الفصل الرابع: المُعَزِّم يختار ختامها. — (لا تُـ) وَدِّعني _ أبدًا.
(إعدادات القراءة)
ملاحظة للعنوان: المُعَزِّم تعني طارد الأرواح الشريرة أو ملقي التعويذات، وقد تقال مُعَوِّذ حسب السياق.
وبضوء القمر يَغمُرُ ظهرَيْهُما، دخل السّاحران عبر الباب بحذيانهُما. [1]
وهذه المرة، لم تقف إندِكس لتصد ستيل وكانزاكي عن كاميجو. هذه المرة، لم تصرخ عليهما ليذهبا. كانت تتنفس بضعف، كما لو أن هبّة خفيفة من الهواء قد أخذت أنفاسها كلها. وكان بللة بالعرق كمن أصابتها حمى شديدة.
صُداع.
أنذر صُداعها الشديد بفلق رأسها بأدنى صوت مثل تساقط الثلج.
«...»
لم يتبادل كلمةً بينه وبين السَّحرة.
دخل ستيل بحذائه ودفع كاميجو الأخرس جانبًا بيد واحدة. لم يضع وزنًا ولا قوة في حركته، ورغم ذلك سقط كاميجو أرضاً. خارت عافيته وحسَّ بالعجز.
لم يلتفت ستيل إليه.
جلس جوار إندِكس الهاجعة بلا حراك، وهمس لها شيئًا بصوت خفيض جدًا حتى لا يستطيع كاميجو سماعه.
وكانت كتفيه ترتعشان.
ثم رفع صوته قويًا بغَضَبِ رَجُلٍ شَهِدَ عزيزاً يتأذى أمامه.
«بالإشارة إلى طفل القمر من تأليف كراولي. سنستخدم طريقة القبض على ملاك ثم ننشـئ سلسلةً من الأحداث التي من شأنها أن تستدعي وتأسر وتجعل [الجنية] [2] تعمل نحو تحقيق أهدافنا.» وقف ستيل متأهبًا. ثم التفت وكان تعبير وجهه خالٍ تمامًا من الرأفة. كان وجهه وجه ساحرٍ ضحى بإنسانيته لإنقاذ فتاةٍ واحدة. «...كانزاكي، تعالي وساعدي. سنقتل ذكرياتها.»
شَعَرَ كاميجو وكأن هذه الكلمات طعنت أهْوَن نقطةٍ في قلبه.
«أه...» فهمها. فَهِمَ كاميجو أن هذه الطريقة المُرَوِّعة مرادٌ منها إنقاذ حياة إندِكس.
وقد أخبر كاميجو من قبل كانزاكي أنه ما إذا كانت حقًا تتصرف من باب صداقة إندِكس فلا ينبغي عليها أن تتردد في محو ذكرياتها. مهما فقدت ذكرياتها من مرات، لو عزموا أن يمنحونها تجارب أكثر سعادة وإثارة للعام التالي، فلن يصعب عليها الفراق.
ولكن...
ألم تكن هذه تسويةً أقاموها بعد استسلامهم عن مطاردة خياراتٍ أخرى؟
«...» غفلةً منه، انغلقت قبضة كاميجو بشدة حتى كاد يحطم أظافره.
أستوافق على هذا؟ هل ستستسلم ببساطة؟ على الرغم من وجود مراكز أبحاث مُتخصصة بالذاكرة والعقل في مدينة الأكاديمية، أستتركها حقًا تمضي هكذا وربما تكون هناك طريقة تودي بنهايةٍ أكثر سعادة لإنقاذ إندِكس في إحدى تلك المنشآت؟ أستوافق حقًا على هذا السِّحر الغبي والعتيق لمحو أعز ذكرياتها مرارًا وترارًا وتكرارًا؟ أليس هذا هو الحلُّ الأقسى؟ أليس هو الحلُّ الأسهل؟
لا.
لم يهم المنطق بعد الآن.
أنت يا كاميجو توما.
أيمكنك تحمل أن تُمسح ذكرياتك مع إندِكس عن الأسبوع الذي قضيتماه معًا بسهولةِ حذفِ بياناتِ اللعبة؟
«...انتظروا...» نظر كاميجو توما لأعلى.
كل ما أراده هو مقاومة السَّحرة الذين يحاولون إنقاذ إندِكس، بصراحةٍ وبصدق.
«انتظروا، انتظروا دقيقةً واحدة! سأجد الحل في دقيقة! هناك 2.3 مليون إسبر في مدينة الأكاديمية. وهناك آلاف المراكز البحثية تراقبهم جميعًا. التكهن النفسـي والغسيل الدماغي والتحريك الذهني والتجسيد! هناك الكثير من أنواع الأسابر الذين يتحكمون بالعقول والكثير من المختبرات التي تطورهم في كل مكان! لو طلبنا العون من أحدهم، فربما لن تضطروا إلى اللجوء إلى هذا السِّحر البغيض!»
«...» لم يقل ستيل ماغنوس كلمة.
لكن كاميجو توما استمر في الصراخ على ساحر اللهب.
«أنتم لا تريدون فعلها، أليس كذلك؟ في قلوبكم، تأملون إيجادٍ حلٍّ آخر! فقط امهلوني قليلاً... سأجد نهاية سعيدة يضحك الجميع معًا فيها! لذا...!!»
«...» لا يزال ستيل ماغنوس كاتمًا.
لم يعرف كاميجو توما لماذا وصل إلى هذا الحد. التقى إندِكس قبل أسبوع فقط. وقد عاش خمسة عشر عامًا بدونها، فألن يقدر على العيش طبيعيًا حتى برحيلها؟
كان ينبغي أن يقدر على ذلك، لكنه عرف أنه لن يستطيع.
لم يعرف لماذا. ولم يحتج سببًا.
آلمته لا أكثر.
لن يسمع صوتها أو يرى بسمتها –أو أي شيء عنها– مرة أخرى.
ستُمحى ذكرياتها عن الأسبوع الذي قضياه معًا بسهولة ضغط زر إعادة اللعبة.
الفكرة لوحدها وخزته في أرق جُزءٍ من قلبه.
«...» ساد الصمت.
كان كصمت المصعد. لم يكن أنه لم يوجد ما يُصدر صوتًا، بل أن الأشخاص في الداخل التزموا بالصمت. كان هذا هدوءٌ غريب مقطوع بنَفَسٍ ضحل.
رفع رأسه.
وبحذرٍ شديد، استطلع وجوه السحرة مُتَجمِّدًا.
«هل انتهيت أيها الشقي مُدَّعي الصلاح؟»
كانت تلك هي الكلمات الوحيدة التي نطق بها ستيل ماغنوس، ساحر الرونات.
لقد سمع بالتأكيد نواح كاميجو.
استوعب كل كلمة، وطحنها إلى قطع صغيرة، وجمع معانيها وبعاطفتها.
ولكنه لم يجفل حتى.
لم يُقنعه صياحه اليائس مقدار ميليمتر واحد.
«انقلع،» أَمَرَ ساحر الرونات واللهب.
لم يعرف كاميجو كيف ينظم تعابير وجهه، أي عضلات وجهه ينبغي أن يُفَعِّلها؟
دون اهدار نَفَسٍ قال ستيل، «انظر» مشيرًا إلى شيء.
قبل أن يُحَوِّل كاميجو انتباهه، أمسك ستيل بشدة شَعْرَ الصبي ووَجَّهه.
«انظر!!»
كاميجو كان عاجزًا عن تأليف كلمات.
رأى وجه إندِكس أمامه. بدا وكأنها قد تتوقف عن التنفس في أي لحظة.
«أتجرؤ على قولها وهي أمامك في حالتها هذه؟» ارتجف صوت ستيل. «أتجرؤ على قولها وهي على شفا الموت؟! إليها مَن تُعاني ألمًا شديدًا حتى عَسُر عليها النظر؟! أما زلت تجرؤ على أن تطلب منا الانتظار لأن هناك ما تريد تجربته؟!»
