-->

الفصل الأول: حِصْنُ الزُّجَــٰاج. — بُرْجُ _ بــٰابِل.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

الجزء 1

كانت غرفةً عديمة النوافذ.

ما كان بها أبواب، ولا سلالم، ولا مصاعد أو ممرات. هذا "المبنى"—الذي لم يخدم أيًا من وظائف المباني—كان حِصنًا منيعًا، لا يمكن الوصول إليه إلا بقدرة انتقالية من إسبرٍ ذو مستوى رابع.

كانت هذه القلعة الحسابية أمْتَنَ وأقوىٰ من ملجأٍ نووي. وداخلها وقف ساحِرٌ وحيد.

كان اسمه ستَيْل ماغنوس.

ستيل كان خبيرًا في السِّحر الناري ومتخصصًا في السِّحر الرّوني وكان قِسّيساً في البروتستانتية الإنجليزية (الأنجليكانية). في سنّهِ الرابعة عشرة فقط، كان استثناءً بين الاستثناءات؛ وخبيرًا في سحر قتل السَّحرة.

عادةً، ما كان يجب أن يكون هنا.

ليس هنا في هذا المبنى، بل هنا في مدينة العلوم. كان عضوًا في منظمة السِّحر النِسَسِريوس، كنيسة الشرور الضرورية والأبرشية الصفرية التابعة للأنجليكان. في الوقت الحالي، كان داخل حدود المدينة الأكاديمية نقيض السِّحر، وهي مصنع لإنتاج الأسابر بالجُملة [1] عبر الأدوية والتحفيز البيولوجي والتعلم أثناء النوم.

كان وجوده هنا غريبًا عجيب كأنه بطاقة تاروت مُقحمة في دستة بطاقات البوكر.

ولكنه حَمَلَ سببًا لوجوده في هذا المكان الذي ما وَجَبَ أن يكون فيه.

كان حاضرًا مُمَثلًا للبروتستانتية الإنجليزية، وهدفه أن يُجري حوارًا مع بَشَرِ المدينة الأكاديمية، الذين اختلفوا معهم في المبادئ والمواقف. ومع ذلك، بالنظر إلى أنه كان يُمثل منظمة، كانت شخصيته تمتلك عيبًا صارخًا.

لم يكن رجلًا يتردد في قتل الآخرين.

لم يكن ليجفن على منظر إحراق كائنٍ حي.

«...»

رغم ذلك، لم يكن ليعتاد أبدًا على المشهد قِبَلَ عينيه، مهما شهدها من مرات.

في هذه الغرفة، الواسعة جدًا لدرجة لا يمكن وصفها بأنها داخلية، ما رأىٰ فيها مصادر للضوء. ومع ذلك، وجدها مغمورة بأضواءٍ عديدة كالنجوم. رأىٰ الجدران الأربعة مغطاة تمامًا بعدد لا يحصى من الشاشات والأزرار وغيرها من الأشياء، كُلٌّ منها يضيء وينطفئ. من الآلاف من الآلات المختلفة ذات الأحجام المختلفة كانت تخرج عشرات الآلاف من الأسلاك والكابلات والأنابيب كلها ممتدة عبر الأرض كالشرايين واجتمعت في المنطقة الوسطى من الغرفة.

في وسط كل شيء رأىٰ هناك أسطوانة عملاقة.

بلغ قطرها أربعة أمتار، وزاد ارتفاعها لأكثر من عشرة أمتار، انصنعت الحاوية الأسطوانية من الزجاج المقوىٰ وامتلئت بسائِلٍ أحمر. رغم أنه قد فُسِّرَ لون السائل لستيل سابقًا بأنه محلولٌ قَلَويٌّ ضعيف، إلا أن المفاهيم العلمية كانت بعيدة عن مجاله السّٰاحر.

إنسانٌ يرتدي ملابس جراحية خضراء كان يطفو مقلوبًا داخل الأسطوانة.

كانت كلمة "إنسان" هي أقرب وربما الوحيدة لوصف هذا الكيان. بدا هذا الإنسان ذكوريًا وأنثويا، هَرِمًا وصغيرا، قديسًا وآثما في الوقت نفسه.

أكان هذا "الإنسان" تراكبًا لكل الإمكانات البشرية، أم أنه تخلىٰ عنها جميعًا؟

أيًا كان الحال، ما كان في المعجم كلمة تصف هذا الكيان إلا بالإنسان.

«كل رجل وامرأة أتوا إلى هنا كانت لهم نفس ردة الفعل عند رؤيتي—» بدأ "الإنسان" المغمور في الأسطوانة حديثه، بصوتٍ يُسمع كذكوري وأنثوي، كهرمٍ وصغير، كقديسٍ وأثيم.

«لكن ما من داعي حقًا أن يُتعب البشر أنفسهم بما تستطيع الآلات القيام به».

كان هذا ملخصًا لشخصيته.

يمكن للمرء أن يُعَوِّض عن جميع أنشطته البيولوجية باستخدام الآلات. لذلك، لم يكن هناك معنى أن تقوم بهذه الأشياء بنفسك. كان أقصى إمكانات البشر، بمتوسط عُمرٍ متوقع يبلغ الـ 1700 عام، يحدق في وجه ستَيْل.

كان ستَيْل مَرعوبًا.

لم يكن خائفًا من قوة المدينة الأكاديمية العلمية وكيف استطاعت أن تحل محل جميع الوظائف البيولوجية البشرية بالآلات. لا، ما جعله يرتعد هو وجهة نظر هذا الإنسان—عَزْمُه، ألا يتردد في التخلي عن جسده وإعطاء حياته رهنًا للآلات فقط لأنه ممكن.

إنسان...

...فِكرة إنسانٍ مُشوّهٌ إلى هذا الحد هي ما زرعت فيه الرّهبة.

«أظنك تدري سبب استدعائي لك هنا—» أكد رئيس مجلس إدارة المدينة الأكاديمية، "الإنسان" الذي يُدعىٰ أليستر، بينما كان يطفو رأسًا على عقب، «—لكن الأمور باتت مزعجة».

تجهم ستيل عند ذلك. ما تخيل أن الإنسان قِبَلَهُ سيشتكي من شيءٍ "مزعج".

«هل تشير إلى ديب بلود؟»

عادة ما كان يتجنب التحدث بنبرة رسمية، ولكن الأمور كانت مختلفة هنا.

لم يكن يفعل ذلك بسبب منصبه ممثلًا للكنيسة. بل لأنه كان يعلم أنه إذا أَحَسَّ أليستر بأي عداءٍ ولو للحظة، فإنه سيمزقه إربًا قبل أن يجفن حتى. ما هَمّ ما إذا كان ستيل نفسُهُ يحمل عداءً أم لا. أيٌّ سوءِ فهمٍ أو تفسير خاطئ من جانب أليستر يُمكِن أن يُكلف ستيل حياته.

لأن هذه كانت قاعدة العدو...

...وهذا كان مكانًا يتحكم في 2.3 مليون فرد بقدراتٍ خاصّة.

«هممم.» راقب أليستر ستَيْل المرتعش. «إن كانت تتعلق بإسبرٍ، فلن تكون هناك مشكلة. كان أحد الأسابر في الأصل تحت ولايتي. إذا وقعت حادثة في هذه المدينة، وبواسطة أحد سكانها، ففي جعبتي 70,632 طريقة اسْتَخدِمُها لحلّها أو تغطيتها، ولكن—»

«...». ما كان لستيل أي أفكار خاصة في هذا الشأن. وما اهتم بماهية الضمانات التي وضعتها المدينة الأكاديمية، ولا كان سيفهم هذا العالم العلمي لو شرحوه له على أي حال.

«—المشكلة تكمن في أن أحد سحرتكم تورط في حادثة وَجَبَ أن يبتعد عنها».

لذلك، ركز ستيل أفكاره على هذه النقطة الوحيدة.

قاتل مصاصي الدماء، ديب بلود. عرف أن الاسم ليس من بنك معلومات المدينة الأكاديمية، بل من أرشيف مكتبة بريطانيا. كما أشار الاسم، قيل أنها قوةٌ تقتل مخلوقًا مُعَيّناً كان وجوده ذاته مشكوكًا فيه. كانت تفاصيل القدرة وصحتها غير معروفة. على أي حال، قد سمع فقط أن هناك شابّة تُدعىٰ ديب بلود.

كانت الفتاة التي تمتلك هذه القدرة مسجونة حاليًا عند ساحر.

كانت تلك المعلومة الوحيدة التي تُجَسِّد الحادثة.

«هممم. كونهم من خارج هذه المدينة يُعَقّدُ الحكاية قليلاً»، أوضح أليستر، ولا يزال مقلوبًا. «ليس وكأن الأمر صعبًا على مدينة بقوة أكثر من 2.3 مليون إسبر سحق ساحرٍ أو اثنين. المشكلة تكمن في مكان آخر: تتعلق بقتلنا لأحدٍ مِنكُم.»

كُلٌّ من المدينة الأكاديمية ونِسِسَريوس يُسَيّطر على بحرٍ.

كانت الأمور كما هي عليه الآن لأن كُلّ منهما كان يُسيطر بالكامل على بَحْرِه: العلمي والغوامض. إذا كانت المدينة الأكاديمية مع إشرافها على ذوي القدرات الخاصة ستشكل تهديدًا على ساحرٍ مُعَيّن، فإن الجانب الذي ينتمي إليه السّٰاحر لن يتقبل ذلك بلطف.

كانت الوضعية شبيهة كثيرًا بطائرة مقدام سقطت خلف خطوط العدو. يمكن أن يسمح ذلك للجيش العدو بالحصول على معلوماتٍ عن تقنيتك.

«أظن أن هذا يعني أنه سيكون صعبًا عليك طلب تعزيزات»، قال ستيل بنبرة مَلولة.

يمكن أن تؤدي قوة مشتركة من الأسابر والسحرة إلى إشعال الصراع لنفس السبب. وقد تنشب نزاعات حول من سيقود الفريق، لأن أحد الجانبين قد يستولي بسهولة على تقنية الآخر تحت ذريعة معرفة قدراتهم القتالية.

أثار ذلك سؤالًا آخر. كان ستيل قد جاء إلى المدينة الأكاديمية منذ حوالي أسبوعين وقاتل أحدًا إسبرًا. عندما فكر في الأمر بهدوء، لماذا اسْتُثنِيَت تلك المعركة وتجوهلت؟ ربما كان في الأمر صفقة بين المدينة الأكاديمية والكنيسة ما كان على علمٍ بها. أو ربما تعاملت المدينة مع ذلك الشاب على أنه لا أهمية، نظرًا لأنه كان صفري المستوى.

لكن هذه الحالة كانت مختلفة.

الأسابر والسَّحرة كانوا المتورطون في هذا الاضطراب، وكلهم مَلَكوا قُوّةً كبيرة.

«فهمت—لهذا استَدعَيتُم استثناءً: أي أنا»، ردّ ستَيْل، محافظًا على تعبيره. قال هذا فقط لتأكيد الحقائق.

بعبارة أخرى، كان ستيل ماغنوس نفسه حالة خاصة هنا. ستكون هناك مشكلة إذا قُتِل ساحر بواسطة إسبر. ومع ذلك، لن تكون هناك مشكلة إذا تخلص ساحِرٌ من آخر. وعندما فكر في رؤسائه، عَرَفَ أنهم في الغالب أرادوا التعامل مع إحراجهم بقبول هذا الطلب. لن يوافقوا على أي شيء إلا إذا تعامل أحدٌ من الكنيسة مع السّٰاحر.

«الآن، إليك ما يجب اعتباره. نموذجًا مصغرًا لساحة المعركة.»

بواسطة نوع من الأجهزة، ظهرت صورة مباشرة فجأة أمامه في الظلام.

كان رسمًا هيكليًا يشبه السلك مصنوعًا بالحاسوب. عرض خريطةً مرسومة لمبنى عادي تمامًا، والذي سيكون ساحة المعركة هذه المرة.

كانت كلمات "مدرسة ميساوا التحضيرية" مكتوبة بخطٍ أنيق على حافة الرسم.

«لقد حللنا داخله باستخدام صور الأقمار الصناعية، إضافةً إلى مخططات البناء.» ما كان في صوت أليستر تأكيدٌ وثبات. «سواء كانت فيها أشراكٌ وفخاخ سحرية أم لا، ما تزال مجهولة. ففي النهاية هذا موضوعٌ خارج مجالي.»

«...»

«مدرسة ميساوا التحضيرية لها خلفية فريدة إلى حدٍّ ما.»

واستمر شرح أليستر كالتالي:

كانت المدينة الأكاديمية دائمًا مؤسسة تعليمية كبيرة تجمع مئات المدارس من جميع الأحجام في مكان واحد. من بين مناهجها، كانت تشمل برنامج "تطوير القدرات الخارقة" المرموقة.

