الفصل الأخير: في آخِرِ الْمَسْرَحِ الْأَمَامِي.
(إعدادات القراءة)
「أترى؟! أترى!! لم أدخل إلى المستشفى هذه المرة. يا عمي، محظوظ أنا! كأنني تطوّرت إلى هيئة جديدة! ولا؟」 قالها كاميجو بفرح في جناح مستشفى الطبيب ذو الوجه الضفدعي. وعندها، ضربته كُلٌّ من تسوكيومي كوموي وهيميغامي آيسا على رأسه من الجانبين.
「كَمَجَة! لقد سبّبت لنا الكثير من المتاعب! والكثير من القلق! ولا أراك تبدي أي اهتمام بذلك حتى؟! لا أصدق أنك أوقعت الأنتي-سكيل في كل ذلك العناء... هنن نننن ننن... آهخ منك! سأقرأ منك تقريرا مفصّلا لاحقا ثم ألقي عليك محاضرة أخرى!」
「لهذا السبب قلت لك احذر من كازاكيري هيوكا. قد أزعجت نفسي وتكبّدتُ عناء تحذيرك. أنت لا تميّز في تعاملك مع النساء. علّ شخصيتك هي ما تحتاج إلى إصلاح جذري」
「...عذرًا طبيبي، ذولا الناس يُرهبوني، فهلا تدخلني المستشفى على أي حال؟ وَضَعْ لافتة على الباب تمنع الزيارات... أطلب اللجوء على الأقل إلى أن يهدأ هذا الثنائي」 توسل كاميجو للطبيب الضفدعي. وبدأت الفتاتان تضربانه على رأسه بسرعة عالية وتزامن.
الشمس قد غربت، وساعات الدوام في العيادة قد انقضت. وعلى أن كاميجو بدا بصحة ممتازة، إلا أنه لا يزال مريضًا في حالة طارئة. فلقد تورّط في تبادل إطلاق نار وتعرض لانهيارات أرضية تحت الأرض. لذا، من البديهي أن يتم فحصه وإن لم تظهر الإصابات.
في هذه الأثناء، كانت إندِكس وكازاكيري في غرفة الانتظار. أما شيراي كُروكو، فسوف تقضي ليلتها في تنظيف آثار الحادثة على ما يبدو.
حدّق الطبيب ذو الوجه الضفدعي في كاميجو بنظرة تعبر عن امتعاضه من العمل بعد الدوام.
「ما لا أفهمه هو كيف لكَ أن تبتسم في وضع كهذا، مم؟ ربما أنك تحت تأثير نشوة العدّاء الناتجة عن الإجهاد الشديد. لو أن قدمك زلّت لحظةً، لربما تعرضت يدك لكسر مضاعف」
「...جد؟」
「حدقتاك تنقبضان، مممم؟ طبعا هذا ليس بغير طبيعي، ليكن في علمك. القبضة البشرية قادرة على أداء حركات دقيقة كثيرة، فهي تحتوي على العديد من المفاصل التي تتيح ذلك، مما يجعلها ضعيفة أمام الصدمات. لو كنا نتحدث عن ضربات مباشرة بسيطة، لكان من الأفضل أن تستخدم جبهتك」
عندها أدرك كاميجو أن يده اليمنى كانت وفعلا تؤلمه. ارتجف قليلاً. ربما كانت الفتاتان من خلفه غاضبتان، لكن هذا الطبيب امتلك نوعًا آخر تمامًا من القوة التدميرية.
بعد أن وجّه تهديدًا مبطنًا لمريضه، بدأ الطبيب ذو الوجه الضفدعي يلف يد كاميجو بسرعة بالضمادات.
وبعد أن توقف كاميجو عن الكلام، بدأت المعلمة كوموي وهيميغامي تهدئان أيضًا.
نظرت المعلمة كوموي إلى يد كاميجو اليمنى الملفوفة ثم قالت أخيرًا،
「هناك أشياء كثيرة لا نفهمها」
「ماذا تقصدين؟」
「نعم! نحن نجهل ما نجهله، فلا أرى حاجة فعلية للحديث عنه... لكنني سأقوله على أية حال، وإلا أنّبني ضميري إن كتمته لنفسي」
ابتسمت المعلمة كوموي ابتسامة غامضة ورفعت سَبّابتها.