«...»
تحركت أصابع إندِكس. إما أنها في حالة وعي ضئيلة أو أنها فعلتها بشكلٍ لا إرادي، لكنها حركت يديها الثقيلتين بكل قوتها، ووصلت لوجه كاميجو.
كما لو كانت تحاول بيأس حمايته – كما لو كانت تعلم أن الساحر كان يمسك بقبضةٍ شَعْرَه.
كأنها تقول أنّ ضيقها لا يهم.
«لو اقتدرت على ذلك، فأنتَ لم تعد إنسانًا! حتى في هذه الحالة، تريد أن تعطيها دواءً لم تُجربه قط، وتدع طبيبًا لا تعرف حتى اسمه يعبث بجسدها ويُعلِّقُها بالمخدرات والإبر؟ ولا لإنسانٍ سوي حتى التفكير في مثل هذه!» طعن صياح ستيل أذني كاميجو واقتحم دماغه. «أجبني أيها الإسبر. ألا تزال إنسانًا؟ أم أنك وحشٌ تخلى عن إنسانيته؟!»
«...»
عجز لسان كاميجو عن الرد.
واصل ستيل كمن يطعن بسكين في قلب جثة.
وصل إلى جيبه وأخرج قلادة صغيرة تحمل صليبًا.
«...هذه الأداة مطلوبة لمحو ذكرياتها.» أدلى بالصليب أمام وجه كاميجو. «من الواضح أنها سحرية. إذا لمستها بيُمناك، فلابد أن تفقد كل قوتها، تمامًا مثل إنوكينتوس.»
تمايل الصليب ذهابًا وإيابًا أمام كاميجو مثل عملة معدنية من فئة خمسة ينات تستخدم في عروض التنويم المغناطيسي الرخيصة.
«ولكن هل يمكنك تدميرها أيها الإسبر؟»
نظر كاميجو إلى ستيل وكأنه مشلول.
«انظر إلى بؤسها. أيمكنك أن تسلُبَ أملها الوحيد بيديك؟! لو آمنت بنفسك وقوتك هذا القدر، فامحها! لستَ سوى وحش ترك طبيعته ويتظاهر بالبطولة!»
تمعن كاميجو.
بحلق في الصليب المتأرجح أمام عينيه. وركَّز نظره على القطعة البغيضة التي تسلب الناس ذكرياتهم.
كما قال ستيل، إذا أمسكها بيُمناه، سيمنعهم من محو ذكريات إندِكس.
لم يكن في ذلك صعوبة. كل ما عليه فعله هو أن يمد يده قليلاً ويمسحها بأصابعه خفيفًا.
هذا كل شيء. هذا كل ما تطلبه.
عصر كاميجو يده اليمنى بقوة شديدة...
لكنه لم يستطع فعلها.
حاليًا، كان هذا "السِّحر" الوسيلة الوحيدة لإنقاذ إندِكس، بأمان وضمان.
لم يجرأ لمسه.
وكيف عساه يأخذ أَمَلَ فتاةٍ عانت وتحملت كل ذلك؟
من المستحيل عليه فِعلُها.
«ستنتهي تحضيراتنا على أقل تقدير... في الساعة الثانية عشر وخمسة عشر دقيقة صباحًا. وبقوة [ليو]، سأمحو ذاكرتها.»
بدا ستيل مُتملْمِلًا تقريبًا وهو ينظر إلى كاميجو.
الساعة 00:15... ربما بقيت له عشر دقائق حتى ذلك الحين.
«...!!» أراد كاميجو أن يصرخ "توقفوا!!" أو "انتظروا!!" ولكنه لن يكون من يتحمل عاقبتها. ثمُنُ طموحاته الأنانية ستدفعها إندِكس كاملًا.
اِقبلها.
‹–– اسمي؟ إنه إندِكس.›
اِقبلها بصمت.
‹–– وسأسعد كثيرًا إن أطعمتني بعضاً مما تملك.›
اِقبلها بصمت يا كاميجو توما واعترف بعجزك عن إنقاذ إندِكس!
لم يقدر الصراخ.
صرّ أسنانه ونظر في السقف... وترك دمعةً الوهن تسقط.
«...أيها الساحر.» تحدث بخمول، وما زال ينظر إلى السقف بظهرٍ مستند على الرف المليء بالكتب. «ما رأيك أقول في كلماتي الأخيرة؟»
«ما عندنا وقت لمثل هذه السفاهة.»
«نعم» أجاب خاويًا.
وأراد ستيل قول المزيد لكاميجو، إذ أن الصبي بدا وكأنه سيظل متجذرًا في هذا المكان إلى الأبد.
«هل لكَ الخروج من هنا أيها الوحش؟» شزره مُبغضًا. «...يدك اليمنى ألغت نيراني. لازلت أجهل مبدأها، لكني لا أريدها أن تُفسد مراسِمنا.»
«نعم» كررها مرتبكًا.
ضحك كاميجو بصوت منخفض كمن يأخذ نفسًا أخير.
«...مثلما تعرضت للجرح في ظهرها، أتساءل لماذا عجزت عن فعل أي شيء؟»
لا تسألني، قال تعبير ستيل.
«لامتلاكي مثل هذه اليد الرائعة التي يمكنها حتى محو معجزات السماء.» تحدث وكأنه على وشك الانهيار. «...لماذا عجزتُ عن إنقاذ فتاةٍ واحدة فقط...؟ فتاةٍ تعاني وحدها...؟»
ضحك.
لم يلعن القدر، ولم يَلُم نحسه. اِكتئب على عجزه لا أكثر.
نظرت إليه كانزاكي بعيونٍ مُشفقة ثم قالت: « لا زلنا مُبكرين عشر دقائق قبل بدأ المراسم في 0:15» نظر ستيل إليها عاجزًا عن التصديق.
ولكن كانزاكي التقت بعينيه وابتسمت قليلاً.
«...في ليلة محو ذكراها أوّل مرة، بكينا جوارها طوال الليل. أليس كذلك يا ستيل؟»
«...» احتقنت كلمات ستيل في حلقه. «ن-نحن لا نعرف ما الذي سيفعله هذا الوحش. ماذا لو قتلها ثم قتل نفسه في غَيْبٍ عنا؟»
«لو أراد ذلك، فلماذا لم يلمس الصليب؟ لقد أريتهُ صليبًا حقيقيًا بدلاً من وهمي لأنك عرفت أنه لا يزال إنسانًا، أليس كذلك؟»
«لكن...»
«وبأيِّ حال، لن تبدأ المراسم حتى وقتها. ولو تركناه مع أسفه، فسنفتح على أنفسنا باب تدخله في منتصف الطقوس يا ستيل.»
رصَّ ستيل أسنانه.
بدا وكأنه على وشك قلع حلق كاميجو كما لو كان وحشًا بريًا ما. لكنه كبت نفسه قائلاً: «عشر دقائق. أفهمت؟!»
ثم التف مُستعجلًا وانطلق نحو الباب.
لم تقل كانزاكي شيئًا، لكنّ عينيها ابتسمت موجعة ولحقت شريكها خارج الغرفة.
وأُغلق الباب.
ظل كاميجو وإندِكس وحديهما. وقد خاطر بسلامتها –وليست سلامته– ليكسب هذه العشر دقائق بينما كانت حياتها تتلاشى. لكنه لم يعرف ما ينبغي عليه.
«أه... خ، هف...»
خرجت أصواتٌ غريبة من شفتي إندكس وهي مستلقية راهلة مما أرعشت كتفي كاميجو صدمةً.
فتحت عينيها قليلاً وبدا أن قلقها الوحيد كان لماذا كانت على الفوتون بدلًا من الفتى. ومرة أخرى، تجاهلت سلامتها تمامًا.