كانت مدرسة ميساوا مدرسةً تحضيرية لها فروع في جميع أنحاء البلاد. السبب الأصلي لوجود فرع لها في المدينة الأكاديمية كان على الأرجح لكي تُستخدم باعتبارها جاسوسةً عملاقة تسرق تقنيات التعليم للمدينة.

للأسف، تعاملت مدرسة ميساوا بفتور مع تطوير القدرات وجيء تأثيرها بما دون المستوى. فيما يمكن أن يُشار إليه بـ "عبادة العلم"، فقد استُعبِدوا بفكرة أنهم "المُختارون" لأنهم الوحيدون الذين يعرفون عن تطوير القدرات.

في النهاية، بدأ فرعهم في المدينة الأكاديمية حتى في تجاهل أوامر مجموعة مدارس ميساوا وسارت في دربها الخاص. نتيجة لذلك، انتهىٰ بها الأمر إلى خطف الفتاة المسماة "ديب بلود" أسيرةً لهم وفقًا لـ "تعاليمهم".

«لكن لماذا حبست مدرسة ميساوا التحضيرية ديب بلود في سجنٍ؟ هل تحتوي عقيدتهم على هدف التضحية فداءً لذرية قابيل من أجل تحقيق الخلود، كما فعلت بعض الطوائف في القرن السادس عشر؟»

«لا. لا للمدرسة ارتباطٌ خاص بديب بلود. أشتبه في أنهم كانوا سيفعلون نفس الشيء مع أي أحد ذو قدرة فريدة لا تتكرر.»

«..؟»

«يُصَنّف الطلاب في المدينة الأكاديمية حسب عاملين: قدرتهم الأكاديمية وقواهم الإسبرية. بسبب هذا، لابد أنهم اعتبروا أن الحصول على ديب بلود وإجراء الأبحاث عليها أمرٌ ذو مكسب. إذا أعلنوا أنهم يستطيعون إنتاج قدرة نادرة مذهلة بكميات كبيرة، فإن ذلك يمكن أن يجذب أصحاب المستوىٰ اثنين والمستوىٰ ثلاثة، فَهُم عادة ما يكونون ذو عقدة حول قدراتهم الأكثر شيوعًا... ولكن من المستحيل تغيير قدرة موقظة إلى قدرة أخرى، ولو زرعوا دماغاً.»

لكن ستيل وَجَدَ هذا غريبًا. لنفترض أن هناك إمكانية في هذه المدينة تمنح ذوي القدرات الأقل شيوعًا مكانةً اجتماعية أعلىٰ، هل سيؤمن أيُّ أحدٍ يعيش في مكان مليء بالعلوم وجود شيءٍ غامضٍ كذاك المخلوق المعني؟ ما صدّق ستيل هذا.

بينما كان يفكر في الأمر، أجابه أليستر عفويًا. «بأي حال، إذا كنت تعترف بقيمة ندرة القوة، فإن القصة تكون منطقية. هناك العديد من الأسابر الآخرين ذوو القدرات غير المعروفة، وليس أقلهم الإماجين بريكر، إضافة إلى الأسابر الذين لم تُتِح لهم الفرصة أبدًا لإظهار مدىٰ قدارتهم الحقيقية في القتال من هَوْلِ قوتهم.»

على كل حال، كانت الحكاية لتكون سهلة إذا كانت ديب بلود محتجزة وحسب. باعتبارها مسألةً داخلية لمدينة الأكاديمية، أمكنهم استخدام أي من الطرق الـ 70,632 التي ذكرها أليستر للتعامل مع القضية.

لم تكن هذه المشكلة.

قبل أن يتعاملوا مع الأمر، جاء ساحر من الخارج إلى مدرسة ميساوا بحثًا عن ديب بلود. وعلى الرغم من ذلك، لم يدمر المدرسة – بل استولىٰ عليها، وهو ما عقّد الأمور كثيرًا.

«...»

ظلّ ستيل يحدق بصمت في خريطة مبنى المدرسة.

لم يستطع تحديد مدىٰ التعديلات السحرية التي أُجرِيَت عليها. شعر بالتوتر يسري في عموده الفقري قليلاً. كان مثل هذا التوتر الذي شعر به عندما غاص عُميًا في موقف لا يمكنه التنبؤ به. وبينما كان هذا الإحساس مألوفًا له، إلا أنه لم يكن شعورًا جيدًا. كل ما عناه فقط أنها معركة حياة أو موت، صفر أو واحد، نتيجةً فردية.

ومع ذلك، كانت المدينة تملك قوة قتالية تقدر بـ 2.3 مليون إسبرًا. فكرة أنه سيكون وحده في مثل هذه المعركة كانت ممتعة قليلاً.

«لا، ليس حقًا»، طمأنه أليستر، وكأنه قرأ أفكاره. ربما كان هناك نوع من المعدات في الغرفة تُمَكّنه من اكتشاف نمط تفكير المرء. «لا تنسىٰ، في ولايتي واحدٌ من أسوأ أعدائك».

تصلب ستيل وابتلع ريقه.

الإماجين بريكر. كان هذا لقب الفتىٰ الذي اشتبك معه في معركة مميتة قبل أسبوعين. كان لقبًا فريد، أشار إلى شيءٍ يتجاوز حدود العقل السليم وربما تجاوز حتىٰ حدود الغرابة. أمكنه إلغاء أي قوةٍ غير طبيعية، من السحر والقدرات الخارقة إلى المعجزات الإلهية؛ كل ما كان عليه فعله هو لمسها بيده اليمنى.

«ألن تنشب مشكلة في استخدام إسبرٍ لهزيمة ساحر؟»

«ليست بالمعضلة،» ردّ أليستر، وكأنه قد أعد ما يقوله مسبقًا. «أولاً وقبل كل شيء، هو صفري المستوى وجاهِلٌ لا يحمل معلومات قيمة. لـن نخاف من تسرب معلوماتنا إليكم إذا تعاون مع ساحر».

«...»

«ثانيًا، ليس لديه ذكاء ليفهم تقنياتكم. لذلك، لن تتسرب أيٌّ من معلوماتكم إلينا بتعاونه مع ساحر أيضًا».

تلك الثعلبة... لأول مرة، شعر ستيل بعِداءٍ أمام أليستر.

لم يستطع تمييز نوايا هذا الإنسان. فهم من تجربة، حتى نخاع عظامه، أن الإماجين بريكر كان أبعد عن أن يكون سقيمًا.

بالطبع، لم تكن تلك القوة شيئًا يمكن أن يفهم ستيل آلياتها بنظرة واحدة. بالإضافة إلى ذلك، كان من المستحيل سرقة تلك التقنية والعودة بها إلى الكنيسة. لكنه كان يعتقد أن المدينة الأكاديمية كانت في نفس القارب مثله. حسنًا، أراد أن يصدق أنهم كانوا كذلك، لأنه إذا كان من الممكن إنتاج شيء مثل ذلك بكميات كبيرة، فإن الكنيسة ستجد نفسها في مأزق كبير. فهو يقتدر تحطيم الكنوز المقدسة التي عَمَرت الألف عام بلمسة واحدة بيُمناه.

كان الإماجين بريكر نادرًا وثمينًا للغاية، ومع ذلك تعامل معه أليستر بلا مبالاة.

كما لو أن أليستر يمنحه تجارب مختلفة، يصوغ رجلًا يسير في درب القديس.

كما لو أن أليستر يطرق الفولاذ الساخن بمطرقة ثقيلة، ليصنع منه سيفًا حقيقي.

«...»

وفوق كل شيء، أليس من المفترض أن تكون الكتب المئة وثلاثة آلاف جريموار بجانب الشاب مُحَرَّمة؟

كانت نوايا أليستر الحقيقية والمعلنة تتعارض مع بعضها البعض. كان ستيل يضمر شكوكًا عميقة في قلبه، لكنه لم يظهرها في وجهه.

اتخذ حذرًا ليمنع ذلك. ما أراد أن يصيب الفتاة أي نوع من المشاكل.

«...ديب بلود.»

تمتم ستيل مُزفراً. كان وجهه يشبه وجه عالم يبحث عن إجابة سؤال عجز عن العثور عليها. «ديب بلود. هل مثل هذا موجود أصلًا؟ إذا كان، فإن ذلك يعني أن—»

توقف ستيل، غير قادر على إكمال جملته.

ديب بلود، قاتل مصاصي الدماء... حقيقة أنها كانت تُسمىٰ بهذا الاسم تعني أن تلك الكائنات التي تقدر أن تقتلها لابد أن تكون موجودة. وإلا، فإن القدرة لن تكون منطقية. بمعنى آخر، الاعتراف بوجود ديب بلود يُثبت بحد ذاته حقيقة وجود تلك الكائنات المُعَيّنة.

«مم. الغوامض والغرائب مجالكم أكثر من مجالنا. ولكن يبدو لي أن حِسّك هذا عاجزٌ عن قبولهم.»

بالطبع لا، فكر ستيل وهو يهضم الأمر في ذهنه.

كانت المانا المستخدمة من قبل السحرة تعمل مثل البنزين. كانت فترة حياة المستخدم وقوة حياته هي النفط الخام الذي تُصنع منه، بينما كان تنفس المستخدم وتدفق دمه وتأمله هي ما يصقلها إلى مصدر وقود سهل الاستخدام، أي "البنزين".

لهذا السبب، لم يكن السّحرة قادرين بالمطلق. مهما تقدم المرء في ممارسته للسحر، كان لديه فقط كمية محدودة من "البنزين" ليعمل بها.

ومع ذلك، ما حَمَلت تلك الكائنات ذلك القيد.

لأن لتلك الكائنات خاصية غير معقولة تتمثل في الخلود، فيمكنها التفاخر بكمية لا نهائية من المانا – على الرغم من أن الموارد الكوكبية تبدو لا نهائية إلا أنها لا تزال محدودة.

ذرية قابيل – مصّاصو الدماء.

لم يكونوا أشياءً بسيطة من قصص الأطفال التي يمكن التعامل معها بصليب أو ضوء الشمس. يُمكن لواحِدٍ منهم أن يشكل تهديدًا للعالم كله يُماثل تهديد القنابل النووية.

«حسنًا.»

"الإنسان" المقلوب في الأسطوانة العملاقة نظر إلى ستيل بعدم اهتمام.

«هل تعرف لماذا توجد ما نسميهم قدراتٍ خارقة في المقام الأول؟»

«...لماذا؟»

لم يكن هناك من سبب ليُعَلّم ستيل، ولم يعتقد أن أليستر سيخبره الحقيقة. تقديم معلومات سرية لعدو يعني أنه سيتعين عليه التخلي عن كل أمل في مغادرة هذا المكان حيًا.

ومع ذلك...

«هُم ليسوا أكثر من ضباب في إدراك الفرد،» مُجيباً أليستر غير مبالٍ. «هل سمعت عن قصة قِطة شرودِنغر؟ حسنًا، إنها أكثر الحكايات قسوةً للحيوانات شهرةً في العالم.»

«...؟»

«سأجنبك التفاصيل، ولكن باختصار، تدل علىٰ أن طبيعة واقعنا تشوه نفسها لتتماشىٰ مع أفكار الراصِد. على الرغم من أن قوانين الفيزياء في المقاييس المجهرية والعيانية تتعارض مع بعضها البعض، إلا أنها ليست قاعدة عامة.»

هذا العالم يتكون من مجموعتين مختلفتين من قوانين الفيزياء – واحدة للأحجام المجهرية والأخرى للأحجام العيانية. أين ينتهي العالم "الصغير" وأين يبدأ العالم "الكبير"؟ أخبره أليستر أن هذه المشكلة كانت واحدة من الأشياء التي بحث فيها.

«...أجد صعوبة في فهم مقصدك.»

«ليس عليك أن تحاول. وإن فعلت، لقتلتُك هنا،» أجاب أليستر بدون اهتمام. «...مع إني نفسي لا أفهم ذلك حتى. وجود ديب بلود هو على الأرجح مجرد تفصيلٍ صغير، مثل القطة داخل الصندوق.»

أوضح أليستر أن المرء الإسبر كان كمثل قطعة من ورق عباد الشمس التي تُغيّر لونها. بدلاً من أن يكون سعيدًا بتغيير لون قطعة من ورق عباد الشمس الحمراء إلى زرقاء، كانوا يسألون: لماذا تغير اللون من الأساس، ما الذي يوكنه ويُحدثه، وهل يمكن التلاعب به؟ حتى مع وجود قوة 2.3 مليون إسبر تحت تصرفهم وولايتهم، ورغم أن ذلك قد يكون كافيًا لمواجهة العالم بأسره، فإن هذا الإنسان قد ادعىٰ أن كل ذلك مجرد وسيلة لتحقيق غاية.

