الفصل الأول: جُرۡبٌ مُمَزَّق. — City_Warfare
(إعدادات القراءة)
انتقال بين الأجزاء
- الجزء 1
هامازورا شياغي لم يكن يعرف الكثير عن عُمۡلة نيقولا.
في صباح عيد الميلاد، استيقظ فَوَجَدها في يده. ذلك غريب، ولقد رأى عددا من الروايات المشابهة لوضعه على المنتديات ومواقع التواصل. بل إن بعض الناس زعموا أنهم أخذوها إلى محل صياغة فاكتشفوا أنها من الذهب الحقيقي.
وهذا يعني أن هذه العملة لم تكن مقلباً من موغينو شيزوري أو هديةً من تاكيتسوبو ريكو.
بعد ذلك، ظهر دليل استخدام مفصل على الموقع الرسمي لشركة خفيانية R&C، وسرعان ما انتشرت عبر الإنترنت. حدثت بسرعة لدرجة أن الأمر استغرق منه بعض الوقت ليدرك أنها جاءت من ذاك الجانب من العالم.
بصفته مقيمًا في مدينة أساسها العِلم، كان متشككًا، لكن العُملة قد فتحت بالفعل ذلك الباب الصدئ الموصد. سواء كان الصدأ الذي تراكم على مدار السنوات قد ملأ الفجوة أو أن الباب نفسه اخترب، كانت حقيقة أن سببًا ماديًا منع الباب من أن يتحرك، ورغم كل شيء وكل العقبات حققت العملة أمنيته.
نعم، كان متشككًا، لكنه أيضًا اختبر العملة قبل ذلك.
حينما كان يحمل العملة في يده ويصلي (يرجو) في نَفۡسِه، انفك قفل حمالة صدر زميلته في السكن موغينو شيزوري. ونتيجة لذلك، كادت عشيقته تاكيتسوبو ريكو تقتله بدلا من موغينو.
وبالمثل حاول فك قفل حمالة زميلته الأخرى كينوهاتا سايآي، ففشلت. اتضح أنه حتى العملة العجائبية لن تقدر على فك قفل حمالة غير موجودة. كاد يُقتل على يد كينوهاتا نفسها من ذلك، لكنه تعلم أن العملة لن تحقق له المستحيل.
وحسب علمه، هذه هي قواعد العُملة:
· عملة نيقولا تضمن نجاح العمل 100%.
· بعد كل استخدام، تحتاج إلى ساعة واحدة لإعادة الشحن. هذا الحد الزمني ثابت بغض النظر عن كمية أو جودة العمل المنجز.
تلك القواعد مأخوذة مباشرة من دليل شركة خفيانية R&C، وقد أكدها بنفسه.
وبما أنه من سكان مدينة الأكاديمية، حتى وإن كان صفري المستوى، فقد أضاف بنفسه قاعدة أخرى:
· يمكن للأسابر استخدام العملة دون أي عقوبات أو آثار جانبية.
(يعتريني فضول لأعرف لماذا وزعوا هذا العنصر المفيد مجانًا. أهي مجرد هدية كرسماس من أولئك ما يُسَمَّون السحرة؟ وعلى طاريهم، تلك الطفلة الغريبة التي قابلتها ذكرت اسم R&C أيضًا.)
「ء!؟」
انطلق صوت إنذار عالٍ، وانقطعت أفكار الفتى الجانح بُنّي الشعر. [1] اختبأ خلف سيارة متوقفة على الطريق. حتى هو اشمئز من نفسه. كان في الخارج في منتصف الشتاء، ومع ذلك بدا أن الكيس الورقي الذي يحتوي على الدواء تبلل بعرقه.
(ليس مجرد شيءٍ محلي.......)
نظر هامازورا إلى مركبة تابعة للأنتي-سكل تطوفه. وفي مقعدها الخلفي رأى جهازًا مميز.
(بندقية القبض القريبة NB20. ألم تُسحب تلك البندقية الشبكية لتسببها كثيرا من الحوادث؟ رمي الرصاص على طفل لهي مشكلة كبيرة، ولكن قتلهم بوزن الشبكة يعتبرونه "حادثًا" يا بختهم. يبدو أن الأنتي-سۡكِل عازمون في الأمر. يخططون لتدمير [الجانب المظلم] ولو نحرونا جميعًا!!)
『هيه، ها هم الأنتي-سۡكِل يا إتزالي!』
『هذه ليست مشكلة بفضل الوجوه المستعارة التي نلبسها. أو لن تكون إذا كففتِ عنك الذعر يا زوشتِل. وعلينا أن نسرع إلى المستشفى ونأخذ معنا توشتِلي』 [2]
انتظر هامازورا حتى يمر الصبي ومعه الفتاة.
(ساعة.....)
أخرج عملة نيقولا من جيبه. كان اللمعان عند الحافة يبدو أكثر كثافة مما كان عليه من قبل. كانت تشبه كثيرا رسمًا بيانيًا دائريًا على شكل كعكة دونات يلمع باتجاه عقارب الساعة، ولكنها لم تمتلأ حتى ربعها بعد.
سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تُشحَن بالكامل.
(لن أستطيع استخدامها لساعة أخرى. عليّ النجاة بمفردي. مهلا، أليست هذه الساعة الأولى هي أخطر وقت؟! اللعنة، ربما ما كان علي استخدامها بهذه السرعة!)
على أي حال، بدأ يُعمِل عقله المذعور يفكر. شعر بإحباط وغضب، لكنه لن يحمي أحد بمواجهة الأنتي-سۡكِل أو الجَدجِمِنت وجهًا. لن يغير ذلك شيئًا حتى لو غش بعملة نيقولا. هُوَ يعرف هذا جيدًا.
ولا عنده وقت ليشرح لهم أنه لم يعد جزءًا من الجانب المظلم.
إما كل شيء أو ولا.
فكيف عساه يقف أمامهم يُكلمهم بعلمه أنَّ أيَّ خطأٍ بسيط سيعني رصاصةً في رأسه؟ كان عليه أن يفترض أسوأ السيناريوهات أنه سيُمحى مع الآخرين. ذلك هو السبيل الوحيد ليتأكد من نجاته.
هدفه الهروب إلى بر الأمان. وهذا يعني عبور حدود المدينة الأكاديمية ومغادرة المدينة.
ما عنده لحظة يُضيعها، ولكن الركض عشوائيا قد يعرّض حياته للخطر. ولقد رأى حقا ما سيحدث له إذا ارتكب خطوةً خاطئة. لن ينجو إذا بقي في المدينة، حيث كانت الكاميرات تراقب كل شيء يحدث في هذه المساحة المحدودة. سيُحاصر قبل أن يتعافى من أي خطأ.
احتاج للقاء فتاة البدلة الرياضية، تاكيتسوبو ريكو.
ثم يمكنهما أن يبدآ فعليًا.
لا إراديا أخرج هاتفه الرخيص، ثم توقف فجأة.
تحركت أصابعه تلقائيا، لكن لسبب ما ظهر خطأ على شاشة القفل.
「أنيري؟」
شهق بذهول عندما رأى الرسالة الباردة على الشاشة.
لم يكن لهذا الذكاء الاصطناعي الداعم شكلٌ مادي حقيقي. لقد اندمجت مؤقتًا مع [بنك] البيانات الضخمة، [3] لكنها عمومًا لها اتصالٌ بصديقتها في إنجلترا وتتحرك بحرية بين الأجهزة المحيطة بهامازورا. ولكنها الآن بوضوح رفضته.
(أوه صح. لا يمكنني استخدام هذا الشيء!!)
ما إن أدرك مدى إهماله، كَبَسَ مستمرًا زر الإيقاف الجانبي. مرت الثواني القليلة التي استغرقتها عملية الإيقاف وكأنها أبدية. حتى مُقرضوا الأموال هذه الأيام يستخدمون بيانات الموقع من الهواتف أو التعرف على الوجوه من وسائل التواصل لتتبع أهدافهم. وكان يواجه الأنتي-سۡكِل والجَدجِمِنت، وهم حُفّاظ النظام في المدينة الأكاديمية. كان لديهم استخدام كامل للبنية التحتية للبيانات في المدينة، بما في ذلك الملايين من الكاميرات الأمنية غير المعروفة، وروبوتات التنظيف والأمن، و[بنك] البيانات الضخمة.
تنفس الصعداء عندما أظلمت الشاشة أخيرًا، لكن عندها شعر بنوع مختلف من الضغط. كان معزولاً وحيدًا مقطوع. وحتى أن طفلا ضاع عن والديه في متنزه مزدحم لن يشعر بمثل هكذا ضغط.
كيف عساه يبلغ تلك الفتاة بالتهديد دون هاتفه؟ إضافة إلى ذلك، لم يكن يعرف مكانها وليست عنده أي وسيلة يحدد منها نقطة اللقاء معها.
لم تخبره أنيري بأي شيء. وهذا منطقي لأنها حثته على إطفاء الهاتف.
(تبا، لم أدرك كم كنت معتمدا على هذا الهاتف)
سب هامازورا ضعفه. وبدأ يفكر فيما يمكنه. يمكنه أن يعود إلى شقتهم. وإذا لم تتورط عشيقته في أي مشاكل مشابهة، فلربما كانت تنتظره هناك بتكاسل.
ولم يدري إن كان ذلك أمرًا حسنًا أم لا.
عليه أن يعزم أمره ويسرع. إذا وصل إليها قبل وقوع المأساة، فلن تتأذى. كان ليضمن ذلك. ظل يكرر ذلك لنفسه وكأنه يفرضها على الواقع بينما يخطو خارجًا من خلف السيارة.
آىىىىىىآ، ثم سمع صوتًا غريبًا من فوقه.
طعغغغءءء!!!!! سقط إنسانٌ من المبنى فسحق السيارة المتوقفة ليقلص ارتفاعها إلى نصف ما كانت عليه.
「آه، آاه!! وااااااااااااااااااااااااااااااااه!!!؟؟؟」
أدرك تواً أن الصوت الغريب كان صراخ أحدٍ ما. فبدأ هو نفسه يصرخ وسقط على مؤخرته لأن نوافذ السيارة كلها تحطمت. الشخص المغروس في سقف السيارة المعدني لم يحمل قوةً لينهض، وفقط أدار رأسه نحو هامازورا وهو مستلقٍ على ظهره.
لم يتمكن من فتح إحدى عينيه من كثرة الدماء المتدفقة من جرح رأسه.
「...ها.」
كان شابًا أكبر سنًا من هامازورا.
يرتدي معطفًا سميكًا وبنطالا أنيقًا. ما كان يرتديه أسفل المعطف لم يكن واضحًا، لكن الأحذية الرياضية العملية التي كان ينتعلها بدت متناقضة مع مظهره الكلاسيكي. كما كان يحمل حقيبة قماشية فوق المعطف. المظهر غير المتناسق أبداه كمن هرب من المدينة.
لمن كانت تلك الابتسامة الضعيفة والمتهكمة؟
「يمكن ما يُبان علي... لكنّي كنت مديرا على أمثالك عبر الهاتف」
(مهلا...)
ولا يزال جالسًا على مؤخرته، ابتلع هامازورا ريقه. لم يلتقِ بهذا الرجل من قبل، لكنه رأى مثله عندما كان عاملاً في [الجانب المظلم]. نعم، "رأى" ليست الكلمة الصحيحة. المرأة التي كانت تدير [آيتم] حرصت على سلامتها بعدم الكشف عن نفسها أبدًا، وكانت تكتفي بالاتصال بهم عبر الهاتف فقط. بذلت جهودًا كبيرة لإخفاء مظهرها واسمها الحقيقي. [4]
إذن...
([صوت الهاتف]؟ هل وصلت الأمور إلى هذا المستوى!؟)
هذا يعني أنه لم تكن هناك استثناءات. الشاب المنهدم فوق سقف السيارة لم يهز رأسه أو يومئ. ربما خرت منه كل قوة.
「التـ...ـميمة」
「ماذا....؟」
「تعيش... خارج المدينة. أعدها إلى... أختي الصغيرة」
「تمهل، لا تقل هذا. أشغالي قفلت الدنيا بوجهي!! فلا ترمي علي عبئًا آخر! أرجوك!!」
لم يكن الشاب يستمع بعد الآن. بعد رجفةٍ كبيرة عجيبة، سَكُنَ جسده تمامًا. لم يغلق عينيه كما ترى في الدراما أو الأفلام. ببساطة توقف رمشه، وبدأت الدماء تنزف من عينيه الباهتتين.
شعر هامازورا بوجود أحدٍ ما داخل المبنى.
تميمة.
أخت صغيرة تعيش خارج المدينة.
「سحقا!!」
سب هامازورا ثم مَدّ يده نحو الشاب رغم المخاطر.
نزع حقيبة كتفه الصغيرة التي لم تكن تتسع لأكثر من محفظة وهاتف وسحبها نحوه. ثم اندفع إلى زقاقٍ ضيق بين المباني حاملاً معه العبء الإضافي.
بدأ الطريق يزدحم، لكن كان عليه أن يتحقق من شيء قبل أن يهرب عشوائيًا.
