الفصل الثاني: اَلۡجَٰانِب الۡمُظۡلِم. — Ghost,Android,and...
(إعدادات القراءة)
انتقال بين الأجزاء
- الجزء 1
احتكت الإطارات بالإسفلت وهي تنزلق.
كان الحي الأول الأكاديمي منطقةً حكومية، وذلك الصوت الصاخب بدا غريبًا في منطقة منظمة باردة وغير إنسانية إلى هذا الحد، خاصة مع اختلاط أصوات الصراخ والتدمير.
『هيه! أليست تلك إحدى مركباتنا لنقل السجناء؟』
『لَمۡ تنزلق دون سبب على طريق الثلج هذا! أكيدٌ أنَّ فيها خطب! تحركوا وانبطحوا!!』
كتلة المعدن التي تزن عشرين طنًا انحرفت كثيرا على شكل ’ى‘ ثم اخترقت حاجزًا مؤقتًا ثم أطاحت بمركبة خاصة على الجانب الآخر وأخيرا اصطدمت بالبوابة الأمامية لمحطة الأنتي-سۡكِل العامة. وبعد أن توقفت أمام المبنى خيم صمتٌ غريب على المركبة لكن ذلك لم يدم طويل.
افترض الجميع أن صوت الشرر كان من اقتطاع الباب الجانبي.
لكن في الواقع تقطّع [الدرع المضاد للرصاص والانفجار] على بعد سنتمتر من الباب.
انهار الباب للخارج فخرجت فتاة غريبة من الداخل. بدت في الثالثة أو الرابعة عشرة. ولها شعرٌ طويل مديد بلون أحمر غير طبيعي ولبست ما ليس لباس شتاء إطلاقا. والألوان التي غطت جسدها الطفل كانت برتقالية وسوداء. لم ترتدي سوى زي يشبه بدلة سباق تحمل ألوانًا سامة تشبه ألوان الحشرات. وما يثير الدهشة أنها كانت حافية القدمين.
كانت غُرتها مقطوعة مستقيمة، وحملت هاتفًا ذكيًا على كل كتف، كما كانت هناك عدة أنابيب رفيعة مربوطة في الأحزمة حول فخذيها. بعضها كان لوحات مفاتيح سيليكون قابلة للطي، وأُخراها كانت زجاجات شفافة مملوءة بسائل سميك ما بدا صالحا للشرب.
وإنّ حدقتا عينيها تتوسعان وتنقبضان ميكانيكيا دون أي تغيير في تعابيرها، وكانت تحمل شفرة طولها ستين سنتمترًا ضخمة وسميكة لدرجة لا تصفها بسكين. بدت أشبه بمنجل تشق به الطريق عبر الغابة، ولعله ربما لم ينتمي لأي فئة أسلحة معروفة.
أخذت بتلك الشفرة تقطع الدرع.
تصممت جدران المركبة لتتحمل الرصاص والقنابل، لكنها الآن في نظرها باتت كالجيلاتين.
تجمد الجو. وقف الجميع في مكانهم كأنهم عجزوا عن فهم القواعد الجديدة الدخيلة، مسببةً خطأً برمجيا في عقولهم. لم يتوقع أحد أن يقدر إنسانٌ من الوصول إلى هذا العمق داخل مركز الأنتي-سۡكِل.
「[الجانب المظلم]ء!؟」 صاح أحدهم.
「 آهٍ، آه 」 وشايبٌ نحيف المنظر ذو معطف مختبري فوق بدلة زرقاء داكنة خرج من المركبة خلف الفتاة.
قد يكون باحثًا أو ميكانيكيًا؛ فبريق عينيه ناسب كلا المجالين.
انطلقت شراراتٌ حينما تقطع أصفاده. ليست السلسلة، بل الحلقات نفسها.
「لَيۡدِبارد-كن، لابد أنك كنتِ لتجدين طريقة ألطف في التعامل مع هذا」
『قد قبضوا عليك قبل سيطرتي على المركبة يا سينسي، لذا أخذت مركبة نقل السجناء للأنتي-سكل حتى أتجاوز حاجة القتال عند ثلاثة نقاط تفتيش. ذلك وفر لنا مئتان وخمسون ثانية』
「على عكسك أنا إنسان. إذا تحطم أي عضو من أعضائي فإني هالك」
『لا عليك فلقد التزمت بجميع معايير السلامة. وإذا رغبت في أمان أكثر، فبدّل جسمك بعضلات كربونية وهيكل عظمي من المعادن الثقيلة. أوصيك باليورانيوم المنضب』
「الآن أخاف مما هو معيارك للسلامة. حقًا، إنه لمعجزة أنني لا أزال حيًا」
عندما تحدثت الفتاة لَيۡدِبارد، كان هناك تشوشٌ وعدم تطابق بين شفاهها وصوتها الفعلي، كدميةٍ تتكلم من بطنها.
أخيرًا، تلاشى الشلل الذي أصاب ضباط الأنتي-سۡكِل المحيطين، وسحب عدد منهم مسدساتهم.
「ماذا تفعلون هنا أيها [الجانب المظلم]؟ يا حثالة المجرمين!!」
「أه؟」 بدا الشايب حائرًا بحق. 「أما سمعتم بما يحدث في الخارج؟ أرى أن الفوضى بين صفوفكم كانت أسوأ مما حسبت. لربما أنّ زيارتنا لكم هنا وتعطيل شبكتكم لَعَبثٌ كانت آخر الأمر. إن صح ذلك، فأعتذر」
طاخ!!!! دوت إطلاق نار جاف، وطار أحد ضباط الأنتي-سكل بفعل الارتداد.
ظن الجميع أن الشايب سينهار، لكنه لَمۡ.
رمى بعض الضباط النار مذعورين، لكن لسبب ما، كان الأنتي-سكل أنفسهم مَنۡ يسقطون مصابين برصاصة في رؤوسهم أو صدورهم أو نقاطا حيوية أخرى في كل مرة.
وقد رفعت لَيۡدِبارد المنجل بيدها اليمنى بلا أي تعبير.
هذا ولا أكثر. عندما اقتربت رصاصة، رصدتها بدقة فرفعت شفرة سميكة تصد طريقها، ثم أخذت بالرصاصة المرتدة تهاجم بها غير من رماها من الأنتي-سكل.
نعم، وَجّهتها نحو فرد آخر غير من أطلقها.
في البداية، كان الأنتي-سكل جبهة موحدة، لكن الآن تتجه أعينهم نحو رفاقهم.
لم يكن أي من هذا يزعج الشايب الذي يعبث بقفازيه.
「لَيۡدُبارد-كن」
『نعم يا سينسي』
「اقضي عليهم جميعًا. لا خيار آخر معنا」
هيي!! هاا؟! ومن بعد ذلك استمرت الصرخات قليلا من الوقت.
وإنّ الشايب الذي عُرِف فقط بـ"سينسي" مشى أعمق داخل المبنى بخطوات هادئة وكأنه يسير في طريق اعتاده. كانت عاصفة من الأحمر والأسود والبرتقالي تشتعل حوله. وكان أفراد الأنتي-سكل يرمون نيران مسدساتهم ومدافعهم الرشاشة محاولين إيقافه، لكن ولا أي رصاصة أصبت هدفها. إصابته كانت مستحيلة في عالم تُسيطر فيه لَيۡدِبارد على كل الرصاصات الطائرة بقوة غاشمة فتُعيدها إلى حيث جاءت. كأنك تقاتل شبحيةً (طائرة حربية) بمنطاد.
معداتهم المتطورة المقاومة للرصاص والانفجارات كانت سقيمة.
لم يستطيعوا كسر تلك الشفرة السميكة، لا بالرصاص ولا حتى بالأسلحة الثقيلة بحجم المدفعية.
「هذه مصنوعة من عنصر سَـيۡـنـتـيوم. قوة الرابطة المعدنية لهذا العنصر أكبر بستة وخمسين مرة من اليورانيوم المنضب، لذا تقدر وبسهولة أن توقف قذائف خارقة لدروع السفن الحربية. وطبعا، وحدها لَيۡدبارد-كن قادرة على حمله. أما معداتكم، فأنا ممتن أنّ مركبتكم لنقل السجناء كانت تتمتع بقوة حصانية كافية」 بدا الرجل الشايب وكأنه يجري محادثة عادية. 「لن تجدونه مذكوراً في أي من كتب الكيمياء لأنه عنصر صناعي ليس موجودًا في الطبيعة. فقط ذرة منه كبيرة بما يكفي لتُرى قد تكلفكم أكثر من أي سيارة على الطرقات هنا. وما كان سهلاً تشغيل المسرّع بكامل طاقته لنحصل على هذا القدر. وكنتُ لأواجه مصيبة لو لم يمنحني النتائج التي أردتها」
لابد أن الأنتي-سكل رفعوا مستوى استجابتهم حيث أنهم ألقوا قنبلة يدوية من وراء إحدى الزوايا.
رصدت لَيۡدبارد القنبلة الطائرة بدقة فضربتها أفقياً بالمنجل وأعادتها ككرة القاعدة فانفجرت القنبلة وشظاياها مزقت الضابط.
لكنها سمعت صوتًا قويًا عند قدميها.
قد ألقى الضابط قنبلتين ليضمن.
「......،」
أمالت رأسها، ومعها شعرها الأحمر، لكنها لم تتردد.
انبطحت على القنبلة لتكبح الانفجار بجسدها.
دففءء!! دوى صوت مكتوم، لكن هذا كل شيء.
وقفت الفتاة ببطء بجانب الشايب وكأن شيئًا لم يحدث. لم تكن هناك أي بقع دماء. كانت بدلة السباق التي ترتديها وبشرتها الناعمة سليمتين تمامًا. وإن مجرد معدات مقاومة للانفجارات لن تكفي أن تفسر ذلك.
「ء-آلة؟」 تمتم الضابط الذي أصيب بجروح بالغة جراء القنبلة الأولى بينما كان مستلقيًا على الأرض. 「أهذه من أولئك السايبورغ الذين سمعنا عنهم؟」
「ذلك مصطلحٌ يَسۡبُقُني بجيلين على الأقل. حَدّث أفكارك يا رجل إذا أردت الحديث كمثل الكيهارا」
كانت حدقتا لَيۡدبارد تتوسعان وتنقبضان ميكانيكيًا بينما تسير حافية القدمين من المدخل إلى أحد الممرات. تأكدت من إنهاء حياة ضابط الأنتي-سكل الذي مَدَّ يده المرتعشة نحو مسدسه.
سحبت إحدى الزجاجات من حزام فخذها وشربت قليلا من محتواها ثم سكبت باقيه على رأسها كأن شربه لم يكفيها. وإنّ السائل السميك الشفاف كان يتساقط على شعرها وبشرتها فأضفى لمعانًا فريدًا على زيها. ذلك السائل كان موصلاً فائقًا في درجة حرارة الغرفة يسمح لها بتفريغ الطاقة الزائدة بأمان، كما أنه زيت ميكانيكي يقلل من تآكل مفاصلها من كثرة الاحتكاك. قد تراه بسيطًا، لكن مع مفاعل نووي مصغر مصمم للفضاء الخارجي، فإن بناء مسبار فضائي مأهول لأمرٌ ممكن.
ومع ذلك، بدا أن الشايب أكثر قلقًا مما رآه.
「لَيۡدبارد-كن، ألا تحترمين الناس وتظهري بمظهر لبق؟」
『اشرح لي لماذا زودتني بأجزاء تزعجك كلما بيّنت تحت ملابسي』
وضع الشايب يده على جبينه بينما تصلح الفتاة وضع زيها للسباق بإصبعها كخطاف دون أدنى تردد. ما كان لديهما أي عمل مع المصاعد أو السلالم الطارئة. ولو كان هدفهما الوحيد القضاء على الموجودين، لهدما المبنى من الخارج ببساطة. وأمكن لمواصفات لَيۡدُبارد أن تُجارِيَ سُرعة الرصاص بشفرة ذراعها اليسرى التي تفوق قوتها اليورانيوم المنضب 56 ضِعفا، ولذا نستغرب لمَ أزعجت نفسها دخول المبنى.
فلا بد أن هدفهما أعمق من الدمار البسيط. وفي تلك اللحظة، رنّ هاتف الشايب القديم. كبس الزر الصغير بإصبع قفاز هندسي سميك. هذا الطراز كان يحميه من الإصابات والبرد، وكذلك يتيح له حركات خفيفة دقيقة. بدا وصفها بسيط، ولكنّ حتى القناصين المحترفين استصعبوا إيجاد قفاز يناسبهم.
『فعلتها الآن، كيهارا-كن،』 قال صوت من الهاتف.
「ياه؟ نفس الكلام أعيده إليك. خيانتك السخيفة هنا قد أسقطت ثلاثة من الكيهارا」
『بل هذه كلها من تدبير رئيس المجلس الجديد. ونَحۡنُ المدراء الاثنا عشر لم نوافق على ذلك』
「يا للغطرسة. وتحسبني أصدق؟ حياتي على المحك هنا. ولا داعي أن نخفي أمر سقوط نيوكا نوريتو. لن يغير شيئًا هنا، ولكن إخفاءه يُصّعب ثقتنا بكم أيها المجلس الإدارة」
ركلت الفتاة المعدنية بابًا معدنيًا عميقًا داخل المبنى، وأرشدت الشايب نحو السلالم المؤدية إلى غرفة ذات إضاءة خافتة وجدران خرسانية مكشوفة. إضافةً إلى المرجل والأنابيب، كان هناك صندوق معدني أكبر من ثلاجة؛ وهو صندوق التحكم في الاتصالات بالألياف الضوئية.
『هل تريد أن تُصنف [ضارًا]؟』
「قد صار لقبنا وانتهى. ولا أحسب أن التصنيفات التي اخترعها من يعيش في النور تسوى لنا الكثير حقًا......」
『أتظن نفسك تنجو فقط لأنك [كيهارا]؟』
「إذا ما عندك خطة، فاصمت الآن وأرحنا. تهديداتك تفقد هيبتها مع الوقت. فهل عندك الآن أي سؤال سخيف آخر؟」
『أتظنها جنةً تنتظرك خارج المدينة؟ ما غير هذه المدينة يقدر أمثالك على العيش فيها. مهما كان عيشكم هناك وشكله』
「لا أدري عن ذلك. وفي الحقيقة، وإنّي لأجدها غريبةً أن ينحصر آل كيهارا في مدينةٍ واحدة صغيرة. رئيس المجلس أليستر قد غادر المدينة. وبدون [متحكم النموذج] لتعزيز وجودنا هنا، ألن ينتشر أفراد الكيهارا طبيعيًا في كل بقاع الأرض؟」
سحب الشايب قرصًا مرنًا أكبر من جهاز لوحي من حقيبته. أدخله في قارئ خاص، ثم استخدم جهازًا كبيرًا لتوصيله بكابل الألياف الضوئية.
نظرت لَيۡدِبارد بلا تعبير وأمالت رأسها.
『سينسي، أما عندك طريقة أكفء لتفعل ذلك؟』
「لمّا تيسر العالم وسَهُلَت عيشته، نسِيَ الناس قيمة البايت الواحد. وللمرء أن يفعل أي شيء بمجرّد ميغا واحدة. ما إن تنسى هذا الشعور، يموت إبداعك」
『كما تقول. عن نفسي لا أفهمك』
「إيه، إيه. لعله استيعابه صعبٌ لمن صُنِعَت من تسلسلات آحاد وأصفار. افهمي أنَّ القيود تُلهم الدماغ البشري. المساحة التخزينية غير المحدودة هي كمثل الإدمان على المخدرات」
وفي الواقع، ملأ الغرفة صوت طحنٍ حاد مع حدوث تغيرٍ رهيب. اختُرقت شبكة محطة الأنتي-سكل الرئيسية عبر صندوق التحكم في الاتصالات وامتدت الآثار السلبية إلى جميع المناطق الثلاث والعشرين.
كان الاختراق من الخارج صعبًا، لكنها أسهل بكثير من الداخل.
ابتسم الشايب وهو يسكب مسحوقًا ناعمًا في الجهاز الكبير.
「 [عتاد طفيلي] 」
تشكّل كابوسٌ آخر.
「هذه الأجهزة النانوية تتصل مباشرة بالإشارات المارة عبر كابلات الألياف الضوئية لتتحرك. وحتى الضوء له قوة تقدر على دفع الأجسام، لذا يمكنه فِعلاً حمل أجهزة متناهية الصغر حجمًا. وبرامج مكافحة الفيروسات التي تبحث عن برامج أخرى ضارة لا يمكنها اكتشاف هذا العتاد، لذا تمر الأجهزة النانوية بسلاسة」
『إذا كنت تبحث عن مصطلحٍ عام للبرامج التي تزيل البرامج الضارة وتنشئ جدران الحماية وتكشف الأنشطة المشبوهة وتدير حركة البيانات وتدافع ضد الهجمات الإلكترونية؛ فإن ما تبحث عنه هو برامج الأمان』
「آخٍ آخٍ منكِ. لم نكن نكترث لهذه التمييزات الصغيرة عندما ساعدتُ في بناء أساس الإنترنت في صغري. وما زلت شابًا، لذا لم يكن ذلك منذ زمنٍ بعيد」
『رصدتُ خطأً غير معروف』
「ليدُبارد-كن، أحاول أتنازل معك هنا، لذا لا داعي أن تميلي رأسك هكذا كل مرة أقول فيها شيئًا؟ لا تنتظري مني تصحيحًا لأنني لم أخطئ عند وصفي لنفسي بالشباب. هيه، مهلا مهلا، ليس بهذا القرب، لَيدِبارد-كن」
على أي حال، يبدو أن الشبكة الإدارية صارت في حالة من الفوضى كبيرة الآن.
تعطلت اتصالات الأنتي-سكل ومشاركات البيانات والوصول إلى الكاميرات والمستشعرات حول كامل المدينة.
(ليس أن مزحةٍ صغيرة كهذه كافية لتجاوز الجدار.)
كان من غير المحتمل أن تكون هجمة واحدة كافية لتعطيل كل الخدمات عبر الإنترنت، لكن لتحديد خلاف ذلك، سيتطلب الأمر فحص جميع الأجهزة بمجهر إلكتروني، ولن يكفي مجرد بحث تلقائي باستخدام برنامج. وإنَّ قطرةً واحدة من السم قد تجبر مسؤولي سلامة المياه على تنظيف كل شيء حتى قاع السد. كان هذا نقيضًا تمامًا لفكرة قرص مرن بسعة ميغابايت واحدة. كمية البيانات كانت هائلة لدرجة أن فحصها بالكامل كان صعبًا للغاية.
اشترى الشايب لنفسه الوقت الذي يحتاجه للتفكير في خطوته التالية.
بعد أن غادر القبو، استمر حديث صوت الهاتف: 『يبدو أن تعزيزاتنا لم تصل في الوقت المحدد』
「استسلم وكفى」
『ستموت هنا، لذا استمتع بهديتنا هذه، أيها [الضار]』
انتهت المكالمة. أخرج الشايب النحيف المريض لسانه وأعاد الهاتف إلى جيب معطفه المختبري.