اقشعر بدن ستيل.

"الإنسان" الذي كان قِبَلَه كان إنسانًا يؤكد أنه لا يوجد سبب يجعل الإنسان يفعل ما يمكن للآلة أن تفعله.

لكن ما هي الآلة بالضبط...

...وما هو الإنسان بالنسبة لهذا الكيان؟

«ومع ذلك...,» قال "الإنسان"، بمرأىٰ الذكر والأنثى، بمرأىٰ البالغ والطفل، وبمرأىٰ القديس والآثم، وبيّن وجهه كأنه يبتسم.

«حسنًا، إذن. إذا كان ديب بلود يُثبت وجود مصاصي الدماء، إذن أتساءل، ما الذي يثبته الإماجين بريكر؟»

الجزء 2

خارت من كاميجو الكلمات.

كان في منطقة عدم التدخين المزدحمة بالطابق الثاني من مطعم للوجبات السريعة، جالسًا على طاولة تتسع لأربعة أشخاص في الزاوية جِوار النافذة مع إندِكس وأوغامي.

طيّب، إلى هنا تمام.

«—شبعت.»

ولسبب ما، رأىٰ فتاةً عذراء ضريح مستلقية على الطاولة في هذا المكان المكتظ، علاوة على ذلك، قد رمت عليهم هذه الكلمات الغامضة...؟!

كانت عذراء الضريح في سِنّهِ تقريبًا. بملابس الكاهنات التقليدية الحمراء والبيضاء وبشعرها الأسود الواصل إلى خصرها، بدت وكأنها النموذج المثالي للكاهنة.

«...»

«...»

كان الجو غريبًا، كأنهم داخل مصعد. بينما كان كاميجو يفكر في ما يجب فعله بعد ذلك، أدرك فجأة أن إندِكس وأوغامي كانا يحدقان فيه معًا.

«...م-ماذا؟»

«...هيّا يا كامي-يان. تراها تكلمك، جاوب لها!»

«...صحيح، نعم. توما، من الخطأ الحكم على الكتاب من غلافه. "فإن يد الخلاص الإلهية تمتد لجميع البشر"، آمين.»

«...ماذا، لا! هذا سخيف! هذا وقت لعب حجر-ورق-مقص لحل المشكلة! انتظري يا إندِكس، افترضتِ خسارتي من بدايتها، أليس كذلك؟ ابعدي هذا الوجه الوديع واتلي دعائك!»

مع كل هذا، قرروا أن الخاسر في حجر-ورق-مقص سيكون الأضحية.

حجر، حجر... ومقص—وطبعًا كان كاميجو من خسر.

فهو كاميجو توما لا غيره من يعاني من سوء الحظ.

حَمَلَ مقصه في الهواء وحيدًا، ولا يزال مصدومًا. حاول أن يقول "ممم، عذرًا؟" لعذراء الضريح المستلقية على الطاولة. ارتعشت أكتافها، فقرر أن يبدأ بموضوع آمن.

«أه، أحم...ماذا قصدتي بأنك "شبعتِ"؟» أحسن لي أن ألتزم بمحادثة عادية. بما أن كاهنة قالتها، فلابد أنها تأمل في أن أحدًا سيسألها لماذا، أليس كذلك؟

«كان معي الكثير من القسائم المُخصّمة. الهمبرغر الواحد بخمسة وثمانين ين.»

«أوه.» من دون ذكرىٰ عنها، كان كاميجو جاهلاً بطعم الهمبرغر. ولكن كانت لديه المعرفة، وأوضحت له أنه طعامُ طوارئ مخصص لأولئك الذين يعانون نقصًا في الأموال وأنها أكلت قطعة مسطحة من اللحم والخس الذابل بالخبز.

«لذا فكرتُ في أن أطلب ثلاثين منها مقدمًا.»

«وفرتي أكثر من اللازم يا غبية.»

أجاب عفويًا. حينها، توقفت عذراء الضريح عن أي حركة. صمتها أعطاه إشارة إلى هالة كئيبة تنبعث من جسدها، وكأنها جُرحت بشدة من كلامه.

أه، ما كان لي قولها. أظنها أخذت الأمر على محمل الجد. يا للإحراج.

«أه، لا، ما قصدتُها هكذا. ما كنت أقوله هو "هذا غباء، لكن لماذا فعلتِ شيئًا كهذا؟" لكنّي حاولت أن أحرك الحديث بسلاسة، فانتهىٰ الأمر بأن أبدو وقحًا، وهذا، أحم، تعرفين، الوقاحة علامة المودة، وليس العداء بالتأكيد. وأيضًا، أحمم، إعلان خدمة المطعم: يُرجىٰ من عذراء الضريح وذو الشعر الأزرق أن يأتيا خارجًا لاحقاً، توقفا عن النظر إلي هكذا!!» انتهىٰ أمر كاميجو بالصراخ، غير قادرٍ على تحمل الصمت أكثر من ذلك.

«أكلتُ مَشاعِري.»

أعلنت ذلك فجأة، وهي متجمدة تمامًا.

«ماذا؟»

«أجرة العودة بالقطار. كانت أربعمِئة ين.»

ردّت الكاهنة وهي تتنهد. أجبر كاميجو نفسه على استيعاب كلماتها. على الرغم من أنه لم يتذكر أنه ركب قطارًا من قبل، إلا أنه كان يعرف أن أجرة القطار والحافلة في مدينة الأكاديمية باهظة.

«إذن، لماذا أنفقتِها على الهمبرغر وأنتِ في حاجة إلى أربعمِئة ين لقطار العودة؟»

«إجمالي ممتلكاتي. ثلاثمِئة ين.»

«...ممكن أن أسأل لماذا؟»

«...اشتريتُ أكثر مما ينبغي. ما خططت حسنًا.»

«...»

«لهذا أكلتُ بشراهة.»

ظهرت كلمة "غباء" في حلقه مرة أخرى، لكنه بالكاد كبتها.

بدلاً من ذلك، اختار كلماته بعناية.

«انتظري، لماذا لم تستخدمي الثلاثمئة ين لركوب القطار، ثم تمشين فقط باقي الدرب لمسافة تسوىٰ المِئة ين؟ وأيضًا، ألا يمكنك اقتراض المال من أحدٍ ما؟»

«...أوه، فكرة.»

«لماذا تنظرين إلي؟ إياكِ، لا تُوَجّهي عيون الأمل نحوي!!»

مٰالَ كاميجو إلى الخلف مذهولًا، كما لو كان يحاول أن يبتعد عن عذراء الضريح. ولزيادة الأمور سوءًا، كان قد أنفق 3600 ين على تلك المذكرة الدراسية (غير المفيدة). إضافة إلى ذلك، كان قد اشترىٰ ثلاث أكواب حليب مخفوق لإندِكس ليُرضيها. وبصراحة، انزعج من أن يُنفق أي مبلغ إضافي، وإن كانت مجرد مِئة ين.

لكن بعيدًا عن ذلك...

رفعت عذراء الضريح وجهها لتُظهِره أول مرة منذ وصولهم. وعلى عكس توقعاته، كانت جذابة للغاية.

كانت بشرتها بيضاء كاليابانيين، على نقيض بشرة إندِكس الأجنبية. شعرها وعيناها الداكنان جعلا بشرتها تبرز بشكلٍ أكبر. ظَهَر النَعَسُ في عيناها وبدت خاليتين من الطاقة، لكن في المقابل، ما شعر بأي عدوانية منها. بدت مفتوحة القلب غريبة، حتى أنه شعر بأن الاقتراب منها بأمانٍ كان ممكنًا.

ثم...

«..........................................................................................................................................»

...كانت إندِكس تحدق به بهدوء، و...

«مو معقول. [2] كامي-يان يحادث بنت...؟ يحادث بنت ما شافها من قبل! مو معقول!»

... كان أوغامي بيرس يرفع صوته مُشهِّراً فاضحًا.

«اخرس، يا عاشق اللوليات ثنائية الأبعاد أبو شعر أزرق! إعلان خدمة المطعم: من فضلكم انقلعوا إلى الصالة الرياضية لاحقًا! وبعد أنتِ يا عذراء الضريح، قومي ووفّري المئة ين اللازمة ثم اذهبي إلى بيتك! هذا كل شيء، انتهىٰ الإعلان!»

«ما هذا؟ كامي-يان، ما خلصت كلامي يا خوي! كنت واحد من شلة الخاسرين والتافين والمكروهين لستة عشر سنة، ولكن في أسبوعين، تعرفت على ناس عندهم خصائص قوية مثل ذي الراهبة والعذراء!! لا يكون أننا دخلنا في لعبة مواعدة بالغلط؟ سينسي؟!»

كان أوغامي بيرس مضطربًا ونصف باكي من شيءٍ ما، وكان كاميجو حقًا يريد أن يُخرسه بلكمةٍ قوية تُمحي أوهامه. لسوء الحظ، كان موقعه قطريًا عبر الطاولة، لذا كان بعيدًا جدًا. حظه العاثر حدّد حتى ترتيب الجلوس.

«مئة ين،» أعلنت العذراء. كانت تظهر تعبيرًا صعبًا كما لو كانت تقلق بشأن شيء، ثم رفعت وجهها. «لا؟»

«لا. لا أستطيع أن أقرضك ما ليس لي.»

«...» فكرت في هذا للحظة. «تشه، ما عندك حتى مِئة ين.»

«...أنتِ التي لا تملكين مئة ين حتى يا حمقاء» ردّ كاميجو بحُرقة.

«كامي-ياااان، كيف لك أن ترد عليها بهذه الرخوة؟ أنت واحد من الشلة نسيت؟! وقت ما تواجه جميلة مثل ذي، المفروض تكون متوتر ولا تقدر حتى أن تعطيها رد! ولأنك عضو في الشلة، هذا مصيرك!!» بدا أوغامي بيرس وكأنه يكافح ليخرج من أعماق الجحيم.

«جميلة...» جالَ نظر العذراء في الأرجاء، تُفكر في شيء. ثم أردفت، «مقابل هذا الجمال. أعطني مئة ين.»

«آه! كفىٰ منكِ أيتها المرأة الشريرة! السّٰاحِرة التي تبيع وجهها لبضع ينّات ما تُسمىٰ جميلة! وكذلك، أحبروني علىٰ شراء ثلاثة مشروبات بلا سببٍ جيد، لذا ما بقي لي أيُّ مال!»

«الحمد لله، كامي-يان! إلى الآن تحسب أن كل الجميلات عندهم قلوب طيّبة، أفهم من هذا أن طبيعتك ثنائية الأبعاد لا تزال حية، صح؟!»

«...لحظة يا توما. لو أنكِ ما اشتريت هذه المشروبات المثلجة، فكُنتَ لتعطيها مِئة ين بهذه السهولة... أهذا ما تقوله؟ همم.»

الأصوات التي أُطلِقَت من جميع الاتجاهات تقترب من الحد الأقصى لما يُمكن لدماغ كاميجو التعامل معه في نفس الوقت. يا ربي، من أين أبدأ حتى؟! فكّر بجنون مُحكِمًا رأسه. وكانت إندِكس، التي تمضغ قشة المشروب المثلج بعِداء، تُطلِقُ نظرةً معادية نحو العذراء.

«همف، من قماشكِ الهاكاما الأحمر، أرىٰ أنكِ تنتمين إلى النمط الأورابي. هل الكاهنات الأورابيات يستخدمن جمالهن للنجاة؟ تعلمين، أعتقد أن "عذراء الضريح" كانت تُعتبر مصطلحًا للدلالة على "العاهرة" خلال الفترة الهيانية.»

ما عسىٰ كاميجو إلا أن يتلعثم من سماع هذا. للآن، فكّر في أن عليه إخراس أوغامي بيرس. بدا ذاك الفتى متحمسًا مُبتهجًا؛ فعينيه كانتا بالكاد تصرخان، «أها هااهه، روعة! معركة بين راهبة غَربية وعذراء ضريح شَرقية!»

«لستُ عذراء ضريح.»

«ها؟»

توقف الجميع عند الطاولة ونظروا إلى الفتاة ذات الشعر الأسود. بدت وكأنها الصورة التي ستكون في الموسوعة تحت عنوان "عذراء الضريح".

«أمم، إذا ما كنتِ عذراء ضريح، فمن أنتِ وما هو عملكِ يا آنسة؟» سأل كاميجو، وكأنه قائد المجموعة بطريقة ما.

«أنا فتاةٌ سحرية.» [3]

«...........................................................................»

