-->

المقدمة: أيامٌ كالمعتاد. — بداية _ النهاية.

(إعدادات القراءة)

يقولون إنه يمكنك معرفة شخصية المرء بالنظر إلى رف كتبهم.

«...ما أرىٰ فيها إلا كتب المانجا...»

كنا في الثامن من أغسطس، ولم يرَ كاميجو توما سوىٰ دستةً من المانجات في رف كتبه دونًا عن أي مكان آخر في الغرفة. ومن باب المظاهر، قرّر أن يخرج إلى محطة المدينة الأكاديمية ليشتري كُتَيّباً دراسي.

...أو هذا ما نواهُ على أيّ حال.

«يا رجل، ما حسبته سيكلفني 3,600 ين ...،» تذمّر كاميجو لنفسه كجُنّديٍّ مُكافحٍ يمشي مُخَلِّفاً بقايا جيشه المهزوم. وكذلك أخبره البائع يوم أمس أنه سيُقام معرضٌ ما للدراسة استعدادًا للامتحانات الصيفية. وكانت مُذكرات الدراسة على ما يبدو تباع بنفس الثمن.

كان نحسًا حقّاً.

نحسًا لا يُصدق.

لسوء الحظ، كان هذا أمرًا اعتاده كاميجو توما. ففي آخر الأمر، كان رجلاً ممدوحًا لأولئك المنحوسين الذين سيبقونه قريب ليمتص الشؤم والنكد كله وكأنه مانع صواعق.

ولكن ما عساه يتوقف ويرجع بعد سيره كل هذا الطريق.

مهما كلفه، كان عليه أن يتخلص من بعض مانجاته الخيالية والتي قد تمثل عارًا عليه من رف الكتب. ليس بمعقول. ما عَلِم ما إذا كانت فكرة استنتاج شخصية المرء بالنظر إلى رف كتبهم مستندة إلى العلم أم الخرافة، ولكن الأشخاص العاديين لن يضعوا وزرًا كبيرًا على مثل هذه العبارة البسيطة.

إلا أنه كان لديه سبب جدي لإيلاء الأمر اهتمامًا كبيرًا.

كاميجو توما كان يعاني من فقدان الذاكرة.

ولكن ليس وكأنه كان جاهلًا بالمرة. ما كانت مواضيع عبور الطريق واستخدام الهاتف محلًا للربكة.

الشيء الوحيد الذي فقده هو ذاكرته. معرفته كانت لا تزال حيّة وسليمة.

حتى وإن كان يعرف كيفية استخدام الهاتف الخلوي، وَجَدَ نفسَهُ يتساءل عن أمور مثل: أين تركت هاتفي؟ ومتى سجّلت لآخذ هاتفًا أول مرة؟ هذه كانت ورطته.

ففِهْمُ امرءٍ كَمِثلِ قاموس.

على سبيل المثال، هو يعلم أن التفاح يأتي من الأشجار النفضية عارية الأغصان المزدهرة في الربيع. ولكنه لا يعرف ما إذا كانت لذيذة أم لا إلا إذا ذاقها فعلاً. هذا لأنه لا يملك ذاكرة صورية تخبره بشيء مثل "في يوم X من شهر X، أكلت تفاحة لذيذة."

مصدر ورطته أنه بينما كانت [ذاكرته الحَلَقية]، المسؤولة عن التجارب والخبرة، و[ذاكرته الدلالية]، التي تخزن المعلومات، يبدو أنها الأولى من تدمّرت وحدها. لكن دعونا نضع ذلك جانبًا للآن...

بغض النظر عن السبب، أراد كاميجو توما أن يعرف ما كانت طينتُه [1] قبل فقدان ذاكرته.

يَئَسَ حتى تشبث بفكرةٍ سخيفة بأن النظر إلى رف كتبه سيُعطيه تلك الرؤية.

ومع ذلك ما بدا مضطربًا أو كأنه على وشك الانهيار.

لم يُرمىٰ في وسط العالم وحيدًا ولم يُلقىٰ في دسيسةٍ [2] يُطارَدُ فيها. للآن، كان لديه ملبسٌ ومأكلٌ وسقفٌ فوق رأسه وصاحبة يُعتمد عليها.

«توما.»