『سينسي』 نادته الفتاة بزي سباق السباحة البرتقالي والأسود.
تقطعت الجدران والسقف في نفس اللحظة.
اقتحمت عدة ظلال مغطاة بدروع سوداء المبنى. كان تجهيزهم مختلفًا عن الضباط السابقين. إذا أطلق إنسان عادي تلك البنادق العملاقة، فإن ارتدادها قد يكسر عمود الإنسان، ورغم ثقلها إلا أن هذه الأشكال كانت تحملها بسهولة.
لم يقولوا شيئًا، لكن النصوص على أذرعهم اليمنى أشارت إلى اختلافهم وتميزهم: أشاوس الأنتي-سكل.
وهم نخبة الأنتي-سكل تدربوا حتى ينسخوا حركات الأعداء—أيۡ، أشرس مجرمي الجانب المظلم. نشأت فرقة نخبة النخبة هذه بتدريب ضباط الأنتي-سكل المختارين خاصة إلى أقصى حدودهم ثم بتزويدهم معدات تخفى عن العامة. ولقد تم تشكيلهم ليقفوا على الحدود بين العدالة والجانب المظلم.
هم الورقة الرابحة لمجلس الإدارة.
والشايب المعروف باسم كيهارا ابتلع ريقه على وصولهم.
「غير معقول」
كانت النظرة على وجهه تعبر عن دهشة حقيقية.
「تشوقت لأرى أيَّ سلاح سري تستخدمونه ضدي فإذۡ تفاجئونني بمعداتٍ أنا صممتها؟ والأسوأ، تلك النسخة مباعة للأنتي-سكل العاديين وهي أقدم بجيلين على الأقل」
اجتاحت ضجة صفوف وحدة الأشاوس.
العِداء ونية القتل التي تهدف إلى إخضاع الشايب لم تكن سوى موجة صغيرة في نظره.
في الواقع، أُجبر عددٌ من الأشاوس كثير أن يرجعوا من صوت صريرٍ وتصدع. وكأن جدارًا سميك يسحقهم ويبعدهم.
بدت المساحة نفسها وكأنها تصرخ بينما كانت تلك الدروع الثقيلة والتكنولوجيا المتقدمة تتراجع متعثرة.
『م، ما هذا؟』 كسر أشوس أنتي-سكل صمته حينما كان الوضع يخرج عن سيطرتهم. 『هل لتلك الخردة تحريكٌ ذهني!؟』
「ليدِبارد-كن」
تجاهل الشايب كل شيء.
تحدث كيهارا إلى الفتاة التي كانت تعبث بحزام كتف لبسها سباق السباحة لأن المادة الزلقة أزعجها.
「أمهِلُكِ دقيقتان. عَلّميهم قيمة البايت الواحد」
توقف تساقط الثلج منذ قليل.
وظهر صوتٌ لزج بدا وكأنه يلوث الهواء البارد المتجمد. بقيت طبقة من الثلج تشبه الشربات على الطريق الرئيسي في المنطقة 17 — حيث تعمل العديد من المصانع غير المأهولة.
كان أحد الأنتي-سكل —مرتديًا خوذة مقاومةً للرصاص والانفجارات تغطي كامل وجهه— ينهش خوذته السميكة بكلتا يديه، لكنه كان في حالة من الذعر تمنعه من أداء المهمة البسيطة المتمثلة في نزعها.
انحنى للأمام، وانهار على الطريق المبتل بالثلج، وتشنج.
وكأنه يغرق داخل خوذته.
「يا جماعة، تحققوا من أختام خوذاتكم!!」
「لا أرى أي تحذيرات من غازات أو بكتيريا」
「لا نراه، لكن يبدو أن ذاك [الضار] يستخدم نوعًا ما من التكنولوجيا. لو استطعنا حماية أنفسنا—غاه!؟」
بعد شعوره بإحساس غريب من يده المهيمنة إلى كتفه، انهار ضابط آخر على الطريق.
『لا فائدة』
وامرأة تقف قريب. لها شكل ظل أزرق فاتح ذات شعر قرنين طويلين شقراوين. كانت ذو فستان ضيق يبرز قوامها، وقطعة قماش رقيقة ملقاة فضفاضة فوقها، فأبدتها تشبه تنورة أميرة من قصص الخيال، كزهرة متدلية. وعموما، بدت كدمية غربية، ولكن قوامها المنحني تعارض مع هذا الوصف.
عُرفت باسم فِلِرساند #G، ولكنَّ أحدًا هنا لم يألف هذا الرمز التطويري.
『اهربوا عن المكان، ولا سبب لي أن أضركم』
كانت وحدها تمامًا، لكن الساحة كانت مشتعلةً لأكثر من ساعة. وهي تقف في وسط طريق ذو ستة مسارات دون أي غطاء يحميها من الرصاص.
『ما أفعله ليس السؤال. وما عليكم تجنبه للنجاة ليس السؤال』
وكأنها حزينة بدت.
تحدثت فِلِرساند #G بهدوء وهي تتعرض لإطلاق النار.
『من اللحظة التي ترونني فيها، حياتكم في يدي』
「تصويبي...」رصَّ أحد الأنتي-سكل أسنانه داخل خوذته. 「تصويبي تشتت! لا أستطيع التصويب عليها!!」
ما كان هدفهم يتحرك. بقيت فِلِرساند #G ثابتة جامدة. ومع ذلك، لم يستطيعوا إصابتها. فعندما يُصوّبون، ترتعش أذرعهم. وحتى لمّا حاولوا تثبيت أسلحتهم بالقوة على غطاء السيارة الخاصة التي تغطوا وراءها كدرع، لم تتوقف رعشتهم.
قَقَع! مع هديرٍ مكتوم، شقت شقوق سميكة طريقها عبر الإسفلت.
انفصل سلاحٌ غير مأهول عن مروحية نقل تمر عبر السماء فهبط على الأرض. كان الجهاز رباعي الأرجل أكبر من شاحنة متوسطة. وكان يُعرف باسم الثور الخطر.
لم تكن الغازات أو البكتيريا تسوى شيئًا لذلك السلاح غير المأهول.
أو هكذا ظنَّ الجميع.
لكن...
「غياااهه!؟」
صرخ أحد الأنتي-سكل، بينما اهتزت المنطقة جراء انفجار مدوٍّ. فتحت جوانب الثور فخرجت صواريخ وقذائف كأسلحة مروحية هجومية، لكن لم يُطلق أي منها. بشكل غير مبرر، تجاوز السلاح غير المأهول المرأة الثابتة فداس على أفراد الأنتي-سكل الذين حاولوا التفرق.
انفجرت بقع حمراء، وانزلقت السيارة التي أخذوها درعًا إلى الجانب، وخرجت تأوّهات لا تنتهي من الضباط الذين لم يُقتلوا على الفور.
「توقف! توقف!!」
「ألا...ألا يرانا؟ ماذا حدث لنظام التعرف على الوجه!؟」
رفرف الرداء الأزرق الرقيق لفِلِرساند #G وهي تتحدث بهدوء.
『لا جدوى』
دوى صوت انفجار جاف. ربما كان ذلك مجرد مصادفة، ولكن عندما زحف أحد ضباط الأنتي-سكل على الطريق المبتل بالثلج وأمسك بسلاح رشاش بيدٍ ترتجف ورمى النار، طارت الرصاصة مباشرة نحو جبهة المرأة الشبيهة بالدمية.
ضربت الرصاصة بالضبط والتمام.
فابتسم الرجل في خوذته، لكن سرعان ما ضربه اليأس.
لأنَّ جبهة فِلِرساند #G سليمة تمامًا. لم تسل منها قطرة دم. ولكن ليس لأن جسدها كان قوياً سخيفاً عبثي أو لأن حاجزًا أمامها صدَّ الرصاصة.
نعم، دخلت الرصاصة جبهتها.
ومرت مباشرة عبرها.
رأى الضابط شررًا يتطاير من جدار المصنع خلف المرأة ذات شكل يشبه أميرة من قصص الخيال. ما أراد أن يرى، لكنه كان مثل سمّ يأكل أعصابه فعليا.
ثم لاحظ شيئًا.
أظهر جهازه اللوحي اللقطات القادمة من [الثور الخطر]، الذي سحق زملاءه، لكن كان هناك شيء خاطئ. لم يعمل تركيز الكاميرة التلقائي، وكانت اللقطة مليئة بالآثار المتوهجة المعروفة باسم الأجرام.
كانت المرأة تقف مباشرة أمامه، لكن مؤشر التعرف على الوجه كان يومض في نقطة مختلفة تمامًا.
وإنَّ وجهَ ويدَيَّ أحد زملائه الساقطين قد مُسحت بشكل غريب من اللقطات.
ما ملك شجاعة لينظر إلى ما ستظهره العدسة.
「مُـ...ـحال」
لم يكن ممكنًا.
أراد أن يرفض هذا الاحتمال فلا ينبغي له حتى أن تخطر بباله وهو في مدينة تعتمد على العلم.
「لا، مستحيل. لا بد أنه مجرد مجسم ثلاثي أو سراب」
『كلا』
「إذن، فموجات فوق صوتية خارج نطاق السمع تُرهق أدمغتنا حتى تتعطل!!」
『لا』
「رموز على الجدران تعبث برؤيتنا للفضاء ثلاثي الأبعاد!!」
『مَه』[1]
هز ضابط الأنتي-سكل رأسه داخل خوذته مُحتجّاً.
ولقد دحضت منه كل نهج علمي قد يفكر فيه.
وما بقي له إلا أن يقبل الحقيقة.
「شَبَـ—」
『أترك الأمر كما هو أفضل لك،』 همست المرأة شبيهة الدمية، والتي كانت تنورتها الطويلة المزدوجة تخفي ساقيها عن الأنظار. 『الهرب دائمًا خيار. تخلى عن دخول هذا المكان، وسأعفيك وحياتك』
كانت مجهولة. ولكن هذه المدينة الأكاديمية حيث ازدهرت عبادة العلم، فبدلاً من إغلاق الأمر وتركه، اختار السكان هنا عفويًا تحدي المجهول.
「أي」
بدت المرأة وكأنها تتنهد بهدوء عندما رفع الرجل مسدسه.
「أيتها اللعينة الضاراااااااة!!」
『هلا وغلا، أنا فِلِرساند-تشانش』
توقفت يدا الرجل غير طبيعي وهو يحمل السلاح. وحددت الأغنية العجيبة والفاقدة للحياة مصيره.
『....محطتنا التالية: اللحم المفروم. أكرر: اللحم المفروم』
تبع ذلك صوت مزعج.
لم تحرك المرأة إصبعًا، لكن الظل البشري داخل المعدات المضادة للرصاص انهار.
ببطء.
『إنما كنتُ أكسب وقتا حتى يهرب الأطفال بعيدًا، ولكن الأنتي-سكيل لن يصمدوا بهذا المعدل』
لم يستطع الضابط حتى الصراخ وهو يغرق في دمه. فتابعت فِلِرساند #G المشهد وهي تُكلم نفسها، وتسريحة شعرها الذيلين الطويلين يرفرفان بحركة تبدو غير متصلة تمامًا بالرياح.
『هل أنت بأمان يا دُرِنشر كيهارا رِبَتُري؟』
لا يمكن لشبح أن يمسك المادة، لذا لم تستطع حتى ارتداء جهاز اتصال على أذنها.
لذلك، كانت هذه الكلمات عبثية سقيمة.
لكنها ذَكَرَت اسم عائلة مُعَيّنة من الباحثين. وأي أحدٍ ذو صلة ولو شحيحة بأبحاث الجانب المظلم كان ليتعرف على ذلك الاسم جيدًا.
「ههئ، ههئ」
كانت المنطقة 8 مكانًا كئيبًا مع إضاءة ضئيلة حتى في عيد الميلاد. وبنت مدرسة ذات شعر فضي طويل وغير مرتب وترتدي زي الهاكاما كانت تهرب مطاردة عبر زقاق ضيق تصطف على جانبيه متاجر الكتب المستعملة. كان الممر ضيقًا كفاية، ولكن أكوام الثلج زادت من ضيقه. ضغطت ظهرها على الحائط القذر وانزلقت إلى الأرض جالسة، حيث غطت رأسها بكلتا يديها دون أن تهتم ببلل الأرض بالثلج.
بدت وكأنها ستتبول على نفسها إذا تُركت على هذا الحال طويلا.
「ل-لم أفعل أي شيء، أرجوكم ساعدوني! لا تقتلوني!! ههئ، ههئ. لماذا دائما ما تحدث لي كل الأمور السيئة!؟」
وإنّ اثنين من الأنتي-سكيل مُدرعَين قد أحاطا بها، لكن حتى هما بديا متفاجئين بهذا المشهد.
「مهلا، أهِيَ منهم؟」
「هي في [الأوترنك]. فيفانا أونيغوما، باحثة في الجانب المظلم」
「هذا ليس ما أعنيه. هل هي [نافعة] لطيفة أم [ضارة] قاسية؟」
ضوء بسيط من كشاف اليد جعل الفتاة التي ترتدي الهاكاما تقفز وكأنها تعرضت لهجوم شعاع ليزر. وبعدها، الفتاة —التي تصلبت غُرتها الفضية إلى قرني استشعار زخرفيين، بدت مشوشة، كمن ظنّ أن ماءً مغليا أصابه ليكتشف أنه بدرجة حرارة الغرفة.
تنهد أحد الضباط داخل خوذته.
「ماذا فعلتِ؟」
「لء-لا شيء! الأمر كله سوء تفاهم!」
ردت فيفانا بصدقٍ وهي تشهق. وعند النظر عن قرب، كان نمط الهاكاما في لبسها يتألف من شخصيات تميمة (جالبة حظ)، ولكن إذا كان هذا الزي طلبًا خاصًا، فلا بد أنه مكلف. قد يكون شيئًا شبيهًا بجيتار مطلي بالورنيش الأحمر.
「لا أعرف شيئًا عن حكاية النافع أو الضار، ولكن في الجانب المظلم أنواع من الناس. وصدفةً كان مجال بحثي—هاهاها—مرفوضًا من الناس تقريبا في المجال التعليمي، ولم أدرك حتى وجدت نفسي سقطت إلى هذا المستوى. لكنني حقًا لم أؤذي أحدًا أو أضر، أقسم」
كان الأنتي-سكل عديمي رحمة تجاه المجرمين الذين يقاومون حتى النهاية، ولكن ما عساهم فعل أي شيء لمن سقط على الأرض واعترف بكل شيء. تبادل الاثنان نظرة وسط الأجواء الغريبة التي وجدا نفسيهما فيها.
ومتاعان كبيران كانا بالقرب من الفتاة: حقيبة سوداء وأخرى وردية. ولكن بدل أن تكونا حقيبتي سفر أو رياضية، كانتا أغلفة قماشية كبيرة محشوة بالأشياء.
رفع أحد الضابطين الغلاف الوردي بلا مبالاة.
「لنناقش هذا أكثر في سيارتنا. هذه أغراضك؟」
「آه」
「إنها ثقيلة. ...لحظة، إنها مليئة بكتب يابانية قديمة. هل هذه—؟」
「غـ-غااااه!!」
انتزعت الكتاب السميك منه بسرعة قبل أن يفتحه.
صاح الضابط الآخر بغضب.
「هَي!!」
「توقف يا أحمق! كفى! لا تسحب سلاحك!!」
بدأ الضابطان يتجادلان. وبقيت فيفانا بلا حراك تمامًا مع الكتاب الياباني القديم بين ذراعيها. حتى أنها أعادت جلوسها على الأرض المبتلة.
كانت متوترة للغاية بحيث لا تستطيع النهوض، ولكن الأمور كانت تأخذ منعطفًا غريبًا.
「اكتفيت منك! الجانب المظلم هو شر. وهي ضارة، لذا علينا التصرف!!」
「هل جننت؟ واضحٌ أنها نافعة. لم تقاوم حتى!!」
「لن تدري أبدًا أين يُخبئ الضار سلاحه القاتل」
「بل هي نافعة، ولا تخفي شيئًا!」
「ابتعد عني!!」
「لمَ؟!」
طاطَطَخ!! فصدرت عدة طلقات نارية جافة.
「أه」
لبعض الوقت، ظلت الفتاة ذات الشعر الفضي أم الهاكاما تضغط على عينيها بإحكام وتغطي رأسها كما لو كانت تمسك بقرنيها. لكن...
「......هاه؟」
عندما فتحت عينيها بتردد، كان الأمر منتهياً.
يبدو أن الضابطين ضغطا على الزناد عن طريق الخطأ أثناء تشاجرهما على المسدس، حي كانا الآن على الأرض والثقوب الداكنة الحمراء في جسديهما. وبغرابة، لاحظت فيفانا فرقا واضحا بين الميت والحي. بدت أجسادهما وكأنها منفصلة عن محيطها، كما لو أن الألوان قد تلاشت من الخلفية في تلك النقطة فقط.
عندما لاحظت البقعة الحمراء تنتشر نحو أمتعتها، سارعت إلى التقاطها. وذلك فكك من الأغلفة القماشية، وكادت محتوياتها من كتب الشونغا النادرة والحبال والشموع وسيف الخيزران ذو الطرف المكسور وإبر التاتامي والبخور وعجلة ماء قابلة للطي وحصان خشبي أن يسقطوا، لكنها أعادت كل شيء داخل الأغطية بسرعة.
(أغغ.)
عندما انزلق الهاكاما من على كتفها، ظهر شريط أحمر رخيص من الداخل. كان مادة ربط مألوفة أكثر من الحبال أو الجلد، حيث يمكن استخدام تقنيات التثبيت المطورة للطب الرياضي بطرق أكثر "فحشاً".
(لماذا يجد الجميع هذا المجال من البحث غريبًا جدًا؟ تقريبًا كل الدول تمنعك من البحث في طرق التعذيب وتاريخ أساليب الإعدام. ربما هم فقط لا يريدون أن أطأ باب حالات قديمة من التهم الباطلة. كل ما أردته هو إجراء أبحاث عادية وبريئة، ولم ألبث حتى وجدت نفسي محشورة في الجانب المظلم بسببها.)
كانت فيفانا أونيغوما تنفخ وجنتيها بحزن كطفلة وهي تمسك أحد كتبها المفضلة بكلتا يديها.
「هذا ليس فاحشًا」
「لأي مدى ضعتِ؟」
「هيييه؟ أنت من ضاع يا أخي!」
كانت أصوات الأطفال مسموعة في شوارع عيد الميلاد. خرجت الأخت الصغيرة من الأزقة المتشابكة وهي تحتضن كلبًا كبيرًا لعله كان يزن أكثر منها.
「الكلّوبي الزيّون أراني الطريق العودة!!」
كان المسترد الذهبي يرتدي حقيبة ظهر صغيرة وينظر بهدوء إلى السماء الباردة.
ولقد توقف الثلج في وقت سابق.