「أولا! لماذا ظهرت البنت كازاكيري هيوكا قربك يا كاميجو-تشان؟ مدينة الأكاديمية من المفترض أن تكون مملوءة تمامًا بمجالات الانتشار اللاإرادية (AIM). لأمكنها أن تظهر في أي مكان في المدينة. لكنها لم تفعل—بل دومًا ما تظهر بالقرب منك كاميجو-تشان. لماذا؟ أعني، إن كانت صدفةً لا غير، فلا بأس، لكن...」
ثم رفعت مع سَبّابتها الوسطى.
「ثانيا. قالت شيري إن كازاكيري هيوكا تحمل مفتاح منطقة الأعداد التخيلية —جمعية العناصر الخمسة— ولكن في النهاية، ما الذي تعنيه؟ هذا كلامٌ قيل من معلم في كيريغاوكا، لذا إن كان مجرد تخمين منه لا أساس له، فلا بأس، لكن...」
وأخيرًا، رفعت بنصرها مختتمة.
「ثالثا وأخيرًا. لماذا الإرهابية التي ظهرت اليوم قررت استهداف البنت كازاكيري هيوكا؟ حتى سكان مدينة الأكاديمية لم يعلموا بوجودها، لذا فإن معلوماتها لابد وأنها جاءت من أماكن عميقة جدًا داخل المدينة. ومع أن هذه قد تكون صدفة أخرى أيضًا، فالأمر محسوم، لكن مع ذلك...」
ثم فتحت بقية أصابعها وصفعت بها خدها برفق.
「لكن ألا ترى أن هذه الصدف كثيرة جدًا؟ هذا هو أغرب ما في الأمر」
ساد الصمت غرفة المستشفى.
لم يكن لديهم الموارد اللازمة لاتخاذ قرار أو التوصل إلى حكم بشأن أي من هذه الأمور.
أدار الطبيب ذو الوجه الضفدعي نظره بعيدًا عنهم ونظر من النافذة.
لم يستطع رؤيته من هنا، لكنه يعلم أن هناك مبنًى بلا نوافذ.
「هل أنت سعيد الآن؟」 تفوّه تسوتشيميكادو موتوهارو بحِدّة، وهو يحوّل نظره عن الصورة التي كانت تطفو أمام عينيه، في غرفة داخل مبنًى لا أبواب له، لا نوافذ، لا ممرات، لا سلالم، لا مصاعد، ولا حتى فتحات تهوية.
ابتسم أليستر ابتسامة خفيفة، وهو يطفو مقلوبًا داخل أسطوانة زجاجية عملاقة أمامه.
لم يخرج أي رد. الصمت المقلق دفع تسوتشيميكادو إلى إجبار كلماته على الخروج وكأنها أخنقته.
「وهكذا، بتلاعبك ببيادقك البشرية، اقتربتَ مرة أخرى من إكمال المفتاح للسيطرة على مجتمع العناصر الخمسة. وبصراحة؟ أراكَ تبدو لي كالوحش」
مجتمع العناصر الخمسة — والمعروف أيضًا باسم المنطقة الأعدادية التخيلية.
「من كان يظن أنّ هويته الحقيقية كانت حقول الانتشار اللا إرادية نفسها؟ أن القوى الطبيعية التي يولدها 2.3 مليون طالب يعيش هنا هي التي تخلقه」
كان مجتمع العناصر الخمسة، المبني على حقول الانتشار اللا إرادية، شيئًا يظهر في أي مكان يتواجد فيه الأسابر، أي كما هو حال هذه المدينة.
ولم يكن أحد يعرف ما إذا كان ضارًا أم وديعًا.
فهو لم يكن مصدر طاقة ضخمًا كالقوة النووية. فلو كان، للاحظ الجميع وجوده في الشوارع. بل كان [مجتمع العناصر الخمسة] مجرد حقولٍ انتشارية لا إرادية. ضعيفة لدرجة أنك لن تلاحظ وجودها إلا من خلال أجهزة قياس متخصصة.
ومع ذلك، كان كيانًا غير مستقر، مثل الماء الذي يُحفظ عند درجة صفر مئوية تحت ضغط منخفض.
