-->

المقدمة: الكرسماس الدامي بدأ. — 24/12 _ إلى _ 25/12.

(إعدادات القراءة)

كانت عشية الكرسماس.

الثلوج تتساقط، فصار كرسماسٌ أبيض، والمدينة أضاءت وتلونت وامتلئت بالموسيقى المبهجة، ويفترض أن الجميع يبتسمون معًا مُمتنين لسعادتهم اليومية.

من هذا المنطلق، ربما انسجم سلوكها مع الأجواء. لأن الكرسماس في اليابان هو -أولاً وقبل كل شيء- عطلةٌ للعاشقين.

ولكن.

من الصعب أن نقول أن تصرفها هذا لم يكن صادمًا.

على الأقل في نظر إندِكس.

وميساكا ميكوتو.

وأوثينوس، الإله الذي تقلص حجمه إلى مجرد خمسة عشر سنتيمترًا.


أولئكم الثلاثة شاهدوا شفاهًا تلمس شفاه.

كانت ساحرة جذّابة تقف في مركز الحدث وتسرق بهدوء شفاه صبي في الثانوية يُدعى كاميجو توما.


آنا سبرنجل.

كان شعرها طويلاً أشقر يميل للفراولة تَسَرَّح في أشكال مسطحة تُذَكّر بالرُبيانة المقلية، وكانت تطول إندِكس وميكوتو قامةً. ومنحنياتها المثيرة تغطت بفستانٍ أحمر... إن سَمَّيناهُ فستانًا. قد يكون شيئًا أشبه بليوتارد أحمر مضافًا إليه تنورة طويلة حول الوركين. بدا غريبًا في اليابان الحديثة، في طوكيو، وخاصة في المدينة الأكاديمية أرض العلوم، لكن إذا سُئل أحدهم عن أي عصر أو منطقة انتمت إليها ملابسها، لما استطاع أحدٌ أن يُجيب. بدل أن تتكيف مع محيطها، صبغت العالم من حولها بألوانها. حتى المريخيون الذين يزورون الأرض بسفينة فضائية قد يبذلون جهدًا أكبر لمواكبة معايير الأرض.

كل حركة منها نشرت رائحة وردية حلوة مريضة.

「نه، هه.」

هل كانت تضحك أم تتذمر؟

في كلتا الحالتين، بدت وكأنها تدفع أنفاسها الساخنة في فم شريكها وهي تسرق هذه القبلة الطويلة والمديدة.

أخيرًا، سحبت رأسها للخلف بينما أبقت ذراعيها حول عنق كاميجو. انحنت للأمام وهي تضغط صدرها الكبير عليه وتنظر إلى عينيه.

「كيف كانت؟」

「آه، أه، أه، أه، أه...」

التأتأة لم تصدر من كاميجو توما بل من ميساكا ميكوتو التي شاهدت الحدث – لا، بل التي وجدت نفسها عاجزة عن فعل أي شيء سوى المشاهدة.

بدا أن حلقها بالكاد يتشنج، لكنها بذلت الجهد لتُخرج الكلمات.

「أنتِ!! ماذا... ماذا تحسبين نفسك فاعلة! ظهرتي من العدم وفعلتِ هذا... هذا؟!」

ليس منطقيًا.

لقد حدثت فجأة تمامًا. ظهرت فتاة في حوالي العاشرة من العمر من بين الحشد، فنَمَت فجأة فكَبُرَت، لتحتضن كاميجو توما وتُقبّله. ما يعنيه كل ذلك؟ عقل ميكوتو فرغ تمامًا ولم تستطع مواكبة ما يحدث. وإذا لم تستطع ربط الأسباب بالأحداث التي شهدتها، فعليها أن تفترض أن هناك شيئًا أكبر يحدث في الكواليس. عليها أن تعتمد على المَثَل القديم الزين ما يمطر دون ثمن.

نعم.

لابد أن هذا هو.

هذا الشعور الذي يحترق في ذهنها كان استجابتها لظهور تهديدٍ جديد، وليس له أي علاقة بمشاعرها الشخصية. مزيج الحزن والضيق والظلم والخسارة الذي يتقلب في بطنها ولم تستطع بسهولة أن تُسميه مجرد وهم.

لابد أن في الحكاية أكثر.

هناك شيء مشبوه حول هذا الأمر.

