناء عبثنا بثقبٍ أسود صناعي. جهازًا يكهرب أي مادة بحرية ودقة تامتين، مهما كان مكنون عناصرها」

「ترى، هذا شيء مرعب حتى تقوليه بذي البساطة....」

「أعلم. عدد التطبيقات الممكنة لهذا الجهاز لا تُحصى. فمثلا، إنَّ تغيير سطح مجموعة متنوعة من الأسلحة عن بُعد قد يخفي أسلحتك عن رادار العدو بينما تُكشَف أسلحتهم في رادارك مهما بلغت قدراتهم في التخفي. وبتلاعبنا بالإلكترونات التي تربط الذرات أو الجزيئات أنشأنا عددا لا يُحصى من المواد الجديدة –منها أنواع جديدة من المتفجرات والدروع– وهذا وسع هائلا من إمكانيات تطوير الأسلحة. وبتدخلنا في التأثير الكهرضغطي وتردد ساعات المَرُو (كوارتز)، نُعطل صواعق الرؤوس الحربية. هذا الاختراع وحده قد يحول الحرب إلى مجزرة أحادية الجانب. ولن نسمح أبدا لأولئك الآلات التي تصرّ على جمال كل شيء وتواصل غزو أمننا وأراضينا أن يحصلوا عليه」

「......ها؟」

「عندك سؤال؟」

احتارت فلوريا من دهشة ميكوتو، لكن الأخيرة التزمت الصمت. تأكدت من أخذ نفسٍ عميق قبل أن تطرح سؤالها.

「مم. ألا ترين صدقاً أيَّ قيمة تذكر في أمان وصناعة ثقب أسود؟」

「إنشاؤه بحد ذاته كان تحقيقًا لهدفنا. لم يكن أكثر من اختبار مادي لما كان في الأصل تجربةً فكرية حول تكوين ثقب أسود اصطناعي. لا نحتاجه في التخلص من النفايات غير القابلة للتدوير، فلدينا الشمس」

أبدت فلوريا الأمر بسيطًا للغاية.

وربما كان كذلك للذين سبق أن فعلوه.

لكن هذا غيّر كل شيء لميكوتو.

لقد أدركت شيئًا بالغ الأهمية لدرجة أنها قررت أنه من الأفضل ألا تخبر فلوريا وبقية البشر به إن لم يكونوا قد أدركوه بأنفسهم.

بمعنى آخر...

(هل... أستخدم هذا للعودة؟)

بالطبع، لا يمكن تحقيق نقلٍ مادي بمجرد القفز إلى ثقب أسود اصطناعي. ولو حاولت، فلتُسَحقن من كل الاتجاهات وتُحبسن إلى الأبد.

كما أن هذه الطريقة كذلك لن تُنقّلها بين العوالم.

ولكن...

(بناءً على كيفية عمل جهاز التكهرب هذا، فقد يكون ممكنًا)

「كل ما نريده الآن هو حماية النظام الشمسي من الكواكب الاصطدامية العملاقة. جهاز التكهرب لن يساعد في ذلك، بل إنه تكنولوجيا خطيرة ما هي إلا تسريع لحربنا مع الأندرويدات」

「......」

حقيقة أنهم لا يستطيعون بعد اختيار تدمير الجهاز ربما كان دليلا على بشريتهم الباقية ولو تغير فيهم الكثير.

أرعبهم، لكن تدميره لإهدار عظيم.

صُنع جهاز التكهرب بالصدفة، ولم يكونوا واثقين مما إذا كان بالإمكان إعادة إنتاجه. فإذا دمروه، قد يروا لاحقا حاجةً ملحة إليه فيحاولون صنع مثله.

「وقد أزلنا الموصل من الجهاز」

「أي موصل؟」

「قديما، البشر عاشوا على الأرض وكانوا مُقسّمينَ فصائِلَ تَحُدّها حدود وطنية، مما يعني أن الدبلوماسية كانت ممكنة. لم نكن في حرب آنذاك، ولذا وُضع المولد فائق الطاقة على متن السفينة الرئيسية للبشر. في المقابل، وُضعت بلورة التحكم بالطاقة على متن السفينة الرئيسية للأندرويد. بينما يمتلك جهاز التكهرب عديداً من الاستخدامات والمعاني، فإنه يتطلب كُلاً من [إنتاج الشحنة الكهربائية بأمرٍ] و[التحكم بها بدقة]. لذلك لا يمكن استخدام الجهاز بدون المتحكم」

「لكن إذا كنتم ترغبون فقط في استخدامه عشوائيا، فيمكنكم ذلك بما لديكم؟」

「إذا أردنا تجميع الكهرباء الساكنة على ورقة بلاستيكية، فكل ما نحتاج إليه هو أن نفرك قطعة قماش عليها. إنّ جهاز التكهرب مخيف لأنه يعمل مع أي مادة، وبأي مستوى من الطاقة، وبأي مستوى من الدقة」

ذلك يعني أن ميكوتو وحدها لا تستطيع تنفيذ فكرتها.

كانت تستطيع استخدام سيطرتها الحرة على الكهرباء فتخترق الأجهزة الإلكترونية وتكلم أخواتها عبر الأمواج الدماغية وتفعل أشياء أخرى تبدو سخيفة، لكن حتى هي لم تقتدر على فعل كل شيء يمكن لهذا الجهاز الكهربائي أن يحققه على ما يبدو.

(همم، شعورٌ غريب أن شيئاً يعتمد على الكهرباء خارج متناولي. كأن أحداً كبس الزر الخطأ أو لربما أن هذا عالمٌ ليس لي)

「فما بال هذه الأسماء البسيطة، جهاز التكهرب أو المتحكم؟」

「ما عيب الأسماء البسيطة؟ نحن نفضل الأسهل والأكفء التي لا تترك مجالاً لللبس」

هذا مختلف تماما عن مدينة الأكاديمية.

رأت وكأنهم لا يأبهون أن يخمن أحدٌ أهمية الجهاز من اسمه. إذا كانت تكنولوجيا الحواسيب قد تقدمت كثيرا هنا، لربما حتى أشد الشفرات والرموز تعقيداً يمكن كسرها في ثوانٍ. فهل أزالوا مكوناً حاسمًا فعليا لأنهم لم يثقوا بكلمات مرور البرمجيات أو الأقفال؟

「مرة أخرى، ما لهذا علاقة بهدفنا الأساسي. ليس له تأثير مباشر على حماية النظام الشمسي」

「......」

(جهاز تكهرب، هه؟)

بدأت ميكوتو تضع خطة في ذهنها بينما تستمع لما تقوله فلوريا.