وعندما عاد إلى المنزل تاركًا الطرق الصيفية مستعدًا للموت تعبًا من نفقاته غير المتوقعة، (وعمومًا، اعتبر أي شراء لا يلبي الحاجة بأكثر من ألف ين انتحارًا)، سَمِعها تتذمر.

اِلْتَفّ ليرىٰ، وبالفعل كانت هناك فتاةٌ واقفة تشزُرُه بوجهٍ متجعدٍ عابس.

بدت في سن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، ولوحِظَ في محياها فورًا أنها أجنبية: بشعرها الفضي الطويل الواصل حتى الخصر، ببشرتها البيضاء كبياض الثلج، وبعَيْنَيها عَيْنا الزمرد المُخضر. وعلى الأخص، أغرب ما فيها كان زيُّها. كانت تلبس لباسًا دينيًا خاصًا بالأخوات والراهبات في المسيحية. ومع ذلك، كان هذا الزي أبيض نقي مع تطريز ذهبي هنا وهناك. مثّل مظهرها بامتياز سمةً خاصة بفنجان الشاي البارز.

عَرَفَ الفتاة باسم إندِكس.

بالطبع ما كان هذا اسمها الحقيقي، ولكن يبدو أن كل الناس ينادونها بهذا الاسم.

كانا قد التقيا في المستشفى.

في الواقع، اِعتقد كاميجو أنهما تعرفا على بعضٍ في ذاك المستشفى، ولكن يبدو أنهما كانا يعرفان بعضهما قبل فقدان ذاكرته. مهما حاول وسعىٰ أن يتذكر الفتاة، لم يستطع استحضار أي شيء عنها. ولكنه ما كان ليكشف ذلك.

في اليوم الذي قابلها في تلك الغرفة في ذاك المستشفى...

وهو مستلقٍ على سريره، كانت تنظر إليه ببهجةٍ شديدة تكفي لتفجير دموعها.

تعبيرها الآن لم يكن مُوَجّهًا إلى كاميجو الحاضر في هذه اللحظة، بل كان إلى كاميجو ما قبل فقدان ذاكرته.

ما حَمَل نفسه وما قدر أن يكسر قلبها. ولأجل أن يحمي دفء قلبها، وَجَبَ عليه أن يستمر في تقديم دور "كاميجو توما" كما لو ما زال يمتلك ذكرياته.

كانت مشاعر معقدة.

أعطته انطباع بأن هناك اثنين من "كاميجو توما".

ولذا دون أن تلاحظ ما يفكر فيه كاميجو (فلو لاحظت لسببت مشاكل)، الفتاة ذات الاسم الكاذب، إندِكس، نظرت لأعلىٰ بعينين تعستين وهي أقل منه طولاً برأس.

«توما، ما كنا لنفعل بتلك ال 3,600 ين؟»

«...يا ويلك والخوض في ذلك حتى.»

«ماذا، كنا، لنفعل، بها؟» أصرّت.

كاد كاميجو أن يُعيد "يا ويلك والخوض في ذلك حتى!" بقوة أكبر قبل أن يسدّ أذنيه ويغلق عينيه هربًا من الواقع، عندما أدرك فجأة أنها لم تكن تنظر إليه.

«؟» تتبع مصدر جذب عينيها ليُلاحظ لافتة محل لبيع الآيس كريم، تدور وتدور.

...حسنًا، نحن في الثامن من أغسطس، نتجول تحت أشعة الشمس الحارقة في فترة ما بعد الظهر، أرىٰ سرابًا أسود شرير يتسرب من الأسفلت هنا وهناك، وإندِكس ترتدي أكمامًا طويلة، لكن...

«...فهمت، ولكن لا يمكنك بالمستحيل أن تأكلي مثلجات تسوى 3,600 ين. ما هو بالطبيعي.»

«ممغ.» رجعت إندِكس نظرها إلى كاميجو، مستاءة. «توما، لم أنطق بكلمة شكوى من الحر والتعب والإرهاق، صح؟ علاوة على ذلك، لا أتذكر أنني لمّحت أنني سأستخدم مالَ أحدٍ آخر، وختامًا، ما فكرت في تناول أي آيس كريم، ولا حتى قليلاً.»