استعدت للقتال، جمعت قوتها في ساقيها، وحاولت قمع الشعور الذي هَدَّد بجلب شيءٍ إلى زاوية عينيها إذا لم تُبقي جسدها مشدودًا. وبعد أن فعلت، أعادت النظر إلى المشهد أمامها.


وهكذا لاحظته.

الدم يتساقط ببطء من أنف ذلك الأحمق ذو الشعر الشائك.


「........................................................................................أوووه، فهمت كيف هي. إذن لقد قبلت أخيرًا هذه "الهدية"، ها؟ إي، إي.」

بينما انخفضت مشاعرها إلى الصفر المطلق، كادت توجه هدفها من الربيانة المقلية الغامضة إلى شائك الشعر المألوف.

ولكن.

ربما كان يجب أن تكون أكثر ملاحظة.

كاميجو كان ينزف من أنفه، لكن لماذا؟ أوكانت مثل تلك الكليشيه عن حدوث نزيف الأنف بسبب الإثارة الزائدة الممكنة بيولوجيًا؟ ولماذا لم يتحدث بكلمة واحدة طوال هذا الوقت؟ سواء تفاجئ أو فرح أو اعترض اعتراضًا، كان من المفترض أن يُظهر أي تفاعل أو ردة فعل على هذا التحول غير المتوقع في الأحداث.

نعم.

ماذا لو كان غير قادر على فعل أي من ذلك؟

「بفف.」

هرب شيء من فمه.

قهقهت آنا سبرنجل وسحبت ذراعيها لتطلق سراحه من حضنها. على الفور انحنى، وكأن سدادة قد أزيلت.

「بغغه!؟ آغهه!! أعبواااااااااااااااااااااااااااااه!؟」

تبع ذلك أصوات مقززة.

في البداية، كان العُشاق المارة يضحكون بهدوء من بعيد. ربما افترضوا أن أحد طلاب الثانوية قد بالغ في الاحتفال في عشية الكرسماس فأكل وشرب الكثير. لكن بعد ذلك بدأت الشكوك تظهر على وجوههم. فعندما لاحظوا أن المادة التي تتناثر من فمه كانت ذات لون أحمر ولا تبدو كحساء أو مشروب من ذلك اللون، بدأ الذعر يملأ الساحة العامة.

「توما!! أنت بخير؟ ماذا فَعَلَت بك؟!」

「هل... هل جعلتك تبتلع شيء؟!」

الوحيدة التي ما تزال تبتسم هي آنا سبرنجل.

「يَهْ يَهْ. أوكان مثيرًا جدًا عليك أيها الفتى؟」

ردت بطريقة طفولية جدًا لامرأة أخّاذةٍ فتنةٍ مثلها.

أخرجت لسانها ساخرة.

وكان على هذا اللسان الخبيث شيء استقر عليه.

ثم تمتمت أوثينوس ذات الخمسة عشر سنتيمترًا بسخطٍ.

「القديس جيرمان؟」

「أنصحك بالنضال إن لم ترد أن تفقد نفسك من ألم الداخل وخوف المجهول.」 واصلت ابتسامتها المغرية وهي تلوح بشيء في يدها.

كان هاتفًا ذكيًا عاديًا تمامًا.

「وإن كنتَ ترى أن تقنياتك لا تكفي، فلا تتردد في تقديم طلب في أي وقت. هييهيي. شركة ‹خفيانية R&C› ستوفر لك الوسائل لمواجهة كل جانبٍ ظالمٍ في هذا العالم. نحن نرحب بالجميع على قدم المساواة.」

「اخخ!! مهلا! لا أدري إن كان سُمًّا أو بكتيريا، ولكن إن كان من صنعك، فلا بد أن معكِ ترياقًا أو لقاحًا أو—」


「كفى!!」


بدت الصرخة وكأنها أوقفت الزمن.

جاءت من أوثينوس.

ولكن هل كانت تخاطب آنا أم ميكوتو الغاضبة؟

ما بدا على آنا سبرنجل الاهتمام.

وبينما كانت تقف هناك، كان الثلج المتساقط يتجنبها غير طبيعي.

「حالفك الحظ.」

لاحظ الجميع متأخرين طاقةً غريبة تملأ المكان بتوتر يشبه الكهرباء.

وتلك الملاحظة الهادئة أوضحت لهم جميعًا شيئًا.

