الفصل الثالث: مؤامرة ظلامية وحاجزٌ اختفى. — العدو_يستخدم_XXX.
(إعدادات القراءة)
انتقال بين الأجزاء
- الجزء 1
دار بصر كاميجو جنونياً.
لو ضرب بالأرض، للقِيَ حتفه. السكين الخاصة المغروسة في جنبه ستمزق أعضائه وأوعيته الدموية إذا حدث ذلك. وهو يعلم، لكن ما عساه يُنبت جناحين فيطير. ما إن فارقت قدماه الأرض، لن يستعيد توازنه.
ولكن، ذلك لم يحدث.
لأن...
«أنت بخير؟ تسألك ميساكا تتأكد من حالتك وهي تمسك بك.»
إحساس لطيف أنقذ حياته.
ما كان بمجرد ملمس ناعم لبشرة فتاة. ليس أنها فقط أمسكت به دون لمس السكين، بل استخدمت جسدها مثل الزنبرك (النابض) لتُخفِّف الصدمة.
لكنه ما كان بحالةٍ يشكرها الآن.
تجاهل آلام جسده وأشار إلى الأعلى مباشرة بينما كانت الفتاة اليافعة تحمله بين ذراعيها. كان من المفترض أن يكون هذا طريقًا إسفلت، ولكنه الآن وَجَدَ جرفًا بارتفاع طابقين أو ثلاثة.
«أرجوكِ! أنقذي لاست أوردر!!»
لم ترد ميساكا إيموتو.
في الواقع، وضعت كاميجو بلطف على الأرض وبدأت تتفحص جرحه.
«أنتِ....؟»
«لقد مَرَّ الجرح بالقرب من كبدك وتجنب بنجاح عِدّة أوعية دموية. لربما اختير هذا الموقع عمدًا لجعل الإزالة صعبة، كما تقول ميساكا وهي تعبس من القسوة.»
«ماذا تفعلين؟ انسي أمري! الحقي بها وإلا ضَيَّعناهم!!»
«ميساكا لا تستطيع ذلك.» هزت الفتاة رأسها بلا أي تعبير في عينيها. «ميساكا ستحترم إرادة ‹الوحدة الأعلى› وستدعها تفعل ما تريد، لكن رأيها يصل إلى ميساكا عبر شبكة الميساكا، كما تشرح ميساكا.»
«...عماذا تتحدثين....؟»
«هي لا تريد مكافأة لُطفِكَ بتركك. وهذه الميساكا تتفق، تقول ميساكا مؤكدةً رأيها.»
صَرَّ أسنانه بشدة حتى ظن أنه يكسرها.
أمسك بجانبه بيده وأمسك بمقبض السكين.
أكثر من الألم الحارق، شعر ببرودة على عموده الفقري من الرعشة الطفيفة التي مرت إلى جسده عبر السلاح. كان ذلك كافيًا ليخبره أن هناك جسمًا غريبًا مزق جسده وأنّ المعدن الحاد لا يزال هنا. هذا الإحساس غير الواقعي جعله يرى الأمور وكأنها أظلمت وتغطت بالضجيج، وتسارعت أنفاسه. كان ذهنه غير مستقر. ولن يلبث طويلا حتى ينهار فيمزقه الضغط لوحده.
«آه.»
لكن بدلاً من ذلك، أمسك بمقبض السكين بإحكام فدفعه عنه بقوّةٍ شرسة.
«آآآآآآآآهــــــه!!!؟؟؟»
شعر بإحساس زلق، أذلك دَمٌ..؟ بصراحة، أي احتمال آخر سيكون أسوأ بكثير. إزالة النصل الذي سد الجرح زَوَّد من النزيف أكثر، لكن عليه أن يتجاهله الآن. رمى السكين غير الضروري بعيدًا.
التنفس بعمق سيضره في هذه اللحظة.
أمسك أنفاسه لبرهة، وبدأ التشويش الوهمي يتلاشى تدريجيًا من بصره. يبدو أن فرط التنفس بدأ فيه.
كان غارقًا في العرق رغم برودة الهواء، ونظر إلى ميساكا إيموتو بنظرة حادة.
العالم من حوله تمايل.
إذا فقد أي قدر من تركيزه، فسيفقد وعيه على الفور تقريبًا.
لكن.
كان عليه أن يقول هذا.
«كَه، آه... هـ-هل هذا كافٍ؟ الآن ما عدتِ مضطرة أن تعتني بهذا الحقير عديم الفائدة.»
«محالٌ أن يكون هذا—»
«اخرسي!! لم أعتني بكن جميعًا رغبةً في المقابل! أنا فقط أفعل ما أريد، لذا كُفّي عن تسعير كل فعلٍ أفعله أو أن تعوضي أي شيء!! من وضعك شرطية للأعمال الخيرية؟ بهذا ستدققين في كل صغيرة يفعلها الناس!!»
لم يؤدِ صراخه إلى شيء.
تأرجح وكاد يسقط، لذلك أمسكت به برفق لتدعمه.
«ميساكا ستُخيط جرحك. الضمادة لن تكفي لإيقاف هذا النزيف، تقول ميساكا لتوضح الحقائق الموضوعية.»
«...»
«كانت ميساكا تود حقًا أن تعطيك مسكنات للألم أو إجراء نقل دم أولاً، لكن أمستعدٌ أنتَ أن نواصل كما هو؟ تسأل ميساكا ساعيةً لسماع تأكيدك النهائي.»
«افعليها. كل ما أحتاجه هو أن أواصل تحريك هذا الجسد اللعين لدقيقة أخرى أو حتى لعشر ثوانٍ. طالما أنه يسمح لي بإنقاذ تلك الفتاة.»
أخرجت فتاة النظارات العسكرية شيئًا يشبه مجموعة خياطة من جيب تنورتها. قد لا تختلف الأدوات نفسها كثيرًا، لكنها كانت مغلقة بالبلاستيك. كانت هذه حقيبة إسعافات أولية تُستعمل مرة واحدة.
«ما لنا وقت أن نُحَضّر بيئة معقمة في غرفة عمليات مغلقة، لذلك ستقوم ميساكا بتعقيم ميداني. سيُؤلم بشدة، تحذرك ميساكا.»
«افعليها.»
«إذن، استمتع بهذه الرشة الكبيرة من الإيثانول.»
صرخ وامتلأ بصره بصور شبيهة بالألعاب النارية.
كان أكثر من مجرد ألم، لكنها بهدوء كبتت ذراعيه وساقيه للتأكد من أنه لا يمزق الجرح في جنبه أكثر.
«ستُخيط ميساكا الجرح ما إن تتوقف التشنجات. هذا يعني أن ميساكا ستُمَرّر إبرة عبر الجرح الحساس وتخيطه، كما تشرح ميساكا. فعل ذلك دون تخدير سيكون جحيمًا لا يُطاق، لذا اعتبر أن ميساكا حذرتك.»
«و-ولو استخدمتِ التخدير؟»
«أرجح أن تستيقظ حوالي هذا الوقت غدًا في مستشفى معقم.»
استصعب التنفس، لكنه مع ذلك حَرّك إصبعاً مرتعشاً.
رفع ذلك الإصبع المحدد ليشكل إشارة لا يجب أبداً أن تُوَجّه إلى فتاة مثل هذه وقال.
«قطعًا.»
«رائعٌ أنتَ، تقول ميساكا وهي تمسك الإبرة بالملقاط.»
مرة أخرى، صرخ.
الشعور بانفجار الألم فوق إصابة توجع بالفعل كانت تجربة نادرة. طقطقت أسنانه وهو يحاول إحكامها وتحمل ما بدا وكأنه تحطيم لحواسه الخمسة إلى مليون قطعة. كاد أن يعض لسانه خطأً.
«لا تقلق، تقول ميساكا لتوضح استنتاجها.»
«ما قصدك...؟»
«ميساكا لن تقبل كل شيء في المدينة الأكاديمية بلا شروط، وكذلك هي تعلم أن عمق جانبها المظلم يقابله دفء جانبها اللطيف. لذا لا تقلق. فينا أن نلحق بهم دون أن تحمل العبء كله بنفسك، توضح ميساكا.»
بمعنى آخر...
«لستَ وحدك البطل. هذا ما قوله لك، تشرح ميساكا وهي تغمز.»
- الجزء 2
وقفت الفتاة بزي ماما نويل على جزء منحدر طفيف من الجرف الإسفلتي الذي ارتفع بزاوية.
«طــيّــــــب.»
ورغم ضعف الرهينة، إلا أنها لم ترد من الفتاة أن تقاوم.
(رأسي احتر من هذه القبعة والشعر المستعار. لكن ما زال عليّ أن أرتديهما أطول قليلاً.)
ألقت الفتاة أم خمسة عشر أو ستة عشر عامًا لفَّة من الضمادات التي انتشرت من تلقاء نفسها قبل أن تصل إلى الأرض. كان هذه حبلاً مُتحكمًا فيه يقيّد ويخنق ويقتل بمفرده. في الأصل، كان شريطًا لاصقًا على شكل ثعبان يُستخدم لإغلاق التسريبات في أنابيب الغاز أو البخار في مواقع الحوادث التي تكون خطيرة للغاية لدرجة تمنع البشر من الاقتراب منها. وبينما كانت تشاهد الحبل يربط أطراف وفم لاست أوردر تلقائيًا، سحبت الفتاة قطعة قماش كأنها منديل من صدر لبسها الماما نويل. فَرَدَتها لتكشف عن كيس أبيض كبير مثل الذي يُرى عادةً في مشاهد عيد الميلاد.
استغرقت أقل من دقيقتين لتحزم "الهدية" البائسة.
مَدَّت ماما نويل يدها إلى جانب تنورتها القصيرة فسحبت هاتفًا ذكيًا من أعلى جورب ركبتها الأبيض.
«معك مَيْدونة. الأمور مشت تمام، وأود أن ألتقي بك مباشرةً لأشرح النتيجة. أهذا الوقت مناسب؟»
الكلمات التي تخرج من فاهها والعنف الذي أحاط بها كانا كالنقيضين.
الأرض الإسفلتية قد ارتفعت، والهيكل تحت الخرسانة قد انغمر بالمياه، والمباني القريبة اهتزت كأغصان الصفصاف في الرياح. فمن الطبيعي أن يُلاحظ كل هذا، لذا كانت الصافرات تدوي بينما كانت مركبات الأنتي-سْكِل تُسرع من كل الاتجاهات.
(يبدو أن هذا صوت محرك V10 مع انفجارات الهيدروجين، لكن تلك السيارات الرياضية من نوع فوجاكو عادةً ما بها شواحن كهربائية. هذه نماذج مخصصة لأولئك الموظفين المدنيين، وليست للاستخدام المدني. أليست هذه هي المركبات المطاردة غير المأهولة التي قدموها العلماء مؤخرًا؟ أذكر أنهم سَمَّوها اسم ‹قروش أبو مطرقة›؟)
بدوا كسيارات رياضية نحيلة منخفضة لتقلل مقاومة الهواء قدر الإمكان، لكن المحرك كان في الخلف والمقدمة حشوها بدرعٍ مركب. تلك الأسلحة ذات العجلات صُمِّمَت لتوقف السائقين المتهورين والخطرين بأن تلحقهم بسرعة وأمان فتصطدم بمركبتهم لتوقفها بالقوة. ومن بعد المؤتمر الصحفي حيث أُعلِنَ عنها، تعرضت للسخرية بأنها مثل سياسة "العين بالعين".
وبربط العديد منها عبر الإنترنت اللاسلكي عالي السرعة، باتت تلك الأسلحة قادرة على إجبار شاحنة تزن عشرين طنًا على الخروج عن الطريق.
لكنها لم تُصمم للاستخدام ضد شخص غير محمي.
إلا أن الفتاة مَيْدونة حَمَلَت الكيس على ظهرها وثبتت بيدها الأخرى الهاتف بين خدها وكتفها. وبعد أن حررت يدها، اكتفت بسحب إصبعها السبابة نحو نفسها كأنها تشير لهم أن يأتوا إليها.
هذا كل ما فعلته.
في لحظة، ارتفعت الأرض الإسفلتية مع التربة الداكنة والهيكل الخرساني الموجود أسفلها. وعجزت مركبات ‹قروش أبو مطرقة› أن تستجيب في الوقت، فطارت المركبات فوق رأسها واصطدمت بنوافذ الطابق الثالث لمبنى قريب وتوقفت عن الحركة.
كانت هذه آلاتٌ غير مأهولة (ما بها إنسان)، فهل الهدف منها فقط أن تقدر مدى قوة الفتاة؟
ووِحدةٌ مأهولة جاءت من بعد ذلك.
«نعم، نعم. غالبًا أنك سمعت للتو انفجارًا، لكن لا تتعب نفسك وتقلق. إنما أنا أنظف بعض الأمور الباقية. جئتك بهدية مُأمَّنة. بصراحة، لو أردنا فقط أن نجعل أكسِلَريتر يُدَمّر نفسه، أفلا يكون سهلاً فقط أن نكسر عنقها ونقتلها؟ ماذا؟ لا نقدر؟ علمتُ أنك ستقول. سأرسل الهدية إلى النقطة المحددة.»
يبدو أنهم خططوا في الأصل أن يهجموا من السماء الآمنة بعد استخدام مركبات ‹قروش أبو مطرقة› غير المأهولة لتأمين الأرض. نظرت إلى الأعلى نحو دَوَّارات المروحية الصاخبة ورأت ما مجموعه أربعة بدلات قوة [1] مجهزة بالكامل متصلة بمروحية مراقبة دائرية، اثنان على كل جانب.
ولأن وجوههم مغطاة بالكامل، لم تستطع تحديد أعمارهم أو جنسهم، لكنها تخيلت بسهولة تعابيرهم. مشاعر الخوف والربكة كانت تتسرب من بين فجوات دروعهم.
لم تهتم إذا استطاعوا رؤيتها أم لا.
لقد غيّرت مظهرها بالشعر المستعار والعدسات اللاصقة الملونة.
كان مكياجها سميكًا ليُرى بالعين المجردة، لكنها طبقت على نفسها نمطاً بارزاً لتُرى عبر الكاميرات وأجهزة الاستشعار، مثلما يفعل ممثل الكابوكي. كان عليها فقط أن تضمن أنهم لن يتمكنوا من استخدام تقنيات التعرف على الوجه أو مشاركة الصور لتحديد بياناتها الرسمية. هل ألغت مجتمعات الرقابة في العصر الرقمي الجريمة؟ لا، بل خلقت معضلة جديدة حيث الجرائم التي لا تترك سجلاً إلكترونيًا لا يمكن إثباتها قانونيًا. إذا سُرِق متجر في وضح النهار، فماذا سيحدث إذا لم تكن كاميرات المراقبة تعمل؟ سيشتبه الناس ببساطة في أن البائع المسكين هو من دَبَّر الأمر.
«نعم، أتعامل مع الأمر الآن.»
بإشارة من إصبعها، مزقت مَيْدونة روبوت تنظيف النوافذ على شكل عربة من جانب مبنى ورمته. كانت مروحية المراقبة مناوِرةً إلى حد ما، لكنها كانت تطير بين المباني ورفاقها المكشوفون كانوا معلقين على جانبيها. لن يمكنها الحراك بحركات حادة قد تسقطهم. لكن ذلك التردد منعها من تجنب الكتلة الفولاذية، فضربتها ضربة مباشرة أسقطتهم جميعًا على الأرض في شكل كرة نارية ضخمة.
«متى أنتهي؟ قد انتهيت.»
(تلك نماذج خرجت من بعد الدنمارك، لذا لن تكون تلك الحادثة والانفجار كافيين لقتلهم. ولكني لا أدري بحال طيار المروحية.)
«لنا أن نتعامل مع الأنتي سْكِل والججمنت بالطريقة المعتادة. أرسل إليهم عنفًا كافيًا وسيؤدي الارتباك إلى انهيار سلسلتهم القيادية. ربما يثور الإنترنت قليلاً من هذا، لكن هناك الكثير من "الخبراء" الفاسدين. أولئك الكبار القذرون سيكذبون ويزعمون أن ولا شيءٌ مما حدث كان بممكن فقط ليغطوا على أخطائهم في التحقيق الأولي. إذا جعلناهم يحدثون جلبة كافية، فذلك بمثابة تمويه مثالي لإخفاء تورطنا. ولن يرى أحدٌ الحقيقة.»
كانت بارعة في تنظيف الفوضى.
الطمأنينة لم تكن أكثر من فريسة تُستدرج بالدمار طُعمًا.
«نعم. بالنظر إلى ما نتعامل معه هنا، فإن كمية الاهتمام المطلوبة ستكون عالية جدًا، لكن هذه ليست بمشكلة. لا يزال ضمن الحدود المقبولة.»
كانت تكسب النقاط بالقضاء التام على الأشخاص والأشياء التي تعترض طريق سَيِّدها. ستبحث عن القلق، وتلتقطه، وتقدمه كطمأنينة لذلك السيد. سوف تستخدم الحفلات الموسيقية والمهرجانات والاحتفالات وغيرها من الأحداث التي تتضمن روتينًا أمنيًا غير عادي وحيث يأتي العديد من الغرباء، ثم تختار زيًا لافتًا للنظر لتندمج في الخلفية.
«أعلَمُ بذلك»، قالت بمرح.
كانت من النوع التي ستمشي بجوار مُسنٍّ يحتضر بينما هي مشغولة بهاتفها.
«أتفق معك أننا لن نسمح بإزالة الجانب المظلم بسبب هوى أحد الأغبياء [2]. ليس الناس كافة آملين في عالمٍ خَلَت منه الجريمة. ولقد احتفظت المدينة الأكاديمية بتفوقها الهائل على بقية العالم بإنشاءها مساحة معزولة حيث لا تنطبق القواعد. أنتَ رأيتَ ذلك في عالم المال، وأنا في عالم القبضات. ما لأيِّ منا البقاء دون الجانب المظلم، ولا؟ ...أوه، أرجوك. على الأقل أعلم أن ذلك صحيحٌ لي منذ أنك أعدت صنعي هكذا.»
أمكنها أن تبرز كما تحب.
في الواقع، ما عمل تمويهها إلا إذا كان ملحوظا.
ينبغي أن يبدو وكأنه تجاوزٌ لحدود الواقع وتجولٌ في كابوس. من خلال خلق عالم غريب ومشوه بهذا الشكل، ضمنت أن الواقع الممل لن يتمكن من ملاحقتها.
مهرجان الهلاك قد بدأ.
كان اليوم يوم الراحة والتمتع بالاحتفالات.
(بتدمير تلك الأنابيب خاصة، سيغلق قسم المياه بعض بوابات الفيضان ليمنع تسرب المياه الملوثة. لديّ السيطرة على تدفق المياه، لذا بعد أن أتأكد من أن الكيس محكم الغلق، سأرميه في النهر وأدع فريق التجميع يستخرج القمامة في المصب. لكن السيناريو يقول إنه عليّ أن ألفت الانتباه إلى الظاهر حتى لا يلاحظوا ذلك.)
هل قالت "قمامة" لأنها تذكرت نفسها؟
كانت الأرض أبعد عن النظافة. كانت مغطاة بشظايا الزجاج وقطع المعدن، إضافةً إلى الأكياس والهواتف التي أسقطها الطلاب الهاربون. وكانت هناك شقوق تنتشر عبر الإسفلت وارتفعت في بعض الأماكن. لكن عندما رأت عيدان تناول الطعام ساقطة عند قدميها، نقرت على لسانها بهدوء ساخطة.
«سؤال.»
تأرجح شعرها الأشقر الطويل بينما كانت تنظر إلى الأعلى والهاتف ما زال محشورًا بين خدها وكتفها.
لكنها لم تكن تنظر إلى مروحية أخرى.
«لي أن تجاهل توازن القوى الخفي هذه المرة، صح؟ إذا حاول أحدٌ ما عرقلة عملي، هل أقضي عليه بالقوة دون حساب التكاليف اللازمة؟»
نظرت إلى ناطحة سحاب تتمايل في الرياح مثل غابة من الخيزران تتعرض لرياح متقاطعة.
لكنها لم تنظر إلى السطح، بل إلى الفتاة المعلقة على الجدار والتي كانت تحدق بهدوء إلى الأسفل نحوها.
«فمثلاً، هل لي أن أمضي فأقتل أي أحدٍ عارضني، ولو كان أحد المستوى 5؟»
- الجزء 3
كانت الفتاة المصنفة الثالثة #3 في المدينة الأكاديمية الأقوى في مجال توليد الكهرباء الخالصة.
أي أن هذه كانت ميساكا ميكوتو.
«....طعنتِه.»
استخدمت القوة المغناطيسية لتتشبث بالجدار في الطابق الرابع والأربعين من مبنى يضم مكاتب في المستويات السفلية وشققًا في المستويات العلوية، لكن المغناطيسية لم تكن الشيء الوحيد الذي وسعها. التحرك على الأرض كان ليستغرق وقتًا نظراً إلى الفوضى والدمار الهائلين، لذا اختارت هذا الطريق الآخر. يمكن لمستوى 5 أن تصل إلى هذا المستوى من الحرية فقط لأنها تستطيع.
«وفي عشية الكرسماس ونحن نستمتع!! حقًا إنكِ بارعة في تدمير الأجواء هاااء؟!»
كان الوضع هنا تمامًا كما توقع كاميجو توما في وقت سابق.
التقسيم إلى فريقين أعطاهم ميزة. بينما كانت الشريرة تلاحق الصبي، استطاع فريق ميكوتو تعقبهم والتحرك من الخلف.
راحت ‹ميساكا إيموتو› لتدعم الصبي على الأرض، لكنها لم تحتاج أن توجه الضربة القاضية للشريرة. ما إن تُبعد الصبي عن الطريق، لميكوتو أن تتعامل مع الباقي.
انتقلت من الطابق الرابع والأربعين إلى الثامن والثلاثين من مبنى آخر، ومن الطابق الثامن والثلاثين إلى الثاني والخمسين من مبنى آخر.
وحتى أنها حملت فتاةً معيّنة بينما تتحرك بحرية بين المباني في الهواء.
كان القط الكاليكو الصغير في ذراعي الفتاة فضية الشعر يعاني، ربما بسبب الموجات الكهرومغناطيسية.
على عكس الأخوات المُدَرّبات، كان من الخطر جدًا ترك الراهبة في الأرض المليئة بالزجاج والركام.
«يا أم شعر قصير!! تلك الوحش نويل انعطفت عند الزاوية، لكن هذه ليست المشكلة الأكبر. أترين تلك الساحة عبر الجسر؟ ما بال هذا البلد؟! أينما نظرت أجد مامات نويل حمراء! ستندمج معهم بهذه الوتيرة!!»
(لا، لو أنها فقط تريد الاختباء منا ونحن في هذا الموقع المرتفع، لدخلت ببساطة داخل مبنى أو تحت الأرض. فهل تتعمد البقاء مرئية لتشتت انتباهنا عن شيء آخر؟)
أدركت ميكوتو شيئًا فركضت بأقصى سرعة على طول الجدار العمودي بينما تحمل إندِكس بكلتا يديها. انفجار هائل اخترق الزجاج المقوى السميك أسفلهم مباشرة. السيارات الرياضية الجديدة المصطفة في منطقة العرض اللامعة كانت تتطاير واحدةً واحدة عبر النافذة.