ساد الصمت في الطاولة. بدأ يسمع بث التلفاز في المطعم من أميال بعيدة. انتظر، ماذا؟ بدأ قطار أفكار كاميجو سَيْره. عندي فقدان للذاكرة، ولكن لسبب غريب ما، أشعر بأن هذا حدث من قبل. هذا ما أشعر به. ولكن لماذا ترتعش إندِكس بتلك الطريقة، هل هي على وشك الانفجار؟! صرخ في نفسه.

بام! ضَربت إندِكس الطاولة ببطن يدها.

قبل أن تسقط المشروبات المثلجة من على الصينية، طالبت قائلة: «ماذا تعنين بساحرة؟! قبالة؟! أخنوخ؟! التعاليم الهرمسية؟! رؤىٰ في عطارد أم فلكٌ جديد صنعتيه؟! قولكِ "فتاةٌ سحرية" (مٰاهُوُ شُوجُو) مبهمٌ للغاية! عرّفي عن نفسك وتخصصك ومدرستك ومُسماكِ السِّحري واسم منظمتك يا حمقاء!»

«؟؟؟»

«إذا لم تفهمي أيّ شيء من ذلك، فلا تطلقي على نفسك لقب السّٰاحرة! إضافة إلى ذلك، أنت عذراء ضريح بنمط أورابي، أليس كذلك؟ على الأقل قولي بأنكِ عالمة فلك ين ويانغ آسيوية أو شيء من هذا القبيل!»

«حسنًا. إذن أنا كذلك.»

«ماذا؟! أتسخرين مني؟!»

بام! بام! ضربت إندِكس الطاولة عدة مرات أخرى.

تنهد كاميجو وألقىٰ نظرهُ حوله. كان المطعم مزدحمًا بنشاط، لكن غضب إندِكس كان مبالغًا بعض الشيء. عليه أن يُهَدِّئها سريعًا.

«حسنًا، فهمنا، عذراء الضريح هي في فتاة سحرية. فهمنا، لذا اهدئي لحظـ—»

«ما—؟! توما، كنت تتصرف بطريقة مختلفة تمامًا معي!»

نظرت إندِكس إليه كأنها على وشك أن تعض رأسه. للأسف، بدون أي ذكريات، لم يستطع أن يتذكر ما حدث في ماضيه. لا يمكنه فقط أن يقول إنه لا يتذكره، حتى لو كانت مخطئة.

«قالت ذلك بنفسها، فلِمَ الجدال؟ حقا. هي لم تؤذي أحدًا، ولا تحاول خداعنا، لذا اتركيها وشأنها.»

(«...أغ. لكنك أنتِ الذي جادلت إلى حد خلع ملابسي لتُثبت أنني مخطئة.»)

«ها؟»

«لا شيء! ما قلت شيء، ولا أفكر في أي شيء!»

في البداية، تساءل إذا كان أحد الموظفين قد قرر أخيرًا التوجه ليمنحهم البطاقة الحمراء ويطردهم من الضجة التي أحدثوها.

ها؟... الناس؟

في اللحظة التي شك فيها، أدرك أخيرًا أن حوالي عشرة أشخاص قد احاطوا محيط طاولتهم.

«...»

كيف لمْ أرهم حتى الآن؟! تساءل في ذهول.

على الرغم من وجود عشرة أشخاص يحدقون فيهم بانتباه قريب كما تقف النادلة لتأخذ الطلبات، متجمعين حول طاولتهم الواحدة، ما استطاع أن يلاحظ وجودهم.

و...

حتى الآن، رأىٰ أنه ولا واحد من عملاء هذا المطعم المزدحم لاحظ أن هناك خطبًا ما.

بعبارة أخرى، كانوا قد أخفوا وجودهم بهذا القدر، كالقتلة.

«...»

ارتدوا جميعًا نفس البدلة، وكانوا رجالًا في عقدهم الثاني أو الثالث.

افتقروا للفردية حتى تكاد لا تميز بين وجوههم أو أسماؤهم في محطة القطار في ساعات الذروة. ومع ذلك، كانت أعينهم بلا عاطفة. وبدلاً من ذلك، جعل نقصهم الكامل للفردانية يُبديهم وكأنه من المستحيل عليهم الانغماس بالخلفية هكذا.

عيونهم تفتقر... للعاطفة؟ فكّر كاميجو وكاد أن يُقسم أنه رأىٰ هذا من قبل. عاد بنظره إلى الطاولة...

وإلى عذراء الضريح أمامه، التي لم يعرف حتى اسمها.

كانت محاطة بالكاد بعشرة أشخاص، وكذلك، كانت عيناها بدون عاطفة.

«مِئة ين» قالت.

قامت من مقعدها بدون صوت. لم تبدو وكأنها في حالة تأهب ضدهم. في الواقع، بَيّنت منظر شخصٍ ينتظر وصول آخر.

أخذ أحدهم خطوة للخلف ليفسح الطريق للعذراء. أخذ أحدهم عملة مئة ين من كف يده وسلمه لها، بصمت وأمانة.

«إيه، أمم، ماذا؟ هل تعرفين هؤلاء؟»

سأل كاميجو مُحتارًا.

«...» جالَ نظر عذراء الضريح للحظة، كما لو كانت تفكر في كلماتها التالية.

«نعم. هُم أساتذتي التحضيريين.»

كان جوابها مفاجئًا وبدون قلق.

سارت في الممر واتجهت نحو السلالم المؤدية إلى الطابق الأول. تبعها الرجال، ظلالها وحراسها، بدون صوت أو ضجة.

بدأت أصوات ضجيج الناس المألوفة وموسيقى التلفاز من بعيد تظهر على مسمع كاميجو، تدريجيًا.

ما إن ذهبوا بعيدًا عن العيان، تحدث أوغامي أخيرًا.

«لكن لماذا يراقبونها الأساتذه؟ ترَ ما هي في الابتدائية.»

الجزء 3

كان شُعاع الصيف المسائي يُلامسهم.

تفسَّح كاميجو ومن معه بعض الوقت ليتسلوا وليتعبوا أنفسهم حتى ينسوا كل شيء عن عذراء الضريح الغامضة والرجال ذوو البدلات. ثم قرروا كالأطفال الصغار العودة إلى المنزل عند الخامسة.

«مع السلامة!» مُوَدِّعاً أوغامي بيرس وهو يُلوّح بيده في الهواء لهم – حقًا كالطفل الصغير – قبل أن يختفي في المدينة المتألقة في غروب الشمس. لم يعِش أوغامي في سكنٍ طلابي مثل كاميجو. بدلاً من ذلك، كان يعيش نمط حياة غير شائع نسبيًا حيث يقيم في محل خبز. على ما يبدو، كان اللباس المستخدم من قبل موظفيه يبدو وكأنه زيّ خادمة.

تركهُ وإندِكس وحيدين في الشارع الواسع جوار المحطة أمام سلسلة من المتاجر الكبيرة.

تنهّد.

في اللحظة التي ظهرت فيها كلمة "وحيدين" في خلفية عقله، وصل شعور ما من التنميل والقلق من مركز دماغه، انتشر إلى ظهره، ثم وصل إلى كل زاوية وركن في جسده.

السبب كان واضحًا.

«توما، هل من مشكلة؟»

الفتاة بجانبه كانت تبتسم ببراءة إليه. ما كان لديه خيار سوىٰ أن يجيب بلا يوجد شيء خاطئ. أطلق نفسًا آخر، هذه المرة بصمت حتى لا تسمعه.

نعم، كانا يعيشان معًا.

سرًا، في مسكن الفتيان.

وفوق ذلك، كانت فتاةً شقية صغيرة.

لقد مرّت بضعة أيام منذ عودتهم إلى السكن من المستشفى، وكلما حلّ الليل، كانت إندِكس تمضي وتنام بجانبه كما لو كان الأمر طبيعيًا. ولم تنم جَيّدًا قطْ. ربما لم تستطع تحمل الحرارة، لكنها كانت تتلوىٰ كذا وكذا طوال الليل، مما جعل قدميها وسرتها وأخريات تنبثق من بيجامتها. لم يكن لدىٰ كاميجو سوىٰ أن يُغلق على نفسه في حمام الغرفة لفترة من الوقت حتى ذهاب حالتها. هذا هو السبب في أنه يعاني من نقصانٍ في النوم آخر فترة.

«...هل كنتُ إنسانًا فظيعًا كفاية لأكون في الأخبار؟» همس بهذا الكلام بنفسه مُتعَباً. تساءل كيف تعامل الكاميجو القديم مع هذه "الظاهرة". لكن لحظة، الكاميجو الذي معه الذكريات كان مصدر جمعنا زملاءً للسكن في المقام الأول! ما الذي كنتَ تفعله في وقتٍ نسيتُه يا كاميجو توما؟! صاح بداخله بصمت.

«آه!» لاحظت إندِكس شيئًا وتوقفت فجأة.

«إيه؟» انتاب كاميجو حالة من الكآبة وتتبع نظرتها. في أسفل عمود دعامة طاحونة الهواء، رأىٰ هناك قطة في صندوق، تصرخ وتنحب.

«توما، ممكـ—»

«لا!»

—ـن. قاطعها قبل أن تستمر.

«...توما، ما قلت شيئًا بعد.»

«لن نأخذها.»

«لمَ لا، لماذا؟ لماذا، لماذا؟ لماذا لا نستطيع تبني سفِنكس؟!»

«نحن نعيش في سكن طلابي، والحيوانات الأليفة ممنوعة، وليس لدينا مال، ولماذا أعطيتها اسمًا، لماذا سفِنكس وهو واضحٌ أنها قطة كاليكو يابانية؟!»

«Why don't you keep a cat! Do as you are told!»

«؟؟؟... ها! ثرثرتك بالإنجليزية لن تجعلني أستمع!»

«لا! أريدأريدأريدأريدأريدأريدأريدهااااااا!»

«لن نأخذها، حتى لو صرختي وكأنكِ تهجمين ومعك ستاند لم أره من قبل! [4] وبعد طالعي، لقد خَوّفتِها! ركضت حتى دخلت زقاق!»

«كله منك يا توما!»

«لماذا أنا؟!»

غرر! وقفا هناك في مساء الصيف يصرخان في وجه بعضهما بغضب. تفكر كاميجو بشكل غامض في هذا. سأل نفسه كيف عاملها كاميجو توما قبل فقدانه الذاكرة. ووصل إلى استنتاج أنه على الأرجح كان يفعل شيئًا مشابهًا لِما يفعله الآن.

كان سعيدًا بهذا.

لكن في نفس الوقت، شعر بالوحدة قليلاً.

ففي آخر الأمر، ما كانت تنظر إليه. الابتسامة المريحة والمبهجة التي كانت تمنحه له كانت لكاميجو توما القديم.

لكذب لو قال إنه لم يشعر بالألم.

ولكنه لم يزل يفكر في ألا يتخلىٰ عن هذا التمثيل.

«همف. الشاميسين اليابانية مصنوعة من جلد القطط، صح؟ لماذا تقوم هذه البلاد بأشياء فظيعة كتلك ضد القطط!»

«...إياكِ وإهانة ثقافتنا الوطنية أيتها الغبية! ولاتنسي أنكم أيها البريطانيون تصطادون الثعالب وتتنمرون عليها المساكين!»

«ماذا...؟ صيد الثعالب هو تقليدٌ وطني فخور، و—!!»

كادت إندِكس تزأر عليه، لكنها فجأة تجمدت كما لو لاحظت شيئًا ما.

«ما-ما هذا؟ القطة؟ هل عادت تلك القطة؟!» سأل كاميجو مُتطلعًا حوله. لكنه لم يرَ شيئًا يشبه القط في أي مكان.

«...عجيب؟ توما، يبدو أن تدفق الطاقة السحرية القريبة يُتحَكمّ فيها،» همست إندِكس له بشكلٍ مفاجئ. «...سِمَتُها أرض، ولونها أخضر. هذا السِّحر... يَستخدِمُ الأرض وسيطًا للطاقة، ومن خلال التدخل في الوعي، يـ ...»

بدت ملاحظاتها الداخلية تخرج من فمها على شكل عبارات متقطعة.

«ماذا؟» سأل كاميجو وهو ينظر إليها بعناية.

بعد لحظة، ألقت إندِكس كلمة واحدة:

«رونات؟»

ثم برزت عيناها بحدة كحافة سكين. ركضت بنشاط نحو جانب الطريق، نحو زقاق بين مبنيين.

«وا-يا، إندِكس!»

«يبدو أن أحدًا أعَدَّ دائرةً سحرية. سأذهب وأتحقق من ذلك، أما أنتَ عُد إلى المنزل أولاً!»

قبل أن يجفن كاميجو، اختفت الفتاة في الزقاق.