لم يكن يهم إذا كان هذا شيئًا يفهمه المرء العادي أم لا. كل من كان هنا أدرك أن شيئًا قد تَجَهَّز، ولو أن [ميساكا ميكوتو] اقتربت خطوة واحدة سهوًا نحو [آنا]، لتحولت إلى كومة من الأشلاء على الثلج.

لا بد أن أوثينوس كانت غاضبة بحقٍّ أيضًا، لكنها تعلم ما يجب أن تقوله تجنبًا لجلب أي حزن زائد لذلك الفتى.

「ارجعي الآن. إذا لم تري ذلك، فهذا يعني أنك لا تزالين بعيدة عن نفس الميدان الذي تقف فيه هذه المرأة. مواجهتها هكذا ما هو إلا انتحار」

「لكن...」

ميكوتو بنفسها تعرف.

كانت تعرف عجزها عن الفوز أو المواكبة.

مع ميدونة هوشيمي ونيوكا نوريتو، شعرت ميساكا ميكوتو كما الحال طوال يوم 24 ديسمبر تقريبًا. ربما اقتدرت الصمود لفترة من الزمن، ولربما هرب التهديد عن أبصارهم لَوْلا جهودها، لكن الخطوة النهائية كانت دائمًا بيد ذلك الفتى شائك الشعر.

كم مرة أخرى سيُصاب لأجل الآخرين؟

أما كان بوسعها حمل هذا العبء عنه لمرةٍ فقط؟!

「لكن!!」

「مرحلة التمرد لظريفة، ولا؟」 لم تتحرك آنا سبرنجل ولو قليلاً وهي تشير بإبهامها نحو صدرها. 「كما تتخيلي، لدي حل لهذه المشكلة. وهو هنا بالضبط. إن كانت تزعجك ذاك الحد، فلماذا لا تمدين اليد فتُمسكينه؟ لربما يكون هذا كل ما يلزم لإنقاذه.」

「...!!!؟؟؟」

عضت ميساكا ميكوتو شفتها، وارتعشت ذراعها اليمنى بغير طبيعية.

مجرد تخيلها لذلك العقار المجهول هز وأرعش وحَرّك أصابعها كأن لها إرادة مستقلة. بدا وكأنها تمر بنوع من أعراض الانسحاب.

「 يَهْ 」

بدت آنا سبرنجل وكأنها خابت أملاً.

بدت حقًا متفاجئة وهي ترى ميكوتو ترتجف وتمسك يدها المهيمنة بالأخرى لتبقيها بجانبها.

「أعطيك درجة 100 المثالية—وهي أكثر نتيجة مملة أتخيلها. مملةٌ هي كمثل تلك الألعاب التقمصية (RPG) التي تحبها هذه البلاد. أما تتعبون أنتم من التكبيس على الزر مرة بعد مرة وأنتم تشاهدون حواراً ممل؟ أما فكرتم يومًا أن تتحرروا من القصة الحزينة التي وضعها المطورون؟」

يبدو أن هذا قد حدد كيف ستتطور الأمور.

بخطوات خفيفة كجنية تلعب في الثلج ليلاً، حافظت آنا نظرها على ميكوتو وهي تتراجع بعيدًا عن جدار الموت ذاك. بدت وكأنها تختفي في الظلام الذي يراه الجميع ولا يجرؤ أحد دخوله.

「حتى الإماجين بريكر لن يحل هذا،」 قالت بصوت يغني. 「هذا ليس القديس جيرمان الطبيعي الذي ضعفت تأثيراته التآكلية مع مرور الأجيال. لا، هذه نسخة حادة أنشئتُها بنفسي. ولكم أن تُسَمّوها نسخةً مسلحة.」

ضحكت كأنها تسخر من ميكوتو لكونها طالبة مؤدبة لا تقدر على تجاوز القواعد.

「تكنولوجيا هذه المدينة العلمية لن تعالجه. والسحر في كل مكان خارج جدران هذه المدينة لن تشفيه أيضًا. كافحي ما شئتِ—أطيلي معاناته ما شئتِ. وعندما تَيأسين من قدرتك على إطالة حياته عشوائيًا، تعالي إليّ. اطرقي أبواب خفيانية R&C، ولنا أن نحل هذه المشكلة التافهة بلمح البصر.」

اختفت.

هذه المرة، انسحبت آنا سبرنجل حقًا إلى ما وراء حجاب الظلام مثل سمكة كبيرة تقطع خيط الصيد بسهولة وتفر هاربة تحت السطح.

نعم.