فالضغط المنخفض — أي ضغط شديد الانخفاض — يقلل من نقطة تجمد الماء، مما يسمح له بالبقاء عند صفر درجة دون أن يتجمد. ولكن، ما إن يتم تحريك الماء، كأن يُحرَّك بعصا، حتى يتجمد فورًا.
والمفهوم هنا مشابه. فالقوة ضئيلة للغاية لدرجة أن الآلات وحدها تستطيع اكتشافها، ولكن إذا تعرضت لنبضة معينة، فإن قوتها ستنفجر. القوة التي أظهرتها كازاكيري هيوكا في النهاية لم تكن سوى لمحة من الطاقة التي اكتسبتها، سواء بفعل هجوم ذلك الغولم أو مصدر آخر.
المشكلة تكمن في أنهم لا يعرفون مدى قوة النبضة اللازمة. فقد يتسبب مجرد إدخال إصبع فيها بعشوائية في انفجار، أو قد لا يحدث شيء إطلاقًا.
وعلى أنهم يقولون إن تلك الطاقة قد تنفجر، فإن ذلك لم يكن إلا مجرد تنبؤ. فهم لا يعرفون كيف سوف تتجلى، ولا مدى اتساع آثارها. فقد تمحو مدينة الأكاديمية عن وجه الأرض، أو قد لا تكون شيئًا يستدعي الخوف أصلًا.
لم يعرفوا إلى أي حدٍّ يقتربون، ولا ما الذي قد يحدث. ولهذا، لم يكن بإمكان مدينة الأكاديمية تدمير [جمعية العناصر الخمسة] بلا مبالاة.
ومن هنا جاءت الحاجة إلى وسيلة للسيطرة عليه دون تدميره.
ولهذا، كانوا بحاجة إلى "مفتاح"...
「إذن هي كازاكيري هيوكا، ها؟ تبًا. قد تكونُ هي جزءًا من المنطقة الأعدادية التخيلية، لكن زرعُ ذاتٍ صناعية فيها، والمساعدة في تجسيدها ماديًا؟ قد جُنِنتَ يا أليستر」
هناك فتى يمتلك يَدًا تُدعى الإماجين بريكر.
يمكن القول أنها التهديد الوحيد للمنطقة الأعدادية التخيلية.
وقد وَلَّد ذلك التهديدُ ذاتـاً.
تمامًا كما تنشأ الرغبة في الأكل أو النوم، تُخلق الحاجات الناتجة عن غرائز الكائنات الحية كإشارات للاستمرار في العيش وتجنُّب الموت. من لا يمتلك معرفة بالحياة أو الموت لن تنشأ لديه غرائز أو وعيٌ بالذات من الأساس.
فماذا عن العكس؟
إذا عُــلِّــمَ الوَهْمُ الخالي من الفكر معنى الموت عبر الإماجين بريكر، فحتى كيانٌ بلا عقل قد يكتسب ذاتاً.
حينها، فتح أليستر فمه أخيرًا، بعدما ظل صامتًا طوال الوقت.
「هذه أيضًا وسيلة للتحكم في المنطقة الأعدادية التخيلية. إن جعلناه كيانًا قادرًا على التفكير، يصبح من الأسهل التنبؤ بحركته، بخلاف كونه كيانًا بلا وعي لا يعرف ما عليه. وإذا أحسنّا لعب أوراقنا، قد نتفاوض معه حتى... أو نهدده」
「أكيد، لكانَ حسناً لو أنه خلق شخصًا طيبًا كما تنبأت. لكن ما كنت لتفعل لو تحوّل إلى شرٍّ خالص؟」
「الشرُّ لأسهل في الكبح من الخير. الفارق بينهما لا يُجاوز عدد الأوراق التي نستخدمها في عقد الصفقة」
ابن اللعين، لعنه تسوتشيميكادو في نفسه. في الأساس، كان تصور أليستر لطريقة التعامل مع البشر بعيدةً كل البعد عن ما يعتبره الناس طبيعيًا.