«...»
صر كاميجو أسنانه مرة أخرى. فمواجهتها كانت أكثر رعبًا من مواجهة السحرة.
ولكنه لم يتمكن من حَمْلِ نفسه على الهرب.
«تو...ما؟»
اقترب كاميجو من الفوتون، ورأى إندِكس بوجهها المغطى بالعرق، بدت مرتاحة من أعماق قلبها.
«...آسف.»
اعتذر بجانبها ونظر إلى عينيها.
«...؟ توما... أرى هناك دائرة سحرية ما...»
ولأنها كانت فاقدة الوعي، لم تدرك إندِكس حتى الآن أن الدائرة من صنع السّاحران. نظرت إلى النمط على الحائط بالقرب من الفوتون ومالت رأسها مُرتبكة، تبدو تمامًا كطفلة.
«...»
للحظة، صرَّ كاميجو أسنانه أقوى.
كانت للحظة وجيزة. وقبل أن تظهر على محياه، لَطَّف تعبير وجهه.
«...قالوا أنه سِحرٌ علاجي. لن نترككِ تعانين من هذا الصداع الفظيع.»
«؟ سحر... لمن؟»
لم تمضِ لحظة حتى أدركت إندِكس أخيرًا الاحتمال.
«؟!»
حاولت تحريك جسدها الخامل لتقف على قدميها. وفي اللحظة التي رأى فيها كاميجو النظرة المشوشة من الألم التي انعكست على وجهها، أمسك كتفي إندِكس ودفعها بقوة إلى الفوتون عائدة.
«توما! جاء السَّحرة مرة أخرى، أليس كذلك؟! توما، علينا الهرب!»
نظرت إندِكس إليه بتعجب. عرفت مدى خطورة السَّحرة وقلقت على كاميجو من أعمق قلبها.
«...كل شيء تمام يا إندِكس.»
«توما!»
«انتهى الأمر... انتهى كل شيء.»
«توما،» همست بهدوء وعافيتها تتلاشى تدريجيًا من جسدها.
لم يعرف كاميجو أي وجهٍ اتخذه.
«...آسف»، قال الفتى. «سأصير قوياً. ولن أخسر مجددًا أبدًا. سأصير قويًا بما يكفي لأطرد كُلَّ من عاملكِ بسوء، أعدك...»
حتى البكاء ليكونن جُبنًا.
وطلب عطفها سيكون أمرًا لا يُغتفر.
«...انتظريني. ففي المرة القادمة، سأنقذك بالتأكيد.»
كيف بدا وجْهُهُ في عيني إندِكس؟
كيف بدا صَوْتُهُ في أذني إندِكس؟
«طيّب. سأنتظرك.»
لم تعرف الوضع، وربما بدا أن كاميجو قد باعها لينقذ نفسه بعد خسارته أمام السَّحرة.
ومع ذلك ابتسمت.
بسمةٌ ضعيفة، بسمةٌ مثالية، بسمةٌ قد تنهار في أيِّ لحظة.
لم يفهم كاميجو. ما عاد يفهم كيف اقتدرت على أن تأمل وتثق لغريب.
لكن كان ذلك كافيًا بالنسبة له ليتخذ قرارًا.
أخبرها ما إن تُشفى من صداعها، سيهزمون السَّحرة ويكسبون حريتهم.
أخبرها برغبته في الذهاب إلى مكانٍ ما معها، مثل الشاطئ، ولكنَّ ذلك سيكون بعد اتمامه دروسه التكميلية.
سألها ما إذا رغبت في الانتقال إلى مدرسته بعد انتهاء العطلة.
أجابت برغبتها في خلق الكثير والعديد من الذكريات.
وَعَدَ كاميجو بأن يفعلوا ذلك أكيد.
وقد وصل به الأمر للكذب.
ما عاد يهتم بالصح والخطأ. ما عاد يحتاج لأخلاقٍ رخيصة ولعدالةٍ باردة وقاسية إذا لم تقدر على تخفيف معاناة فتاةٍ واحدة.
لا حاجة لوَسم [3] مسمى كاميجو توما بالخير أو الشر.
كانت ختمة "المحتال" كافية ووافية.
ولهذا، لم يذرف دمعةً واحدة.
لم يجرؤ على ذلك.
«...»
وهنت إندِكس في يديه وسقطت على الفوتون بصوت خفيض.
بعد غيابها عن الوعي مجددًا، بدت إندِكس كجثةٍ هامدة.
«لكن...» أعطى وجهها انطباعًا بأنها تعيش كابوسًا من الحمى. عضّ كاميجو شفتيه بلطف. «...لن أتقبل خاتمةً كهذه.»
ذاق الدم حينما غرز أسنانه في جلده.
امتعض من نفسه كيف عرف ببطلان كل هذا ومع ذلك يقف عاجزًا متفرجًا. لم يقدر شيئًا بخصوص حَيز الكتب الـ 103,000 جريموار على 85 في المئة من دماغ إندِكس، ولم يقدر أن يحمي الذكريات المخزنة الباقية في النسبة 15 في المئة.
«...ها؟» بعد أن استسلم لأفكار اليأس، حسَّ فجأة بأن في القِصّة ثغرة.
خمسة وثمانون في المئة؟
نظر لوجه إندِكس المحموم.
خمسة وثمانون في المئة. نعم، قد ذكرتها كانزاكي. خمسة وثمانون في المئة من عقل إندِكس امتلئ بكتب المئة وثلاثة آلاف، ولذلك كان دماغها مضغوطًا. والنسبة المتبقية 15 في المئة لا يمكنها تخزين أكثر من سنة واحدة من تجاربها. إذا امتصت أي ذكرى أكثر من ذلك، فسيخترب دماغها.
مهلا مهلا...
لماذا عجزت نسبة الـ 15 في المئة من دماغها على الاحتفاظ بأكثر من سنة؟
لم يعرف مدى ندرة قدرة الاستذكار المثالية. ولكنه لم يظنّه نادرًا لدرجة أن تكون إندِكس الوحيدة في العالم.
والناس الآخرون ذوو الذاكرة المثالية لم يحتاجوا مسح ذكرياتهم بسِّحرٍ سخيف.
ولكنّ كانزاكي أصرّت على أن 15 في المئة من دماغ إندِكس قادرٌ فقط على تخزين سنةٍ واحدة من الذكريات... مما يعني...
«...ألا يُفترض أن يموت أصحابها ببلوغهم سن السادسة أو السابعة...؟»
لو كان "مرض" إندِكس مميتًا لهذا الحد، فلماذا لم يشتهر؟
وأيضًا، لماذا تمسَّكت كانزاكي حتى بتلك النسبة 85 في المئة؟
من أعطاها تلك المعلومات؟
و...
الأهم من ذلك، هل كانت تلك النسبة 85 في المئة صحيحةً حتى؟
«...خدعوهم.»
فرضًا فرض، ماذا لو لم تعرف كانزاكي أي شيء عن عِلم الأعصاب؟ ماذا لو استلمت المعلومات من رؤسائها – من الكنيسة؟
بدأ شعورٌ مريب ينتاب كاميجو جَرّاء الوضع.
ذهب على الفور ليمسك الهاتف الأسود في زاوية الغرفة. حاليًا، كانت الأستاذة كوموي في الخارج مجددًا. لم يتعب في العثور على رقم هاتفها الخلوي بعد أن صنع خرابًا من الغرفة أكملها.
أزعجه صوت الرنين الميكانيكي بينما كان ينتظر رد أستاذته.
لابد أن شرح كانزاكي لقدرة تذكر إندِكس المثالي أن يكون خطئًا بشكلٍ ما. وماذا لو أن الكنيسة نفسها من زرعت هذا الخطأ؟ لابد أنهم دفنوا سرًّا ما فيها.