«أعود إلى المنزل أولاً...؟»

أفعالها غريبة بالتأكيد، فكّر. ومع ذلك، بالطبع لا يمكنه تركها لوحدها ويعود إلى المنزل. فإن فتاةً صغيرة قد دخلت إلى زقاق مريب بمفردها. معدل الاصطدام بحادثة في مثل ذاك المكان كان على الأرجح نفس المعدل في لعبة RPG رخيصة.

تأوّه كاميجو. حظُّه العاثر يُسبِّب له المتاعب مرّة أخرى.

كان على وشك أن يتبعها، لكن حينها—

«مرّ زمنٌ يا كاميجو توما.»

صوتٌ جاءَ من وراءه.

قد بدأت قدماه في المشي نحو الزقاق، لكنه أجبرهما على التوقف.

فلقد سَمِعَ "مرّ زمنٌ". تلك الكلمات كانت تقريبًا محرَّمة على كاميجو. لم ينسَ مثل تلك الأشياء البسيطة مثل كيفية التحدُّث باليابانية أو كيفية الحساب كما في الصف الأول. لكنّ ذكرياته كانت قصّة أخرى. متى اشترىٰ تلك اللعبة؟ كيف كانت درجاته في الامتحانات النهائية؟ تلك الذكريات كانت قد مُحِيَت دون أثر.

في مواجهة أحدٍ لم يتذكره بتاتًا، يدّعي أنّهم التقوا مجددًا، الشيء الوحيد الذي يمكنه فعله هو الرد بأكبر ابتسامة يابانية يمكنه تصْوِيرُها.

لحماية أمنيات فتاةٍ مُعَيّنة...

...على كاميجو توما ألّا يُفصح لأي أحد عن فقدان ذكرياته.

لف وجهه إلى الخلف.

«أمم.»

كما كان متوقعًا، لم يكن لديه أي ذكرىٰ للرجل الواقف هناك.

في الواقع، كان شابًا — بل مراهقاً حتى. كانت كلمة "مراهق" قليلة الدقّة نظرًا إلى طول قامته الذي زاد عن المترين. مثل إندِكس، كان للرجل بَشرةٌ شاحبة لا يُمكن أن تكون لشخصٍ ياباني. وكان ثوبًا أسودَ اللونِ.

لكن رائحة العطر الطاغية القادمة من هذا "الكاهن" كانت مُفرطة. شعره الطويل كان مصبوغًا بلونٍ قرمزي، وكان يضع أقراطًا في أذنيه، ولديه خاتم فضي على كل إصبع، وتحت عينه اليمنى كان لديه وشم يبدو مثل الباركود. كلُّ ذلك بدا فاسدًا، كما لو كان كاهنًا للحرب أو خائنًا دينيًا.

ما كان هناك من سبب لأن يتعرف عليه كاميجو.

في الواقع، لم يرغب حقًّا في أن تكون لديه ذكريات برجلٍ مثله.

«مم. قد مضىٰ وقتٌ طويل، لكنك لا تودّ حتى أن تُحَيّيني، أليس كذلك؟ صحيح، صحيح، هكذا تمام. هكذا يجب أن تكون علاقتنا. فقط لأنّنا قاتلنا معًا مرة لا توجب الصداقة بيننا.»

على الرغم من أن الكاهن الذي فاح عطره بالبرفان قال هذا، كان يبتسم بلطف.

مَن هذا الرجل بالضبط؟...

كانت غرابة الكاهن أمامه أمرًا، لكنه شعر بارتباك أكبر لمعرفة أنّ كاميجو توما القديم يعرف شخصًا بهذا الشكل المريب.

وكان لديه شيء آخر يشغل تفكيره.

ألقىٰ كاميجو نظرةً سريعة نحو الزقاق. إندِكس قد غاصت بمفردها. لم يكن لديه وقت للتحدث مع كاهنٍ غريبٍ ومجهولٍ تمامًا، لكن...

«أوه، لا تقلق بشأن الفتاة. لقد نقشتُ رونات أُبِلا في تلك المنطقة. ربما ذهبت فقط لتُحَدِّد تدفق المانا.»

لم يكن لكاميجو ما يقوله.

السحر الرّوني. رموز جرمانية سحرية تعود إلى القرن الثاني. ببساطة، كانت أحرفًا تحمل القوة، لذا إذا كتبت "كيناز" على قطعة من الورق، فكما تدل الكلمة، سينبعث اللهب منها.

...ما هذا؟

ضاقت حنجرته.

ليس لأن الكاهن الذي أمامه كان يتحدث عن هذا السِّحر الروني الغامض.

لكن لأن تلك المعرفة الغامضة كانت تتدفق بحرية من داخل عقله، ولم يشعر حتى بأنها دخيلة.

كان الأمر واضحًا لافتاً للانتباه. كان شعورًا غريبًا، كما لو أن دراجة متهالكة قد وقعت في منتصف بحيرة نظيفة ونقية، تاركةً فجوةً كبيرة في أثرها. إلى جانب المعرفة الشائعة للغاية مثل "عبور الشارع عند الإشارة الخضراء" أو "تُكلّف المال في كل مرة ترسل فيها رسالة نصية عبر الهاتف الخلوي" كانت هناك... غرابة حيث امتزجت سخافات السِّحر في حياته اليومية كما لو كان الأمر طبيعيًا!

كاميجو توما قبل أن يفقد ذاكرته...

ما نوع العالم الذي عاش فيه؟

لأول مرة منذ حدوثها، شعر كاميجو توما برجفة عند وضعه.

«مم؟»

الكاهن الذي فاح منه العطر أغلق عينًا وابتسم قليلاً كما لو لاحظ شيئًا في لون وجهه.

لم يكن كاميجو يعرف ما يحدث. لم يكن لديه وقت للتحدث مع أحد ما، لذا في تلك اللحظة، ابتسم غائبًا وحاول تقديم الشعور الغريب على الجانب.

فجأة، أخرج الكاهن ذو الشعر الأحمر ما بدا وكأنها بطاقة.

«لا تبتسم علىٰ كل شيء. أتريد الموت؟»

توسعت ابتسامة الكاهن ذو الشعر الأحمر، كما لو كانت تذوب عبر وجه دمية شمعية.

ارتعش.

كانت المعرفة داخل كاميجو من قبل فقدان ذاكرته تُحذّره من الخطر، كما لو كانت تمرر كهرباءً عبر جسده.

«...»

تحرَّكت يده اليمنى قبل أن يفكر في الأمر.

وضعها على الفور أمام وجهه. وبينما كانت تحجب ضوء الشمس المتسرب إلى عينيه، اندلع لهبٌ من راحة يد الكاهن اليمنى. كما لو انبثق البنزين من يده، خلق بسرعة سيفًا مُشتعِلاً من نارٍ قرمزية في لمح البصر.

لم يُضيع الكاهن لحظة.

لم يظهر شظية من التردُّد أو مقدار ذرةٍ من رحمة بينما أسقط سيف اللهب بقوة نحو وجه كاميجو.

عندما اصطدم السيف الناري، تَوَسّع، وتشتّت النيران في جميع الاتجاهات كما لو كانت بالونة تنفجر. صنعت النار ضجيجًا وحشيًا مع امتصاص الأكسجين. دارت نارٌ جحيمية تزيد عن 3000 درجة مئوية فانبعثت وضربت محيطهم.

هوووع! تلاشت النيران بزئير غريب، وانطفأت. كان وكأنها قد تجمّدت وتحطّمت في لمحة عين.

«ها... هاه...»

دون أن يُنزِل يده اليمنى التي كان يستخدمها للدفاع، بدأ يتنفّس بصعوبة وبسرعة.

الإماجين بريكر.

القدرة الغريبة التي لا يعرف شيئًا عنها والتي تتواجد في يده اليمنى، يُقال أنها قادرة على إلغاء أي قِوىٰ لا اعتيادية فقط بملامستها، وإن كانت معجزة.

«هاه... هاه...!»

بعد أن رأىٰ كاميجو متصلبًا مُرتجفاً وغير قادر على التحرك صحيحًا، ابتسم الكاهن أخيرًا برضا.

«هذا هو، هذا الوجه. هذه هي العلاقة بين كاميجو توما وستيل ماغنوس، أليس كذلك؟ لا تجعلني أكررها مرة أخرى—إذا أرخيت نفسك فقط لأننا قاتلنا معًا مرة، فسيكون بيننا مُشكلة.»

امتدت ابتسامة الكاهن عبر وجهه مرة أخرى، مذوبةً إياها، ساخرة.

لكن كاميجو لم يستطع الرد. لم يكن ذلك لأنه كان خائفًا من القوة اللا الطبيعية التي احتوىٰ عليها جسده، ولا حتى من الكاهن ستيل ماغنوس الذي كان يواجهه.

نعم، إذا كان هناك شيء، فهو هذا:

معرفته الخاصة، حِسّه. لقد أوقف الهجوم من ردة فعل، بدون تفكير، وكأنه الحل الواضح... على الرغم من أن شيئًا مجنونًا مثل سيف النار لن تمرّ عليه في حياتك.

كانت مرعبة.

«ما... ماذا، هل—» سارع كاميجو للخلف بخطوتين أو ثلاث. معرفته—كاميجو توما القديم— حذرته من تهديدٍ يوشك بحياته.

لا أمل لي في التعامل مع العدو الداخلي الآن، كما فكر كاميجو. الآن عليّ أن أتعامل مع هذا العدو الخارجي.

«ما الذي تفعله يا معتوه؟!»

صاح كاميجو، مائلًا بثبات إلى وضعية قتالية غير تقليدية، بوضعية كان يقفها بتمام حتى أدهشته. ربما يرجع الفضل إلىٰ المعرفة المتشربة فيه مسبقاً.

ردًا على ذلك، لبست وجه الساحر ذي الزي الكهنوتي ابتسامةٌ مستفزة.

«مم؟ كل ما أردته هو أن أخبرك سرًا.»

ما الذي يهذي به؟ تساءل كاميجو... ولكن وهو يفكر بهذا، أخرج ستيل ظرفاً كبيرًا من ثوبه. كان كبيرًا وبدا كأنه يحتوي على مستندات مهمة حقًا. أيريد أن يخبرني بسرٍّ هنا حقا؟ هنا؟ في هذا الطريق العريض الذي يتسع لستة مسارات والذي يمكن أن يكون مدرجًا للطائرات، بعد أن تسبب في فوضى بكل تلك الانفجارات...؟ عبس كاميجو وهو يفكر.

...؟

بمجرد أن وصل فكره إلى هنا، أدرك ذلك أخيرًا.

على الرغم من أن الانفجار قد أحدث ضجيجًا، لم يكن هناك علامة علىٰ الناس.

...؟!

لا، فَكّر وتمعن، ونظر إلى الواقع بصورة مباشرة.

لم يكن الأمر كذلك. ليس وكأن الناس لم يلقوا بالًا للضجة، بل لم يكونوا هنا في المقام الأول. هذا الطريق ذو الستة مسارات، مع المحلات الكبيرة المرصوفة يميناً ويسار، قد فرُغَ من الناس والسيارات دون أن يلاحظ. لم يكن هناك أحد سواهُ وستَيْل.

صدىٰ صوت دوارات العنفات في جميع أنحاء الشارع الغير مأهول كصوت جمجمة تضحك. من بعيد للغاية، لاحظ أنه يمكن سماع صوت إنذار وصول من معبر سكك حديدية خالٍ من السكان بالمثل. الصمت كان مثل وسط بحيرة في الليل.

«قد قلتُ—»

بهدوء متنافر، برزت ابتسامة ستيل.

«—إنني نقشت رموز أُبِلا.»

«Ehwaz (انطلق)»، قال ستيل وألقىٰ الظرف الكبير الذي كان يحمله من بطرف إصبعه السبابة كما لو كان يرمي بطاقة بريد. دار الظرف السميك حوله مرارًا وتكرارًا مثل الفريسبي وتباطأ عندما استقر في يدي كاميجو.

كان رمزٌ غريبٌ محفور على فم الظرف كما لو كان ختمًا ما.

« Gebo(استلام).»

فجأة، أضاء الرمز على الظرف. انشق الختم إلى الجانبين كما لو قُطِعَ بسكين.

«هل سمعت عن مدرسة ميساوا التحضيرية؟»

سأل ستيل بصوتٍ غنائي. طارت الوثائق الضرورية خارج الظرف، وكل واحدة بدا عليها رونٌ محفور. تعلقت معًا في الهواء أمام عيني كاميجو كما السجادة الطائرة.

«ميساوا...؟»

كان كاميجو توما يعاني من فقدان الذاكرة.