«...طيّب، أعلم أنه غير مسموح لكِ بالكذب، لأنكِ راهبة، لذا توقفي عن النظر نحوي بهذه العينين الدمعة وكُلّكِ عرق. كان عليكِ حقًا أن تقولي أنكِ ترغبين في الذهاب إلى متجرٍ بهِ مُكَيّف وأن تتناولي مثلجات. إذا استمرّيت في ارتداء تلك العباءة الفاخرة المتعارضة مع هذا الموسم الجحيمي، فستنهارين.»

قدّم كاميجو توما هذا التأكيد وكأن لديه ما يكفيه من النقود للتبضع، لكن ذلك لم يُغيّر كمية المال في محفظته. حسنًا، شراء الآيس كريم وحده لن يكلف الكثير، ولكنه سيقلص تكلفة تذكرة القطار التي يحتاجونها للعودة إلى المنزل. كانت المدينة الأكاديمية كبيرة جدًا حتى أنها احتلت ثلثًا من طوكيو. ستكون الرحلة بعيدة جدًا لكاميجو، الذي كان لا يزال في مرحلة التعافي، وإندِكس، التي كانت فتاة. ربما يشعر بعضكم أن جزء "الفتاة" كان تمييزيًا، ولكن إذا استطاعت المشي مباشرة قاطعةً ثلث طوكيو تحت شمس الصيف الحارة المشتعلة دون أن يجفن لها رمش – حسنًا، لم يتماشىٰ ذلك تمامًا مع صورة كاميجو عن "الجاذبية الأنثوية".

في الوقت نفسه، كانت ابتسامة إندِكس تتعمق أكثر مع سخطها.

«توما، هذه الثياب هي تجسيد الحماية الربانية. ما كنتُ لأعتبرها أبدًا حارة ومُزعجة ولن تراني أشكو من أنهم لم يُمَيّزوا بين ملابس الصيف والشتاء وقت صنْعَتِها، تمام؟!»

...هه. الصدق واللطف هما شيئان مُختلفان كُلّيّاً، ها؟ وشيءٌ آخر، لماذا أرىٰ مجموعة من دبابيس السلامة تربط تلك العباءة السخيفة؟ فكّر كاميجو مُتأمِّلاً كرجلٍ بالغ.

«زيادة على ذلك، ومع هذه الثياب، فأنا لازلت مُتدرّبة. الكحول والتبغ بديهية لا داعي لذكرها، لكن كل الشهوات الأخرى كالقهوة والشاي والآيس كريم بنكهة الفواكه محظورة أيضًا.»

«ها. طيّب. حسبتُ أن التمتع بالآيس كريم في هذا الوقت سيُعطي شعورًا مُذهِلاً حقّاً وهو المعتاد تناوله في هذا الموسم مع هذا الحرارة الملتهبة...»

لن يستطيع المرء أن يقول أي شيء إذا أُخبِرَ بأن الأمر كان لأسبابٍ دينية.

نظر إلى لافتة محل الآيس كريم مرة أخيرة.

«إذن لا نشتري. لن أجبرك على—»

—ما تكرهين. كان على وشك الانتهاء عندما أمْسَكَت يَدٌ كتفيه بسرعةٍ فائقة. غير قادر على تجاهل قبضة أصابعها الشديدة، استدار كاميجو ليواجه إندِكس.

«إ-إنه صحيح، استنادًا إلى حقيقة أنني لا زلت مُتدرّبة، فإن الانغماس في أي نوع من الملذات ممنوع...»

«إذن لا يمكنكِ، صح؟»

«لكني ما زِلتُ مُتدرِّبة، لذا هناك ساعات سهلة وصعبة لأتصرف مثل قديسة مثالية! ولذا، هناك احتمالية في هذه الحالة –وإن كانت صغيرة– أن يُوضع الآيس كريم في فمي بالخطأ يا توما!»

«...»

كاد أن يجيب بِرَدٍّ جارح، لكن أصابعها حفرت في كتفيه بقوة أكبر. بدا أنها لا تريد منه أن يقول شيئًا. ولكن ما لم تدركه هو أن الصمت أحيانًا ما يكون أكثر إتعابًا للجميع من السماح برد فعل. دَلّ هذا على قِلة خبرتها.

حينها...

«كامي-يان؟ يا ولد أشوف عندكم سوالف، على الطاري، من ذي الصغيرة؟»

سمع صوتًا غريبًا، يتحدث بلكنة كانساي مزيفة.