بصوت كلِك كهربائي، اتصل الهاتف
«أستاذة!!» صاح كاميجو بشكل انعكاسي تقريبًا.
‹«نعممم~ يا كاميجو-تشااان~ لا ينبغي لك استعمال هاتف الأستاذة وقتما تشاااء~»›
«...أمم، تبدين مُستمتعة...؟»
‹«نعم~ الأستاذة في الحمام الآن! وأُجرِّبُ كرسي التدليك الجديد~ ومعي قهوة بالحليب~ آخخ يا نعيم~»›
«...»
فكّر في تحطيم الهاتف بيده، لكن لإندِكس الأولوية.
«أستاذة. من فضلك اسمعيني...»
سأل كاميجو عن قدرة الاستذكار المثالية.
ما كانت عليه؟ هل تستهلك ذكريات سنة كاملة 15 في المئة من الدماغ؟ بمعنى آخر، أكان سمةً قاتلة تسمح فقط ببلوغ عمر الست أو السبع سنوات؟
‹«بالطبع لااا~»› قاطعته الأستاذة كوموي. ‹«نعم، قد تحتفظ الذاكرة المثالية بمعلوماتٍ غير مفيدة – مثل إعلانات السوبرماركت للسنة الماضية، لكننن~ لا يمكن أن يُفجر ذلك وحده الدماغ~ من يمتلكون القدرة سيحملون معهم مئات سنوات من الذكريات إلى القبر، هذا كل ما في الأمر. فكما تعلم، الدماغ البشري قادر على احتواء قرابة الـ 140 سنة من البيانات~»›
كاد قلب كاميجو أن يقفز خارج صدره.
«لكن ماذا لو، من الناحية النظرية، ماذا لو استخدم أحدٌ ما ذلك لحفظ جُملةٍ هائلةٍ من الأشياء؟ مثل قراءة جميع كتب المكتبة... هل سينفجر دماغه بذلك؟»
‹«همف... كاميجو-تشان، علمتُ الآن كيف فشلت في مواد التطوير~»› وأردفت الأستاذة كوموي بسعادة. ‹«اسمع كلامي يا كَمَجَة~ في المقام الأول، ليست الذاكرة شيئًا واحدًا فعليًا. هناك الكثير من الأنواع المختلفة~ [الذاكرة الدلالية] تَحكُمُ اللغة والمعرفة، و[الذاكرة الإجرائية] تَحكُمُ تَعَوُّدُنا لحركاتٍ مُعَيّنة، و[الذاكرة الحَلَقيّة] تَحكُمُ الذكريات الفعلية للأحداث~ وغيرها الكثير~»›
«أمم، أستاذة... ما فهمت بالضبط ما تقصدينه.»
‹«بمعنى آخر...،»› تابعت الأستاذة كوموي بصوتها المرح وهي تشـرح، ‹«...تُصَنَّفُ كُلُّ ذِكرى مختلفة حسب مكانها في الذاكرة~ قد تُشبِّهها بالقمامة العادية والقابلة للتدوير، على ما أظن؟ فمثلٌ مثلاً، حتى لو ضربت رأسك بقوة وفقدت الذاكرة، فلن ترجع تُناوِح وتزحف مثل الطفل الرضيع، أليس كذلك؟»›
«...أتقصدين...»
‹«نعم~ مهما عبَّيت في ذاكرتك الدلالية، مهما حفظت من كُتُب، فإنك لن تطغى على ذاكرتك الحَلَقيّة~»›
ضربت الكلمات رأسه كطنٍ من الطوب.
انزلق مقبض الهاتف من يده وسقط واصطدم بقاعدة الهاتف وانقطعت عندئذ المحادثة، ولكن لم يملك كاميجو رفاهية الوقت ليُفَكّر.
كذبت الكنيسة على كانزاكي.
ذاكرة إندِكس المثالية لم تُـهَدِّد حياتها إطلاقاً.
«ولكن لماذا...؟» همس كاميجو مشوشًا. نعم، لماذا؟ حتى لو لم تفعل الكنيسة شيئًا لها، لماذا ستكذب عن إندِكس وهي تتمتع بصحة تامة، مدّعية أنها ستموت ما لم تُعالج سنويًا؟
وإندِكس، التي كانت تعاني واضحًا أمام عينيه في هذه اللحظة، بالتأكيد لم تبدو تتظاهر. إذا لم يكن استذكارُها المثالي المشكلة، فما مصدر معاناتها؟
«...ها.»
عندما فكّر في الأمر، كان على كاميجو أن يكبح رغبته في الضحك.
نعم فهمت. أرادت الكنيسة وضع طوقٍ على إندِكس.
طوقًا يُجبرها على تلقي "صيانةٍ" سنوية من الكنيسة وإلا تنتهي حياتها. طوقًا يضمن ولائها، وبالتالي سلامة الكُتب المئة وثلاثة آلاف جريموار.
ماذا لو كان جسد إندِكس في الأصل على ما يرام، ولم تحتج الخوض في طقوس ومراسم وأفعالٍ غريبة؟
ماذا لو أمكن إندِكس البقاء حيّةً سليمة بدون سخافات السِّحر وهراء الغرائب؟
إذا كانت هذه هي الحالة، فلن تسمح الكنيسة بذلك. لن يُمكنهم التنبؤ بالمكان الذي "قد" تختفي إليه ومعها كتب الـ 103,000 جريموار. لن يتركوها دون طوق.
كرر ذلك لنفسه: وضعت الكنيسة طوقًا على إندِكس.
وهذا جعل الموقف بسيط.
كانت سليمةً بادئ الأمر، والآن أتاها صداع، فلابد أن الكنيسة وضعت شيئًا في رأسها.
«...هَهَه.»
على سبيل المثال، ماذا لو فعلوا شيئًا مشابهًا لملء قاع دلو سعته عشرة لترات بالأسمنت بحيث لن يتسع الباقي سوى للترٍ واحدٍ من الماء؟
أحدثوا تَشَوُّهًا في رأس إندِكس وأرغموها سنةً بعد سنة على حرق ذكرياتها.
فعلوا شيئًا من شأنه تفجير أو تخريب رأسها بعد سنةٍ من الطقوس.
صنعوها عبدةً تعتمد على الطقوس والإجراءات الغريبة للكنيسة.
أجبروا أصدقاءها على كتمان دموعهم وأن يخضعوا ذُلًّا لإرادة الكنيسة.
...أعدّوا برنامجًا شيطانيًا يضع حتى اللطف والرحمة البشرية في الحُسبان.
«...لكن هذا لا يهم.»
لا، لا شيء من ذلك يهُم الآن.
هناك مشكلة واحدة فقط تتطلب اهتمامًا فوريًا: معرفة أي نوع من التدابير الأمنية التي اتخذتها الكنيسة لتجعل إندِكس تعاني هكذا. فكما تعمل مدينة الأكاديمية التي تُشـرِف على كاميجو والأسابر الآخرين في طليعة العلوم، يجب أن تكون نِسِسَريوس التي تشرف على السحرة في طليعة شيءٍ ما.
نعم. إذا كانت العقبة قوة غير طبيعية مثل السِّحر...
…فإن يُمنى كاميجو توما يمكنها تفتيت حتى المعجزات بلمسةٍ واحدة.
في هذه الغرفة التي افتقدت ساعة، تساءل كاميجو عن وقته الباقي.
ربما لم تكن هناك حتى دقيقة باقية قبل بدء الطقوس. ثم نظر إلى باب الشقة. هل سيُصدقونه السَّحرة إذا شرح لهم الحقيقة؟ طبعًا لا. ليس سوى طالب في الثانوية. لم يكن عالمًا في الفيزيولوجيا العصبية. وعلاوة على ذلك، عندما تتعمق في القضية، فإن الطرفين كانا في صراعٍ واضح. شكّك في تصديقهم له.
نظر لأسفل.