لم يكن هناك أي هدير من محركاتها.
الصوت الصادر عن احتكاك الإطارات السميكة كان نتيجة رمي السيارات بقوة باستخدام نوع من الطاقة بينما لم تكن إطاراتها تدور.
لن تتأثر #3 بهجوم كهذا، لكنه دمر الزجاج الذي تثبتت فيه مما صَعَّب عليها المكوث. استخدمت المغناطيسية لتقفز إلى جدار المبنى المقابل وهي تنقر لسانها سخطاً.
«تشه!!»
كانت إسبرةً قوية تستخدم مبدأ قوة لورنتس لترمي عملة معدنية بسرعة تفوق ثلاث مرات سرعة الصوت.
وكانت مغناطيسيتها قوية كفاية لأن توقف سيارة متجهة نحوها.
ومع ذلك ورغم إجبارها على البقاء فارّة. كانت قوتها تتفوق في تطبيقاتها المتعددة، لكن إن تعلق الأمر بالقوة البسيطة لتحريك الأشياء، لن تقدر المنافسة في هذا الصراع. كان لخصمتهم قوةٌ أكبر. فإذا لم تُعتبر تلك الفتاة من المستوى الخامس...
(هل هي عبقرية لا تستطيع استخدام قوتها إلا في التجسس أو الملاحقة أو مثل هذا القبيل؟ مثل هذه الإسبرة القوية أين كانت تختبئ في الظلال طوال الوقت؟)
تلك الفتاة تهديد، لكن ميكوتو لم تستطع أن تفقد التركيز على ما هو حقًا مهم.
ماما نويل الشقراء لم تحتاج إلى هزيمة ميكوتو في القتال. في الواقع، استنزاف نفسها في هذا الصراع كان نفقة غير متوقعة للفتاة. كان القتال خيارًا محفوفًا بالمخاطر لا مفر منه، حيث تنتشر الأدلة المادية ويزيد عدد الشاهدين. عدم القتال كان الخيار الأفضل إن كان متاح.
سواء فازت أو خسرت، هذه المعركة لن تكون في صالحها.
إذن، بالنسبة لتلك الفتاة التي ترتدي أكثر التمويهات لفتًا للنظر، ما هي النتيجة المثالية وما هو شرط فوزها؟
ميكوتو عرفت شيئًا واحدًا في هذه اللحظة.
(بالتأكيد هي تستهدف لاست أوردر.)
كرهت ميكوتو كيف أمكنها أن تحسب الأمور ببرود في مثل هذه الأوقات.
المصنفة 3 دائمًا ما كانت تقف على الخط الفاصل.
كانت واحدة من القلائل الذين يمكنهم التدخل ما بين الجانب المظلم والمشرق لمدينة الأكاديمية. بالطبع، كغيرها من الذين لمحوا لمحة على الجانب المظلم، لم تكن قد وصلت إلى هذا الموقف بإرادتها.
(لديها قدرة قوية جدًا، لكنها تأكدت من عدم إيذاء تلك الفتاة. هذا يعني أن قتلها ليس الهدف. هي لا تريد منا إنقاذ لاست أوردر أو أن تصيبها رمية طائشة عن طريق الخطأ. هذا يعني أنها ستأخذ لاست أوردر إلى مكان آمن مهما كلف الأمر. هذا هو هدفها! إذن أين هي لاست أوردر؟)
كل تلك الحركات اللافتة كانت تمويهًا. فعندما يقوم ساحر المسرح بحركة كبيرة وملفتة، فهو في الواقع يجذب انتباه الجمهور بينما يؤدي خدعة ما تحت الطاولة.
هنا جاءت الحاجة إلى فتاةٍ بذاكرة مثالية.
«الحقيبة اختفت.»
«؟»
«الوحش نويل كانت تحمل حقيبة بيضاء من قبل، لكنها اختفت!»
(أربما ألقتها في ذلك النهر؟ لكن الماء بالتأكيد بارد!)
بدأت ميكوتو تبحث باتجاه مجرى النهر ذو الضفاف الخرساني الذي يتقاطع بزاوية قائمة مع الجسر الذي استخدمته المعتدية ماما نويل، لكنها توقفت فجأة.
أزالت ماما نويل الهاتف الذي حادثت فيه مع أحدٍ ما، وحررت يديها بينما تستدير نحو ميكوتو. شعرها الأشقر الطويل انتشر خلفها كما في إعلان الشامبو. جلست على روبوت تنظيف برميل الشكل بالقرب منها وقاطعت ساقيها وهي تصوب يديها نحو السماء.
وبإشارة مسدس بإصبعَيها.
أشارت إلى المبنى الذي كانت فيه ميكوتو وغمزت.
ذلك ربما بدا كإيماءة لعوبة، لكن...
«ها هي...!» قالت ميكوتو مُحذرة.
سحرة المسرح لا يتدربون فقط على اللحظات التي تسير فيها الأمور تمام.
وإلا لصارت عروضهم مثل العرائس الميكانيكية.
المحترفون دائمًا يُعِدُّون عِدَّة سيناريوهات احتياطية في حال فشل خدعتهم في لفت انتباه الجمهور أو إذا كاد خداعهم يُكشف. لو ظهر عليهم أن أحد الجمهور كشف الخدعة، فإنهم سوف يستدعون ذلك الشخص، ويُشركونه في السيناريو، ويحيلون الفشل القريب إلى مفاجأة جديدة.
بمعنى آخر، العدو الآن سيبدأ في الاتصال بهم بجدية.
«ها هي آتية!!!!!!»
- الجزء 4
«ليس سيئًا. مضى زمنٌ منذ أن تهرب أحدٌ ثلاثةً من هجماتي تواليا،» همست الفتاة الجالسة على روبوت تنظيف عشوائي.
كانت تستمتع بالموقف.
أرادت أن يستمر الجانب المظلم لأن حياتها لم تحمل معنى بدون هذا النوع من الإثارة.
مَزّقت أشياء من المباني المجاورة وقذفتها نحو خصمها: أولا رافعة من أعلى مبنى قيد الإنشاء، ثم هوائي ضخم للإرسال، وأخيراً مسبح زجاجي شفاف بَرَزَ في منتصف مبنى. لكن ولا واحدة أصابت. كانت لتفوز فورًا لو حاول خصمتها التفاخر فدخل في منافسة مباشرة على القوة، ولكن بمجرد أن أدرك ذلك الخصم أنه قد لا يقدر على منافسة قوة هذه الفتاة، ركز فقط على التهرب. وهذا كان السبب الوحيد لبقائه على قيد الحياة.
لاحظت مَيْدونة أن #3 قد أمالت رأسها لوهلة في اتجاه آخر وهي تحلق في الهواء. كانتا في خضم معركة مميتة، وكانت حياة تلك الفتاة على المحك. لا يمكن لأحد أن يشيح بنظره فربما يجد فجأة شاحنة نفايات مرمية نحوه.
إذن لا بد أنها رصدت شيئًا مهمًا.
شيئًا اعتقدت أنه يستحق الأولوية على الموت الذي كان يقترب منها بسرعة.
(إذن لاحَظَت؟)
إن كان، فإن الاندفاع إلى الساحة المزدحمة والاختفاء بين بحر مامات نويل لن يكون كافيًا. كان عليها قتل الفتاة لتقطع خط التحقيق تمامًا.
ولكن الأهم...
«كيف أقضي عشية الكرسماس؟»
(أريد حقًا أن أنتهي من كل هذا بحلول السابعة الليلة. ربما بنيت حياتي المدرسية على الأكاذيب، لكنني قطعت الوعود. أود حقًا أن أقطّع تلك الدونات بشوكة بلاستيكية رخيصة حتى نتشاركها معًا جميعًا.)
وَمَضَت وَمْضة برق من السماء.
لا يعقل لها أن تتجنب البرق ما إن يبدأ ضوءه يتجلى. أوْ لا ينبغي أن تستطيع ذلك أصلا. ولكنها الآن غنت بينما تضرب بكعب حذائها جانب روبوت التنظيف الذي كانت تركبه، مما خَرَّب نظام تجنب العقبات في الروبوت فجعله يتحرك قليلاً إلى الجانب. تحرك الروبوت لمسافة خطوة بشرية واحدة فقط، لكن ذلك كان كافيًا لإحداث تغيير غير طبيعي في موطئ البرق الذي سقط نحوها عموديًا. بدل أن يضربها، انقسم البرق وضرب شجرة كرسماس قريبة. لاستخدام الشجرة عمدًا كمانعة صواعق، كان عليها فقط تصور مثلثاً قائم الزاوية عبارة عن الأرض وقمة الشجرة وموقعها، ثم ضبطت الزوايا لتحدد مسافة آمنة لنفسها.
حتى بدا لها أنها سمعت نقرة لسان ساخطة من فوقها.
والآن جاء دورها.
«وجدتك.»
من أجل تدابير السلامة ضد الحريق، نُقلت بعض الصناديق الخشبية الكبيرة إلى السطح باستخدام جندول غسيل النوافذ بدل السلالم أو المصعد الداخلي. "أمسَكَت" بهذه الصناديق وقذفتها إلى الجانب. تلك الحاويات كانت بحجم فتاةٍ نحيلة، مما أرغم #3 أن تطلق رماحًا فولتية عالية من غُررها لتُفجِّرها إلى قطع.
لكن هل أدركت #3 أن تلك الصناديق تحتوي على أدوات عمل شخص ما؟
كان الكرسماس الياباني بعيدًا كل البعد عن الأجواء الجليلة لليلةٍ مقدسة.
تلك الهجمات الكهربائية فَجَّرت الألعاب النارية الاحترافية التي كانت مخصصة لحدث العد التنازلي في الليل.
«فهيوو!!»
صفّرت الفتاة نويل وهي تشاهد الانفجار الهائل.
بصوت مُدَوٍّ، تغطت السماء النهارية بشاشة دخانية بيضاء. قد لا يكفي ذلك لقتل الفتاة الأخرى، ولكن الألعاب النارية استخدمت مبدأ اختبار اللهب، حيث تُشعل مواد معينة لهيبًا بألوانٍ محددة. والمواد المستخدمة في الألعاب النارية كانت في الغالب عبارة عن مساحيق من النحاس أو الليثيوم أو القصدير أو معادن أخرى.
بمعنى...
(بعد الانفجار والوميض الأولي، عليها أن تتعامل مع الغطاء الدخاني. هذا سيُعمي حواسها العادية كما سيعمل كشظايا معدنية تفسد أي رادار ميكروي قد تستخدمه! وفي ذلك الارتفاع، قد تكون ثانية من التأخير مميتة!!)
الانفجار أيضًا دمّر لوحة إعلانات على السطح، لكن الفتاة رفعت إصبعها للأعلى. كان وزن اللوحة المعدنية يتجاوز العشرين كيلوغرامًا، لكن ذلك كان كافيًا ليجعلها تتوقف في الهواء. وعندما حركت إصبعها برفق إلى الجانب، اخترقت اللوحة الحائط الخرساني القريب. فعلت ذلك بكل سهولة وكأنها تُشغل شاشة هاتف ذكي باللمس.
كانت قدرتها على ‹التحريك الذهني› قوية كفاية لتُمسك بهيكل المدينة تحت الأرض بالكامل وتهزه بقوة كافية فتخلق صدعًا جديدًا، لذا كان هذا العمل حساسًا لها. إيقاف الشيء لم يكن الجزء المبهر، بل الحفاظ عليه في مكانه دون سحقه هو الإنجاز.
التحريك الذهني.
هذه القدرة شائعة لدرجة أنها تعتبر أحد الفئتين الرئيسيتين لقوى الإسبر: PK وESP (تحريك ذهني - إدراك فوق الحواس). لو صنع أحدٌ موقعًا أو منشور ليُـثَقّف الجماهير الخارجية، غالبًا ما ستكون أمثلته الأساسية تشمل أن PK لثني الملاعق وESP لقراءة البطاقات المقلوبة. في أبسط أشكالها، الأولى هي قدرة على تحريك الأشياء باستخدام العقل.
من بين أولئك الذين ينتجون قوة من العدم، كانت قوتها على الأرجح الأقوى.
السبب الوحيد وراء عدم منحها لقب المستوى 5 هو أن الكبار لم يروا أي استخدامات بديلة أو قيمة اقتصادية في قدرتها.
تلك القدرة كانت متخصصة جدًا في القتل والتدمير.
لدرجة أن الإعلان عن وجودها للعالم قد يثير مخاطر دولية شبيهة بإعلان امتلاك أسلحة نووية أو كيميائية أو بيولوجية.
«والآن.»
نظرت الفتاة نويل.
كان جزء من الزجاج اللامع مكسورًا، لذا الفتاة المستهدفة (ومعها راهبة ذات شعر فضي) تَخَلّت عن التشبث بالجدار الحساس، ويبدو أنها قفزت داخل غرفة عشوائية. لم تكن خطوة سيئة، لكنها كانت تقلل بشكل كبير من قوة الفتاة نويل.
من قال أنها لن تقدر على تدمير مبنى مكون من خمسين طابقًا بالكامل؟
«أُقَدّر عدد الضحايا أن يكونوا ألفين أو قليل. ويا حَبتي أن أكون محررة من قيودي المعتادة من مثل هذه الأمور☆»
ابتسمت مَيْدونة وأشارت بسَبَّابتها اليمنى نحو كامل المبنى، وسحبت ذلك الإصبع إلى الأسفل.
انكمشت ناطحة السحاب إلى نصف ارتفاعها.
كان التدمير مشابهًا لسحق علبة فارغة تحت كعب حذائك.
لكن ذلك لم يكن هجومها الحقيقي. كانت فقط تُعِدُّ المسرح من خلال ثني جميع الأبواب والنوافذ لتحصر هدفها داخل قفصٍ عملاق. لن يموت البشر داخل المبنى. ليس بعد على أي حال. كان لناطحات السحاب الكثير من الفجوات أكثر مما ظن الناس. كانت هناك قنوات وهياكل عزل أساسية ومسارات كابلات وأنابيب. لم يكن تقليل الارتفاع كافيًا لسحق الناس بالداخل. بالطبع، لن يقدروا على الوقوف وسيزحفون وستُسحق الأبواب المعدنية فيعلقون، فبلا شك سيكون الوضع ضيقًا.
(لا علامة على فتح الهدف مخرجًا. حسنًا، لن يمكنها الاعتماد على الخطط الأصلية بعد الآن. وأنا متأكدة أنها قادرة على اختراق جدار خرساني لكن ربما تخاف من حرق الناس المدفونين أحياءً هناك. وبالطبع، ذلك التردد سيكون سببًا في سحق الجميع داخل المبنى قريبًا. يا للحياة وتناقضاتها، همم؟)
كان كل ما تحتاجه هو توجيه إصبعها السبابة الأيسر نحو المبنى أيضًا.
يمكن أن تضغط ‹مَيْدونة هوشيمي› ناطحة السحاب المكونة من خمسين طابقًا إلى حجم كرة البيسبول. سيتسبب الضغط الشديد الناتج عن الانكماش في جعلها تتوهج مثل الصهارة، لكن لن يُسمح لها حتى أن تتقطر كسائلٍ. تمامًا كما يُفترض أن نواة الأرض مصنوعة من الحديد والنيكل المنصهر لكنها مع ذلك تبقى صلبة.
لكن بعد لحظة، لوّحت بيدها اليسرى إلى الجانب بنفس الوضع. بدت إيماءة إصبع المسدس سخيفة، لكن ذلك كان سلاحا مطلقا من مَيْدونة. حدث شيءٌ أجبرها على تصويب الزناد الثاني في مكان آخر. همست الفتاة نويل سؤالاً وهي تُصَوّب على هدفين في آن واحد كما لو كانت تحمل مسدسين مزدوجين.
رفعت مؤخرتها عن الروبوت المنظف ولامس حذاؤها الأرض.
انتهى وقت اللهو.
وكان هذا الشذوذ يتجاوز ما يمكن أن تتعامل معه سيناريوهات استرداد ساحر المسرح.
«....ما الذي جاء بك هنا؟»
جاء التهديد في صورة فتى.
أجاب كاميجو توما، الملطخ بالدماء، دون تردد.
استخدم كلمة لا تتناسب بتاتًا مع عشية الكرسماس، حين يُفترض أن يكون الجميع مبتسمين معًا.
«انتقام.»
- الجزء 5
كيف له أن يبقى هادئًا؟
كان قلب كاميجو توما ينبض بسرعة شديدة، وشعر أن حلقه جَفَّ لدرجة أنه أقسم أن هناك غشاءً غير مرئي يغطيه. شعر بصوته قد يتصدع إذا لم يحذر.
إضافةً لذلك، لا شيء يفعله سيمحو حقيقة أنه انطعن.
كان خصمه من النوع الذي يفعل مثل هذا الشيء دون أن يرمش.
الجرح في جنبه لم يعقم ولقد خُيِّطَ بخشونة. ولم يعوض الدم الذي فقده، وكان الألم النابض يواصل مطاردة عقله. في الواقع، لَوْ لا أن فقدان الدم تركه مُنغثّاً، [3] لربما كان الآن يتلوى من الألم.
ومع ذلك، وصل إلى هنا.
جاء ليرد الجميل للفتيات اللواتي تولين المسؤولية أثناء غيابه عن القتال.
وأيضًا.
جاء ليستعيد لاست أوردر من هذه القسوة العبثية.
لعلّ كل هذا خدعة، لكن كان عليه أن يجمع كل ذرة من الإرادة والشجاعة في نفسه.
إظهار ضعفه لن يُحسن الوضع هنا. وإذا تفاقمت الأمور، فإن شيئًا لا يتحمّل فقدانه سيتحطم. قد وصلت الأمور إلى حد حتى الهاوي يُلاحظه. كان ذلك واضحًا مؤلمًا.
لذا.
عليه أن يتأكد من أن لن يحدث ذلك.
«أواثقٌ أنك لم تخطئ في أولوياتك هنا؟»
ابتسمت الفتاة في زي ماما نويل بتنورة قصيرة هادئة وهي تُصَوّب سَبَّابتيها نحو موقعين مختلفين.
حقًا، توقف تنفس الصبي في حلقه.
لم تتردد في استهدافه بسلاح أرعب من سكين.
«عليك أن تختار بين هزيمة عدوك وإنقاذ أصدقائك، فهل متأكدٌ أنتَ أنك تريد تضييع الوقت باللعب معي؟»
«لو كان ذلك صحيحًا، لما كنتِ تثرثرين الآن،» قال مُتمعِّناً صفحةً من كتاب هذه الفتاة.
شكّل بيمينه مسدسًا وأشار به نحو الروبوت المنظف التي جلست عليه الفتاة نويل سابقًا. ومع عودة حريته، بدأ ذلك الجهاز يتحرك ببطء مرة أخرى.
لا ترتعش.
لا تبعد نظرك.
ببذل جهد وحده في الحفاظ على تدفق كلماته بسلاسة قد يقلب الموازين. سيمسك ما كان ينزلق من قبضته فيرفعه مرة ثانية. من منظور خصمه، كان لا بد أن يكون هذا مشهدًا مرعبًا. بدا كجندي العدو الذي هزمته تمامًا وطعنته في بطنه حتى فتراهُ يعود وكأن شيئًا لم يحدث له.
كان عليه أن يُبدي الأمر غير معقول.
وإذا جعل وجوده هنا لا منطقيًا، حينها سيُربكها.
هذه مدينة الأكاديمية، حيث إما يرفض الناس قبول اللامنطقي أو يقبلونه بأن يُعيدوا صياغته بمصطلحات وتفسيرات علمية.
ولكن في نفس الوقت، كان كاميجو توما يؤمن بالحظ.
رغم أنه غالبًا ما يأتيه على شكل مصيبة قاسية.
«الحقيبة التي رمَيتِها في النهر كانت خدعة. إن كان للمرء شيء يريد إخفاءه، فلن ينقله بطريقة سهلة التتبع. لهذا السبب احتجتِ أن تخلقي مسارين للهروب على الأقل. خطتك كانت أن تجذبي الانتباه نحو النهر بينما تتركين الروبوت الذي يحمل لاست أوردر يهرب بسلام. صحيح؟»
لم يترنح صوته.
لا يزال قادرًا على المتابعة.
الإرادة وحدها لم تكفي للتغلب على فقدان الدم، لذلك شعر بصدق بعرق بارد يتصبب على جبينه وكان يغلب عليه دوارٌ شديد مع كل نَفَسٍ يأخذه.
سمع صوت تشقق الشرارات.
الروبوت المنظف قد غيّر اتجاهه.
لا، بل اختُرِقَ. كانت هناك فتاة كستنائية الشعر قصير تقف على مسافة قريبة. كانت تشبه تمامًا ميساكا ميكوتو، لكنها لم تكن. حتى النسخ العسكرية المستنسخة المعروفة بالأخوات كانت قادرة على اختراق روبوت التنظيف.
«مَيْدونة.»
حركت الفتاة نويل إصبعها ببطء.
حركت سبابتها اليمنى من المبنى البعيد ثم أشارت بها نحوه. وضعت كِلا "المُسَدَّسَيْن" نحوه. يبدو أنها رأت فيه تهديدًا يستدعي استخدام كل ما لديها.
«اسمي مَيْدونة هوشيمي. تشرفت بلقائك.»
«خدعة أخرى.»
لا تدعها تجذبك.
تخيل حوارهما كأمواج تتحطم معًا. كان عليه أن يجذبها إليه. لذلك، حتى لو لم يكن ذلك من طبعه، كان عليه أن يبتسم ويُجيب بنظرة من يعرف كل شيء.
كبح كاميجو توما ذهنه أن ينغمس في الظلام وردد الكلمات السحرية.
«المجرمة لن تستخدم اسمها الحقيقي في موقع الجريمة. لكن إضافة تمويه إضافي هنا يعني أنكِ أكثر خوفًا مما كنتُ أظن.»
بدأت المعركة المميتة حيث بدا وكأن المدينة نفسها تُدمر.
استطاع أن يُخمّن أن قوتها هي التحريك الذهني.
لقد أظهرت قوة كافية لتقطيع المباني، ورفع الطريق والأرض تحته، وتمزيق أنابيب الماء والغاز بحرية.
يمينًا ويسار.
وجود نقطتين يمكنها منهما استخدام قوتها أعطاها مدى أكبر للتطبيقات.
ماذا حدث تواً؟
ارتفعت سيارة عائلية متوقفة على الرصيف فوق رأسها، ثم شُقَّت من المنتصف كمن يقطع خبزًا طري. وتناثر الوقود داخل خزانها في كل مكان. وأشعلت الشرارات القادمة من البطارية ذلك الوقود، مما أدى إلى تدفق النيران. تمكن كاميجو أن يتدحرج بعيدًا، لكن بعد ذلك اندفعت بقايا السيارة المتبقية من اليمين واليسار كقفازات ملاكمة عملاقة.
كان الإماجين بريكر في يده اليمنى قادرًا على كبح القوى الخارقة، ولكن بعد ذلك سيسحقه الحطام العادي من بعد إبطاله.