عندما التفت، رأىٰ العجب: فتىً بَلَغَ طوله 180 سنتيمترًا، ذو شعرٍ أزرق وأقراط في أذنه. حسنًا، كان غير عادي، ولكن بين غرباء الأطوار، ستراه الأغرب.

هل كنتُ حقّاً صديقًا لهذا المعتوه قبل فقدان ذاكرتي؟ تساءل كاميجو. كانت ذاكرته المتعلقة بالناس قد مُحِيَت كاملًا، لذا ما مَلَك فكرة. على أي حال، ذوقك في الصحبة سيءٌ للغاية يا كاميجو توما! شتم نفسه وكأنه أحد مختلف.

«هيه؟ ما بك يا كامي-يان؟ طِرت عنا يا ولد؟ لا يكون أن حر جهنم هذا حرق ذكرياتك؟»

«ما––؟!»

تجمد كاميجو خوفاً، لكن أوغامي بيرس لوّح يده. «يا رجال، أضحك معاك~. قصص النسيان ذي ما تصيب إلا بنات الدِنبا أوتومي، صح؟» [3]

ألقىٰ أوغامي بيرس ذراعه حول كتف كاميجو (مما جعله يسخن أكثر). «إذن يا كامي-يان، صدق، من ذي؟ وين لقيت مثل هالطُفَيل الصغير؟ بنت عمّك...؟ لا، مستحيل، أبد مو معقول ذا الشعر الفضي يكون ممزوج بجينات مثل جينات كامي-يان.»

حسنًا، أظن أن إحدى سلبياته هي أن صوته عالٍ جدًا حتى يسمعه الجميع ولو كان يهمس، كما فكّر كاميجو.

كلمة "الطُفَيل" أقشعرته قليلاً. بتردد، فكّر فيما إذا كانت الفتاة بجانبه ستتفاعل فجائياً وتشتعل غضبًا من تلك العبارة... لكنها لم تبدو كذلك.

«...طيّب، دع حديثنا جِدّي الآن. أنت تريد أن تُعَلّم ذي الطفلة الضائعة المكان؟ لابد أنها تَعّبتك، وحتى أن درجاتك في الإنجليزية شينة لدرجة ما تسمح لك تغادر البلاد ...لحظة، هي جَت (جائت) من مكان يتكلمون فيها إنجليزي؟»

لم يعرف كاميجو حقًا، ولكن ربما كانت إندِكس مُعتادةً على أن يُطلَقَ عليها لقب "الصغيرة" وما شابهها. كانت تستمع نسبيًا بهدوء. وفي الواقع، كانت تحدق بالشمس التي ترمي بحرارتها المميتة عليهم. بدت مرهقة جدًا حتى ما رغبت في الحديث.

«...طيّب يا كامي-يان، ما أدري أين وجدتها، لكن مثل ما يقولون؛ من السابق لأوانه الاسترخاء! قصدي، كنا شلة من التافهين وما يحبنا أحد لستة عشر سنة حتى الحين. لا تقول لي أنك ما تعرف كمية التناقض الكبيرة الي وقعت فيها عند حدث "لقاء مع فتاة عادية"، أوكي؟ طالع، تلقاها في الكوميديات الرومانسية. ومن عناوينها تعرف: "التي أُعجبتُ بها في الواقع كانت امرأة متزوجة بوجهٍ طفولي! هاهاها، سحقنا أحلامك!" ذلك النوع من النهايات وغيرها، نفسها تنطبق هنا يا خوي!»

حسنًا، أشْوى [4] ما تحول الأمر إلى نهاية مُكررة كوميدية رومانسية، كما فكّر كاميجو مُتنهدًا مرتاحًا.

حينها أضاف أوغامي بيرس، «لا يكون أنها واحدة من تلك النهايات التي تنكشف فيها أنها صبي يرتدي ملابس فتاة؟ يعني، طالع فيها. إنها مسطحة تمامًا.»

ككك. حينها وفي تلك اللحظة، كاد كاميجو أن يقسم بأنه سمع دق الأوعية الدموية في رأس الفتاة بجنون.

«آآغغغ؟!‏» بلع صرخته بالكاد في منتصف حلْقِه. يبدو أنها تحملت أن يُشار إليها بال «صغيرة» أو «الطُفَيل»، ولكن ما تسامحت مع أحدٍ يخطئ في تصنيفها على أنها صبي. حافظت على ابتسامتها وطحنت أسنانها الخلفية بصوتٍ عال بما يكفي ليسمع من سمع.