نظر لإندِكس، الهاجعة على الفوتون وأطرافها المرهقة ممدودة. كانت مغمورة من رأسها إلى أخمص قدميها بعرقٍ غريب. بدا شعرها الفضي كما لو اغتُسِلَ في دلوٍّ من الماء، وكان وجهها محمر اللون، وكان حاجبيها ترتجفان دوريًا من الألم كما لو كانت محتجزة في مستشفى لمرضٍ خطير.
‹––انظر إلى بؤسها. أيمكنك أن تسلُبَ أملها الوحيد بيديك؟! لو آمنت بنفسك وقوتك هذا القدر، فامحها! لستَ سوى وحش ترك طبيعته ويتظاهر بالبطولة!›
ضحك كاميجو مُتذكرًا اتهام ستيل الذي كان قد غلب إرادته قبل لحظات.
لقد تغير عالمه بما يكفي ليضحك.
«لستُ أتظاهر بالبطولة...»
وبابتسامة، فكَّ الضمادات البيضاء التي كانت ملفوفة بإحكام حول يده اليمنى، كما لو كان يكسر ختمًا.
«...سأصير بطلًا.»
قالها مُبتسِمًا ووضع يده اليمنى الممزقة على جبين إندِكس.
قيل أنَّ يده اليمنى يمكنها محو المعجزات، لكنها لم تستطع إسقاط جانحٍ واحد، أو رفع درجات اختباره، أو جعله شعبيًا لدى الفتيات. ظنّها غير مفيدة تمامًا.
ولكن ربما كان هناك شيءٌ واحد فقط بَرَعت فيه.
إذا أعطته فرصة بإنقاذ هذه الفتاة الكرباء، فسيَعتبرُها كاميجو قدرةً رائعة.
...
.....
.......؟
«..........ها؟»
لم يحدث شيء. لم يحدث شيء على الإطلاق.
لم يأتي صوتٌ أو ضوء. هل فكّ السِّحر التي وضعته الكنيسة على إندِكس؟ لا، لا تزال تتوجَّع. أتاهُ انطباعٌ بأنه لم يُغيّر شيئًا.
مال كاميجو رأسه مُستغربًا وحاول لمس خديها وقذالها، [4] لكن لم يحدث شيءٌ بعد. لا تغيير. لا شيء... ولكن حينها تذكر.
قد لمس كاميجو إندِكس عِدَّة مرات.
على سبيل المثال، بعد هجوم ساحر اللهب، لمسها وحملها بعيدًا، ونقر جبينها برفق بعد أن أخبرته من هي حقًا. بالطبع، لم تظهر أي علامة على تغيير.
مال كاميجو رأسه. لم يمكنه أن يتخيل أن افتراضه كان خاطئًا. ولم ينبغي أن يكون هناك أي "غرائب وخوارق" لا يمكن أن تُدركه يده اليمنى. إذن...
إذن... أهناك جزء في إندِكس لم يلمسه بعد؟
«.....................................................................أحم.»
قفز عقله لمكانٍ مثير للغاية، لكنه حاول توجيه أفكاره بعيدًا عن القذارة.
لكن عملية الاستبعاد لم تبقي له مكان آخر. إذا وُضِع السِّحر على إندِكس وإذا كانت يده اليمنى قادرة على إلغاء أيِّ سحر، فلابد أنه لم يمس نقطة السِّحر بعد.
لكن أين كان؟
فحص كاميجو وجه إندِكس الملتهب. سحرٌ متعلقٌ بالذاكرة... لابد أن يُطبق هكذا سحر على رأسها أو قريب، صح؟ إذا كانت هناك "دائرة سحرية" داخل نخاعها الشوكي أو شيء من هذا القبيل، فإن كاميجو لن يقدر فعل شيء بالطبع. إذا كان داخلها، فإن يده الممتلئة بالجراثيم لن تستطيع لمسـ—
«............أوه.»
نظر مرة أخرى إلى وجه إندِكس.
حاجبيها تتلوى بألم، وعينيها مضغوطتان بإحكام، وأنفها يقطر عرقًا كالطين... تجاهل كل ذلك، مركزًا على الشفاه الصغيرة التي تتنفس بضحالة.
أخذ إبهام يده اليمنى وسبابته وانزلق بين تلك الشفاه، مجبرًا فمها على الفتح.
رأى عميقًا في حلقها.
إلى حيث افتقر الدماغ إلى حماية الجمجمة، وكان حتى أقرب إلى دماغها من شعرها. نادرًا ما يراها الناس ولن يلمسونها. عميقًا في حلقها الأحمر الداكن، رأى علامةً مُخيفة محفورة باللون الأسود. بدت كرمز قد تراه في برنامج تلفزيوني للأبراج.
«...» ضيّق كاميجو عينيه مُحَدِّقاً، ثم استعد وأدخل يده في فمها.
انزلق إصبعه إلى فضاء فمها، مُتململًا كالدودة، كما لو كان كائنًا حيًا منفصلًا. أحاط لُعابها الساخن إصبعه. وتردد عندما حسَّ بشعورٍ غريب بلسانها. وثم، كما لو أنه أراد اختراق حلقها، أدخل إصبعه كاملًا.
اهتز جسد إندِكس بشكلٍ فظيع وكأنها تحاول أن تتقيء.
تك. حسَّ كاميجو بصدمة طفيفة في سبابته اليمنى كما لو كانت ناجمة عن كهرباءٍ ساكنة.
بوو! فجأة، قُذِفَت يد كاميجو اليمنى بقوة للوراء.
«ها...؟!»
تناثرت قطرات دمه على الفوتون وحصير التاتامي.
تركت الصدمة معصمه بشعور رمي مسدسٍ عليها. فحص يُمناه فورًا. وقد انفتح الجرح الذي أهددته إياه كانزاكي مرة أخرى، وتدفق الدم الطازج بنقاط متساقطة على التاتامي.
وبينما كان يلتفت إلى يده التي رفعها إلى وجهه، رأى...
رأى إندكس، التي كانت مُنهارة من الإرهاق قبل لحظات، ترفع جفنيها مُشرقةً حُمْرَة.
هذا لم يكن لون عين طبيعي.
وفيها ضائت دائرتين سحريتين حمراوين تطفوان في مُقلتَيْها.
سحقا...!! جرت قشعريرة غريزية على عموده الفقري. حاول على الفور مدَّ يده اليمنى للأمام مجددًا، ولكن لم يكفِهِ الوقت.
اشتعلت عينا إندكس إحمرارًا براقاً وانفجر شيءٌ منها.
دوش!! صدمة قوية ألقت بجسده لآخر الشقة. تشققت الأرفف الخشبية وتردَّد صدى أصوات سقوط الكتب في الغرفة. انفجر كل مفصل في جسده بألمٍ محترق.
بالكاد استطاع الوقوف مرة أخرى. حسَّ بساقيه وكأنهما تتفككان. حَمَلَ لعابه نكهة الدم المعدنية.
‹«تحذير. قراءة الفصل الثالث، البيت الثاني. تم تدمير الحواجز من الأوّل للثالث من طوق فهرس الكتب المحظورة. تأكيد اختراق جميع الحواجز. الاستعداد للتجديد... فشل. التجديد الذاتي للطوق غير ممكن. الآن، التركيز على اعتراض المُعتدي للحفاظ على مكتبة الـ 103,000 مجلد.»›
رأى كاميجو التفاعل الكاشف أمامه.
كما لو أنها لا تمتلك عظامًا أو مفاصل، طافت بلامبالاة بحركاتٍ بطيئة كما لو كانت مُكونة من هلام معبأ في حقيبة. اخترقت الرموز السحرية القرمزية المنقوشة في قزحيتيها مباشرة كاميجو.
بدت كمقل عيون إنسان، ولكنه استصعب وصفها.