كما لو أنها انسحبت بعد أن وضعت معايير المعركة بحيث لن يجد العدو أي فرصة لتحقيق النصر.

「انتظري!!」 صرخت ميساكا ميكوتو دون تفكير.

حتى وهي تعلم أنه لا فائدة.

وتغيرت نبرة الكلمة عن غضبها السابق الصافي. في صوتها ندم واضح. لو جاءت الفرصة مرة ثانية، فقد تمد يدها وإن عنى ذلك دمار جسدها كله. كانت لتشق طريقها عبر توقعات المتحكم في اللعبة وتجعل استمرار اللعبة مستحيلاً. مثل هذه الشجاعة الخاطئة هي التي تحركها الآن.

ممثلة الفصل التي كانت دائمًا تسجل 100 قد ارتكبت خطأً طائشًا وحصلت على 99 فقط.

لعل ذلك ما أثار فضول آنا سبرنجل قليلاً. النبرة التي التقطتها في تلك الكلمة الواحدة كانت كافية لإيقاف خطواتها الراقصة إلى الخلف لحظةً وجيزة. ربما كانت تزيل قلقًا بشأن قواعد اللعبة.

إذا "استسلموا"، فكيف يجدونها؟ إذا لم يعرفوا كيف يتواصلون معها، فما لهم أي وسيلة لإعلامها باستسلامهم وخضوعهم لشروطها، وبالتالي قد ينفد الوقت لذلك الفتى ويموت رغمًا عنهم.

كان لتلك الساحرة —التي تحولت إلى أسطورة بمجرد وجودها— ردٌّ بسيط على هذا الخوف الخفي.

وضعت سَبَّابتها على شفتيها وكأنها تكشف سرًا.


「يمكنك التواصل معي من أي مكان في العالم هذه الأيام. تعرفين كيف تستخدمين الجوال، ولا؟」


اختفت آنا سبرنجل.

اختفت وسط حشد المدينة بصمت يُشكك في أنها كانت موجودة أصلاً.

  • ما بين السطور 0

[الذهب] أو [الفجر].

إن كانت هاتين الكلمتين المشهورتين لم تعني شيئًا في نظرك، فأنت لست من هذا العالم. كأنك صاحب مقهى لم يرَ في حياته سيفون القهوة. على الأقل في هذا المجال المحدد.

لكن لا داعي أن تخجل من جهلك بهذا المصطلح.

المجتمع الذي أخذ السحر نظامًا تقنيًا هو مجالٌ ضيق جدًا مقارنةً بسكان العالم كلهم. الغالبية لا تعرفه، لذا من الطبيعي ألا تكون على دراية به.

والآن دعنا ننتقل إلى الموضوع الحقيقي.

هاتان الكلمتان تشيران إلى عصبةٍ سحرية تأسست في العاصمة البريطانية لندن خلال أواخر القرن التاسع عشر. وقد عُرفت بأنها أعظم عصبةٍ سحريةٍ في العالم لسببٍ وجيه. أنتجت العديد من السحرة العظماء (وعددًا مماثلاً من المنحرفين المزعجين) مثل ويستكوت، ماذرز، مينا، وايت، وأليستر كراولي، كما أنها نَظَّمت علوم السحر التي كانت في السابق مجموعة متنوعة من المعلومات غير الموثوقة، بل وسَعَت إلى إنشاء [طقم أدوات] بسيطة تتيح لأي شخص إنشاء سحرٍ جديد بسهولة. كانت عصبة الذهب تمتلك مهارات فائقة، لكنهم لم يُباركوا بموارد تشغيل كافية، كما أن أعضاءهم افتقروا بشكل مدمر إلى المهارات الاجتماعية لدرجة أن عبقريتهم لم تكفيهم لتعويض ذلك. لذلك، في غضون بضع سنوات فقط، انهارت تلك الجماعة التي كانت لا تمس من الداخل. أبسط طريقة لفهم كيف حدث ذلك هي من خلال النظر إلى أعظم معركة سحرية في العالم—معركة طريق بلايث.

احتفظت شظايا العصبة المنهارة—أي الناجون القلائل—بالعناصر الروحية والمخطوطات التي هربوا بها وأنشأوا عُصبًا سحريةً أصغر، وجميعها تصر أنها الوريثة الحقيقية للأصل. تم إحصاء أكثر من مئة من تلك الجماعات رسميًا، لكن يمكن القول أن هذا العدد الكبير هو الذي جعل من توحيدهم عملاً مستحيل. جماعات الذهب المختلفة الموجودة اليوم مشغولة جدًا في تخريب بعضها البعض إلى درجة أنهم ما ملكوا الوقت لغير ذلك. لكن مفاجئةً، لن تجد أفضل منهم مثالاً لجماعة مارست السحر كمنظمة.