أراد أن يدخن، لكنه قرر أن ينتظر ذهاب الأطفال.
(إذن بعد أن استفادوا من أعمالنا سنين، قرر المجلس أخيرًا التخلي عنا ليحفظوا ماء الوجه. حتى هذه الاضطرابات لم تستطع زعزعة أولئك في القمة. هذا خيار معقول من جانبهم.)
كانت أيدٍ صغيرة تمسح عليه ببؤس بينما يفكر بلغة البشر.
(ولكني أعلم الطريقة الوحيدة التي يمكن للجانب المظلم فيها أن يحقق أي فرصة للنصر.)
『سيظل الثلج حتى الصباح، لذا اصبروا حتى ذلك الحين لتصنعوا رجال الثلج وتلعبوا بكراتها. أما الآن عودوا إلى بيوتكم يا أطفال』
「تكلم!؟」
「يمّه تكلم!؟」
حدق الأشقياء الصغار بأعين واسعة في الكلب المتكلم.
اسمه كيهارا نوكان.
كان غير اعتيادي حتى في آل كيهارا، ووجوده نفسه كان شبه أسطورة حية. كان باحثًا يحب المنطق والرومانسية على حد سواء. ما كان بطلاً. إذا دخل أحدٌ ما إلى الظلام ليستفيد ويربح، فإنه سيُحَوّله إلى حقل تجارب مهما كانت هويته. لكنه لن يتدخل في حياة عائلة تعيش بسلام.
هل كان نافعًا لطيفًا؟ هراء.
كان كيهارا. هو يفهم أن رسم خطوط فاصلة لامنطقية كهذه هي طريقة يفكر بها الأشرار.
『لا تنسوا أن ترجعوا إلى بيوتكم قبلما تبتلع الظلمة القمر』
- الجزء 2
صدر صوت نقرة في زاوية من المدينة بدأت تغرق في الظلام.
جاءت من خزانة عملات قديمة بجانب فندق كبسولة. في مثل هذه المنطقة المتدهورة، لم تكن تلك الخزانات تخلو من الشائعات المعقولة حول العثور على أطفال رضع أو ألواح روحية بداخلها.
「حسنًا....」
أخرج هامازورا كيسًا صغيرًا من الورق به دواء.
تعمّد أن يُلقى القبض عليه ليدخل محطة الأنتي-سۡكِل، لكنه ما كان ليسمح لهم أن يصادروا كل ممتلكاته. كان حريصًا خاصة على حماية دواء تاكيتسوبو.
(ولكن هذا مذهل. لقد تركتُه مع طائرة أنيري المسيرة (درون) وها هنا وجدته داخل الخزانة. مع أنها كانت مغلقة.)
『تعال استمتع بالكاريوكي مع أصحابك في الكريسماس!! لدى [استوديو متعة الغناء] مجموعة تضم أكثر من 700,000 أغنية كريسماس. إضافةً إلى قائمة طعام شاملة. اتركوا الدجاج هذا العام وكُلُوا عندنا ديكًا روميًا حقيقي! عندنا يُطهى الطائر كاملاً في الفرن أعددناه من ساعات، ولذا إذا أردتم طعامًا لذيذًا منظره رائع على منصات التواصل، فحياكم إلى [استوديو متعة الغناء]!!』
كانت لوحة الإعلانات الرقمية على سطح فندق الكبسولة لا تتوقف، لكن ما عساه يشزر عليها ويسب. فحتى هذا الإعلان البسيط كان مجهزًا بكاميرة للتعرف على الوجوه لتقييم مدى استقبال الناس للإعلان.
بدت المدينة هادئة حتى مع غروب الشمس.
لا بد أن هناك شهودًا على "الحوادث"، لكن معظم الناس اعتبروها مجرد لمحة من الإثارة تضفي لونًا على حياتهم اليومية. نعم، كانت مصائب الآخرين مجرد شيء تُصوّره وتحصد عليه إعجابات ومشاهدات في مواقع التواصل.
طنَّ طنين غريب من جيبه.
عبس وسحب الهاتف ليجد أن شاشته أضاءت.
كان هاتفه يعمل رغم أنه أطفأه سابقًا.
「أنيري؟」
كانت الذكاء الاصطناعي أنيري قد حثّته على إيقاف تشغيل هاتفه حتى لا يتعقبه الأنتي-سكل أو الجدجمنت، لذا فعل الشيء نفسه مع الهاتف الثاني المستعار. ولكن إذا كانت أنيري من شغلته، فهذا يعني أنها وجدت وسيلة لمنع ذلك؟
لابد أنها اخترقت، أو استخدمت برنامجا مضادا للتتبع، أو شيئًا آخر لا يفهمه.
「هذا حسن」
لم يحدث شيء كبير، لكنه شعر بفارقة. رؤيته الضوء على شاشة بحجم ست بوصات أشعرت وكأنه يرى الأنوار في نافذة كابينة جبلية وهو تائهٌ في جبل ثلجي ليلاً.
وبالطبع، ما كانت عنده من طريقة ليعرف الحقيقة.
قررت أنيري أن خطر التتبع قد تضاءل لأن أناسًا أقوياء من الجانب المظلم كانوا يهاجمون محطات الأنتي-سكل، والشبكة التي كانت لتتبعه تعطلت بسبب برنامج مدمر أو أجهزة نانوية.
「سنكون بخير الآن مع أنيري. يا أنيري، هناك الكثير مما أريدك أن تبحثي فيه! أعتمد عليك!!」
「تراكَ تُقلقني يا هامازورا」
شكلت تاكيتسوبو ريكو بفمها مثلثًا صغيرًا وهي تنظر إليه بغضب.
على أي حال، كان قد حصل على الهاتف الآخر من ذلك الرجل الذي كان يعمل [صوتًا للهاتف]، لكنه لم يستطع فكّ قفل الشاشة. كما أنه لم يعرف كيف يصل إلى أي بيانات أو تطبيقات لم تعرض رموزا مربعة.
ولكن أنيري حلّت كل شيء في ثلاث ثوانٍ.
كان [صوت الهاتف] يمتلك جواز سفر مزيفًا أكثر تطورًا من الجواز العادي، لذا لابد أنه وجد عنوان مُزَوِّرٍ ماهرٍ صَنَعَ ذلك الجواز مقابل أجر.
واتضح أن المُزوّر عُرِفَ باسم بيرفكت فيلم.
وقد تحتوي جوازات السفر على وسائل مضادة للتزوير أكثر تعقيدًا من الأوراق النقدية. كان من الأفضل عمومًا ألا تثق بشخص يدّعي أنه يمكنه تزوير جواز سفر، ولكن إذا استعان [صوت الهاتف] بواحدٍ من أولئك، فلا بد أن جودة عمله مضمونة.
قد يرى البعض أن جواز السفر غير ضروري للخطوط الجوية المحلية. وهذا صحيح، إلا أن ما هو مطلوب والعوائق الموضوعة قد تختلف من حالةٍ وأخرى. وحقيقةً، كان أسهل أن تتوقع العوائق في الخطوط الجوية الدولية التي تتطلب دائمًا جواز سفر.
「هل مالُنا يكفي؟」 متأففاً هامازورا.
كان الكيس الصغير المعلق على كتف [صوت الهاتف] يحتوي على أموال محشوة عشوائيا ومربوطة بأشرطة مطاطية. وأي نشاط يجب أن تبقى سرًا تطلّب مبلغًا وافراً من المال. لم يعرف ما كانت أسعار سوق تزوير الجوازات، لكن الأمر كان أشبه بسوق السلع المستعملة. وحدهم المعاتيه من يدفعون السعر المعروض دون مكاسرة. [2]
نظر إلى اللمعان الذهبي في يده. فوجد أنَّ البريق غطى كامل الحافة الخارجية لعملة نيقولا وليس فيها أي جزء مظلل. كان الشريط البياني على شكل الكعكة الدائرية مشحونًا بالكامل. وبدا شكل هذه العملة من الذهب الخالص، لكنه فكّر أن بيعها مَحَلَّ النقود كانت فكرة غبية.
(بالمناسبة، لن أقدر على تفسير ماهية هذه العملة لأي أحد.)
خوفته.
كانت تخيفه، ومع ذلك لم يكن مستعدًا أن يتركها.
مشاكله لم تقتصر على المال فقط. عادةً كان ليتصل بالمزور عبر الإنترنت أولاً، لكن الوضع كان ملحًا للغاية. التواصل معه مسبقًا قد يدفعه للهروب، لذا ورغم أن في الأمر وقاحةً، كان من الأفضل أن يذهب مباشرة ويفاوض المزور وجهًا.
وما إن حصل على عنوانه الإلكتروني، بات العثور على العنوان الفعلي أمرًا هيّناً.
وكانت مدينة الأكاديمية واسعة، ولو أحاطتها الجدران. فعندما تكون مستهدفًا من نظام المدينة نفسه، فإن المشي ببطء من طرف إلى آخر لفكرة غبية. إضافةً إلى ذلك، لم يعرف أحد كم من الوقت سيبقى المُزور [بيرفكت فيلم] في مخبئه.
عليهم التحرك بأسرع وقت ممكن.
『سيصل القطار قريبًا. يرجى الابتعاد عن أبواب المنصة أثناء انتظار الأبواب』
「هل نركب القطار، هامازورا؟」
「إيه」
نظرت تاكيتسوبو ريكو إلى محيطهم، لكن هامازورا أبقى عينيه مصوبتين للأمام وهو يجيبها بهدوء.
「وقد نسرق سيارة، لكن كل الناس سَيَرون ما بداخل تلك "الغرف الزجاجية المغلقة". وهذا يعني أن وسائل النقل العامة المزدحمة مثل القطار أو الحافلة هي الأفضل. علينا أن نتصرف كباقي الناس؛ وسنختفي عن الأنظار」
「"كباقي الناس" أراهُ أصعب شيء الآن」
عندما وصل القطار، فرغ ركبه ثم استقبل من كلّ من انتظر الصعود. نظرًا لأنه كان يوم 25، بدت المحطة أزحم من المعتاد. لحسن الحظ، لم تكن هناك أي تأخيرات بسبب الثلوج السابقة. شعر بيدٍ صغيرة تمسك بمعطفه، مما يعني أن تاكيتسوبو خافت من أن ينفصلا من الزحام.
「لا تدفعوا، رجاءً لا تدفعوا! نحن نعمل على جدول زمني خاص بالكرسماس، وهناك قطارات تعمل لوقت أطول من المعتاد، فلا عليكم أن تدفعوا وتصعدوا على هذا القطار وانتظروا رجاءً القطار التالي!!」
دفع الركاب ظهور بعضهم وهم يصعدون القطار، بينما كان موظف المحطة، كجرو صغير، يصرخ فوق الرصيف. لم يُظهر موظف المحطة أي اهتمام واضح بهما. حتى وإن كان نظام القطارات نصف عام، فإن موظفي المحطات كانوا موظفين في شركات خاصة، ولم يكن لديهم أي التزام بالمخاطرة بحياتهم للمساعدة في مكافحة الجريمة. ولعلَّ هذا سبب وراء استمرارهم في العمل أفضل من الأنتي-سۡكِل.
「مغيَه」
「تحمّلي يا تاكيتسوبو」
لم يعلم عما إذا كان يفيده، لكنه جذب عشيقته نحوه وسط الزحام.
「هذا عجيب،」 قالت وهي مضغوطة عليه بلا حول. 「أكُلّ الناس مقصدهم واحد؟」
أغلقت الأبواب التلقائية الثقيلة، وبدأ القطار يتحرك. مع هذا الحشد، لن يقدر الأنتي-سكل أن يمشوا من طرف القطار إلى آخر في بحث عن الناس.
اهتز القطار قليلاً مع بدء حركته، لكنهم سمعوا حينها إعلانًا من المنصة المقابلة.
كانت إعلانات القطارات والمحطات معروفة بكونها مملة ومسطحة، لكن هذا الإعلان كان مختلفًا. بدا وكأنه صوت مُركّب من برامج موسيقية، حيث أُدخِلَ نص في الحاسوب وتعدلت النغمات عن طريق تغيير خط الموجة.
『القطار التالي هو قطار سريع متجه إلى محطة كاتاسو. أكرر: إلى محطة كاتاسو. يرجى الوقوف خلف الخط الأصفر أثناء انتظاركم صعود القطار』
「؟」
ألم تُكمل هذه المحطة تجهيزات أبوابها منذ زمن؟ عبس هامازورا بسبب ذلك الإعلان الغريب.
بَـ طَغ!! وفجأة، سمع صوت اصطدامٍ قوي، ثم انصبغ زجاج الباب القريب بالأحمر.
حدث ذلك تمامًا بعد وصول القطار إلى المسار الآخر. تصاعدت الصرخات من المنصة المقابلة، إلى جانب صرير الفولاذ بالفولاذ ومحاولة القطار الآخر التوقف بسرعة، لكن قطارهما هذا استمر يتسارع مبتعدًا عن منصة المحطة.
『مهلا، هل صدمنا أحدًا؟』
『رأيتُ رأسًا يطير في الهواء. وذاك ما صدم الزجاج كالكرة』
كان هامازورا وتاكيتسوبو محاطين بأصوات همس بينما كان الجميع مكتظين بحيث ما استطاعوا الحركة.
فجأة، تغير معنى هذا الحشد.
『رأيتُ من كان. كان هيكامي، ذاك المرابي الشهير على وسائل التواصل』
『هيكامي؟ ريوغو-كن؟ الأشقر الذي دائمًا ما يتعرض للانتقادات في مقاطعه الفيديو؟ كذاك المقطع الذي أحرق فيه مروحة من النقود أو الذي باع فيه عملة ذهبية غريبة إلى متجر رهونات؟』
『هذا جزاؤه، لكن كيف سقط على المسار؟ ألم تكن هناك أبواب على المنصة؟』
هامازورا، تمتم صوت هادئ بهذا. يبدو أن أحدًا آخر من الجانب المظلم قد مات، لكن هذا لم يكن يثير قلق أي من الناس الموجودين.
『ماذا، مرابي قروض انتهى به الحال مثل تيكي تيكي؟』
『هناك موت أسوأ من هذا. مرةً غفوت في القطار بعد المدرسة وحلمت أنني في قطار يمتلئ بالغوريلات』
『أتدري كيف تراهم لا ينهون أبدًا تلك التوسعات الكبيرة في المحطة؟ سمعت أنهم يواجهون مشاكل مع المنصة 13 المزعومة. ويبدو أنهم حفروا أكثر من اللازم فوجدوا نبع ماء وما استطاعوا إيقاف المياه فأصبح ذلك المكان مستنقعًا لسنوات. لكَ أن ترمي الجثث أو الأسلحة هناك ولن يجدها أحدٌ أبدًا، لذا يُقال إن العديد من الناس يتسللون إلى هناك ساعة الليل』
لم يهم ما الذي حدث. فلقد رأوه بأعينهم، لكنه سرعان ما امتزج بالشائعات التي سمعوها. وما كان مختلفًا عن مشاهدة مقطع فيديو مدته ثلاثون ثانية لتضييع الوقت. شعر هامازورا بأنهم يعيشون في عالم مختلف تمامًا وإن كانوا ملاصقين له الآن. شعر بثقب يتسع في قلبه كلما أدرك أنهم سيستجيبون بالطريقة نفسها إذا ماتَ هُوَ أو تاكيتسوبو.
(....لن أسمح بذلك.)
صر أسنانه وشدد قبضته على عشيقته بين ذراعيه.
(لم نعش حياةً نقدر مشاركتها مع أي أحد، لكننا نفعل كل ما بوسعنا لنبقى أحياء. لن أسمح بأن نصير مجرد فضولٍ عابر لهؤلاء الكريهين العابثين بهواتفهم يأكلون ويضحكون بأمان.)
كانت شاشة الإعلانات في أعلى الباب تعرض عناوينَ يبدو أنها مأخوذة من موقع إخباري عبر الإنترنت.
كان ممكنا أنها تعرض قائمة ضحايا الغد، لكنها بدلا من ذلك عرضت قصة عن تفوق مبيعات كعكة مونت بلانك على كعكات الشورت كيك. كما لو أنها تحاول إعطاء انطباع بأن شيئًا لم يحدث في يوم 25.
『قريبًا نصل إلى المحطة』
أعلن صوت رجل ماسخ. [3]
لم يكن صوتًا مركبًا غريبًا يتكلم عن محطة [يامي] أو [كاتاسو] أو أياً كان.
『قد يهتز القطار دون سابق إنذار، لذا احذروا من فضلكم. المحطة التالية هي نهاية الخط: محطة البوابة الرئيسية لملاهي الحي الأكاديمي السادس. غالبا أن المحطة مزدحمة، لذا إذا اشتريتم التذاكر مقدمًا، نوصيكم بتجهيزها الآن』
- الجزء 3
لن يقدروا البقاء هنا.
شقَّت شيراي كُروكو الهواء الفاسد لتصل إلى مرآب سيارات تحت الأرض.
「هل تقود؟」
「أه؟ يا فتاة ما عندي إلا رخصة قيادة مساعدة. تعرفين، هي تلك التي تجلسين فيها عند مقعد السائق وتتركين السيارة بذاتها تنجز بكل شيء」
أثار جواب ركوكا هوفو —ضابط الأنتي-سكل ذو تمشيطة الصلعة والنظارات— حفيظة بنت الإعدادية أم قرنين. وبدأت صورتها عن البالغين تتحطم أكثر فأكثر.
「.....إنها رخصة تُصدر في نفس اليوم كرخصة قيادة الدراجات النارية، صح؟ لكنني سمعت أنها لا تُعتبر إثباتا للهوية (ID). فهل أنتَ تعتمد عادةً على بطاقتك التأمين؟」
「هممم، هو لدي تأمين أصلاً؟」
「كيف عايش؟!」 صاحت طالبة السنة الأولى على الرجل الكهل.
بالنسبة للموظفين الحكوميين، تُخصم مدفوعات التأمين تلقائيًا من رواتبهم، لذا فمن المرجح أنه لديه تأمين سواء عرف أم لا. ومع ذلك فإنّ مكان وجود بطاقة تأمينه ما يزال لغزًا. وإن كان ينقصه أيضًا جواز سفر ورقم هوية، فلربما لا يملك أي إثبات هوية (ID) فعلي. ألم تأتِه مشكلة من هذه قبلا؟
لوّحت يوميكاوا آيهو، وهي ناجية أخرى، لهما تشير أن يقتربا.
「أنتما! تعاليا واركبا. عندنا مساحة لأربعة!!」
「تسلمين،」 شكرتها شيراي كُروكو وهي تمسح شعرها عن كتفها. 「ولا تنسوا طلبي في التحقيق الداخلي. لا أريد تأجيله بسبب هذه الحالة الطارئة!!」
كانت تستطيع الانتقال الفوري أسرع من أي سيارة عادية، لكن بعد ذاك الهجوم المفاجئ، لعلّ العدو ما زال يختبئ في الجوار ولعله ترك كاميرة شبكية أو طائرة دُرون هدية. أرادت حفظ أوراقها في الوقت الحالي.