「أهناك ما يستحق التطرف هذا الحد من أجل أن تخضع منطقة الأعداد التخيلية؟」 سأل أخيرًا، وأكمل. 「نعم، المنطقة الأعدادية التخيلية تُعد تهديدًا لمدينة الأكاديمية. لكن لدينا تهديدات أخرى خارجية لا ننساها. أنتَ مَن سمح بحدوث هذه الحادثة، والآن بدأ العالم تدريجيًا في فقدان صوابه. أيا كان السبب، لقد أسقطتَ عضوًا رسميًا من كنيسة التطهير الإنجليزية بمساعدة الأنتي-سكيل. الناس في كاتدرائية القديس جورج لن يقفوا ساكتين ويغضّوا الطرف. أيُعقَل أنك تحسب مدينةً واحدة تقدر على هزيمة سحرة العالم أجمع؟」
لكن أليستر حافظ على ابتسامته، فوق نبرة تسوتشيميكادو المهددة.
「السحرة سيكونون كالذباب لا قيمة لهم إذا نجحنا وسيطرنا عليه」
「عليه؟」 عبس تسوتشيميكادو.
المنطقة الأعدادية التخيلية، جمعية العناصر الخمسة، كان فعلًا كيانًا غير دنيوي. لم يكن أحد يعرف أين يكمن الأمان وأين يكمن الخطر في مدينة الأكاديمية. لكن ذلك كله ظل محصورًا داخلها. فحقول الانتشار اللا إرادية لا تظهر إلا حيثما وُجد الأسابر.
لكن حين وصل بتفكيره إلى هذه النقطة، انتفض فجأة بشعور باردٍ تسلل في عموده الفقري.
انتظر... مهلا مهلا لحظة...
مرة أخرى، عاد يفكر في مجتمع العناصر الخمسة — ذلك التكتل من حقول الانتشارية اللا إرادية.
مثل الأشعة تحت الحمراء أو الموجات عالية التردد، كان موجودا، لكنه لا يُرى...
كيانٌ خُلِق من تجمع نوع معيّن من الطاقة، موجود في مرتبةٍ مختلفة عن البشر.
تسوتشيميكادو موتوهارو عرفها.
عرف تمامًا الكلمة التي تُستخدم لهذا المفهوم في عالم السحر.
لا...ملاك؟
لا لا لا، لا يمكن أن يكون. إن كان من الممكن التعبير عن سكان المنطقة التخيلية — مثل كازاكيري هيوكا — بأنهم ملائكة، فذلك يعني أن المدينة التي يقيمون فيها... أنها...
「أليستر... لا تقل أنك تحاول بناء جنة صناعية، أتجرؤ؟!」
「من يعلم」
أجاب أليستر بكلمتين، بنبرةٍ رتيبةٍ مملة.
إنشاء جنة صناعية... لا، لو كان بالإمكان خلق واحدة بالقدرات العلمية وحدها، فلن يكون من الملائم أن تستخدم كلمات قائمة مثل "جنة" أو "عالم سفلي" لوصفها. بل ستكون عالمًا جديدًا بالكامل، مستوى وجود مختلف، لا تملك أي ديانة اسمًا له — لا القبالة، ولا البوذية، ولا الصليبية، ولا الشنتوية، ولا الهندوسية.
وبناء ذلك المستوى يعني فناء السحر.
تخيّل، على سبيل المثال، أن القيم الأساسية للطفو والرفع قد تغيّرت بشكل كبير.
في ظل ظروف كهذه، قد يحاول هاوٍ صنع طائرة باستخدام ورقة مخطط البنيان المرسوم، ولن تطير أبدًا. وحتى لو استعنت بمحترف — وربما ساحر — فصنع لك طائرة حقيقية باستخدام نفس الورق مخطط المرسوم... فإنها لن تطير أيضًا. وإذا ما اندفعت على المدرج ورميتها، فإنها ستنقلب فورًا وتتحطم.
وهذا بالضبط ما سيحدث لبيئة السحر إذا ظهر عالَمٌ جديد. إذا حاول السحرة استخدام السحر، فإن أجسادهم ستنفجر. والمعابد والكاتدرائيات التي ترتكز على دعمٍ سحري، ستفقد ركائزها وتنهار على نفسها.
وهذا ينطبق على جميع الأديان.
فكر في الأمر — كل ديانة وكل نظام سحري يتبع قواعد معينة. وبالطبع، ليست القواعد متشابهة. فللبوذية قواعدها، وللصليبية قواعدها. العالم كلوحة قماشية ضخمة، طُليت عليها ألوان كثيرة تتداخل بعضها فوق بعض.
