-->

مُقَدِّمَةٌ: مَعْدُودٌ عَلَى يَد. — عالم_توكي-واداي.

(إعدادات القراءة)

مدرسة توكِوَداي الإعدادية.

ليس وأنها تُعدّ واحدة من أفضل خمس مدارس نخبوية في المدينة الأكاديمية—وهي منظمة لتطوير ذوي القدرات الخارقة تفوق مساحتها ثلث مدينة طوكيو— بل كانت أيضًا من أبرز المدارس العالمية للفتيات. شروط الالتحاق بها صارمة للغاية لدرجة أن إحدى الأقاويل قالت بأنها رفضت رفضا قاطعا قبول فردٍ من أسرة نبيلة لدولة ما وكاد الأمر أن يتسبب في أزمة دبلوماسية.

كانت أراضي المدرسة مشتركة مع أربع مدارس أخرى للفتيات مجاورة. ولم يكن هذا بسبب نقص في المساحات المتاحة، بل لتحقيق تقاسم في النفقات، فضلًا عن إنشاء نظام أمني محكم.

وقد أُطلق على هذه المنطقة اسم "الحديقة المدرسية"؛ وهي منطقة تعليمية مشتركة تزيد مساحتها عن خمسة عشر ضعف مساحة المدرسة العادية. ومع ذلك لم تكن تبدو بهذا الحجم الكبير، فهناك العديد من المباني الملحقة المخصصة للتجارب والمناهج الدراسية الخاصة. علاوةً، كانت جميع المعدات المستخدمة في تطوير القدرات تُنتَج داخل [الحديقة المدرسية] حصريًا—ولم يسمحوا بأي تعهيدٍ خارجي، وذلك لحماية التكنولوجيا الأصلية من التسرب. وقد أدى هذا إلى انتشار المصانع والمتاجر بكثرة في المنطقة. وكل هذه المنشآت—على الأقل من وجهة نظر الخارج—كانت موحّدة بالطراز الغربي. بدا الحَرَمُ وكأنه مدينةُ بحرٍ متوسطٍ صغيرة اقتُلعت من موضعها وزُرِعت هنا في اليابان.

وكانت [الحديقة المدرسية] متميزة من الداخل إلى درجة أن حتى تصميم اللافتات وإشارات المرور فيها كان مختلفًا تمامًا عما يكون في الخارج.

「طرقات مرصوفة بالحجارة، ومبانٍ من الرخام... قمة في انعدام الكفاءة!」

كان التاريخ 14 سبتمبر. وحرارة الصيف المتبقية لا تزال تعصف بعد الظهر، وفي وسط ساحة المدرسة وقفت فتاة بشَعرٍ مربوطٍ على شكل ذيلين (بتسريحة أم قرنين) ترتدي قميصًا رياضيًا بلا أكمام وسروالًا قصيرًا كأنها عدّاءة مضمار، تحدثت إلى نفسها وهي تنظر نحو مبنى المدرسة البعيد. تلك شيراي كُروكو، وبدا من نبرتها أن الحرّ أنهكها.

كانت ساحة المدرسة مرصوفة بالحجارة، تُذكّرنا بالساحة المفتوحة أمام المتحف البريطاني. ولكن لو جاء خبير مسّاح وقاسَ سطحها، لما وجد سنتيمترًا واحدًا غير مستوٍ أو أدنى درجة من الميل. ولم تكن الحجارة المستخدمة عادية؛ فبالرغم من أن العين المجردة لا تميز الفرق، فإن الفحص بالمجهر الإلكتروني يكشف أنها مادة بناء خاصة من إنتاج المدينة الأكاديمية.

أما الساحة اللامعة فلن تجد فيها ذرة غبار واحدة—ولا حتى من ذلك المسحوق الأبيض الذي يُستخدم عادة في رسم خطوط السباق في دروس التربية البدنية. في هذه اللحظة، كانت شيراي في إحدى الحصص الدراسية، وتحديدًا خلال مسابقة لقياس القدرات الإسبرية. وقد رُسمت الخطوط الخاصة بتلك المسابقة بطريقة مختلفة. كانت من الضوء. آلاف مؤلفة من الألياف الضوئية مُعلّقة عموديا في كل زاوية وركن من الساحة، تبعث إشعاعات ضوئية تتجمع لترسم خطوطًا ضوئية حرة تمامًا، كما لو كانت شاشة إعلانات إلكترونية.

حاليا، كانت تلك الأشعة تشكّل دائرة صغيرة حول شيراي، يخرج منها شكلٌ يشبه المروحة الضخمة. بدا المشهد شبيهًا بالحلبة التي يقف فيها الرياضيون في منافسات دفع الجلة، لكن شكل المروحة حول شيراي كان أضيق بكثير من حيث الزاوية.