صعدت إلى المقعد الخلفي لمركبة دفع رباعي ضخمة وسميكة تشبه كثيرا شاحنة مدرعة. وكانت لتبدو غريبةً غريبة وسط الغابة أو الصحراء.
جلس ركوكا بجانبها وكأنه أمرٌ بديهي، ثم سألت الفتاة.
「أين مقصدنا؟」
「نذهب جنوبًا ونعبر حدود المنطقة سيكون أسرع علينا من أن ننطلق إلى شمال المنطقة 7. إضافةً إلى أن المنطقة 2 هي منطقة أسلحةٍ ومركبات، لذا غالبا محطتها بها معدات كثيرة」
جاء هذا الجواب من ضابط أنتي-سكِل ذو شعر بُنّي جالس في المقعد الأمامي... نامينو، كان اسمه؟ كان الثلج أكثر خطرا بعد توقف تساقطه، لكن ما بدا على البالغين قلقٌ من الجليد الصلب على الطريق.
(أونيه-ساما، أين عساك تكونين......؟)
كان الغروب.
غادرت المركبة الضخمة مرآب السيارات. وانتقلت أفكار شيراي إلى هاتفها. لكنَّ ميكوتو كانت فتاة تقطع اتصالاتها وقت الخطر. كانت أقوى إسبرة كهربائية، لذا كان أفضل لك ألا تحاول غلبها في مجالها.
وشيء آخر أيضاً أزعج شيراي.
「ما الذي حدث لقاعدة بيانات [أوترنك] الجانب المظلم؟」
「تعرض الرابط البيانات لهجوم إلكتروني نوعه مجهول. مما سمعت، فنحن محظوظون أننا أدركنا حدوثه أصلا」
كان هذا الأمر أكبر مما كانت تحسب. سَمِعَت أن المنطقة 7 ليست الوحيدة المهجومة، لكن بدون الأوترنك، لن يمكنهم القبض على المدرجين في قائمتها.
「إذن لن نعتمد على أي من الخوادم الثابتة داخل المبنى. كإجراء طارئ، أنشأنا شبكة مؤقتة باستخدام مركبة قيادة عمليات وطائرة. الوضع جِدُّ جدُّ حساس لكن—」
قاطعه انفجار.
شيراي كُروكو نظرت من نافذة المركبة لترى طائرة تميل وتسقط في مكان ما في المدينة. وصرخة من بعيد تقول [طائرة قلّابة] وصلت إلى مسامعها عبر الزجاج المضاد للرصاص السميك.
「واحدة بقت」 تمتمت يوميكاوا آيهو في المقعد الأمامي ثم شرح نامينو من بعدها.
「هم مضطرون أن يرسلوا إشارات قوية باستمرار لدعم رابط البيانات، ولذا ورغم قيمتها، لا يمكننا إخفاؤها في أعماق الأرض. نحتاجها في الموقع للحفاظ على الشبكة، لكن المعدات التي يستخدمونها تكشف عن موقعهم」
「إذن مع سقوط تلك [الطائرة القلابة]، لم يبقَ سوى مركبة قيادة العمليات على الأرض؟」 تنهد ركوكا هوفو. 「إذا وصل الأمر إلى ذلك، سنضطر لحماية تلك الخوادم المتنقلة بأنفسنا」
شيراي لم تستطع التوقف عن تخيل الكارثة في المحطة العامة. هل سيستمر موت الناس بطرق تترك وراءها شيئًا لا يشبه الجسد البشري؟
سحبت شيراي حاسوبًا محمول من جيب المقعد أمامها ورمته على فخذ الكهل.
「لن نترك التوأمتين تهربان. ركوكا-سينسي، اكتب لي وصفا ولخّص كل شيء رأيناه. مهما كان تعريفك للجانب المظلم، كان عليهم استخدام إما التكنولوجيا أو القوى الإسبرية. وقد نتعلم كل شيء عنهما إذا جمعنا ما يكفي من المعلومات. لا أريد أن أصل إلى المحطة القادمة وأطلب المساعدة بدون أن أقدم شيئًا في المقابل، لذا دعنا نجهز هدية نقدّمها」
「طيّب، لكنني لا أعرف الحاسوب」
يفترض أن الأنتي-سكل مكونة من متطوعين المعلمين، فكيف يُجهز هذا الرجل لحصصه المدرسية؟ لا شك أنه لا يزال يكتبها يدويًا بحبر وأوراق مخطوطة.
「اكتبها يدويًا إن لزم الأمر، أيا كان شكلها اكتب تقرير! قبل أن تتلاشى هذه البيانات الأولية التي خاطرنا بحياتنا للحصول عليها من ذهني!!」
「أرعه، كنت لأسعد بفعل ذلك، لكن... دخت وانغثيت ورائحة المعطرات زادت من سوء وضعي. آآهغخ」
「كيف عطوك رخصة تدريس؟!」
نظرت إليه شيراي بعينين واسعتين وصاحت، لكنها سلمت الرجل المتقوقع حقيبة للغثيان بنظرة حانقة.
「أف منك، بخير أنت؟」
「آآه، أستميحك العذر. آآهخغ، أنا أخسر المعركة」
「الاستفراغ وقت العمل يُعتبر مرض وظيفة، ها؟ على أي حال، دعني أنا أعد تقريرًا رقميـ—」
「سأكافح!!!!!!」
أظهر ركوكا عزما حقا لأول مرة.
ابتسم ابتسامة ساخرة وشيراي تشاهده.
「هِآء، هِآء، هفف. ما حملتُ سببًا لأن أكون معلمًا」
「ها」
「إنما لم أستطع ترك إطار المدرسة الذي ألِفتُه بعد تخرجي. كانت رخصة التدريس هي التي أنقذتني لمّا فشلت في بحثي عن الرزق، لكن ذلك قيدني وأبقاني في المدارس منذ ذلك الحين. أعلم أعلم غرابة ما أقول، لكنني ما تخرجت أبدا」
「......」
「ولا أزال أعزبا في سني هذا」
لم تعرف شيراي كيف ترد على هذا الاعتراف.
لكن بما أنه هو من بدأ هذا الباب، ما أمكنها أن تسكته الآن.
「وما تحسن وضعي عندما حاولت تطبيقات المواعدة أو مواقع الزيجات. ظللت أبحث عن حب حقيقي قد لا يكون موجودًا. ههه هه. كأنني في أعماقي ما زلت طفل مدرستي. لعل أوضاعي كانت لتختلف لو توظفت في شركةٍ يا ترى」
لم يعمل في شركة قط وكان يشك في أنه بذل أي جهد حقيقي في الزواج.
في مدخراته أقل من خمسين ألف ين ولم يغادر منزله الذي نشأ فيه أبداً.
قد قرّب الإنترنت من العالم والناس، لكن معارفه يَقِلّون عن عشرة أشخاص على وسائل التواصل.
「ههه هه」 ضحك بعد أن شرح كل ذلك. 「لكنني مع ذلك أتمنى لو كنت شخصًا تفتخر به أمي وأختي. وذلك سبب وجودي هنا في الأنتي-سكل بدل أن أكون مجرد معلم. أوليس هذا سببًا حقيرا للقتال هنا؟」
「........لا أراه كذا」
تنهدت شيراي كُروكو بهدوء.
اندهش الرجل بو تمشيطة الصلعة والنظارات من ردِّها، فشرحت له.
أشارت إلى هاتفها لتظهر له استعدادها أن تُضيفه صديقا على وسائل التواصل. وما كان الأمر ليضرها في شيء.
「مهما كانت أسبابك، فأنت مع ذلك اخترت أن تخرج إلى العالم الخارجي وتساعد الناس، صح؟ هذا يكفي من سبب ليُعتبر خدمةً عامة إذا سألتني. وكذلك، ليس وكأنني وصديقتي ويهارو لدينا سبب مقنع لدخولنا الجدجمنت」
كانت يوميكاوا والضابط الآخر في المقعد المجاور يبتسمان لهما عبر المرآة الخلفية.
لم يكونوا أبطالًا عظماء أو محاربين أقوياء.
لم يستطيعوا أن يطمحوا لحل كل شيء بمفردهم، لذلك حافظوا على السلام بأن يتجمعوا معًا كمنظمة قادرة على التعامل مع قوى أكبر بكثير من قواهم.
لكن.
حتى مع ذلك.
لم تكن شيراي لتسمح لهم أن يُهزموا أمام [الجانب المظلم] حيث اقتنع الجميع بأن أولئك مميزون.
「لا أستطيع أن أشكركِ كفاية. لقد مرت شهور منذ حصل حسابي الصغير على صديق جديد... مم؟ لا، مهلا مهلا!」
فور أن تذكر الرجل الكهل شيئًا، ضغطت شيراي على الرابط الذي أرسله لها والمليء بالأرقام. "هلا تكون صديقي؟" ظهرت تلك الرسالة على شاشة الهاتف الصغيرة متعددة الوظائف تلاها اسم المستخدم.
المُـ3ـلم اًلسّْباُحّْ الغوا9 مٌلٍكً اٌلْمتّمردًين @ صياد المتعة والدراما وما دونها المقبرة
وضعت شيراي كُروكو كيس الاستفراغ فوق رأسه ثم ضربته مخمّس (صفعته بكف يدها).
「أيا القذر!!!!!! أعِدهُم!! أَعِد كل شعورٍ أخرجتُه من صدري وضيعتُه عليك!!」
「بغ، غه، غووه! كفى، سأموت!」
「يا عملة نيقولا، من فضلكِ أعطيني شريكًا آخر!!」
「انتظري! ما هذا؟! طقوس غامضة؟! إذا شغّلت قوةً خارقة، فسأُمحى! وأنتقل إلى عالم مليء بالإلف والراقصين وراقصي الإلف! لا، لستُ مستعدًا! هل جاءت ساعتي أخيرًا؟! فإن كان، فأريد أن أبعث من جديد سيدًا للشياطين وأهزم البطل، ثم أتقن مهارات مملة وأعيش حياةً هادئة في قرية ريفية ثم أجد فتاة فقيرة أساعدها! تكفين عطيني حياتي الجديدة وتكون ذاتي فيها قوياااااااااااااااااـة!!」
لم يحدث شيء.
تنهدت شيراي بتعب، لكنها لم تكن تتوقع شيئًا من "تميمة حظ" مشبوهة. لا شيء قادرٌ على أن يفعل المستحيل. أن تكون في أول الطابور تنتظر تلك الدونات الجديدة الرائجة لأمرٌ عبثي إن كان المتجر مغلقا.
「إهئ، إهئ. كان عليّ أن أعرف أن بوابةً إلى عالمٍ آخر لَنْ تُفتح لي」
تمتم الرجل الكهل مكتئباً في نفسه بينما لا يزال الكيس البلاستيكي (بدا وكأنه يتسرب) فوق رأسه.
بعد أن فُضِح ذوقه ورُفض، بدأ يصرخ (داخل الكيس).
「والله ظلم! حتى الرجال المنبوذين مثلي لهم الحق أن يستمعوا بمشروب قوي آخر الليل وهم يكتبون مراجعات شديدة لتلك الألعاب الغربية التافهة والدراما الّي يضخون فيها نخبة هوليوود مالاً كثير!!」
「حسابك هذا لكتابة المراجعات؟! فلمَ إذن تخوف الناس بالاسم!؟」
「لأني أريد جذب الانتباه! وما فائدة الإنترنت إذا ما ارتحنا من الأساس!؟」
- الجزء 4
كان الحي الأكاديمي السادس في مدينة الأكاديمية منطقةً خاصة حيث تم تحويل الحي بأكمله إلى مدينة ملاهي ضخمة. ولقد أُخِذ في أبحاث وتجارب في صناعة الخدمات ومجال الترفيه، وكان يحتوي على جميع المرافق اللازمة: مدينة الملاهي نفسها وحمامات السباحة والفنادق والمسارح. لم تنتهِ الشائعات المشبوهة حول المكان: كان هناك كازينو سري مخبأ تحته، وإذا رأيت تميمة غريبة فهذا يعني أن هناك مختطفًا يختبئ، وغير ذلك.
اليوم كان 25 ديسمبر، يوم عيد الميلاد.
وقد حل الليل في 6:30. وبالنظر إلى الحشود، افترض هامازورا أن الطابور قد يمتد إلى خارج الحي (لذلك كان يفكر في طريقة يتسلل بها إلى الداخل)، ولكن عندما وصلوا، اكتشف أن هناك طابورًا صغيرا عند شباك التذاكر المقابل للبوابة.
كان المعجبون المخلصون يشترون تذاكرهم عبر الإنترنت أو لديهم بطاقة سنوية، لذا كان عدد قليل جدًا من العملاء يقترب من الشباك في يوم 25. على عكس المطاعم أو المقاهي، لم تكن هناك خدمات في الشباك تتطلب حضور العميل الشخصي، لذا كانت الأمور تسير بسرعة.
「حياكم. عندنا خصم للعشاق، لكم خصم 20% السعر العادي. تعالوا اصنعوا ذكرى حلوة لا تنسونها أنتما」
ابتسمت موظفة الاستقبال من وراء الحاجز البلاستيكي السميك، وأحمر وجه هامازورا قليلاً. كان الأمر مختلفًا عندما يقولها أحدٌ آخر.
「بالمناسبة」 أمسكت تاكيتسوبو بسترة هامازورا حتى لا يضيع وهما يمران عبر الباب الدوار الفضي. 「هذه هي أرض المعجزات حيث تتحقق الأحلام، أليس كذلك؟ لماذا قد يختبئ مزورٌ هنا؟」
「ربما هذا هو السبب بعينه لوجوده. يتوقع الناس المجرمين في الأزقة الخلفية، لذا لن يفكر المحققون أبدًا في البحث عن أحدٍ مختبئ هنا」
تغيرت الأمور بمجرد أن مروا عبر البوابة.
قد غربت الشمس، لكن مدينة الملاهي غرقت في أنواعٌ وأنواع من الأضواء: المصابيح الكهربائية والمصابيح LED والطلاء المتوهج في الظلام والألعاب النارية وغيرها. كانت دوامة الأضواء والعربات كشيء خرج من أحلام الأطفال. كانت عجلة فيريس الكبيرة ومسار الأفعوانية وكأنهما فوق الرؤوس مباشرة. لابد أن الحي بأسره كان يعد ملكية خاصة إذْ أن الأطفال كانوا يقطعون المسافات الكبيرة بدراجات كهربائية وعربات لا يُسمح لها بالتواجد على الطرق العامة. وهناك العديد من المعالم السياحية لدرجة أنك لن تقدر على رؤيتها كلها سيرًا على الأقدام.
ولا شك أن تنظيف الثلوج في هذا المكان لأمر صعب.
لكن تلك الثلوج كانت مكدسة حيث لن تعيق الطريق وكان الأطفال يلعبون بها؛ يبنون رجال الثلج وملاجئ ثلجية. وكان القائمون على المكان يعرفون كيف يحولون حادثة الطقس العارضة إلى مَعلمٍ سياحي آخر.
「إنه الكرسماس،」 قالت تاكيتسوبو وأنفاسها ظاهرة. كانت تمسك بسترة هامازورا وتُعبس شفتيها. 「لذا أتمنى حقًا لو كنا قد جئنا هنا فقط لنستمتع」
كانت هناك شخصيةٌ تميمة (ماسكوت) غريبة على شكل ضفدع أنيق وشخصية أخرى أرنب غريب المظهر تتشاجران، ولكن عندما حاول مهرج إيقافهما، اجتمعا معًا ضدّه وأوقعاه أرضا. ثم طفلٌ مفرط النشاط جاء يصد الضفدع بعد أن استيقظت فيه روح العدالة. تقوقع الضفدع في نفسه وتأوه.
『(......آهغ!؟ غ-غبي. اظهر لهم ضعفك للحظة وسيهاجمونك.)』
『(تحملي واصبري يا أخت. سننجو هذه الليلة إذا بقينا في أصغر مخابئ العالم تلك......)』
「؟」
نظرت تاكيتسوبو إلى شخصيات التمائم بنظرة حائرة قبل أن تسأل سؤالا.
「هامازورا، أين؟」
「من هنا」
كان تُعزف موسيقى للفرقة النحاسية لأغاني الكرسماس التقليدية بينما كانت عدة عربات عرض تتحرك ببطء في الشارع الرئيسي. وأنّ دبًا ذو قرون كان يلوح من إحدى تلك العربات. عبر هامازورا الحشود التي تحمل بالونات مغطاة بالطلاء المتوهج في الظلام ودخل إلى الظلال مع عشيقته. كانا في طريقهما إلى منطقة مختلفة عن فنادق المنتجع.
تُعرف بالمساكن السرية.
غالبًا تخرج قصص عن معجبين مهووسين يطلبون الإقامة لفترات طويلة في أحد فنادق المنتزه الفاخرة، لكن هذه نسخة أكثر تطرفًا من تلك. المعجبون الذين لا يريدون أن ينكسر السحر لهم أن يستأجروا فيلا أو مسكن في المنتزه مع بطاقة مرور سنوية. وبعد أن يروا الأسعار على آلات بيع المشروبات، لك أن تخمن مدى تضخم سعر المنزل هنا.
مشى هامازورا وتاكيتسوبو إلى العنوان الذي عثرا عليه باستخدام معلومات الاتصال المسجلة في الهاتف المستعار. على كبر المنتزه، إلا أن قليلا من المباني كانت موسومة أنها مساكن.
لذلك، سارا إلى منطقة المساكن الفاخرة المضيئة بالإضاءة غير المباشرة. كانت المساكن تتنوع في أساليبها القادمة من كل أنحاء العالم، لكن ربما كانت كل واحدة مستوحاة من حكاية فيلم خيالي. كانا مهتمين بقصر غربي فاخر مبني من الطوب الأحمر.
أو بشكل أكثر دقة، في الخيام القليلة الموضوعة بِجَانب السياج المعدني المحيط بساحتها.
「هذا مفاجئ. كنت أعتقد أن الحرفيين كهؤلاء كانوا دقيقين جدًا بشأن درجة الحرارة والرطوبة」
「لعل ذلك لكي يُعبئوا أشياءهم ويهربوا في أي لحظة سريعا」
「العيشة هنا ليست سهلة حتى لو كانوا يستخدمون خيامًا وأكياس نوم مخصصة للجبال الثلجية. فماذا لو استمر الثلج طوال الليل؟」
「البشر قد يتحملون أي شيء...... طالما يتخيلون شيئاً أكثر رعبًا ينتظرهم」
إحدى الخيام كانت للعيشة، وأُخراها مختبرًا، وعددٌ من الخيام الأخرى. وكلها كانت تخص المزور [بيرفكت فيلم]. قد يتصلون به من خلال الصندوق المعدني بجانب أرضية الإقامة الكبيرة والذي عُبِث به وبُدّلت قطعه حتى يوصل إلى الشبكة الضوئية. وإذا حصل وتتبعت الأنتي-سكل الإشارة، للمزور أن يهرب بينما تكون الشكوك مصوبة نحو "كبش الفداء". وإنّه لصعبٌ على المطاردين التحرك إن كان الطُعم مدينة ملاهي ضخمة أو أحد ضيوفهم المميزين.