كل ديانة تعمل وفق مجموعة من القواعد. وهذه الحقيقة لم تتغير.
فما الذي قد يحدث إذا ظهر مستوى وجودٍ جديد داخل هذه القواعد (اللوحة) الراسخة؟ القواعد التي كانت مستقرة في السابق ستضطرب، وسيجد السحرة أنفسهم وقد ابتُلِعوا في حوادث سببتها أنظمتهم.
لا يهم مدى براعة عازفة الكمان — إن كان الكمان نفسه مضطرب الضبط، فلن يعزف بأي شكل حسن. هذا هو المعنى الحقيقي لإفساد القواعد.
كان مفتاح المنطقة الأعدادية التخيلية غير مكتمل في الوقت الحالي، لكن حين يكتمل، لن يتمكن السحرة بعد ذلك من استخدام السحر داخل مدينة الأكاديمية.
كانت مدينة الأكاديمية بمثابة نموذج مصغّر للعالم.
وتوسّع تطوير القدرات فيها سيمتد إلى نطاق عالمي، وما إن يوقظ كل البشر قوى خارقة، سيغطي العالمَ بأسره حقولُ الانتشار اللا إرادية. والمنطقة الأعدادية التخيلية، التي كانت محصورةً في مدينة الأكاديمية، ستغدو حينها غلافًا للعالم بأسره.
لا...
التحضيرات لذلك قد اكتملت منذ وقت طويل.
العشرة آلاف إسبرة صناعية، "الأخوات"، اللواتي أنقذهنّ كاميجو... تم إرسالهنّ إلى منشآت متعاونة مع مدينة الأكاديمية في أنحاء العالم كافة من أجل "التعافي". تسوتشيميكادو قد شكّك سابقًا في جدوى إرسالهنّ خارج المدينة لإجراء تعديلات بدنية — وها هو يرى الجواب أمامه الآن.
تلك التجربة المجنونة التي استُخدم فيه أكْسِلَريتر لم تكن تهدف أبدًا إلى نقله إلى المستوى السادس. بل كان الهدف هو إنتاج الأسابر جملةً وتوزيعهم في أرجاء العالم. ولإخراجهم من المدينة بأكثر طريقة طبيعية ممكنة، تم تدمير مشروع الضوضاء الراديوية، وحتى المشروع الذي استخدمه كواجهة —تجربة الانتقال إلى المستوى السادس— تم سحقه. وباستخدام هاتين الحادثتين كغطاء، نُشرت الأخوات في مختلف بقاع الأرض.
وقد نجحت الخطة بوضوح. في الواقع، لم تلاحظ الفصائل الكنائسية المختلفة، وعلى رأسها التطهيريين الإنجليز، أن الأخوات وُزِّعنَ خارج أسوار المدينة. وحتى إن لاحظوا، فلن يدركوا أهميته. لن يروه أكثر من كونه تسوية لمشكلة داخلية تخص المدينة.
لقد وُضع الأسابر في جميع أنحاء العالم كما لو كانوا هوائيات (أنتينا) مرتبطة بمنطقة الأعداد التخيلية.
والآن، إن استطاعوا السيطرة التامة على المنطقة التخيلية غير المكتملة، واستحضار مستوى وجود جديد...
فإن ظهور ذلك المستوى سيؤدي إلى تفجير كل ساحر بيده هو حاكم المدينة...
في حين أن الأسابر لن يتأثروا على الإطلاق بحقوله.
ولو وصلت الأمور إلى هذه النقطة، فنتيجة أي حرب بين عالمي العِلم والسِحر ستكون محسومة سلفًا. بل لن تصل الأمور حتى إلى مرحلة الحرب. سيكون الأمر أشبه بإطلاق النار على رؤوس أعداء قد استسلموا ورفعوا أيديهم، واحدًا واحدًا.
كلا...
بعد أن بلغ به التفكير هذا الحد، هز رأسه.
هل هذا حقًا هو الهدف النهائي لأليستر؟ ربما. وربما لا. أشعر بأنه سيبتسم ويقول إن ما كل هذا إلا تحضراً لشيءٍ أعظم. وهو ممكنٌ أيضًا أنه لم يعطي لأيٍّ من هذا اعتباراً أصلًا.