وهناك فتيات أخريات مصطفّات إلى جانب شيراي، داخل دوائر مشابهة تمامًا، يرتدين بدلات الرياضة نفسها. بدا المشهد كأنه أقفاص تدريب للضرب بالمضرب.

كانت قدرة شيراي الانتقال الآني. وبعبارة مبسطة، فهي قدرة تتيح لها تجاهل الفضاء ثلاثي الأبعاد فتُنقِلَهُ فورًا إلى موقعٍ بعيد، سواءٌ هي أو أي شيء تلمسه. ولكنّ القيد الوحيد في قدرتها أن يكون الجسم المراد نقله ملامسًا لجلدها حصرا.

إنّ تصنيف مستوى الأسابر المتنقلين يعتمد بشكل كبير على ثلاثة عوامل: حجم (كتلة) الجسم، وأقصى مدى يمكن نقله، ودقة الهبوط في الموقع المقصود. وكانت هذه التجربة التي تشبه رمي الجلة وسيلة لقياس تلك المعايير. إلا أنه بخلاف رمي الجلة التقليدي، فإنها لا تكتفي بإرسال الجسم لأبعد مسافة ممكنة، بل عليها أن تُسقطه في نقطة دقيقة أيضًا.

ومن الجدير بالذكر أن شيراي كانت "الوحيدة" في إعدادية توكِوَداي من تمتلك قدرة انتقال آني. أما الفتيات الأخريات من حولها، فكنّ إسبرات بقدرة رمي المقذوفات وما شابهها.

سمعت شيراي صوتًا ورأت شيئًا في البعيد يسقط.

لقد نقلت لتوّها كيسًا رمليًا يزن 120 كيلوغرامًا.

وبعد لحظات قليلة، بدأت الأرض عند قدميها تعرض أحرفًا ضوئية جديدة.

النتيجة: 78 مترا و23 سنتيمترا / على بُعد 54 سم من الموقع المحدد / التقييم العام: 5

وعندما رأت تلك الأرقام، تنهدت، وشعرت بقرنَيها يتمايلان يساراً ويمين. 「هفف حالتي اليوم مزرية بحق... ولعلّي أنسى حتى كيف أتحدث اليابانية صحيحا! مُزريةٌ أنا مزرية للغاية في نقل الثقيل لمسافات بعيدة! لو كانت خمسين مترًا فحسب؛ لأسقطته بدقة تصل إلى المليمترات」

أول الأمر، إنّ أقصى مسافة انتقال لديها هي 81.5 مترًا، وأقصى وزن يمكنها نقله هو 130.7 كيلوغرامًا. ولم تكن المسافة والوزن مترابطَين ارتباطًا طرديًا—فحتى لو كان الجسم أخف، ما كانت لتتمكن من إرساله إلى مسافة أبعد. وعلى العكس كلما اقتربت من أقصى مدى لها، قلّت دقتها بشكل ملحوظ.

وفوق ذلك إنّ حالتها النفسية تؤثر تأثيرًا كبيرًا في أداء قدرتها. وبهذا الحر الشديد، لا تستغرب أن تنخفض دقتها عندما يُطلب منها الأداء بأقصى قدراتها منذ البداية.

لكن لا مجال للتبرير والتعذر، وإلا فلن أصل أبدًا إلى المستوى 5.

فكّرت شيراي تُحقِّر من نفسها، وزفرت تنهدا ثقيل. فجأة سمعت ضحكة عالية تنبعث من دائرة رمي الجلة المجاورة لها.

「هيهيهي. آهٍ منك شيراي-سان، تُبدين كل هذا الفرح أو الحزن على أرقام أطلقتها عليكِ آلة، فأنتِ بذلك كأنما تكشفين مستواكِ الحقيقي أمام من حولك. أما وجدتِ معيارًا أقوى للحكم ينبع من داخلكِ...بفف!」

استدارت شيراي بانزعاج نحو مصدر الصوت.

ذلك الشعر، ناعمٌ ولَمّاع على نحو مسرفٍ مفرط لدرجة تراه مصطنعًا أكثر مما يجذبك. وتلك المروحة في يدها اليمنى، على أنها ترتدي اللبس نفس شيراي؛ قميصا بلا أكمام وسروالا قصير. تلك الابتسامة التي تخفيها خلف المروحة المزخرفة أمام شفتيها. كانت الفتاة تكبرها بسنة (بما أن المواد الاختيارية تجمع بين مختلف الصفوف) واسمها هو كونغو ميتسوكو.