لم يكن فيهما بشرية، ولا دفء أنثوي.
رأى كاميجو هذه العيون مرةً من قبل. بعد أن طُعِنَت من الخلف بواسطة كانزاكي، وبعدما انهارت على الأرض في معركة ساحرة اللهب، تحدثت إندكس إليه بشكلٍ ميكانيكي شارحةً له السِّحر الروني.
‹–– ما عندي قوة سحرية، لذا لا يمكنني استخدام السِّحر.›
«الآن بذكر ذلك، كان هناك شيءٌ واحد لم أسألكِ عنه قط.» رفع كاميجو يده اليمنى الممزقة وتكلم بهدوء. «لو لم تكوني إسبرة، فلماذا لا تمتلكين أي قوى سحرية؟»
ربما يعود السبب إلى أن الكنيسة قد أعدت نظامًا أمنيًا مُكَوَّنٌ من طبقتين أو ثلاث داخلها. لو عرف شخص ما حقيقة قدرتها المثالية على استرجاع المعلومات وحاول فكّ الطوق، فستتحكم إندِكس تلقائيًا في مكتبتها الغزيرة وتستخدم أقوى أسحارها لإيقافهم. ربما كان نظامًا اعتراضيًا تلقائي مثل ذلك يتطلب جُلَّ طاقتها السحرية.
‹«استخدام المكتبة المؤلفة من 103,000 مجلد لتحديد التعويذة السحرية التي اُستُخدِمت لتدمير الحواجز... فشل. لم يُعثر على سحرٍ متطابق. الكشف عن هيكل التقنية وإعداد سلاح محلي مضاد للمعتدين.»› لفَّت إندكس رقبتها الصغيرة كما لو كانت دميةً تُسَيَّر بخيط. ‹«نجاح. إن إعداد السِّحر المضاد الأكثر فعالية ضد المعتدي المُحدد قد تم بنجاح. الشروع في تفعيل السِّحر الخاص الذي يُعرَفُ بملاذ القديس جورج لتدمير المعتدي.»›
بضجيجٍ هائل، توسعت الرموز في عيني إندكس سريعًا. الدائرتين السحريتين التي بَلُغ قطر كل منهما مترين طافتا الآن أمام وجه إندكس مُتداخلتان. تمحورت بثبات أمام كل عين. وعندما حركت إندكس رأسها قليلاً، تبعت الدائرتين حركتها.
‹‹‹ . »›
غنّت إندِكس شيئًا لا يفهمه العقل البشري.
وإنَّ الدائرتين السحرية المتمركزة أمام عيني إندكس قد لمعتا للحظة، ثم انفجرت. وبشكل أكثر تحديدًا، بدا وكأنه انفجارٌ كهربائي عالي الفولت حدث في نقطةٍ من فضاء بين عيني إندكس، وانتشر شُعاع في كل اتجاه.
ومع ذلك، لم يكن شررًا أزرق أو أبيض. كان هذا البرق أسود دامغ.
من السخيف القول بشيء منافٍ للعلم هكذا، لكن الشقوق امام عينيه بدت تمزق الفضاء نفسه. كررر. متمركزة عند تقاطع الدائرتين السحريتين، انتشرت كُسورٌ سوداء عبر الهواء كما لو أن زجاجًا ضُرِب برصاص، وامتدت إلى أطراف الغرفة. شكلت حاجزًا واحدًا كما لو كانت تمنع أي كل شيء من الاقتراب من إندِكس.
ثم، بدأ شيءٌ ما ينبض بالتضخم من داخل الكسور.
ما ظهر من فم الكسور السوداء المفتوحة جزئيًا كان نتانةً تُذكّر بالوحش.
«آه.»
فجأة أدرك كاميجو شيئًا.
لم يستند ذلك إلى منطقٍ ولا سببية، ولا افتراض غليظ ولا عقلانية. كان شيئًا أكثر جوهرية، أقرب للغريزة، يصرخ داخل عقله. لم يعرف بالضبط ما كانت في تلك الشقوق. لكنه أتاهُ شعورٌ مُمَيز بأن النظر إليها بعينه العارية سيقضي على وجوده بالكامل.
«ها.» ارتجف كاميجو.
تزدادا الشقوق أكبر فأكبر فأكبر، وكان يعلم أن الشيء في الداخل كان يقترب. لكن كاميجو لم يستطع التحرك. كان يرتجف ويرتعش ويقشعر لأن...
لأنه إذا هزم ذلك...
...سينقذ إندكس بمفرده، دون مساعدة أحد آخر.
«آههاه هاها هاه ا هاها ه اها.»
ولهذا السبب كان يرتجف بهجةً.
خائف؟ ولما أكون؟ قد انتظرت هذا لفترة طويلة. كانت معي هذه اليد العاجزة التي لا يمكنها هزيمة جانحٍ واحد، ولا رفع درجات امتحاني، ولا جعلي شعبيًا لدى الفتيات.
ولكن على الرغم من ذلك، عندما تعرضت فتاةٌ ما للجرح بسببي... عندما قيل لي أنني سأعيق السِّحر الشافي وخرجت من الشقة... عندما تعرضتُ لضربٍ مُبرح من قبل تلك الساموراي التي تستخدم أسلاكًا في القتال...! لعنت حينها عجزي، لكني لا زلت آمل وأدعو أن أُنقِذَ هذه الفتاة الوحيدة!
ليس رغبةً مني أن أكون بطل القصة.
بل لامتلاكي يدًا يُمنى يمكنها كَسْر هذه القِصّة الظالمة نفسها!
كان على بُعد أربع أمتار.
يمكنني إنهاء كل شيء ما إن ألمسها مرة أخرى!
وهكذا، جرى كاميجو نحو الشقوق ونحو إندِكس المُنتظرة وراءها.
قبض يُمناه.
قبضها شديدًا ليُدَمِّر نهاية هذه القصة الظالمة – ليُدَمِّر حَلَقتها السرمدية.
وفي الوقت عينه، بِدَويٍّ عالي النبرة، توسعت الشقوق دفعة واحدة و"انفتحت".
بدا المنظر مؤلمًا كتمزق غشاء بكارة العذراء بقوة. انفتحت الشقوق العملاقة واسعًا بما يكفي لتصل إلى حواف الغرفة وظهر "الشيء" الموجود بداخلها للعيان.
مصحوبًا بصراخ مدوي، انبثق شعاعٌ من الضوء من أعماق الظلمة.
كان يشبه شعاع ليزر بقطر يبلغ حوالي متر واحد. ولم يتردد كاميجو في رفع يده اليمنى لحظة وصول الضوء الساخن الأبيض واصطدامه بيده الممزقة.
بدا صوت الاصطدام كقطعة لحم تنضغط على صفيحة معدنية ساخنة.
لكنه لم يتوجع. ما حسَّ بالسخونة. في لحظة اصطدام عمود الضوء بيده اليمنى، تبدَّد في كل مكان كما لو اِرتدَّ جريان مياه خرطوم الإطفاء بحائطٍ خفي.
ومع ذلك، لم يستطع كاميجو تفريق العمود الضوئي تمامًا.
تمامًا مثل ملك صَيْدِ السّاحِرات إنوكينتوس، بدا وكأن الضوء لا نهاية له. مهما محاه، استمر المزيد في القدوم. بدأت قدماه تتزحلق تدريجياً إلى الوراء عبر التاتامي، وشعرت يده اليمنى وكأنه ستطير بعيدًا عن جسده من شِدّة الضغط.
لا... ليس الأمر كذلك...!!
قُبَيل أن تنفصل يده اليمنى عن جسده، استدركها كاميجو فورًا ودعمها بيده اليسـرى، مُثبتاً معصمه. اندلع ألمٌ مذهل على كف يده اليمنى. قَطَّعَ السِّحْرُ جِلْدَه. عجزت قدرة يده اليمنى على المواكبة، وكان الشعاع يقترب تدريجيًا من كاميجو بمقدار ملّيمتر واحد في كل مرة.