لذلك حافظ على زخمه وانزلق تحت الحاجز الذي يفصل بين الطريق والرصيف. لَوَى جسده ليواصل التدحرج ليستخدم أحد الدعامات السميكة درعًا بدلا من اللوحة المعدنية الأفقية الطويلة.
الهيكل المعدني الممتص للصدمات أوقف النصف الأمامي من السيارة العائلية، لكن ما لديه الوقت أن يتنفس الصعداء.
بصوت مكتوم، تشوشت رؤيته ووجد نفسه ملقى في الهواء على ارتفاع خمسة أمتار أو يزيد. الأرض تحته ارتفعت بشكل انفجاري كمنحدرٍ.
قد لا ترى خمسة أمتار كثيرة، ولكن كما يُرى في رمية ‹إبّون سيوناجي› في الجودو، فإن حتى مترًا واحدًا قد يُفقد المرء وعيه إذا لم يستعد للسقطة. والأسوأ، أن الأرض كانت مغطاة بالإسفلت مع شظايا زجاج وقطع معدنية ثقيلة.
«خَهء!!»
على الفور مد يده وأمسك بجذع إحدى الأشجار المزينة بأضواء الكرسماس على جانب الطريق. تمزق كابل الضوء السميك وتأرجح مثل السوط، وما إن صد ذلك، انكسر جذع الشجرة. لكن الشجرة لم تسقط بشكل طبيعي. بل دارت بطريقة غير طبيعية رأسيًا كأنها انقلبت 180 درجة.
لو استمر ذلك، لسُحق كحشرة انضربت بمطرقة، ولكن ذلك لم يحدث.
بالتخلي عن جذع الشجرة بدلاً من التمسك به، لم يعلق في دوران الشجرة العمودي بل قُذِف بعيداً. وبالتحديد، ارتطم بظهره في منتصف زخرفة ضخمة من البولي يوريثان على شكل هدية كرسماس أمام متجر للحلوى.
بإصبعها المصوب مثل المسدس، كانت الفتاة نويل مَيْدونة تُدَوّر سَبَّابتها الرشيقة في دائرة صغيرة.
يمكنها أن تشير إلى نفس الهدف بكِلا الإصبعين.
وبفصل الإصبعين، تمزق الهدف. وبضمِّهما، تضغطه. ولكن بإزاحة نقاط القوة قليلاً عن المحاذاة، قد تُدَوِّرُه. لعلَّ قوتها أن تكون خطيرة بما يكفي لو أمكنها فقط تحديد هدف بطرف إصبعها وتوجيه الحركات بحركة خاطفة، ولكن باستخدام كلتا اليدين، يمكنها أيضًا تعديل المُتّجه.
شعرها الأشقر الطويل تمايل بينما كانت تُقيّم أدائه بهدوء.
«أبدًا ما تبقى ثابتاً، ها؟»
«أما أنتِ بلى. ماذا، مدفعية أنتِ؟»
سوف يستطيع.
الحجاب لا يزال يعمل. للأفضل أو للأسوأ، فإن الفتاة بزي ماما نويل قد أظهرت الكثير من قوتها. لا بد أن ذلك علامة على خوفها. كانت خائفة من إسبرٍ مجهولة قوته.
لذا أرادت أن تصدق أن استعراض قوتها سيجعل عدوها يكشف عن قوته، أو أن قوتها الخالصة يمكن أن تنهي الأمر دون الحاجة إلى حل هذا اللغز.
تلك القوة العنيفة كانت بالطبع مخيفة.
لكن ما إن رأى خوفها، حتى تلك القوة بدت كقناع.
كلما قَوَت هجمتها، ظهر خوفها أكثر.
(ما زلت أستطيع الفوز. أنا من يثير الأمواج ويجذبها نحوي.)
الفتاة أشارت بإصبعيها نحو السماء العالية. بدا الأمر وكأنها تتخذ وضعية لالتقاط صورة، لكن ذلك كان في الحقيقة علامة على قصف جوي قادم. "أمسكت" بشيء في السماء ولوحت بكلتا يديها لتضربه نحوه.
ما عساه يفكر في ذلك أنه فراغٌ من فوقه.
كان هناك هواء.
(ليست محدودة بالمواد الصلبة؟)
شعر كاميجو بأن تروس عقله قد توقفت. هذه ورطة. المجهول دائمًا ما يبتلع الناس ويعطل عقولهم.
لقد هزّته.
جسده كان بالفعل في حالة سيئة، وإذا حدث نفس الشيء لعقله، فلن يملك فرصة للفوز.
كان عليه أن يفهم الأمر بسرعة.
ما عساه يتوقف هنا. عليه أن يحرك عجلات أفكاره.
وإلا، سيُبتلع ويسحق.
(ليست بالنكتة تبا!!)
«تشه!!»
سريعًا نزع حزامه ولفه حول شجرة قريبة على جانب الطريق كحبل نجاة. الكتلة الهوائية التي ستتحطم من فوق قد تكون كافية لترج مخه خفيفاً، ولكن بعد أن تصطدم الرياح بالأرض، ستتفرق في جميع الاتجاهات بحثًا عن مخرج. إذا استعد فقط للصدمة من الأعلى، فسوف تُسحب قدميه من تحته وسينتهي به الأمر متدحرجًا لأمتار عديدة.
إضافةً لذلك، كان الطريق مغطى بقطع صغيرة من الإسفلت وشظايا الزجاج.
ماذا لو جمعت الرياح تلك القطع وألقتها نحوه؟
تغطى الطريق بانفجار أكثر وحشية من لغم موجه ينثر كرات معدنية لا حصر لها في شكل مروحة ليُعَطّل تقدم خمسين جنديًا عدو. كان ذلك أشبه بتنظيف أنابيب المياه في الحمام.
ما كان لديه خيار سوى أن يتمسك بظهر الشجرة السميكة ويتحمل.
تقشر اللحاء القاسي كأنه يكشط بسكين عملاق، وكابلات الأضواء الصغيرة وفروع الشجرة اقتُلعت وتطايرت في الرياح. إذا خطى خطوة واحدة بعيدًا عن خلف الجذع، فلن يدوم جسده المكون من لحم ودم حتى لثانية واحدة.
لكن هذا لم يكن ما يهم حقًا.
رفع صوته بينما بدا على وشك أن يسعل دمًا.
«ميساكا إيموتو!! أنتِ بخير، صحيح!؟ لا تُضيّعي الروبوت المنظف والحقيه!!»
نعم.
الفتاة أم اسم مستعار ‹مَيْدونة› لم تحاول قتل كاميجو هنا. كل ما كانت تريده هو الهروب بالوعاء الذي يحمل لاست أوردر. وكان عليها أن تقطع كل السبل أمام أي مطارد. هذا الهجوم الصاخب لم يكن سوى خدعة مثل ما يفعله سحرة المسرح بينما يخبئون شيئًا تحت الطاولة.
كان هذا هو الغرض كله من هذا الانفجار العشوائي للرياح.
لم يعرف ما إذا كانت تفترض أن الروبوت المنظف يمكنه التحرك خلال العاصفة من الزجاج والمعدن لأنه لا يشعر بالألم، أو إذا كانت تعتزم رمي الروبوت بعيدًا بالرياح، لكن عليه أن يفعل أكثر من مجرد تحمل هذا التهديد الفوري. هزيمة هذه الفتاة لعَبَثٌ إذا هرب الروبوت.
وقد استنتج شيئًا من هذا.
(طوال الوقت، لم "تمسك" أو ترمي أبدًا شخص فعلي بتحريكها الذهني.)
إذا كان كل ما تحتاجه هو إخراج لاست أوردر من المشهد، لكان ذلك أسرع طريقة. سواءً برمي الرهينة أو باستخدام قوتها على نفسها للطيران. حتى عندما قذفت كاميجو في الهواء، فعلت ذلك بطريقة غير مباشرة، بأن ترفع الأرض من تحته عندما كان بإمكانها ببساطة أن "تمسك" به وترميه مباشرة.
لكنها لم تفعل.
لا.
بمجرد أن هدأت العاصفة، ترك الحزام الذي كان ملفوفًا حول الشجرة واندفع خارجًا من خلف الجذع.
بدأ يشق طريقه على المسار الأقصر نحو الفتاة الشقراء في زي ماما نويل.
بالطبع، وجهت كِلا سَبَّابتيها نحوه، لكن...
«لا يمكنك فعلها،» أعلن فورًا.
بدا أن هذا محاولة منه ليقنع نفسه بهذه الحقيقة ويهدئ أعصابه.
كان عليه أن يفهم ذلك، وإلا سيُبتلع. كان عليه أن يخبر نفسه أنه هو من يصنع الأمواج ويهاجمها. لم يكن الوحيد الذي يريد التفوق النفسي والذي سيكون مستعدًا للكذب للتمسك به. ولكن بمجرد أن فكر في سبب رغبته في ذلك النوع من الخداع، تَجَلَّى له خوفها بوضوح.
أجبر نفسه على كشف أنيابه بينما يخطط لضربةٍ نفسية مضادة.
نعم.
«على الأقل، لا يمكنكِ "إمساك" البشر الأحياء!! ربما يتعلق الأمر بالمادة، مثل البروتين أو شيء من هذا القبيل، وربما عقل الشخص الآخر يشوش على قوتكِ، لكنه شيء ما!!»
إذا كان ذلك صحيحًا، فلن تقدر على إيقاف اندفاعه مباشرة.
قد تكون قوتها مشابهة لقوة شبح شرير يتسبب في تحريك الأثاث من تلقاء نفسه في قصر قديم. كان يُقال إن تلك الحالات كانت غالبًا من عمل إسبرٍ غير مكتشف يُعرف باسم "الحجر الكريم"، خاصة الأطفال الصغار الذين انفجرت قدراتهم تلقائيًا خلال فترات الضغط النفسي العالي. قد تكون هذه الفتاة قادرة على التحكم في تلك القوة نفسها بوعي.
يمكنها أن تمسك بالأشياء وتحركها.
لكنها ستحتاج إلى إيقافه بهجوم غير مباشر، وهذا سيخلق لحظة تأخير.
لذلك، كان عليه فقط أن يصل قبل أن يحدث ذلك.
في القتال القريب، السكين أقوى من البندقية. وبالمثل، لم يكن عليه أن يخشى قوتها بمجرد أن يكون أمامها مباشرة!!
«و؟»
وفي لحظتها، فَصَلَت الفتاة سَبَّابتيها.
حركتهما بعيدًا يمينًا ويسار.
كانت أسرع قليلاً. "أمسكت" بشيء ما، ثم وجهت إصبعيها نحوه مرة أخرى.
مثل فكين ينغلقان بقسوة.
«وما يهم في ذلك؟»
تبع ذلك اهتزازٌ مكتوم.
تمزق المبنيان الضخمان على الجانبين من أساسيهما فتحطما بعنفٍ على بعض بكاميجو توما في المنتصف، ليُزيلاه تمامًا من المشهد.
- الجزء 6
«فووه.»
(كأني باااااالغت شوية. أشم ريحة الغاز تتسرب.)
تنهدت مَيْدونة هوشيمي.
ما لها قيود هذه المرة، مما يعني أنها تستطيع قتل أكبر عدد من الناس حسب الضرورة لتحقق هدفها. لكن ذلك الهجوم كان مبالغًا فيه بوضوح وغير ضروري. من منظور خدع المسرح، كان الأمر أشبه بساحر يصيح على أحد الجمهور غضبًا وقتما كانوا على وشك اكتشاف خدعته.
أزاحت ناطحتَي سحاب مسافة عرض مبنيَين إلى الجانب يمينًا ويسار. تلكما المبنيَين لثقيلان جدًا أن تحركهما الرافعات وغير مستقريَن جدًا أن يدخلهما العمال، لذا لا بد من هدمهما لإخلاء هذا الطريق الرئيسي. وبما أنها مزقتهما من أساسهما، فقد مزقت أيضا خطوط الكهرباء والغاز والمياه. وكانت خطوط الغاز هي الأكثر إشكالية. وبما أنها تشم الرائحة التي أُضيفت صناعيًا، فإنها كانت عرضة لأن تنفجر لو تناسبت الظروف.
ولن تجد حمقًا أكثر من أن تؤدي للجمهور خدعة "قطع نفسك إلى نصفين" فتحقق ذلك فعلاً بالخطأ.
هو ضروريٌّ دائمًا أن تضمن سلامتك أولاً.
بهذا المعنى، كانت الفتاة نويل ساحرة مسرح من الدرجة الثانية لأنها فشلت في ضمان سلامتها على الفور.
«...»
بعد صمتٍ قصير، نظرت بعيدًا.
رفرفت باروكة شعرها الأشقر بينما استدارت 180 درجة مبتعدة عن الفاصل بين المبنيين اللذين تحطما معًا محكمًا لدرجة أن حتى ورقة ما كانت لتدخل بينهما.
(ينبغي أن يتمكن هذان أن يخرجا من هذا المبنى شبه المهدم قريبًا. ولعله يكون أأمن لي أن أنتظر خروجهما وأضمن قتلهما بدل أن أسحق المبنى وافترض أنني أنجزتها. وإذا لم أضمن تمامًا من موتهما، ربما يقلق عميلي.)
ولكن أكثر من ذلك، لم تستطع أن توقف بالها في شيءٍ آخر.
ما لهذا سببٌ مباشر. أزعجها مكوثها في الخوف من أحدٍ هزمته نظريًا، لكن كان عليها أن تستمع إلى ما يقوله لها عقلها الباطن.
(ذلك الفتى أعطى المستنسخة تعليمات. عليّ أن أُسَوّيَ أمرها واستعيد الروبوت المنظف وأنهي نقل لاست أوردر. أوهذا كل شيء؟ يبدو أنني سأقضي الكرسماس وحيدة هذه السنة.)
«ربما آكل واحدة من تلك الكعكات بالكريمة في مكان ما. وبالسكين والشوكة أُقطّع الشوكلاطة الأرجوانية المحمرة وبرج كريم الماتشا فأتخلص من هذا المزاج السيء.»
بينما كانت تستعرض خططها بعصبية، لاحظت شيئًا آخر.
كان هاتفها يرن منذ فترة.
أمسكت بالجهاز المحمول المهتز، وكان المتصل هو من توقعته تمامًا.
‹ ‹ما كان ذلك ضروري› ›
«أتراني لا أعلم؟»
‹ ‹إذًا لماذا فعلتِه؟› ›
«اخرس. أنتم الكبار من جعلتموني هكذا.»
اشتعلت بغضبٍ هادئ.
لكن الهدوء لم يُبديه أقل خطورة.
«....لا أستطيع استخدام عيدان الطعام.»
كان هذا شيئًا غريبًا أن تقوله فتاة في الثانوية.
وكان مصحوبًا بنبرة عميقة، مليئة بالاستياء.
«أيبدو لك هذا أمرًا ليس مهمًا؟ ربما هو كذلك لأولئك الذين أخذوه مني، لكن عندما تعجز عن شيء يقدر عليه الجميع، فإن ذلك يقيد القلب أكثر مما قد تعرفه حساباتك! لا أستطيع تحريك الأشياء إلا بسَبَّابتَي. لأنكم أنتم من جعلتموني هكذا. أوقعتموني في هذا الوضع دون تحذير، قائلين إنه ما هو إلا "تحسين" لقدرتي!!»
قد كانت ممثلة الفصل من يمكنها فعل أي شيء.
لم تكن أذكى من غيرها بكثير، وبالتأكيد لم تكن أكثرهم لياقة. ولكن في الثقافة أو الآداب، كانت دائمًا أول فتاة تقصدها. وبهكذا وجدت لنفسها مكانًا.
ولذا ما كانت أبدًا لتسمح لنفسها أن تتعثر في تلك الأمور العادية. ومع ذلك...
«إنه كما لو أنني طفلة صغيرة. كلما تحدثنا في المدرسة أو أكلنا الطعام بعد المدرسة، دائمًا ما أمد يدي إلى الشوكة أو الملعقة وأنا أنكمش خوفًا من أن يكتشفوا الحقيقة!!»
لاحَظَت أن الذي على الهاتف صمت.
لكن هذا لم يكن شخصًا يُسكت بالقوة. هذا الصمت كان على الأرجح نابعًا من استياء. ما كانوا بأغبياء كفاية أن يتخلصوا من أفراد مفيدين لأسباب عاطفية بحتة، لكن هذا كان خطأً من جانبها.
نَظّمت تنفسها عمدًا قبل أن تتابع.
«سأفعل ما هو مطلوب لأنني كذلك أحتاج الجانب المظلم. ولكن من فضلكم كفوا عني توقعاتكم لأكثر من ذلك. انسجام مع المجتمع؟ التكيف مع الوضع؟ لا أستطيع. ولابد أنكم تعلمون باعتباركم من أزلتم هذه القدرة مني حتى تتحكموا فيني بسهولة. لذلك سأفعلها بأبسط طريقة أجدها. تمامًا كما كنتم تأملون بأنانية.»
كانت تدرك أن بعض الأوامر الطويلة ستأتي رغم كل شيء، لكن نظرة متحيرة ظهرت على وجهها وهي تمسك هاتفها.
ثم نقرت بلسانها بهدوء.
«عذرًا،» قالت الشقراء نويل.
مقتت ذلك الشخص، لكنها لم تستطع ترك عملها ناقصًا. الدرجات المدرسية والخلفية العائلية لعديمة الفائدة في الجانب المظلم. كل ما يهم هو النتائج. ما كانت لتسمح لنفسها أن تخسر ذلك إذا أرادت البقاء.
«...ما زالي في خاطري الكثير لأقوله، لكن علي العودة إلى عملي.»
كان لديها سبب كافٍ لإنهاء المكالمة الآن.
أي...
«سأخبرك لماذا يجب أن يهمك ذلك.»
«...»
سمعت صوتًا.
وما كان من الهاتف. جاء صوت ذكوري بسيط لا يصدق من خلفها.
ولكن كيف له؟ وأنّى جاء؟
أثناء القتال السابق، كانت تعلم أن الصبي كان مغطى بالعرق ويخادع في كل خطوة. كان ذلك جزئيًا ليضغط عليها نفسيًا، ولكنه أيضًا ليُبقي نفسه واقفًا مستمرًا بعد أن انطعن وانضرب عدة مرات. يمكن أن تكون هذه الطريقة فعالة أكيد، خاصة في مدينة الأكاديمية حيث تعتمد المعارك غالبًا على قدرات الإسبر. وكطريقة معيارية، كان من السهل على مَيْدونة، وهي محترفة في الحيل الدنيئة، أن ترى هذا.
ولكن ما هذا؟
أهذه خدعة أخرى لم ترها؟
أم أن الوضع قد تجاوز بالفعل تكتيكاتها؟
كان هناك أحدٌ آخر غيرها يتحدث بسلاسة وبلاغة لدرجة كان صعبًا أن تفكر في أنه إما كان محسوبًا كله أو غير محسوب كله.
أيُّهُما؟
«إذا كان تحريكك الذهني يُحرك فقط الجمادات، فكل شيء بات منطقي. تساءلت لماذا لم تُصنفي مستوى 5 مع كل هذه القوة، لكنني الآن فهمت. وحقًا وأكيد لا أريد قدرتك. قدرات ميساكا القابلة للتكيف كثيرًا وقدرات المصنفة 5 التي لطالما سمعت عنها الشائعات تبدو أكثر إثارة في نظري لو كنت لأختار تبادل القدرات مع شخص ما ليوم واحد. وبصراحة لا أستطيع بأي حال أن أرى قدرتك على نفس ذلك المستوى الأعلى.»
«..........................................................................»
توقفت التروس في عقل مَيْدونة هوشيمي عن الدوران.
حقًا، انهار الجدول الزمني الذي خططت له هنا.
«لن تقدري على إنقاذ أي أحد، ولن تصنعي البسمة في أي أحد. كل ما عساك هو التدمير.»
صوته بدا مليئًا بالأسف، وكأنه رأى شخصًا آخر أصيب بجروح بليغة.
«كيف صرتِ هكذا؟ ...سمعتك تقولين شيئًا عن عجزك عن استخدام العيدان.»
بحركات صلبة تشبه دمية صدئة، استدارت 180 درجة مرة أخرى. كان من المفترض أن تكون هي المسيطرة هنا، ولكن أحدًا آخر أجبرها على الالتفات.
وها هو هناك.
هذا الفتى العادي تمامًا وقف هناك كالمعتاد.
مع الدم يغمر جانبه.
كان يتعرق عرقا مزعجًا لمثل هذا الطقس في ديسمبر ووجهه كان متعبًا وشاحبًا.
ومع ذلك، رفض أن ينهار.
إضافةً لذلك، حتى عظامه ما كان ينبغي أن تبقى سليمة. كان الهجوم الذي تعرض له ليس شيئًا يُنسى بمجرد تعزيز نفسي أو التظاهر بالقوة.
«كيف فعلت؟»
«ما رأيك؟»
«لقد استخدمتُ ناطحتي سحاب يزيد ارتفاعهما الخمسين طابقًا! أما كانت الأوزان الـ100,000 طن كافية، أم أنك تقول إنك قادر على أن توقف حاملات الطائرات النووية بيديك؟»
«لم أحاصر في مصيدة بشرية كما في العصور القديمة. ترى في المباني نوافذ وأبواب في طوابقها الأرضية. فاخترقت أحد تلك الأبواب ورأيت طابقا أجوف بالكامل هناك. وإذا كنت ستفعلين ذلك، كان عليك الاستمرار حتى تسحقي كِلا المبنيَين بالكامل، مثلما يُشكلّون ورقة ذهب في المصانع.»
وغير ذلك.
أو بسبب ذلك.
سمعها تذكر العيدان.
كان عليها أن تلوم نفسها فقط لأنها لم تتحقق من الجثة، ولكن لا يهم.
لقد كذبت على أصدقائها وخدعت الجميع في حياتها اليومية لتخفي هذا السر، ومع ذلك انزلق منها بسهولة هنا.
ضغط نفسي؟
تعزيز نفسي؟
هذا تجاوز أي شيء يمكن للكلمات مثل هذه أن تؤثر فيه.
«سأقتلك.»
«حاولي.»
«سأقتلك!!!»
على الأرجح، لم تكن هذه المشاعر موجهة حقًا إلى الفتى الثانوية شائك الشعر الذي كان يقف أمامها. إنما كان ضحية في خضم الغضب. لكنها ما عادت تكبح نفسها. لقد غاصت عميقًا في الجانب المظلم إلى درجة اللاعودة. كانت تعرف ذلك جيدًا لدرجة كادت تضحك، لكن هذا كان شيئًا لا يمكنها تحمله.
شعرت وكأن كل شيء صار مضيعة للوقت.
حتى تلك الوخزة الصغيرة من الألم التي كانت دائمًا تشعر بها في قلبها.
حتى تلك الحياة المدرسية المُرقعة التي كانت تُبقيها معًا بخداع أولئك الجاهلين.
كانت تشعر بصوت غير قابل للتحديد يرتفع من أعماق عقلها. كانت تشعر به، لكنها لم تستطع إيقافه. هذا هو الجزء المزعج من النفس البشرية. قد خرجت الأمور عن السيطرة أبعد مما كانت تتخيل.