ومع ذلك، تلك الدفاعات هي كمثل [عرقيات الأجنحة] و[الفراشة الشجرية]. [4]
ظَلَّ سالما لأنه لا أحد استطاع إيجاده، ولكنَّ الأضرار لا مفر منها إذا عثر عليه شخص واحد. لا دفاعات قوية عند احتماءك في خيمة صناعية. وإذا رفض بيرفكت فيلم التعاون وتحصن داخل الخيمة، فلهُم دائمًا أن يدمروا الخيمة من الخارج.
وهذا من حظهم.
أجبر هامازورا نفسه ورأى الأمر هكذا. ليس الجميع في الجانب المظلم تجسيدًا للقتل كتلك التوأمتين في محطة الأنتي-سكل. إذا فشلت مفاوضاتهم وتنازعوا، على الأقل لن يسببوا أي متاعب للضيوف الآخرين.
「مشينا، تاكيتسوبو」 نظر إلى الأمام نحو وجهتهم. 「كلانا يحتاج جواز سفر」
لم ترد.
بدهشة، نظر إليها ليجد أن فتاة البدلة الرياضية قد انهارت على الأرض المبللة بالثلج.
لم يكن لديه وقت حتى ليصرخ باسمها.
مع دوي ثقيل، انقلب العالم عدة مرات.
「......،——ءء!؟」
لم يحمل فكرة عما حدث.
شيءٌ لا يفسر كان يحدث، وضربه شعور مفاجئ أفقده أنفاسه وأعجزه أن يخرج صوته.
بمجرد أن زالت عنه حالة انعدام الوزن الغريبة، سقط على الأرض الصلبة. وغطت يدٌ فمه قبل أن يبحبح حلقه. وإنّ أحدًا ما تسلق فوقه. الآن فهم ما حدث، وتجلى خوفه واقعًا، لكن وزن هذا الشخص أَسَرهُ بالكامل. فكانت امرأة شابة وكان هو أكبر منها، ومع ذلك طاقته خارت منه وعجز أن يتحرك بوصة. أنذره شؤم حيال هذا. وكانت تجربته في الأزقة الخلفية تخبره أن هذه المرأة تعرف تمامًا ما تفعل.
كانت امرأة جذابة في أوائل العشرينات. صففت شعرها الأسود قصيرا ومتساويا حول رأسها كخوذة كانت، وفوق رأسها قبعة رعاة بقر مزخرفة، وتحتها لبست فستانًا صينيًا أحمر حيث كان جزء البطن استُبدل بقماش دانتيل يُظهر سرتها. جمعت ما بين عناصر يابانية وغربية وصينية في لبسٍ واحد. وهناك صندوق من الألومنيوم المطلي يحتوي على أشياء لا يُعرف ما هي معلقٌ من الحزام الذي كانت ترتديه مائلاً عبر كامل جسمها.
وتحدثت المرأة المنتعلة أحذية رعاة البقر إلى الفتى الذي تجلس فوق وركيه دون أي إشارة للخجل من الشقوق الكبيرة في تنورتها.
「حيه، حيه، حيه عنك يا صبي. لا تدخل بحذيانك أرض صيدي التي جهزتها وتعبت عليها. وتراني رفضت كل خططي الحلوة للكرسماس من أجل هذا، لذا اترك لنادي مراقبي الطيور هذا المكان إيۤــــه」
أرض الصيد. مراقبة المكان.
أرسلت تلك المصطلحات القصيرة شعورًا منذرا للغاية عبر عمود هامازورا الفقري.
「مه....ماذا؟! من... من الأنتي-سكل؟ أم الجانب المظلم؟!」
「هُا؟ إيآه. كل ما يفعلونه الملاعين الأنتي-سْكِل هو أنهم ينشرون الملصقات ثم يأتونك بكل الأعذار الصغيرة حتى لا يدفعوا. بصراحة، عملي هذا ليس عملا مستقرًا. والجانب المظلم لأسوأ. ما إن يحصلوا على معلوماتٍ يريدونها، يسكتونك مرة أخرى!」
ابتسمت، وضبطت موقع وركيها بدقة لتجعل مقاومته عبثية. واستمرت تتكلم بينما تتحرك بطريقة قد تبدو مشكوكة فيها كثيرا لأيِّ مارٍّ يراهم في الظلام.
「ما نحتاجه هي علاقات تقليدية. "عيون العقل الأسبوعية"، "الضوء المتسرب"، ومثل تلك. أن نبيع أفضل ما نملك لتلك المجلات لهو أكثر الطرق ضمانا. وإن كان آخره أن يُستخدم في عرض مرعب لربات البيوت」
「......؟」
هناك خطبٌ وخطأ في هذا وجده.
هذه المرأة ذات القبعة المزخرفة بشعار قنديل البحر لم تكن مثل أنتي-سكل الذين تحولوا إلى آلات قتل بعد أن اختفت منهم بعض المعدات الأساسية، لكنها أيضًا لم تكن مثل تلك التوأمتين من الجانب المظلم اللتين دمرتا محطةً كاملة.
ابتلع هامازورا غصته وسأل سؤالًا مترددًا. إذا أخطأ في هذا، فالهلاك. ولن يمكنه إنقاذ عشيقته. كانت تلك الفكرة كافية لتمزق قلبه.
「ماذا تفعلين هنا؟」
「أصور صور」
غمزت تحت حافة قبعتها رعاة البقر.
كان هذا فعلا عاديا تفعله في مدينة ملاهي، لكن...
「فأنا يا صبي، لستُ أهدف أيّ جزء عادي من الجانب المظلم—بل إنَّ مقصدي العمق. إيآه. هذه أكثر من مجرد قصة خيانة سخيفة لن يهتم بها أحد بعد أسبوعين. لقطة واحدة هنا قد تؤمن لي حياتي. لكنني لن أصل في الوقت المحدد إذا قاطعتُ إشارات راديو الأنتي-سكل وجئت راكضة. لن ألعب على الهامش. ولأحصل على كَشْفٍ حقيقي، عليّ أن أخاطر وأتربص في الظلال」
「كَشْف.......؟」
「ذلك المزور سيكون طُعمًا لذيذًا. ياه إيآه. لقطةٌ واحدة عنه في عدستي لن تربحني شيئا. لكنك هنا الآن لوقوعك في ورطة، صح؟ أعلم تمامًا أن كبارا من الجانب المظلم سوف يجذبهم هذا اللوح الكارنيادسي」
「....」
「ههء؟ لا تقل أنك لا تعرف ما هو لوح كارنيادس؟؟؟ هي عن تلك المعضلة أنّ لوحًا يطفو في البحر وفوقه اثنان، لو تشاجرا فمات أحدهما فلن يحاسب على جرمه. ولذا أتركه، حتى أكسب خَبَراً أدخل به التاريخ」
「ت-تقصدين....」
هكذا فعل.
لعب هامازورا لعبة شد حبل لفظية بحذر كأنه يزيل فتيل لغم أرضي.
「أنتِ باباراتزي [5] تستهدفين الجانب المظلم؟」
「إيآه يا صبي. لا أحب تلك الكلمة」
تنهدت الجميلة ذات الفستان الصيني الأحمر ورفعت وركيها.
لكن حتى وهي تترك الفتى ينهض، اقتربت من وجهه تحدثه.
「اسمي القنديلة بينزومي. ما زلتَ مبتدئًا يا صبي، لذا عِدني أن لا تتدخل في تصويري اللقطة المعجزة وسأدعك وشأنك☆」
- الجزء 5
ابنتا هاناتسويو، كآي ويُويِّن — المُحللة والساعية — كانتا توأمين تتسمان بالقسوة والغلظة.
وإحدى الأختين خلعت معطفها الأبيض ومشدّها الطبي ثم نظرت إلى حوض كبير أسفلها وهي عارية. تلك كآي، المُحللة. قد كان شعرها الأسود يصل إلى كاحلها وهو مربوط، أما الآن فكان يجر على الأرض خلفها.
وإنّ رائحة المكان تكاد تكون رائحة خنفساء وحيد قرن. وكان ينبغي أن تكون، لأن الجاكوزي كان مليئًا بنشارة الخشب بدلا من الماء. وبالطبع لم تطلب الفتاة إذنًا من الفندق.
「وهيّا بنا」
أزالت الغطاء المطاطي من أنبوب اختبار ورشت محتوياته.
أحدث ذلك صوت فقاعات فبدأ البخار يرتفع. التفتت الفتاة الصغيرة نحو مرآة الحوض الكبيرة وهي تنتظر تثبيت التفاعل.
أخذت بيدها اليمنى الصغيرة لترفع إحدى ثدييها من تحت.
كانت كعّوبة ناتئة [6] تظهر عند الناس غير طبيعية مع طولها، لكنها لم تكن تؤمن بالخرافات الحضرية عن التي ترمي بكل ما تأكله من شحوم ودهون إلى صدرها. فالدهون التي تدخل الجسم تتراكم في كل أنحاءه بالتساوي. فعندما ينمو كامل جسمك، معه ينمو صدرك. وإن نحفت، فمعه صدرك أيضًا ينحف. في هذه الحالة، هو واضحٌ كيف تجعل صدرك خاصة ينمو.
بأن ترحب بالدهون تغطي كامل جسمك ثم تقطع ما لا ترغب فيه.
وذلك ممكن بالعلم الغريب في هذه المدينة.
توقفت الفقاعات.
「جهزت☆」
ومع ذلك، لم تكن تزرع سلاحًا بيولوجيًا من أي نوع. أدخلت قدمها النحيلة في نشارة الخشب ثم غرقت جسدها كله في الحوض. على أنه كان أنعم من الرمل على الشاطئ، إلا أنه ليس ماء، لذا كان عليها أن تغطس فيه بنفسها.
بخّر تأثير التخمير نشارة الخشب.
كان حماما إنزيميا.
「هُم، هُم، هُهُم」
ثم عبست لمّا لاحظت وجود إحساس صلب في الحمام.
「هُه، عملة غريبة نسوها؟」
رمت العملة دون أن تترك الحوض فسقطت في سلة نفايات بلاستيكية قريبة.
يقال إن كونتيسة من المَجَر شائنة السمعة كانت تحافظ على بشرتها جميلة بأن تستحم في الدم، لكن طريقة المُحللة كانت أكثر كفاءة. فهي تستغل كل جزء من ضحاياها.
「"هلا أساعدك في هربك؟" أكره هؤلاء المعضلين الذين يحسبون أنفسهم أبطالا. وأصلا أنا لم أنوي الهرب، لذا كنتم مجرد شوكة على خاصرتي」
ولم يكن هناك مانع أن تلتصق قطع النشارة الصغيرة بأطراف أصابعها، ومع ذلك لم تكن تهتم. بينما كانت تتظاهر بأنها يرقة خنفساء وحيد القرن، أمسكت بجهاز لوحي كبير من حافة الحوض وشغّلته وأجرت عليه إعدادات. كانت كاميرة الجهاز اللوحي واسعة الزاوية أكثر مما تحب، فلذا تأكدت من ربطها بكاميرة ويب رخيصة لتضفي عليه جواً من السرية.
تحدثت بنت الهاناتسويو كآي مبتسمةً وهي تأخذ بنشارة الخشب التي ملأت الحوض لتخفي جسدها حتى الكتفين.
「حسنٌ لنبدأ بثنا هذا يا رفاق☆ فهل أنتم مستعدون أخيرًا لنستمتع بعيد ميلاد موحش فيه بعضٌ من رائحة الحبار......؟ تجمعتم أمام التلفاز نيا~」
كانت تعلم أنه بتعديلها العدسة لتجعل عينيها تخرج عن الإطار يجذب مزيدا من الانتباه.
كانت بالطبع جزءًا من الجانب المظلم. بل وكانت [ضارة] بحق. الظهور على الإنترنت لمخاطرة كبيرة لها.
لكن في نفس الوقت، كلّ من وقع في الجانب المظلم لن يكون فردًا يتّبع قواعد عالمه.
「انتباه يا ناس. وقولوا لي أي جزء من جسدي تريدونني أبدأ غسله. إي، إي. الكرسماس مرة في السنة، فلماذا لا نفرح فيه؟ هيهيهي. وإذا كان طلبكم يتماشى مع ما أفكر فيه، لعلي أقدم لكم عرضًا لن تنسونه」
لكن العرض لم يستمر طويلا. تجمدت الشاشة قبل تبدأ حتى.
انقطع البث. عبست وهي تكبس على شاشة جهازها اللوحي محتارة، ثم انفجر الباب بقوة كأن برقاً قريباً ضرب.
اقتحمت فتاةٌ شبيهة ولكن مُحمرّة الخدين إلى الجناح الفاخر في الفندق الذي تسكنانه ملاذاً.
「ماذا تفعلين، كآي!؟」
「هِااا؟ لا تعرفين، يويّن؟ أنا أخذ هذه الكاميرة لأعطي الناس الوحيدين في الخارج إثارة خفيفة لحياتهم البائسة」
「أنتِ وعدتِ أنكِ لن تفعلي مثل هذه الأشياء مجددًا، تذكرين؟」 ذَكّرت يوين بينما كانت كآي تعيد تسريح شعرها الذي انتشر في الحمام. 「نظرتِ في عينيّ وأقسمتِ أنكِ ستكفّين عن خلع ثيابك وتجوالك في الحديقة ليلاً، أو أن تخلعي ثيابك في مصعد وتنتظرين أحدًا من طابق آخر، أو أن تخلعي ثيابك في حمام القطار وتتركي الباب عمدًا مفتوحًا وتنتظري كل من سيفتحه بلا انتباه، أو أن تخلعي كل ثيابك، وتخلعي وتخلعي وتخلعي وتخلعي، دائمًا ودائما تخلعين ثيابك!! أنتِ وعدتِ!」
「لكن كيف عساي أدنس نفسي غير ذلك؟」
「ورغبتك هذه أن تكوني قذرةً غلط!!」
「ليست قذارة يا يوين. أليست أجمل على المسمع بكثير إذا استخدمتِ كلمة "دنس"؟」
كانت يوين تحاول أن تمنطق وتعقل عقل أختها، لكن لسبب ما، وضعت المحللة كآي يديها على خديها بنظرة مسحورة في عينيها.
كانت تتنفس بصعوبة رغم أنها لم تكن مريضة، واستمرت في الحديث بينما تنبعث منها رائحة خنفساء وحيد القرن.
「جربتُ كل الأشياء التي وصفتِها، وأكثر، لكن أحدًا لم يجدني أبدًا. لا أحد يلاحظني ولا أحد يفعل بي أشياء فظيعة. كل شيء ينتهي بطيبة وحسن. هذا عالم أأمن مما حسبت واندهشت. ألا ترين في هذا مشكلة؟ يفترض أنني أجمع الشوائب في المدينة وأطهرها بداخلي! تلك وظيفتي أنا المُحللة المكروهة ولكن ضرورية، فكيف عساي أفعل ذلك إذا لم يحدث أي سوء حولي!؟」
نعم.
كانت المحللة كالذباب والصراصبر والفئران تأكل كل بقايا الطعام. قد يكرهها الناس، لكن من دونها، تفشل دائرة السلسلة الغذائية، وكل شيء سيُمتَص من أعلى الهرم إلى أسفله. من أجل إنشاء الحلقة الصحيحة، كان يجب تُحلل الأسد أو القرش الميت فتُعيده إلى التربة أو الماء. كانت هذه الفتاة باحثة في تلك العملية.
لكن ذلك لم يكن مهمًا حقًا.
أكبر مشكلة للساعية — الفتاة التي تستخدم الحيوانات الصغيرة التي تحمل كل أنواع الميكروبات — هي أن الاثنتين كانتا توأمين متطابقين.
لذا فعندما تقوم المحللة كآي بهذه الأمور علنًا، فإنّ الساعية يوين تتأثر بها أيضًا.
آاه، رأيت تلك الفتاة في البوتيك مرةً. نعم، دخلت غرفة القياس وكانت تفعل شيئًا خلف الستارة الرقيقة لساعة كاملة. أتساءل يا ترى ما أخّرها. ههه ههه هه
وإنّ الذكرى وحدها كفت أن تغلي رأسها. لماذا كان عليها أن تحمل لوم ما تفعله أختها؟!
لكن التوأمة الغارقة في موادها الكيميائية الدماغية قد نامت في عالمها الصغير.
「لذا كانت لدي أفضل فكرة لهذا البث. فكرت فيها طويلا وبجدية. ألن يكون الحادث وقت البث المباشر مناسبًا تمامًا؟ هيهي، إهـ هِهِهِ. ولأهدي متابعيني هديةً صغيرة، ربما أضع الكاميرة "عن غير قصد" على زاوية تكشف وجهي. وإن أظهرت الوضع "حادثا" هو ما سيجذب انتباه الناس حقًا، إذا سألتني. ثم سينتشر الفيديو كالنار في الهشيم حتى يراه الجميع في العالم ولن أخرج من بيتي ثانية دون أن يوجه الناس أصابعهم عليَّ ضاحكين، وسرأى كثيرا من المترصدين المنحرفين الذين سيفضحون معلوماتي الشخصية على مواقع مشبوهة. وعندما يعرف الجميع كل شيء عني، لن ألبث طويلا حتى يختطفوني في شاحنة نوافذها سوداء موصدة. إه هه، إهه هههه」
「كفى كفى أرجوك!!」
لم تدرك يُويّن إلا وهي تخنق أختها ردًا، لكن كآي لا تزال غارقة في خيالاتها وأختها كانت تهز رأسها يمينًا ويسار. ولو قلنا، فكانت وبصراحة تحب خنقها.
「نعم، لوّثيني أكثر」 ابتسمت كآي وهي في طور اليرقة، وهي مغمورة في حمام الإنزيمات. 「غطيني برائحة العفن واللزج والقذارة البشعة وأشياء أكثر لا تُعَبر. إيه، إيه. وما حاجة العالم إلى النظام. فكل ما يفعله النظام هو أن يمتصص كل شيء حتى فيتناقص ويخوى. بل أرى أن العالم أحوج إلى تقلبات مدروسة تُسبب انكسار القمة فتسقط إلى الأعماق. ومن هذا المنطلق...... مدينة الأكاديمية لخانقةٌ ضيقة الآن」
「إذن، نفعلها حقًا؟」
「بلى، لنسبب لهم متاعب أكثر وأكثر وأكثر. ولنتأكد أن تلك الأسماك الاستوائية اللامعة ألا تموت من نقص الإنزيمات」
ظلّت المحللة المبتسمة وفية لنفسها من البداية إلى النهاية.
كل ما كانت تريده هو الاستمتاع في هذه المدينة، لذا لم تفكر أبدًا في الهروب مثلما كان الجميع يفعل.