فتش هامازورا الحقيبة الصغيرة ووجد بداخلها بعض الأدوات. جواز سفر على شكل بطاقة تعريف (ID)، هاتف ذكي، بعض النقود الورقية المكورة بأربطة مطاطية، تميمة من ضريح شينتو بدت غريبة مع بقية المحتويات، ومسدس بدا وكأنه من البلاستيك. كل شيء بَدَا مشبوهًا للغاية. ابتدأ بإطفاء الهاتف ثم فتح جواز السفر. [ولد المدرسة]، واضحٌ أنه اسمٌ زائف. في الحقيقة، كان هذا الاسم هو الظاهر كثيرًا في الوثائق النموذجية في البنوك والمكاتب الحكومية هنا في المدينة الأكاديمية.
لم يجد عملة نيقولا داخل الحقيبة.
ربما تَوَزّعت عشوائيًا، لذا لم يحمل الجميع واحدة، ولربما كَذّب الشاب فعاليتها فرماها. وبصراحة أَمِلَ هامازورا نوعًا ما أن يعثر على واحدة أخرى ليُقلل الفجوة الزمنية بين الاستخدامات، مثلما نَظّم أودا نوبوناغا جيشه على ثلاث دفعات.[5]
(إذن هذه هي التميمة؟)
في القماشة القرمزية وجد اسم الضريح وتأثير التميمة مطرزًا بالذهب: [تحقيق الأماني]. تفاجأ هامازورا بوجود مثل هذا النوع. إذا كانت تحقق أي أمنية تمنيت، فإنها تبدو كورقة جوكر تجعل تمائم النجاح الأكاديمية وتحقيق الأعمال المزدهرة تبدو عبثية.
ربما كان مُتَرَيّبا تجاه هذه الأشياء بعد أن رأى تأثيرات عملة نيقولا الناجحة، لكنه لا يزال يشك في أن للتميمة أي تأثيرات خاصة. بدت كأنها مجرد تذكار محلي لا تختلف عن ميدالية مفاتيح أو سلسلة هاتف.
(هل تُصنع هذه في المصانع أم أنها يدوية؟ إذا كانت تختلف من ضريح لآخر، لربما أتمكن من تحديد المنطقة العامة التي تعيش فيها أخته الصغيرة ثم أبدأ بحثي من هناك.)
على أي حال، كان سعيدًا لأن هذه التميمة لم تقع في أيدي الأنتي-سۡكِل.
بالطبع، لحياته الأولوية. وما استطاع أن يحدد مقدار ما يسعه فعله بشأن التميمة، لكنه شعر بالتزام البحث عن تلك الأخت الصغيرة خارج المدينة الأكاديمية الآن بعد أن أخذها.
المسدس كان للدفاع عن النفس فقط، لذا لم يكن فيه سوى مخزنين إضافيين رغم أنه آلي بالكامل. إذا استمر ضاغطا على الزناد، فلن يدوم أقل من عشر ثوانٍ. وإنَّ حَمۡلَه قد يعطي ضباط الأنتي-سۡكِل المنتشرين في الشوارع ذريعةً لقتله، لكنه من الآن فصاعدا سيعمل في قلب الجانب المظلم. تمامًا مثل المكملات الغذائية أو بخاخات الفضة المضادة للبكتيريا، شعر بأن التخلي عنه قد يزيد الأمور سوءا.
خاصة اليوم.
يفترض أنّ الأنتي-سۡكِل يُمثلون العدالة، لكنهم الآن ثاروا. ذلك أكثر رعبا من انتشار الزومبي.
(ما وجدت عنده جهاز إنذار أمني، أو موجه محمول، أو أي شيء يمكن استخدامه لتتبعي. جيّد.)
هذه المرة لم يسمع صوت الصافرات.
فقط صوت احتكاك الإطارات بالطريق. ربما كانت سيارات كهربائية، لكنها الآن بدت كأنها أسلحة اغتيال تتسلل إليه بصمت.
『واحدٌ آخر..... مات المشتبه في تمام 4:10 عصرًا. أرسل الأوراق إلى المدعي العام』
『المفاجآت لا تنتهي. حقا يبدو أننا دخلنا الجانب المظلم. أساليبنا المعتادة لم تعد تفيد』
ضغط هامازورا ظهره على الجدار الخرساني القذر وحبس أنفاسه.
لم يصدق ما يسمع. بناءً على نبرتهم، ما كانوا يسخرون.
(ألا يدركون الأنتي-سۡكِل ما يفعلون؟ هم يطاردوننا ويقتلوننا!)
وما حكاية ما حدث في ذلك المبنى المهجور؟
لم يرَ بالضبط ما فعله ذلك الرجل الكهل ليقتل أومي كاريه عندما كان من المفترض أن تكون محمية بواسطة طارد الحشرات....... لكن ماذا لو أنه فعلا وحقا لم يفعل لها شيئًا؟
لكن ذلك لم يطمئن عقله إطلاقا. كان هذا مرعبًا مختلفًا عن قاتلٍ متسلسل يحمل فأسًا أو منشارًا بقصد وتعمد. وكأنك ترى غياب ترس ضروري أو كأنك ترى آلة حادة تعمل وفيها قطع تنقصها. تخيّلَ الفتى مُسِنًا طريح الفراش مكبل بعنفٍ على سرير تمريض معيب بينما تُعزف عليه موسيقى صندوق غناء زائف. إذا لم يدرك الفاعل من فعل ذلك خطأه، فلا شك أنه يستمر. وكأن الأمر أشبه بمصنع قتل حيث يقوم ضباط الأنتي-سۡكِل بتحميل الناس على حزامٍ ينقلونهم ثم يُطووا ويُحشروا في صناديق.
القواعد المعتادة لم تنطبق في المدينة اليوم.
الأنتي-سۡكِل لن يحموهم.
كل من فريق [آيتم] و[صوت الهاتف] سيموتون إن جاء دورهم.
وضع هامازورا حقيبة الكتف مائلة على صدره، وأدار ظهره للطريق الممتلئ بالبالغين، واستمر يتقدم أعمق داخل الزقاق.
كان عليه أن يصل إلى تاكيتسوبو ريكو.
لن يسمح لها أن تُبتلع في هذا الجحيم مرة أخرى. بأي ثمن.
- الجزء 2
「ما معنى هذا؟!」 صرخت شيراي كُروكو وهي تعود إلى مركبة اللوجستية ذات حجم حافلة كبيرة. 「كيف لكم الاستمرار في العملية ببساطة؟! لقد طلبتُ تحقيقًا داخليًا لتحددوا ما إذا كانت أفعالي هناك مُخالِفة!! مهما كانت هويتها، فإنّ حياةً هناك قد ذهبت!! إذا رفضتم إجراء تحقيق شامل في ذلك، فكأنكم تعترفون بأننا نفعل الخطأ هنا!!」
「ش-شيراي-سان....」
ناداها الكهل ذو النظارة وتمشيطة الصلعة من خلفها متوترا، لكنه لم يملك الجرأة ليمسك كتف فتاة في المرحلة الإعدادية.
تحدث المُنفِّذون أمام الحواسيب الكبيرة بأصوات أبرد من الآلات التي يشغلونها.
لم ينظر أيُّ منهم صوب شيراي كُروكو.
「في المرحلة الأولى، أكملنا 1,700 هجوم مفاجئ على أوكار الأهداف ومناطق نشاطهم اليومية. الأهداف التي حَيَّدناها من [الجانب المظلم] شكلت حوالي أربعين بالمئة من إجمالي الأهداف في عملية [الأوترنك]—أقل مما كنا نأمل. الآن ننتقل إلى [الاستجابة ب]. الرجاء تعديل مخطط التدفق لتعويض هذا التأخير」
「استعدوا للمرحلة الثانية. الأهداف ستصبح هاربة بعدما ترمي أوكارها، لذا استهدفوا مقاصدهم ووجهاتهم. بينما ركزت المرحلة الأولى على الأهداف الفردية، من المرجح أن تتجمع الأهداف في المرحلة الثانية في مجموعات وتتعاون فيما بينها أثناء اندفاعها نحو نفس الأماكن الآمنة القليلة، لكن [الجانب المظلم] ليس كتلة واحدة」
「مع تزايد أعدادهم، قد يتصارعون على نفس الحبل. لن يهاجمونا بسبب أعدادهم الظاهرة، لذا أظهروا لهم قوة تنظيمنا عالية المستوى ولنرجع إلى الجدول الزمني كما خططنا」
كان الشيء نفسه يحدث في جميع أنحاء مدينة الأكاديمية.
العملية المميتة كانت تستمر دون أي تأخير فغطت كامل المدينة بشيء يشبه شبكة عنكبوتية خفية.
「....أكان ذلك حقًا حادثًا.....؟」
「؟」
ميّل الرجل الكهل رأسه مستغربًا ومسح العرق عن جبينه بمنديل. والطيور الصغيرة المطبوعة بدت غريبة مضحكة لأن يحملها كهل مثله، لربما اشتراها له أحد من أهله.
「الجانب المظلم فيه من النفع وفيه من الضار. [الطرف النافع] مشوقٌ نسبيًا وهو شرٌ ضروري لبقاء المجتمع. أما [الطرف الضار] فهو فاسدٌ قذر امتلئ بمجرمين لا يُساسون」
بدأ ركوكا هوفو يشرح شيئا لم تسأل عنه شيراي.
ربما كان حديثا لنفسه أكثر منه لها.
「لكنني أرى أن مثل هذه الفكرة لفخٌ نصبه لنا [الجانب المظلم]. لنا أن نقلق حول ما إذا كان المجرمون من الطرف [النافع] أو [الضار] بعد أن نقبض عليهم. وخوفك هذا الآن سيفتح لهم ثغرة يغرسون بها السكين في ظهرك. ما حدث هناك كان مؤسفًا، لكننا كنا نفعل الصواب. إن تهت في هذا فلن تتعافي أبدا」
(كان ليكون أسهل علي بكثير لو كانت ويهارو معي.)
「ركوكا-سينسيه، أنا طلبتُ تحقيقًا داخليًا بشأن نفسي. إذا كنت لتفعل نفس الشيء عليك، فسأواصل العمل معك」
ولكن انقطعت تلك الفكرة من اهتزاز.
إنّ المركبة اللوجستية قد بدأت تتحرك. أُغلِقَت قضية [مروضة الحيوانات] بوفاة المشتبه بها، لذا لا جدوى من البقاء هنا أكثر.
「إلى أين نتّجه؟」
لم يُجبها أي من المُنفِّذين.
عندما نظرت إلى وجوههم الباردة التي أضاءها وهج شاشات المراقبة المسطحة، أمكنها أن ترى عمليًا الرسالة التي تقول "لم نتعرف على أمرك الصوتي. يرجى التحدث بوضوح أكثر"
「ن-نحن على الأرجح في طريقنا إلى محطة أكبر للأنتي-سۡكِل،」 قال الكهل المتوتر. 「لأن على سطحها مهبط مروحيات. من المرجح أننا سننتظر حتى نهاية المرحلة الأولى في 17:00 ثم نندفع إلى حيثما دعت الحاجة في المرحلة الثانية」
「......」
شعرت الفتاة بأن ترسًا كبيرًا يتحرك، لكن ما الذي يكمن في مركز هذا الترس؟ أوكان يدور عبثا لفقدانه ترسا مجاور، أم أنه كان مرتبطًا بترس خبيث؟
هل عليها أن تلوم الرجل الكهل الذي اندفع لإنقاذها؟
هل ستغير أي شيء إذا رمت بكرهها على المُنفّذين المتعاليين والذين سخروا من كل ما قالته؟
(أونيه-ساما..... أين ألقاكِ...)
「لدينا تقرير من بَيزن في المنطقة 8. هناك مات مشتبه به، وهو يطلب منا أن نرسل أوراقا إلى المدعي العام. لقد قبلنا طلبه، وسيقوم المقر بإرسال الأوراق على الفور」
ذلك التقرير البارد تحدث عن حياةٍ أخرى قد أُزهقت.
إذا شنت هجومها في الاتجاه الخطأ، فإنها ستُضيع وقتها فقط بينما تُفقد أرواحٌ أكثر.
- الجزء 3
عاد هامازورا شياغي إلى مبنى شقته حيث يقيم عادةً.
بالكاد شعر براحة المنزل هناك. لأن في شقته شاركته عشيقته تاكيتسوبو ريكو وذات المستوى 4 كينوهاتا ساياي وذات المستوى 5 موغينو شيزوري، ولذا آل بهم الأمر يسكنون شقة فاخرة نسبيًا. كان آيتم الجديد متجمعين معًا. لن يقدر على دفع الإيجار وحده. وفي الواقع، كان ثمانين إلى تسعين بالمئة من الإيجار تدفعه الفتيات بمال حصلن عليه من مصدر مجهول.
بمعنى آخر...
(ستعتبره الأنتي-سۡكِل مجرد مخبأٍ مقيت آخر اشتُرى بأموال قذرة.)
دخل باب المدخل الرئيسي ذو قفل تلقائي ومشى إلى قاعة المصعد كالمعتاد، لكنه توقف قبل أن يضغط زر المصعد. بعد تفكير، راح إلى سلم الطوارئ بدل ذاك. كان الطابق مقصده بعيداً بعيد. عادةً ما كان يركب المصعد إلا إذا امتلك سببًا قويًا جداً ليرى عدم ذلك، لكنه اختار السلم هذه المرة.
كبح الجزع في قلبه وهو يصعد سُلّمًا تلو آخر. كنت أشبه له بتسلق الجبال أكثر من جري. ولم يتمنى أن تتعب ساقاه كثيرا لدرجة تعيقه وقتما يصل إلى القمة.