ليست كتلةً هائلة وحسب...! كل جزيء من الضوء له خصائص مختلفة!!
ربما كانت إندكس تستخدم كل كتاب من كتب الـ 103,000 جريموار لتلقي 103,000 تعويذة في آنٍ واحد. ضَمَنَ كل مجلد على حدة مَوْتًا مُحققًا.
سَمِعَ ضجيجًا خارج باب الشقة.
تَوْهُم سمعوا...؟ ودخل الساحران أخيرًا لحظة إدراكهم بحدوث خطبٍ ما.
«اللعنة! ماذا تفعل؟! أما زلت مُعاند—؟!» بدأ ساحر اللهب والرونات يصرخ فيه، ولكن في وسطها، اختنق من التوتر كما لو لُكم في حنجرته. فقد وجهه كل الألوان عندما رأى عمود الضوء أمام عينيه ينبثق من إندِكس.
أما كانزاكي – حيث بدت مُتكبّرة وقوية ومتغطرسة من قبل – فكانزاكي بدت مذهولةً من المنظر.
«...ن-نَفَسُ التنين...؟ لا أُصدق. كيف لها استخدام السِّحر في المقام الأول؟!»
لم يلتفت كاميجو لينظر إليهما.
لم يكن خيارًا حتى، ولم يرغب في تجاهل الواقع – أو إندِكس – لفترة أطول.
«هَيي، ألديكما فكرة عن ما هذا؟!» صاح مُحدقًا مباشرة أمامه. «ما ذاك؟ وما يكون؟ وما ضعفه؟ اشرحا كل تفصيل الآن!!»
«...ولكن، لكن... ما...؟»
«يليل ترفعين ضغطي! ألا يمكنك القول فقط بالنظر؟! إندِكس تستخدم السِّحر، وبديهيًا يعني؛ كذبت الكنيسة عليكما!» غَضِبَ كاميجو بينما يُفتت شعاع الضوء. «نعم، صحيح! وكل ما يتعلق بـ "محو ذاكرة إندكس كل عام" كان كذبة كبيرة أيضًا! كان سحر الكنيسة هو من يضغط على عقلها، لذا إذا مسحنا ذلك الشيء، فلا داعي لمحو ذاكرتها بعد الآن!!»
استمرت قَدَمُ كاميجو في ترك الأرض تحت قدميه تدريجيًا.
ضاعف شعاع الضوء كثافته، حتى بغى أن يمزق أصابع قدميه التي كان يحفرها في حصير التاتامي.
«اهدأا! وفكرا منطقيًا! أتظنان حقًا أن الكنيسة ستُخبر الحمقى مثليكما بالحقيقة الكاملة من باب اللطف؟! إنهم هُم من أنشأوا طوق إندكس القذر هذا! واجها الواقع أمامكما، واسألا إندِكس إن لم تصدقا!!»
نظر الساحران إلى الفتاة التي وقفت وراء الشقوق.
‹«...لا تأثير مرئي لملاذ القديس جورج على المُعتدي. التبديل إلى تعويذةٍ بديلة. مواصلة المحاولة لتدمير المُعتدي لحفظ الطوق.»›
هذه كانت، بلا شك، إندِكس التي لم يعرفها الساحران.
هذه كانت، بلا شك، إندكس التي أبقتها الكنيسة مخفيةً عنهما.
«...»
للحظة واحدة، صرَّ ستيل أسنانه بقوة كاد أن يُحطِّمها.
«...فورتيس 931.»
ألقى آلاف البطاقات من جيوب ملابسه السوداء.
وتحولت البطاقات، المنحوتة بالرونات اللهبية، إلى إعصار غطى تمامًا الأرض والسقف والجدران في لحظة. كان تمامًا مثل هويتشي عديم الأذنين، الذي كانت تغطيه وتحميه وشومه.
ولكنها لم تكن لحماية كاميجو.
وضع ستيل يده على ظهر كاميجو، وعاونه... لينقذ إندِكس.
«لا أريد احتمالاتك الغامضة. لو مسحنا ذاكرتها، فعلى الأقل سننقذ حياتها للآن. سأقتل أي ومن يقف بيني وبين هذا الهدف. سأدمر أيَّ شيء يلزمني! لقد اتخذت هذا القرار منذ زمن بعيد!»
فجأة توقفت قدما كاميجو التي كانت تفقد تدريجيًا الأرض تحتها.
صدر صوت مزعج من تحت حصير التاتامي بضغطٍ هائل بينما حفر أصابع قدميه بعمق أكبر.
«للآن؟» لم يلتفت إلى الخلف. «لا، هذا هراء! هذا لا يهم! لا أحتاج منطقًا أو استدلال! أجبني فقط على هذا أيها السّاحِر!!»
أخذ نفسًا.
«...أتريد إنقاذ إندِكس؟!»
ابتلع الساحر.
«كنتما تنتظران ذلك، صحيح؟ لطريقةٍ لا تسلب فيها ذكرياتها – لطريقةٍ لا تلزم أن تكونا فيها أعداءً – أعظم نهاية سعيدة حيث يبتسم فيها الجميع!»
أصدر معصمه الأيمن صوتًا مزعجًا بينما كان يحتمل الضغط ليصد الشعاع.
لكن كاميجو لا يزال لا يمكنه الاستسلام.
«وددتُما هذا التحول الدرامي منذ زمن! لستما حواراتٍ جانبية تملأا بها الفراغ حتى ظهور البطل! لن أضيع الوقت حتى ظهور الشخصية الرئيسية! لا أحد غيركما، لا أحد إطلاقاً! ألم تقسما بأنكما ستنقذان هذه الفتاة بيديكما؟!»
وخرس الساحران وأكمل الفتى.
«رغبتما دائمًا في البطولة! رغبتما دائمًا في أن تصيرا أولئك السحرة الذين نراهم في الكتب والأفلام من يخاطرون بحياتهم لحماية فتاةٍ واحدة! هذا لم ينتهِ! ولم يبدأ بعد!! لا تفقدا الأمل فقط لطول المقدمة!!»
تصدّع ظفر سبابته اليُمنى وتدفق الدم الأحمر منها.
ومع ذلك لم يصمت فتى الثانوية.
«...إذا مدَّيت يدك لها، فستصل إليها! لذا فلنبدأها أيها السَّحرة!»
طَقْطَقَ صوتٌ غريب من خنصر كاميجو الأيمن.
اِلتَوَى خنصر يده اليمنى بزاوية غير طبيعية... وانكسر. وفي لحظتها، ضَرَبَهُ الشعاع القوي الذي لا يوصف.
انرمت يده اليمنى للخلف.
هبَّ شعاع الضوء بسرعة عظيمة نحو وجهه بشكل لا يمكن تصوره...
«... سالفار 000!!»
قبل أن يصيبه الشعاع، سمع كاميجو صوت كانزاكي.
لم تكن باليابانية. لم تكن بلغة يألفها. لكنه سمع شيئًا مشابهًا من قبل – مُسمى. كان ذلك عندما واجه ستيل أمام سكنه الطلابي. كان اسمًا قال ستيل أنه يجب على جميع السَّحرة نطقه عند استخدام السِّحر – المُسمّى السِّحري.
الكاتانا التي حملتها كانزاكي، بطول يقرب المترين، انقضت عبر الهواء. هجومها الناناسِن، أسلاكها المعدنية السبعة، اقتربت من إندِكس بسرعة تشق الصوت.
لكن هجومها لم يكن موجهًا نحو إندكس نفسها.
شظايا الأسلاك المعدنية السبعة مزقت حصير التاتامي الهزيل تحت قدمي إندِكس فجأة، مما أسقطها للوراء بلا أرضية. تحركت دائرتي السحر المُتمركزة أمام عيني إندكس أيضًا، مما جعل الشعاع الذي كان موجهًا نحو كاميجو يُفَوِّت هدفه.