«نعم!! نعم، إنه صحيح!! إني أعجز عن شيءٍ يعتبره الجميع بديهة لا تُناقش. لا أستطيع استخدام العيدان الصغيرة بيدٍ واحدة ولا أستطيع التقاط الطعام بها! لا أستطيع استخدام العيدان!! كل ما أسعه هو أن أمسكها بقبضتي وأطعن الطعام كطفلةٍ صغيرة!! ولكنك لن تفهم أبدًا ما يعنيه أن يسرق الكبار منك شيئًا رآه الجميع بديهة لم يفكروا بها قط!!»
«سرقوا منك؟»
«التكنولوجيا الحديثة يمكنها مسح معلومات محددة من الدماغ دون أن تضر بالخلايا العصبية نفسها. هناك فرصة للتعافي، نظريا، لكنني أتصور أن الوحيد الذي يمكنه فعل ذلك حقًا هي #5 المدينة الأكاديمية.»
شعرت وكأن رأسها ينتفخ.
درجة حرارتها استمرت ترتفع من الداخل، مما جعل إيقاع تنفسها يضطرب.
بدأت الدموع تتجمع في زوايا عينيها وهي تصرخ في وجهه.
«ولكن إذا أرسلتَ كمية هائلة من المعلومات إلى جزء محدد من الدماغ لتعيد كتابتها، ثم كررت العملية مرارًا وتكرارًا، فربما تخرج خارج نطاق التعافي. يُعرف ذلك باسم طريقة الانزلاق الإشاري. ولقد تَحَسَّن عقلي لاستخدام هذه القوة. بإزالة ما لم يكن ضروري!!»
ولذلك لم تعد تستطيع استخدامها.
كل ذلك لكي تركز أعصابها بالكامل على إصبعَي السَبَّابة.
ما عادت تُنجز المهام التي لطالما فعلتها بسهولة—مهمة حتى الأطفال في رياض الأطفال يمكنهم.
«يضحكك، ها؟»
شفتيها ارتخت.
لكن ليس لأنها تبتسم.
هناك أطفال لا يستطيعون الكتابة أو الحساب. وبعد أن واجهوا عقبة في نقطة تجاوزها الجميع دون مشاكل، لم يتمكنوا من إحراز أي تقدم وسقطوا عن مسار حياتهم الدراسية.
وكانت هي المثل.
بسبب خوفها مما سيقوله الناس إذا اكتشفوا، احتفظت بهذا السر.
«كل ما أريده هو الاستمتاع بأكل الطعام مع أصحابي دون أن أقلق بشأن كل هذا. كل ما أريده هو أكل الطعام في مطعم دون خشية أن الجميع يراني. هذا كل ما أريده، ولكن ما لبثت حتى وجدتُ قدماي غارقة في الرمال المتحركة لا أستطيع الهروب منها!!»
سمعت صوت شيء يقطع الهواء.
قد وجهت إصبعها إلى إحدى شظايا الزجاج عند قدميها وأطلقتها باتجاه هدفها بحركة خفيفة من إصبعها.
كان أقصى حدٍّ للوزن تحمل أكثر من 100,000 طن.
بعد أن استخدمت ناطحتَي سحاب، استخدمت الآن إبرة شفافة لا تتجاوز بضعة مليمترات.
الحواس البشرية تتكيف مع المحفزات وتقوم بإجراء تصحيحات دون وعي من الشخص. الشخص العادي كان ليُطعن في جبهته قبل أن يتكيف مع هذا التغيير المفاجئ في الحجم.
«هكذا.»
«ء!؟»
كان هذا غريبًا.
الفتى لم يهتز.
فجأة، رفع يده اليمنى براحته العادية تمامًا موجهة نحوها. وكان هذا كل ما تطلبه لكي تنهار. الشظية الزجاجية التي كان من المفترض أن تخترق هدفها من على بعد بضعة أمتار فقط سقطت على الأرض بلا قوة.
لقد كسرها.
لقد مزقها.
لقد دمر قوة مَيْدونة هوشيمي نفسها، التي كانت أشبه بحبلٍ خفي.
لكنه لم يقل شيئًا عن ذلك.
ليس لأنه كان مهتمًا بإخفاء ورقته الرابحة.
كان الأمر أشبه بأن لديه شيئًا أهم ليقوله.
«إذن، هل تشعرين أحسن بقليل الآن؟»
«........أه؟»
لم تفهم.
لكن كلماته بدت وكأنها تصنع طريقها داخل الفراغ في عقلها بالقوة.
«أعني، لم تستطيعي إخبار أي أحد عن كل هذا، لكن ها أنتِ قد أخرجته من صدرك الآن. كيف كان؟ ربما كان مؤلمًا ومحرجًا، وربما جعلك تريدين أن تدوسي الأرض وتتلوي ألما، لكن هل شعرت براحةٍ بعد أن أخرجتِ كل ذلك؟»
لماذا بدا وكأنه يعرف ما يتحدث عنه؟
كان من المفترض أن يكون تصرف الناس وكأنهم يفهمون هو أكثر شيء يغضبها، ومع ذلك، بدت كلماته كأنها تصيب.
بعد تفكير قليل، ساد الصمت بينها بعض الوقت.
لم تملك دليلاً موضوعيًا على ذلك، لكن هل يمكن أن يكون....؟
«أنت أيضًا؟»
«...»
«هل فقدتَ شيئًا أيضًا؟ لا، هل سُرق منك شيء أيضًا؟!»
استطاعت أن تخمن أن هناك شيئًا خاصًا في يد هذا الفتى اليمنى. وهذا ما استخدمه الآن.
شَكّل مسدسًا بإصبعه وأشار إلى صدغه.
«ذكرياتي.»
«...لا....»
«قد فقدت كل شيء قبل صيف هذا العام. خمسة عشر سنة كاملة.»
لم يتحدث عاليا بشكل خاص.
لم يقم بأي إيماءات كبيرة ولم يضف أي نبرة درامية إلى صوته. لو أنه تصرف هكذا، لربما رأت محترفة مثلها ذلك كذبةً. لكن لم ترَ أي شيء من ذلك. ولهذا شعرت بِوَزن كلماته.
كان لذلك الصوت الواقعي تأثير صَلَّب الهواء نفسه.
الحقيقة لم تكن شيئًا لطيفًا.
كانت تعرف ذلك جيدًا باعتبارها أحدًا يحمي نفسه بالانغماس في الجانب المظلم. في الواقع، كانت تعرف أن الحقيقة الجرداء يمكن استخدامها كسلاح لجرح نفسية الناس.
«ولكن يبدو أن ما فقدته كانت فقط ذكرياتي عرضية [4]، لذا على عكسك، لا يؤثر ذلك حقًا على حياتي اليومية. ولا أستطيع إثبات ذلك موضوعيًا، تمامًا مثل مسألة العيدان معك.»
أذلك ممكن؟
كيف لذلك أن يكون مسموحًا؟
كان لها أشياء تمسكت بها من أجل الدعم. حتى عندما قتلت أناسًا أثناء عملها في الجانب المظلم، كانت ما تزال تركز على حماية اتصالاتها مع الآخرين. كانت تلك الاتصالات هي التي أخزتها من مما لم تستطع فعله، وجعلتها تكذب لتخفي تلك الأشياء، وجعلتها تغوص أكثر في الرمال المتحركة.
لكن.
أوكانت تريد الاستسلام لمجرد أنه كان صعبًا؟ لا.
مهما تمزق قلبها إلى قطع، لم ترغب أبدًا في فقدان تلك الذكريات التي صنعتها مع أولئك الناس. كانت تلك الاتصالات هي التي منحتها القوة للاستمرار في الظلام. كانت تريد الحفاظ على تلك الشعلة الصغيرة بداخلها.
ولكن، ذلك كان ما أُخذ منه؟
«فكيف؟»
تسربت الكلمات من فمها.
كانت تتجنب السؤال منذ البداية، لكنها وجدت نفسها الآن تبحث عن الإجابة.
«كيف تستمر مع هذا؟! وضعك أسوأ بكثير ولن تستعيد أبدًا ما فقدته مهما حاولت، ألن يكون الأمر أسهل عليك لو كرهت من فعلوا ذلك بك!؟ فكيف!؟»
كان فتًى عاديًا.
ربما اعتاد على خوض معارك غير عادية، لكنه لا يزال ساذجًا جدًا في نفسه.
ولمن غرق في الجانب المظلم، أمكنها أن تقول ذلك بثقة. مجرد امتلاكه مكانًا آخر للعيش جعله مختلفًا جوهريًا عنها.
من الذي فعل ذلك به؟
الإجابة بصراحة لم تكن مهمة. عندما تفقد شيئًا، كأنك تُعطى عُذرًا لتحتقر العالم من حولك. فبعد كل شيء، لم يلاحظ أحدٌ ما يحدث، ولم يحميك أحد، والآن فات الأوان. لك أن تصرخ بتلك الأشياء لتبرر ما تفعله. ولقد أعطي بشكل أساسي الامتياز المطلق بأن يكون الضحية.
لكن.
هز الفتى رأسه.
«لن يكون ذلك أسهل.»
«...»
كان يعيش في عالم مختلف.
«ذلك دربٌ مليء بالألم. لا أرى أنني أتحمله. لهذا السبب أخفيت فقدان ذاكرتي كل هذا الوقت. على أنه كان فعلاً مروعًا ومليئًا بالحفر، ولقد اكتشف بعض الناس ذلك. ولكن لهذا السبب، لن أعتمد على أشياء غير ملموسة مثل الذكريات بعد الآن. أعني، لدينا عالمٌ كامل هنا. سأفوت الكثير إذا لم أستمتع بذلك مع الجميع. أن أبتسم وأركض مع الجميع هو دربٌ أسهل بكثير.»
كانت قيمه مختلفة جوهريًا.
لهذا السبب لن يَصِلا إلى تفاهم.
«فماذا عنكِ؟»
لكن صوته لم يغادر أذنيها.
لم تستطع طرد تلك الكلمات من عقلها على أنها لم تكن تعني شيئًا لها.
«لقد فقدنا أشياء مختلفة وبطرق مختلفة، لذا سأسألك عن شعورك. هل من المريح حقًا أن تكوني مقيدة إلى الأبد بما فقدتِه؟ لا يمكنك استخدام العيدان ولا تغيير في ذلك. لكن ألا تريدين أن تصبحي شخصًا ينظر إلى ذلك ويقول "فماذا"؟»
«لا أقدر.»
«بل تقدرين.»
«ليس بهذه السهولة!! لا يمكنك فقط أن تضيف شيئًا جديدًا فتملئ بها الفجوات!! هذه ليست مجرد حالة بسيطة كواحد زائد واحد يساوي اثنين!! نفس كمية البيانات لا تعني نفس المحتويات. لا بد أن هذا قد أخذ منك الكثير أيضًا، فكُفَّ عن فرضه. فأنا لا أتخيل مدى صعوبة فقدان ذكرياتك. هذا أسوأ بكثير من عدم القدرة على استخدام العيدان! وهو غريبٌ أنك لست محطمًا من الداخل أكثر مني!!!!!»
«قد فقدتُ ذكرياتي ولن تعود أبدًا. فماذا؟ وصلت إلى هذا الحد، وسأعترف أن ذلك استغرقني الوقت. لكن أين أنتِ الآن؟ في أي جزء من هذا الدرب الطويل يشعرك براحة أكبر؟»
إذن ما الذي يفسر هذا؟
أين اختلف الاثنان؟
لم تكن هذه كلمات شخص غريب لا يفهم ألمها.
كان هذا شخصًا بالفعل في وضع أسوأ منها.
فكيف تمكن ذلك الفتى من اتخاذ هذا القرار؟
«لا أرى بصراحة أن لدي سببًا حقيقي.»
«...رس.»
«فقدتُ شيئًا. وأُخذ مني شيء. نعم، هذا يؤلم، لكنه لا يمنحني حقًا في فعل كل ما أريد. في الواقع، ليس الأمر موضوع ما هو ممتع أو مؤلم. أنا فقط لا أريد أن أكون ذلك النوع من الناس.»
«اخرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااسس!!!!»
هدرت [5] الأرض أعلى من الهواء، فارتفع الإسفلت جوار مَيْدونة هوشيمي. وما توقف الأمر عند هذا الحد. إنما ذلك مجرد قاذف. انبثق نفقٌ من الأسفل، فخرج مسار مترو كامل إلى السطح.
لم تُسمع صفارة تحذير.
استنادًا إلى جميع العدسات وأجهزة الاستشعار المضافة في المقدمة، من المحتمل أن يكون قطارًا غير مأهول (بدون سائق). لعله كان قطار شحن يحمل منتجات الكرسماس، لكن الأمر لم يهم حتى لو كان عليه سائق.
تجمدت كتلة المعدن المكونة من ثمانية عربات وانطلقت في الهواء نحو كاميجو توما بشراسة. من حيث القوة التدميرية البحتة ولا أكثر، كانت هذه أكثر قوة من ريلغن #3 المدينة الأكاديمية. ولم تكن مستندةً إلى قوتها. كان القطار نفسه يتحرك فقط بمحركه الكهربائي.
لكن.
مع ذلك.
«رأيتُ الكثير من الناس، حتى بعد فقدان ذكرياتي.»
تحرك مترًا إلى اليمين.
كانت تلك الحركة بسيطة لقدميه.
فقط تخطى مسار تلك السكك الحديدية المحددة مسبقًا.
تجاهل الضوضاء المدمرة بينما استمرت عيناها مركّزةً عليها.
«قد رأيتُ نخبة المستوى 5 ورأيتُ منسحبين ما أحرزوا أيَّ تقدمٍ مهما جاهدوا. رأيتُ ساحرًا مدخنًا عجز أن يحمي أعز شخص لديه ورأيتُ قديسةً لطالما تتبّعتها المآسي دون ذنبٍ عليها. ...الأمر ليس حصرًا علينا. الجميع يحمل آلامًا لن يفهمه أحد غيرهم، لكنهم كبحوا أنفسهم وصَرُّوا أسنانهم واستمروا في القتال دائمًا. هذا ليس عالمًا صغيرًا كفاية لأن يُبرر تدميره فقط من أسبابنا الشخصية!!»
إذن.
ماذا كان عليها أن تفعل؟
تغيير شعورها لن يجعل العالم يقف إلى جانبها.
ستظل الحقيقة القاسية دون تغيير.
بعد كل ما فعلته، لن تستطيع أبدًا مغادرة الجانب المظلم. كانت نظرتها إلى الدرب الدموي الذي سلكته تجعلها تشعر بالغثيان. كانت أحوج لذلك الاستياء الذي أعطاها مبررًا لأفعالها. وبالنظر للأمام فقط متجاهلةً، استطاعت أن تظن أنها تصل إلى ذلك المستقبل السخيف حيث تضحك يومًا ما مع أصدقائها دون أي من هذه المخاوف.
على الرغم من أنها، في أعماقها، كانت تعرف أن ذلك ما كان بممكنٍ أبدًا بعد قتلها أوَّلَ واحد.
في أعماقها، قد استسلمت في تلك النقطة، مما سَهَّل عليها قتل الثاني والثالث.
«نعم.»
سمعت صوتًا غريبًا.
لم يكن من قوتها. لم تفعل شيئًا بتاتاً.
«لذا إذا كنتِ ستعانين من ذلك وحدك وتضيعين الفرص التي تُعطى لك لأنك تركت تلك الأشياء غير الملموسة تقيدك...»
إذن ما الذي أحدث ذلك الصوت؟
نظرت لأعلى ورأت ذلك الفتى يقبض يمينه بقوة ولكن بهدوء.
رأت يده تُشَكِّلُ قبضةً.
وسمعت كلماته.
«....إذن لأدمرن هذا الوهم القذر حتى لا يتبقى منه شيء.»
- الجزء 7
خطوة.
كان على كاميجو توما فقط أن يتشجع فيأخذ تلك الخطوة الواحدة، وعندها يُنهي معركته.
لقد طُعن في جنبه، و خياطة ميساكا إيموتو السريعة كانت بعيدة عن الكمال. ثم اضطر أن يلوي جسده قسريًا ليتفادى ويدافع ضد هجمات مَيْدونة. ما أمكنه حتى تخيل كيف بدت الأوضاع تحت ملابسه الآن. ربما كان الجرح أسوأ مما كان عندما طُعن أول مرة.
لكن.
مع ذلك.
(سأنهي هذا.)
كان عليه أن ينقذ لاست أوردر مهما كان الثمن.
فقدانه للذكريات وعجز مَيْدونة عن استخدام العيدان ما كان بذنب لاست أوردر.
كان عليه أن يوقف مَيْدونة هوشيمي.
إضافة جرمٍ زائد لن يعيد الشيء الذي تاقته. كل ما كان ينتظرها من بعد هذه المعركة هو نفس الواقع القاسي. لكن إذا لم تتوقف هنا، فلن ترجع أبدًا. لن يسمح لها بالابتعاد أكثر عن العالم الذي تحلم به.
ما عاد للحيل مجال.
كلٌّ منهما يعرف وجود الآخر. ومحاولة جذب الآخر بمزيد من الكلمات لن تحقق شيئًا. كان عليه أن يجعل هذا تصادمًا مباشرًا كاملاً.
كان يفهمها، وتفهمه.
وهذا الفهم كافيًا تمامًا.
لذا.
لم يحتاجا إلى إشارة نهائية. [6]
«أقسم أنني سأُنهيها! هنا والآن!!»
وَجَّهت سَبَّابتيها كالبندقية نحوه.
كان هذا عدوًا يائسًا.
كانا يعيشان في عالمَين مختلفَين.
لكن لسبب ما، بدا أنها تبتسم. كان وجهها متجعدًا يكاد يبكي، لكنه لم يرى إلا ابتسامة على شفتيها.
أخيرًا.
لأول مرة.
بدت وكأنها قد وجدت صديقًا تكشف له عن حقيقتها القبيحة والعنيفة.
«‹«أوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووه!!!!!!»›»
انفجرا معًا.
قبض كاميجو توما قبضته اليمنى وركض منطلقا بينما كانت مَيْدونة هوشيمي سَبَّابتَي التحريك الذهني القادرة على تحريك حاملة طائرات نووية كاملة.
ارتفعت الأرض فكشفت أنابيب مكسورة.
انفجرت النيران والموجة الصدمية من حوله، لكن الفتى انحنى وانطلق صارًّا بأسنانه بينما كانت الشاشة الكبيرة المثبتة على جدار مبنى تسقط كالمقصلة. تناثرت شظايا الزجاج والمعادن في كل الاتجاهات وظهرت جروح حمراء على وجنتي مَيْدونة. لم تتوقع ذلك بنفسها، لكن ذلك لم يعد يهمها. تحطمت الشاشة على الأرض وانكسرت وانثنت ثم ارتدت مرة أخرى بينما "أمسكت" الفتاة بها مرة أخرى بِسَبَّابتَيها. فصلت الإصبعين، فتمزق ذلك الجهاز LCD الأكبر من حافلة سياحية بسهولة تقطيع خبز محمص، وارتفع النصفان كقبضتي عملاق.
سحابة من الغبار الرمادي ملأت الهواء.
كانت تهدد بإخفاء كل شيء، لكن ذلك لم يحدث.
ركض كاميجو توما بأقصى سرعته نحو ماما نويل التي تتلاشى خلف الستارة الرمادية.
كانت ستُغمر في الجانب المظلم الخفي فتُؤخذ بعيدةً عن متناول الجميع.
رفض السماح بذلك.
تحرك كما لو كان يريد أن يمنح أفكاره شكلاً ملموسًا.
«خالدٌ أنتَ!؟» صاحت، رغم أنها كانت تدرك على الأرجح العكس.
رمت لكمةً مستقيمة بِيمينها وخطافية بِيسارها. تلكما الذراعين قادرة على دفع سيارة عادية إلى قمة ناطحة سحاب، لكن كاميجو تفاداها فقط بأرجحة جسده.
لم يكن هذا نوعًا من القدرات الخاصة. لم يعتمد على الحظ أو القدر.
سوف يحمي.
سوف ينقذ.
وليس فقط لاست أوردر المخطوفة، بل أيضًا مَيْدونة هوشيمي. إذا كان كل ما عليه هو أن يمد يمينه فَيَصِلَ إلى الذي أمامه، عندها سيكبح ارتعاش ساقيه. وإذا نظرنا للأمر، فكانت تلك القبضة اليمنى هي كل ما لديه. إذا أراد إنهاء هذا، فعليه الاقتراب. ولذا سيفعل. الانفجارات القوية وشظايا الزجاج والمعادن الحادة التي تطايرت لم تهم. إذا لم يستطع إنقاذها دون الاقتراب، فسيحرص في نفسه أن يقترب كفاية قدرما تطلب. قبض أسنانه وابتلع الألم.
نعم.
لا داعي أن نذكر أنه كان مغطى بالدم.
لم ينجو من هذه المعركة دون إصابة. الجرح في جنبه لم يكن آخر ما أصابه. كان يُضرب بموجات الصدمة وكانت الشظايا الحادة تخترق جسده. الدم الأحمر الداكن تسرب من كل أنحاء جسده، لكنه قرر منذ البداية أنه سيتخذ هذه الخطوة ها هنا. سمح له ذلك القرار أن يتحرك. ولا شيء آخر.
«...لا تقلقي.»
لم يكن مهمًا إذا كان ذلك لعشر ثوانٍ، خمس ثوانٍ، أو ثانية حتى.
كان عليه فقط أن يبقي جسده يتحرك أطول قليلاً.
إذا تمكن من ذلك، فسوف يمزق سلسلة المآسي التي حبست مَيْدونة هوشيمي في شبكة العنكبوت!!
«قد لا تقدرين أبدًا على استخدام العيدان ثانيةً، ربما أُخِذَ منكِ كل شيء، ولعلّ مآلك في النهاية خلف القضبان، لكنني لن أتركك أبدًا!!»
صوت مكتوم بشدة—أكثر عنفًا مما كان متوقعًا—اهتز في الشوارع المكسورة.
صَدَمت قبضته اليمنى وجهها.
فماذا دار في ذهن تلك القاتلة من الجانب المظلم عندما أصابت تلك الضربة الخفيفة خدها؟
لم تصرخ حتى مرةً.
تلك الفتاة، التي أرادت أن تكون طبيعية أكثر من أي أحدٍ آخر، سقطت على الأرض.
- الجزء 8
كم كان عليك أن تفعل لتقيد إسبرًا قوي كان سؤالاً معقدًا للغاية، لكن من الواضح في هذه الحالة أن الزناد كان في إصبعيها السَّبَّابة. استعان كاميجو بشريط لصق لابد أنه جاء من موقع بناء قريب، وطوى يدي مَيْدونة هوشيمي الغائبة عن الوعي إلى قبضتَين، ثم لف شريط اللصق حولها حتى المعصمين. ثم وضع يديها خلف ظهرها وثبتهما هناك.
(.....مَيْدونة، ها؟)
تأمل في وجهها ولا يزال منحنياً.
ما كان بمقدور هذه الفتاة أن تفعل ما يمكن لأي أحدٍ آخر فعله.
لو أن كاميجو ظل متعلقًا بذكرياته المفقودة، لعل انتهى به المطاف مثلها.
(ماذا يمكن لفتى ثانوية عادي مثلي أن يفعل من أجلها؟)
«توما!!»