نظرًا لأن تطوير أسابر مدرستها يعتمد على نظرية الكم، كانت ميكوتو على دراية بالكثير من النظريات الغريبة والمشكوك فيها التي تعتمد على الثقوب السوداء والأوتار الكونية ومثلهما.

بادئ ذي بدء، كان لهذا العالم الخيالي ثقوب سوداء صناعية. ولكن ربما لا يمكن استخدامها للسفر بين العوالم.

ولكن حتى وإن استُخدمت الثقوب السوداء بهذه الطريقة، فهذا لا يكفي. كل الناس يعرفون أن الغوص في ثقب أسود سيسحقك من جميع الجوانب. لابد من تلبية بعض الشروط الأخرى أولاً.

(نعم، كأن تكهرب الثقب الأسود نفسه)

ثم بدل الغوص مباشرة في الثقب الأسود، يمكنها السفر حوله بسرعة عالية لتحقق ما يعرف بالاعوجاج المشحون.

الاعوجاج بحد ذاته مجرد نظرية فاشلة مرتبطة بالأوتار الكونية غير المؤكدة، لكن ميكوتو لم ترى نفسها تعود إلى سلساكفير بنظريات معقولة فقط. فمن هذه الناحية، عالم خيالي كان فكرةً بحد ذاتها غير معقولة.

الآن كان عليها أن تكتشف كيف تكهرب ثقبا أسود يمتص كل شيء. حتى ثالثة المستوى 5 ستجد صعوبة في إرسال الكهرباء إلى هناك بالقوة وحدها.

لكن نعيد...

(قد يمكن ذلك باستخدام جهاز يكهرب أي مادة مهما كان مكنونها. غريبٌ أنهم لم يكتشفوا كيفية فعل ذلك وهم لديهم كل الأجزاء جاهزة، لكن هذه ليست أول مرة أرى مثل هذا في عالمٍ آخر. إذا نجحت هذه الطريقة وتمكنت من تحديد المكان الذي ستأخذني إليه، قد أرجع إلى سِلِساكفير!!)

「ومع ذلك، ولأننا بشرٌ ذو خلقٍ ونظام، لن ندع جهاز التكهرب والمتحكم يقعان في أيدي الأندرويدات. ونحن على استعداد أن نفدي بالأرواح إن لزمت لنوقف الأجسام الضخمة التي بحجم كوكب المشتري. ويجب ألا نعطيهم القدرة على شن حرب أبدية. لذا ونحن الفائزون العقلاء البشر يجب أن نحمي جهاز التكهرب هذا بأي ثمن」

  • الجزء 5

「كيف تخططون لإيقاف هذه الأجسام فائقة الصخامة – الأجرام السماوية الخمسة بحجم كوكب المشتري القادمة صوبنا؟」

「هذا ليس سراً」

قالت الأندرويدة ذات النبرة الجامدة فيكتوريا ترد على شوكهو.

على ما يبدو، لم يكن هذا سرًا عسكريًا كبيرًا.

「العديد من السفن الحربية من كلا الجانبين دُمرت هنا، واندثر حطامها عبر المنطقة」

「صحيح」

「وهذا يجعل هذه المنطقة غير عادية حيث أن الجزء الأكبر من الكتلة يتكون من الحطام. وإذا جمعناه معًا فأشك أن تشكل كتلة بحجم الأرض حتى، ولكن هناك طريقة أخرى لاستخدامها. تلميح: احتكاك」

「ألا تعطيني الإجابة بدل الألغاز؟」

「هوه؟ إلحاح الطلب على إجابة فورية منا في كل المواضيع لهي أحد أكثر الأشياء التي كرهناها في الكائنات الحية التي كانت تعرف بالبشر」

أظهرت فيكتوريا دهشة معتدلة دون أن تفقد جمودها.

「الإجابة هي الكهرباء الساكنة」

「جادة أنتِ؟」

「حتى كومة الحطام التي تقل عن حجم الأرض يمكن أن تغطي مساحة أوسع بكثير عندما تتوزع. وبفرك القطع معًا، ستنتج كمية هائلة من الكهرباء الساكنة. محاولة أي طريقة مباشرة لإيقاف الأجسام فائقة الضخامة باستخدام قذيفة ضخمة أو جدار سميك سيكون عبثيا. بدل ذلك، سنخلق حقل طاقة سيغير مسار الأجسام الضخمة قليلاً قبل أن تصل حتى إلى مدار نبتون، وهذا سيمنع اصطداما مباشرا أو تقاربا شديد، فتمُرّ الأجسام دون أن تصطدم بأي جرم يدور حول الشمس」

سوف يغيرون مسار الكواكب.

لم تكن شوكهو متأكدة من أنه حق للبشر أن يغيروا شيئا بهذا المدى والحجم.

「خطتنا لا تختلف عن أن نفرك قطعة قماش على ورقة بلاستيكية ثم نقربها نحو شعرٍ طويل ومستقيم」

「لكن هذه الفكرة البسيطة تصبح شيئًا آخر تمامًا إذا نفذناها بهذا الحجم والقدرة السخيفة」

أصابها صداع من هذا، لكنها حملت سؤالا آخر.

سؤالا بسيط جدًا.

「إذن متى يفترض أن تصل هذه الأجرام فائقة الضخامة؟」

「إجابة هذا السؤال من المحتمل أن تُحدث صدمة نفسية كافية تجعلك تتصرفين بشكل غير متوقع، لذلك لا أوصي بإعطائك الإجابة」

「سأعتبر جوابك هذا أن حدوثه "قريب"،」 قالت شوكهو منزعجة.

كان البشر والأندرويدات في صراع سيطرة على النظام الشمسي.

وأي فريق يحمي النظام الشمسي كان أجدر بأن يحكمه.

لذا كانوا يستخدمون طراداتهم الحربية الفضائية وسفنهم الأم لمحاربة بعضهم البعض في الفضاء، خالقين الحطام أينما كانوا.