كانت كونغو إسبرة من المستوى الرابع، وتحديدًا بقدرة تُدعى [إيِرو هاند]. تتخصص في إنشاء نقاط دفع هوائي على الأجسام فتطلقها كأنها صواريخ—بنت الصواريخ المجنونة.

「...وأنتِ كشفتِ تفاهتكِ بضحكتك المجنونة على فتاةٍ تشعر بالإحباط」 قالت شيراي وأدارت خدها بضيق.

「ياه. تتفوهين بالسخافات يا آنسة فارق أربعة وخمسين سنتيمتر. على فكرة شيراي-سان، ومن وجهة نظري المتواضعة، قدراتك كأنها بهتت مؤخرًا؟ وذاك...أوه، أتتجاهلينني؟ شيراي-سان، سأرسل إليك نسمة هواء منعشة، لذا تفضّلي وارضي بها」

لوّحت كونغو بمروحتها في اتجاه شيراي، ونظرت الأخيرة إليها ينظرة امتعاض.

وبعد أن سُرَّت بردة الفعل، تابعت كونغو وهي تلوّح مروحتها العطرية ذات الرائحة السكّرية الثقيلة، 「ونرجع إلى ما كنتُ أقول—فقدان الحِدّة في قدراتكِ نابع من محاولتك معالجة أجزاء من الفضاء لا تحتاجين إليها، أليس كذلك؟ أما تُحَكّمين حساباتكِ أكثر؟ فهذا أسهل عليك」

فأجابت شيراي بحدة، 「...لا دخل لكِ في شؤوني. ثم إنكِ لا يجب أساسًا أن تفكري في الأبعاد الأحد عشر كما تفكرين في الأبعاد الثلاثة الأولى!」

「لا لا لاه، ما دخلت بعد في شؤونكِ. اسمعي، كنتُ أفكر أن أُنشأ [زمرةً] قريبًا. وسأسعد بانضمامكِ إليها إن كان لديك وقت فراغ، ويا حبذا لو فرّغتِ جدولكِ خصيصًا. فما رأيك؟ اعتبريها مجموعة دراسة ولا أكثر. قد نكتسب من خلالها رؤى جديدة حول طريقة حساباتنا الذهنية بأن نتعرف على أساليب تحكم الفتيات الأخريات في قدراتهن」

تنهدت شيراي وعبست.

زمرة.

تعبير رسمي ومتكلّف—لِما هو في الحقيقة مجرد شلّة.

لكن هذا كان حال مدرسة توكِوَداي الإعدادية. مهمتها المعلنة هي تربية فتياتٍ لينفعن العالم مع انتهاء تعليمهن الإلزامي. ومنذ لحظة التحاق الطالبة، ستخضع لكافة أنواع البحوث والدراسات الممكنة. وكثير من أسمائهن كان مقدّرًا له أن يُخلّد في صفحات التاريخ.

كانت [الزمر] في توكِوَداي شِلَلاً من الطالبات ذوات التفكير المتقارب، يجتمعن ويستخدمن مرافق المدرسة ويجمعن التبرعات بهدف واحد: أن تخلّد أسماءهن في أذهان البلاد بأسرها... ومن هذه الناحية، لم تكن تختلف كثيرًا عن النوادي المدرسية. الزُمَر الأكبر حجمًا كانت قادرة على تأمين علاقات شخصية ومالية، بالإضافة إلى الوصول إلى معارف وموارد حصرية. وكانت معظم الطالبات القياديات في هذه الزُمَر يعتمدن على تلك القوة لتحقيق إنجازاتٍ لامعة.

بعض الطالبات كن قادرات على تحقيق تلك الإنجازات بشكل فردي دون الحاجة إلى الانضمام لأي زمرة، لكن من الناحية المالية واللوجستية، كان من الأسهل الانضمام إلى زمرة واستخدام أوراقها الرسمية لطلب الموارد من المدرسة. وكلما زاد عدد العضوات والإنجازات التي تحققها الزمرة، ارتفعت مكانتها داخل المدرسة—وهي لا تختلف عن الأندية في هذه الناحية.

لهذا السبب كانت الزمر الكبرى تمتلك نفوذًا واسعًا داخل مدرسة توكِوَداي الإعدادية وخارجها. مجرد الانتماء إلى زمرة كبيرة كان يُعدّ شرفًا، أما أن تكوني أنتِ مؤسّستها، فذلك مجدٌ حقيقيّ لا يُستهان به.

وفوق ذلك، كانت أولاءِ البنات يمتلكن قدراتٍ تفوق فعالية المسدسات، ويرتبطن بعوالم وشبكاتٍ مختلفة—لذا حين يتجمّعن في شِلَلٍ صغيرة يسمونها زمرة، فإن لتلك الشلل قوة حقيقية ومباشرة. بعض تلك القدرات كانت خطيرة حتى عند استخدامها بشكل فردي لأغراض شخصية، فكيف لو اجتمعت؟ يمكن لها أن تُحدث دمارًا هائلًا عظيما.