بعدم وجود أي ذكريات، لم يستطع سوىٰ أن يمسح الاسم من المعرفة التي كان يملكها. ومع ذلك، لم تكن لديه أي ذكرىٰ لمدرسة ميساوا التحضيرية. بدا وكأن توما القديم لم يكن مهتمًا جدًا بأداء امتحانات الجامعة.

«على الأقل، يبدو أنها مدرسة تحضيرية تمتلك أكبر حصة سوقية في البلاد، لكن...؟»

أدلىٰ ستيل معلومته بلا اهتمام.

كانت المدرسة التحضيرية، كما يوحي اسمها، مدرسة للتحضير للامتحانات. اعتبرها كمدارس تقوية مخصصة للطلاب "المتجولين" الذين فشلوا في امتحانات القبول في الجامعة.

في المدينة الأكاديمية، كان تعريف المدرسة التحضيرية للجامعة أكثر تصنيفًا. كما يمكن أن يشير أيضًا إلى مدرسة تحضيرية مخصصة للأشخاص الذين كانوا كفؤًا بما يكفي للحصول على قبول في الجامعة، ولكن الذين كانوا يصبون عمدًا ليصبحوا طلابًا متجولين لسنة واحدة من أجل التقدم إلى جامعة أفضل ودراسة امتحاناتها بدلاً من ذلك.

واحدة من الوثائق طارت برشاقة إلى عيني كاميجو.

يبدو أن مدرسة ميساوا التحضيرية كانت كلتا هاتين النوعين من المدارس التحضيرية للجامعة، وكان لديها أيضًا طلاب لم يكونوا بعد "متجولين". بمعنى آخر، كانت تعمل أيضًا كمدرسة تحضيرية للطلاب العاديين الذين يحاولون إجراء امتحانات القبول في سنتهم النهائية.

«...إذن، ماذا تريد من هذه المدرسة؟ هل يعطونك خصم على الرسوم الدراسية إذا دعوت صديق؟ أو شيء من هذا القبيل؟» نظر كاميجو إلى ستيل برَيْبٍ؛ الكاهن أمامه بدا بعيدًا عن مفهوم المدارس التحضيرية.

«آه، حسنًا—» أجاب ستيل بصوتٍ مَلول.

«—فيها فتاةٌ محتجزة. عملي يقتضي بالذهاب وإنقاذِها.»

ظل كاميجو يحدق به عاجزاً عن إيجاد الكلام.

ليس بسبب كلمة "مُحتجزة"، بل لأنه شكك في عقلية هذا الرجل. لا، مهلاً، إذا كان ستيل مجنونًا ببساطة، لن تكون هناك مشكلة، هذا إذا استثنينا قدرته على التحكم في النار بحرية.

«همف. أعتقد أنك ستفهم أسرع إذا نظرت إلى الوثائق.»

رفع ستيل إصبعه السبابة مرة أخرى. طارت ورقة بعد ورقة من أوراق النسخ التي كان يحملها كاميجو من الظرف، وكما لو كانت عاصفة ثلجية، رقصت حول كاميجو وأحاطت به.

––إحداها كانت خريطة مخططة لمدرسة ميساوا التحضيرية.

ومع ذلك، رأىٰ فيها عدم اتساق صارخ عند مقارنتها بخريطة كاملة قِيسَت خارجيًا عبر الأمواج تحت الحمراء والموجات فوق الصوتية. أمكنه أن يرىٰ بوضوح غُرف مخفية في أماكن مختلفة على الصورة، بدت وكأنها أوراق تمتصها دودة.

––ثانيها كانت قائمة مصاريف استخدام الكهرباء.

ومع ذلك، لم تتوافق التكلفة عند احتساب جميع الغرف والأجهزة الكهربائية. من الواضح أن أحدًا ما في مكانٍ ما في المبنى يستخدم كمية كبيرة من الكهرباء، بعيدًا عن الأعين الفضولية.

––وتاليها كانت قائمة المراجعة للداخلين والخارجين من المدرسة.

ومع ذلك، أُشتُرِيَت كمية ضخمة من الطعام بالجُملة، حتى باحتساب كل الطلاب والمُعَلّمين. حتى لو تنكرت كجامع القمامة وتحققت من جميع صناديق القمامة، لن تتطابق الكمية. من الواضح أن هناك أحدٌ ما يأكل داخل المبنى.

––والورقة النهائية كانت...

"قبل شهر من الآن، رُصِدت فتاةٌ وحيدة تدخل مبنى مدرسة ميساوا.

حسب ملاحظة مديرة مسكن الطالبات، لم ترجع إلى غرفتها منذ ذلك الحين."

«يبدو أن المدرسة تحولت إلى دينٍ جديد يرتكز على العبادة العلوم»، قال ستيل بلا اهتمام.

عبادة العلوم...؟ جَعّد كاميجو حاجبيه بتساؤل.

«أوه، أتقصد مثل أولئك الذين يعتقدون أن الإله هو في الواقع كائنٌ فضائي جاء إلى هنا في صحن طائر، أو مثل أولئك الذين حاولوا استنساخ جينات القديسين أو شيء من هذا القبيل؟»

فكرة أن العلم والدين لا يمتزجان غير منطقية. فقد كان هناك العديد من الأطباء والعلماء من خلفيةٍ مسيحية في العالم الغربي.

في الوقت نفسه، كان من الصحيح أن الأديان العلمية التي كانت في وضع حرج تسببت في حوادث فظيعة، ففي النهاية كانت تمتلك تقنيات متطورة، ولذلك تكوين الغازات السامة أو القنابل هو أمرٌ مقتدرٌ لهم.

كانت المدينة الأكاديمية، التي هي قمة التطور التقنية ومكانًا للتعلم والتدريس في الوقت نفسه، تُحَذر بشكلٍ خاص من هذه الأديان العلمية. لأنها كانت بيئة للتعليم. حتى الانزلاق البسيط في هذا الصدد يمكن أن يحول مؤسسة تعليمية إلى مصنع لغسيل الأدمغة.

«حسنًا، لا نعرف ما الذي يُعَلّمونه هناك. وبصراحة، لا يهمني إطلاقاً ما نوع الطائفة التي تحولت إليها مدرسة ميساوا. فلقد حُلَّت المدرسة وكان.»

«...؟»

«بصراحة،» أردف ستيل بنبرةٍ مَلولة، «تم اختطاف المدرسة. اُختُطِفَ دينٌ مُتَهوّر مجنون بالعلم من قِبَلِ ساحِرٍ أصيل، بمعنى الكلمة الصحيح – حسنًا، بواسطة خريج مدرسة زيوريخ للخيمياء.»

«...ساحر أصيل...؟»

«نعم، حتى وأنا ساحر، أجد في الأمر رَيْباً... مهلاً.»

«ما الأمر؟»

«...ألستَ متماشيًا بزيادة؟ أنتَ لا تسمع من أُذُنٍ وتخرجها من الأخرىٰ تماشيًا مع كلامي فقط لأنك من عالمٍ مختلف، أليس كذلك؟»

تجمد كاميجو.

ليس لأن ما قاله ستيل كان دقيقًا أو كذا. كان كاميجو يستمع إليه بفارغ الصبر وبجدية، وكان يحاول فك كلمات لم يفهمها حتى يتمكن من استيعاب كل شيء بصدق.

ولكن هنا حيث شعر بالغرابة.

شعر كأن السّٰاحر قد أشار إلى فجوة بين كاميجو توما الآن وكاميجو توما السابق.

لا تدعه يدرك، لا تدعه يدرك...!

كاميجو توما الآن لم يعرف شيئًا عن العلاقة بين السّٰاحر قِبَلَه وتلك الفتاة. لكنه لم يرد لأحد أن يعرف عن فقدان ذاكرته، بغض النظر عمّن يكون.

رأىٰ كاميجو ذلك. رأىٰها في غرفة المستشفى. رأىٰ الفتاة التي ترتدي البياض على حافة الدموع. رأىٰ وجه الخلاص بعد أن جعلها تعتقد أن الفتى أمامها كان نفسهُ كاميجو توما.

لم يستطع أن يحطم ذلك الخلاص.

لذا سيخدع كاميجو العالم. حتى سيحاول الكذب على نفسه.

«تشه، حاولتُ الاستماع بجدية لمرة وهكذا ترد؟ ما أنت، مازوخي ينتظر من الناس أن يقاطعون حديثه طوال الوقت؟»

لكن كاميجو توما الآن لم يفهم حقًا كيف كان مختلفًا عن كاميجو توما السابق. عندما تمشي على طول الطريق مع خريطة وتدرك أنك ضللت الطريق، ثم تنظر حولك وترىٰ مشهدًا 360 درجة لصحراء خاوية، فإنك حينها لن تعرف أي اتجاه يجب أن تسير فيه.

نظر ستيل إلى كاميجو بشك بضع لحظات، لكنه أجاب.

«طيّب، مهما كان. ما أُمانع في أن تسير المناقشة بسلاسة.»

أخيرًا، جمع نفسه وعاد إلى الموضوع الحالي.

«صُلب حديثنا هي الأسباب التي دفعت الخيميائي إلى اختطاف المدرسة. حسنًا، إحداها واضحة – ربما كان يعتقد أنه يمكنه إعادة استخدام أنظمة المدرسة الأصلية الشبيهة بالقلعة. معظم الطلاب، أو التابعين، لم يدركوا حتى أن مدير المدرسة قد تغيّر.»

«ولكن...» أخذ ستيل نفسًا.

«الهدف الأصلي للخيميائي هي ديب بلود، التي كانت محتجزة في مدرسة ميساوا التحضيرية.»

ديب بلود؟

لم يتذكر كاميجو ذلك الاسم، ولم يبدو لديه أي معرفة به. لكن المعنى المخفي وراء تلك الكلمتين كان مخيفًا للغاية.

«يبدو أنها كانت محتجزة هناك بدايةً ليجعلوها تتصرف كعذراءَ ضريح. حسنًا، أفترض أنهم يستدرجون الأسابر ذوو المستويات العالية باستخدام الفتاة ذريعةً، لذلك مصطلح "عذراء الضريح" مناسب تمامًا.»

«...»

«مقصدي، كان الخيميائي يهدف إلى ديب بلود لفترة من الوقت، لكن المدرسة سبقتهُ بخطوة. لماذا، لابد أنه كان عبءًا كبيرا. كانت خطتهم تكمن في سرقة ديب بلود سرًا والفرار من المدينة، لكن بعد ذلك قامت المدرسة بخطوة جريئة وأفسدت كل شيء.»

«وهكذا أخذ ما كان يسعىٰ له ومعها المدرسة بالقوة...؟»

إذن هو مثل... إذا كان لصٌ محترف على وشك اقتحام متحف بعد استعدادات مستفيضة للغاية، وبعد ذلك وأثناءما كان على وشك سرقة اللوحة، احتلت مجموعة من الإرهابيين فجأة المتحف بأكمله؟ أهكذا؟

لن يعرف الإرهابيون البربريون قيمة اللوحة. إذا كان اللص الرئيسي قادرًا على حماية تلك اللوحة من الإرهابيين، سيكون المتحف تحت الحصار من قبل الشرطة. لن يكون لديه بديل، وسيضطر إلى غلق البوابات وتحصينها... أو شيء من هذا القبيل...

«نعم. اقتناؤه سيكون الطموح الأعلىٰ للخيميائي... لا، إذا وصلنا إلىٰ هذا الحد، فإنه سيكون أعظم أمنية لجميع السَّحرة. أو ربما لجميع البشر ربما.»

«؟؟؟»

أعطىٰ كاميجو تعبيرًا فارغًا.

«ديب بلود هي قدرة مصممة لقتل مخلوقٍ مُعَيّن. حسنًا، هذا ليس كل شيء. إنها الفرصة الوحيدة للقبض على واحد من تلك المخلوقات على قيد الحياة، على الرغم من أننا لا نعرف ما إذا كان لهم وجود.»

لا يزال ضائعًا.

«في ديننا المسيحي، نُسَمّي تلك المخلوقات مُسَمّىٰ "ذرية قابيل".» ابتسم ستيل قليلاً، ثم أدلىٰ بإعلان، هامسًا هذه المرة. «ببساطة، أتحدث عن مصاصي الدماء.»

«تستهبل؟»

هذا كان أول ما فكر فيه عندما سمع كلمات ستيل.

مصاصي الدماء. لم يعرف كاميجو من أين بدأت الأساطير، لكنه كان يعرف شيئًا بسيطًا عنهم من ألعاب الفيديو والمانجا.

مصاصو الدماء ضعفاء أمام الصلبان وأشعة الشمس.

مصاصو الدماء يموتون عندما تُطعن قلوبهم بالخشب.

مصاصو الدماء يتحولون إلى رماد عند موتهم.

مصاصو الدماء يُحَوِّلون الآخرين إلى أشكالهم بعضّٰاتِهم.