هل كان كل ذلك حتى يتعاملوا مع الأجرام السماوية الضخمة التي ستصل في النهاية؟

「لقد كنا هنا زمنا، لكننا الأندرويد لا يَحجِزُنا العُمر ولا حدود الزمن. المشكلة الحقيقية هي المأزق الذي نواجهه ضد البشر الذين تطوروا بإفراط ويتكاثرون بسرعة تكاد تكون مثل الصراصير، لكننا نعلم أن الزمن لن يقضي على أي من الفريقين. إنهاءها بالقوة العسكرية هو الخيار الأفضل المتاح- أوه، هل هناك مشكلة؟」

「لا، لا شيء،」 كان كل ما استطاعته شوكهو.

وضعت شوكهو يدها على جبهتها وعزمت قرارها فورا.

إذا كانت تستطيع حلها بمفردها، فلا إلزامٌ عليها أن تساعد هؤلاء الأندرويدات. ظروفهم تختلف تمامًا عن ظروف بتشييت والإلف. كان الإلف عاجزين عن إيجاد حل بأنفسهم وكان من الواضح أنهم سينتظرون الموت إذا لم يُفعل شيء.

لا خيار سوى واحد الآن.

كان على شوكهو أن تجد طريقة لتعود إلى سلساكفير وتنقذ الإلف ثم ترجع إلى الأرض لتنهي تجربة الخروج عن الجسد هذه.

هذا قرارها.

  • الجزء 6

「إنهم لا يعرفون شيئًا عن الكره. على عكسنا نحن البشر، فهم لا يحاولون حتى فهم الألم والحزن الناتج عن تفوق الغير عليك. مشاعرهم ولسانهم ما هما إلا محاكاة، وتنقصهم الروح اللازمة لفهم الجماليات، لذا من المضحك أنهم يصفوننا بالقبح. لذا ولأننا البشر الذين أنشأوا تلك الآلات، يجب علينا أن نُعلمهم طعم الذل والخسارة. حينها وعندها سيكفون عن القتال. فاتهم أوان الاعتراف بأخطائهم. ما إن ننهي هذه الحرب ونعيد سلام النظام الشمسي، سنقضي وقتًا طويلاً نغير أجسادنا ببطء مرة أخرى. وسوف نكتسب أشكالا جميلة ورقيقة تناسب عصرًا جميلًا من الازدهار. لكن أولاً يجب أن ندمر كل مكينة من تلك المكائن التي تقف في طريقنا!!」

  • الجزء 7

「سوف نستفيد تمامًا من كل وظيفة فينا نحن الأندرويد. لأن الوظائف غير المستخدمة ستصدأ لا أكثر. وهذا بائنٌ كثيرا عندما ننظر إلى ما أصبح عليه البشر بعد أن وسّموا كل شيء بوسم "الهمج" أو "غير الحضاري" وقيّدوا أفعالهم وذواتهم بقيودٍ لا سلطان لها. علينا ألا نتهرب من وظائفنا. وإن فعلنا فننكمش ونتقلص وتُتلَفُ شبكتنا الداخلية وفي النهاية تؤدينا إلى نموٍ خاطئ – بمعنى، التدهور. الآن يا جماعة، يجب أن نعيد تقييم أنظمتنا ونستفيد من كل وظيفة مسجلة ومجهزة وموصولة لدينا لنضمن حياةً صحية وغنية. لقد أصبح البشر عدوًا عنيدًا غليظًا ملحًا مزعجًا، والأهم من ذلك كله – قبيحًا. وحتى نتجنب مصيرا كمصيرهم، يجب على الأندرويد أن يعيش مستخدما جميع وظائفه على قدم المساواة دون أن تُقيّدها قواعد. علينا أن نقتلهم」

  • الجزء 8

بينما تتصاعد الأوضاع على كلا الفريقين، كانت ميكوتو وشوكهو تشتركان في نفس الفكرة في نفس الوقت تقريبًا.

كانتا في تناغم لدرجة أن المرء قد يحسب أنهما حقًا صاحبتان مقربتان.

(هذا عالمٌ لا شفاء له. الاصطفاف مع أي من الفريقين إنما سيودينا إلى موتٍ جماعي، ولا شيء يسعنا هنا. علينا أن نجد طريقة لنخادع بها كل من الأرضيين ذوي الأذرع المجسة والأندرويدات حتى نتمكن من استخدام جهاز التكهرب لأنفسنا)

  • الجزء 9

ما حدث بعد ذلك كان مفاجئًا.

سمعت ميكوتو رنةً خفيفة من جيب تنورتها.

(ها؟ جوّالي!؟)

ذهبت واختبأت خلف زاوية في الممر قبل أن تكبح دهشتها وتخرج هاتفها لتجد مكالمة برقم محجوب.

أجابته وسمعت صوت فتاة مشوشًا قليلًا عبر الهاتف.

كانت هي.

『حسبت يممممممممكن ينجح هذا لمّا لاحظت أن عندي قدرة إشارة، ويا للعجب نجحت』

「شوكهو؟」

『لا تسأليني كيف، لكن يمكننا الاتصال ببعض. أنتِ خبيرة في الإلكترونيات، فكيف تفسرين هذه الظاهرة؟』

「.......」

بدايةً، كان هذا عالمًا يحتوي على تقنيات أكثر تقدمًا. لا بد أن هذا المكان مليءٌ بالأجهزة التي تتواصل بموجات كهرومغناطيسية. ميكوتو الآن على هيكل صناعي عرضه 30 كم وكان مليئًا بالأجهزة من طرفه إلى آخره.

وزيادةً...

『جوالات الأرض ليست منتشرة هنا. لا بد أن هذا العالم قد تطور في اتجاه مختلف. علّ جوالاتنا تستخدم معايير مختلفة تمامًا أو علها قديمة جدًا لدرجة أن نظام الأمان الشبكي لم يتعرف عليها. أيا كان حال، وجدنا نقطة عمياء تتيح لنا استخدام النظام دون أن نُكشف』

「أترين حقًا أن ذلك ممكن؟」

الصراحة، لا.

حتى تشغيل تطبيق قديم يعتمد على عدد مختلف من البِتات (bits) على جهاز لوحي جديد تمامًا سيُحدِثُ خطأً فيُرفض التشغيل.

هذا كأن ترسل رسالة بشفرة مورس عبر شبكة الإنترنت الواسعة المليئة بكابلات الألياف البصرية ثم تنجح —بصدفةٍ نادرة— في تمريرها عبر النظام بينما —وبحظٍ معجزٍ أقوى من قبله— تفشل دفاعات الحماية في التعرف عليها. كم صدفةً سعيدة تحتاج لتشرح هذا؟ كذلك، كانت ميكوتو وشوكهو على سفن طرفين مختلفين في الحرب. فكان من المفترض أن تكون مراقبة اتصالات صارمة تمنع أي تدخلات.