«ول ما هذا! هذه ليست ملابس بابا نويل، فلماذا تغطت ملابسك بالأحمر كثيرًا؟!»
في هذه الأثناء، تجمعت حوله الفتيات الأخريات.
نزلت ميساكا ميكوتو من جدار مبنى وهي تحمل إندكس.
«يذهلني أكثر أنك تجاوزت ذلك دون خدش. وأنك خرجت في الأساس وقتما كانت المصاعد لا تعمل.»
«آغغ، شعري ومعطفي متسخان. آمل حقًا أن ذلك المكان ما به معدن الأسبستوس. لم نتمكن من فعل أي شيء بشأن الخرسانة نصف المدمرة، ومزيج الأنابيب الغازية المكسورة وكابلات الكهرباء كانت مخيفة حقًا! استغرقني الأمر وقتاً لأخترق البرج الذكي وأوقف الغاز. لو لا ذلك، لجئتك أسرع.»
عادت ميساكا إيموتو أيضًا وهي تسحب روبوت تنظيف بحبل بناء أصفر وأسود.
«هل لاست أوردر هناك؟» سألت ميكوتو.
«على الأرجح، لكن لا ترى ميساكا أن نفتحها بلا مبالاة قبل أن نتيقن من عدم وجود فخاخ غير إلكترونية باستخدام فتيل زجاجي، تقول ميساكا لتُظهر كم هي مفيدة.»
في مرحلة ما، تعلمت تلك النسخة نفس الحيل البلاغية كموظفٍ مكتبي يريد التخلص من أي عمل حقيقي.
لكن على أي حال...
«اعتني بهذا، ممكن؟»
رمى لها كاميجو هاتفًا وجده مع مَيْدونة، لكن لسبب ما، بدأت الفتاتان ذات نفس الوجه تتشاجران حوله.
«هذه مهمة حساسة حيث أن قوة الإخراج القصوى لا تهم، لذا قد جرحتَ ميساكا بتلميحك أنها لن تكون مفيدة هنا، تقول ميساكا وتتأكد من أنها ليست مثل الأصلية الوقحة.»
«فما رأيك أن نتنافس على معايير الهجوم السيبراني؟ ولكِ أن تتعاوني مع شبكة الميساكا كلها إذا أحببت. ولحظة من تقصدين بالوقحة؟»
«إذن، أطلب الجائزة أن تكون أحد تلك الدونات العصرية. ستطلب ميساكا واحدة عبر فتى التوصيل الدراجة وسنرى من سيفتحها قبل وصوله، تقترح ميساكا.»
«تم. لكن أليست تلك التي تُزَين بلون حظك؟»
استمرا في الجدال بينما تضغطان خديهما معًا ويتمعنان شاشة الهاتف. ربما كانا يتنافسان لمعرفة من يمكنه كسر كلمة المرور أولاً، لكنهما بديا أكثر كأختان حميمتان.
ثم تدخلت إندكس من الجانب.
«أليست هذه ثمانية وخمسين ألف وواحد وخمسين؟»
«لا تخمني رقم عشوائي على كيفك—إييه!؟ تمزحين! لماذا يقول تحليلي إنها ثمانية وخمسين ألف وواحد وخمسين أيضًا؟!»
«يا لبنت الغوامض تُظهر قوة الغرائب، تقول ميساكا وهي ترتعش من هذه الظاهرة الغرائبية. سَمِعَت ميساكا أن علم التنجيم وعلم الفال يستخدمان الرياضيات والإحصاءات، لكن كيف فَعَلَتها بالضبط؟»
ياي، دونات لي☆ كما صاحت إندكس.
جاءَ فتى التوصيل على دراجته ومعه العنصر السام المغطى بكريمة مخفوقة وسرعان ما دخل معدة إندِكس بسرعةٍ لا تصدق. وهذا وضعها في صَفِّهم أيضًا. كانت فرحتهم الكرسماسية ساطعة جدًا لدرجة أن الفتى شائك الشعر ما استطاع أن يشاهد ذلك من موقعه في الظلال.
كانت الهواتف كنوزًا من المعلومات.
لم يعرفوا شيئًا عن مَيْدونة هوشيمي، بما في ذلك اسمها الحقيقي.
لو أنها بمفردها، لكانت هذه نهاية القصة، ولكن إذا كانت تعمل مع شخص آخر، فإن التهديد على لاست أوردر لم ينتهي بعد. هل يمكنهم تسليم هذه الفتاة إلى الأنتي-سْكِل ويتنفسوا الصعداء ويعودون يستمتعون بعشية الكرسماس أم عليهم البقاء متأهبين؟ حتى لو كانوا هواةً يضيعون طاقاتهم العقلية في التفكير في هذا، ما عساهم يستريحوا دون معرفة الإجابة أولاً.
لكن.
ألقت ميكوتو الهاتف نحوه دون حتى أن تنظر إلى الشاشة.
«هاك.»
«؟»
«لا أعلم ما حدث، لكنك الوحيد الذي له الحق في النظر.»
أحقا؟
وَدَّ لو يفكر هكذا، لكنه ما كان بمتأكد.
التجسس على هاتف شخص آخر كان شيئًا مقرفًا. كانت الروابط إلى الكتب الإلكترونية ومقاطع الفيديو حول الآداب هي أول ما برزت. من المحتمل أن تكون مرتبطة بعيدان الطعام. بدت وكأنها تتجنب كتب الأطفال الصغار، ربما لأن ذلك كان ليوجع كبرياءها كثيرًا.
شَعَرَ بإنسانيتها اليافعة تنزف من تلك السطور العادية من النص الرقمي.
احتوى الألبوم على العديد من الصور، لكن الغريب أن الفتاة الشقراء لم تكن في أي منها. في البداية، اعتقد أنها صور التقطتها لأصدقائها، لكنه أدرك أخيرًا أنها كانت تخفي هويتها بباروكة وعدسات ملونة.
عندما انحنى وأزال الباروكة عن الفتاة الغائبة عن الوعي، وجد فتاة ذات مظهر بريء مع تسريحة شعر بوب.
كانت تلك الفتاة نفسها هي الأكثر ظهورًا في الألبوم.
لم يبدو أن الهاتف يحتوي على اسمها الحقيقي في أي مكان، لكن قد يكون من الممكن كشف هويتها من خلال تحليل الأشخاص والأشياء الخلفية في الصور. ولم يجد سببًا أن يفعل ذلك.
«...»
كانت جميع الفتيات في الصور يبتسمن.
لكن تلك المشاهد كانت شيئًا قد خلقته لتُغطي وتُخفي عقدتها.
كان اسم مَيْدونة هوشيمي اسمًا زائفًا.
قد عاشت حياةً كحياة أحدٍ أُجبر دائمًا أن يختار ملابس تغطي الوشم الذي حصل عليه منذ زمن. باستثناء أن أحدًا آخر كان من أجبرها على ذلك.
(هذه كلها أشياء لا يمكنك التواصل بشأنها إلا بقبضاتك.)
«ميساكا.»
«؟»
«لقد نظرتُ في معظمها، لكنها تبدو عادية جدًا. لم أرى معها هاتفاً آخر أيضًا. لا أعرف حقًا ما هو عالم الجانب المظلم، لكن لا بد أن يكون مع أصحابها أداة للتواصل مع من يعمل هناك، أليس كذلك؟ لا بد أن في هذا الهاتف مساحة سرية مخفية.»
«سأرى، لكن هل هناك مكان يجب أن أتحقق منه أولاً؟»
«ما وجدت شيئًا في سجلات المكالمات أو دفتر العناوين، لذا أريد فقط أن أعرف من كانت تتواصل معه.»
«طيب،» قالت فتاة الإعدادية وهي تستلم الهاتف والمهمة عفويًا.
وبعد فترة ليست طويلة...
«لا شيء حقًا.»
«ماذا؟»
بدا غريبًا له أن ميكوتو تستسلم بسهولة.
لكن لسبب ما، كانت مبتسمة.
«أساسًا، هذا الهاتف يُستخدم فقط للاتصال بخادم مخصص يعمل كصندوق قفل رقمي عن بُعد لجميع مستنداتها وعناوينها. لذا حتى لو ضَيَّعتْ هاتفها أو سُرق منها، عليها فقط أن تقطع ذلك الخط فتمنع تسرب أي معلومات حساسة.»
«إذن، طريق مسدود ها؟ بدا كأنها تشحن لاست أوردر إلى مكان ما، لذا ينبغي أن أحدًا ما سيأتي ويأخذها.»
«نعم، يفترض على الأقل.»
ميكوتو غمزت وهزت الهاتف المستعار.
أصدر صوت نغمةٍ أحادية النغمة.
«أجل، دورك مرة ثانية.»
«لا، أشك في وجود أي شيء من حياتها الخاصة هناك. وإذا كانت معلومات عمل، لعلمنا.»
عرض الهاتف شاشة لم يتعرف عليها، وكانت تحتوي على قائمة بأسماء الملفات. حتى امتدادات الملفات في النهاية كانت غير مألوفة له. نقر على البعض لكن النص بدا له غير مفهوم. لم يكن الأمر مشابهًا للعقود القانونية التي يوقعها البالغون، لكن مستوى الارتباك الذي شعر به كان قريبًا من ذلك. كانت مليئة بالكثير من المصطلحات الفنية والصياغات المعقدة التي لم يتمكن من فهم أي منها منطقياً.
«هل تريد من ميساكا أن تُخلص لك؟»
«من فضلك.»
«أساسًا، هذا يتعلق برئيس مجلس الإدارة، تقول ميساكا موجزة.»
«إليه؟»
بدت نبرة كاميجو مشوشة.
‹إليه› هذه لم تكن للإنسان المُسَمَّى أليستر. بل إلى الذي تولى ذلك المنصب من بعد أليستر.
كان لذلك الشخص صلة قوية بكل من ميساكا ميكوتو وميساكا إيموتو.
والأهم من ذلك، بِلاست أوردر.
«نعم، على افتراض أن هذا الملف دقيق.» هزت ميكوتو رأسها برفق. «يقول هذا إن رئيس مجلس الإدارة الجديد قد بدأ في القضاء على الجانب المظلم في المدينة الأكاديمية، لكن الذين ارتاحوا في الجانب المظلم أو لا يمكنهم الهروب منه سيعارضون هذا القرار. لذلك يُريدون ورقة مساومة فَعّالة.»
«...»
من المؤكد أن خطة رئيس المجلس كانت أسهل قولاً من الفعل.
حتى لو تم الإعلان عن هذه المثالية، فقد لا يخرج المرتعبون من جحرهم للشهادة خوفًا، وقد يعارض آخرون المثالية نفسها. وعندما تنهار الأمور وتفشل المحاولة، سيكون أول هدف للانتقام هو الذي رفع العلم وقاد الهجوم.
وقد أظهر على الفور إلى أي مدى كان مستعدًا للمخاطرة في هذا الأمر.
«أولًا، سيكشف عن جرائمه،» تابعت ميكوتو.
«ماذا؟»
«يبدو أنه جاد. سيكشف عن كل ما فعله، وخاصة أكثر من عشرة آلاف نسخة قتلها في تلك التجربة. بهذه الطريقة سيظهر عدم وجود استثناءات. يبدو أنه يظن أن هذه هي الطريقة الوحيدة لجذب المتشككين الخائفين إلى النور. ...وقد سَلَّم نفسه إلى محطة الأنتي-سْكِل.»
«سَلَّم نفسه!؟»
«بالتأكيد لا يبدو لي من النوع الذي سيفعل، لكن يبدو أن الأمر صحيح.»
لن تتعدل عقوبته بناءً على ظروف وتوقيت هذا الفعل. بمجرد أن تُكشف جرائمه، سيتعين عليه دفع ثمنها. وهو محتمل أن لا يخرج مرة أخرى من خلف القضبان.
مالت ميساكا إيموتو برأسها وهي تتصفح الملفات.
«هل يعني هذا أن رئيس المجلس الجديد يستقيل من منصبه قبل انتهاء السنة؟ تسأل ميساكا. وما الفائدة من هذا الجهد إذا أعاد رئيس المجلس التالي الجانب المظلم؟»
«لدى رئيس المجلس الحق في الاستقالة واختيار بديله، لكن النظام ليس مصممًا ليجعل أي أحدٍ تحتهُ يُزيله من المنصب. تمامًا كما أن تصويت المعلمين في غرفة هيئة التدريس لا يمكن أن يطرد المدير أو رئيس مجلس إدارة المدرسة.»
كانت المدينة الأكاديمية نظامًا تعليميًا عملاقًا أنشأه أليستر لتحقيق هدفه، لذا لم يكن ليبنيها بطريقة تسمح للآخرين بالتدخل في أفعاله.
مما يعني...
«إذن، هل يعتقد أنه يمكنه تنفيذ ذلك إذا استخدم سلطته الرئاسية لإدارة المدينة من خلف القضبان؟» تساءل كاميجو.
«لابد أنه ينوي قيادة هذا حتى النهاية. ما الذي يجري مع الأشخاص في قمة هذه المدينة الذين يغلقون أنفسهم وراء جدران سميكة؟»
على أي حال، عرفوا الآن لماذا قد يرغب أحدٌ ما في لاست أوردر.
كانت إحدى الجهات تريد تدمير الجانب المظلم للمدينة الأكاديمية، بينما كانت الجهة الأخرى تريد إيقاف ذلك.
كان الأمر يشبه إلى حد كبير صراعًا مباشرًا بين الجانب المشرق والمظلم من المدينة. وهذا يعني أن نصف المدينة بالكامل سيسعون وراء لاست أوردر. إنما كانت مَيْدونة هوشيمي مجرد طليعة. الانسحاب الآن لم يكن حلاً جذريًا.
«أليس في الحكاية أكثر؟»
دون أن يفكر، بدأ كاميجو توما يبحث عن عدو.
«أليس هناك شخص آخر؟ مثل عقل مدبر واضح خلف كل هذا؟! إذا كانت هذه مجرد موجة عشوائية من الأشرار المنفردين، فلن نستريح مرة أخرى!»
فجأة غمرت رسائل الخطأ (error) الشاشة.
أحدٌ ما لاحظهم.
لكن بدلاً من قطع الاتصال، بدا وكأن البيانات نفسها تُمحى.
«هناك شخص واحد يدير كل تلك الإحباطات. وأراهن أنه من يَمُدّ الأموال والأسلحة اللازمة لهؤلاء.»
لكن هذا لم يوقف ميكوتو.
لم يهتموا بالأدلة التي يمكن استخدامها في المحكمة.
كانوا بحاجة فقط إلى معرفة اسم المخطط وراء هذه الحادثة. وكان هذا المحو العاجل لبيانات الخادم يبدو فقط أنه يؤكد أن البيانات هذه جائزة.
لذا، قرأت ميساكا ميكوتو البيانات بصوت عالٍ حتى أثناء محوها.
«نيوكا نوريتو. أحد الاثني عشرة في مجلس الإدارة.»
- الجزء 9
بصوتٍ ثقيل، تمكنت ميساكا إيموتو من إزالة الغطاء الدائري في أعلى الروبوت التنظيفي الأسطواني من بعد ما أَسَرَته. يبدو أنها لم تكتشف أيَّ من الفخاخ التي قلقت بشأنها. فوجئ كاميجو برؤيتها تُفتح بهذه الطريقة. بدت له أنه كان ينبغي فتحها بمفك خاص غير المفكات العادية، لكنها على ما يبدو استخدمت المغناطيسية مباشرة لفك البراغي.
كان الداخل شبه فارغ، وفرت مساحة تكفي لطفل صغير بعد أن يلتفَّ. لكن نظرًا لعدم وجود أي قمامة بالداخل، فلا بد أن هذا كان روبوتًا أعدته مَيْدونة لنقل لاست أوردر.
على أي حال.
كانت لاست أوردر مغشية، لكنها بدت سليمة عندما مَدَّت ميساكا إيموتو يدها أسفل الفتاة برفق وحملتها.
كانت أطرافها وفمها مقيدين بحبل خاص مُتحكم فيه، لكنه لم يبدو فخًا. ومثل هذا الجهاز الإلكتروني لن يضاهي ميكوتو.
«مم؟ لكن إذا عجزت مستنسخة أن تُزيل هذا الحبل المُتحكم فيه إلكترونيًا، هل يعني ذلك أنني حقًا المتفوقة في الهجمات الإلكترونية؟»
«كيف جعلتِ من فشل ‹الوحدة الأعلى› تؤثر في جودة كُلِّ الميساكا؟ تتساءل ميساكا وهي ترتعش من هذه التخمينات الكريهة. ينبغي على ‹برج القيادة› أن تتعلم درسها.» [7]
لحسن الحظ، لا بد أن لاست أوردر تكون رهينةً قيمة إذ أنها لم تعاني من أي إصابات ملحوظة. حتى وإن كان ذلك لاستخدامها لأغراض خبيثة، إلا أنه لا يزال من حسن حظ نظراً إلى الأضرار الهائلة التي سببتها مَيْدونة هوشيمي في مدينة عشية الكرسماس من حولهم.
سألت إندِكس سؤالاً بينما كان قِطّها الملون لا يزال على رأسها.
سألت عن مفترق الطرق الحاسم الذي كانوا يقتربون منه.
«توما، ماذا نفعل الآن؟»
«سؤال جيد.»
إذا كان صادقًا، فإن فتى الثانوية العادي مثله لم يستطع أن يرى الصورة الكبيرة هنا.
تَخَيَّل أن الأمر يتعلق بما يريده الكبار وتوازن القوة العام داخل المدينة، لكن هذا لا يعني أنه استطاع أن يرى أي من التفاصيل. لا يمكنك إجراء جراحة أو نزع فتيل قنبلة بناءً على إحساس غامض "أظن أنني أفهم القليل". كان من المحتمل أن يكون الوصول إلى الإجابة الصحيحة مستحيلاً له بالمنطق الخالص في هذه المرحلة.
«أولاً، أود أن أعرف أيُّ نوع من الناس هو نيوكا.»
ما كان كاميجو توما بشخصٍ يتذكر من يدير المدينة أو حتى من هو مدير مدرسته. ولا دخل بفقدانه الذاكرة؛ ببساطة لم يتفاعل أو يهتم بهم. كان يعرف أولئك الاثني عشر من كبار الشخصيات في المدينة الأكاديمية. قد يكونون مثل مجموعة من الوزراء في حكومة دولة، لكن لهذا السبب لم يكن لديه فكرة من هم. عادةً ما لا يتذكر الناس الكثير بعد الرئيس أو رئيس الوزراء الفعلي في القمة.
ولم يحتج أبدًا أن يعرف من هم لو عاش حياة طبيعية.
فجاءته ميكوتو بشرح.
«المعلومات الرسمية تقول إنه اسم كبير في صناعة الأمن... مع كبار الشخصيات مثل مدراء مجلس الإدارة، فهم في الغالب كبار في السن، لكن هذا في الواقع شابٌ كثيرًا بالنسبة للمجموعة. ومع ذلك، ليس بطفلٍ مثلنا.»
«أرى. هل المهمون مثل هؤلاء عندهم قائمة بالإنجازات على موقع الحكومة أو مثل هذا؟»
«بالطبع، عنده حساب على وسائل التواصل.»
قد وجد كاميجو صعوبة في متابعة الحديث. أليس من المفترض أن يكون هؤلاء المخططون المجرمون متغطين بالغموض في أعماق قاعدة سرية تحت الأرض أو شيئاً مثل هذا؟
لكن عندما نظر إلى هاتف ميكوتو، رأى صفحة تبدو رسمية جدًا. كانت مرتبة جدًا ونظيفة لدرجة أنها لم تحمل أي دفء إنساني حقيقي. حتى اللافتة أمام مبنى مقر الشركة ستبدو أدفئ من ذلك.
ظهر الشاب حسن المظهر في بدلته، لكنه ما بدا كرجال الأعمال.
بل أشبه برائد أعمال بارز أو ممثل سينمائي. ربما كان ذلك بسبب مظهره الشاب اليافع ليكون أحد التنفيذيين في لبس البدلات أو ربما بسبب لياقته البدنية التي كانت تُرى حتى من خلال بدلته. ومع ذلك، من يستطيع أن يقول مدى تعديل الصور على صفحته في وسائل التواصل؟ لعلّ الرجل في الصور يكون بديلاً.
«ماذا قصدتِ بصناعة الأمن، أونيه-ساما؟ هل هذا تعبير آخر عن أنه يبيع الأسلحة؟ تتساءل ميساكا وهي تُمَيّل رأسها بظرافة.»
«انطمي يا متملقة... ولأ، الوضع مختلف. يبدو أنه يعمل في مجالات مكافحة الحرائق والوقاية من الكوارث. يتبرع بالكثير من المال للأعمال الخيرية وبرامج التطوع. ...وبالطبع كل ذلك قد يكون تمويهًا ليخفي طينته.»
لم تكن هذه حالة للخير يقمع الشر.
ولا كانت حالة لإنشاء شر أقوى من العدالة حتى يرتاحوا.
كان اليائسون حقًا يتعاونون مع الخير والعدالة. كانوا يستغلون تلك الأشياء لمصلحتهم، وإن لم يكفي ذلك، سيعيدون كتابة تلك الأنظمة بالكامل.
«تبدو مكافحة الحرائق والوقاية من الكوارث غير خطيرة في البداية، لكن للمرء أن يفعل أشياء مخيفة باستغلال تلك الأنظمة. يمكن تحويل روبوتات الإنقاذ إلى أسلحة، أو حتى أن تخلق كارثة مصطنعة.» بهذا خَتَمَت ميكوتو.
على أي حال، كان واحدًا من الاثني عشر شخصية رفيعة تدير المدينة الأكاديمية.
كانت مَيْدونة هوشيمي مجرد الطليعة.
لا بد أن لديه شيئًا خاصًا به. كان يقف على قمة المدينة الأكاديمية التي تتحكم في جميع علوم التكنولوجيا في العالم، لذا فمن المؤكد أنه يمتلك جميع أنواع التقنيات الغريبة لنفسه.
كان يجلس في مجلس الإدارة.
في الحقيقة، كانوا يتظاهرون فقط بأنهم يعرفون ما هو عليه بناءً على الشائعات والمعلومات عبر الإنترنت. لأن مواجهة كيان غير معروف كانت مخيفة جدًا. في أسوأ الأحوال، قد تكون هذه معركةٌ لا تنتهي مهما بذلوا من جهد.
لم يكن بإمكانهم تحديه عشوائياً.
كان ينبغي عليهم تجنب الاتصال به بأي ثمن.
لكن...
«إذا كان يخدع النظام، فلا بد أنه في وضع يتطلب منه ذلك.»
«توما؟»
«لا نقدر أن "نرى" أي من السلطة السياسية أو التسلسل الهرمي أو توازن القوى لدى الكبار، ولا عندنا طريقة لنُحِسَّ بذلك فورًا. لكننا نعلم أن نيوكا نوريتو كان يعيش حياةً جيدة باستخدامه تلك السلطة الخفية. وأكيدٌ أنه سيستخدم تلك السلطة الخفية قبل أن يقبض قبضته. استخدم الحيل القذرة ورمى بالأموال واستغل سُلطته وحَرَّك العديد من الأشخاص، لكن كل ذلك لم يكفيه. لهذا السبب لجأ أخيرًا إلى العنف.»