لماذا؟
لأنه لا يدري ما قد يجده هناك.
「...」
وصل إلى الطابق المراد.
أخذ نفساً ببطء وسحب العملة الذهبية من جيبه ليتحقق منها. كانت حافتها الخارجية غير اللامعة قد استعادت بريقها بالكامل. أي أنَّ عُملة نيقولا شُحِنَت بالكامل. وهذا يعني أيضاً أن ساعةً قد مَرّت منذ أن استخدمها. سيساعده ذلك في معرفة مرور الوقت وهاتفه مطفأ.
الكثير والكثير قد يحدث في ساعة.
مشى على طول الممر الطويل حتى وصل إلى باب شقته. بدأ يمسك المقبض بترددٍ لكنه عَدِل. بدلاً من ذلك أخذ مزهرية كانت على طاولة في المساحة العامة وسكب ماءها.
تززز!! ما إن تبلّل معدن الباب، تشتت شررٌ أزرق-مُبۡيضٌ منه.
ثم انفتح الباب من الداخل.
ورجلٌ عضلي كُلّ مَلبسِهِ سَوادٌ ويرتدي خوذة وحذاءًا فولاذيًا خرج من الباب مُندفِعًا. لابد أنه أدرك أن هجومه المفاجئ قد فشل.
حتى هامازورا وجد الأمر غريبًا كيف لم يتردد كثيراً. ضرب بالمزهرية رأس ضابط الأنتي-سۡكِل وبينما أرخى الرجل حذره بسبب خوذته صَوّب الفتى مسدسه من قريب.
إنّ الرجل قد افترض أن المزهرية هي أفضل ما يمكن لفتى جانح عديم الخبرة أن ينجزه، لكن بعد ذلك ضغط هامازورا زناد مُسۡتَمِرّاً مستهدفاً صدر الرجل. درررش!! فَطَار ضابط الأنتي-سۡكِل المدرع بالكامل إلى الوراء. لابد أنه فقد وعيه إذۡ أنّ بندقيته غريبة الشكل سقطت على الأرض.
「تاكيتسوبو!!」
حتى بعد كل ذلك، نهض ضابط الأنتي-سۡكِل المقنع من قعدته يسعل. ولكن ليس وأن هامازورا نوى قتله. ركل فك الرجل ذو الخوذة من الجانب ثم غادر المدخل ليصل إلى رفقاء الشقة.
كانت هذه أرضه—ملاذ نوعا ما.
وما عاد افتراض الأمان موجودا بعد أن رأى ضابط أنتي-سۡكِل مزود بالكامل داخلها.
صندوق الأحذية عند المدخل والخزائن في غرفة المعيشة وباب الأرضية الخفي الله يعلم أين تؤدي وكل شيء آخر قد فُتح وفُتش. كيف عساهم يسمون أنفسهم أبطالا؟ لا فرق بينهم وبين اللصوص. تفقد كل غرفة ومعه مسدسه جاهز، لكنه لم يعثر على أحد غيره هنا.
ولا حتى الفتيات اللاتي كان يجب أن يكن هنا.
「سحقا!!」 بصق وضرب بقدميه محبطا.
إنّ مطالبة نفسه بالهدوء زادت منه سوءًا.
(......يعمل الأنتي-سۡكِل في مجموعة، لذا أشك أن هذا الوغد جاء وحيدا. لابد أنه آخر من بقي ليحقق في المسرح من بعد الهجوم. لقد نهبوا المكان سعيا للمعلومات. هذا يعني أنهم لا يعرفون أين أهدافهم.)
نظر حوله إلى الحالة الكارثية للغرفة. حاول العثور على أي معلومات يحصل عليها. كانَ ولزميلاته في السكن طريقةٌ في ترك الرسائل في حالات الطوارئ. إنّ تلك التقنيات كانت جزءًا من السبب الذي يجعل رائحة الظلام لا تزال ملتصقة بهم. راحَ الفتى يتحقق فوق سقف الحمام وخلف مرآة المغسلة.
ووجد ملاحظاتٍ مطوية.
『سآتي بمختص تجميل يساعدني. درب الجراحة التجميلية حيل يخوفني. — كينوهاتا』
『أنا طالعة. الحقني وسأقتلك. — موغينو』
مستحيل يتعكر مزاجهما.
كان واثقًا أنهما بخير. المشكلة كانت في اسمٍ لم يره.
اسم عشيقته.
(.....لم تكن موغينو وكينوهاتا هنا عندما وصل الأنتي-سۡكِل. سواءً انتصرتا أم لا، فإن الجدران والسقف لن يبقوا إن حدث قتال هنا. هكذا تكون المعارك مع المستويان 4 و 5. لذا متأكد أنه لم يحدث شيء بعد. اقتحم الأنتي-سۡكِل شقتنا ولم يجدوا شيئًا، ولذا بدأوا يفتشون وفتحوا كل الأدراج وجمعوا البيانات قدرما استطاعوا ليعوضوا التأخير. لا بأس. كل شيء بخير. لم يحدث شيء بعـ—)
إلى أن انقطع حبل أفكاره وسمع ضجيجا. نظر اسفله فوجد ضابط الأنتي-سۡكِل ذاك مغشيا في مدخل الشقة. كان الضجيج قادمًا من الراديو المعلق على كتفه.
『لقد قَدّمنا الجدول الزمني. هاتسوكا، انسَ تلك الشقة. أنهِ بحثك مبكرًا وارجع إلى الوحدة الرئيسية. [ميلتداونر] و [أوفينس آرمر] لأسماءٌ كبيرة، لكن ذلك يعني أن لديهما إدارة معلومات أكثر صرامة. أشك في أنك تجد أي بيانات عن مخابئهم أو طرق هروبٍ مرمية ببساطة』
ارتاح هامازورا. أسماء كبيرة مثل [آيتم الجديد] كانت حقًا في مستوى آخر. لن يُقبض عليهم بسهولة. أخبره هذا أن موغينو وكينوهاتا بخير.
لابد أن الأنتي-سۡكِل لم يتخيلوا أن واحدًا من أهدافهم يستمع إذۡ أن صوت الراديو أكمل.
『لذا علينا أن نعتبر هذا نجاحًا أننا اعتقلنا ولو واحدة من الأسماء المدرجة في الأوترنك: متتبعة AIM تاكيتسوبو ريكو. دعنا نأخذها إلى المحطة ونحقق فيها ونُخرج منها المعلومات قدرما نستطيع. هيّا ارجع يا هاتسوكا』
「الملـ...」
تعتمت رؤيته. لم يُطلق عليه النار أو يُصعق، لكنه شعر وكأنه سيفقد وعيه من مجرد كلمات.
「يا ملعوووووووووووون!!!!!!」
لكن لم يكن هناك فائدة. مهما كان، عليه مواجهة الواقع أمامه.
إذا كانت تاكيتسوبو ريكو قد أُسِرَّت حقًا من قبل الأنتي-سۡكِل، عليه أن يجد طريقة لإنقاذها. بعد كل ما فعلوه ببجاحة في وضح النهار، كره أن يفكر فيما يجرأون عليه في داخل جدران محطتهم. تشائم أنهم قد يشهدون عددًا قياسيًا من "الحوادث" و"الانتحارات" أثناء استجوابهم المشتبهين هذه الليلة.
خصوصًا وأن الأنتي-سۡكِل لم يبدو أنهم يدركون مدى رعبهم. كطفل يجهل كم هو سهل أن تُسحق حشرة علقت في يد. لن يدعهم ينظرون إلى تاكيتسوبو بنظرة استغراب بعد أن سحقوها.
(لكن ماذا يمكنني؟)
نظر إلى ضابط الأنتي-سۡكِل المغشي.
كانت تاكيتسوبو على ما يبدو في شاحنتهم، لكنه لم يستطيع ببساطة أن يخرج إليها ويطاردهم. ولا يمكنه إنقاذ عشيقته بأن يهجم على محطة مليئة بمئات ضباط الأنتي-سۡكِل المدرعين بالكامل.... أفلا يسرق معدات هذا الرجل ويتظاهر أنه ضابط معهم؟ لا، لن ينجح. فَهُم حتمًا يستخدمون تقنية تتعرف على الوجوه، أو يمسحون بصمات الأصبع، أو نظام بيومتري آخر عند الدخول والخروج من المحطة.
تفقد أغراض الضابط.
(رشاش 9 مم، مسدس عيار 45... لمَ لا يستخدمون نفس العيار لكليهما؟ أيا يكن، سترة مضادة للرصاص، راديو، دُرون (طائرة مسيرة)... هل هذه لوحة تحكم في الدرون؟ وأخيرًا، حقيبة إسعافات أولية.)
وقت قليل. لقد أطلق النار عدة مرات بمسدس غير مزود بكاتم خلال القتال في المدخل وسيسمع باقي السكان طلقات النار. كما أن غياب هذا الرجل هاتسوكا سيثير الشكوك، لذا كانت مجرد مسألة وقت قبل أن يأتي باقي الأنتي-سۡكِل.
تركز انتباه هامازورا على مذكرة الرجل.
لكنها لم تكن مذكرة كتلك في الدرامات البوليسية القديمة. كانت شيئًا رمزيًا يثبت هوية المرء كجهة إنفاذ القانون.
(نحن في جنوب المنطقة 7، لذا سيأخذوننا إلى تِلۡك المحطة.)
لم تكن هذه أول مرة له يواجه فيها القانون. ألقوا القبض عليه ورموه في الزنزانات كثيرًا بعد سرقته سيارة أو دخوله شجارا في الشوارع خلال أيامه في اسكِل-آوت.
وإذا كان يعرف موقع المحطة، فعنده شيء يستطيعه.
سحب اللوحة، ونزع قفاز هاتسوكا، وضغط بإبهام الرجل على قارئ بصمة الأصبع.
لم يحمل مهارةً ليُـتِمَّ ذلك.
لذلك كان عليه تعويض الفرق بأن يخاطر بحياته.
- الجزء 4
「تبغى كيس ها؟ أوه، تدفع بالبطاقة؟ إذن ضعها بجانب جهاز الدفع حتى تسمع الصفارة. كم عود طعام ومناشف تبغى؟」
「أه.... إيه، اثنين」
「اثنين؟ الحين الحين」
داخل متجر عادي تمامًا، كانت شيراي كُروكو تحدق في ظهر الكهل ينحني، غير مصدقة.
「كان ينبغي عليه أن يشكرك. يا لخجلك التافه هذا」
「أنتِ لا تفهمين، شيراي-سان. كهلٌ مثلي لن يقدر على طلب زوج واحد فقط من عيدان الطعام، هذا وكأني أعترف أنني وحيدٌ وأعزب. والأسوأ أننا في عيد الميلاد!」
「وأيضًا، هذا عملك وليس عمل لجنة المدرسة، فهل تحسب هذه كنفقات عمل؟」
「مجنونة؟! لن أحاسب هذا!! هل أقبض على المجرمين بوجبة بينتو اشتريتها؟ أو أُعطل قنبلة معقدة بعيدان الطعام أو عود أسنان!؟」
「يا مدمن العمل」
「اممم، أنا فعليا مُعلّم، لذا فإن عملي هو خدمة عامة」
تمتم في نفسه قليلا. تمامًا كما في الراهب الزاهد، إنّ التقاليد القديمة المرتبطة بمهنة المرء قد تُصعب عليه أن يرى ما يراه المتحضرون فيه.
「بالمناسبة، امم، لماذا تقولين إنه كان ينبغي عليه شكري؟」
「آهخ منك. لأن كل زبونٍ دائمٍ لنا يستحق خير استقبال」
「مه؟ شيراي... الربيع الأبيض... حقا؟ الشركة القابضة بأكملها؟! أنتِ أغنى مما حسبت!!」
تراجع الرجل بو النظارات عندما رأى الاسم على الكيس، لكن الفتاة بزي مدرسة توكِوَداي تساءلت عن سبب تعجّبه وضجّته. ففي مدرستها كل غريبةٍ عادية.
(....وحتى لعائلة أونيه-ساما أسرارٌ كثيرة.)
「آه، لكني فعلا أحب المتاجر وقت أعياد الميلاد. هَهَه. رؤية الناس عند البياع يُشعرني أنني لست الوحيد الذي يقضي هذه الليلة المقدسة وحيدًا. هَهَهَهه. آهِهِه」
「(أعع، أظنه أفضل ألا أخبره أننا نجري اختبارات في المتاجر الآلية.)」
عادت فتاة الإعدادية أم قرنين إلى المركبة اللوجستية وهي تشعر بشيءٍ من الكآبة لتعاطفها مع الرجل.
حتى شاحنات الإطفاء وسيارات الإسعاف تستخدم المتاجر ومحطات الوقود. قد يبدو ذلك نادرًا، لكنه كان شائعًا بما يكفي ليصبح جزءًا من الخلفية الحضرية.
وكانت نوافذ المركبة الكبيرة مغطاة، لذا بمجرد أن أُغلق الباب المستطيل التلقائي، ما عادت تعرف مكانها في المدينة.
ثم تحركت المركبة ببطء.
أدخلت يدها في جيب تنورتها لتخرج خريطة هاتفها وتعرف وجهتهم.
لكنها من بعد ذلك قُوطعت.
طووووخ!!!! بصوت اصطدام باهت كأن شيئا سقط من السماء إلى الأرض.
وبالتحديد، شيءٌ قد هبط على السقف.