لا أدري.
أليستر—في هيئة ذكرٍ وأنثى، شيخٍ وفتي، قديسٍ وأثيم— جسّد في شخصه كل الاحتمالات البشرية. ولذلك، لم يكن من الممكن التنبؤ بطريقة تفكيره. بل لن يكون من المبالغة القول أنه حَوَى في داخله كل رأي يمكن للبشر أن يتصوروه.
ارتجف تسوتشيميكادو، ثم تمتم كأن الهزيمة كانت من نصيبه.
「همف. لو علم التطهيريون الإنجليز بهذا، لشنوا الحرب فورا. في هذه المرحلة، أتعاطف قليلا مع شيري كرمويل. بعد أن تذوقتُ شيئًا من كلماتك وأفعالك، أدركت أنها لم تكن شريرة بالكامل. بل كانت شخصًا يستحق الاحترام — شخصًا آخر وقف لحماية العالم الذي آمَنَت به」
「لا تنفخ أوهامك السخيفة تلك. لا رغبة لدي، ولو بمقدار شعرة، أن أعادي الكنيسة. ولأن أخلق جنةً اصطناعية، كما تتخيل، فالأمر يتطلب أولا معرفة المملكة الأصلية. وهذا، بطبيعة الحال، من اختصاص عالم الغرائب. أما أنا عالِم، وذلك خارج نطاق خبرتي」
「هراء. لا أحد على هذا الكوكب يعرف أكثر منك. أم تُراني مخطئ...؟」
انحنت شفتا تسوتشيميكادو بابتسامة ملتوية.
「...أليستر كراولي، السَّٰاحِرْ؟」
قديمًا، في القرن العشرين، عاش أعظم ساحر عرفه الإنسان.
كان يُلقب بأكثر السحرة هِبةً في العالم، وأنه أكثرهم مُقتاً وكُرهَا.
وأعظم إهانة وجّهها إلى عالَم السِّحر عبر تاريخه الطويل — إهانة لم يجرؤ عليها أيُّ ساحر آخر...
...كانت في تخليه عن إتقان السحر وسعيه إلى العلم.
لم يعلم أحد لماذا تخلّى أليستر —الرجل الذي بلغ ذروة السحر— عن كل شيء. لكن ذلك كان أكبر إذلال تعرّض له عالم السحر ابدا. فالساحر الأسمى، اسمًا وفعلاً، تخلّى عن السحر وسعى إلى الاعتماد على العلم. بمعنى آخر، أعلن أليستر نفسه ممثلًا لثقافة السحر ومن ثم، ومن دون إذن أحد، رفع الراية البيضاء أمام ثقافة العلم.
وبهذا، صنع أليستر كراولي من كل سحرة العالم أعداءًا له. لم يكن الأمر يقتصر على الكنيسة التطهيرية الإنجليزية التي تصطاد السحرة، بل شمل كل من كان يملك أدنى معرفة بعالم السحر، دون استثناء.
وهناك سبب لعدم كشف ستيل حقيقة أليستر عندما التقيا وجهًا لوجه. لقد كانت الكنيسة الأنجليكانية تطارده بناءً على معلومات جمعتها على مدى سنوات طويلة — لكن تلك المعلومات كانت كلّها من غرس أليستر نفسه. وبما أن مصدر تلك المعلومات عبثي، لم يكن بوسعهم تتبعه لا سحريًا ولا علميًا — لم تكن المعطيات لتتماشى مع أي شيء. وهكذا، انتهى به الأمر إلى أن يُعامل الموجود في المدينة الأكاديمية على أنه مجرد حامل لذاك الاسم المقيت، أو أنه أخذه لقباً مستعار.
اضطر تسوتشيميكادو أن يُقرّ في نفسه بمدى البراعة والجرأة التي أوصلته إلى هذه النقطة. أما هو، فلن يُقدِم على عبور جسر بتلك الخطورة حتى لو أُتيح له ذلك. وهذا وحده يكشف مقدار الفجوة بين قوّته وقوّة أليستر.