طار الشعاع للأعلى كسيفٍ عملاق ممزقًا الحائط ثم السقف مُبقيًا لا شيء في طريقه. حتى الغيوم السوداء العائمة في السماء الليلية لم تسلم... وربما حتى قطعت قمرًا صناعيًا في المدار المنخفض حول الأرض.
ولم تبقى حتى شظية واحدة من كلِّ ما لَمَسَهُ الشُعاع.
بدلاً من شظايا، صارت الأجزاء التي لمست الشعاع ريشًا من الضوء، بيضاء ونقية كالشعاع نفسه. كانت تتطاير في الهواء. وبضعًا من تلك الريش ذو تأثيراتٍ مجهولة كانت ترفرف ساقطة عبر ليلة الصيف كالثلوج.
«هذا كمثل نَفَسِ التنين... إنه نفس الهجوم الذي استخدمه التنين الأسطوري للقديس جورج! مهما بَلِغت من قوّة، احذر رجاء من أن تلمس جسدك!»
بعد نجاته من معضلة شعاع الضوء، سمع كاميجو كلام كانزاكي وهو ينطلق نحو إندكس التي سقطت الآن على الأرض.
وقبل أن يصل إليها، تحرّك رأسها.
بدأ الشعاع الذي قطع ثقبًا في السماء يتأرجح للأسفل ساقطًا.
سيُصيبني مُجددًا!
«...إنوكينتوس!»
وأثناء استعداد كاميجو للضربة، تشكلت دوامة من اللهب أمامه.
أخذت النار العظيمة شكل إنسان ونشرت ذراعيها لتقف درعًا حاجبًا للضوء.
بدا مثل صليب يحمي شخصًا من الخطيئة.
«انطلق أيها الإسبر!» سَمِعَ صوت ستيل. «حدّها الزمني قد انتهى! لو ستحاول شيئًا، فلا تهدر لحظة!!»
لم يُجِب كاميجو. ولم ينظر للخلف.
بدلاً من ذلك جرى نحو إندكس مُتجاوزًا اللهب والضوء المتصارعين – لأن ستيل أراد ذلك. سَمِعَ كلماته، وعَلِم معناها، وفَهِم كل الأحاسيس التي حَمَلَتها.
جرى كاميجو.
جرى منطلقًا!!
‹«...تحذير. قراءة الفصل السادس، البيت الثالث عشـر. تأكيد أعداءٍ جُدُد. تعديل عمليات القتال. بدء مسح ساحة المعركة ... اكتمل. الأولوية لتدمير الجندي الأكثر خطورة على الفور: كاميجو توما.»›
هبط رأس إندكس، وتبعه شعاع الضوء مع انفجار صاخب.
ومع ذلك في نفس الوقت، اقترب ملك صَيْدِ الساحرات ليحجب طريق كاميجو. التقى الضوء واللهب معًا، وكلٌّ منهما يكرر دورة الدمار والبعث الأبدية.
ركض كاميجو مباشرة نحو إندِكس التي صارت الآن بلا دفاع.
أربعة أمتار أخرى.
ثلاثة أمتار أخرى.
متران أخران!
متر واحد بعد!!
«لاااا! فوقك يا فتى!» صدح صوت كانزاكي قاطعًا الفوضى في الوقت الذي كان فيه كاميجو على وشك أن يمد يده ليلمس دائرتي السحر أمام إندِكس. نظر إلى السقف دون أن يتوقف عن خطواته.
ريش الضوء.
عشرات الريش المتلألئة والبراقة التي خُلقت عندما دمر شعاع إندِكس الجدار والسقف. تساقطت عبر الهواء كالثلوج وكانت على وشك أن تضرب رأسه.
كان كاميجو جاهلًا عن السِّحر كثير، ولكنه فَهِم الوضع. لو لمسته احدى تلك الأشياء، فسيكون في ورطةٍ كبيرة.
كما كان يعلم أنه إذا استخدم يده اليمنى، فقد تُلغيها بسهولة.
ومع ذلك...
‹«... تحذير. قراءة الفصل الثاني والعشـرون، البيت الأوّل. لقد نجح تحليل تعويذة اللهب السحرية وتبيَّن أنها صورة مُشَوَّهة للصليب مُنشئة بالرّونات. بناء تعويذة مضادة لمكافحة الصليب... التعويذة الأولى، التعويذة الثانية، التعويذة الثالثة. عشرون ثانية حتى اكتمال تنشيط [إلي إلي لِما ساباكتاني].»›
تغيَّر لون الشعاع الضوئي من الأبيض النقي إلى القرمزي الدموي.
بدأت سرعة إحياء إنوكينتوس في التراجع. وشيئًا فشيئًا يُدفَعُ من الضوء وراءً.
كان التعامل مع عشرات الريش المتلألئة بيده اليمنى واحدة تلو الأخرى ليأخذ وقتًا طويلاً. وقد تتعافى إندِكس من وضعها وتهجم، وعلم كاميجو أن صمود ملك صيد الساحرات لن يدوم طويلاً.
فوقه طفت عشرات الريش الساطعة.
وعند قدميه كانت فتاةٌ وحيدة عانت من انتهاك مشاعرها والتلاعب بجسدها كالدمية.
السؤال الوحيد كان من سيُنقَذ، ومن سيَسقُط؟ كان جوابها بسيط.
بالطبع كانت إجابةً محسومة.
كاميجو توما لم يستخدم يده اليمنى لحماية نفسه خلال كل هذه المعارك.
قاتل السَّحرة طوال الوقت ليحمي هذه الفتاة الواحدة.
يا إله، إذا كان هذا العالم، وهذه الحكاية، تُسَيَّر حسب نظامٍ خلقته...
فتح أصابع يده اليمنى.
مدّها مستقيمة حتى بدا على وشك أن يصفع خمسًا. [5]
...إذن سأكسر هذا الوهم أولًا!!
وبعد ذلك أسقط يده اليمنى.
بالشقوق السوداء ومع دائرتي السحر التي خلقتها، قطعت يد كاميجو اليمنى من خلالها بسلاسة.
قطعها بسهولة حتى ابتغى الضحك لما مرّ فيه ليصل إلى هنا.
قطعها بسهولة كما لو كانت أضعف من شباك الورق المستخدمة لصيد الأسمك الذهبية في المهرجانات اليابانية.
‹«...تحذير... قراءة... الفصل النهائي، البيت... صفر... الطوق... تعرض ل... ضرر حيوي... التجديد... مستحيل...»›
فجأة، تلاشى صوت إندِكس تمامًا.
اختفى شعاع الضوء كذلك، ومعه دائرتي السحر، وبدأت الشقوق التي تمتد في جميع أنحاء الغرفة تنكمش كما لو كانت تُمسح بممحاة قلم رصاص...
في تلك اللحظة، هبطت إحدى الريش الخفيفة على رأس كاميجو.
ظن للحظة أنه سمع أحدًا ما يصرخ.
لم يعرف ما إذا كان ستيل أم كانزاكي أم حتى نفسه، أو ربما إندِكس. ربما استيقظت.
خارت القوة جسده كاملاً حتى أطراف أصابعه، من ضربة ريشٍ واحدة، كما لو انضرب بمطرقة معدنية في رأسه.
انهار كاميجو فوق إندِكس الغائبة على الأرض...
...كما لو كان يغطيها من الريش المتوهجة الماطرة عليهما.
كمثل تراكم الثلج تمامًا، هبطت عشرات الريش المضاءة لتغطي جسم كاميجو.
ولا يزال الفتى ضاحكًا.
ضحك ولم يُحرك أطراف أصابعه مرة أخرى.
في تلك الليلة...
...كاميجو توما قد "مات".
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)