لابد أن التأثير كان قويًا إذۡ أن المركبة الخاصة انحرفت فكونت حرف [ى] ثم ضغطوا الفرامل بشدة. انطرحت شيراي أرضًا، لكن أحدًا أمسك بها أن تقع. نظرت لترى أنه ذلك الرجل الكهل النحيف والمتعرق. عبست ثم صرخت سائلة.
「ما الذي حدث!؟」
لم يرد عليها المُنفِّذون. وهذا ليس بمفاجئ.
نقرت لسانها فاختفت في الهواء. بعد أن انتقلت من داخل المركبة اللوجستية المتوقفة، وجدت السقف المسطح غائرًا في مركزه والأضواء الحمراء مكسورة. ظهرت في الوقت المناسب لترى شيئًا يتدحرج من هناك وإلى الإسفلت.
كان أحدًا.
「مهل، !」
ركضت على عجل لتجد فتًى بُنّي الشعر. بدا لها أنه في سن الثانوية. ونظرا إلى الموقف، واضحٌ أنه سقط من ارتفاع كبير. بدأت ترفع رأسها إلى السماء لا شعوريا، لكنها تجمدت في مكانها.
رأت يده اليمنى.
تلك الذراع ممددةٌ بلا حياة إلى جانبه، لكنه حَمَلَ شيئًا بدا وكأنه من البلاستيك، وليست لعبةً بالتأكيد.
كان مسدسا حقيقيا.
(هو أيضا..... من [الجانب المظلم]؟)
「.....قبضنا على مشتبه. ولقد انتهك قانون تنظيم السيوف والأسلحة النارية. ليتحقق أحدكم من ملفه في 『الأوترنك』!!」
ابتلعت ريقها والتفتت إليه مرة ثانية.
كما أنها ركلت المسدس بعيدًا.
「لن أسمح لهذا الشخص أن يموت! نادوا بالإسعا—」
تمامًا وعندما صرخت، استجمع الفتى بعض القوة من مكان ما وأمسك بها وهو لا يزال مستلقيًا على الطريق المغطى بثلوج صلبة.
「اص!!」
ضربت بمرفقها فكّه لا شعوريًا.
تدحرج الفتى الجانح على الأرض وكافح على الرغم أنه نقصت منه القوة اللازمة للوقوف.
(كانت ضربة سديدة. ف-فكيف ومن أين أتى بهذا العزم والتحمل... أم ربما الإصرار؟ أتمنى ألا يكون متعاطيا شيئا ما.)
「ش-شيراي ساااان」
ناداها الرجل الكهل بترددٍ من باب المركبة الكبيرة.
كان يتحرك بشكل أخرق وهو يعبث بجهاز لوحي بينما يقترب منها.
「أ-أهكذا يعمل؟ آه لا! الكاميرة اشتغلت! شيراي-سان، آهخ، وجدت تطابقًا في 『الأوترنك』! إنه حقا من [الجانب المظلم]. اسمه هامازورا شياغي!! وأشير إليه هنا أن نأخذ معه أقصى درجات الحذر!」
「أحقا؟」
「نقالة طبية عادية لن تكفي أن تُقيده. لدينا نقالة خاصة بها حبالٌ نُثبته داخل الشاحنة، يمكننا استخدامها」
「أيا يكن استخدمه!! عجّل!!」
- الجزء 5
كان هذا خياره الوحيد.
كل مجرم يُقبض عليه في منطقةٍ معينة يُنقل إلى محطة تلك المنطقة.
(حـ-حقًا حسبت أنّي أموت........)
لذا ما عساه يتركهم يأخذونه إلى المستشفى. شعر بدوار شديد، لكنه عليه أن يبقى واعيًا ويناضل. عليه أن يضمن استمرار هذا الاعتقال الطارئ.
هكذا، يمكن لعديم القوة هامازورا شياغي أن يقابل تاكيتسوبو ريكو المحبوسة.
ولقد كان مستعدًا أن يقفز من نافذة مبنى إن كان هذا سينقذ عشيقته.
- الجزء 6
「المرحلة الأولى اكتملت رسميًا. تأخرت الأعمال النهائية، لكن يرجى اتباع التعليمات من المركز وأعيدوا توزيع أفرادكم للمرحلة الثانية. المعركة الحقيقية تكاد تبدأ」
「ننتقل الآن إلى المرحلة الثانية. الأهداف الفردية في الجانب المظلم غادرت مناطقها وهي في حالة فرار. سننصب كمائن على المسارات التي يُرجح أنهم يسلكونها فنقبض عليهم جميعًا دُفعةً. وسوف نعوض ما تأخر منا」
سمع هامازورا شياغي أجزاء متفرقة من تلك الكلمات بينما يكافح بقاءه واعيًا.
ألقوا به في غرفةٍ صغيرة يحوطها سياج شبكي. هذه المنطقة تقسمت إلى عدة غرف مشابهة. هي زنازين الاحتجاز في محطة الأنتي-سۡكِل، والتي آلفها كثيرًا من الماضي.
شعر بجلد جبهته شَدّاً. لا مرآة هنا، وعندما تحسسه بأصابعه اكتشف شريطًا لاصقا يوقف نزيف جبهته. وهذا يعني أنه تلقى على الأقل أدنى حدٍّ من الفحص والرعاية.
ومع ذلك، لم يَمتنّ أو يأمن هنا. ولا استشعر خيرًا من البالغين هنا. كحوض سمك في متجر سوشي، لم يرغبوا من "نضارته" أن تفسد قبل أن يضعوه على لوح التقطيع.
「مرَّ زمن」 قال صوت من الغرفة المجاورة ذات السياج الشبكي.
كانت فتاة ترتدي فستانًا مزخرفًا مبهرجًا وتَصفّف شعرها الأشقر معقّداً.
「أ-أنتِ....」
「لن أعطيك اسمي. فقط نادِني بفتاة الفستان」ضحكت الفتاة النحيفة البهية وهي تجلس على السرير جوار الحائط وساقاها تتقاطعان. 「أنتَ نافعٌ أم ضار؟ ليس وأنه يهم بصراحة. كلها تصنيفات سخيفة اخترعها الناس خارج [الجانب المظلم]. فهل أنت أيضًا اخترت أسهل طريق للبقاء؟」
「؟」
「تركتهم يقبضون عليك قبل أن تقع في دمارٍ أكبر، أما فعلت؟ ونعم، خطوةٌ واحدة خطأ ستُدخلك حفلةً من التعذيب سرية تنتهك كل القوانين」
(تاكيتسوبو...... لا أراها. هل لها معاملة خاصة؟)
بالطبع، صودرت ممتلكاته. وكان هاتفه على وجه الخصوص كنزًا لا يُقاوم لأولئك الذين يطاردون [الجانب المظلم]. ما يُسمونه "ترصدًا" الذي يفعلها الهاوي العادي (والمنحرف غالب الأوقات) قد تُسمى "ترقباً" إن كانت من موظف خدمة مدنية. أولئك [حماة العدالة] لم يكن في معجمهم أي مفهوم عن العرض أو الخصوصية.
ولكن،
「طيّب」
لابد أن الأنتي سۡكِل شعروا بالرضا بعد مصادرة محفظته وهاتفه، لذا جرّ جسده المتألم ليقف ومدّ يده عبر النافذة ذات القضبان المألوفة.
لوّح بسرعة.
「دخلنا المكان، أحضري أغراضي يا أنيري」
مع صوت كصوت آلة الحلاقة الكهربائية، اقتربت طائرة مسيّرة متعددة المراوح تشبه حشرة طيثارة ضخمة من النافذة. كان هذا هو جهاز المراقبة الذي حمله الضابط هاتسوكا. حملت مخالبها حقيبة صغيرة معلقة فسحبها هامازورا عبر القضبان.
في الحقيبة جواز سفر مزيف لرجلٍ قد مات، وتميمة أخته، وهاتفه بصورته على الخلفية، وحقيبة إسعافات أولية، وبعض النقود ملفوفة بأشرطة مطاطية.
كما احتوت على عملة نيقولا هامازورا.
كره كيف أنه اضطر أن يتخلى عن المسدس فيُصادر "دليلاً" من أجل أن يُحتجز هنا، لكنه لا يزال يحتفظ بهذا العنصر الروحي الغامض.
أولا أمسك هاتف الرجل وشغله وهمس إلى ذكاءه الاصطناعي الداعم.
「أنيري، افتحي هذا الجهاز وسيطري. أيضًا، امسحي كل ما كان على هاتفي المصادر. اجعليه قمامة. لا تدعي الأنتي-سۡكِل يحصلون على أي شيء منه. أوه، ولكن انقلي أكبر عدد ممكن من العناوين والصور أولاً. بالنسبة لبيانات حفظ الألعاب... يكفيني فقط المصادقة الثنائية عبر حسابي على وسائل التواصل، صح!؟」
كان الباب المصنوع من سياج شبكي مغلقًا محكمًا، ولكن الضوء على القفل تحول من الأحمر إلى الأخضر عندما قرّب الهاتف منه. عادةً كان ليصدر جرس عندما يُغلق أو يُفتح القفل، لكن ذلك تعطّل عندما غادر الفتى الجانح زنزانة الاحتجاز. ونفس الأمر على الكاميرة في زاوية الغرفة بالطبع.
「آهٍ آه، أحزنتني. بتَّ أكفأ مما كُنتَ عليه آخر مرة رأيتك. ولكن هذا يعني أيضًا أنكَ لست مجرد انتهازيٍّ مُنافِع」
「وماذا عنكِ؟ ألا تريدين تذكرة للخروج؟」
هزت رأسها نافية. اختارت أن تثق بمنطقة الأمان التي سعت إليها بنفسها. ربما لم تكن تخشى استجواباتهم بالمعدات المتخصصة لأنها كانت الإسۡبَرة [مقياس القلب] تفرض كما تشاء مسافةً عاطفية مع المستجوب. [6]
أما تاكيتسوبو، فلَمۡ تملك مثل هذه القوة المريحة. وما كان لهامازورا أن يثق بالأنتي-سۡكِل هذا اليوم. كانت عشيقته الوحيدة ولا بديل لها، ولم يكن مستعدًا أن يترك لهم القول "عذرًا، بالغنا" بعد أن يوقفوا قلبها.
「أنيري، ساعديني. أين هي تاكيتسوبو؟」
أقل من ثانية استغرقت.
عُرِضت خريطة سرية للمحطة على الشاشة بحجم ست بوصات، وتحددت نقطةٌ واحدة حمراء.
- الجزء 7
كانت شيراي كُروكو تتساءل باستمرار عن غلوهم هذا الحد.
「هفف......」
(.....أونيه-ساما)
كانت داخل محطة الأنتي-سكل الرئيسية في جنوب الحي السابع الأكاديمي. الطابق المخصص لإدارة البيانات بدا أشبه بمكتب شركة عادي. لم ترى هناك شاشات ضخمة تثير الإعجاب أو ألواح بيضاء مغطاة بالصور مع أسهم مرسومة.
كانت الفتاة أم قرنين تغطي وجهها بيديها وتأخذ نفسًا عميق لدرجةٍ جعلت الكهل ضابط الأنتي-سكل ذا النظارات وتمشيطة الصلعة يتردد في التحدث إليها.
「ا-امم، أنتِ بخير؟」
「......هل أبلغتَ بعودتك إلى المحطة؟」
「ها؟ لو فعلت، لما سمحوا لي بالعمل لساعات إضافية」
ومرة أخرى ظهر غلوّه وحبه المفرط للعمل، مما يظهر نيته بالاستمرار. وربما رأى أن عقله لن يتحمل ما لم يواصل روتينه المعتاد.
「ما بال هراء الجانب المظلم هذا.......」 تمتمت شيراي وكأنها ترمي لعنةً ما.
شَعَرت بثقلٍ في صدرها، وقدّم لها الكهل كوبًا ورقيًا من القهوة الرخيصة، والتي لم تكن سوى قهوة سوداء مُرّة لا تفيد سوى أن تبقيها مستيقظة.
「نحن نرمي فقط تلك الأوصاف على الناس ولا ندري ما إذا كان لها أي معنى، ثم نغلق قضاياهم قسرًا بالعنف إلى حدٍّ يموتون فيه. نكاد نكون نحن المجرمين لا هم」
「ولكن الجانب المظلم موجود」
رفعت شيراي بصرها. وتحدث كهل الأنتي-سكل بو نظارات بجدية بينما يسحب علبة بينتو فيها أخطبوط وأرز وأسياخ دجاج مملحة من الكيس البلاستيكي.
هذا لم يتناسب مع القهوة الساخنة إطلاقا، ولم يشترى حتى سلطة معها.
「الجدجمنت فقط يتوسطون في النزاعات الطلابية في المدارس، ولكن الأنتي-سكل يتعاملون مع العديد من القضايا خارج نطاق المدارس. هذا منحنا فرصة أن نرى ما كان داخل المختبرات والمعاهد البحثية، ولذا لقد رأينا المعالم الغامضة للشيء غير القابل للتعريف الذي نسميه الجانب المظلم」
「.....،」
ارتشفت كوبها القهوة بصمت وكذلك الرجل.