「أعظم مُحَرَّمَةٍ في المدينة الأكاديمية؟ ولماذا قد أهتم؟」
- الجزء 6
كان الشايب كيهارا هاسو نحيفًا كعصا ثقاب وكان يرتدي معطف مختبر فوق بذلةً زرقاء. وكانت ذراعاه كأغصان جافة تحت رحمتها خضع شابٌ عضلي أشقر بدا شعره مصبوغ.
「إكك، ييكك!」
كان من المفترض أن يكون الشاب الصياد هنا.
لقد كان مجرمًا قاسيًا صنع لنفسه سمعةً باسم "بكيوم-بيس".
لقد زار منتزه الألعاب في ليلة الكرسماس لوجود كثير من الناس يحملون أغراضا ثمينة. وما كان في نظره شيءٌ أمتع من أن يستهدف زوجين غبيين ظنّا أنهما في مأمان ما إن دفعا ثمن التذكرة ودخلا البوابة، ثم يُحيط بهما فريقه ويسحبونهما إلى فجوة لا تغطيها الكاميرات الأمن.
أو هكذا كان يفترض أن تمشي ليلته المربحة، ولكن...
「أرجوك، اغفر لي. أرجوك. وأفعل لكَ أي شيء」
كان الشاب وحيدًا ويعلم تمامًا السبب. فإن باقي فريقه تمزق في إحدى فجوات كاميرات الأمن التي كان يحسب نفسه يعرفها أفضل من أيٍّ كان. والغريب أن أحدًا منهم لم يصرخ حتى وذلك الساطور الضخم يضرب أمامهم. وكأنهم تعرضوا لشر لعنةٍ شلّت أفواههم وحركتهم. تم العمل بسرعة ثم تم دفع اللحمة المفرومة إلى معالج تلقائي للنفايات المطبخية.
「أهذا هو المكان؟」
نظر الشايب حوله، غير مهتم بتوسلات الشاب اليائسة.
أومأ الشاب مرارًا وتكرارًا والدموع والمخاط تلطخ وجهه.
「نعم، نعم، هو هناك. ذاك المحتال أيا كان ما تسميه في تلك الخيمة هناك」
يبدو أن الشاب أدرك أنه لا قواعد ثابتة هنا.
فكل شيء يعتمد على نزوات الشايب، لذا كان يأمل وبيأس أن يُطلق حرا إذا فعل ما قيل له.
「لا أصدق أن تلك كانت آثارا زائفة تهدف إلى إسقاط فريق منافس. اظهر احتراما لمهارته. ولا أريد أن أسمع سوءة أخرى عن مثل هذا الصانع الماهر」
「آسف، آسف، آسفٌ آسف」
「كفى. كان جهلك ما أنقذك على أي حال」
كان اللطف في صوت الشايب هو ما أشعر الشاب برُعبٍ أكبر.
تغيرت نبرة جداله من لحظة إلى أخرى وكانت عواطفه مثل موجة غير منتظمة. ما كان للشاب أمل ولا تخمين متى سينفجر، لذا عليه أن يكون شديد الحذر إذا أراد البقاء.
لكن لحظتها، كان قد قُطع رأسه بضربة من الخلف.
عمل جاهدًا أن ينجو، لكنه فشل حتى في ملاحظة اللحظة التي قُتل فيها.
「ليدبارد-كن」
『هلا، سينسي؟』
كانت فتاةً في زي سباق سباحة برتقالي وأسود تحمل ساطورًا ثقيلًا لا يرفعه إنسان عادي. مشت من وراء الشايب ثم وقفت بجانبه. ولم تبدو متأثرة من المشي على الثلج البارد حافيةً.
أمسك الشايب بالرأس المقطوع في يديه وركّز في النظر.
「همم، تجمد فمه على صوت "هُه". أتساءل يا ترى ما كان ليقول؟」
『هذا التفكير مضيعة للوقت،』 أجابت الفتاة بشكل آلي وهي تشد صدر لبسها الرياضي للأمام وتسكب زيت مكينة سميك في الفجوة المفتوحة حول رقبتها. كان الزيت الذي لم يمتصه جلدها ينزل بفعل الجاذبية ليصل إلى فخذيها من الداخل.
نظر إليها كيهارا هاسو بنظرة مشوشة.
「الآن، ليدبارد-كن، أعندك شيء لتقوليه؟」
『إخراج الرد: أيها الشايب، كف نظرك عني واعترف فقط أنك ترغب في رؤية هذا. ولمَ عساك تهتم أساسا وتحدق في تفاصيل جسدٍ أنتَ أنشأته أيها القذر العجوز؟』
「آهخ ساعدوني! هذه الفتاة تطعن بكلماتها القاسية قلوب الناس! وتحسب أنها تفلت من العقاب لأن الآلات لا تشيخ!!」
『أجزائي الآلية تتدهور مع الزمن ومن الاحتكاك. حتى أنَّ بياناتي الإلكترونية يُعاد تجزئتها دوريًا』
كانا يتحدثان وكأن أحدهما لم يحمل رأسًا مقطوعًا في يديه.
「حسنٌ، مهما كان. اسحقي الجثة وادفنيها في أحد تلك الصناديق حتى تصير سمادا」
『أشك في أن بكتيريا التربة قد تكسر العظام والشعر. إنّ العظام السميكة لأكبر خطر』
「لا داعي أن يكون مثاليًا. ما إن تنتهي، ترصّدي وابحثي عن أي مراقب كان في الجوار」 زفر الشايب نفسًا أبيضًا وحدق في الأفق. 「فإني أرى مجموعاتٍ أخرى من هنا. اقتليهم ما إن تلقينهم」
- الجزء 7
(ما تراني أفعل؟)
تساءل هامازورا شياغي في نفسه وهو يختبئ في الشجيرات، لكن ببِنيزومي تفوقت عليه من حيث المهارة. كان يعلم أن هذا ليس وقته، لكنها أوضحت له الأمر كثيرا ماذا سيحدث إذا خرّب خطتها. هذا هو الجانب المظلم—عالمٌ سلطانه القوة.
「ما إن نخلص، أنت حر ولتفعل ما تشاء」
فتحت المرأة ذات الفستان الصيني الأحمر والذي كان بطنها شفافًا حقيبتها من الألومنيوم الصلب وأخرجت كاميرة فردية العدسة، وعدسة كبيرة شكلها كالبازوكا، وحامل ثلاثي. وكيف كانت تنحني قد جعلت من شق فستانها يصل إلى أقصاه.
ثم سحبت عملةً ذهبية من فخذها وقبّلتها.
هي كذلك امتلكت عملة نيقولا.
「لذا ابقى محلك وتجهز حتى ذلك الحين. سأصور صورة لنجم الجانب المظلم بهذا الأشرسي الحبيب. لن أسمح لأحد أن يستخدم الأنتي-سكِل أو الجدجمنت ويقضي على الظلام. هراءٌ ما أسمع. ليس الخير ولا الشر ما يقرران أي معلومة ننشرها إلى العالم—بل إنها التكلفة والأهمية الإخبارية وكل ما مثلها」
「مهلا، لاحظتِ أن الأنتي-سكل قد ثاروا؟ فلِمَ أنتِ—」
「كان حادثا」 قاطعته ببِنيزومي. 「إنما كان مجرد حادث. لقد أعدّوا كل تفصيلة ليُظهروا الحكاية وكأنها "حادث" مهما تعمقت فيها. كما قلت، الأمر يتعلق بالتكلفة والأهمية الإخبارية. لا أحد يشتري صورة لا تجلب لهم ربحًا، فلِمَ نتعب أنفسنا ونصور......」
「أ.... أما خطر ببالك الهروب؟」
「إلى أين؟ ياه إيآه. إذا كنت أردت النجاة، فابذل الجهد على الأقل. أعلم أن الوقت محدود، لذا قبل أن يلاحقوني، عليّ أن ألتقط صورة فضيحة لا تُنكر بحيث أهدد بها أولئك المخفيين في القمة」
「......」
「ولكَ أنتَ أن تعمل وتتفاوض مباشرة مع الأشخاص المرتبطين بصورتك. في الغالب يستجهن الناس عن ذلك، ولكن يمكنني أن أقرر ما إذا كنتُ سأبيع الصورة إلى ناشر أم لا. لكن الأمر جريمة، وخطر الموت يرتفع كثيرا عندما تهدد أحدًا ماضيه مشبوه، لذا لا أنصحك بالدخول في ذلك إن لم تكن مضطرا☆」
ما صدّق. لقد رأى عديدا من الأطياف والألوان المختلفة في الجانب المظلم—باحثين فاسدين، وأسابر أساطير لم يروا قيمةً في حياة الآخرين، وجنود حرب أشاوس لا يفرقوا بين عدوٍّ ومدني—لكنها هي مختلفة تمامًا عنهم.
ليست إسبرةً بما أنها بالغة، لكنها أيضًا لم تُظهر أي علامة على استخدام أسلحة غريبة. أخذها بالكاميرة سلاحًا لها بدا فعلا مدنيًا غير عادي للجانب المظلم. لم يقابل شخصًا معقولا مثلها منذ فترة طويلة.
أوكانت جزءًا من الظلام النافع كما ذكرت تلك التوأمتان؟ أم لعلها ليست جزءًا من الظلام إطلاقا؟
لم يكن عليه محاربتها.
حتى لو حاربها، فلا داعي أن يتخذ شكل العنف.
حقا قد مر زمن طويل منذ أن رأى شخصًا معقولًا إلى هذه الدرجة.
「استخدميها،」 همست فتاة البدلة تاكيتسوبو. 「قلتِ إن أحدًا ما يستخدم الأنتي-سكِل. فهل تعرفين ما الذي جعلهم يُجَنّون؟」
「هاء؟」
بالكاد بدت ببِنيزومي متفاجئة.
لكنها لم ترفض. في الواقع، كانت محتارة كما لو أن السؤال كان بديهيًا جدًا.
「ياهٍ منكِ. تختبرينني؟ فهل يجب عليّ أن أقول—」
بدأت تجيب لكنها بعدها أمسكت قمة قبعتها رعاة البقر بيدها. حبست أنفاسها وخفضت رأسها أكثر مما كان منخفضًا.
واتسعت عينا هامازورا.
「(جاء أحد؟)」
「(إيآك. اكفف ذي الأسئلة الغبية. وانقلع!)」
كانوا في الخارج خلف أحد المنازل السرية. لا ينبغي أن يكون الضيوف العاديون في هذه المنطقة، وأنّ الأثرياء الذين أنفقوا الثروات ليعيشوا في هذا المكان ما عندهم سبب لأن يمشوا بين الظلال وخلف المنازل.
لن يأتي أحد إلا إذا كان يعرف الخيام.
الآن بعدما رآها من هذا الجانب، لم يصدق هامازورا لأي درجة يبرز الناس عندما يسلكون هكذا طريق. كان محظوظًا لأن التي كانت تنتظر هنا مجرد مصورة صحفية، فلو كان قناصًا أو صياد لأطلق النار عليه وتاكيتسوبو. وكان ينبغي أن يتبادر إليه هذا الاحتمال من قبل. وما عاد مجال السخرية من الأمر متاحا.
هذه المرة، كان شايبٌ يمشي في ذلك الطريق. كان نحيفًا كعود الثقاب. وكأنه ببذلته ومعطفه المختبري يخفي أسلاكا على هيئة إنسان.
「هذا.......؟」
「كيهارا」
كاد يسأل هامازورا، إلا أن إجابتها صدمته.
حتى القنديلة ببِنيزومي كانت ترتجف قليلاً.
「هو أحد تلك العائلة الباحثة. مصيبة. كنت آمل أن نلقى أحدًا مهمًا من الظلام فإذْ بأسوأهم يظهر! كيهارا هاسو لكبير جدا علينا!!」
「.....هامازورا」
أمسكت تاكيتسوبو بمعطفه ونادته باسمه، لكنها لم تكن تنظر إليه.
وأمكنه أيضًا سماع تصدعاتٍ وقعقعاتٍ معدنية.
「هامازورا」
「....،」
فعندما نادت اسمه بقوة أشد، نظر حيثما كانت تنظر.
إلى سياج معدني طويل، وفي قمته ما يشبه الأسهم أو الرماح المسننة الحادة، لكنها على الأرجح كانت أقرب للزينة من الأمان. كانت تلك أسنان أشواك حادة جدًا لدرجة أن قطًا ضالًا أو طائرًا بريًا خفيف الوزن لن يستطيع الوقوف عليها، ناهيك عن إنسان.
ومع ذلك، كانت قدمان عاريتان واقفتان على إحدى الأسنان.
كانت فتاةً رابضة على السياج تنظر إلى هامازورا ومن معه ورأسها يميل.
في هذا خطبٌ لا بد.
لو كانت إنسانًا عاديًا، لكان عمرها ثلاثة أو أربعة عشر عامًا. كانت فتاة قصيرة بشعر طويل وغرتها مستقيمة مقصوصة تُظهر جبهتها، لكن حتى هذا المظهر العادي بدا خاطئا في نظره.
وكانت رموشها وأنفاسها تُرى منتظمة للغاية.
ولأمكنك أن تسمع صوتا هادئا في صمتها الأشبه بهمسات ثلاجة آخر الليل.
حتى في هذه الليلة الشتوية، كانت تلبس شيئًا كأنه زي سباحة السباق باللونين البرتقالي العفن والأسود وكأنها نوع من الحشرات. كانت التكنولوجيا داخل ملابسها والغرض منها مختلفة تمامًا عن ملابس هامازورا أو تاكيتسوبو. كانت الأشرطة على كتفيها تحمل هواتف والأحزمة حول فخذيها تحمل لوحة مفاتيح سيليكون ملفوفة وزجاجات من نوع ما من السائل. وكان شعرها الطويل المنتشر خلفها أحمر غير بشري. وإنَّ بؤبؤتيها تتسعان وتنقبضان أكثر ميكانيكية من عدسة كاميرة أمنية.
تغيرت الأجواء.
قد لا يعرف تفاصيل التقنية، لكن قلبه تجمد. أخبرته غرائزه بالإجابة دون الحاجة أن يرى السكين الكبير المعلق أفقيًا على مؤخرة الفتاة الصغيرة.
كانت من الظلام. وغالب الظن أنها [ضارة]. ليست المصورة الصحفية وحدها من تنصب الفخاخ. فلقد كان الشايب من الكيهارا يستخدم نفسه طعما ليكشف عن أي تهديدات. وهذه الفتاة الغامضة ما هي هجوم.
لم تحاول إخفاء ما هي عليه.
ظهر رمز [التصبيع] [7] في عيونها الآلية التي تشزرهم باحتقار.
وصوتٌ غريب تردد في الأرجاء، لكن الفتاة عديمة المشاعر لم تقل شيئًا. قفزت عن موضعها غير المستقر وفعلها هذا أصرخ السياج المعدني عاليا متصدعا.
وإلى أين قفزت؟
تأخرت القنديلة ببِنيزومي في الرد لأنها كانت ترى من خلال كاميرتها.
「واه!」
سقط جسمها الناعم وجهازها التصوير بازعاج على الأرض.
وما كان لهامازورا وقتٌ حتى ليمد يده نحوها.
「وااااا!! آآآاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااهههه!؟」
وبالكاد نجح أن يمسك بمعصم تاكيتسوبو النحيف ويتراجع بعد أن سقط على مؤخرته. كل سنتيمتر بينه وبين تلك الفتاة أشعره بقيمته. كانت مهارة ببِنيزومي حقيقية، فإذا سقطت بسهولة، فليس عنده أي فرصة. أمره انتهى إذا قُبض عليه.
ومع ذلك...
بدت الروبوتة المهاجمة حقيقةً محتارة. الساطور الكبير التي قد سحبته من ظهر وركها انزلق من يدها. سقط على الأرض بنفس قوة واهتزاز سقوط صخرة ضخمة.
「طلاء مغناطيسي حديدي سريع الجفاف، مركّز بمقدار 256 مرة」 كانت البابارتزي (المصورة الصحفية) تحمل علبة رش، لكن ما بدا وكأنها تحتوي على رذاذ الفلفل. 「الأفلام التناظرية في طريقها للزوال، لكن الشركات المصنعة حققت ثروة ضخمة من الكيميائيات والمستحضرات التجميلية. هل سمعت مرة عن شركات أفلام تصنع مكملات غذائية؟ فهناك كيميائيات معينة تأكل الآلات عالية القوة!!」
『تقولين أن هذه المادة الكيميائية لن تضر جلدي الكربوني لكنها تذوب ملابسي الصناعية الداخلية؟ سينسي سيحبها』
سمع هامازورا بالتأكيد صوتًا حلوًا، لكن الصوت الفعلي لم يكن يتوافق مع حركة الشفاه. ولم يتخيل لماذا قد يفعلون ذلك عمدًا.
『لكنني سأفعل ما بوسعي. قال سينسي أن أحدًا سيأتي ويتدخل وكان محقًا. لهذا أنتظرت هنا』
「!!!؟؟؟」
دفع هامازورا تاكيتسوبو ريكو بعيدًا على الفور.
سمع هشهشةً مكتومة كحركة مضرب معدني.
ذلك كان من ببِنيزومي.
زرعت الفتاة الغامضة قدميها العاريتين بثبات على الثلج وأمسكت بالمرأة بيد واحدة ثم دوّرتها. ألا يفترض أن تزن بِنيزومي حوالي أربعين إلى خمسين كيلوغرامًا؟ قد تحسب أن النساء ناعمات وخفيفات، لكن فأس حرب قد يزن فقط حوالي كيلوغرامين، والكرة والسلسلة ثلاثة. لعل أربعين كيلوغرامًا خفيفًا إن كانت امرأة، لكنه وزنٌ مدمر إن كان سلاح ضرب.
「غغه!؟」
ما استطاع هامازورا تجنب الهجوم الذي استهدف جسده فَطَار مع المصورة ذات الفستان الصيني. أصابه الهجوم وأخرج منه النَفَس، وما امتلك وقتا حتى ليحرك أطرافه حتى تدحرج على الأرض الباردة عدة مرات. وصل أقصاه وحَدّه. إنّ ضربة واحدة فقط وقد خرت من طاقته. ورأى ظلالا داكنة تقترب من أطراف رؤيته وكان يشعر بإغراء شديد أن يسلم وعيه.
لكن...
「به」
لا إراديا، قد وضع هو وبِنيزومي مسافة بينهما وتلك الفتاة من الجانب المظلم.
فمن صارت الآن الأقرب لتلك الآلية — أي، الهدف الأكثر احتمالًا — هي تاكيتسوبو ريكو التي تُركت وحيدة.
「خه، اغغغ!!!!!!!!」
كانت القنديلة بِنيزومي مستلقية بلا حراك فوقه، فدفعها جانبًا ونهض بالقوة من على الأرض.
قبل أن تقفز الفتاة الآلية إلى الهدف الأقرب، استدارت برأسها نحوه.
بدت حركة رأسها البطيئة أقل كفعل واعٍ وأقرب لبرنامج استهداف يبقيه في مرماه.