ومع ذلك تواصلتا.

بطريقة ما، كان هذا أصعب تفسيرًا من السحر الخيالي.

(الحواسيب متعددة البتات والحواسيب غير فون-نيويمان المبنية على الكم أو ACGT [1] شائعة هنا، لذا ربما تكون الثنائية البسيطة 0 و 1 قديمة جدًا لدرجة أن لا أحد يهتم بمراقبتها؟ مما يجعل هواتف الأرض أداةً لا يمكن إيقافها. لِمَن صُنع هذا العالم خصيصا، لا أعرف)

تبادلت ميكوتو وشوكهو كل معلومة تملكانها.

لقد تطور الأرضيون إلى سراعف ثنائية الأرجل ذات مجسّات.

أصبحت الأندرويدات التي لا طاقم لها أكثر جمالًا من البشر.

『「على أي حال، إذ نتواصل بهذه الطريقة، فعلينا أن نعمل معًا دون أن يلحظنا الأرضيون السراعف أو الأندرويدات الجميلة،』

「كيف تكونين واثقة؟」

『ما نفعله الآن يعتبر هجومًا إلكترونيًا أو اختراقًا، لا؟ ونحن نستخدم قدرة تكنولوجية غير معروفة لهم تمامًا. لو أنهم لاحظوا، لأرسلوا قواتهم وهاجمونا☆』

علها أصابت في هذا.

في حربٍ شاملة يعزم كلا الجانبين على تدمير الآخر، فإن الجاسوس المشتبه به لن يلقى ذرة رحمة.

على ضخامة سفينة الأم العملاقة، إلا أنهم لا يزالون في الفضاء يسبحون، عالمٌ هادئ من الموت حيث لا ماء ولا أكسجين. وقد تسللتا إلى النظام الإلكتروني الذي يدير البنية التحتية التي تبقي الجميع أحياءا، لذا ستُعتبر وبلا جدل هجومًا حربيًا يهدد حياة كل السكان.

نظرًا لأن ميكوتو لم تكُ تعرف كيف يعمل النظام في هذا العالم حيث شاعت فيه الحروب الفضائية، لم تستطع أن تثق تمامًا بكل ما سمعته، لكن فعل شيء كان أفضل من الخيار الآخر.

عليهما التحرك بينما الفرصة سانحة.

عليهما الهروب من هذا العالم العلمي الخيالي قبل أن يُغلب عليهما.

يمكن لأي أحد أن يستخدم التكنولوجيا طالما يفهم كيفيتها. ليس متوقعا أن يلبثوا طويلاً قبل أن يُجمّع الأرضيون ذوو الأذرع المجسّة أو الأندرويدات الكاملة الجميلة العلامات والآثار الطفيفة التي خلفتها ميكوتو وشوكهو فيستنتخوا أو يمتصوا تكنولوجيتهما.

ما إن تزول ميزتهما، تزول أبدا.

كان عليهما العودة إلى العالم الخيالي سِلِساكفير.

『المتحكم ها هنا معي، وجهاز التكهرب هنالك معك. إذا امتلكنا ثقبا أسودَ صناعيا مشحونا بالكهرباء، سنسافر من عالم إلى آخر. لذا يجب أن نلتقي ونجعل جهاز التكهرب ذاك يعمل فنعود إلى سلساكفير』

「فهل أقول أن ملكةً ماكرة مثلكِ لديها خطة؟」

『حاليا، نساعدهم في حربهم لنكسب الثقة ثم ننتظر حتى يصدوا عنا-يوكو』

  • الجزء 10

بدأت معركة صامتة.

وعلى ذلك، يبدو أنه قتال سَنَة.

فالبشر كانوا يقتتلون لزمنٍ طويل لدرجة تغير شكلهم. حتى ولو كان عليهم التعامل مع مشكلة الأجرام السماوية العملاقة، لم تكن ميكوتو ترغب في معرفة مدى طول فترة استمرار هذه الحرب.

لم تكن حروب الفضاء ضوئائيةً معمية، لكنها جلبت رعبًا يزحف كسنان محراثٍ يلسع ظهر المرء.

أو عل ذلك خوف من الفراغ الفضائي.

  • الجزء 11

خارج النافذة ترى الأضواء ساطعة تتقطع تارة وتارة، خالقةً بعدًا ضبابيًا في بصر ميكوتو.

كان الأرضيون السراعف ذوي المجسات يستخدمون أسلحة ذات أشكال غريبة كأنها روبوتات بشرية بحجم 15 مترًا، تحمل أقمارًا صناعية على ظهورها كحقائب ظهر. يبدو أن تكنولوجيا قد تطورت من الأقمار الصناعية القاتلة التي صُممت لتدمير أقمار العدو في الفضاء.

تلك آلات، ولكن بدا أنه من المهم لهم أن تكون الأسلحة مشَغلة يدويًا. كان من المنطقي ألا يرغبوا في الاعتماد على الأسلحة غير المأهولة التي يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي وهم في حرب ضد أندرويدات.

「واه!؟」

「من فضلك جنّبي النظر إليها مباشرة」

「قد تكون تلك أقوى حتى من مدفعي الريلغن... فكيف تؤمنون الطاقة اللازمة لتشغيل تلك الأسلحة الطويلة شبيهة البنادق!؟」

「كل مركبة لا تنتج طاقتها بنفسها. بل أن المولد الكبير على السفينة الرئيسية يوفر لها الطاقة باستخدام أشعة ليزر وموجات دقيقة. لقد طورنا استراتيجية شاملة تعتمد كثيرا على تكنولوجيا نقل الطاقة اللاسلكية」

ذلك يفسر كيف لروبوتات بحجم 15 مترًا أن تطلق أشعة ليزر ومدافع خطية قادرة على إسقاط السفن الأم الحربية التي يبلغ طولها 30 كم.

فتقنيتهم هذه تخصصت في هذا الصوب.

وقد قالوا إن جهاز التكهرب قد صنع عن طريق الخطأ أثناء إنشاء ثقب أسود صناعي، وهو يشبه إلى حد بعيد إنشاء طاقة على مستوى السوبرنوفا.

「اعق」

「غير مرتاحة؟」

لم تستطع ميكوتو أن تجيب على هذا السؤال البسيط.