حتى وهم شظايا وشقوق وقطع، فإنهم يحملون تأثيرًا لا يصدق.

قد يساعدك هذا في تخيل مدى القوة التي كانت امتلكتها العصبة الذهبية الأصلية.

وبالمناسبة.

حتى مع أن عصبة الذهب تقدست لذاك الحد (لتقنياتها وثقافتها، وليس لشخصيات أعضائها ومهاراتهم الاجتماعية)، هل كنت تعلم أنهم حصلوا على مساعدة في تأسيس أنفسهم عصبةً سحرية؟

كل شيء بدأ مع ويستكوت، أحد المؤسسين الثلاث.

بصعوبة فَكَّ شفرة نصٍّ حصل عليه صدفةً، وبمساعدة ماذرز، استخدم الشخبطة المجزأة فيها كدلائل ليكتشف مخطوطةً سحريةً جديدة. ثم أرسل رسالة إلى عنوان المالك المفترض للمخطوطة، واستخدم المراسلات الخطية ليتعرف على منظمةً ذات تاريخ طويل في ألمانيا، وحصل على إذن بتأسيس عصبةٍ سحرية جديدة خلال تلك الفترة.


تلك المنظمة الألمانية كانت عصبة الروزكروشن (الصليب الوردي).


والآن، هل [الذهب] أم [الروز] أشهر؟

إذا نظرنا فقط إلى عمق تاريخهم وعدد الأشخاص والأمم التي تورطت معهم، فسأقول هنا إن الروز يتفوق كثيرًا كثير. قيل أن عصبة الذهب أسست أساس السحر الحديث، لكن هذا يعود كثيرًا إلى الكم الهائل من المعلومات التي تسربت من مشاكلهم العديدة. لذا، لا ينبغي أن يُنظر إلى الروز على أنه أقل شأنًا في هذا الصدد؛ إنما ببساطة كانوا أحسن من الذهب حفظًا للأسرار. وقد نجوا حتى العصر الحديث رغم انتشار الشبكات وطائرات الدرون.

والآن دعنا نتعمق في الروزكروشن.

ترجع أصول العصبة إلى الساحر الأسطوري كرستيان روزنكرويس الذي نظم المعرفة التي جمعها خلال رحلته الطويلة حول العالم ثم أعاد توزيعها في شكل يمكن للعاديين استخدامه. الكتب السحرية الثلاثة التي بورك البعض بفرصة قراءتها (على شكل نسخ تُمنح لهم إذا تخلوا عن حياتهم العادية لدخول العالم الخفي) هي [فَما فُراتِرْنيتاتِس — شهرة الأخوية] و [كونفِسيو فُراتِرْنيتاتِس — إقرار الأخوية] و [خُمِشِه هُوخ-زايت — عرس الكيمياء]، ولكن هناك شائعات أيضًا حول كتاب سحري أصلي نقي يُعرف باسم كتاب M، والذي زعم روزنكرويس أنه تلقاه من الحُكماء. هدف الجماعة كان علاج "الأمراض" التي تصيب الناس والعالم، ولم يترددوا في العمل دون مقابل لتحقيق ذلك.

وهكذا، كانوا يعرفون الكثير عن الأساليب التقليدية لتجميع ومزج الأدوية.

أما "أمراض" الناس واضحة بذاتها، فماذا عن "أمراض" العالم؟ النظرية الأشيَع هي أن الأمراض التي تصيب العالم يمكن القضاء عليها بتعليم المجتمع البشري معرفةً صحيحة وتصحيح المعتقدات الخاطئة التي تؤدي إلى الحروب والتلوث والإفراط في استغلال الموارد. بعبارة أخرى، سحرة العصبة أنفسهم يعملون كالأدوية.