يا لحظي السيّئ! أراد كاميجو أن يضع يديه على رأسه.

«ماذا؟ لكن يا كامي-يان، مستحيل لنا –الشلة الخاسرة التافهة والمكروهة– أن نلتقي بفتاة ثلاثية الأبعاد بالواقع! لذا أكيد فيه نهاية مجنونة تنتظرك! آآآهه، أشوف [5] مستقبلك وكله ظلام! هو المشهد الي انتظرته سنين، وأنت تُزيل آخر قطعة من ملابسها، ويدينك ترتعش. وفجأة! يلطمك الواقع وتطيح من فوق السرير وكُلّك دهشة! نعم، نعم، أشوف هذا المستقبل!»

«...تمزح صح؟ أنت فاهم كل شيء ومستوعب، ولهذا تمزح، صح؟»

«ها؟ هي حقّاً فتاة؟ يا للملل،» أجاب أوغامي بيرس، وأردف ولا تزال البسمة اللعوبة ترتديه. «إذن لقائكم ما كان عاديًا، همم؟ طالع يا كامي-يان، حتى ولو كنت من الشلة الخاسرة والتافهة والمكروهة، فما هو من حقك أن تخطف الفتيات الصغيرات، تدري؟ ما يقضي اليوم حتى ترَ بربريّتك مفضوحة ومنتشرة في كل مكان على النت!»

«ما... اخرس يا معتوه! سيكون هذا جنونًا!» في الواقع، لم يتذكر كيف التقاها. «ليست إلا عالة تعيش على فتات غيرها يا أنت! كل شيء مُتفقٌ عليه بشكلٍ متبادل بيننا، يا رقيب!»

«عالة تعيش على فتات غيرها؟ عالة تعيش على فتات غيرها؟! تجرأت ووصفت فتاة بأنها عالة تعيش على فتات غيرها، يا كامي-يان؟! ما أنت، طفل ابتدائية تعوّد على أكل الحلوى كثير حتى ما عاد يُقدّر قيمة الأرز؟!»

«اخرس وأرحنا! هي ليست إلا عالة، لذا طبعًا سأصفها بالعالة! لن ترىٰ أحدًا يرمي أحداثًا رومانسية عشوائية هنا وهناك! هل عندك أدنى فكرة عما صارت عليه محفظة آل كاميجو بسببها؟! يا ليت الزاشيكي واراشي من دخلوا منزلي بدلاً من–» وبعد ذلك، بعد أن صرخ 80 في المئة من ذلك بأعلى صوت لديه، أدرك فجأة شيئًا.

إندِكس، التي كانت جواره، سمعت الحوار كله.

«.............................................................................................................................أوه.»

نَظَرَ إليها والخوف يعتريه.

كانت تبتسم. كانت تشع بحرارة حتى بَدَتْ بسْمَتُها ترجِعُ لمريم العذراء نفسها. وأثناء ذلك، كانت الأوردة الزرقاء تبرز من صدغها.

ما بَشّر هذا بالخير. تساءل ما إذا امتلك توما القديم الموهبة لإسعاد إندِكس حتى عندما تكون هكذا. لأنه وإن كان، فقد ظنّ بجدية أنه فَقَدَ ذكرىٰ مهمة.

«توما»، قالت الفتاة، وقد رأىٰ فيها أكثر ابتسامة خدّاعةٍ على الإطلاق.

انتهىٰ أمري، فكّر. لكنه ردّ على أي حال. «ما الأمر، أيتها الأخت-ساما؟»

«أنا راهبة في الكنيسة البروتستانتية الإنجليزية (الأنجليكانية). إن كان عندك ما تتوب منه، فلا تتردد في إخباري الآن، حسنا؟»

رسمت الراهبة صليبًا أمام صدرها وثم شبّكت يديها.

كانت ابتسامتها مثالية، مما جعله يدرك أنها مزيفة.

أراد أن يضع يديه على رأسه.

إنها قنبلة. لا، بل مُعطلة؛ لم تنفجر بعد. إذا عبثت بها أكثر، ستنتهي قصتي هنا الآن! استنتج غريزيًا، وأكمل قطار أفكاره. ماذا أفعل، ماذا أفعل؟ أه، صح! مثلجات! مخرجي ومخلصي هنا سيكون بالآيس كريم ذي 3,600!