.....كانوا يطلقون النار بلا تردد في الفضاء الخارجي حيث يعني يكون ثقبٌ صغير بحجم مليمتر في مركبتهم موتًا فوريًا.

لكن ربما كانت الدوخة هي ردة الفعل الصحيحة.

إن عدم الاهتمام بقتل الوحوش للترقية في سلساكفير كان هو الغرابة.

لكن.

كان الأندرويدات مرعبين من ناحية لأن كل هذا لم يكن كافيًا لإنهاء الحرب معهم.

مقارنةً بالأرضيين ذوي الأذرع المجسة، كان الأندرويدات يخسرون عددًا أكبر من السفن.

كانوا يستخدمون أسلحةً غير مأهولة، ولذا فَهُم يعتمدون على أعدادهم الهائلة ليطغوا على الأرضيين.

تحديدًا، كان لديهم مركبات طائرة مبسطة تشبه سمكة الراي اللاحمة. لكن على الأرجح لم تكن صواريخ باليستية. بل على الأغلب أسلحةً حربية مستوحاة من المركبات الفضائية المدنية.

والعشرات منها تناثرت في الفضاء بأعداد هائلة.

وكانت محطتهم الفضائية الأسطوانية تُرسلها عبر كيلومترات لتطوق بها الأرضيين بكثافة ككثافة عاصفة السحاب.

「قوة الأندرويد المقيتة تكمن في عِدّة البناء العسكرية والتي تستخدم لوحات دوائر فارغة مع شبكة لتثبيت المكونات والأسلاك. يقذفون رأس الحربة لمصنعهم نحو الإحداثيات التي يريدونها وسينتج ذلك بلا توقف أسلحة غير مأهولة تتوزع في جميع الاتجاهات لتغزو المنطقة」

「يبدو أن هذا شيء أستطيع توليه. ولكن هذا العالم مرة ثانية يعقد الأمور بجعل #5 تسيطر عليهم بقواها」

「مذهبهم الاستراتيجي هو إنتاج القوة النارية المثلى للموقف المعين بدلاً من تدريب جنود ممتازين. وما إن يؤدي السلاح مهمته، يرمونه تجنباً وحتى لا يدفعوا تكاليف وقود إضافية. استراتيجية الاستهلاك هذه هي خيارٌ فقط للكائنات غير الحية」

كان هذا العالم في صراع دائم بين جانبين.

أو بالأحرى، تطلبت خطتهم تراكم الأجساد والحطام.

كانت حماية النظام الشمسي من الأجرام العملاقة يتطلب كمية هائلة من حطام الأسلحة. كان هذا تاريخًا معوجًا حيث يرغب الجميع في الجمود الطويل والتفاعل المميت المتسلسل.

لكن القواعد كانت مختلفة اليوم.

بدأت بسفينة واحدة.

سفينة الأندرويد الرئيسية، الأكبر في أسطولهم، اندفعت مباشرة نحو جانب سفينة الأرضيين الرئيسية.

「؟! هل كان متحكم الرادار نائمًا في موقعه؟ كيف اقتربوا هذا القرب دون أن يلحظهم أحد!؟」 صرخت فلوريا مندهشة.

لم يلاحظ أي من الأرضيين السراعف ذوي المجسات ميكوتو وهي تدير ظهرها وتخرج لسانها قليلاً.

بالكاد تجنبوا الاصطدام، لكن هجوما آخر أُطلِقَ أثناء مرور السفينتين الرئيسية فوق وتحت بعضهما على شكل X.

سمعت ميكوتو دويًا واهتزت الأرض من تحت قدمها، فجعلها تطفو في الهواء لأنها لم تعتاد الجاذبية الصفرية.

الأصوات لا تسمع في الفضاء.

فإن سمعتم فيعني أن شيئًا قد تواصل مباشرة مع هذه السفينة الرائدة.

بعبارة أخرى...

「أطلقوا النار علينا... ومن مسافة صفرية!؟」

تبدلت الإضاءة إلى اللون الأحمر وانطلقت صفارة الطوارئ.

كانت الصور العائمة تعطي الأوامر للمقاتلين، لكن الآن بدأت أيضًا تعطي الأوامر لمنشآت التعدين والإنتاج.

「لقد استعدنا حطام السفينة الغني بالموارد ونحن نعمل على معالجته بسرعة إلى مواد إصلاح. فتحة الهيكل ليست كافية لإغراق هذه السفينة الرائدة!」

همم، إذن هكذا فعلوها.

لكن...

طووووخ!!!؟؟؟

هذا الانفجار جاء بوضوح من داخل السفينة نفسها وهز الهواء بشدة.

كان قريبًا.

لم تكن ميكوتو وحدها هذه المرة. كل فرد في الفضاء المحيط الذي يبلغ 30 كم اهتز. وفي قلب الرعب والتوتر، نقرت فلوريا لسانها داخل فمها السرعوف. وعلى ما يبدو كان لها لسان.

「هل كان الأندرويدات داخل قطعة حطام تبلغ الـ200 متر؟ وهل هذا هو الهدف الحقيقي من هجومهم الطائش!؟」

ألقت ميكوتو نظرة على نافذة مربعة ورأت رجالا ونساء جميلين يتسمون بكمال أشبه بالدمى وهم يمشون عبر منشأة خالية من الغبار تشبه مصنع أشباه الموصلات.

هؤلاء الأندرويدات؟

كانوا جميلين لدرجة تكاد منفرة. لا، بل إنهم طغوا في الجمال بعيدًا حتى بات دخيلا.

حاربوا أهل الأرض عند مدخل المصنع بينما اجتمعوا معًا بسرعة ومن ثم بنوا أسطوانة بحجم آلة البيع. هل كانت نوعًا من الدبابات؟ لا، كانت مختبراتهم غير المأهولة التي تحتوي على عُدَدُ بناء لوحات الدوائر الفارغة. اندفعت طائرات الدرون الشبيهة بخنافس الأبقار طويلة القرون. رؤية عشرات أو مئات أو حتى آلاف من تلك الأسلحة التي يصل طولها إلى عدة أمتار أرسلت قشعريرة عبر عمود ظهر ميكوتو.