كان ذلك واضحًا.
كانت أبسط الحقائق، لكن استخدام العنف يأتي مع مخاطر. يمكن للمدير نيوكا استخدام العنف لحماية منصبه، لكن ذلك سيكون بلا معنى له إذا كُشف استخدامه للعنف ووُضِعَ تحت ضغطٍ اجتماعي. كان ذلك الشرير يقاتل بوضوح من أجل نفسه، لذا لم يرغب في جلب السلام للمدينة الأكاديمية بالتضحية بنفسه.
وهذا يعني...
«سنقاتل.» كان ذلك قرار كاميجو توما. «إذا تركنا الأمور على هذا النحو، فمن يدري متى تنتهي. سيحاول العدو الهجوم مرة بعد مرة وسنكون أموات ما إن نرخي الحذر حتى للحظة. ولا يمكننا أن نترك الأمور في وضع قد يؤدي فيه خطأ واحد إلى دمارنا. لذا، هذه هي فرصتنا الوحيدة. لا يمكننا رؤية توازن القوى لدى الكبار، لذا لا يمكن لأحد منا أن يقول إذا كانت الظروف التي توفر لنا هذه الفرصة ستظل موجودة غدًا أو بعد غد.»
لم يكن بإمكانهم السماح بحدوث ذلك للاست أوردر. أو لمَيْدونة هوشيمي في الواقع. ومن المحتمل أن يُقال الشيء نفسه عن العدو الخفي الذي سيهاجم من بعد ذلك، وذلك الذي سيأتي من بعده.
نيوكا نوريتو.
كان ذلك الشخص قد شَكَّل العمل الخيري والتطوع إلى رصاصاتٍ له، وتعاون مع الخير والعدالة حتى يخلق مآسي لا حصر لها دون أن تتسخ يداه. كانت طبيعته المنحرفة قد سرقت الكثير من الناس إمكانياتهم وعوجت حياتهم.
الجانب المظلم.
إذا كان حقًا يريد حماية تلك اليوتوبيا الظلية، فعليه أن يقف في مرمى النيران بنفسه.
لم تكن مَيْدونة قادرة على استخدام عيدان الطعام.
تخيل كاميجو وجهها وهي تعض شفاهها وتكبح دموعها من ذلك الألم الذي لم يفهمه أحد آخر.
تمامًا مثل أكسلريتر كان لديه لاست أوردر، كان لمَيْدونة هوشيمي عقدتها بشأن العيدان.
استخدم ذلك البالغ البغيض تلك الأشياء درعًا ليتلاعب بالأطفال وفق إرادته. لم يضرب قبضته، ولم يتحدى بإرادته عَدُوَّه، ولم يدخل أي نوع من المعركة على الإطلاق. سرق أرواح الناس واستخدمهم لأغراضه، لكنه اعتبر ذلك علامة على ذكائه ولم يرَ حاجة للتفاعل معهم.
لن تنتهي المآسي ما لم يوقف.
بغض النظر عن أي شيء.
«لننهي هذا.»
كان العدو ضعيفًا حاليًا.
فشلت قواعد الكبار هنا، لذا اضطر أن ينحط إلى قواعد الأطفال العنيفة. مما يعني أنه اختار اختطاف لاست أوردر الصغيرة واستخدامها رهينةً.
لكن إذا نزل من برجه العاجي الذي لا يوصل وكان الآن في متناول اليد...
«علينا أن نُمسكه من ياقته قبل أن يصعد مرة أخرى بعيدًا عن متناولنا.» كانت تلك إجابة كاميجو واستنتاجه. «من المحتمل أن هذه الفرصة تتاح فقط اليوم. لقد ضَعُف لأن هناك من قاومه، لكننا لا نعرف متى يتعافى من ذلك. لذا ينبغي علينا أن نستغل هذه الفرصة وننهي ما بدأه شخص آخر. خلاف ذلك، سنعود إلى النقطة صفر. وسيقبض على لاست أوردر وتفشل خطة أكسلريتر وسيفقد أحدٌ ما حياته ليكون بيدقًا جديدًا محل مَيْدونة. الوحيد الذي سيضحك من بعد ذلك سيكون مهووس النظافة ذاك نيوكا!!»
«ميساكا توافق، تقول ميساكا لتعبّر عن موافقتها.» كان لفتاة النظارات العسكرية عديمة التعابير المزيد لتقوله. «بعيدًا عن كيف تخطط لتحديد مكان نيوكا وشن الهجوم عليه، فإنه من المعجزة حقًا أن هذا الأمر تَبَسَّط إلى حد يمكن فيه حله بالقتال. إن إنهاء الأمور بالقوة اليوم سيكون خيارًا أكثر فعالية وتحقيقًا من ترك هذه الفرصة تذهب فنُجَرِّبها مجددًا لاحقا عندما تكون الظروف مرتبطة بالسياسة والاقتصاد، تقول ميساكا لتوضح منطقها ونظرتها.»
«إذن، فهل هذه هي طليعتُنا؟» سألت ميكوتو. «مع احتساب لاست أوردر النائمة هنا، فما نحن إلا خمسة. أوه، ولنقل ستة إذا احتسبنا القط على رأسك هذا. وأكيد أنه سيساعد كثيرًا.»
«آه؟ أنا سعيد فقط لأني لستُ وحدي هذه المرة،» قال توما. «بصراحة لم أعتاد على هذا القدر من المساعدة.»
« «...» »
لسبب ما، كانت إندِكس وميكوتو تحدقان. وكان الضغط كثيفًا.
كونك وحدك أمر حزين.
و...
«بشأن ذلك.» رفعت ميساكا إيموتو يدها. «نظرًا لأن نيوكا نوريتو حاول اختطاف ‹برج القيادة›، ألن يكون من الانتحار إحضارها معنا؟ بغض النظر عن شكل القتال، تظن ميساكا أنه يجب علينا إبقاء لاست أوردر بعيدةً عنه، كما تقترح ميساكا.»
«لكن حتى تركها وحدها لخطير؟» ردت ميكوتو. «لا نعرف عدد الذين قد أخفاهم نيوكا هنا، لذا يمكن أن تُختطف مرة أخرى بينما نقاتل.»
«لهذا ستقوم ميساكا بإدراج ما نحتاجه. أولاً، نحتاج إلى مقاتلين للتغلب على المدير نيوكا نوريتو. ولكن لا يمكننا ترك ‹برج القيادة› وحدها فتُخطف. هذا يعني أننا بحاجة أيضًا إلى مقاتلين لحمايتها، تشرح ميساكا بينما ترفع إصبعين. أفلن يكون أفضل أن نقسم الفريقين؟»
بدا الأمر بسيطًا، لكن من سيكون في كل فريق؟
كان كاميجو قادرًا على إبطال جميع أشكال القوة الخارقة، وكان لإندِكس قدرة لا تُهزم في التصدي للسحر، لكن كلاهما ضعيفٌ أمام الأسلحة النارية العادية. كانت ميساكا إيموتو قويةً ضد البنادق والسكاكين، لكنها لم تستطع التعامل مع القوى الخارقة الشديدة. بدا أن لميكوتو قوةً تجمع كل الصفات، لكن إبعادها عن الخط الأمامي سيقلل من فرصهم في هزيمة نيوكا نوريتو. كانوا فريقًا متنوعًا حسنًا عندما يكونون معًا، لكن ميزاتهم وعيوبهم تتجَلّى بفصلهم.
ومع ذلك، كان لميساكا إيموتو فكرة حول هذا الأمر.
«ترى ميساكا أنه من الأفضل أن تبقى حارسةً لبرج القيادة، تقول ميساكا وتشير إلى وجهها.»
«ها؟ أنتِ؟» قال كاميجو.
«تشكيكك يزعج ميساكا، لذا ستُذكّرك بمهارتها مع جميع الأسلحة النارية وقدرتها على استخدام أمان المدينة بقوتها الكهربائية.»
«لكن هل لكِ أن تهزمين شخصًا بمستوى مَيْدونة بذلك؟» سألت ميكوتو. «لن تقدري، ها؟»
«أيقظي تلك العفنة الآن. ستُريك هذه الميساكا كيف تهزمها بلكمةٍ واحدةٍ سريعة، تقول ميساكا وترفع أكمامها لتظهر حماستها.»
كانت متحمسة بعض الشيء هنا، لذا جاء كاميجو سريعًا يُقيّدها. قبضاتٌ لا تحمي ابتسامة أحدٍ لا معنى لها.
كانت الفتاة ذات الإنتاج الضخم تكافح بلا تعبير (بينما كانت لا تزال تُعانق من الخلف)، لكنها واصلت الكلام.
«الأهم، نيوكا نوريتو لا يريد أن تتكشف جرائم مدير المجلس الجديد—أيَّ المشروع القديم الذي كانت ميساكا جزءًا منه، صحيح؟ يمكن لميساكا أن تقاتل باستخدام نفسها رهينةً. كِلانا مستنسخة، ‹برج القيادة› والرقم التسلسلي العادي، لذا إذا قاتَلَت ميساكا بينما تجذب الانتباه بنيران أسلحتها وقدرتها ضوضاء الراديو، لا بد أن تسبب لهم بعض المتاعب، تقول ميساكا ساردةً الشروط المتوقعة للمعركة.»
معها وجهة نظر.
كان كاميجو بالتأكيد متفقًا على أنه لا يمكنهم إحضار لاست أوردر معهم إلى الخط الأمامي. إن تعليق تلك الحلوى أمام أعين الخاطف لأمرٌ غبيٌّ إلى حدٍّ بعيد.
لكن ذلك لم يكفي بعد.
«منطق ميساكا إيموتو يعتمد فقط على افتراض أن جانب نيوكا نوريتو يحاول حل هذا في السر، وبالتالي سيتراجع المهاجمون بدلاً من المخاطرة بكشف أفعالهم للعالم. على سبيل المثال، سيُنهون هجومهم إذا رأوا بثًا مباشرًا من كاميرا محطة تلفزيونية أو بثًا مباشرًا من هاتف.»
ومع ذلك.
(لقد أعطى حرية كبيرة لمَيْدونة هوشيمي.)
نعم، لا يمكنهم الوثوق بهذا الافتراض.
مهما كبرت القضية، لكَ دائمًا أن تُغطيها إذا امتلك ما يكفي من القوة. لذا إذا قرر ‹نيوكا› أنه عليه إنهاءها اليوم مهما كلفه، فإن خطة ميساكا إيموتو لن تنجح. حتى أمام كاميرا تلفزيونية أو ببث هاتف مباشر، سيتحرك هو أو جنوده لقتل أو اختطاف الفتيات الهاربات.
لذا، احتاجوا شيئًا أكثر.
كان عليهم لعب ورقة قوية أخرى لردع عدوهم.
«قد يكون هذا رفضًا تامًا لعمله وجهوده، لكننا لسنا ملزمين أن نتماشى معه.»
«توما؟»
«ميساكا إيموتو، نترك لاست أوردر معكِ، لكن هل لي أن أقترح لكِ وجهة تهربين إليها؟»
«قد لا تأخذها ميساكا، لكن قل ما عندك.»
أخذ كاميجو توما نفسًا عميق.
ثم دمر خطط شخص ما بابتسامة.
«أكسلريتر مختبئ في محطة الأنتي-سْكِل، صح؟ خذي لاست أوردر إليه وحَصِّني نفسك معها هناك أيضًا. وسيُحارب أقوى الأكاديمية ضد قوات نيوكا لأجلكما.»
لم يكن #1 قادرًا على مغادرة المكان.
كان يثق في قدرة المدينة الأكاديمية على تطهير نفسها.
كل ذلك تمامٌ ومفهوم، لكنه يعني فقط أنه عليهم إعداد موقفٍ يُمَكّن أكسِلَريتر من حماية لاست أوردر وهو وراء القضبان. يمكنه البقاء هناك في نفس المبنى والقتال لحماية نفسه من المهاجمين. وإذا صادف أنه أنقذ بعض المدنيين الذين كانوا معه؟ حسنًا، إنما تلك مجرد صدفة.
لم يفهم كاميجو توما جميع السياسات المعقدة و"الأمور الكبيرة" التي كان الكبار يتعاملون بها.
كان يرى بصدقٍ أن رئيس مجلس الإدارة لرائع أنَّهُ ترك عالم العنف الخالص وواجه عالمًا أكثر تعقيدًا.
لكن.
حتى مع ذلك.
كان أكسلريتر هو من يجب أن يحمي تلك الشقية. ولا تحسب قضايا الكفاءة والمنطق، ذلك هو المفترض أن يكون. كان كاميجو توما يعتني مؤقتًا بلاست أوردر، لكن كان هناك عالم آخر من المفترض أن تنشر فيه ذراعيها وتركض بحرية. كان عليه أن يُأكد من أن هذه القاعدة تُتّبع. مهما كان الثمن.
«آخ،» تأوّهت لاست أوردر وعينيها مغلقتان.
على طاري، كان وضعها غريب منذ البداية.
هل تركت مكانها المعتاد وبحثت عن الأصلية -ميساكا ميكوتو- لأنها أدركت ما يحدث فجاءت تسعى للمساعدة؟ أكان هناك شيءٌ هي وحدها من رأته بعيونها الطفلة، وهو ما افتقده كاميجو وميكوتو والآخرون من معه؟ لعلّ الأمر كذلك، ولعله لا. كان من الممكن أيضًا أنها شعرت بخوف غامض وركضت بدون وجهة معينة. تمامًا كطفل تجول ببطانيته بعد كابوس.
لكن ما الفرق؟
ما يهم إذا جاء هذا من واقعٍ قاسي أو حلمٍ بلا أساس؟
لم يرغب كاميجو في التخلي عن الذين خافوا وتألموا. هو ومن معه وجدوها، لذا كان عليهم ملاحظة ما يجري معها ويعملوا بناءً على تلك المعرفة. قد لا يقدروا على إنقاذ العالم أجمع على الفور، لكن فيهم أن ينقذوا كلَّ من رأوهم أمامهم، واحدًا واحدًا.
كان هناك إنسان في الخارج قد راهن على أن موازين العالم بأسره ستنحرف قليلاً إذا حاول الجميع القيام بالأشياء التي يمكنهم تحقيقها. وعندما وَزَنَ كل الطيبة والسوءة من العالم ضد بعضها البعض، قد راهن أنها ستنحرف قليلاً نحو الجانب المشرق.
لذا، سيوضحون له أن العالم الذي يأمل فيه موجود حقًا.
في عالمٍ يحلم به #1 المدينة الأكاديمية، ربما لن يُخدع أي شخص مرة أخرى لأغراض شخص آخر كما مَيْدونة هوشيمي. وحتى لو حدث ذلك، ربما يمكنهم خلق مجتمع لطيف بما يكفي ليُعطَوا فرصة ثانية. ما أمكنهم أن يأملوا أن يفعلها أحدٌ آخر. كان على كاميجو والآخرين أن يصبحوا تروسًا صغيرة داخل المدينة الأكاديمية تساعد في تحقيق ذلك.
عليهم أن يؤمنوا.
عليهم أن يضعوا رهانهم بأنفسهم، تمامًا كما هو فعل.
نظر كاميجو توما إلى وجوههم واحدًا واحد: إندِكس، ميساكا ميكوتو، ميساكا إيموتو، ولاست أوردر. ثم أعلن إعلان الحرب صارمًا.
«فهيّا نُذيقهم الجحيم.»
- الجزء 10
كان هناك ضجيجٌ كثيرٌ فجأة.
كانت يوميكاوا آيهو تُحادِثُ أكسلريتر في غرفة الاستجواب السرية في محطة الأنتي-سْكِل، لكنها الآن تتواصل مع أحدٍ آخر.
نقر لسانه خفيفا -تشه- بينما كان جالسًا مقابلها ورفع قدميه على الطاولة الشفافة.
«فما كل هذا؟»
«وصلت فتاةٌ لتوها إلى المدخل الرئيسي مع لاست أوردر. وهي تحمل واحدةً على ذمة نيوكا، وهي مغشية.»
كاد أن يسقط من كرسيه الرخيص.
شاشة الكمبيوتر اللوحي ليوميكاوا عَرَضَ لقطات كاميرات المراقبة، لذا أدرك أن هذه ليس مزحة. لم تكن هذه كاميرا ثابتة مثبتة قرب السقف، بل كاميرا شخصية ملحقة بصدر أحد الضباط.
فتاةٌ بلا تعابير أعلنت سبب وجودها هنا بينما تؤدي علامة بيس مزدوجة لسبب ما.
‹ ‹دَنۤنۤنۤ. ميساكا تقدم دليلاً فرديًا وإلكترونيًا يتعلق بنشاط غير قانوني من قبل المدير نيوكا نوريتو. قد انمسح الخادم بالكامل وفي هذا الهاتف بعض آثار البيانات الطفيفة، ولكن ابحثوا فيه وستكتشفون معلومات حول قاعدته الرئيسية، كما تشرح ميساكا بشموليةً تضمن فيها فهم حتى الأحمق. ياااي.› ›
‹ ‹قد قلتِ كل ما أرادت ميساكا أن تقوله! تقول ميساكا وميساكا تحدق مصدومةً في هذه الحرامية!› ›
‹ ‹أنسيتِ أن الميساكات جميعًا عبارة عن ميساكا واحدة ضخمة؟ ولا تفهمي خطأً. هذه الميساكا في فريق ذاك صفري المستوى، كما تقول ميساكا وهي تغمز بعينها وتقف وقفةً بيدها اليمنى. طاخ☆› ›
تأوّه #1 تأوّهًا وهو يضغط أسنانه شديدًا حتى خاف أن يكسرها.
«.....ألن تتعلم تلك النسخ قراءة الأجواء؟»
«لكنهم قد بدأوا.» يبدو أن يوميكوا سئمت من الرسمية الزائدة حيث خلعت جَكيتها الأسود. «لا يقدر الأنتي-سْكِل من طرد الذين يبحثون عن الحماية وسنكون ممتنين جدًا أن نحصل على دليل قاطع عن نيوكا. هذا سيمكننا من الخروج والهجوم بدلاً من تعزيز دفاعاتنا سلبيًا.»
«لن يكون الأمر سهلاً. نحن نتحدث عن أكبر نذلٍ على الإطلاق بجذور عميقة في الجانب المظلم. لابد أن معه شيء في جعبته.»
«أتشير إلى أن لديه أسابر أكثر مثل التي جاءتنا للتو؟»
«......»
«إذن، سأذكّرك أن إنقاذ هؤلاء الأطفال جزء من عملنا. ولن نتجاهل هذا.»
تنفس أكسلريتر من أنفه ساخطًا.
«يا غبي/ـة»
«عن ماذا تتحدث؟ ألستَ من راهن على وجود هذا النوع من القوة بجانب كل هذا الظلام في المدينة الأكاديمية. وسأرفض أن أخيب أملك في ذلك.»
وهي تخلع جاكيتها بيسارها، جمعت يوميكاوا آيهو قدميها، وقفت مستقيمًا، وقدمت التحية بيمينها.
«رئيسة الأنتي-سْكِل يوميكوا آيهو في الخدمة. سأغادر الآن في مهمة طارئة لإنهاء كل هذا.»
«كما تريدين.»
- الجزء 11
حل المساء.
استنادًا إلى المعلومات التي حصلوا عليها من هاتف مَيْدونة هوشيمي، كان لنيوكا نوريتو قاعدته في مبنى ضخم في المنطقة 15، التي تُعتبر أكبر منطقة تسوق في المدينة الأكاديمية. مع وجود مركز تسوق وصالة سينما في الطوابق السفلية، ومكاتب الشركات الفاخرة في الطوابق الوسطى، وشقق فاخرة في الطوابق العليا، كانت ناطحة السحاب رمزًا للثروة والسلطة. كانت الطوابق العليا بمثابة قصر المدير.
«تمامًا مثل أصحاب النفوذ في العصور القديمة.» وضعت ميساكا ميكوتو يديها على خصرها وهي تتطلع إلى المبنى المكون من سبعين طابقًا من الأسفل. «اللورد الأحمق يتطلع إلى المدينة من أعلى قلعته الشاهقة. ولعله تمنى لو عاش في تلك الأزمنة القديمة.»
«لا أدري صراحةً ما تقصدين، لكنني لطالما رأيتُ أن الأثرياء الفاسدين حذرين جدًا بشأن حياتهم»، قال كاميجو. «كيف يحمي هذا المكان؟ بوجود مبنى بهذا الارتفاع، ألن يخاف من أن يُحاصر أثناء حريق أو هجوم؟»
«أكيدٌ أن لديه طائرة VTOL شخصية على السطح. هناك مساحة كافية مثل سطح حاملة مروحية في الأعلى، لذا عنده مجال. يمكنه أيضًا أن يرسل عدة طائرات مسيرة معه لتصعب استهدافه بصواريخ مضادة للطائرات.»
«فهمت، وهذا الغني.»
كانت إندكس تنظر حولها وهي تحمل قِطّاً ملوناً بين يديها.
«رأيتُ ذلك الشخص من قبل»، قالت.
«إندِكس؟»
«كذلك تلك المرأة وذلك الذي يأكل الآيس كريم. ولكنهم جميعًا لبسوا ملابس مختلفة من قبل.»
«إذن، فقد تحرك الأنتي-سْكِل الآن،» قالت ميكوتو.
ما أمكن لأحد خداع ذاكرة إندِكس المثالية. وأكيدٌ أن ضباط الأنتي-سْكِل كانوا يتخذون مواقعهم في المنطقة بينما يتجاوزون أي مراقبة آلية بتغيير ملابسهم ومكياجهم متكررًا. مع توفر التكنولوجيا للأخيار والأشرار سواء، أصبح من الصعب جدًا محاصرة هدفٍ مع تجنب الكشف.
كان ذلك المبنى بلا شك قلعة نيوكا نوريتو، لكنه لم يكن ملكًا له وحده. كان المول في الطوابق السفلى، والمكاتب في الطوابق الوسطى، والشقق في الطوابق العليا تعني أن الكثير من الناس العاديين سيأتون ويذهبون، مما يسمح لأي شخص بالتحرك تقريبًا حتى الطوابق العليا.
كانت هناك أبواب سميكة في الطريق والعديد من طبقات الأمان على المصاعد، لكنهم مع ذلك قادرون على اختراق السقف من الطابق السفلي ليصلوا إليه. من غير المحتمل أن يكون للأنتي-سْكِل نية الهجوم من المدخل الرئيسي فقط.
«فماذا نفعل؟» سأل كاميجو.
«قد نترك الأنتي-سْكِل يتسللون من الأسفل داخلين كباقي الناس. لن نحقق الكثير إذا اتبعنا نفس الطريق.» أشارت ميكوتو إلى الأعلى. «إذا كان سيهرب، فبطائرته VTOL على السطح. لذا إذا سيطرنا على السطح أولاً، فينبغي أن يكون لذلك تأثير كبير. ولن يلاحظنا أحد إذا تسلقنا الجدار بالمغناطيسية. لذا...»
بعد لحظة، انفجرت ألسنة اللهب من النوافذ في أعلى مستويات المبنى حيث أشارت إليه.