「...قد يبدو كلامي هذا وكأنه مجرد هذيان خاسر، لكن دعني أحذّرك من شيء واحد، يا أليستر」
「همم، فلنسمع ما عندك」
「أسمعت "بالشقاء" مرة؟」
「وجهٌ آخر للنحس」
「له وجهٌ ثالث إن لم تعلم — الحظ القوي الذي يُغلب المرء دومًا على مصائبه الجحيمية، مهما عاود مواجهتها」 قال تسوتشيميكادو بابتسامة خفيفة. 「لا أعلم ما الذي تفكر فيه، وغالباً لن أفهم حتى لو شرحت لي. لكن إن كنتَ عازمًا حقًا على استخدام الإماجين بريكر، فالأجدر بك أن تُعِدّ نفسك. إن واجهته بقناعة هشة، فلسوف تفترس يده اليمنى تِلكَ عالَمَكَ الموهوم」
وحين أنهى كلامه، دخلت المتنقلة الآنية الغرفة، وكأن دخولها محسوب.
وبمرافقة الفتاة الأقصر منه بثلاثين سنتيمتراً، غادر تسوتشيميكادو المبنى.
وبعد أن بقي الرجل المقلوب وحده في الغرفة، قال لنفسه،
「همم... عالمي الموهوم الذي كنت أؤمن به قد تدمر منذ زمنٍ بعيدٍ بعيد」
جلست إندِكس وكازاكيري هيوكا جنباً إلى جنب على أريكة في غرفة انتظار المستشفى.
وبما أن المستشفيات لا تسمح عادةً بدخول الحيوانات الأليفة، فقد بقي القط في سكن الطلبة. كانت الأخت ذات اللباس الأبيض تحرك ذراعيها بتكاسل وكأنها تشعر بعدم الارتياح، ربما لأن القط لم يكن معها لأول مرة.
قالت كازاكيري بصوت خافت، 「أ-أمم... ألن تعدلي عباءتك؟」
「هاه؟」 نظرت إندكس إلى ساقيها. قد أزالت دبوس الأمان من العباءة أثناء معركتها مع الغولم، لذا كان جانب التنورة مفتوحاً كما لو كانت زيّاً صينياً تقليدياً (شيونغسام).
「يبدو... جـ-جريئًا وكاشفًا. ونوعًا ما... خطير」
「لكننا تورطنا في كل تلك المشاكل، فقلت أن أترك الأمر لوقت لاحق. هيوكا، هل يبدو غريباً لهذه الدرجة؟」
「أ-أجل أظن... يبدو غريبًا حقًا. زيّك مشبوه أساسا... والآن تبدين أكثر شبهة」
「أساسا؟」 أغمضت إندكس جفنيها قليلاً، وقد فهمت المغزى من شعورها.
ثم حدث شيء غريب.
بينما كانت تبتسم ابتسامة غامضة باهتة، بدأت ملامح هيوكا بالتلاشي، كضباب يتمايل في الريح. شعرت إندكس وكأن جسد الفتاة قد يتناثر ويذوب في الهواء إن لم تنتبه له.
بدأت حدود كازاكيري بالتلاشي كثيراً، ثم قليلاً، أمام عيني إندكس المندهشتين. لم تمر ثانية دون أن تتلاشى أكثر فأكثر بالتدريج.
「هـ-هيوكا، أنتِ...」
「مم... نعم... إيه، حدث الكثير، لذا...」 وكانت تبتسم. 「جسدي... إنه حقاً مثل كرة ضخمة ملفوفة من القدرات الخارقة للطبيعة... سأظل غير مستقرة هكذا دائمًا، مهما حصل... لأنني لن أظل إلى الأبد...」 قالت كازاكيري، لكن إندكس فكرت في احتمال مختلف.
الإماجين بريكر.
تلك اليد اليمنى المطلقة التي يمكنها إلغاء أي قوى خارقة، سواء كانت خيراً أم شراً، بمجرد اللمس.
「لا، ليست منها」 أكدت كازاكيري، وقد قرأت أفكارها من تعبير وجهها. 「لم أتلامس مع قوته... ولو حدث ذلك... لكنت قد اختفيت دون أن أترك أثراً فورًا في تلك اللحظة. لذا فالأمر ليس بسببه...」 قالت بلطف، رغم أن صوتها كان غير مستقر.