「هل سرقوا إمدادات الطاقة من منشأة الإنتاج؟ المعالج التخطيطي ومواد البناء كذلك أيضًا... آآهخ، تلك الفيروسات المقيتة!!」

「؟」

افترضت ميكوتو في البداية أن فلوريا كانت تقصد فيروس حاسوب، لكنها أدركت من بعد ذلك أنها تقصد المعنى الأصلي الحرفي: العوامل الممرضة التي لا يمكنها التكاثر بمفردها ولذا ترسل أوامر إنتاج خاطئة إلى خلايا الكائنات الحية المصابة لتولد بأعدادٍ كبيرة.

كانت المعركة واسعة النطاق على متن السفينة أمرًا لا مفر منه الآن. وبالطبع، كان للسفينة التي يبلغ طولها 30 كم ما يكفي من المساحة لمعارك من نوع تلك التي نجدها في سجلات الممالك الثلاث.

ركزت ميكوتو على هاتفها.

「(لقد اخترقت النظام وأفسدت دفاعاتهم القريبة للتحكم لأفتح المجال للأندرويدات يصعدون إلى هذه السفينة الرائدة، التي تحمل جهاز التكهرب. شوكهو، ماذا عنك؟ لقد سرقتِ المتحكم من سفينة الأندوريد، صح!؟)」

「(أهذا سؤال تطرحينه حتى، ميساكا-سان؟ أنا بالمرة جاهزة

للهروب. سأبحث عن فرصة في كل هذه الفوضى لأنتقل إلى سفينتك، فأين نلتقي؟)」

「(هناك باب مخفي في المنطقة 4. اتجهي مباشرة إلى الممر الطويل خلفه! سيأخذك إلى جهاز التكهرب وهناك نلتقي!!)」

بهذا، استدارت ميكوتو وبدأت تتوجه إلى الممر المؤدي إلى المنطقة الخامسة.

عندما لاحظت فلوريا استدارت هي الأخرى.

「إلى أين؟」

「أنا ضيفة غير مقاتلة، لذا سأبتعد عن كل هذه المعارك! هُه، ولعلك تجدين أحمقًا يندفع نحو المنطقة 4 ولو أنها مليئة بالغرف التخزينية، لذا أنصحكم أن تركزوا مقاتليكم هناك♪」

(وقد أختلس المتحكم الذي مع شوكهو أثناء الفوضى بعد اكتمال الإبادة. إذا اكتشفت فلوريا وآخرون شيئًا مهمًا كهذا، فسوف يحبسونه. إنّي متأكدة أن لديهم أمان إلكتروني صارم في عالم مليء بالآلات، ويعني أنني لن ألقى أي مشكلة☆)

نعم.

كان عليها العودة إلى سلساكفير لتنقذ الإلف، لكن لم يقل أحد أن عليها العودة مع شوكهو.

(كذلك إنّ ترك المتحكم الفريد معها لفكرة سيئة. إذا أخبرتُها بموقع جهاز التكهرب الحقيقي، فلا أحسبها تنتظرني وبل ستشغل الثقب الأسود لتسافر بين العوالم بمفردها. أعلم أنها ستفعل لأنني سأفعل المثل مكانها)

في المنطقة 5، دخلت ميكوتو مساحة شبيهة بالمحرك أكبر من الاستاد حجما، مليئة بالأنابيب والآلات الضخمة. وما دخلت حتى أمسكت بها كتلة دهنية.

كانت شوكهو ميساكي، ساكنة ودامعة.

「ميساكا-سان، هل أخطأتُ بشأن رائحة الحب والسلام التي بثيناها عندما عاهدنا على هدنة لكي نساعد بتشييت والإلف الآخرين في سلساكفير؟! لماذا خدعتني إلى فخ!؟」

「أخطأتِ تمامًا. أنا حقا وصدقا آمنت بكِ حتى أنني علمت أنكِ سوف تصلين إلى هنا بعد أن شتتهم من أجلي. ........تشه」

「طرقتِ لسانك، أفعلتِ!؟ وربي كنت أدري!」

「أيا يكن، شوكهو، أين المتحكم؟」

「......」

نفخت شوكهو شفتيها بسخط بينما أخرجت المتحكم من شنطتها التي ارتدتها مائلة عليها. بدا وكأنه جوالٌ ذكي فضي عادي مع غطاء أبيض. لكن من المؤكد أن بداخله قطعة تكنولوجيا غريبة.

تجاهلت ميكوتو ذلك وبدأت تتحسس جسد شوكهو.

دارتا في الفضاء الخالي من الجاذبية وتتغازلان.

「واه، مهلاً، ما تحسبين أنكِ- هييآ!؟」

「اُص! يا تجسيد الانحلال أنتِ،」 تلفظت ميكوتو ببرود وسحبت جهازًا مشابهًا من صدر شوكهو.

تغيرت ملامح الـ#5 واضطربت مختلفة عما كانت عليه.

「هيه!? ك-كيف عرفتِ!؟」

「الأندرويدات طوّرت تقنيات تصنيع دوائر كهربائية حتى أنها تسلحت بها سلاحا استراتيجي، لذا توقعتُ أنكِ ستصنعين نسخة مقلدة باستخدام إحدى عُدَد البناء الخاصة بهم ومن ثم تخادعيني☆ .....فأنا أفضل من أن أقع ضحية كذبة أن شريرة كَيّادةً مثلكِ تنصاع لما يُقال لها」

الآن بات المتحكم لميكوتو.

「طيب، أين الثقب الأسود الصناعي؟ هوه، أذاك هو؟ إنه هنا على هذه السفينة」

「مذهل، إذن هذا العالم به شاشة لمس تتحكم وتُرسل التعليمات عن بُعد إلى الثقب الأسود؟」

هل ظنت هذه الحمقاء أن نتوجه ونتفاعل مع الثقب مباشرة؟

قد كان الثقب الأسود الاصطناعي موجودًا. فإذا كهربوه خارجيًا، تظهر لهم بوابة بين العوالم.

لحسن الحظ، لم يتطلب ذلك أي عمليات معقدة من جانبهم.

كان على جوانب وحدة التحكم المعدنية الكبيرة تجويفٌ بنفس حجم وشكل [المتحكم] الشبيه بالجوال الذكي. ومن حواف التجويف ترى أضواءا حمراء وزرقاء باهتة تتسرب. شعرت بغموضٍ منها أكثر من قرفٍ. كيفية عمل التقنية كان لغزًا بحد ذاته، لكن بطريقة ما، ولكن الحدس أوضح لميكوتو كيفية استخدامها. إنّ عالم خيالي علمي مع واجهات متطورة كان أمرًا رائعًا.