لفت انتباهها.
لكن ماذا الآن؟ كيف عساه النجاة من هذا العدو المجهول؟
「هيه، إيآه يا صبي! ألا تفكر قبل أن تفعل؟」
سمع صوتًا. وكان من القنديلة بِنيزومي التي دفعها لتوه. لا تزال مستلقية خائرة على جانبها، مدّت يدها إلى فتحة فستانها الصيني وأخرجت شيئًا من فخذها.
ليس سلاحًا ناريًا.
بل مسدس صعق كهربائي يُطلق بالغاز المضغوط أقطابا كهربائية.
「لا ردود فعل بيولوجية، وقوتها غير طبيعية، ورؤيتها ليلية؟ أراهن أنها مليئة بالآلات. لذا أظن هذه تفيد أكثر من الرصاصة العادية」
شعر هامازورا شياغي وكأنّه نجا لتوه من الموت.
لكنّه نسي أنه لا يزال غارقا بالكامل في العالم المسمى [الجانب المظلم].
تسه!! عندما سحبت المرأة الزناد، انغرست الأقطاب الكهربائية في جسم تاكيتسوبو ريكو.
「هه......؟」
نظرت فتاة البدلة الرياضية أسفلها بدهشة. ما بدا عليها فهمٌ بما يحدث حتى وهي ترى الأقطاب الكهربائية والكابلات ترتبط بمركز صدرها.
بججججججججججج!! وما إن خرجت أصوات الفرقعة الجافة والتشويش، تقوس ظهرها.
「تاكيتسوبو!؟」
「هَـءهَهَه!!」
كان عجيبا كيف أنها لا تزال تملك قوةً كافية باقية، لكن بِنيزومي قفزت من على الأرض وأفلتت المسدس الكهربائي دون أن تطفئه وانزلقت بعيدًا. كما أخرجت قلمًا معدنيًا سميكًا من بين صدرها العارم. وفي أعلى المقبض ثقب بحجم مليميترين، لذا غالبا كانت كاميرة خفية. قوتها التصويرية لا تقارن بالكاميرات الاحترافية ذات العدسة الأحادية، لكنها بنفس جودة الكاميرة الهاتفية.
نعم، هدفها كان واحد طوال الوقت.
وكان مثيرا للاعجاب تقريبًا مدى تفانيها في هدفها.
「الدماغ الآلي دائمًا يستهدف الهدف الأضعف أولاً، لا؟! الآن عساي أهرب وأصور صورتي من مكان آمن. صورةٍ عن سلاح سري من صنع الكيهارا لأكيدٌ أنها تغير التاريخ!! لا بأس عليك، ربما تحولك إلى لحمة مفرومة اليوم، لكن موتك وصديقتك هذه سيحرك العالم!!」
(كلكم كلاب! بنت الكلب، هل هي [ضارة] بعد؟!)
شزر عليها وهو يتمنى لو يقتلها بأفكاره، لكن لم يقل أحد إن بِنيزومي كانت في صفه. هي فقط تركتهما وشأنهما أحياء، وكان ذلك وفقًا لشروطها. وإذا قررت أن تتخلى عنهما، فما عساه يفعل؟
ولكن الحقيقة أنَّ في يده شيءٌ يسعه. استخدامه سيتركه مكشوفا بلا دفاع لساعة كاملة بعد ذلك، لذا رأى أنه أفضل له ألا يستخدمه إلا إذا لزم الأمر. ربما كانت هناك طريقة أفضل لاستخدامه، مثل إنقاذ عشيقته التي كانت تعاني من التيار الكهربائي عالي الجهد.
لكنه تصرف على ردة فعل.
التفكير العقلاني ما كان حليفه هذه اللحظة. كان عقله يغلي غضبا. ولم يستطع أن يدعها تفلت بفعلتها هذه. لم يستطع أن يسمح للقنديلة بِنيزومي بالهروب بعد أن أخذت تاكيتسوبو ريكو طعمًا لتنجو هي بحياتها.
أدخل يده في جيبه وأمسك بالعملة القاسية والباردة. لم يكن يعلم مدى تأثيرها على البشر المتصرفين بإرادةٍ منهم، لذا اختار أن يستهدف جمادا.
وخيارٌ واحد طرأ على باله فورا، فرفع صوته.
「يا عملة نيقولا، زلّقي حذاء بِنيزومي!!」
「يا عملة نيقولا، لا تزلقي حذائي مهما حدث!!」
عبس ما إن خرجت الكلمات من فمه.
فشل.
بل أكثر،
「آهـ ههه!! إيآك، عيونك تفضحك يا صبي. لا تستهن بمصورة محترفة!」
كانت تضحك.
مسببة ألم عشيقته قفزت بهدوء إلى الأعشاش والشجيرات. وكل ذلك بينما كانت حقيبة فضية بها شوزن وبندقية كبيرة وأسلحة أخرى بأحجام متنوعة تتناثر من داخلها.
أراد أن يلعن نفسه لأنه فكر حتى ولو للحظة بأنها إنسانة عاقلة.
أعطته تعليقًا أخيرًا من الظلال.
「كنت أعلم أن شيئًا كهذا قد يحدث عندما ظهرت هذه الأشياء! إيآك يا معتوه. استطيع النجاة بدونها، لذا كنت أحفظها فقط لشيء واحد استخدمها: لأبطل أمنية أي شخص يضرني بها!!」
「ملعونة!!」
لم يجري أي بحث مفصل في كيفية عمل العملة. لم يختبر أبدًا ماذا سيحدث اصطدمت عملتان ببعض، لكنه شعر الآن بعبثيتها.
لم يحقق شيئًا وكان عليه الانتظار ساعة لتشحن مرة أخرى.
لن يقدر أن ينتقم منها الآن.
ومن بقي هنا كان العاجز هامازورا، وتاكيتسوبو التي كانت لا تزال معرضةً للتيار الكهربائي العالي، والفتاة التي كانت تمشي عبر البرد مطقطقة مقعقعة كأنها قطعة من المعدات الثقيلة. إذا كانت قادرة على حمل شخص يزن أربعين أو خمسين كيلوغرامًا بذراع واحدة، فقد تقدر أيضا على تحطيم جدار خرساني بقبضتها.
(ماذا الآن؟)
ترك تاكيتسوبو والهرب أبدا لن يكون.
ما كان ليتركها فتكون ضحية في فيلم قتل.
لكن هذا أخبره بهدفه وما عليه.
ولكنه اِحتاج وسيلة واقعية تمكنه من تحقيق ما في باله.
(ماذا أفعل!؟)
وحينها، عيون الفتاة مثل آلة ثقيلة مرّت عبره بينما كان رأسها يدور ببطء كمروحة دوارة.
لم يفهم. ليس وكأنها تحولت من اليمين إلى اليسار متجاهلةً إياه أثناء مرورها. ولكن عندما تحولت إلى اليسار، انتقل نظرها مرة أخرى إلى اليمين. ولمّا تدير رأسها مرارًا وتكرارًا من جانب إلى آخر فهل... فهل ضيعت هدفها؟
لم يحمل أدنى فكرة عما كان يحدث وهو يلتقط أنفاسه أمامها.
نظرًا لقوتها الكبيرة، شك في أنها تحتاج إلى أي خداع أو تمويه، لكنه قد تعب من الفرح عندما لا يفهم لماذا حدث شيء ما. لقد تعلم درسه مع القنديلة بِنيزومي.
『التقطه』
عندما سمع صوتًا أنثويًا، مد يده نحو الأرض تقريبًا تفاعليًا.
أمسك بالشوزن ذات الماسورة التلقائية من الأسلحة التي أفرغتها بِنيزومي على الأرض.
『ارمي』
انفجرت الطلقة وأطاحت به على مؤخرته. كان من الواضح أن هذا الشيء انحشى ببارودٍ كثير. لابد أن بِنيزومي قد خصصته بنفسها، لكنه كان متأكدًا من أن ذلك يزيد من خطر انفجاره في وجهك. كما أن الفتاة ذات زي سباق السباحة قد سقطت أيضًا على مؤخرتها.
لم يكن لديه وقت للشعور بالذنب لكونه رمى النار على فتاة من مسافة صفرية.
كان هناك خدش صغير على جبهتها وآثار دقيقة من سائل أحمر، لكن الجرح الذي لا يتجاوز بضع مليمترات كشف عن كتلة من شيء فضي على الجهة الأخرى. كان من الواضح أن ذلك ليس جرح إنسان.
「أ، أتمزح معي.... كانت تلك قوية ولا أحسبها طلقة عادية بل قذيفة سبيكة بناءً على قوتها!」
『الآن فرصتك』
「ء؟」
أخيرا، دار نحو الصوت الهامس في أذنه.
كانت امرأة تقف خلفه ولم يستطع حتى تخمين كم كانت هناك. كانت ترتدي فستانًا أزرق فاتحًا ضيقًا مع تنورة طويلة شفافة فضفاضة فوقها وكان شعرها الأشقر الطويل مربوطًا بذيلين (أم قرنين طويل). لكنها بدت في العشرين من عمرها وكان قوامها خير دليل، فبدا مظهرها كدمية أزياء غريبًا عليها.
بدت غير إنسانية ومختلفة عن الفتاة التي كانت بؤبؤتيها تتوسعان وتتقلصان ميكانيكيا.
وكأنها لم تكن موجودة حقًا.
وكان يخشى أن تمر يده عبرها إذا لمسها.
نعم.
الكلمة التي خطرت له ليس لها مكان في مدينة العلوم هذه، لكنها مع ذلك غزت ذهنه.
(....شبح.....؟)
كانت تنانيرها الضيقة والفضفاضة تخفي قدميها... مما يعطي الانطباع بأنها قد لا تمتلك قدمين.
كانت تنظر إلى الوحش الذي ضيّع هدفه. بالطبع، إن إنقاذه لا يعني أن هذه المرأة كانت [نافعة]. لم تتردد في أن تأمره برمي النار حاسمةً، ولم يعرف متى سوف توجه هذا الحسم نحوه.
『خذ المسدس الكهربائي إذا أردت أن تنقذ عشيقتك. طبيعتي تؤثر على الحواس الميكانيكية كالكاميرات وأجهزة الاستشعار. تمامًا مثلما لم تمت صور الأشباح والفيديوهات في عصر برامج تعديل الصور المجانية. تمامًا كما تخترب شبكات الهواتف أو تتعطل بيانات الموقع أو نظام التعرف على الوجوه في القصص الخارقة للطبيعة』
انطلق هامازورا في العمل.
الآن ليس الوقت ليحلل ما كانت هذه المرأة الشبحية تقوله. أمسك بمسدس الصعق الملقى على الأرض المبللة بالثلج وأطفأه.
سقطت تاكيتسوبو على ركبتيها وكأنه أطفأ قوتها أيضًا.
لكن المشكلة لم تنتهِ لها. كان ذلك تيارًا كهربائيًا عاليًا غير قانوني لم يلتزم بأي معايير أمان. كانت خدودها محمرة وقطرات العرق تتساقط من جبهتها. أدرك هامازورا هذه الأعراض. ولقد تأثرت بنفس هذه من تعاطيها دواء [بلورة الطاقة] المستخلصة من سوائل أجسام الأسابر المهتاجين.
(تبّ.....)
تذكر محتويات الكيس الورقي الذي كان يحتفظ به بأمان: bC-96/R. ماذا قالت له مروضة الحيوانات أومي كاريه عندما أعطته إياه؟
『ينبغي أن تكون درجة الحرارة والرطوبة تمام إذا احتفظت به في الثلاجة، لكن احترس من تسرب الكهرباء. فإن الكهرباء قد تكسر مكونات الدواء بسهولة』
لقد تدمر.
الدواء الذي كان يجري حاليًا في جسد تاكيتسوبو ريكو قد تدمر جراء هذه الهجمة.
「أتمزح معي، هـٰيه!!」
لكن أحدا وضع إصبعه على شفتيه. كانت تاكيتسوبو نفسها. وهي تعاني من حمى شديدة، لكنها جمعت ما تبقى لها من قوة لتحذره.
نعم، هذا صحيح.
ماذا حدث لذلك المعتدي؟
「......،」
تجمد عقله. لابد أنه لم يركز على العدو لعشرين ثانية كاملة. كان من الممكن أن تقتله عدة مرات خلال تلك الفترة.
فلماذا لم تفعل؟ بدأت المعتدية تنهض على قدميها العاريتين ببطء. لأي سبب كان، تلك الفتاة ذات المعدات الثقيلة التي كانت ترتدي زي سباق سباحة برتقالي وأسود لم تتمكن من العثور على الأهداف الموجودة أمامها مباشرة.
دورت رأسها ببطء من جانب وآخر عدة مرات لتراقب محيطها، ثم سحبت زجاجة من فخذها وشربت منها. وعندما سحبت غطاء الزجاجة من شفتيها بصوت طقطقة رطب، سكبت السائل اللاصق الشفاف فوق رأسها.
استطاع أن يسمع الكهرباء تتسرب من رأسها حتى قدميها. هناك شيء يحدث.
「ما الذي......؟」
『تلك ليست سايبورغ استبدلت أجزاءًا بشرية بآلية』
ذكّره ذلك الصوت الهمس بأنه لم يكن وحيدًا هنا: كانت المرأة الشبح الغامضة موجودة أيضًا.
ولسقط على مؤخرته لو لم يكن ممسكًا بتاكيتسوبو بالقرب منه.
『مع وجود كيهارا، أظنها شيئًا أكثر بشاعة』
「......」
『أتخيل وأظن أن الأجزاء الاصطناعية قد بنيت قطعة قطعة حتى تشكلت إنسانةً كاملة. بجودة تكفي لأن لا تفرق بينها وبين إنسان من المظهر،』 شرحت المرأة الشبح ذات الشكل الأميري. 『الأندرويد سيكون المصطلح الأنسب. فإن الكلمة "روبوت" أقرب وأربط بتلك البراميل المعدنية التي تغمر شوارع هذه المدينة』
بصوت معدني مميز، سحبت الفتاة الأندرويد سيفها الكبير من الأرض. وضعته في الغمد المتصل مباشرةً بزيها السباحة بحيث تعلق أفقيا على مؤخرتها الصغيرة. ركلت الفتاة غير الناضجة الثلج بأقدامها العارية لتقفز إلى الوراء وتختفي في الظلام. بدلاً من الهروب، كانت تبحث عن الأهداف التي ضيعتها. حتى هي نفسها بدت غير واعية بما حدث.
مرّ الوقت، لكن هامازورا لم يشعر بأي راحة.
كان هذا أكثر مما تخيل.
كان يعلم أن الجانب المظلم يحتوي على أجزاء سايبورغية تشبه الأجزاء البيولوجية تمامًا، لكن هذه محرمةً أكبر بكثير. إذا كانت المرأة الشبح صادقة، فإن ذلك الرجل كيهارا قد خلق شيئًا مثل الأفكار والمشاعر من آلة.
و....
من جهة أخرى....
『خذ عشيقتك واذهب،』 قالت المرأة الشبحية التي كان من الممكن أن يعتقد أنها هلوسة أو صورة تصويرية. 『أنت فقط اختفيت من بصرها. ويبدو أن ذلك قد وضع عبئًا على دوائرها، ولكن ليس بما يكفي ليلحق الضرر بها. لا أعرف متى ستعود. ولا أستطيع التحكم في أي مكان ستبحث فيه، وستظل قادرة على تحطيم جسدك إلى قطع وإن لم تراك』
تطاير شعرها الذيلين الشفاف الذهبي في اتجاه غير متصل مع ريح الهواء.
ثم تابعت حديثها إلى هامازورا الذي كان قد اضطر لمواجهة مدى عمق الجانب المظلم.
『هناك أكثر من طريقة للهروب من المدينة. لقد وضع عددٌ من الجانب المظلم عينهم على هذا المكان، لذا أصبحت هذه المنطقة الآن شديدة الخطورة. إذا لم تكن واثقًا من بقاءك ونجاتك في معركة مميتة على هذه اللوحة من كارنيادس، فاذهب وابحث عن ثغرة أخرى قبل أن تخسر كل شيء وتندم على اختيارك』
- الجزء 8
وصلت المركبة الكبيرة ذات الدفع الرباعي إلى محطة الأنتي-سكل العامة في المنطقة 2.
بينما كانت المركبة تتنقل في مواقف السيارات، ضغطت شيراي على زر الإرسال للتقرير الذي أعدته. ولكن...
「....خطأ في الإرسال؟」
「هَه، حتى أطفال هذه الأيام قد يخطئون」
لم ينوي الرجل ذو تمشيطة الصلعة والنظارات أن يسخر منها — بل وكأنه اكتشف برسيمة رباعية الأوراق. بدا أن في الشبكة مشكلة، ولكنهم قد وصلوا إلى المحطة. ولذا لها أن تسلم الحاسول مباشرة إلى أحد الإداريين في الداخل.
「أراك تخطيت مرحلة مهمة في حياتك لمّا بدأت تتفاخر بحديثك عن "أطفال هذه الأيام"،」 قالت الفتاة شيراي وهي تخرج من المركبة الضخمة زيادة عن الحاجة. 「طلابك لن يحبوك إذا رسمت هذا الخط الفاصل بينك وبينهم」
「هِه؟ لكنني بتول」
「وما دخلي؟!! لماذا تكشف عن مثل هذه المعلومة هنا؟! وأمام بنت في الإعدادية على وجه الخصوص؟!」
صدقا ما علاقة قوله بقولها؟ لم تعجبها كيف جاءت تلك المعلومة متابعة لحديثه عن طلابه. كان قانون حماية المعلومات الشخصية يثقل كاهلها بلا مبرر. أوحقا عليها أن تحفظ تلك المعلومة حتى يوم وفاتها؟
على كل، كنا في المنطقة 2.
وهي منطقةٌ تخصصت في أبحاث البارود والمركبات، لذا كانت محطة الأنتي-سكل فيها مجهزة جيدا. وكانت الآن مقرا رئيسيا لهم.
لن يستسلموا لمجرد أنهم فقدوا قاعدة واحدة.
شعرت قدما شيراي بالثقل وهي تسير. كان نطاق ودموية الأضرار التي تسبب بها الجانب المظلم جزءًا من ذلك، لكنها أيضًا لم تستطع أن تؤيد تمامًا ما كانت تفعله الأنتي-سكل. شعرت بالنفاق، لكن الأمور تغيرت ما إن وصلوا إلى قاعدة الأنتي-سكل.
هناك رأوا عددا قليل جدًا من الناس.
بدت القلة الباقية من البالغين متراخية. وهم يتكئون على الجدران أو يجلسون على الأرض. وكانت قلة الحديث أدخلت أجواءًا من الثقل والكآبة في المكان.