「أنا أتفق أن تعريفنا للجانب المظلم مبهم. فهو لا يشير إلى شركة أو صناعة محددة. وربما تكون الحدود بين ما هو نافع وما هو ضار غير دقيقة」 كانت كلمات الكهل النحيف تحمل وزنًا غريبًا. 「ظلام مدينة الأكاديمية يحتوي على كل أشكال العمل الغير قانوني، من القتلة المحترفين إلى الباحثين الذين انحرفوا عن مجالات عملهم. أظن أن تسمية [الجانب المظلم] دقيقة. إنها كالظلال التي تظهر حتمًا عندما يتسلط الضوء على مدينة تملؤها ناطحات السحاب. لربما كان الناس يُقادون إلى ذاك العالم دون رغبة، لكنني أعتقد أن ذلك العالم طبيعي أن يظهر」
「هل رأيته بنفسك؟」 سألت الفتاة أم قرنين التي كانت لا تزال طالبة في المدرسة الإعدادية.
لم يقدم إجابة بنعم أو لا، لكنها استمرت تُصِرّ عليه في طرحها أسئلةً أزيد.
「ما رأيك في هذا الوضع غير الطبيعي الذي وجدنا أنفسنا فيه؟」
ظل صامتًا بعض الوقت.
ارتشف قهوته ثلاث مرات قبل أن يجيب أخيرًا.
「أنا... أوافق عليه. صحيح أن هناك عدة حوادث غير متوقعة حدثت على طول الطريق، ولكن [عملية الأصفاد] أظهرت ملامح [الجانب المظلم] المراوغ وفضحته. أرى أن هذه هي فرصتنا الوحيدة لحماية أطفال المدينة」
أخيرًا أوضح وجهة نظره الحقيقية.
「لكن عملنا هذا لا يكفي. هذه المسرحية الهزلية لا تكفي أن تدحر الجانب المظلم」
وفي تلك اللحظة، غطى الطابق بأكمله ظلامٌ دامس. انطفأت الأضواء الفلورية على السقف وحتى الحواسيب فوق المكاتب توقفت عن العمل. وبعد ثانية، أدركت شيراي أن مصدر الطاقة الاحتياطي وإشارات مخارج الطوارئ لم تشتغل.
كان الوقت حينها بعد الخامسة مساءً بقليل. عادةً لا يعني انقطاع الكهرباء في هذا التوقيت ظلامًا كاملًا، لكن الوضع هنا كان مختلفًا. إنّ النوافذ مغطاة بألواح سميكة، لذا فإن انقطاع التيار يعني ظلامًا دامسًا في أي ساعة من اليوم، مثل قاعة السينما أو القبة السماوية.
(هجوم!؟ من ذا المجنون كفاية ليفعل هذا؟)
على الفور، أخرجت شيراي هاتفها وأخذت بالضوء الصغير ترى ما حولها.
「اكسروا النوافذ! سنبصر المكان إذا أدخلنا ضوء الخارج!」
「ليس الهدف إعماءنا فقط」 قال الكهل.
كان ضوء هاتفه يضيء وجهه ثم أدار الشاشة نحوها ليُريها علامة "لا إشارة" في الزاوية.
「تعطلت شبكة الاتصالات السطح!؟」
「الآن لن يستطيع أحد سماع صرخاتنا. إلا إذا خرجنا من هذا المبنى أحياء」 بدا ضابط الأنتي-سكل وكأنه يسترجع فشلًا من ماضيه البعيد. 「كنا نعطي الأولوية للعنيفين المضرين ونتجاهل النافعين لأنهم جزء ضروري من المجتمع، مهما كرهناهم. لكنني أشك في أن أحدًا منا سيظل يرى الأمور هكذا بعد الآن. ليس بعد أن ينكشف لنا وجه الظلام الحقيقي」
قال ركوكا هوفو جملة أخيرة وكأنه كان ينطق بنبوءة:
「وَصَلُوا، أهل الظلام」
- الجزء 8
تجسّد الظلام في هيئة إنسان.
وتركّز في شكل شقيقتين توأم لا تتجاوزان عشر سنين.
「هن، هن، هن، ههن」
「هن، هن، هن، ههن」
كانتا تدندان بلحنٍ مرتجل ولكن أنفاسهما كانت متناغمة متجانسة.
كان للفتاتين ثديان لا يتناسبان مع حجمهما وعمرهما. وسواد شعرهما الطويل امتد حتى كاحليهما. وكان طويلاً طويلا حتى وهو مربوط في قذاليهما، مما أبداه غريبا غير طبيعي. ارتديتا معاطف بيضاء كمعاطف الأطباء أو الباحثين، لكنها مغلقة من الأمام وتعززت بمشد طبي سميك حول الوركين فأبدى مظهرهما يشبه إلى حد ما الملابس اليابانية التقليدية.
ربما لباس يوكاتا.
وربما لباس دفنٍ.
كان الملحق الوحيد فيهما أشبه بقناع تراه في مهرجانات شِنتو. كلّ منهما ارتدت قناع غاز فكاهي المظهر على جانب رأسها. معاطفهما البيضاء تغطت ببقع ملونة لم توفر أي حماية من البرد. برزتا وسط مدينة الثلج في أواخر ديسمبر مما أبداهما كأنهما صورة شبح جَوّال. وكانتا من صنفٍ لا يعبأ بما يظنه فيهما الآخرون.
ولم يجرؤ أحد على مهاجمتهما أبدا.
وأمكنهما إخفاء وجودهما إنۡ أرادتا.
ولك أن ترى هذا الغرور في انعدام الخوف على النفس يتجلى في لباسهما.
تقدمتا مباشرة نحو المدخل الرئيسي للمحطة. رغم إعلان الأنتي-سۡكِل نيتهم في اجتثاث [الجانب المظلم] كله، إلا أن الحُراس المدرعين بالكامل لم يُبدوا أيَّ حذر عندما رأوا الفتاتين الصغيرتين تقدمان.
ابتسم أحد الضباط حارس المدخل وربض إلى مستوى أعينهما.
「ضعتما؟ إن لم تكن عندكما حاجة هنا، ارجعا إلى البيت بسرعة. فهناك أناس مرهبون في ليلة هذه المدينة」
إذا لم تعرف عدوك، فأنت هالك.
الصوت المزعج الذي تلا ذلك كان يشبه شيئًا يذوب في حمض الكبريتيك.
لكن هذا كان غيره.
「هَـء؟」
داخل خوذته، بدا الضابط متحيّراً من الصوت الغريب الذي وصل إلى أذنيه. استغرقته ثانية ليدرك أن الصوت جاء من جسده نفسه.
بحلول ذلك الوقت، كان قفازه المضاد للرصاص والسكين —والأصابع التي بداخله— قد ذابوا تمامًا. ربما كان الخليط العضوي وغير العضوي قد حرمه من الوقت اللازم ليستوعب ما حدث.
「نبهه! غعه، ما؟ حار...حار، حارٌ حار، مهلا، أبعد، لا أستطيع إبعادها!؟」
لوّح بيده اليمنى محاولاً نزع القفاز، لكن يده بأكملها سقطت. ولم تتوقف التغييرات عند هذا الحد. عندما انحنى طالبًا المساعدة من زميله، اكتشف أن الحارس الآخر كان قد اندمج مع الحائط.
لم يستطع الرجل حتى على السقوط؛ فَقَدۡ التصق بالحائط بمادةٍ لزجة بلون تشبه لون بشرته.
「「هن، ههن」」
تابعت التوأمتان —بصدرهما الكبير المرتكز فوق مشداتهما الطبية السميكة— تسيران ببطء بين القطعتين الفنيتين الذائبتين. شعرهما الطويل والمديد تأرجح من جانب وجانب كبندول ساعة، وأخرجتا عدة أنابيب اختبار مليئة بسوائل ملونة من أكمام معاطفهما الفضفاضة.
كان الباب الكبير مصممًا ليقاوم الانفجارات ويصد اصطدامًا مباشراً لشاحنة ضخمة، لكن لم تحوجهما حتى أن يمدا اليدين الصغيرتين. الباب تحول إلى السواد، ثم ذاب واختفى ليصير مجرد بقعة أخرى على الأرض مندمجة. ومع استمرار سيرهما، تغيرت طريقة انتشار تلك البقعة السوداء متجنبةً ملامسة صنادلهما الصيفية غير المناسبة للموسم.
دخلتا بهوًا واسعا.
فيه صفوف من المقاعد ومكتب استقبال طويل مقسم إلى أرقام عدة مما جعل المكان أشبه بالبنوك أو قاعات البلديات. حتى وحدة الأنتي-سۡكِل المسلحة كانت لديها مهام إدارية عادية لتُنفذها، بما في ذلك أقسام أقل خطورة مثل فقدان الأغراض ودفع مخالفات المرور.
سار التوأم مباشرة إلى وسط البهو.
كان هذا مركزًا للأنتي-سكل، ومع ذلك لم تحاولا إخفاء وجهيهما بالأقنعة الغازية المزينة بألوان سامة بجانب رأسيهما.
「ماذا نفعل، كآي؟」
「نعم ماذا نفعل، يُويِّن」
في تلك اللحظة، كان الزمن قد توقف. لربما مضت الحكاية مختلفةً لو كانتا مجرمتين تحملان مسدسًا أو قنبلة، لكن أحدًا لم يعرف كيف يتعامل مع هذا المشهد السريالي. الجميع يواجهون تهديدًا قاتلاً لا يُنكر، ولكنهم اكتفوا أن يراقبوا ما يحدث دون أن يتدخلوا.
「[مربية الحيوانات] إنما كانت تعمل على مستوى سطحي، لكننا كُنا زبائنا دائمين」
「ولن نقف مكتوفتي اليدين بعد أن تحدّيتمونا」
وهكذا...
أخذت خمس ثوانٍ أخرى قبل أن يتحول المكان إلى خلية نحل مضطربة.
「هيه يا محللة」
「ماه يا ساعية؟」
كآي المحللة، يُويِّن الساعية.
وغمزت التوأمتان، ثم تحدثتا بصوت واحد.
「「العقاب المناسب الوحيد هو مجزرة شاملة، ألا تعتقدين ذلك؟」」
بغججءءءء!!!! سرعان ما امتلأ البهو بالصوت الغريب لتحلل سريع لجسد بشري ومعدن وبلاستيك وغيرهم من المواد.
- الجزء 9
غياااه!! وااه!! كانت صرخات تدوي وتصعد من الطابق السفلي.
ولحظة لاحقة، دوى صوت أشبه برمي النار، ولم يكف. هذا يعني أن المشكلة التي بدأت هنالك لم تُحل حتى بعد رمي مكثف للرصاص من قبل ضباط الأنتي-سكل المحترفين.
「ما-ما الذي يحدث بحق كل شيء!؟」
「شيراي-سان!!」
أمسك أحدٌ يد الفتاة التي راحت تتجه لا وعيا نحو مصدر الصوت. كان نفسه الرجل الكهل الذي انهمك في تسخين وجبته قبل لحظات. وكانت نظرته خلف نظارته أقوى بكثير مما كانت عليه.
「إذا اتخذتِ قرارًا هنا، فاتخذيه بحذر. حياتك واحدة ولا أكثر. نحن الآن في عالم حيث أنَّ قرارا خاطئًا واحدًا يُهلك المرء. عندكِ تنقل آني وهو لكِ. لذا من حقك أن تهربي من المبنى وتبحثي عن المساعدة أو ملاذٍ آمن. لن يلومكِ أحد على أي قرار تتخذينه」
「ما أنت—؟」
「هكذا يعمل [الجانب المظلم]. وأولئك ربما يكونون ممن يُسمَون بالضارين. ولا تحسبي أنه حتى أحد المستوى 5 سينجو هنا، أو أن الأطفال أو كبار السن سيُرحَمون. لا ملاذ ولا منطقةً آمنة هنا. هذا المكان فعلاً أصبح أرض [الجانب المظلم]. لا يهم سواءٌ كنا من اقتربنا أم هُم من جاؤوا إلينا. ما إن دخلنا أرضهم، قد يفقد أيُّ منا حياته في أي لحظة!! وعندما أقول أي منا، أعني بلا استثناء!!」
ما الذي رآه في الماضي؟ ربما كان شيئًا صادمًا بما يكفي ليُحطم روحه ويُغير تمامًا منظومة قيمه. هزت شيراي كُروكو رأسها بينما كان لا يزال ممسكًا بمعصمها النحيف.
نظرت إلى هذا المتمرس فقدمت له إجابةً حاسمة.
「ومع ذلك أختار القتال!!」
قدرتها التنقل الآني سمحت لها بتجاوز القيود ثلاثية الأبعاد، فاختفت وإلى الطابق السفلي. اقتدرت على التنقل لأكثر من ثمانين مترًا في التنقل الواحد، لذا كان النزول مباشرة إلى الطابق الأول مهمة يسيرة.
لكن لعل ذلك كان خطأً.
「ء!؟」
تشوشت رؤيتها.
خطبٌ ما أصاب عينيها وأنفها. إنّ رائحة قوية تُضعف عقلها فيزيائيا.
(هل هذا...غاز!؟)
كان الطابق مظلمًا من انقطاع الكهرباء، لكن ما يمكنها رؤيته كان مشوهًا سيئًا. افترضت أن الرائحة المجهولة تعبث بحواسها، لكنها أدركت في النهاية أن هذا ليس السبب.
كانت الجدران تتعفن.
انحنى السقف لأسفل. وكانت الجرذان تركض على الأرض التي امتلأت بالثقوب، كما في مبنى مهجور. بدا المبنى الحديث المصنوع من الخرسانة المسلحة كمنزل مهجور غارق في الرطوبة أسفل سد.