كان روزنكرويس من القرن الرابع عشر، ولكن منذاك الحين، ارتفعت جماعة الروزِكروشن إلى مستوى أن تصير بديهيةً شائعة خلال الأوقات التي اكتسبت فيها شعبية انفجارية. هناك أيضًا شخصيات تاريخية شهيرة مرتبطة بها وتُذكَرُ في هذا السياق، مثل [فرانسيس بَيكون] الذي اقترح "الأصنام الأربعة" وكان نشطًا في القرن السادس عشر، والقديس جيرمان الذي كان يُرى في الحفلات الاجتماعية في القرن الثامن عشر، وإليفس ليفاي الذي كشف نصوصًا قديمة للصليب الوردي في القرن التاسع عشر، وأليستر كراولي الذي ادّعى أنه تجسيدٌ جديدٌ لليفاي. وهناك أيضًا آنا سبرنجل، التي أحاط بها غموض أكبر، حتى أن البعض شك في وجودها أساسًا.

كانت هي التي راسلت ويستكوت عبر الرسائل.


إذن، هي المعلمة التي أعطت تلميذها الإذن لتأسيس العصبة الذهبية.


وكما أسلفنا، آنا سبرنجل أحاطها الغموض.

هي ساحرة قديمة تَدّعي أنها رئيسة المعبد الأول لجماعة الروزِكروشِن في ألمانيا. ينادونها بـ"الآنسة سبرنجل"، لذا يُحسب أنها شابة، لكن عمرها الفعلي غير معروف. لم تتجاوز البشرية ولم تتخلَّ عنها، بل تَدّعي أنها تشغل منصبًا مشابهًا للكاهنة التي تتواصل مع الكيانات العُليا المعروفون باسم [الرؤساء السريون]. وإذا كانت الوحيدة التي تشغل هذا المنصب، فإن لديها السلطة لاستخدام قوتهم ضد باقي الإنسان.

شُكَّ في وجودها لغياب سجلات رسمية عن ظهورها أمام الغير، ولأنها لم تظهر إلا في رسائل ويستكوت. أيضًا، الخط في رسائل آنا سبرنجل كان مزورًا بوضوح، لذا اشتُبِهَ بقوة أنها كانت زيف من صنع ويستكوت نفسه. ويُعتقد أنه أراد الموافقة من عصبة الروزِكروشِن المحترمة ليُضفي شرعية تاريخية على عصبة الذهب الجديدة.

ولكن تزوير الرسائل لا يثبت بالضرورة أن آنا سبرنجل غير موجودة. لعلّ ويستكوت قد استند في رسائله المزيفة على آنا الحقيقية، أو أنه أنشأ تلك الرسائل المزيفة كوسيلة لإخفاء الرسائل الحقيقية عن أي أطراف مهتمة.

الآنسة سبرنجل هي المفتاح.

 

وفقًا لما تتبعه البشر من أفعالها، يبدو أنها بالفعل أعلى من السحرة مستوىً. إنها أسطورة لها صلات عميقة بعصبة الذهب والروزِكروشِن. في ميزان القوى، لا تقف على أي من الجانبين—بل تجلس في المركز، تراقب ميل التوازن. وبشغلها هذا المنصب، سترى جميع القيم العددية. إذا تمكن أحدٌ ما من تعقبها، فسيكون قادرًا على كشف كامل المجال المظلم الكامن تحت هذا العالم الذي يَدَّعي على السطح (الظاهر) أن العِلم سَيِّدُ الكل.

فماذا سيحدث للعالم حينها؟

إذا أطل أحدهم بفضول على هذا المجال، هل ستنجو الثقافة الروحية الهشة للبشرية من هذا اللقاء؟

يصعب ضمان ذلك.

أندريه، الذي شغل منصب رئيس دير في ألمانيا، اِدَّعى في كتاباته أنه اخترع ووَزّع النص السحري للروزكروشِن في أوائل القرن السابع عشر، وهو كان ابن التاسعة عشرة. وادّعى أن اعترافه بمقلبه قد أنهى الحُلم، لكن جماعة الروزِكروشِن استمرت حتى العصر الحديث. واستمرت كجماعة سحرية غامضة تمارس تعاويذًا "تُستخدم". لذا، يبدو تسرعًا وغباءً أن نقبل ادعاء شخص واحد بالخداع ونرتاح. سيكون ذلك بمثابة تهور يوازي الادعاء بأن الإشعاع غير موجود فقط لأنك لا تراه.



「همم، إذن هذا ما يحدث إذا جَمَّعْتَ بقوةٍ منحوتاتٍ مجزأةٍ مكسورةٍ بالغراء معًا..... ولمن عَرَفَ كامل الحقيقة، فهذا مزيجٌ من الحقائق والخيال مفزع.」

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)