لم تثق ميكوتو وشوكهو ببعض، لذا ولضمان ألا يخدع أحدهما الآخر، أمسكتا بالجهاز معًا وأدخلتاه في التجويف. كانت حركةً أشبه بكثير لحظة قطع العروسين للكعكة في عرسهما.

ومن ثم بدت المناظر المحيطة وكأنها تنفجر حيث انقسم الضوء الأزرق والأخضر ليقطع قطعةً من الفضاء.

بخطوط مستقيمة.

كان جهاز التكهرب قادرًا على كهربة أي شيء، حتى الثقب الأسود الاصطناعي.

وكان المتحكم موصلًا مصنوعًا بتقنية تصنيع دوائر كهربائية فائقة الدقة تتفوق حتى على الهيكل البلوري الطبيعي.

ومخرجهما قبالتهما.

متى ستحل هاتان الكائنتان خلافاتهما وتسمحان لهاتين بالتماس مرة أخرى؟

「شوكهو، اغسلي هذا الشيء」

“؟”

نقرت ميكوتو على المتحكم بحجم الجوال المحمول المُدخَل.

「قلتِ إن جميع الآلات في هذا العالم مُعطاة ’عقلا‘، صح؟ باستخدام تطبيقٍ ما. بعد أن تتأكدي أننا قفزنا، أنسيهِ كل ذكرياته ومهاراته حتى لا تستخدم بهذه الطريقة مرة أخرى」

「إيه. أراها فكرة حسنة」

「فلوريا والآخرون لم يدركوا بعد أنه يمكن استخدامه هكذا، لكنني أريد ضمان أنهم لن يستطيعوا السفر إلى عالم آخر حتى لو اكتشفوا. قالوا إن جهاز التكهرب والمتحكم أُنشَئا بالصدفة ولا يمكن إعادة إنتاجهما، لذا اضبطي مؤقت أو أي شيء واضمني أنه سينسى كل شيء بعد أن نغادر ولن يمكن استخدامه مرة أخرى. نريد تجنب "القتل" إن أمكن، طيب؟”

لم يستغرق إعداد التأمين وقتًا.

بعد ذلك، نظرت ميكوتو وشوكهو مرة أخرى إلى الثقب الضوئي المربع البالغ 3 أمتار.

كان ذلك الثقب غير الطبيعي قد انفتح مباشرة في الفضاء.

وكان لملكة توكيواداي شيءٌ آخر لتقوله.

「ميساكا-سان، فقط لأتأكد، في وسعنا أن ننسى كل شيء عن سلساكفير ونرجع إلى الأرض」

「ما أظنكِ تقصدينها حقًا」

「وممَّ ظنكِ هذا؟」

ألأنَّها تثق في الـ#5 التي تبدو في عيون الناس ملكةً متسلطة وما هي إلا رقيقة القلب؟

لا.

「شنيعةٌ مثلكِ لن تذكر حتى أدنى احتمال إن كنتِ تريدين حقا العودة إلى المنزل وتنسين أمر بتشييت والإلف. كذّابة مثلكِ كانت لتلزم الصمت وتواصل، أم تراني مخطئة؟ ليس وأنني سأستغفل حتى تجدين فرصةً لذلك」

تنهدت شوكهو برفق.

كان واضحًا أنها أرادت الشكوى، لكنها لم تفعل شيئا.

وهذا حسم الأمر.

تبادلا النظرات وأتجها نحو جهاز التكهرب.

وفي لحظتها...

「مهلا... أرجوكما لحظة」

دخل أحد المنطقة 5. كان لها جسد سرعوف عملاق مع مجسات. لقد اكتسبت هذا الشكل من خلال تطور مفرط.

「أرجوكما لا تتركاننا هنا」

لكن حتى وإن لم تعد تبدو مثل ميكوتو أو شوكهو بعد الآن، ما تزال فلوريا إنسانة.

أمكنها البكاء والغضب والضحك. كانت تحمل كل المشاعر المعتادة.

「من أنتِ؟ ول، كان هناك إنسان آخر لم يتغير」

وصلت التالية، فيكتوريا، الأندرويدة التي كانت تبدو جميلة جمالا غُلُو.

ربما لم تكن الفتاة ذات البشرة الداكنة إنسانة من الناحية الأساسية، لكن مع جسدها وعقلها المتطابقين للبشر تمامًا، لا تمييز حقيقي يمكن إجراؤه.

تنهدت ميكوتو وتوقفت للحظة.

هل حقًا تتركهم؟

تريد العودة إلى سلساكفير في أقرب وقت ممكن لأجل بتشييت وباقي الإلف. لكن هل كان من القسوة أن تترك هذا العالم دون حل مشكلاته أولا؟ من ناحية أخرى، لا ضمان أنَّ مرور الوقت بين العوالم كان نفسه، لذا ربما يكون من الأفضل التدخل بين الإنسان والأندرويد الذان لم يتوقفان عن القتال.

أو هكذا فكرت، حتى تدافع الاثنان للأمام أمامها.

「لم تنتهِ الأمور بعد. وجودكما قد يقدم الضربة الحاسمة اللازمة لإنهاء هذا الجمود. يجب علينا القضاء عليهم!! نحن البشر، ومن واجبنا أن نجمع كل ميزة موجودة فنستخدمها لدفن كل فرد من تلك الروبوتات المقيتة. وأنتِ أيضًا!! بشرٌ مثلنا، تعالي وساعدينا لنقضي على تلك الأندرويدات المثالية الشاذة!!!」

「وَههاهاهاها!! من يقبل بأولئك المخلوقات القبيحة بشراً. أنتما ما تزالان تحتفظان بعقلٍ وجسمٍ جميلين أصيلين، لذا لا شك أن تفهما كيف يشعر الأندرويد. تعاليا لنضع حدًا لذلك الفرع التطوري الخاطئ ولنستعيد الشكل النقي والجميل للبشر الحق. يجب أن نقتل هؤلاء الحشرات لنصحح مسار تاريخ الأرض!!!」

「اغخ،」 تأوهت ميكوتو وهي تراهم من بعيد.

لم يجتمع هاتان في صداقة ناشئة جعلتهما حزينتين لرؤية ميكوتو وشوكهو تذهبان.

إنما رأوا في الفتاتين وسيلة لتعزيز الحرب.

البشر بشر. لا تبييض لطبيعتهم.