「أهَهَهَهَهَهَه」
「أهَهَهَهَهَهَه」
سمعت ضحكات قادمة من العمق، لكنها كانت ضحكات زائفة وجامدة مثل تلك التي تسمعها في مسرحية رديئة. صَعَّب ذلك من تمييز المشاعر التي حملتها.
وما رأته شيراي كان شكل شقيقتين توأمتين في سن المدرسة الابتدائية.
ذلك بحد ذاته لم يكن شريرًا، لكنه كان في غير محله ومزعج، كأن ترى صنادل أطفال مصطفة على حافة سطح أو دمية تطفو في نهر موحل.
「هُنا الجَدجِمِنت!!」 صرخت شيراي تحاول التخلص من دوارها. 「من أنتما!؟」
وما استجابا. عالمهما كان مغلقًا إلى درجة أنهما ربما لم تريا شيراي ككائن بشري.
اقتربت الفتاتان الصغيرتان من بعضهما، ضاغطتين على صدريهما الكعوبين والتي لم تتناسب مع طولهما، وتحدثتا بصوتٍ غنّاء متناغم.
「هيه يا كآي. أرى إنسانةً حية」
「ماهٍ يا يُويِّن. لا عليكِ. هي ميتة أصلاً. لا أطيق صبرا، ما رأيك أن نشعل النار في هذا الطابق ونذهب إلى التالي؟」
「ألا تظنين أنها تعرف قواعد البقاء في [الجانب المظلم] حتى تنجو من هجومنا الأول؟ أتساءل كم غطست فيه. ربما هي فاسدة أخرى من الجدجمنت؟」
「حتى لو كانت من الظلام مثلنا، فهي ستكون واحدة من أولئك الانتهازيين النافعين. لا تتوقعي الكثير منها」
إشعال.
لم تعرف شيراي ما الذي تفعلانه هاتان التوأم، لكن تلك الكلمة كانت إشارةً واضحة لنذير شؤم. ركز ذهنها على أن ترسل سهماً معدنياً فور إخراج أي منهما ولاعة أو أي شيء مشابه.
「أعني، ليس وأننا نقدر حتى على عد الجثث بعد أن تحللت إلى ذاك الشكل」
تجمدت روح شيراي كُروكو في مكانها من كلماتٍ كان يجب ألا تحمل أي قوة جسدية.
「وحتى لو نجا أحد الناس في مكان ما في هذا الطابق، لنا أن نفجره بسهولة بما أن الآخرين قد تحللوا بما يكفي حتى خرج غاز الميثان وملء كل زاوية من المكان」
جثث، تحلل، انفجار، ميثان.
فقط حينها أدركت شيراي مصدر وهوية الرائحة التي كانت تدخل أنفها وفمها، وتمر عبر قصبتها الهوائية، وتملأ رئتيها. لم تكن الجدران أو السقف أو الأرض فقط تنهار. مماذا كانت الفئران تصعد؟ ماذا حدث لجميع ضباط الأنتي-سكل الذين كان من المفترض أن يكونوا هنا؟ ما تلك البقع الداكنة اللزجة التي انتشرت في كل ركن من المكان؟ كل تلك الإجابات ضربتها دفعة واحدة.
تلكِ التوأمان حَلَّلتا الناس هنا وهم أحياء.
وكنتِ يا شيراي كُروكو تتنفسين غازا قابلا للاشتعال وهو ما نفخ الجثث من الداخل.
「أغغ....ء؟!」
لا منطق ولا كفاءة. عندما وضعت يدها على فمها وانحنت للأمام، ابتسمت التوأمتان ابتسامةً حلوة وهما تحتضنان بعضهما وتضغطان صدريهما على بعض.
[المحللة] و [الساعية]. كلتاهما أخرج شيئًا كخدعة سحرية. حملت التوأم ولاعة كهربائية بحجم قلم كتلك التي يستخدمها العرسان في حفلات الزفاف.
أصابعهما الصغيرة ضغطت على الزناد، تشك، فصدى صوته قويا.
تحول الطابق الأول المليء بروائح وغازات الموت إلى قنبلةٍ عملاقة واحدة فانفجر كل شيء.
- الجزء 10
دوو!! هديرٌ عميق هزّ أركان المبنى وإن كان مُسلّحًا بالخرسانة.
「اللعنة، ماذا الآن؟!」 شتم هامازورا شياغي وبيده الهاتف المستعار.
سمع أصوات أقدام عدد من الناس يركضون في الظلام. وكانت أنيري، شعاع أمله الوحيد، صامتة تمامًا. عندما نظر إلى الهاتف، لم يجد إشارة. يبدو أن الاتصالات قُطعت مع انقطاع التيار الكهربائي.
من الآن فصاعدًا، هو وحده.
اعتمد على ذاكرته ليجد طريقه إلى الغرفة التي تحمل النقطة الحمراء على الخريطة.
......كان الظلام حالكًا وكل الكاميرات وأجهزة الاستشعار الأمنية معطلة، لكنه بالكاد صدق ما يراه. لو كان ضباط الأنتي-سكل أكثر حذرًا قليلًا، لربما اكتشفوه متكورًا في الزاوية وهو يحبس أنفاسه.
فلابد أن شيئًا كبيرًا كان يحدث.
أحدٌ ما قرر أن يلعب بورقة "الهجوم المباشر" التي رفضها هامازورا فورًا. ناسبه الوضع كثيرا، لكنه لم يظن أن الوحش سيقف في صفه. كان عليه أن يتذكر أنه يحاول فعليًا سرقة مبنى يحترق وسط شغب أسطوري عظيم.
بمجرد أن اختفى مسمع خطوات الكبار، خرج إلى الممر المظلم.
الغرفة التي أرادها لم تكن بعيدة.
「تاكيتسوبو!!」
فور أن فتح الباب ودخل، تلقى ضربة قوية على معصمه الأيمن. وبينما كان يئن من الألم، أمسك أحدٌ ما ياقته ودفعه بقوة ليضرب ظهره الحائط. أضاء ضوء شاشة الهاتف المكان بعدما سقط على الأرض.
مُهاجِمه كان ضابطًا محترفًا الأنتي-سكل.
خار نَفَسُه.
أوكان هذا الرجل يتربص به في الغرفة المظلمة دون أن يستخدم مصباحًا يدويًا أو هاتفًا ليفاجئ أي متسلل كان؟
كان ذو شعر قصير أسود وعضلات سميكة بدت وكأنها درع. مظهره مظهر مُعلِّم تربية رياضية سلطوي. بالنسبة لفتى جانح مثل هامازورا، لم يرغب أبدًا بالاقتراب منه حتى في أيام السِلم.
「غه!؟」
「هامازورا!!」
كانت قدماه قد ارتفعتا عن الأرض. لم يكن بإمكان يديه فعل شيء لإزاحة تلك الذراع السميكة عن ياقة قميصه. ومع ذلك، بدا عالمه يتسع بشكل لا نهائي عندما سمع صوت تلك الفتاة تنادي باسمه.
「أنا...بخير」
كانت تاكيتسوبو ريكو.
كان يبحث طوال هذا الوقت عن ذلك الشعر الأسود الواصل إلى الكتفين، وتلك العيون الشاردة، وتلك البدلة الرياضية الوردية.
ربما لم يرغب الأنتي-سكل في نقل مشتبه به حينما كان الأمن مزعزعًا، لكن الحقيقة تظل أنَّ عشيقته ما تزال حية في هذا العالم البائس!!
「آغ!! أقسم أنني سأُنقذكِ. لذا لا تقلقي من أي شيء، تاكيتسوبو!!」
「تافهٌ آخر من الجانب المظلم؟」 قال صوت عميق أمامه مباشرة.
كان عليهما فعل شيء لهذا الرجل قبل أن يلتقيا لقاءهما عاطفي. ركّز هامازورا مُسرعًا على [عملة نيقولا]، لكنه لم يكن متأكدًا إن كان عليه أن يستخدمها هنا. هي تعمل في أمور مثل "افتح هذا الباب" أو "اكسب في هذه الجولة"، لكنه لم يثق إن كانت تعمل مع أمر مثل "دعني أهزم هذا الرجل". أراد تجنب إهدار أمنيته فيضطر من بعدها أن ينتظر ساعة أخرى ليعيد شحنها.
「لن تخضع الأنتي-سۡكِل لأي أحد. سنفضحكم جميعًا ونُخرجكم إلى النور أيها الجانب المظلم. لا استثناءات في [الأصفاد]」
ثم، شيء ما سقط على ذراع الرجل.
كان سطحه يلمع حتى في الظلام، ولكن... أوكانت تلك....... حشرة أبو مقص؟
ولم تكن وحدها.
قبل أن يدرك هامازورا ما يحدث، كانت ذراع الرجل اليمنى قد اختفت بالكامل تحت غطاء كثيف من الحشرات.
「غوووه!؟」
عندما أدرك ضابط الأنتي-سكل ذلك أخيرًا، ترك ياقة هامازورا وبدأ يلوّح بذراعه اليمنى محاولا التخلص من الحشرات. ولكنها لم تتركه. بل على العكس، سمع هامازورا صوتًا يشبه صوت رمل يتساقط حيث بدأت المزيد من الحشرات تسقط من السقف كالشلال. سرعان ما غطت الجزء العلوي من جسده وبدأت تزحف داخل سترته الواقية من الرصاص، وقفازيه، وبقية معداته.
「غيا-غيا-غيا-غيا-غيا-غيا-غياااااااااااااااااه!!!؟؟؟」
لم يستطع هامازورا تحمّل النظر أكثر. بمجرد أن تغطي الظل المظلم من رأسه حتى أخمص قدميه، بدأ ينهار. لم يكن واضحًا إذا كان يتمزق أم يُؤكل أم يذوب، لكنه لم يعد قطعةً واحدة. شاهد هامازورا موتًا واضحًا دون أن يرى إصابة أو جثة، تمامًا كأنه رأى برميلاً معدنيًا يُسحق وداخله إنسانٌ محشور.
ما استطاع حتى أن يركض ليساعده.
تلك لم تكن مجرد حشرات أبو مقص. بها شيءٌ آخر—ربما مادة كيميائية أو مرض.
「ابتعد عنها يا هامازورا!!」
كان ساقطا على الأرض فنادته تاكيتسوبو. جاء هنا لينقذها، لكنها هي من أنقذته الآن. لو لم تسحبه، لربما تدمّر نفسًا بدلا من بدن.
شعر برائحة لاذعة تلسع عينيه. كانت تشبه شيئًا متعفنًا، ولكن ليس مثل نفايات المطبخ.
سمع صوتًا خفيفًا، أشبه بارتطام، ثم رأى شخصًا آخر يقف في الغرفة. حتى أنه لم يتذكر أنه رمش.
كانت فتاةً بتسريحة أم قرنين. الفتاة التي تبدو في سن الإعدادية ظهرت من العدم، لكن كل ما فعلته هو أنها تحركت نحو حائط ثم انزلقت إلى الأرض لتجلس.
كانت هي من كبّلت يديه.
الشريط الموجود على ذراعها الأيمن أظهر أنها إسۡبَرة من الجَدجِمِنت.
「غ...」
لاحظ أنها كانت مصابة بكدمات في كل مكان، كما أن زيّها المدرسي—من مدرسةٍ ما—يحمل آثار حروق.
كانت محترقة ومنهكة.
بدت كمن نجا بصعوبة من حريق أو انفجار. كان هامازورا قد خاض نصيبه من المعارك، لكنه لم يستطع حتى أن يتخيل حجم الضرر الداخلي الذي قد تكون تعرضت له.
「...لم... أتنقل... في الوقت المناسب」
「هيه، ما بكِ؟」
لم تُجبه على سؤاله المتردد. بدا عليها أنها تفقد الوعي.
「لا تظهري أمامي فجأة ثم تموتي! ماذا حدث؟! أليس من المفترض أنكم تحمونا يا الجدجمنت في مثل هذه الأوقات!؟」
سمع صوت خطوات خفيفة.
لم يكن لديه أدنى فكرة عما كان يحدث، ولكن يبدو أن هذه الزائرة المفاجئة جلبت تهديدًا جديدًا معها. قد حاولت التنقل بعيدًا عن الخطر، لكنه كان يتمنى لو أنها اختارت أي غرفة أخرى غير هذه.
سمع قهقهاتٍ وضحكات بينما أطلت توأمتين بمرح إلى داخل الغرفة.
كانتا قصيرتين، لكن صدريهما كان كبيرا غريبا نسبة لحجميهما.
「كآي، أرى بشرًا في هذه الغرفة أيضًا. ماذا لو نرمي عليهم العدوى باللدغ؟」
「لا يا يُويِّن، هذه غرفة تحقيق. علينا الحذر بشأن من نستهدف. انظري لذاك الفتى هناك كأن وجهه غبيًا نوعًا ما، لكن لا أظنه من الأنتي-سكل أو الجدجمنت」
「هيه يا محللة، ما لي أراكِ تهتمين بمن يكونون وقد بلغنا هذا الحد؟」
「ماه يا ساعية، كلما صَحَّ تصويبك، زاد يأسهم من قلة فرص الهروب」
لم يجرؤ حتى على التنفس.
كان يدرك أن حياته بين أيديهما. إذا كانت هذه الغرفة مليئة بغاز الميثان المستخدم في الولاعات، فإن شرارة واحدة ستملأ الغرفة بانفجار هائل.