تفاجأوا لأنهم لم يملكوا أي فكرة عما حدث للتو.
ترك هذا الحدث غير القابل للتعريف كاميجو في حالةٍ من الذهول شديد. تمامًا مثل حاسوبٍ حاول بشكل قسري قراءة ملفٍ تالف. كانت هذه الحادثة غير المتوقعة تأكل بعنف عقله، وتبتلع فِكرهُ، وتحاول سحبه إلى أعماق الموت.
نيوكا نوريتو.
قد لمح لمحةً بمن كان ذلك الرجل قبل أن يراه فعليًا. على عكس مَيْدونة هوشيمي، كان هذا الرجل شخصًا يخلق أمواجه. كانت الأمواج الصغيرة التي يمكن لطفل مثل كاميجو أن يخلقها بجمع كل شجاعته وإرادته ستتحطم بسهولة.
ومع ذلك...
«ما—؟»
«لا تقفي وحسب يا ميساكا!! الزجاج يسقط!!»
كان عليه أن يجبر نفسه على الاستمرار.
مهما كان ما سيحدث، كانوا في ورطة إذا توقفوا وتجمدت عقولهم. سيمر الوقت بقسوة، وستجبرهم تلك التأخيرات على قبول نتيجة مروعة لكل شيء.
لذا.
كانت كلماته بمثابة صفعة على الخد.
بعد أن صرخ في وجهها، تحركت ميكوتو سريعًا. استخدمت المغناطيسية لتُحرك بعض الزينة الكرسماسية، مثل الجوارب العملاقة وهدية عيد الميلاد الكبيرة، وضعتها فوق الساحة والطريق الرئيسي أمام المبنى. من يدري كم من الدم كان سيتشرب الأرض حول الحشد هناك لَوْلا ذلك.
لم تكن هناك أضرار مباشرة، لكن حدثت بعض الفوضى. شخص يرتدي زي رجل الثلج تدحرج عشوائياً على جانب الطريق، بينما أغلقت فتاة الرنة التي تبيع كعكًا بألوان سامة من شاحنة الطعام الغاز سريعًا، ربما خشيةً من أضرار ثانوية نتيجة الذعر.
«م-ماذا حدث تواً؟» سألت إندِكس مذهولةً.
عض كاميجو شفته حيث راودته فكرة سيئة.
تمامًا كما كان مع مَيْدونة هوشيمي، كانت هذه خدعة ساحرٍ مسرحي. كانت تلك الانفجارات ستقطع الطريق التقليدي للمطاردة.
«تَوَقّع نيوكا وصول الأنتي-سْكِل إلى قلعته.»
«فأشعل النار في منزله؟!»
«بالضبط فعلها وقتما ظهر الأنتي-سْكِل. ماذا لو تَبَيّن أن الأنتي-سْكِل لم يتعرضوا لأي ضرر، بينما هو وحده من عانى الحريق في منزله؟»
لم يتحدث قَط مع أي من المديرين، لكنه شَهِد بعض اللمحات عن كيفية تعاملهم.
كانوا ملتويين مهووسين لا يريدون تلويث أيديهم لذا كانوا دائمًا يعدّون "درعًا" يسمح لهم بالفوز بأمان.
وإذا نظرت إلى هذه الحالة من تلك الزاوية...
«إنه يستخدم القوانين درعًا. هذه هي الطريقة الأكثر فاعلية ضد الذين من المفترض أن يحافظوا على السلام هنا. سيقلب الأمور رأسًا على عقب ويجعل نفسه ضحيةً. لم يفعل الأنتي-سْكِل شيئًا، لكن ماذا يحدث إذا أشار إليهم وادّعى أنهم كادوا يقتلوه عندما دخلوا إليه عنوةً في منزله لأجل تحقيقٍ غير شرعي رغم نقصان أدلة كافية لذلك؟ سيتحمل الأنتي-سْكِل كل اللوم، وينتهي التحقيق، وتبقى له حرية التنقل وتدمير جميع الأدلة المزعجة!»
كانت الطرق المصممة لتعزيز الخير ستستخدم لمهاجمة الخير.
ولم يكن راتب ضابط الأنتي-سْكِل كافيًا أن يستمر في البحث عن شرير قد لا يكون موجودًا حتى.
قبل أن يصلوا إليه، استطاعوا أن يروا مدى خطورة هذا العدو.
«ل-لكننا سَلّمنا مَيْدونة هوشيمي إلى الأنتي-سْكِل»، قالت ميكوتو. «ففي هاتفها أدلة حقيقية، أليس الأنتي سْكِل يتبعون الإجراءات الصحيحة في مجيئهم إلى هنا؟!»
«وهذا سببٌ يجعله يحتاج إلى كسب الوقت الكافي ليذهب ويقضي على مَيْدونة الآن بعد أن هربت من الجانب المظلم.»
لم ينتظر كاميجو حتى ثانية قبل أن يرد، حتى ميكوتو شحب وجهها وسقطت في صمت على إجابته.
لم يكن نيوكا يتصرف وحيدًا. كان لديه الكثير من المقاتلين بمستوى مَيْدونة، وكان من المحتمل أنه أطلقهم في المدينة. هناك ‹شيءٌ› يتحرك نحو محطة الأنتي-سْكِل حيث ذهبت ميساكا إيموتو ولاست أوردر. #1 كان هناك، وسيتطلب الأمر الكثير لاختراق تلك الحواجز، لكن لا ضمان أن نيوكا لم يكن لديه ما يكفي من القوة للقيام بذلك.
لم يكن بإمكانهم السماح لخطة نيوكا بالاستمرار.
لم يكن لديهم إحساس بتوازن القوة بين البالغين، لذا كان عليهم إنهاء هذا اليوم قبل أن تصبح مشكلةً مرة أخرى. لن يتمكنوا من قلب الأمور عندها.
(فكّر.)
صرّ كاميجو أسنانه.
لم يكن بإمكانهم السماح للارتباك أن يجرفهم. كان لابد من إيجاد طريقة لاستعادة السيطرة.
لم يكن عليهم الاستسلام للخوف.
لم يكن هناك داعٍ لتقليص نطاق حريتهم في مرحلة التفكير. كان عليهم أن يبتكروا أفكارًا بناءً على نسخة مثالية منهم، كما لو كانوا نجوم هوليوود أو وحدة قوات خاصة غامضة.
كان يجب أن تكون الإجابة مخفية وراء تلك القفزة المنطقية.
خصوصًا في المدينة الأكاديمية حيث تَحَقَّق الكثير من الجنون بفضل التكنولوجيا.
(إذا كان سيتجنب هذا بخدعة رخيصة، فسيحتاج إلى جعلها تبدو جيدة. من حيث السحر المسرحي، هذه خدعة فنان الهروب. الهروب من الصندوق قبل أن ينفجر أمر رائع، لكن الجمهور لن يرضى إذا كان فقط واقفًا في مكان آخر.)
«هو قريب.»
«؟»
«نيوكا نوريتو موجود في مكان ما حول هنا!! الإشارة إلى الأنتي-سْكِل وإلقاء اللوم عليهم سيكون الأكثر فعالية أمام جمهور كبير، لذا سيُظهر الإصابات التي ألحقها بنفسه ويستخدمها درعًا ليوجه لهم اللوم من هجومهم!!»
في هذه الحالة، جاءهم الجواب إلى حد كبير.
إذا كانت نيّة نيوكا هي التأثير على وجهة نظر الناس بشأن الوضع لعكس أدوار المعتدي والضحية وجذب الناس إلى جانبه وإرباك التحقيق، فسيكون من مصلحته أن يُريَ الناس أن الأنتي-سْكِل لم يتعرضوا لأي ضرر بينما هو مليء بالدم. هذا يعني أنه سيتعين عليه إيذاء نفسه. لكن هل يمكن للهواة حقًا أن يؤذوا أنفسهم؟ لن يرغب في فقدان الكثير من الدم، وكان الأنتي-سْكِل والأطباء خبراء في تقييم الإصابات. من المحتمل أنهم سيكتشفون أن الجرح ألحقه بنفسه كجزء من خدعة.
فماذا سيرغب فيه الآن أكثر؟
بدأ الجرح في جانب كاميجو يثقل عليه ويُذكّره.
لم يكن بحاجة إلى معرفة خاصة من أجل هذا. كان عليه فقط استخدام تجربته الشخصية.
نعم.
«منشأة طبية»، قال كاميجو.
كان يعلم أنه لا يمكنه إلحاق الأذى بنفسه بهذه الطريقة كوسيلة للتنكر. إذا أصاب شريانًا مهمًا أو عضوًا داخليًا، فإن الجرح سيصبح مميتًا بسرعة.
بالطبع سيخاف.
وسيرغب في الاعتماد على محترف طبي.
كان نيوكا على ما يبدو خبيرًا في مكافحة الحرائق والوقاية من الكوارث، لكن هذا يتعلق بسُلطته كجزء من مجلس الإدارة. تمامًا كما أن الرئيس أو مفتش العام في الشرطة ليس أفضل ضابط شرطة، قد لا يمتلك المهارات الفعلية في تلك المجالات بنفسه. وحتى لو كان يمتلكها، فلن يرغب في خياطة جرحه بإبرة خياطة متسخة وخيط صيد امتلكه. قد يؤدي ذلك حتى إلى عدوى ومرضٍ من نوع ما. المعرفة الجزئية ستؤدي إلى الخوف، وسيسعى للحصول على مساعدة شخص آخر لتعويض الفجوات في معرفته.
لذا...
«إذا كان سيؤذي نفسه، فسيحتاج إلى بيئة معقمة وطبيب ذو معرفة كافية. ويجب أن يتم ذلك في سرية تامة. هذا المبنى عبارة عن مجمع عملاق واحد، لذا من المؤكد أنه يحتوي على عيادة، أو غرفة طبية لعلاج أي شخص يمرض، أو...» توقفت عيني الفتى عند نقطة معينة. «أو على الأقل صندوق إسعافات أولية!! هل المرآب تحت الأرض؟ تحدث عدد مفاجئ من الإصابات الطفيفة هناك، بسبب الأشخاص الذين تُضرب أصابعهم في باب السيارة أو تسقط أمتعتهم على أقدامهم أثناء محاولة تحميلها في صندوق السيارة، لذا قد يكون لديهم بعض المعدات الطارئة المتخصصة مع طفايات الحريق وآلات الإنعاش القلبي!»
بدأ كاميجو يركض قبل أن ينهي حديثه.
لن يوفر ذلك البيئة المعقمة، لكن قد يكون الأمر يستحق لدى نيوكا أن يحمل شيئًا متنقلاً معه أو شيئًا يُزال بسهولة من مشهد الجريمة.
ركض كاميجو على المنحدر ودخل مساحة خرسانية أكبر من ملعب كرة قدم.
لكن.
«ل-لا أجد شيئًا كهذا هنا»، قالت إندِكس وهي تنظر حولها.
كانت هناك طفاية حريق عند قاعدة عمود خرساني وآلة إنعاش قلبية في صندوق معدني على الجدار، لكن...
«لا أرى صندوق إسعافات أولية. أيمكن أنه قد أخذه؟»
«...»
هل أساء كاميجو قراءة الموقف؟
وكان ممكنًا أن شخصًا ثريًا لا معقولاً مثل نيوكا لديه طبيب شخصي لا يفارقه، أو ربما أنه قَلَقَ أكثر مما ظنوا فآذى نفسه رغم المخاطر.
لكن ميكوتو نظرت إلى الأعلى.
«قد لا يكون صندوق الإسعافات الأولية.»
«يعني؟»
«قلتُ إن السطح مثل حامل مروحية، صح؟ لذا ربما هناك سيارة إسعاف جوية متوقفة. بعضٌ من أولئك يحتوي على معدات أكثر من غرفة طبية عادية!!»
لماذا بدأ بتفجير الطوابق العليا؟
لأن ذلك سيدمر بَكْرات المصعد مما يجعل المصاعد غير قابلة للاستخدام ويؤخر وصول الأنتي-سْكِل. في غضون ذلك، يمكنه أن يآذي نفسه في سيارة الإسعاف الجوية ثم يطير بالمروحية بعيدًا. بالطبع، سيتطلب ذلك تعديل بيانات التحكم في المطار. قد يبدو ذلك غير معقول، لكنه ما كان ليدع مَيْدونة هوشيمي تُفسد الأمور إلى هذا الحد لو أنه فكّر باحتمالية أن يُقبض عليه. كان لديه ما يكفي من القدرة على تنفيذ ذلك. ما إن ينتهي ضباط الأنتي-سْكِل المتعبون من الركض صعودًا في سبعين طابقًا، فيهِ أن يشير إليهم وكله دماء ويقول الكلمات السحرية: كيف لكم أن تفعلوا هذا؟! هذه الإصابات جاءت منكم!
«يا للماكر فَكّر، لكنها لا تكفي»، قالت ميكوتو وكسرت باب مصعد في المرآب.
لن يصل المصعد مهما ضغطوا على الزر، لكن تلك ليست بمشكلة لها. ابتسمت ابتسامة عدائية وهي تحدق في بئر المصعد الذي بدا مثل فم جهنمي مفتوح يؤدي إلى السماء.
«هل نسي أننا في المدينة الأكاديمية؟ يمكنني اختراق هذه الحواجز التافهة وكأنها لا شيء!!»
نعم.
كانت ميكوتو ثالثة المستوى 5 في المدينة الأكاديمية، الريلغن. كانت المغناطيسية تأثيرًا ثانويًا لقوتها، لكنها كانت كل ما تحتاجه لتتشبث بجدار ناطحة السحاب.
- الجزء 12
لم يستغرق وقتًا أبدًا.
كان بئر المصعد محاطًا بعارضات فولاذية سميكة من جميع الجهات، لذا كان من الأسهل تسلقه بالمغناطيسية مقارنةً بجدران الخرسانة المسلحة. كان من الممكن أن تسقط المصاعد بعد قطع أسلاكها، لكن لحسن الحظ لم تعرقل طريقهم. كان هناك على ما يبدو غرفة غلايات وغيرها من المرافق أسفل المرآب.
حملت ميساكا ميكوتو كاميجو وإندِكس بينما تقفز لأعلى كما لو كانت في رحلةٍ ترفيهية.
تكوّن المبنى من حوالي سبعين طابقًا، لكنهم وصلوا إلى السطح في أقل من دقيقة.
لم يكن هناك حاجة لتدمير باب المصعد على السطح فقد حَنَت الانفجارات كل شيء إلى الخارج مع علبة التروس.
ما وجدوه في الخارج بدا كمهبط مروحية.
الإسفلت الرمادي غطى منطقة بحجم مرآب مصافط—أي بحجم ملعب كرة القدم—وكانت هناك خطوط بيضاء مرسومة عشوائياً يصعب على المبتدئين فهمها. قد قالت ميكوتو إنه يعمل كحاملة مروحية، لكنها بدت لكاميجو أقرب لمدرج طائرات.
قد أخبرته أن للمدير عدة طائرات VTOL، وكانت هناك فعلاً ثلاث طائرات مقاتلة، كما لو كانت من فيلم، مرتكنة على حافة السطح. ومع ذلك، كانت الخطوط البيضاء تُشكل صناديق كبيرة حولها، فهل كانت هذه مصاعد حظائر مثل تلك الموجودة على حاملة الطائرات؟
قد قالت ميكوتو إنها قد تكون متحكم بها عن بُعد، وكانت قوتها النارية مخيفة أيضًا.
ومع ذلك، كان على مجموعة كاميجو التركيز على شيء آخر أولا.
كانت تلك الطائرات العسكرية الرمادية مصحوبة بطائرة بيضاء نقية. كانت هذه المروحية أكبر بكثير من المروحيات الأربع التي يستخدمها طاقم التلفاز. إذا كانت المروحيات الأربع تشبه سيارة عادية، فإن هذه كانت أشبه بالحافلة.
كانت سيارة إسعاف جوية.
«ميساكا!!»
«تلك قطعة مهمة من الأدلة، لذا دعنا نفكر بذكاء كيف نأخذها.»
بصعقةٍ باهتة، انفجر دخان أسود من قاعدة دَوّار المروحية الرئيسي. يبدو أنها عبثت بمعدل الدوران لتضر بالمحرك. إذا لم عجزت عن الطيران لوحدها، فلن تغادر المكان أبدا. ومع بقاء الأجهزة الطبية الملطخة بالدماء، سيكون فعل المدير الرخيص أقل إقناعًا بكثير.
اجتازت مجموعة كاميجو سطح حاملة الطائرات على السطح واقتربوا من المروحية البيضاء.
كان الباب المنزلق مفتوحًا وكان شخص ما في انتظارهم بابتسامة.
«ربما كان علي أن آذي نفسي قبل الانفجار. لكن ما لي تفسير للإصابة إذا لم يأتي الانفجار، لذا أردت أن أأكد نجاحها أولاً.»
«أنت نيوكا نوريتو، ها؟»
«بل المدير نيوكا نوريتو. فأنا من المجلس.»
اِلْتَوَى وجه الرجل مبتسمًا وهو جالسٌ على نقالة ويده ممدودة نحو الطبيبة بجانبه.
كان هذا نفس الشخص في الصور على الصفحة المشبوهة النظيفة على وسائل التواصل الاجتماعي.
هل يعني ذلك أنه لم يعدل الصور أو يأتي ببديل له؟
ظهر وكأنه في الثلاثين. الآن بعد أن وقفا أمامه، بدا بالتأكيد كبالغ، لكنه كان أشبه بمُعلّمٍ ودودٍ منه بمدير. كان ذو بدلة أنيقة وبدا كرائد أعمال شاب لم يعرف الفشل منذ ولادته.
كما بدا نوعًا ما مهووسًا بالنظافة مشوهٌ. ربما بسبب ما حدث مع لاست أوردر ومَيْدونة، لكنه لم يبدو كشخص يكرس نفسه للأعمال الخيرية والتطوعية.
لقد شَبَّهته ميكوتو بنبلاء الماضي أو بأصحاب النفوذ (الأقوياء) من العصور الغابرة.
أو كشخص تمنى أن يعيش في تلك الأوقات العتيقة.
لطالما قال المسنون إن الأجيال الجديدة تعيش في راحةٍ ترفة، لكن تلك التعليقات توقفت في مرحلة ما. كان هذا الرجل أحد الأقوياء في هذه الحقبة الجديدة.
بدأت الكهرباء تتشظى وشرارات عالية الفولت تتناثر من غُرة ميكوتو.
«على أي حال، سعيدةٌ أننا وصلنا هنا قبل أن تصيب نفسك. ومدركٌ أنت أن هذه كش مات، ها؟ حتى لو فَجَّرت غرفتك بمعدات الأنتي-سْكِل الحقيقية التي حصلت عليها بشكل غير قانوني، لن تستطيع التخلص من الشكوك مع وجود سيارة الإسعاف الجوية هذه هنا. مهما كان مدى براعتك في كتابة بيان للمؤتمر الصحفي، سيكون صعبًا عليك أن تقنع الناس بفكرة أنك أُسعِفْتَ في مروحية طبية على السطح قبل الانفجار.»
«ربما.» ضحك ضحكة شاخرة. «وهذا يعني أنه علي قتلكم جميع. لتجنبتُم هذا المصير لو لم تتجسسوا عليّ هنا. ومن ناحية أخرى، فإن قُتِل بعض الأطفال في حضرة الأنتي-سْكِل سوف يجذب رأي الناس الممل إلى جانبي.»
«فكيف تنوي ذلك؟ أنا الثالثة (#3)، وآمل أنك لا تحسب أن رمي رصاصة عليّ سيُفيد.»
بدا ‹نيوكا› مذهولا من اقتراحها ذلك.
لا يزال جالسًا على النقالة، فمالَ رأسُه وأجابها.
«يعني، نعم قد أفعل هذا.»
انفجر انفجار آخر مرعب، لكن هذا كان موجهًا مباشرة إلى ميساكا ميكوتو.
حدث ذلك فجأة بحيث لم يكن بإمكانها التفاعل في الوقت المناسب.
لو لم تجذب إندِكس ذراع الفتاة بكلتا يديها، ولو لم يمدّ كاميجو يمينه مستقيمًا، لربما مُحِيَ جسدها بالكامل.
لكن ما الذي كان ذلك؟
ماذا حدث للتو؟!
لم يحمل أي نوع من الأسلحة، لكن شيئًا ما حدث بالتأكيد.
«ءَه، ارجعوا!!»
هذه المرة، وضعت ميساكا ميكوتو عملة أركيد على إبهامها الأيمن.
هذه هي الرَّيْلغن.
سُمِّيَت ثالثة المستوى 5 في المدينة الأكاديمية على هذا المسمى. ولا داعي لذكر ما سيحدث إذا أصابت كتلة معدنية انطلقت بثلاث أضعاف سرعة الصوت إنسانًا حيًا، لكن لعلّ هذا الأمر قد غاب عن ذهن الفتاة. لقد قررت أن الذي أمامها يمثل تهديدًا كافيًا يستوجب ذلك.
ولم تكن مخطئة تمامًا.
فالحقيقة قالت أن هذا كذلك لم يكفي.
«أنشئ منفذاً وهميًا بين Au و Cu، أَيْ الدرب الرابع عشر.»
مع رنين حاد في آذانهم، بدأ العالم يتشوش.
كان النخبة من مجلس الإدارة أسرع قليلاً لأنه ما كان بمتردد.
تحدث بكلمة فقط.
«فُويرِل»
هذه المرة.
هذه المرة، شيء حقيقي طار بسرعة فوق صوتية ودمر روح ميساكا ميكوتو.
قُضي على سلاحها.
ما الذي فعله هذا الأمر الصوتي؟ كانت عملة الأركيد على إبهامها تهدف إلى إنتاج قوة نارية هائلة، لكن شيئًا ضخمًا أصابها وأذابها إلى اللون البرتقالي.
عبرت الهجمة جوار خدها وأحرقت الهواء.
كان كاميجو يراقب من الجانب، لكنه لم يرى ما الذي طار بجانبه.
(ماذا؟)
نيوكا.
لم ينهض نيوكا نوريتو حتى من النقالة.
(ماذا حدث تواً؟ المدراء هم نُخَبُ الكبار الذين يتحكمون في المدينة الأكاديمية، فهل أخفى نوعًا من التكنولوجيا التي تتفوق علينا؟)
«والآن.»
نهض الرجل ببطء من النقالة. أزال ساعته الفاخرة، وضعها جانبًا، وارتدى السترة التي سلمتها له الطبيبة.
لم يستطع أحد فعل أي شيء.
الوحش اتخذ خطوة غير مبالية من مروحية الإسعاف الجوية.
بكلمة، استولى على شيءٍ لا يُرى وحَرّف شيئًا لا يُنتهك فأخضعه. وكأنه يقول أنه سيلعب وفقًا لقواعد الأطفال التافهة في ملعب كاميجو حتى يُعلمهم درسًا بهذا العنف.
ما كان عِلمه؟
لم يتمكن كاميجو من فهم أيُّ عِلمٍ استخدم هذا الرجل.
«ماذا فعلت؟»
قد أصيب بدهشةٍ ويده اليمنى لا تزال ممدودة إلى الأمام.