حدقت شوكهو في الفتاة الـ#3. عيونها أظهرت ازدراءًا لتردد ميكوتو اللحظي.

ليس الأمر بكيف ولدوا أو كيف تعمل أجسادهم. وليس الأمر بمعرفتهم أو تجاربهم.

لكن ميكوتو وشوكهو كانتا تدركان أنه من الأفضل عدم البقاء في هذا العالم.

أمكن لميكوتو التحكم في الكهرباء وقدرت شوكهو أن تسيطر عقليًا على الآلات المتطورة بإفراط، لذا كان لديهما الكثير من القوة في هذا العالم العلمي الخيالي. وليس بالإمكان التنبؤ بما قد يحدث لو قررتا دعم إما البشر السراعيف أو الأندرويدات الجميلة.

ربما تزداد الحرب سوءًا.

ربما يفوز أحد الجانبين بانتصار ساحق ولن تستمر الحرب بما يكفي ليغيروا اتجاه الأجرام فائقة الضخامة.

ربما سيُقضى على البشر والأندرويد معًا.

أياً كان ما قد يحدث، فإنهما ستنحرفان عن المسار الذي عملا جاهدتين لخلقه لأنفسهما. والأسوأ أن ميكوتو وشوكهو لم تعرفا كيف تنقذان هذا العالم أصلا.

ولذا لن يفعلا شيئا.

كانت فلوريا وفيكتوريا حاكمتين ذواتي حرية مطلقة في فعل ما تريدان، لكنهما اختارتا استمرار القتال. ليست ظروفهما ظروف بتشييت والإلف الذين سحقوا تحت الاستعباد بلا حول ولا قوة.

قد تساعدهم يدٌ في تغيير مسار عالمهم وقد تنقذ الإلف، لكن تغيير مسار عالم فلوريا وفيكتوريا قد يعني الانقراض.

في كلتا الحالتين، ما أمكن لميكوتو وشوكهو إلا إحداث التغيير هنا.

الزوار من عالم آخر لن يمكنهم أبدًا تثبيت الأمور كما هي. هم تجسيد لتأثير الفراشة. بالنظر إلى رحلتهما عبر العالمين، كان من الواضح أن وجودهما كان يسبب اضطرابًا للوضع الراهن.

فماذا لو أن التغييرات التي تسببتا فيها سيكون لها تأثير معاكس تمامًا بين عالمين؟

(أقسم أن هذا فعلاً عالمٌ مغاير تمامًا!!)

لذا وهذه المرة، لم تتردد #3 و#5.

لقد اختارتا لأنفسهما أي عالم ستقدمان له يد العون.

「إذن قدرة وجهتنا يجب أن تكون عالم الخيال سلساكفير، صحيح؟☆」

「اصبري يا بتشييت. الفرج قريب!!」

سار الاثنان عبر البوابة المربعة واختفيا.

تعلمان أنهما قد ضيّعتا تذكرة لنهاية سعيدة.

لكن هذا أثبت أن السفر بين العوالم ممكن.

وكان هذا اكتشافًا كافيًا في الوقت الحالي.

  • ما بين السطور 2: خطأ إلهة التناسخ سَلِيناجَرَنۡتِينا

تأوهت إلهة التناسخ سليناجريتينا تأوهًا ثقيلًا عندما انحنت إلى الأمام دون تفكير.

ما يعني أنها امتلكت كتلةً فعلية.

『آااااهخخ!! لا، لا، لا، لآاااااااااا!!!』

ما المشكلة؟

بل، ما الذي كانت تحاول فعله؟

لربما كان هذا غير قابل للفهم في نظر البشر الذين تُتلاعب أرواحهم وأقدارهم.

حتى بعد أن تحركت قطعهم عبر اللوحة كلها، لن يقدر البشر من فهم ذلك أبدآ. وحدها الإلهة من تفهم.

(آه؟ ما كانت مشكلة لو استمرا في السفر إلى عوالم جديدة، فلِمَ تُتعبان نفسيهما وتكرران زيارة عالمٍ ذاك؟ والآن فتحا مجالات غريبة للقوى... وهذا سيجعل تشغيل التناسخ عن بُعد أصعب لهما. إذا صبرت حتى يهدأ الأمر بنفسه، لربما يغزوان عالمًا آخر، فماذا عليّ أن أفعل؟ ...آهخ، ورطة وراء ورطة)

كانت هي إلهة التناسخ.

تتحكّم في جميع الحلقات وكل قوة المارة من خلالهما. وتحكُم كل الدورات ذات الاتجاه الواحد مثل مصير الأرواح الفردية ودورة السلسلة الغذائية والمستعرات العظمى التي تُسبب العملاق الأحمر النجم فيُخلق منه ثقبٌ أسود وينثر مواداً تُوُلِدُ نجومًا جديدة. على أنه من الأدق أن نُسمّيها أحد الكيانات التي زرعت تلك الوظائف والأدوار من الخارج وإلى العالم.

لكن في نفس الوقت، لن تستطيع التلاعب بأي شيء لا يتخذ شكل حلقة، ولن تقدر على عكس الدورات التي قد وُجدت.

في وجود الفعل، ردة فعل.

وهو من خلال الاستمتاع بتلك التكاليف وقبولها، تصبح إلهةً ذات تخصص واحد.

فهل لاحظت المصطلح الحاسم في هذا الفكر؟

فهي تراهُ شيئًا تستطيعُ أنت أن تصبحه.

وهذا يعني أن دورها الألوهي لم يكن هِبةً لها عند ولادتها.

لو كان ذلك الفتى شائك الشعر موجودا هنا، لعله بدأ يجمّع ويفهم ماهيتها بأن يُقارنها ويُعاينها بذات العين الواحدة التي سمّت نفسها إله السحر.

『ولكن من ناحية...』

أخذت سليناجرنتينا نفسًا عميقًا.

استعادت هدوءها.

في زي الراقصة الأبيض، صنعت كرسيًا في الفضاء الفسيح فجلست عليه.

جهرت  وإن كانت وحيدة.

كأن سماع صوتها أكد لها وجودها المادي.

فبهذه تُحكم على حالتها العقلية.

『هذا يتركني بخيار واحد فقط: أُحَمِّلُهُما ثقل ما يخلقه هذا من تشوّهٍ مطلق☆』

بدت وكأنها آسفة.

لكن كذلكم غير مهتمة، وكأن الأمر لا يعنيها.

تعليقات (0)