على قمة الذعر، أشار كاميجو بصورة متيبسة إلى الباب التلقائي في مدخل محل الآيس كريم، كما لو كان قد نسي كيف يتحدث. «مم؟» تتبعت إندِكس إصبعه، وهي حائرة، ثم توقفت فجأة. «همم...،» سمعها تتمتم.

تجنبتها...، فكّر كاميجو بارتياح. ثم في ارتياحه، رأىٰ شيئًا.

كانت ورقة معلقة على باب محل الآيس كريم.

هذا ما نقلته:

إلى زبائننا الأعزاء.

سنُغلق مؤقتًا للتجديدات. نعتذر بشدة على الإزعاج.

هئ. مع هاجسٍ بحلول "نهايةٍ سيئة"، التفت كاميجو ببطء إلى الفتاة جانبه.

تفتّت ابتسامتها على الفور.

لم يكن لديه حتى الوقت للصراخ "يا لحظي!" قبل أن تنقض عليه الفتاة الوحش إندِكس.



انتهوا بالاتفاق على طلب حليب مخفوق في إحدى المطاعم السريعة التي تبدو رخيصة.

بالطبع، لم تكن إندِكس راضية بذلك وحده. وهكذا، فكّر كاميجو في أن يقضوا وقتهم مُسترخين في مكان بهِ مُكيف هواء إرضاءً لها، ولكن...

...كان الوقت ظهرًا، وما وجدوا في المطعم مقاعد شاغرة.

«.............................................................................................................................................»

كانت صامتة تمامًا. في يديها كانت صينية، حملت عليها ثلاثة أكواب من الحليب المخفوق، واحدة فانيليا، واحدة شوكولاتة، وواحدة فراولة. أراد أن يسخر منها – "هل كنتِ فعلاً ترغبين في الآيس كريم لهذه الدرجة؟ – لكنه شَعَر يقينًا أكيدًا بأن ذلك سيعني هلاكه، لذا لم يستطع أن يلعب معها بلا حرص.

حقّاً يا لحظي.

وبمعها ثلاثة أكواب حليب مخفوقة كلها لنفسها، بدا مزاجها يتحسن تدريجيًا إلى حدٍّ ما، ولكن هذا لم يغيّر أنهم كانوا في فترة الظهر خلال عطلة الصيف، لذا كانت جميع المقاعد محجوزة. وأيضًا، أن تنتظر خروج أي أحدٍ في ذاك الحر الجحيمي الآن كانت خطة فاشلة. ما حَسِبَ أن أي أحدٍ سيفكر حتى في ترك واحته المنشودة طويلاً ليمشي مرة أخرى في طريق الصحراء تحت الشمس الحارقة.

بدأ يستمع إلى الثرثرة الكسولة لبعض فتيات المدرسة الثانوية، اللاتي كُنّ جاهلين تمامًا عن يأسه.


«يَو يَو، سؤال، هل تلك الشائعات حول استخدام أنزاي للتخاطر أثناء الامتحانات حقيقية؟»

«سمعت أن الهيئة التدريسية عقدوا اجتماعًا حول ذلك، وأن احتمالاتها هي عشرة إلى واحد بأنها حقيقية. لكن من الواضح أنهم اتفقوا جميعًا على أنه بما أن القوىٰ جُزءٌ من ما يُدرس في الصف، فإنه لن يُعتبر غشًا.»

«وييه. هذا الرخص أسميه-نياااه! لو علمت ذلك، لاستخدمت قدرتي وقت الاختبار، يو؟»

«...ألا تتخصصين في الحركية النارية أنتِ؟»

«بلىٰ، كنت لأشعل نارًا خلف الأستاذ وأهدده ليُخبرني بكل الإجابات، يَو!»


...قد لا يبدو هذا الحوار بأدنى قدر كثرثرة الناس العادية، لكن هذه هي الحياة في مدينة الأكاديمية. كانت منظمةً كبيرة لتطوير القدرات وإنشاء الأسابر (أصحاب القوىٰ)، حيث يوقِظُ كل ساكنٍ في المدينة البالغ عددهم 2.3 مليون فردًا على نوع ما من القدرة الخارقة للطبيعة داخلهم.