ولذا قالت شيراي هذا، 「لأسهل عليكِ أن تنسي الأمر. لو أنشأتِ زمرة، فسوف تُدَمَّر في ثانيتين」

「م ــ مه...؟」

「ألا تفهمين؟ لو كنتِ قوية كفاية لإنشاء زمرة تُعتبر خطيرة، لجاءتك إحدى الزمر الموجودة وسحقتكِ في أوّلك. ومن الواضح أن هذه معلومة جديدة بالنسبة لك، لذا أرى أن عليكِ أن تُدرِكي مدى ضعفكِ مقارنةً بهن」

「هـ ــ هذا غير صحيح!」 صاحت كونغو باحتجاج، واحمرّ وجهها غضبا. 「بـ بفضل قدراتي ونَسبي من آل كونغو، سأُدمّر أي شلّة وزمرة في نزالٍ عادل، مهما بلغت قوّتـ—」 لكنها لم تُكمل جملتها إذ شحب وجهها فجأة.

انفجارٌ عنيف هزّ أركان المدرسة—وليس مبنى المدرسة وحده، ولا الصالة الرياضية فقط، ولا ساحة المدرسة فقط. بل كل شيء على أرض الحرم المدرسي صرخ واهتزّ وقفز من مكانه.

خلف مبنى المدرسةِ مَسبحٌ، ولم يكن ظاهرًا من هذا الموضع لأنه في الجانب الآخر. ومن هناك، بالضبط، انطلق الانفجار.

ورغم أنّ مبنىً كاملاً يفصل بينهما وبين مصدر الصوت، فقد رُشت رذاذةٌ خفيفة من الماء وجهَ كونغو المحمَرّ، فانتفضت منها فورًا. لابد من مسببٍ فَجَّر مياه المسبح بهذا الشكل وطيّرها لمسافة بعيدة حتى وصلت إليها.

「مـ... ما كان ذلك؟!」 مندهشةً كونغو، والماء يتساقط على وجهها كما لو أن أحدًا لعقها، فارتجفت ثم وضعت يدها على خدّها ورفعت نظرها نحو السماء ثم إلى مبنى المدرسة.

「آه، صحيح. انتقلتِ إلى المدرسة في الفصل الدراسي الثاني، لذا لا تعرفينها. تلك كانت نجمة مدرسة توكِوَداي」

وفجأة، تذكّرت كونغو.

فتاةٌ واحدة ولا غيرها أخذت مَحلّها تتدرب هناك، عند المسبح خلف مبنى المدرسة.

فتاة، وعلى أنها مستخدمة للهجمات بعيدة المدى مثل شيراي وكونغو، إلا أنها كانت إسبرةً ذات قوة هائلة تفوق كل المقاييس، لدرجة جعلت المعلمين في توكِوَداي يشعرون بالخزي لأن أدواتهم المعتادة لم تكن قادرة على قياس حجم قوتها التدميرية.

ولهذا لقد خُصّص منهجٌ دراسي خاص بها وحدها. بل إن مياه المسبح بكاملها لم تكفي حتى لتقليل حدة طاقتها—ولأمكنها أن تدمر مبنى المدرسة بأكمله ومعه كل أدوات القياس. كانت واحدة من اثنتين في توكِوَداي من تحملان تصنيف [المستوى 5].

ميساكا ميكوتو—الريلغن.

لم تكن تنتمي لأي زمرة، ولا تعطي معاملة تفضيلية لأي أحد.

قد لمعت في ذهن شيراي كوروكو صورة الأخت الكبرى (الأونيه-ساما) التي تعشقها، لكنها أزاحت تلك الفكرة عن رأسها، وسألت بنبرة يملؤها الضيق، 「كونغو-سان، هل تملكين حقًا العزيمة لتواجهي هجومًا ساحقًا سخيفًا بهذا المستوى وجهًا؟」

سؤال بريء. أشحب وجه كونغو ميتسوكو ويزرقّ، وأعجزها عن الرد.

「ربما يكون صحيحًا أنكِ ستحصلين على نفوذ كبير في مدرسة توكِوَداي لو أنكِ أنشأتِ زمرة وصرتِ قائدة لها. لكن إن كان كل ما تريدينه هو التكبّر والتغطرس، فأونيه-ساما ستأتيك وتضع حدًّا لكِ」

وفجأة، جاء انفجارٌ آخر... كأنما يردّ مباشرة على كلماتها.

تعليقات (0)