「...لا عليك. قد أختفي، لكن ذلك لن يحدث قريبًا... جسدي مصنوع من قوة 2.3 مليون شخص... لذا، من حيث العمر، وقتي أطول بكثير للعيش مقارنة بكم جميعًا...」
وهي تبتسم.
وكان من المفترض أن تشعر إندكس بالاطمئنان، عندما جمعت بين معرفتها وكلمات كازاكيري...
...لكن لسبب ما، خيم شعور ثقيلٌ قلِقٌ على صدرها.
ومن دون أي صوت، استمرت حدود جسد كازاكيري بالتلاشي والعودة. لكن هذا التلاشي كان يزداد شيئاً فشيئاً، وكأن ضباباً كثيفاً بدأ يرتفع ببطء.
「آه... صحيح، نسيت... قد يكون هذا مهماً لكِ... أو ربما لا...」
「ما هو؟」
「عن قوته... لا أعرف... التفاصيل أو شيئاً كهذا، لكن...」
توقفت كازاكيري هيوكا للحظة، ثم قالت أخيراً...
...أن اليد اليمنى لكاميجو توما لا يمكن تفسيرها بقوى الإسبر الخارقة.
「هاه؟」 تجمدت إندكس في مكانها.
「انتظري. انتظري لحظة، هيوكا. لا يمكن. لأن... لأنه لا توجد يدٌ كهذه في السحر أيضاً! لديّ معرفة بمئة وثلاثة آلاف كتاب في رأسي، ومع ذلك لم أعرف أي قوة تكسر القواعد مثل تلك! إن لم تكن قدرة خارقة، فكيف تفسرينها؟」
「سِـ... سحر؟... لا أعلم... ما يكون، لكن...」 ابتسمت كازاكيري ابتسامة باهتة. 「على الأقل، أعرف أنها ليست قدرة إسبر... أعني، جسدي مكوَّن من قوى جميع أسابر المدينة الأكاديمية. فلو كان هو منهم... لو كان إسبرًا، لتَسَلل جزءٌ صغير من قوته إلى جسدي، ولكنتُ اختفيتُ الساعة...」
والآن بعد أن قالت... بدأت إندكس تتذكر. لم تكن قوته تبدو كشيء صنعته مدينة الأكاديمية. لم تكن قوة مصطنعة — بل كانت طبيعية بالكامل، وكان يمتلكها منذ ولادته.
إذن... فما هي قوته بالضبط؟ غرقت إندكس في الفكر.
ليست سحراً، وليست خارقة. كانت أقرب إلى قوة من بُعد آخر.
「حسناً، أظن... نلتقي لاحقا...」 قالت كازاكيري، وهي تنهض من على الأريكة.
تبعثرت الأفكار التي كانت تدور في ذهن إندكس، ورفعت رأسها بسرعة. فجأة، لم يعجبها هذا الشعور. نلتقي لاحقا؟ إلى أين تعود؟ بالتفكير المنطقي، بدأ الليل يحين، لذا يُفترض أنها ذاهبة إلى منزلها... لكن إندكس، ومن دون سبب واضح، لم تستطع منع نفسها من الإحساس بأن هذه العبارة العفوية تحمل معنى أعمق مما بدا.
ابتسمت كازاكيري لها بلطف. كانت تشبه طفلاً تركه أبواه وحيداً.
「لا... عليك. حتى لو اختفى جسدي... فلن... أموت أو أي شيء من هذا. إنما... لن تتمكني من رؤيتي... أو لمسي، هذا كل ما في الأمر. حتى لو... لم تفهمي... سأكون دومًا بجانبكِ...」
لماذا تقولين هذا الآن؟ تساءلت إندكس.
تتحدث وكأن هذا آخر لقاء بينهما.
ولم تعرف إندكس السبب.
فكازاكيري لم تقل شيئاً يبدو كوداع صريح.
「هيوكا!!」 صرخت إندكس دون أن تشعر، وقد كانت كازاكيري تدير ظهرها مبتعدة.
استدارت ببطء وسألت،
「ما الأمر؟」
「غداً... تعالي والعبي معي مرةً بعد، طيب؟」 قالت إندكس، تكاد تنهمر بكاء.
ابتسمت كازاكيري هيوكا.
ابتسمت وأجابت،
「طبعا」
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)