كان كاميجو واحدًا من أولئك. وكان يحمل يدًا تقتدر إلغاء أي قدراتٍ غير طبيعية، حتى المعجزات الإلهية، الإماجين بريكر.

«...توما، ودي لو نجلس ونستريح بأي وسيلة ممكنة،» كما أعلنت إندِكس. كان صوتها خاليًا تمامًا من المشاعر لسبب ما.

قد خاف – خاف من عيون الراهبة، التي أخبرت بأنها ستعضه إذا لم يستمع.

«حالاً!!» صرخ بهذا، مُتجهًا نحو موظف كان يكنس الأرضية.

«فهِمت. فما عليك إلا أن تشارك طاولة أحدٍ آخر، أليس كذلك؟»

بابتسامة عملية، وقاسية تقريبًا، أشار الموظف نحو زاوية قُرب النافذة.

أشارك طاولة؟ تتبع كاميجو نظرته إلى النقطة التي أشار إليها إصبع الموظف.

«أعع؟!»

على الرغم من كون المطعم مكتظًا كمحطة قطار في ساعات الذروة، إلا أنه وَجَدَ هناك طاولة لأربعة أفراد خاوية، كفوهة سوداء مفتوحة عريضة في حشد الناس.

وهناك...

...على الطاولة...

... وَجَدَ فتاةً عذراء الضريح. [6]

وجدها نائمة بوجهها على الطاولة.

انتشر شعرها الأسود الطويل كمجسات قنديل البحر مُخفيًا وجهها تمامًا.

ماذا...

ما هذا السيناريو بحق؟! صرخ كاميجو في نفسه.

كان أمرًا غريبًا. غريبًا للغاية. كان كشّاف سوء الحظ يرن في داخله: لا تتورط. فلو فعلت، فسيأتيك النحس أكيد. خسارتك لذكرياتك لا علاقة له بهذا.

كاميجو توما كان واحدًا منحوس، لكنه ما كان كريمًا كفاية ليقفز إلى الشقاء تلقائيًا.

أغلق عينيه مرةً وقرر في نفسه.

...تمام، لنعد إلى البيت. سأتحمل عضة إندِكس على أن أتورط في ذلك، عزم على نفسه بهذا. ولكن عندما التفت للخلف، ما وجد الاثنين الآخرين في أي مكان.

«...؟»

نظر حول المكان.

«...غيه!»

قد اقترح موظف مختلف على إندِكس مشاركة طاولة، وقد كانت فعلاً تجلس مباشرة قِبَلَ عذراء الضريح غير المألوفة. أما عندها حِسّ بالخطر؟ أم أنها تفعل الخير دون تفكير؟ لا يهمني حقًا، لكن بصراحة يا أوغامي بيرس، أريد أن أسأل، هل ذلك المزيج بين راهبة أجنبية وعذراء ضريح كافية لجعل عينيك تتلألأ هكذا؟

أراد الهروب.

ولكنه ما قَدِر. إذا تخلىٰ عن إندِكس هنا، فسوف تقتله وتأكله كاللبْوَة، وكان محظورًا وخطير ترك أوغامي بيرس ذو العينين المتلألأة مع الفتاتين.

ولكن قبل كل شيء...

وهي تشرب من حليبها المخفوق بالفراولة، كانت إندِكس تلمحه بتعبير سعيد بشكلٍ رائع. من ناحية، يبدو أن هذا الوجه هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنني تدميره بالتأكيد، كما فكّر كاميجو.

ومع ذلك، لا تزال عذراء ضريح مجهولة الهوية نائمة على الطاولة.

عندما اقترب كاميجو بخوف، ارتعشت كتفي العذراء.

«أا...»

تحركت شفتيها. تحركت شفاه العذراء. أصاب كاميجو شعورٌ سيئ بشأن هذا. اعترىٰ كاميجو احساسٌ مُنفر للغاية فيها. أتساءل لماذا؟ بصفته فاقدًا للذاكرة، ما كان ينبغي أن يكون لديه أي ذكريات لأي شيء قبل حادثته، ولكن لسبب ما، لم يستطع منع نفسه من الشعور بأن هذا لم يكن أول مرة يحدث فيها مثل هذا الشيء.

ابتلع بصوت يُسمع وانتظر حديث العذراء.

وقالت.

«شبعت.»

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)