...هذا كان كل ما كان يعرفه. ولسببٍ ما، كانت المانجا والألعاب في معرفة كاميجو هي من نوع الأكشن العنيفة حيث لم يُتعامل مع الصليب بأي احترام.

ومع ذلك، وجّه ستيل ابتسامة مريرة وأعرض نظره قائلاً: «...لكانت العيشة سعيدة وسهلة إن كنا نمزح بهذا الشأن.»

على الرغم من قدرة السّٰاحر على التحكم في اللهب مثل ذلك، بدا كما لو كان خائفًا تقريبًا.

«همف. ديب بلود هي قدرة لقتل مصاصي الدماء. ووجود مثل تلك القدرة لن يكون منطقيًا ما لم توجد تلك المخلوقات كذلك. إنها مثل تلك الدَّوْرة الفظيعة حيث أن وجود الشرير مطلبٌ ضروري لوجود بطل، لكن على أي حال، هذا الشيء واحد بالتأكيد حقيقي... كنتُ لأنكره لو استطعت.»

«مهلاً، ماذا تعني بذلك؟ أتقول إن أولئك المخلوفات من الكتب المصورة موجودة فعلاً؟»

نفىٰ عقل كاميجو ذلك.

ولكن على الرغم من رفضه، كان هذا الرجل يبدي جَوّاً جديًا.

«لم يراهم أحدٌ قط...» أنغم ستيل ماغنوس كلماته واثقًا معتزاً بنفسه. «...لأن أيّاً من يفعل ذلك، يموت.»

«...»

«بالطبع، حتى أنا لن أصدق هذا بصورة عمياء. لم يراهم أحدٌ قط، ومع ذلك يُثبت وجود ديب بلود وجودهم. هذه هي المشكلة. لا نعرف مدىٰ قوتهم، أو كم منهم هناك، أو أين هم. لا نعرف، لا نعرف شيئًا. ولا يمكننا فعل أي شيء حيال شيء لا نفهمه.»

كرر ستيل كلامه كأنه يغني، لكن كاميجو لم يستطع استيعاب مصطلح مصاصي الدماء، لذا لم يكن يدرك حقًا مدى واقعية وجودهم. حسنًا، أعتقد أنها مثل محاولة مواجهة الإرهابيين الذين لا يُرَون مباشرة في جميع أنحاء العالم، هكذا ترجمها لنفسه.

«ولكن بالنسبة لكل ما نجهله، هناك أيضًا احتمالات غير معروفة.» ابتسم ستيل ساخِرًا. «كاميجو توما، هل سمعت يومًا عن مصطلح الشجرة السِّفروثية؟ – لا، أظن أنك لم تسمع عنها.»

«...أتدري، لن تثير غضبي بقول مثل هذه الأشياء.»

«أياً يكن. الشجرة السِّفروثية هي رسم تسلسلي يعرض الترتيب الروحي للإله والملائكة والبشر. باختصار، يُمكن للبشر تسلق المراتب بالتدريب إلىٰ أن يصلوا إلىٰ نقطة العجز ويتوقفوا.»

«تعامليني كالغبي، أليس كذلك؟ ماذا تحاول أن تقول؟»

«أوجعتك؟ ما أريد قوله هو أن هناك ارتفاعًا لا يمكن للبشر الوصول إليه، مهما بذلوا من الجهد. لكن طبيعة البشر تُرغِبُهُم في الوصول إليها مهما صار. السحرة موجودون بالضبط لهذا السبب. إذن، ماذا يجب أن نفعل؟» انتشرت ابتسامة ساخرة على وجه ستيل كأنها تمزقه إلى نصفين. «أمرها بسيط. علينا فقط أن نستعير قوّة شيءٍ غير بشري.»

كاميجو لم يستطع قول أي شيء.

«مصاصو الدماء لا يموتون. حتى نزعت قلب أحدهم وزرعت مكانه سيفاً سحري، سيظل على قيد الحياة. أظن أنه سيكون شيئًا مثل العنصر الروحي الحي؟» وأردف ستيل شرحه. «سواء كان الأمر صحيحًا أم لا، لا يهم. سيحاول العلماء ذلك إذا كان هناك أدنىٰ احتمال.»

بمعنى آخر، هذا ما كان يحاول ستيل أن يقوله.

لم يهم ما إذا كان مصاصو الدماء موجودين فعليًا أم لا. الأهم أن هناك أشخاصًا سيُسببون المشاكل لأنهم يؤمنون بها. والآن بعد حدوث الحادثة، يجب على شخص ما حلها. هذا هو الجزء المهم.

«إذن لا نزال نجهل حقًا ما إذا كان مصاصو الدماء موجودين؟»

تذكر أنه شاهد العديد من أفلام الأكشن حيث يتنافس الناس على كنوز قديمة لا يتأكدون من وجودها. لكن عندما يواجه ذلك في الحياة الحقيقية، لا يمكنه التفكير في قصة أكثر غباءً.

«من الأصل وظيفتنا التعامل مع الأشياء الخارقة للطبيعة التي وجودها ليس مؤكدًا.» ومع ذلك، ظهر ستيل بابتسامة مريرة. «كل من مدرسة ميساوا التحضيرية والخيميائي يبدوان جادين. يلعبون لعبةً جادة بشأن موضوع مصاصي الدماء. بطاقة مثل ديب بلود هي بطاقةٌ ضرورية كأنها جوكر.»

«....»

«وهل نعرف خلفية ديب بلود؟ يبدو أن الفتاة كانت تعيش في قرية في جبال كيوتو، لكن القرية اختفت في يوم. آخر قروي أبلغ عنه كان في حالة من الجنون، يقول أنه سيُقتل على يد وحش. بعد ذلك، بدا أن القصة تقول بأن الناس الذين راحوا إلىٰ القرية وجدوها مهجورة إلا فتاةٌ واحدة وقفت هناك وحيدة وبرمادٍ أبيض حولها يتطاير كالعاصفة الثلجية ويغطي القرية.»

رماد.

يتحول مصاصو الدماء إلى رماد عند موتهم.

«مصاصي الدماء هي أشياء غير مؤكدة الوجود في الأصل، صح؟ لكن فكر في ذلك. ديب بلود هي القدرة على قتل المصاصين. لذا، يجب على ديب بلود أولاً أن تُقابل مصاص دماء. إذا أراد أحد أن يواجه مصاص دماء، بغض النظر عن مدىٰ نقاء نواياه، فإن أفضل شيء هو السيطرة أولاً على ديب بلود، أليس كذلك؟ ...بالطبع، أعتقد أن السيطرة فعلًا على صاحب القدرة الهائلة كفتيل لقتل المصاصين سيكون مشكلة كبيرة في حد ذاتها.»

ربما جرىٰ هذا الحديث على كوكبٍ غريب في هذه النقطة.

أبلغت حاسّة كاميجو أنه سيكون خطيرًا الاستماع إليه لفترة أطول. إذا استمع لهذا الرجل أكثر، شعر أنه سيَخرُجُ عن مفهوم العقل سريعًا. حتى شعر بأن الاستمرار الحديث بهذا الشكل سيُشوش الأمور بما لا يعود بالإمكان تصحيحه.

سرعان ما طرح سؤالًا ليقصر على الحديث.

«إذن، لقد تحدثت عن كل هذه الأسرار طويلاً حتى الآن، ولكن ما الذي أردتَ حقًا أن تخبرني إياه؟»

«أه، صحيح. لكلانا وقتٌ قصير، لذا لننتهي هنا.» أومأ ستيل مرتين لنفسه، راضيًا. «... حسنًا، بصراحة، أنا في وضع يتطلب مني الذهاب لمدرسة ميساوا التحضيرية الآن واخراج ديب بلود من هناك.»

«طيّب،» أومأ كاميجو بسهولة. ومع ذلك...

«لا تومئ رأسك بسهولة هكذا. ستأتي معي.»

......................................................

«ها؟! ما قلتَ توًا؟!»

«الحقيقة البسيطة. وبعد، حديثنا هذا كان المُلَخّص. آمل أنك ما زلت تتذكر كل شيء تحدثنا عنه. أما بالنسبة للمستندات، فهي تحتوي على حروف كيناز، لذا ستحترق بعد قراءتها. ستجلب لنفسك المشاكل لو تساهلت في حملها.»

«ماذا؟!»

نكتة ذي؟! فكر. هذا الستيل لن يتردد في قتل إنسان، ولديه القدرة الأنسب لذلك. إذا تسلل كاميجو إلى مقر هذا "الخيميائي" العدو أو أيا كان، فقد يجد نفسه متورطًا في حادثة قتل.

«أوه، وشيءٌ آخر»، قال ستيل بصوت بلا مشاعر. «لا أعتقد أن لديك الحق في الرفض. إذا لم تُطِع، ستتجه الأمور في اتجاه أخذ إندِكس بعيدًا عنك.»

«!»

لسببٍ ما، أمكنه أن يسمع تقريبًا تلك الكلمات تخترق قلبه.

معرفته –– بقايا كاميجو توما القديم –– كانت تُرعِبه من شيء.

«الوظيفة التي منحتها نِسِسَريوس لك هي أن تكون قيدها، لتمنعها من الانقلاب، بما أن "طوقها" أُزيل. لكن إذا لم تطع إرادة الكنيسة، فلن يثقوا بكَ لها.» تنهد ستيل وأكمل. «لكن حسنًا، شخصيًا، إذا اعتبرتك الكنيسة غير ضروري، فإنه يصب لصالحي. سأكون ممتنًا حتى. وأشكرك! لأن القيد الذي لا يعمل لا قيمة له. سأكون قادرًا على استعادتها دون أي مخاوف.»

هذا كان تهديدًا.

ابتزازًا بأن الفتاة القريبة منه ستتعرض للضرر إذا لم يُطِع.

«...»

دق نبضه دقّاتٍ عنيفة كما لو كان مطرقة تطرق مسمارًا. لا يملك كاميجو توما ذكريات. حتى لو كانت نفسُهُ القديمة هي التي التقت تلك الفتاة أوّل مرة، لم تكن له أي علاقة بما هو الآن. تصاعد نبض قلبه، وكان يفقد القدرة على التفكير. يجب أن ذلك يرجع إلىٰ ما بقي فيه من قبل فقدان ذاكرته. ما كان ينبغي أن يتعلق ذلك بنفسِهِ الحالية.

إذن...

لماذا؟

«...هل أنتَ جاد أيها اللعين؟»

كيف له أن يثق تمامًا بأن الغضب الذي يشعر به مبرر؟

تساءل عن ذلك.

لقد التقىٰ بإندِكس قبل أن يفقد ذكرياته. الكاميجو الذي كانت إندِكس تثق فيه وتبتسم له لم يكن الكاميجو الذي هنا الآن.

لكنه اعتقد أن ذلك ليس مشكلة.

الفتاة التي التقاها في تلك الغرفة البيضاء في المستشفى نظرت إلى الكاميجو المصاب وبكت...

إذا كان ذلك سيمنع دموعها، إذن...

أقسَمَ أن يحافظ على كذبه، حتى لو كان عليه أن يخدع العالم ويخدع نفسه...!

«...همف.»

أبعد ستيل نظره غير مهتم.

بدا وجهه كمن سُلبت وظيفته. كانت غريبة، ولكَذَب كاميجو إذا قال أنها لم تكن كذلك.

«إذا أردت تصفية حساباتك معي، فدع ذلك حتى نتعامل مع الخيميائي المتربص في مدرسة ميساوا التحضيرية. أيضًا، نسيت أن أذكر شيئًا. الاسم الحقيقي لديب بلود هو هيميغامي آيسا. تجد في الظرف صورة لها، لذا تأكد من معرفة ما تبدو عليه. ستحتار بالتأكيد إذا لم تعرف وجه التي تحاول إنقاذها.»

انزلقت صورة واحدة من الظرف.

بدعم من الرونات التي وضعها ستيل أيضًا، تطايرت في الهواء وتوقفت أمام وجه كاميجو.

نظر إليها.

تمعن في شكل ديب بلود، أيُّ نوعٍ من الناس سيحمل مثل هذا الاسم الخطير؟

وهنا رأىٰ وجه عذراء الضريح التي التقىٰ بها ظهر هذا اليوم.

«إيه...؟»

كبح كاميجو أنفاسه.

بدت الصورة وكأنها صورة هوية طلابية مُكبّرة أو مثلها. بالتأكيد حملت وجه هيميغامي آيسا، عذراء الضريح من ذاك المطعم.

تذكر كاميجو ما قاله ستيل.

«––يبدو أنها كانت محتجزة هناك لكي يجعلوها تتصرف كعذراء ضريح.»

تذكر كاميجو ما قالته الفتاة وقت الظُهر.