كانت الفتاة أم قرنين المغشية هدفهما على ما يبدو، لكنه لم يستطع التنبؤ بما قد تفعلانه في هذا الوضع.
ولمَ قد تهتمان إذا قُتِل هامازورا أو تاكيتسوبو بالخطأ؟ لا وجود لعقاب خارج نطاق أي قواعد تلعبان بها. قد تأخذان حياتهمم بسهولة كما لو كانتا تركلان حجرًا صغيرًا أثناء سيرهما إلى المدرسة.
إحدى التوأمين ابتسمت له بينما تلعب بفأرٍ عند قدميها.
「تريد أن تعيش؟」
「أريد」
وضع ركبتيه على البقعة المظلمة المنتشرة عبر الأرضية وشبك يديه أمام وجهه. تبسمت التوأمتان برضى بينما بدا كخاسر مُصوبةٌ على رأسه فوهة مسدس.
「وأرجوكما، لا تقتلا فتاة الجدجمنت أيضًا. لا أريد أن أرى أي أحدٍ آخر يموت」
نظرت التوأمتان إليه باندهاش.
وتوقف تدفق الزمن.
「بفف」
إحدى التوأمتين انفجرت ضاحكةً بينما ضغطت خدها على خد أختها.
「آه هههههه!! كما تريد أيها الشاب. أضحكتني كثيرا!!」
「متأكدة يا كآي؟ وماذا عن إرهابهم وكسرهم؟」
「لا بأس يا يُويِّن. لنترك قليلهم يبثون الرعب في كثيرهم」
كل شيء تغير لحظتها.
الفتاة كآي ارتسم على وجهها ابتسامة حلوة تذوب ورَمَت بقُبلة في الهواء نحو الفتى البائس.
「لا أكره من يلوث نفسه رغبةً منه」
تنهدت يُويِّن، مما أوحى أن شقيقتها تفعل ذلك كثيرًا.
「أخبر الجميع عن هذا الخوف」
كان ذلك أمرًا. في مجتمع المدرسة، السنوات الدراسية تخلق هرمية مطلقة، لكن تلك الوحش الصغير نظرت إليه من فوق.
أوضحت له أن هذا دربه ودرب تاكيتسوبو الوحيد للنجاة.
「أخبرهم أن [الجانب المظلم] لن يختفي. أخبرهم بما يحدث إن حاولوا بحماقة تسليط الضوء على الظلام. أخبرهم بمصير كل أحمقٍ يجرؤ حتى على التفكير بذلك」
لم يستطع حتى أن يهز رأسه، لكن الفتاة ضيّقت عينيها برضا، وسحبت رأسها من الغرفة، ثم سارت في الممر مع شقيقتها. كان الصوت الخفيف لصنادلهم الشاطئية مصحوبًا بانفجارات متقطعة من الصراخ والضجيج.
كائنات حية.
وأمراض معدية.
كان الظلام الذي تتحكم فيه [المحللة] كآي و[الساعية] يُويِّن في مستوى مختلف تمامًا.
- الجزء 11
「لا أرى فيكَ كسراً. تمام....」
「هامازورا، سأضغط هنا، لذا اربط هذا واحكمه」
وتحت ضوء الهاتف، لَفّت ضمادات باحكام وتثبتته بمشبك معدني.
بما أن الهاربين لا يستطيعون زيارة الطبيب، كانت مجموعة الإسعافات الأولية البسيطة تلك موردًا ثمينًا لهم. لكنه لم يستطع أن يترك تلك الفتاة أم قرنين تموت وحدها.
لم تستيقظ حتى عندما صب المعقم على جروحها، مما يعني أنها كانت مغشيةً تمامًا. لقد غطى معظم الجروح الظاهرة، لكنه لم يعرف ما حال جسدها من داخل. كانت تتنفس، لذا لم يكن أمامه سوى أن يأمل أن يتولى الأنتي-سكل الباقي.
.......بافتراض أن أياً منهم ما زال حيًا.
「ما لنا شيءٌ أكثر. هيّا نذهب」
「ممه」
لم يتوقع هذا الآن.
انتفخت خدّي تاكيتسوبو ريكو بلا تعبير.
「على طاري يا هامازورا، هل فعلت التوأمان أي شيء لك؟」
هل كان عليه عفنٌ غريب أو حشرة على ظهره؟ شك في أن يفوته أي شيء نظراً إلى مدى قوة تلك العدوى، لكنه الآن بدأ يقلق.
「عندما رمت إليك قبلة في الهواء」
「بفف!؟ ذلك حادث، هجوم مفاجئ، قوة قاهرة!!」
صراخه المتوتر جعل عشيقته تتصرف كقطة متجهمة.
على أي حال، أطفأ ضوء الهاتف وخرج بحذر من غرفة التحقيق. انفجرت عدة انفجارات في الممر، لكن لم تكن تلك من عمل التوأمتان الغامضتان. كان يرمي قطعًا محترقة من الورق في الظلام ليُفجر الغاز عمدًا في الأمام ويخلق منطقة آمنة لهم.
إن غاز الميثان خطير، لكن يمكن احتواؤه في مساحةٍ واحدة محددة. بتقسيم الأشياء بباب أو مصراع قبل تفجيره، يبقى الانفجار صغيرًا و"يُستهلك" الغاز بأمان.
نجحت، ولكن لم يحدث غير هذا.
رصّ هامازورا أسنانه وركّز كي لا تتوقف قدماه عن التحرك.
「هامازورا」
「هل حقًا لم يبقى أحد هنا؟」
كانت هناك خيوط لزجة تمتد عبر الأرضية بأكملها.
الأشياء المتدلية من السقف كانت تبدو مثل حلوى الناتو اللزجة، لكنه شك في أنها نوع عادي من البكتيريا. لم يرى أي علامة على وجود إنسانٍ هنا بعد الآن. قد كان المكان ممتلئًا بضباط الأنتي-سكل المدرعين، ناهيك عن مشغلي الاتصالات والعاملين الإداريين.
ولكن كل ما تبقى من هؤلاء كان الوحل الداكن واللزج الذي يلطخ الأرض والجدران بطريقة مزعجة.
وإنّ هامازورا قد قال إنه يريد العيش، وربما أرسل تلك التوأمان في ذاك الاتجاه بدلاً من آخر. ماذا لو قتلتا أحدًا آخر هناك لأنهما اختارتا العفو عن الفتاة أم قرنين نزوةً؟ لم يحمل أي اثبات لذلك، لكنه شعر بثقل كبير في صدره.
ولقد شكّ في انقضاء الأمر. لقد أظهر [الجانب المظلم] معدنه، ولكن الأنتي-سكل يسيطرون على الأحياء الثلاثة والعشرين بفضل قوتها العسكرية. الأمور ستتصاعد من هنا فقط. بالتأكيد ستقوم الأنتي-سكل بإحضار شيء أكثر غرابة وعجابة المرة القادمة.
「ماذا الآن، هامازورا؟」
「نهرب خارج مدينة الأكاديمية」
「...」
「الأنتي-سكل جادون في هذا الأمر. لقد رأيتُهم شخصيًا يقتلون اثنين، وأنا متأكد أنهم قتلوا أكثر ممن لم أرى. الكبار يحاولون بالفعل سحق [الجانب المظلم]. لا أعرف ما معاييرهم لتطهير المدينة، لكني أعرف أن اسمينا موجودين على قائمة تُسمى 『الآوترنك』. لذا، سيلقون القبض علينا إن لم نغادر. اليوم، الاختباء في مكان أعمق وأكثر ظلمة لن يكفينا أن نضيّعهم」
حتى في الظلام، أمكنه أن يرى عبوسها.
「لكنني يا هامازورا أشك في قدرتنا على عبور الجدار الخارجي بسهولة. كل البوابات الأربع ستكون في حالة تأهب قصوى، لذا محاولة اختراقها لن تجلب لنا سوى الهلاك」
「أعرف ذلك، وعندي فكرة—」
توقف عن الحديث لأنه رأى شخصًا يصد طريقهم في نهاية الممر الطويل.
「هامازورا.....」
الصوت الذي سمعه يعني أن أحدًا ما نجا من الأذى.
ذلك مريح، لكن ما عساه يسترخي بعد. لم يكن من المفترض أن يكون هنا، وبناءً على طريقة تصرف الأنتي-سكل اليوم، قد يرمون النار على أي مشتبه به دون إعطائه فرصة لتبرير نفسه.
لكن ذلك لم يحدث.
بل تحدث الصوت إليه بدل أن يرميه.
「أهذا أنت، هامازورا؟! ماذا تفعل هنا؟!」
تعرف على الصوت.
لم تكن هذه أول مرة يكون فيها هنا. لقد احتُجِزَ في هذه الزنازين كثيرا من المرات بعد أن سرق سيارة أو اشتبك في شجار شوارع خلال أيامه في عصابة الاسۡكيل-آوت.
ولذا كان يعرف بعض الضباط العاملين هنا.
(يوميكاوا آيهو).
كانت تلك المُعلمة تربط شعرها الأسود الطويل وراءها. ولطالما كانت تلبس بدلة رياضية خضراء، لكنها اليوم ترتدي سترة سوداء مضادة للرصاص ذات مظهر شرير.
خافَ.
خاف حقا، لكنه يعلم (وإن كانت علاقتهما ليست طيبة) أنها ليست شخصًا سيئًا.
فكر للحظة أن يتخلى عن كل خططه ويطلب منها إنقاذ عشيقته، لكنه تذكر الواقع الذي يعيش فيه. أو ربما لم يكن يعرف الفرق بين التشاؤم والتخمين الخاطئ.
على أي حال، مدّ ذراعه جانبًا بعد لحظة قصيرة. حمى عشيقته بجسده ورفع صوته.
「أفسحي الطريق. لا أثق بك!!」
「افعل هذا وستكون مجرمًا، هامازورا. فقط أخبرني لماذا أنت هنا وسيتولى الكبار الأمر إذا لزم!! هكذا يجب أن تسير!!」
「لستِ وحدك كافية لأضمن!」 صرخ مرة أخرى.
كان من غير المعتاد له أن يغلبها بالكلام. فلطالما كانت يوميكاوا صاحبة رد ملجم عليه وتستخدمه لتقمع حتى أصغر الجرائم.
وها هو الآن يسكتها.
هذا بدا وكأنه يكشف عن تردد بداخلها.
「يوميكاوا، لقد رأيتِ ذلك بنفسك، أليس كذلك؟ هناك خطبٌ ما فيكم جميعًا اليوم. هناك شيء يمنع مفهومك أنتِ للعدالة أن يعمل كما يجب. إذا لم أكتشف ما الذي يُسببه، فإن ترك الأمر بين يديكِ والموت سواء!! لقد رأيتُه يحدث بنفسي!! مرتين على الأقل!!」
「فماذا ستفعل؟」
استغرقت منها وقتا قبل أن تجيب.
لقد فقدت فطنتها حقًا. ولكن هناك أنواع من الألم لا يولد إلا بحافةٍ مكسورة.
「هل تبرر حملك للسلاح وارتكابك مزيدا من الجرم التي تعلم أنها خاطئة فقط لأنك تريد حماية شخص تهتم به؟ أنت وحدك من سيقبل هذا التبرير. والناس لا. سيبحثون في القوانين ويحكمون عليك بالإدانة!」
「......」
「[عملية الأصفاد] ليست بِشَرٍّ تهرب منه. ذاك الأحمق الذي يقف على قمة العالم يُدمّر حياته ليحقق ذلك، لذلك لن أسمح بفشلها!!」
لم تكن ترائي بكلامها وحسب.
وما عساه يتجاهل كلمات من يقف في نفس الميدان الذي يقف فيه.
「لابد أن عندك رؤية؟ وإلا ما كنتَ لتصل إلى هذا الحد لتنقذ تلك الفتاة」
تقدمت يوميكاوا خطوة.
كانت خطوة فقط، لكنها حملت ثقلاً.
「إذن، لا تدمر ذلك المستقبل المثالي بأفعالك هنا!! إنه [الجانب المظلم] الذي يبرر أفعاله باستثناءات كهذه! لذا اترك كل القتال المزعج للكبار! أعدك أننا لن نظلمك!!」
لم تتأثر مشاعره بكلماتها.
لقد رأى مثل هذه الوعود تنكسر من قبل.
ولكن هل يسعه حقًا أن يصنع طريقه متجاوزا يوميكاوا وهي تقول ذلك؟ ركّز تفكيره على العملة الذهبية في جيبه. كانت هذه هي الحركة الحقيقية الوحيدة المتبقية لديه. كانت تمنحه نسبة نجاح 100% لمرة واحدة كل ساعة. إذا استخدمها، هل سيتمكن من إبعاد يوميكاوا عنه دون أن يؤذيها؟
فكر في الأمر ورفع رأسه المنخفض.
فتح فمه.
「يومي—
طاخءء!!!!.
شيء ساخن وصلب اصطدم بمركز صدره.
لم يحمل أدنى فكرة عما حدث.
صوت رمي النار المدوي بدى وكأنه جاء بعد تأخير قصير؛ كصوت الرعد. لكنه لم يملك تركيزا يكفيه ليفهم ما حدث. الانفجار القوي قذفه إلى الوراء نحو زجاج محمي بصفائح سميكة.
ومع صوت تحطم عالٍ، قُذف إلى الخارج عبر النافذة.