لم يكن الهجوم الغامض مفاجئًا فحسب، بل أن يمينه قد ألغت الهجمة الأولى. لذا أيا كان ما حدث، نيوكا نوريتو يستخدم قوةً خارقة.
لماذا بقيت مَيْدونة هوشيمي تتصارع في الظلام وهي ذات قوة مُهيبة؟
شعر كاميجو أنه بدأ يفهم الآن. على الأقل، لن يُعض نيوكا من كلبه الأليف. سيكون قادرًا على غلب المستوى 5 بالقوة فيضع فيهم سلسلة يُخضعهم!
هز المدير الشاب كتفيه.
«جئتم إليّ مسرعين للقتال فها أنتم تستاؤون من أنني أقاتل دفاعًا عن نفسي؟»
«ماذا فعلت؟! حسبتُ أن تطوير الإسبر في المدينة الأكاديمية يعمل فقط على الأطفال!!»
تتقسم الوحوش في المدينة الأكاديمية إلى فئتين عموما.
الأولى هم الأطفال ذوو القدرات الخارقة، مثل أكسلريتر وميساكا ميكوتو.
الثانية هم البالغون أصحاب التكنولوجيا العسكرية المتقدمة التي يُقال إنها تجاوزت بقية العالم بثلاثين سنة.
لكن هذا الرجل كان مختلفًا. هل لم يكن ينتمي إلى أي من الفئتين؟!
«بسيطة،» قال بينما ينشر ذراعيه بحرية كما لو كان يُحيي أعداءه. «إن فُويرِل يُنشئ منفذًا خياليًا بين Au و Cu، أَيْ الدرب الرابع عشر»
«ء؟!»
ظهرت ألسنة نيران هائلة من الهواء قبل أن تدور وتتجمع حول يد الرجل اليمنى.
هل كانت هذه قوة إسبرية؟
«لا!»
«وَسَّيْرِل. أنشئ منفذًا خياليًا بين Hg و Ag، أَيْ الدرب العشرون.»
وهذه المرة من يده اليسرى. يبدو أن الماء قد انضغط بشكلٍ كبير أقصاه حيث أنه أصدر صوتًا كصوت حبلٍ قديم ثم تجمع حول يده.
هذه ورطة.
لم يعرف كاميجو ما هذا، لكنه استشعر منها السوء!!
ثم قام الرجل بحركة لامبالية. جمع يديه معًا أمام صدره كأنه يصفق ليجذب انتباه مستمعيه.
ثم أعلن.
«الاثنان مختلفان، لكن جوهرهما متساوي. فدعونا نجمعهما فنَصِلَ إلى حلٍّ جديد.»
كان كل ما تطلبه حتى ينبثق انفجار بخار الماء المروع فيغطي كامل السطح بالبخار الساخن الذي كفى ليغلي دجاجة في ثلاث ثوان.
تصدعت الطائرات المقاتلة (VTOL) على حافة السطح، وتدحرجت مروحية الإسعاف الجوية التي تركها منذ قليل على جانبها. ولابد أن البخار قد تجاوز حاجز المئة درجة عدة مرات، لذا إذا لمسه أحدٌ ما بدون أي نوع من المعدات الخاصة، سيكون كأنه دخل فرناً بخاري.
«وِندِل. أنشئ منفذًا خياليًا بين Pb و Fe، أَيْ الدرب الثامن»
دوامة من الرياح المنقية أحاطت بنيوكا نوريتو، فسمحت له أن يقف وسط الانفجار دون أن يرمش.
و...
«....فهمت. إذن هذا هو الإماجين بريكر الذي سمعت عنه الكثير.»
«!!»
شد كاميجو أسنانه بينما كان يمد يده اليمنى ليحمي الفتاتين.
كان هذا كثيرًا جدًا.
استخدام البالغين لقوى الإسبر يُعد خرقًا للقواعد في الأساس، لكنه استخدم النار والماء والرياح، واحدًا واحدًا. كانت قاعدة قدرةٍ واحدةٍ لكل شخص قاعدةً مطلقة، لكن هل اخترق ذلك الحاجز ليصبح ذو قدرةٍ مزدوجة المستحيلة نظريًا؟ هل كانت قوته عظيمة لدرجة أنه كان عليه تقسيمها بالتحكم الصوتي؟
«أتراه مدهشًا هذا الحد؟» جعل الشخص الذي اخترق الحواجز الأمر يبدو بسيطًا وهو يبتسم هامسًا. «إنما هذه ليست أكثر من نظرية التصادم الأدنى.»
«؟»
«فمثلا، تعريض ذرة النيتروجين لأشعة ألفا القوية سيؤدي إلى انهيار عدد البروتونات. ونتيجة لذلك، ستحصل على عنصر مختلف تمامًا، مثل الهيدروجين أو الأكسجين. فمن يحتاج أن يعتمد على ‹الواقع الشخصي› حتى يتلاعب بالظواهر المرئية؟»
إذن، أكان هذا نِتاجًا للعِلم؟
ألم يخرج من هذا التصنيف؟
كان كاميجو يشعر بالارتباك أكثر فأكثر، لكن...
«لا يهم كم تراه مُعقدًا العالم، عليك فقط أن تبسط الأمور بأن تقطعها إلى صغائر تتحكم بها. تمامًا كما أن الجسيمات الأولية مصنوعة فقط من عددٍ مُعَيّن من الجسيمات. وكما أن الضوء له حالتان فقط—موجة أو جسيم. إنما أنا فقط بَسَّطتُ الأمور بطريقة تتيح لي رؤية تركيب كل شيء من زاوية مختلفة. باستخدام نظرية التصادم الأدنى.»
(لا.)
بدت كأنها تفسير، لكنها لم تكن.
كان المثال عن النيتروجين لا يربط بما أظهره. كان يجمع كل شيء في صندوق كبير واحد، لكن هل كان هذا التصنيف دقيقًا حقًا؟
ألم يكن يَدفع شيئًا مختلفًا تمامًا في صندوقٍ آخر خاطئ؟
علاوة على ذلك، كانت قوى الإسبر في المدينة الأكاديمية وسيلة لتغيير كيفية ‹رصد› المرء لواقعه من خلال ‹مراقبة› العالم أمام عينيه بقيم موجودة فقط في ذهنه.
قد يبدو هذا قويًا مذهلاً، لكن ذلك قَدَّم فقط فلترًا واحدًا. لذا، فإن الإسبر الذي يتحكم في النار لن يكون لديه فلتر للماء، والإسبر الذي يتحكم في الماء لن يكون لديه فلتر للرياح. محاولة حمل كلا الفلترين في نفس الوقت ستقلل فقط من مدى "التغيير" في ‹مراقبتك›، وستفشل في إنتاج أي من القوى.
لم يكن شيئًا يمكنك التبديل بينه باستخدام أوامر صوتية. إن ‹الواقع الشخصي› شيءٌ يلتصق بك طوال حياتك. ومن الصعب التحكم بها حتى للإسبر الذي تعود عليها، لذا كان لدى الكثير من الأطفال صعوبة في تطويرها بشكلٍ جيد. حتى أقوى النفسانيين المصنفة #5 لن تقدر أن تُبدل بحرية بين هذا وذاك. ولو استطاعت ذلك، لعُرِفت بمُسمى إسبر مختلف. لأنها لو نجحت في ذلك، لتمكنت من تطوير أكثر من مجرد تلك القوى النفسية.
بعبارة أخرى...
«أنت لا تستخدم الواقع الشخصي؟»
«أظنني أخبرتك.»
«أعلم ذلك! ذلك "الصندوق" الذي أنشأتَه لنفسك ليس القضية!!»
كان واضحًا أن الصندوق خاطئ.
لكن هل كان الشيء في ذلك الصندوق ليس حتى قوة إسبر؟
كان بالغًا يستخدم القوى الخارقة التي يجب أن يستخدمها فقط الأطفال. وكان أيضًا يتجاهل قيود "قوةٌ واحدة لكل شخص" ويتنقل بحرية بين أنواع مختلفة من القوة.
أم أن هذا لم يكن ما حدث؟
هل كان حقًا إسبرًا من مدينة الأكاديمية؟ حينها لن تكون القيود ضد البالغين والقوى المتعددة مهمة. لكن في هذه الحالة، لماذا كان يقسم الأشياء حسب العناصر الكيميائية للتلاعب بأي عنصر كلاسيكي يريده؟
نظرية التصادم الأدنى.
ما هذا الشيء الذي أطلق عليه هذا التصنيف الخاطئ؟
«هيدرو~♪ هيليو~♪ ليثيو~♪ بريليو~♪»
سمع كاميجو صوتًا يغني. رجع للفتاة التي كانت أجنبيةً في هذا المكان—الراهبة البيضاء. هل كانت تكرر ببساطة تلك الأغنية العِلمية التي سمعتها من قبل في حشود المدينة؟
أم...
«Au، Cu، Hg، Ag، Pb، Fe.»
حتى تلك العناصر الصغيرة يمكن أن تشكل روابط.
وفي هذه الحالة، تشكلت تلك الروابط بالمعرفة في جميع تلك الجريموارات (الكتب السحرية) التي تملكها الفتاة.
«الذَّهَب هو الشمس، والنُّحاس هو الزهرة، والزئبق هو عطارد، والفضة هو القمر. لا، هذه العملية لا تتلاعب بالمعادن. ستة، سبعة، ثمانية، تسعة، ثلاثة، خمسة. هل يتم تعيينها على السفيرات العشر لتصل إلى القنوات الاثنين والعشرين التي تربطهم وبالتالي تتحكم في الشجرة؟»
اختفى كل تفكير في عقل كاميجو.
لكن هذا كان منطقيًا.
ذلك سيفسر العديد من الغرائب التي شهدها هنا. سيفسر كيف أن بالغًا مثل نيوكا يمكنه استخدام قوة خارقة ولماذا تجاهل تسلسل الأكاديمية بغلبِهِ ميساكا ميكوتو.
لكن هذا ينبغي أن يكون محرّمًا.
لم يكن بإمكان الناس في هذه المدينة استخدام هذا النوع من الأشياء.
كان هذا جزءًا من قواعد لم يرها كاميجو أبدًا بنفسه. لكن ذلك كان اتفاقاً بين أليستر كراولي ولُولا ستيوارت، وكلاهما لم يعد موجودًا الآن.
فهل يمكن؟
هل يمكن؟
هل يمكن؟
«أنتَ، تستخدم السحر؟!»
- الجزء 13
كان الوضع سيئًا بحق.
لكن لكاميجو توما سببُ أن لا يتراجع هنا.
قبل أن يأتي إلى هنا، تبادل بضع كلمات مع شخص ما.
‹ ‹مم، هلّا تسمع لما تريد ميساكا قوله؟› ›
كانت فكرة سخيفة.
ظهرت أمامه بضع فتيات مستنسخات. عندما علم بالتجربة التي كانت تهدف إلى قتل كل العشرين ألفًا منهن، اجتاحت مشاعر الغضب قلبه وقرر المخاطرة بحياته لوقف ذلك. لكن حتى هو لم يحصل إلا على لمحات عرضية من الجانب المظلم لمدينة الأكاديمية، لذا لم يكن لديه فكرة حقيقية عن شكل ذلك العالم.
فماذا يعني سحق ذلك والتخلص منه تمامًا؟
‹ ‹هل لميساكا أن تطلب منكَ شيئًا؟› ›
لكن ربما لم يكن هذا هو ما يهم حقًا.
كانت فتاة قد أُسرَت وضُربت حتى فقدت الوعي، ثم رُبِطت بإحكام حتى تركت فيها الكدمات، لكن لاست أوردر تأكدت من قول ذلك قبل أن تفرك بشرتها المتوجعة أو ترتعش خوفًا أو أو تبكي.
لذا لم يحتج إلى خيارين هنا.
واحد يكفي.
‹ ‹هلّا تقاتل لإنقاذه؟ تسألك ميساكا وميساكا تتوسلك!› ›
لم يعرف كاميجو كيف أن ذلك سيُنقذ الفتى.
حتى لو هزم هذا الملعون من مجلس الإدارة، سيبقى أكسلريتر وراء القضبان بإرادته الحرة. ربما كان ذلك هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله، لكنه لن يعيش حياة سعيدة أبدًا. ما كان لكاميجو إلا أن يتساءل لو أن أحدًا جادًا جاء فأوقف أكسلريتر أولا حينها ما كان ليضطر أن يتخذ هذا الخيار.
لكن.
حتى مع ذلك.
لم يعرف ما إذا كان ذلك الصواب حقًا، لذا لم يرغب في رفض قرار الفتى الآخر بسرعة كبيرة. كان هذا هو الدرب الذي وجده شخص ما لنفسه، لذا قد يراه ذنبًا إذا داس عليه. ربما كان أكسلريتر ليُعيد النظر لو أن أحدهم جاء وأوقفه، ولكن أحداثاً في المستقبل ما كانت لتحدث لو أنه أوقِف.
وكاميجو يدرك أن أكسلريتر يعرف أن هذا لن يكون شيئًا سهلاً لكنه استعد لذلك على أي حال.
لذا، لا استثناءات.
تمامًا كما كان لكاميجو وإندِكس دربهما يسيران فيه، كان لأكسلريتر ولاست أوردر دربهما الخاص.
لن يكون الأمر سهلاً، لكن لا حاجة للتفكير فيها أكثر من اللازم.
كان عليه فقط أن يضع الميزان أمامه.
هل سيجمع شجاعته هنا ويعيش بقية حياته برأسه مرفوعًا مفتخرًا، أم يختار الأمان هنا ويعيش باقي عمره منحنيًا في خزي؟
أي الخيارين يفضل؟
كان الجواب واضحًا.
‹ ‹لذا، نعم، كيف أقولها؟ نعم، أعلم ما علي.› ›
لذا ابتسم الفتى وأجاب.
لأنه أراد أن يكون شخصًا يمكنه الابتسام في أوقات كهذه.
‹ ‹سأذهب إلى معقل المدبر وأكسر ضلوعه، لذا انتظري خير الأخبار.› ›
لم يستطع أن يخفق في الوفاء بهذا الوعد.
قد تسمح القوة السياسية العظيمة والقوة العسكرية الملموسة للناس أن يتجاوزوا كل أنواع القواعد.
لكن القوة الإنسانية الحقيقية كَمُنَت في غير هذا.
وهكذا فعل كاميجو.
إرادة مجرد فتًى جازت لذلك الإنسان الآخر أن يبقى على دربه الذي اختاره.
كان يعرف ما أراده #1 المدينة الأكاديمية ورئيس المجلس الجديد.
حان الوقت لأن يحمي حُلم أكسِلَريتر.
- ما بين السطور 4
كان لمجلس إدارة المدينة الأكاديمية اثنا عشر مديرًا تحت رئيس المجلس في القمة.
كان لكلٍّ منهم مجاله ولطالما حاولوا التعدي على أراضي بعضهم البعض. الشكل المعقد والمتعارض الذي شكلوه خلق تاريخًا غير مُعلن عن تطوير أسلحةٍ وتقنيات جديدة استُخدِمَت فوق وتحت الطاولة. وهذه الأسلحة المذكورة لا داعي أن تكون مجرد شفرات أو أسلحة نارية. لهؤلاء الرجال والنساء الشيّاب الذين تصارعوا سعيًا لشريحة أكبر من الكعكة في عالم البالغين ذاك، كانت العدالة والأعمال الخيرية لا تزيد عن كونها "رصاصات" تُستخدم وتُرمى.
«يَه يَه. يبدو أن أحد الحمقى قد عَلَى فوق البقية.»
همست فتاةٌ في الثانوية في الظلال.
لم تكن أحد المدراء بنفسها. كانت العقل التي تعمل تحت إشراف أحد هؤلاء الشيّاب.
«أحد النخبة من فرق الإنقاذ، ها؟ لا أعرف أين أخطأ، لكن أراهن أنه أكثر لياقة مما يبدو.»
لقد فُقِدَت في خضم ظهور أكسلريتر وانتزاعه رئاسة المجلس الجديد، لكن الرجل المسن الذي كانت تعمل معه ذَكَرَ أن "شابًا" حاول انتزاع المبادرة أثناء غياب الرئيس السابق أليستر.
هل قام بتلك الخطوة الجريئة لسببٍ دفعه؟
كانت أعمال الإنقاذ مرهقة، وكان الأمر أصعب داخل مدينة الأكاديمية. كان هناك عدد لا يُصدق من المخاطر في هذه المدينة الكثيفة: كيمياويات، بكتيريا، موجات كهرومغناطيسية، تكنولوجيا غريبة متطورة، وقوى إسبر هائجة.
بالطبع، لم تصل أي من تلك الأمور إلى الأخبار. بقيت مدينة الأكاديمية في العمل طالما ظلت مدينةً ظاهرها مثالي حيث يشعر الآباء بالراحة في ترك أطفالهم. ما كان لأحدٍ أن يوقع على العقد إذا كُتب فيه بصراحةٍ أنّ المدينة غير مسؤولة إذا انتهى مآل أطفالك أمواتاً أو أسوأ.
وكان هناك من تجرأ على مواجهة تلك المخاطر الخفية.
فكيف انتقل إلى عالم المال والسياسة، وتجاوز العديد من الوحوش الأخرى، وأخذ لنفسه مقعدًا من المقاعد الاثني عشر في المجلس، وأصبح مهووسًا بالجانب المظلم الذي يغرق فيه الكثير من الناس في عمق المآسي؟ كمدير آخر، كان لكايزومي نفس السلطة كذاك الرجل، لكن حتى حاسوبه لم يكن كافيًا أن يأتيه بإجابات لتلك الأسئلة.
«حسنٌ،» تنهدت فتاة الثانوية. «يجب أن أكتب تقريرًا عن إيجابيات وسلبيات التدخل أو عدم التدخل هنا. على أنه كما هو معتاد، يبدو أن لا أحد الخيارين هو الإجابة الصحيحة تمامًا. كل خيار يأتي بألم، لذا الأمر حقًا هو أن نختار أيهما أخف وطئاً.»
كان رئيس المجلس الجديد يرغب في القضاء على الجانب المظلم.
عندما سمع بقية المجلس بذلك، تحققوا فقط من كيف سيعود ذلك بالنفع أو الضرر عليهم شخصيًا. بالطبع، لم يكن أحد من هؤلاء الاثني عشر شخصية خالية من الارتباط بالجانب المظلم. كانت المرأة العجوز التي تدعى ‹أويافوني موناكا› هي الألطف من بين المجموعة وتجنبت التعاملات الملتوية، لكن حتى هي اكتفت بغض الطرف عن الجانب المظلم كله. لكن بما أنهم جميعًا تعاملوا مع الظلام مختلفًا، فإن الضرر الذي سيتلقونه من إزالته مختلف.
أولئك من سيتعرضون لضرر قليل سيُرحبون، وأولئك من سيتعرضون لضرر كبير سيُعارضون.
لم يهتموا حقًا إذا كانت المحاولة لإزالة الجانب المظلم ستنجح أم لا. اهتموا فقط بمهاجمة المدراء الآخرين عندما تأتيهم تلك الموجة الكبيرة.
من هذه الناحية، كان نيوكا نوريتو هو الهدف الأكبر.
لقد وقف إلى جانب الجانب المظلم كثيرًا في سعيه لمصلحته الشخصية. إذا دمرت هذه المحاولة تلك القاعدة الاقتصادية من تحت قدميه، فسيواجه صعوبة في إنفاق الأموال اللازمة للحفاظ على مكانته الاجتماعية. ومتى ما ضعفت، سيهاجمه بقية المجلس. سيأكلونه أكلا ويمزقونه تمزيقا ويهشمونه تهشيما. ولن تجد روحًا من الصداقة بين هؤلاء الاثني عشر مديرا.
«أولئك الاثنى عشر مشغولون بمهاجمة بعضهم ليوقفوا المحاولة لإزالة الجانب المظلم.»
مهما كانت الحالة، ستكون معركة صعبة لنيوكا نوريتو.
لابد أنه اعتقد أن هذا هو خياره الوحيد إذا أراد التعافي. حتى لو كانت نظريةً لا أساس لها، ولم يكن غبيًا لدرجة التفكير بأنها ستنجح.
«ومع ذلك، لم أتوقع أبدًا أن يتعاون مع منظمة خارج المدينة. وهذا يعد دعوة لتهديد خارجي، لذا أتساءل كيف يعتزم إنهاءها.»
كان نيوكا نوريتو يستخدم نوعًا من التكنولوجيا لم تفهمها هذه الفتاة وكايزومي تمامًا.
لكنها لم تكن شيئًا له وحده الأحقية بها.
قد بدأت الأمور تتحرك منذ بعض الوقت.
(الأحداث المثيرة حقا تحب الحدوث في عشية الكرسماس، ها؟)
كانت هناك حلوى ومشروب قهوة قوي على الطاولة الجانبية بجوار الأريكة الجلدية التي كانت تستخدمها.
«دونات حسب الطلب مزينة بلون الحظ بناءً على تاريخ ميلادك وفصيلة دمك وما إلى ذلك، ها؟»
عادةً، لم يكن من الممكن لمثل هذه التفاهات الغامضة أن تجد لها مكانًا في هذه المدينة.
لكنها بدلاً من ذلك أصبحت هَبّة كبيرة.
لم تكن هناك أي علامة واضحة على أن الشركات تدفعها، كما كان الحال مع فكرة إعطاء الناس الشوكولاطة في يوم عيد الحب، ومع ذلك، نشأ شيءٌ مشوه هنا.
كانت المدينة الأكاديمية عمومًا ملحدة وحاولت حل جميع الأمور بمعادلات علمية، لكن ربما لم يكن من المفاجئ أن تجد شيئًا غامضًا تسلل إلى هنا في هذا اليوم.
لم تكن الدونات بحد ذاتها مؤامرة.
ولو قلنا، فهي أقرب إلى اختبار دوّار الشمس التي تقيس قلوب الناس.
إذا كان لمنتج سخيف كهذا أن ينتشر هذا الانتشار سريعًا، فكان أيضًا ممكنًا أن يسعى سكان هذه المدينة إلى شيء آخر عادةً لا يتطلعون إليه.
يمكن لقلوب الناس أن تتأثر.
مثلما يحدث عندما ينظرون إلى لوحة دينية مهيبة أو كاتدرائية، أو عندما يرون نيزكًا عملاقًا يسقط من السماء. إن الاعتقاد بأن عينيك فقط هي وسيلة دفاعية هو أمر ثانوي. ولعلك تخبر الناس أنك ستُخدع بسهولة بالغوامض إذا عُرِضت أمامك.
بعبارة أخرى...
«جمع القوات المحلية عبر الإنترنت؟ يا لها من حقبة عفنة نعيش فيها.»
كبّست الفتاة على مفتاح حاسوبها بحجم لوح الرسم وبالتالي كان كبيرًا جدًا ليُطلق عليه اسم لابتوب. عرضت شيئًا على شاشة LCD بحجم تلفاز عادي.
«خفيانية R&C. شركة تكنولوجية معلوماتية عملاقة جديدة تتخصص في السحر، ها؟»
==========================
ملاحظة المترجم: الخفيانية مثلها مثل الغرائب والغوامض وعلم الغيب وغيرهم.... كلها مسميات للجانب السحري
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)