«––أنا لست عذراء الضريح.»

تذكر كاميجو ما قاله السّٰاحر.

«––فيها فتاةٌ محتجزة هناك. واجبي يقتضي الذهاب لإنقاذِها.»

تذكر كاميجو ما قالته هيميغامي آيسا.

«––نعم. هُم أساتذة مدرستي.»

«...!»

لكن لماذا...، من خلال ما قاله ستيل، كان من المفترض أن هيميغامي آيسا محتجزة في تلك المدرسة. إذا كانت عذراء الضريح تلك هي ديب بلود، فلماذا كانت تجلس في مطعم للوجبات السريعة، وهي فاقدة الوعي من كثرة الأكل؟ فكّر كاميجو.

«––ثمن تذكرة العودة. أربعمِئة ين.»

أكانت تحاول الهرب؟ سأل نفسه. من المفترض أن تكون محتجزة، لذا إذا كانت خارج المدرسة، فلابد أنها كانت تهرب من ميساوا.

«––مجموع الممتلكات. ثلاثمئة ين.»

فكر في نقص هيميغامي في مالها. لقد عجلت الهروب وما ملكت إلا ملابسها. إذا واصلت استخدام وسائل النقل العامة مثل القطارات والحافلات، فإن أموالها بالطبع ستنفد.

لكن لماذا كانت في مطعم؟ إذا هربت من هناك سريعًا، فما الداعي لها أن تكون بذلك الاسترخاء في مكان مثل—

«––شبعت.»

«أه!»

فجأة، تذكر كاميجو ما قالته.

ماذا لو كانت أموالها قد نفدت، ولم تتمكن من الفرار بعد؟ ماذا لو كانت تحاول فقط أن تقضي وقتًا سعيدًا في النهاية؟

كانت قد قالت إنها تريد استعارة مِئة ين زيادة.

هل عنى ذلك أن لديها فرصة للهرب نهائياً لو امتلكت تلك المئة ين؟

إذن....

في تلك الحالة....

أمنيتة تلك الفتاة الوحيدة... من كان الأحمق الذي أفسدها؟

«––لهذا أكلتُ بشراهة.»

«اللعنة...!!»

إضافةً إلى ذلك، لم تظهر هيميغامي أي مقاومة عندما أخذوها أساتذة مدرستها. لقد هربت بيأس بعيدًا عن المدرسة، ولذا بالتأكيد كانت لتقاوم، لذا لا يمكن أن تكون راضية عن أن يعيدونها بهذه الطريقة وهذه السهولة.

أول شيء سيفعله الشخص العادي هو الهروب.

إذا لم يُفيد الهروب وحيدًا، فسيطلب المساعدة من أحدٍ آخر.

لكن...

طلب المساعدة كان يعني إدخالهم في مشاكل.

«اللعنة...!!»

كان غاضبًا. كان غاضبًا لدرجة أنه بالكاد يستطيع التفكير. غاضب من مدرسة ميساوا لاحتجاز فتاة كأنها حيوان، غاضب من الخيميائي الذين جاء يخطفها، وغاضب من ستيل الذي قال أن ديب بلود كانت وسيلة لكشف مصاصي الدماء.

لكن أكثر ما أغضبه هو أن هيميغامي آيسا تجاهلت سلامتها الشخصية لحمايته.

لأن ذلك كان خاطئًا. لو أن كاميجو قد دفع لها مئة ين وانتهىٰ، فلربما غيّر ذلك حياتها. لكنها اختارت أن تُعاد إلى المدرسة من أجل إبعاد الخطر عنه، لأجل إنقاذه، الذي دمر آخر أملٍ لها. كان هذا خاطئًا.

لم يكن لديه أي فكرة عن نوع الديانة الجديدة التي كانت عليها.

لكنها كانت فقط فتاةٌ وحيدة. لم يستطع أن يتخيل نوع المعاملة التي كانت تتلقاها وهي محتجزة في مكان ما مثل ذاك. ولم يرد أن يتخيل ذلك أيضًا.

كان يجب على كاميجو أن يكون الذي يشعر بهذا الألم.

لماذا ذهبتِ و—

عض كاميجو شفتيه. ذاق الدم الذي يلتصق بأسنانه الأمامية.

—وضعتِ أحدًا في دَيْنِكِ هكذا؟!

هذا أكثر ما أغضبه عندما فكر فيها. شعر بأن رأسه سيغلي فقط من هذا.

ما حمل كاميجو "ذكرياته".

لكن تلك العيشة... الاعتقاد بأنه من الطبيعي أن تُعامل كشيء من قبل كلّ من حولك... ذاك التفكير الذي يقول بأن هناك سعادة حقيقية في إنقاذ الآخرين بتجاهل آلامك...

تلك الفتاة الوحيدة تعاني من أجل الآخرين وتبتسم على كل حال.

في الماضي... كان يشعر بأنه قد قابل فتاة كتلك من قبل، وكان يشعر بالإحباط لعدم قدرته على تذكرها حينها.

ما من درب آخر إلا أن يذهب وينقذها.

لأنه شعر بأنه... عليه أن يضرب هيميغامي آيسا بقوة مرة واحدة لكل الأشياء الأنانية التي فعلتها.


ما بين السطور 1

––وَقَفت فتاةٌ في بحرٍ من الرماد.

كانت حكاية من عشر سنواتٍ مضت.

غادرت فرقة الفرسان الأولى، إحدىٰ الفرق الفارسية الثلاثة عشرة "للتنقيب في النقاط الرئيسية للعدو بسرعة أكبر من الآخرين" وفقًا لمبادئ تأسيسها.

في هذه المرة، كانت "النقطة الرئيسية للعدو" هي قرية صغيرة في إحدىٰ الجزر الشرقية، في جبال كيوتو. كانت مهمتهم الروتينية هي تحديد هوية تدفقات الطاقة السحرية الزائدة بشكل غير طبيعي، وإن رصدوا نيّةً شريرة وراءها، فعليهم القضاء عليها.

––مرّت ست ساعات منذ توقف كل وسائل الاتصال مع القرية...

––وثلاث ساعات منذ اختفاء ضباط الشرطة الذين ذهبوا للتحقق...

كان الجميع يعلم أن القرية المذكورة هنا ربما تدمّرت تمامًا. ولكن في نفس الوقت، لم يكن ذلك شيئًا استثنائيًا. في إنجلترا كان هناك المتحف البريطاني، أو المَعمل العسكري – مذبح الدم الذي جُمعت فيه الكنوز الإلهية المنهوبة من جميع أنحاء العالم. بالمقارنة مع الأمراء القدماء الغاضبين الذين عاشوا في تلك الكنوز وانقلبوا علىٰ أسيادهم، كان مستوىٰ الخطر منخفضًا.

كانت المعدات المقدمة خفيفة أيضًا، بما في ذلك الدروع الجراحية والرماح المتقاطعة فقط، دون أي نسخ طويلة. كانت الدروع الجراحية بمثابة بذلة مقدسة يمكنها توجيه الطاقة في جميع أنحاء الجسم وزيادة قدرة الحركة للمرتدي بمقدار عشرين مرة. يمكن أن تُسمىٰ سلاحًا روحيًا من الدرجة الأولى، لكن كان واضحًا للجميع أن الشخصيات المهمة المعنية لم تشعر بأي نوع من التهديد من هذا الوضع.

ولكن حتى ذلك لم يكن سوىٰ قليلا. كان هناك شيء يزعجهم.

كان شيئًا من هذا القبيل في الرسالة النهائية لناج استخدم الهاتف:

«ر-جاء، ه-ذا لـ-يس ببشر-ي-هو آ-.»

لا أحد صدّق، بالطبع.

حتى الشخصيات الكبيرة في الكنيسة لم تعتبره حقيقيًا، وهذا هو السبب في أنهم لم يزوّدوهم بمعدات لائقة.

لكن كان هناك ضغط غير مريح، ثقيل بطريقة ما، يتزايد في كل عضو من فرقة الفرسان الأولى، التي كان لديها سجلٌ خدميٌّ طويل.

المخلوق. على الرغم من وجود سجلات قديمة على الأقل بقت في المكتبة الوطنية البريطانية، لم يرَ أحدٌ هذا المخلوق بالذات، وكان مفهوم القبض عليه غير موجود. لماذا تم إنكار وجود هذا المخلوق غير المؤكد حتى اليوم؟ كانت إجابة ذلك السبب الواضح للضغط الذي كانوا يشعرون به في صدورهم.

لأن العالم كان لينتهي منذ أمدٍ بعيد لو وجد مخلوق من هذا القبيل.

ما كان مخيفًا قوة هذا المخلوق البدنية. لو كانت قوة العدو البدنية لا تُضاهىٰ، فسوف يستعين البشر بشيءٍ آخر بدل القوة البدنية لهزيمته. هذا هو السبب في أن البشر ابتكروا العديد من أنواع الأدوات والأسلحة والتجهيزات المختلفة.

لم يكن مخيفًا خلود هذا المخلوق. إذا لم يمت العدو بقتله، فمن الطبيعي أن يبحث المرء عن طريقة لهزيمته دون قتله – على سبيل المثال، عن طريق سجنه تحت الصقيع الأبدي في القارة القطبية الجنوبية أو عن طريق تفكيك جسده الغير قابل للتدمير إلى مئتي قطعة وتفريقه أو حبسه.

هذه الأمور لم تكن المشكلة.

المشكلة كانت في الكم الهائل من الطاقة السحرية التي يُفترض أن هذه المخلوقات تمتلكها.

بالنسبة للسحر، يمكن مقارنة الطاقة السحرية بالبنزين البسيط. تقوم بتكرير الزيت الخام في جسمك – أي فترة حياتك وقوتك الحيوية – إلى "بنزين" يسهل استخدامه. يمتلك البشر فترة حياة محدودة فقط في البداية، لذلك كان الفرق بين اثنين أحدهما يمتلك سحرًا قوي والآخَرَ ضعيف لا يرجع إلا ما إذا كان المرء جيدًا أم سيئًا في هذا التكرير.

ومع ذلك، لم ينطبق ذلك على هذه المخلوقات.

كانت فترة حياتها وقوتها الحيوية التي تعمل مكان زيتها الخام على مستوىٰ أساسي مختلف تمامًا. لا، ليس على مستوىٰ مختلف – كانت قوتهم الحيوية لا محدودة حرفيًا. بطبيعة الحال، خلق ذلك أيضًا فارقًا في السِّحر الذي يمكنهم استخدامه. من المستحيل أن يصمد مسدسٌ بعدد محدود من الرصاصات أمام عدد لا يحصى من الصواريخ المُهاجِمة.

لذلك، ضحك فرسان الفرقة الأولىٰ ليُبعدوا قلقهم ولكنهم ما تمكنوا من مَحْوِهِ تمامًا.

وعندما ساروا عبر النباتات ووصلوا إلى القرية الجبلية التي تركتها العصور، ما رأوه سحق قلوبهم بقبضة مميتة.

رمادٌ أبيض نقي بقدر ما يمكن أن تبصر الأعْيُن.

كانت عاصفة من الرماد الأبيض تجتاح القرية الشرقية التي تركتها العصور. كانت أسقف المنازل وتربة الحقول والطرق الزراعية النحيلة مغطاة بطبقة رقيقة جدًا من الرماد.

رماد.

أكانت...بقايا ذلك المخلوق؟

ومع ذلك، لم يكن هذا ما أدهشهم. إذا كانوا بقايا، كان هناك ما يكفي لأكثر من عشرين، لكن حتى ذلك لم يكن كافيًا حجةً للمشهد أمامهم.

وسط العاصفة وقفت فتاةٌ واحدة.

إذا خمّنوا عمرها، فربما لم تكن تتجاوز الخامسة أو السادسة، وكانت تمتلك شعرًا أسود مُميز خاصًا بالآسيويين. ولكن على الرغم من رؤية وجهها اللطيف، تجمدت نفوس الفرسان الذين جاءوا لتدمير البدعة.

حتى تلك المخلوقات التي كانت تُعَذّب القرية قد تم تدميرها وتحويلها إلى عاصفة من الرماد...

ولكن على الرغم من أنها كانت في هذا الجحيم، لم يكن للفتاة أيّ جرح.

رقصت الرياح، وتطاير الرماد.

كما لو أنّ ملاذًا يُحيط بها، لم يقترب الرماد منها، على الرغم من الفوضى المحيطة والتي كانت تغطي القرية المحاطة بالجبال. كان الأمر كما لو أن الرماد، على الرغم من موته، يتجنبها خوفًا.

«أنا—» قالت الفتاة...

«—قتلت مرة ثانية؟»

...بصوتٍ أبْدا هذا أمرًا طبيعيًا لها.

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)