「هامازورا!!」
- الجزء 12
「غـ...」
استيقظت شيراي كُروكو على صوت طلقة نارية حادة.
وجدت نفسها في غرفة صغيرة بدلاً من بهو الطابق الأول. هل كانت هذه غرفة استجواب؟ عانت لفترة وجيزة تتذكر كيف آل بها المطاف هنا، لكنها لاحظت أحدًا ينظر إلى وجهها من فوق.
كان رجلاً كهلاً لا يُطاق.
「هـ-هل أنتِ بخير، شيراي-سان؟」
「.....الفضل لك」
رؤية كهل أصلع بنظارات ليس استيقاظا فضّلته. فقط عندما جلست من على الأرض أدركت أنها كانت مستلقية. شعرت بشد غريب في جلدها. نظرت في المرآة الكبيرة في غرفة الاستجواب لترى الضمادات والشاش يغطيان جسدها.
「أظن أنه عليّ شكرك على علاج إصاباتي」
「آه، أمم، لستُ أنا」
「؟」
فمن كان؟ لم يُظهر ركوكا هوفو أي اهتمام بالإجابة عن هذا السؤال. بدا الأمر محاولة يائسة، لكن هل كانت الكاميرة في غرفة المراقبة تعمل؟
خرجت إلى الممر لتجد رائحة كريهة ولزوجة مظلمة في كل مكان.
رأت اثنين من الانتي-سكل الناجين هناك، وكانا يحدقان في نافذة مكسورة لسبب ما. هناك قماش وردي عالق على الحافة الحادة. كان من المادة الاصطناعية المستخدمة في ملابس التمارين الرياضية وما شابه ذلك.
「سقطت الفتاة معه؟」 تمتم شاب الأنتي-سكل وهو يحمل بندقية قتالية قد تستخدم في المدى البعيد أو القريب. 「على أي حال، نحن بأمان الآن، يوميكاوا-سان. هل تأذ...」
「هل... فعلت...」
تحركت شفاه يوميكاوا المرتجفة.
وفي اللحظة التالية، أمسكت بياقة زميلها.
「هل وجهت بندقيتك نحو طفل، نامينو!؟ ماذا كنت تفكر!!؟」
نظر الرجل بُنّي الشعر إليها محتارا من سؤالها.
「ل-لقد كان مجرد مجرمٍ من [الجانب المظلم]. وبما أنه تسلل إلى المحطة الرئيسية، فهو بالتأكيد يشكل خطراً، أم تراني مخطئ؟」
「مجرد... مُجَرَّدۡ!؟ حياة هؤلاء الأطفال من مسؤوليتنا!! أمانتهم وحمايتهم علينا نحن!!!!!」
لكن كلماتها لم تجد مدخلا. بدا الرجل وكأنه ينكمش أمامها، لكنه لم يُظهر أي علامة على تعلم الدرس. كأنه لم يكترث لغضبها؛ وأنّ كل ما يفعله هو انتظار مرور العاصفة.
شيراي استطاعت أن تدرك من النظر أن المنطق والعقلانية قد انهارت.
قررت الاقتراب منهم، وكانت تلك الخطوات القصيرة كافية لتشعرها بالإرهاق. بدا الرجل النحيف ذو النظارات وتمشطة الصلعة غير متأكد مما عليه فعله. ربما أراد مساعدتها، لكنه تردد في لمس فتاة في الإعدادية بلا مبالاة. كان يتبع القواعد بصرامة لدرجة تجعله أحيانًا يبالغ في ردود أفعاله.
「هل أنتما الناجيان الوحيدان؟」 سألت شيراي. 「ماذا عن البقية؟؟؟」
لم يُجب أحد.
كانوا مترددين في نطق الرقم الحقيقي للخسائر بصوت عالٍ، وهو السبب في أنهم حصلوا على الأرقام فقط عبر تقرير إذاعي. هز الشاب من الأنتي-سكل ذو البندقية رأسه بينما كانت يوميكاوا لا تزال تمسك ياقته.
وأعطى الجواب.
「المنطقة الجنوبية 7، المنطقة 8، المنطقة 17... والمنطقة 1 كلها سقطت」
「الأولى...」
لم تستطع يوميكاوا النطق، على الرغم من صراخها كثيرًا قبيل ذلك.
وهذا متفهم. فالمنطقة 1 هي منطقة الحكومة التي تجمع كل الوظائف الإدارية للمدينة. كما أن المحطة العامة هناك تعمل كمحطة مركزية تربط كل المحطات الأخرى. وحسب مسميات الشرطة خارج المدينة، فإن ذلك بمثابة مقر وكالة الشرطة الوطنية.
وبهذه السهولة سقطت.
كان من حسن الحظ أنهم حصلوا حتى على قائمة دقيقة بالمحطات التي سقطت مع انهيار قمة الهيكل القيادي. لربما يتوقف عمل الأنتي-سكل كمنظمة ما لم يُعاد تنظيمها لإعادة شبكتها إلى العمل.
「قد قلت لكم،」
قال ركوكا هوفو، ضابط الأنتي-سكل ذو النظارات وتمشيطة الصلعة.
「ما نفعله ليس كافيًا. إذا أردنا حقًا تنظيف [الجانب المظلم]، فعلينا أن نُعامل هذه حربًا」
هناك خطبٌ فادح في [عملية الأصفاد].
عضّت يوميكاوا آيهو شفتها وهي واحدة من أولئك الذين ساعدوا في بدء هذه العملية مع رئيس المجلس الجديد.
- الجزء 13
كان وعيه يتأرجح بين الغياب والحضور.
هبوطه على كومة من الثلج التي أُزيلت من الطريق بدا وكأنه أنقذ حياته. من دونها، لكان السقوط قاتله. السقوط من ارتفاع كبير كان أكثر فتكًا مما تعرضه الأفلام والدراما.
نعم، إنَّ هامازورا شياغي لا يزال حَيّاً.
「هامازورا.......」
سمع صوت عشيقته تناديه من قريب. لابد أنها قفزت من نفس النافذة، لكنها كانت تتشبث به بدل أن تتأكد من إصاباتها.
「هل أنت بخير؟ هيه، هامازورا، تراكَ تُخيفني. أرجوك قُم. لا تتركني وحيدة」
حرك أصابعه المرتجفة ليفك أزرار سترته.
كان هناك لوح معدني أملس تحتها. كان ينتمي إلى السترة الواقية من الرصاص التي أخذها من ضابط الأنتي-سكل الذي أطاح به في الشقة. كان يعلم بتدهور الأمور، فلا عجب أنه اتخذ هذا الاحتياط ليواجه كل التشاؤمات.
وأثبتت الأحداث صحة توقعاته.
طلب المساعدة من أي شخص في مدينة الأكاديمية كان يعني تعريضه للموت. الكبار يشكلون تهديدًا، مهما كانت نوايا أي فرد منهم. الأزقة الخلفية، أعماق الجانب المظلم، وكل الثغرات الأخرى سيتم سَدُّها. إذا أرادوا البقاء أحياء، عليهم الخروج من وراء الجدران. لم يعرف متى ستتعافى الأنتي-سكل، لكن حاليا، كان عليهما المغادرة.
كان عليهما البحث عن الحرية في العالم الخارجي.
ولا يزال مستلقيًا على ظهره، ربت على رأس عشيقته واقترح فكرة.
「لنذهب إلى المطار」
「؟」
「لن نحاول تسلق الجدار أو نمر عبر البوابات. لا شك أن الحراسة شديدة لدرجة لن نقترب حتى. أراهن أن كل الأشخاص المتدنين في الجانب المظلم يحاولون ذلك ويتمزقون الآن إلى أشلاء بنيران المدافع الرشاشة من المروحيات بدون طيار أو الروبوتات على الجدار. الإتيان بخطة ذكية لن ينفعنا هناك. قد تكون هناك مئات الخيارات، لكنها جميعًا تؤدي إلى نهايات مسدودة. محاولة تسلق الجدار، خداع البوابات، أو الاختباء في شاحنة طويلة المسافات مآلها الفشل」
「لكن」 تاكيتسوبو هزت رأسها رافضة فكرته. 「كذلك سيكون الأمن مشددًا في مطار المنطقة 23. هناك عدة طبقات من الأمن، وأشك في قدرتنا على صعود متن طائرة بينما نخفي وجوهنا」
「بل علينا فقط أن نأتي بطريقة ألا نثير بها الشبهات بينما نُظهر وجوهنا」
أخرج أداة رئيسية من حقيبته الصغيرة.
كان جواز السفر يحمل اسمًا مزيفًا فاضحًا: [ولد المدرسة].
لم يكن لديه فكرة عن مدى جودته، لكن ربما كان مبهرًا لأن الهواة لا يمكنهم تفسيره. إذا كان [صوت الهاتف] ذاك يستخدمه، فلا بد أنه منتج عالي الجودة.
أغلق هاتفه بيد مرتجفة ثم رفع جواز السفر. رفعه ضمن نطاق جهاز استشعار سريع تم تركيبه بجانب إشارة مرور.
أضاءت الورقة.
أنتجت الأشعة تحت الحمراء ضوءًا قوس قزحيًا بفضل الطباعة البلورية المعيبة المتقدمة. بدا الأمر بسيطًا بما يكفي، لكن العيوب البلورية التي تخلق فجوات غير منتظمة في الطبقة الرقيقة من الكريستال الصناعي كانت طريقة حماية من التزييف لا يمكن لأحد تكرارها. على الأقل، هكذا زُعم.
ولكن ثبت خطأ ذلك.
「.....يبدو أن في [الجانب المظلم] فَنيٌّ قادرٌ على صنع هويات مزيفة مثالية. سنتحدث معه ونحصل على هوية خاصة بنا. حينها سنحصل على تصريح آمن للسفر خارج المدينة」
- ما بين السطور 1
「"ما كانت لتكون هكذا" كأن صمتك يقول؟」
لم تلبس أي لباس حقيقي.
فتاةٌ بدت في حوالي العاشرة كانت تسحب قطعة قماش حمراء أرق من بطانية سرير لتغطي صدرها المستوي. شعرها الطويل الأشقر المائل للوردي كان مقسمًا إلى عدة ضفائر تشبه رُبياناتٍ مقلية وعليها زخارف على شكل ورود منسوجة فيها.
وقفت تتكئ على القضبان الصلبة والباردة للزنزانة.
وجارها كان ذو شعر أبيض وعينين حمراوين جالسًا على الأرض.
إنه أكۡسِلَريتر، المصنف الأول في المدينة الأكاديمية ورئيس مجلسها الجديد، لكنه الآن ينتظر محاكمته.
كانت آنا سبرنجل الرئيسة التنفيذية لشركة [خفيانية R&C] تبتسم.
واستمرت في حديثها مرتاحة البال، في حديث اثنين مؤهلين للسيطرة على العالم.
「سأحب أن أسمع منك كيف كان يفترض أن تسير الأمور، لكن ربما هذا غير مهم الآن. هيهي. التمويل الذي جمعتَهُ سرًا للأطفال المحتجزين سيذهب هباءً في هذه المرحلة. وكذلك تلك الحياة الجديدة التي أعددتها لهم」
「.....هل ألقيتِ بنفسك في هذه الزنزانة فقط لتقولي هذا؟」 كان صوته جليدًا. ولو كان للأصوات درجة حرارة فعلية، لقتل صوته إنسانًا عاديا وجَمَّده. 「ألهذا السبب خَسَّرتِ نفسك؟」
「ألم أخبرك؟ تجربتي الأساسية قد انتهت وولّت. ما أفعله الآن إنما هو جمعٌ لفُتات بيانات في الوقت الباقي」
ولكنَّ آنا بدت غير مبالية. كلمات أكۡسِلَريتر الباردة ارتدت عنها كقطرات ماء على بشرةٍ شابة.
「أما هكذا تفعل شركات التكنولوجيا العملاقة؟ لا شيء يعتبر زائدًا في موضوع البيانات الكبيرة. هل كان الذين يهتمون بتنبؤات طقس البارحة حمقى؟ أهو جهدٌ ضائع كما تحسب؟ كلا، هناك بحرٌ نتعلمه من دراسة خرائط الطقس على مدار القرن الماضي. وحدهم الحمقى من يسخرون من هذه الجهود وهم متكئون خائرون」
「......،」
「هِهِ هِه. الآن، أيُّ نوع أنت؟ من يسخر من جهود الناس غالبًا لا يدرك قيمتها. لقد اخترت التخلص من [الجانب المظلم] وسلوك طريق مختلف، لكن أوكنتَ تفهم حقًا قيمته؟」
الرئيسة التنفيذية استمرت مبتسمةً لرئيس المجلس الصامت.
كانت تعبيراتها منتظمة مثيرة للريبة.
「....إيهِ، لكل شيء سبب ولكل هذه الأحداث سبب」
شعرها الطويل أطلق رائحة وردية بينما لوّحت يدها الصغيرة من خلال فجوة بين القضبان.
「إذا لم تكتشف السبب قريبًا، فكل شيء سيتفكك. المأساة المروعة التي تراها الآن ستظهر رحيمة مقارنة بما سيحدث حينها. ......بالمناسبة، لاحظتُ أنك لم تكشف عن اسمك حتى وأنتَ رئيس المجلس. فلماذا لا تخطو خطوة إضافية وترتدي قناعًا غامضًا كلما ظهرتَ أمام الكاميرات؟」
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)