「هذا......」
「نصفنا ما عاد يرد،」 أجاب أحد الضباط المنتظرين في المحطة. بدت عليه إرادة للقتال لا تزال. 「لا أصدق أن جميعهم قتلوا من [الجانب المظلم]، لكن لا أنكر قوة أولئك المجانين أصحاب الظلام. ولا بد أنهم ضربونا بهجوم سيبراني ما. هذا يعني أننا لا نعلم بالضبط كم عددنا، وهذا يترك الخوف بيننا يسود」
「أتقول....... أنهم هربوا؟」
「على كثر ما أكره، أجل. بدأ العديد منا يرى أنه كان خطأ أن ننبش في [الجانب المظلم]」
لم يرد أحدهم أن تنهار قوتهم بأكملها وهم يقاتلون.
ظنَّ عديد من الضباط أن مهمتهم تقتصر فقط على مطاردة المجرمين والقبض عليهم.
لكن الواقع الذي وجدوه كان مختلفًا تمامًا.
حتى [الجانب المظلم] القاتل لم يكن ليقتل 2,3 مليون نفرٍ ليحمي عرشه، لكن الأنتي-سكل لم يرغبوا في أن يخسروا حيواتهم في حرب استنزاف. ليس الجميع بمؤمن أن إنقاذ العالم يستحق إذا قُتلوا هم أو عائلاتهم.
المشكلة مشكلة نسبة. قلة من الناس لن تسبب مشكلة كبيرة، ولكن ما إن يفقد معظم الأنتي-سكل أعصابهم، قد تنهار المنظمة بأكملها. خاصة إذا بدأ بعضهم يخون زميله على أمل أن يرحمهم [الجانب المظلم] مقابل ذلك. وفي الحقيقة، تعاني هذه القاعدة من نقص كبير في العمالة.
كانت مشكلة معنويات.
بمجرد أن تنخفض المعنويات كفاية، سينهارون وإن كانوا الأكثر عددا. وتلك طريقة يفضلها المجرمون على غيرها.
「هذا أسوأ مما تخيلت.......」
تنهدت شيراي بعمق. لقد بدأت "الهجمة". شعرت بوزن ثقيل على كاهلها، لكن ما عساها ترجع الآن.
ليس بعد أن رأت تلك التوأمتين الصغيرتين تبتسمان في ذلك العالم المتعفن.
بعد أن التقت ببعض ضباط أنتي-سكل آخرين، قادوها إلى مهبط مروحيات على السطح.
「المرحلة الأولى كانت أقل نجاحًا مما كنا نأمل، لكننا ضربناهم في مخابئهم ومختبراتهم المظلمة」 تحدث نامينو وهو مزود بكامل المعدات، وفوقه عاصفة اصطناعية أنتجها الدوار الرئيسي للمروحية. 「في المرحلة الثانية، سنضرب بقايا [الجانب المظلم] التي تحاول الهروب. تشمل الطرق المحتملة للهروب الجدران المحيطة بالمدينة وبواباتها والمطار ومهبط المروحيات وقواعد تحميل الشحنات على الشاحنات بعيدة المدى. الأولوية القصوى هي للوحوش [الضارة]، ولكنني أرغب أيضًا في مطاردة [النافعين] الأقل ضررًا إذا سنحت الفرصة. على أي حال، يجب أن تكون بقاياهم مركزة في الأماكن الأشهر، ولذا قد نحاصرهم إذا هاجمنا هناك」
「نهاجم، مم......」
「عندك مشكلة؟」
بدا واثقًا جدًا من نفسه لمن اتُهِمَ باستخدام القوة الغاشمة في وقت سابق.
وذلك أرغبها لو تطلب تحقيقا داخليا فورًا.
سحب الرجل ذو تمشيطة الصلعة والنظارات زيها من الخلف.
「(ش-شيراي-سان، مشّي معهم. لن تقدري على شيء إذا رفضوا انضمامك الآن.)」
「......」
「(وأي شخص يصطف مع المجرمين من بعد المجزرة التي حدثت سيكون مثلهم. عليكِ أن تثبتي وقت الحدث أنه من الممكن اعتقالهم بشكل طبيعي دون قتلهم.)」
「فهمت. لكن ابتعد!! لدي حاجز ضد الرجال! ابتعد حتى لا اشتم رائحتك الشيبة!!」
في هذه الأثناء، تسخنت محركات المروحية.
وراجعت الفتاة المعلومات المتاحة وهي تركب.
ثم تحدث نامينو نيابة عن الأنتي-سكل كلهم.
「سنظل عموما جاهزين في السماء ونتدخل ما إن تطلبونا، ولكن سيكون أفضل علينا أن نتجهز في الأماكن التي نتوقع احتياجنا إليها. المنطقة 23 على وجه الخصوص هي منطقة جوية مزدحمة، مع أكثر من خمس طائرات فضائية تمر عبرها كل عشر دقائق. سيكون صعبا أن نجري تعديلات في اللحظة الأخيرة هناك حتى في حالات الطوارئ」
「معذرةً」 رفعت شيراي يدها بأدب. 「الهدف من المرحلة الثانية هو قطع طرق هروب [الجانب المظلم]، أليس كذلك؟」
「نعم، ماذا عنه؟」
「إذن ما هذا؟」
أشارت إلى شمال شرق المدينة الأكاديمية، ولكن ليس نحو منطقة يحدها الجدار أو المطار أو أي مهبط مروحيات.
حتى أنها جهّمت وجهها وهي تطرح السؤال.
「المنطقة 6 هي مدينة ملاهي، لكن هنا مكتوب إن إطلاق النار بات مسموحا هناك. ما القصة؟」
- الجزء 9
هامازورا شياغي ظل في حالة من الدهشة لفترة بعد ذلك.
قد فاقه الأعداء بيأس، ولم يحمل أدنى فكرة كيف عاش.
لكن.
「.....،」
「هامازورا」
كان السؤال قد اختلط مع أنفاس ثقيلة وحارة غير طبيعية.
كانت خديها محمرة وعينيها مشوشتين وهي تنظر إليه.
كان في حالة من القلق شديد. كان أسوأ من أن يُحقن بسم قوي في عنقه.
「مه-ماذا عن الدواء؟ لدينا أسبوع كامل حسب ما أعطتنا إياه [مروضة الحيوانات]، خذي هذا!」
「يفترض أن أتناول جرعة واحدة فقط في اليوم وأظن أن هذا يثبت قوة الدواء. فأن نزيد من الجرعة لخطر وتهور」
إذن فلا شيء يسعهما.
إذا عجز مثليهما أن يتخذا أي قرارات هنا، فالخيار الوحيد المتاح أن يذهبا إلى طبيب. لكن ذلك ليس بخيار وهما هاربان. ولأنه جانح متمرد، فهو يعرف القواعد. بعد جريمة، أول من تُرسل إليه المعلومات المطلوبة هي المستشفيات والفنادق.
「لنبحث عن طبيب مظلم......」
「هامازورا」
「لدينا المال. وكثرة منه في الحقيبة! ولن نجد طبيبا في العالم إلا في الأكاديمية من يمكنه التعامل مع مشكلة [بلورة الطاقة]. لن نقدر على علاجك إذا تركنا المدينة....ء!!」
「هامازورا」
نادته هذه المرة بصوت أشد. كانت في حالة غثيان من الحمى وقوتها تتناقص مع العرق، لكنها تحدثت بحزمٍ.
「الهروب أمرٌ، لكن لماذا نهرب؟ ليس وأننا رمينا الأمل، أتذكر؟」
「......」
「صحيح أن التكنولوجيا خارج المدينة متخلفة بعقدَين أو ثلاثة، لكنني أنا موجودة والدواء المستخدم لعلاجي. فقط بهذين، قد يستطيع طبيبٌ من الخارج أن يسد الفراغات. فلا تزال الفرصة موجودة」
كم من القوة جمعت في جسدها الذي كاد ينهار في أي لحظة؟
「لكن فرصنا هنا صفرية إذا بقينا فقبضوا علينا. فماذا تفضل؟ تذكّر سبب هروبنا」
المريض عمومًا يضعف وتكثر أنانيته. خاصة وإن كانت تفاصيل مرضه وعلاجه مجهولة. لكنها حاولت تشجيعه كما تفعل دائمًا.
عليه أن يكافئ تلك الشجاعة.
قمع رغبته في التسرع وبدل ذلك أن يرجع إلى حيث جاء.
كان هذا هو الجواب الصحيح الوحيد هنا.
「تمهل، هامازورا. إلى أين أنت ذاهب؟」
「تلك المرأة الشبح أنقذتنا」
أولاً، ذكر الحقائق حتى يأخذها أساسًا للتخمين.
「ولكن لماذا؟ ما حدث مع بِنيزومي يكفي لأن نعرف أننا لن نجد أي أحد ينقذنا بدافع شفقةٍ أو محبة. وبما أنها أنقذت حياتنا، فإن ذلك لأنه يرجع عليها بفائدة. لقد أنقذت حياتنا من موقع متعالٍ」
وفي تلك الحالة، كم من الوقت كانت تلك المرأة الشبح موجودة؟ لقد ظهرت في اللحظة المناسبة لإنقاذه، لكن كان من الممكن أنها انتظرت حتى أصيبت تاكيتسوبو بمسدس الصعق ثم تدخلت. ربما لأمكنها أن تساعد في وقت أبكر، لكن ربما أرادت أن تؤدي دور المنقذة لتسيطر على الموقف.
「إذن...」
「المرأة الشبح صنعت تعادلا بيننا والأندرويد. وذلك الشايب الكيهارا الذي كانت الأندرويد تحميه سيتنبه قريبًا لوجود خطب ما. إذا تمكن أحد من الهروب من فخ هو نصبه، فهم من سيطاردونه. وعندما يشعر بالخطر، هو من سيهرب. ونحن غادرنا بناءً على نصيحة المرأة الشبح......... إذن، فمن الآن يملك وصولا غير مقيد إلى المزور الثمين؟」
「أوه」
「الآن فهمتِ. هي قد جعلت كِلا الجانبين ينسحبان في نفس الوقت، ولذا بات [برفكت فيلم] مكشوفا الآن. ويمكنها أن تطلب منه عملا دون أن تقلق من أي تدخلات」
كان يشك في أن تلك المرأة الشبح غير الإنسانية ستخاف من رصاص أنتي-سكل العادي، لكنها ربما كانت تحمي شيئا. مثل الباحث الذي طورها أو جسدها الحقيقي الذي تركته وخرجت إسقاطا نجميا.
على أي حال، كدس هامازورا تخمينا وراء تخمين فوق كومة الحقائق ليملء الفراغات كما لو كان يحل لغز الكلمات المتقاطعة.
「المرأة الشبح لا تريد أن يتدخل أحد」
استمر يمشي.
فزاد يَنسِل.[8]
「ربما هي تفوز لو قاتلت، لكنني أجزم أن هناك أحدا لم ترغب في أن يقع وسط معركتنا. لهذا السبب فرقت الجميع. فلا شك أن هناك شيئًا يسع حتى الخاسرين أمثالنا أن ينجزوه」
ما عادا بعيدين عن الخيام الآن. نظر إلى خيمةٍ يخرج منها ضوء فاندفع إلى داخلها دون أن يستأذن.
وفي الداخل، رجل مسن ذو ملامح عنيدة—من المحتمل أن يكون المزور—يواجه شابًا لم يره هامازورا من قبل.
أكان صديق المرأة الشبح؟
يلبس شيئًا ليس تمامًا زيًا موحدًا بل أشبه ببذلة سفاري. كانت نسخته عبارة عن شورت وأكمام قصيرة. هل كانت تسمى سترة سفاري؟ ذكّر اللبس هامازورا بمغامر تلفزيوني برنامجه يُعرض مرارًا وتكرارًا. على الرغم من أن هذا الشاب كان يرتدي قميصًا طويل الأكمام أسود تحت البذلة حتى يدفأ في الشتاء. وكانت عصبة جبهته مرفق بها كاميرة ويب خارجية.
يبدو أن هذه الخيمة كانت المختبر وليس المسكن. قبل أن يتمكن أي شخص من قول كلمة، أدخل هامازورا يده في صندوق الأدوات وأخرج مسدس مسامير.
لم يجفن الشاب.
「آخٍ منها. يا ليتك أديت عملك باتقان، فلرساند-كن」
「اصمت」
「سؤال سريع: أتحسب أن شبحا أنشأه العلم قد تطرده مسدس مسامير ثمنه اثنين ين؟」
ذلك ليس الموضوع.
لم يتردد هامازورا شياغي في تصويب مسدس المسامير نحو [بيرفكت فيلم].
「هيه!」
اتسعت عينا الرجل المسن العنيد، لكن هامازورا لم يكن في وضع يسمح له بقبول الشكاوى. فهذا هو [الجانب المظلم]، لذا كان الجميع يبذل قصارى جهده للنجاة وأن يختاروا أي خيار يثقون به بحياتهم.
ولقد سئم من اعتماده على وعود غير أكيد ومريحة.
「أنت أحوج لهذا المسن النتن كما أنا، لذا لن تتركني أقتله، ها؟ فهيا نهدأ ونتحدث. نحن نريد الخروج من المدينة الأكاديمية، ولكنني سأكسر لوح كارنيادس إذا اضطررت!!」
「طيب، طيب. فهمت」
رفع الشاب يديه غير مكترث.
كان هامازورا في وضعية تفوق، لكن الشاب كان هادئًا كما كان دائمًا. رغم أن هامازورا هو من جاء بهذه الخطه، إلا أنه ارتعش منها. بدأ يتساءل عما إذا كان يحسنها حتى.
「أنت تريد نفس الشيء الذي أريده، ولا؟」 سأله الشاب.
「جواز سفر مصنوع أفضل من الجواز الحقيقي」
「بالفعل. لكن ليس عندنا وقتٌ كثير. وحسبما أفهم، أنت بحاجة إلى اثنين. ولعلمك، تراني دفعت خمسة ملايين على لوحي」
「......،」
خمسة ملايين ين. ما سُمكها؟ أيحمل المال مضغوطا داخل شنطة الهاتف؟ لكن ذلك لن يكفيه.
ابتسم الشاب وهو يهاجم لفظيًا.
「لكن أنت لا تزال طالبًا، فكم يمكنك أن تدفع مقابل اللوح الذي تحتاجه للنجاة؟ وأعني بكلامي: لكل فرد. أوه، وهذا عمل دقيق لا يُتم إذا كانت أصابع الحرفي ترتجف من تهديد لحياته، لذا لن تستطيع طلب عونه حتى تُنزل سلا—」
لم يكمل جملته لأن شيئًا آخر حدث أولاً.
سمع هامازورا شيئًا يطير عبر الخيمة ثم انفجر رأس المزور الصلب.
تم انصبغت كامل داخل الخيمة بالأحمر وسقط هامازورا على مؤخرته. لم يكن هو من فعل هذا. كان مسدس المسامير مخصصًا فقط لدفع المسامير في قطعة من الخشب، لذا حتى لو سحب الزناد عن طريق الخطأ، لم يكن قويًا بما يكفي ليحطم جمجمة الرجل المسن، جاعلا القطع تتطاير في كل مكان.
مما يعني.......
「هاخ، فلرساند-كن عليها حقًا أن تحسن عملها،」 تذمر الشاب.
بدا صوته كمن تلف مصباحه الجديد.
نعم، قد غفلت المرأة الشبح شيئًا.
ربما كانت تحسب أن هذا الشاب يمكنه التفاوض بحرية بمجرد أن يذهب فريق هامازورا/تاكيتسوبو وفريق كيهارا/أندرويد بعيدًا عن [بيرفكت فيلم]، لكن كان هناك شخص آخر.
وجد هامازورا شياغي نفسه يلفظ اسمًا معينًا.
「.....ديلة」
تلك المرأة كانت قادرة على استخدام أشعة الإلكترون، موجات التيراهيرتز، وغيرها من المعدات التصويرية الخاصة لتحدد الهدف بدقة عبر الخيمة. كانت تحمل أسلحة قوية، وكانت منتظرةً مترصدة كالقناص.
كانت جزءًا من الظلام، ومزعجة أقصى ما يكون.
「القنديلة بِنيزومي!!!!!!」
لم تكن تهتم بمصير العالم كله أو بحياة فرد واحد.
تلك المصورة المستقلة لم تحمل أي أخلاق على الإطلاق، ولذا كانت أهلا لنشر الفوضى إن كان يساعدها ويكسبها صورةً ترغب بها.
- ما بين السطور 2
「أليست هذه الأشياء مريحة للغاية」
اقتربت فتاة تبدو في العاشرة من القضبان الباردة.
كانت شعرها الطويل والمديد ينضح برائحة وردية بينما تهمس في الزنزانة المجاورة.
「أعني الهواتف الذكية. الآن، تحتوي الحواسيب على الكثير من البرامج المثبتة مسبقًا عندما تشتريها من متجر الإلكترونيات. وأكثر من اللازم حقًا. لكن أليس هذا هو الفرق الحقيقي بين الهاتف الذكي والحاسوب؟ عليك أن تقرأ كتيبات وخرابيط حتى تستخدم الحاسوب، ولكن في الهاتف الفهم يُكتسب سريعا بمجرد اللمس. يبدو بسيطا، لكنه في الواقع صعبٌ للغاية. إخفاء التعب والعمل الذي تم هو ما يجعل خدمتك الجديدة تنتشر」
لم تلقى آنا سبرنجل بأي رد، لكنها لم تبدو منزعجة.
وكانت تستمتع بجمهور يستمع. وما لم تتحمله في الحقيقة كان الحمقى الذين يقاطعونها بأسئلة غبية وهم يتصرفون وكأنهم يعرفون عما يتحدثون.
الخبراء المزعومون هم السرطان في العالم. ومآلهم أن يدمروا أنفسهم، لكن المشكلة تكمن في كيف أنهم نشروا "خبرتهم" المزعومة للآخرين.
「أوه؟ لكن ألم تختبر تجربة مباشرة مع مثل هذا؟ فأنت من ورثت المدينة الأكاديمية. بعد أن حلب رئيس المجلس السابق آخر قطرة من قوتها، سلمها لك على شكل أكواد (شيفرات). وأي نوع من الأجهزة كانت تستند؟ هيهيهي. أليس هاتفًا ذكيًا؟」
ثم تنفست ببطء قبل أن تتابع.
「لكن علم النفس البشري لشيءٌ غريب」
غالبا، كان هذا شيئا ولا حتى هي نفسها تملك إجابةً عليه.
العقل البشري.
لو كانت تفهم تصرفاته اللامنطقية واللامفهومة بشكل كامل، لما كانت هنا تفعل ما تفعل أول المقام.
「عندما تجد شيئًا مريحًا ومناسبًا، ألا تأتيك رغبة أحيانًا أن تسترق النظر وراء الحجاب؟ أعلم أنك تشعر. فعلى سبيل المثال، ربما اعتراك فضول كيف تمكنت خفيانية R&C أن تنتشر بهذه السرعة؟」
ربما يمكنها التحكم في الجماهير كجماعة واحدة كبيرة.
ربما يمكنها أن تمسك بزمام الأمور بأن تصنيفهم ضمن فئة "الوحش" وتفهمهم بتلك الطريقة.
لكن الآن، ابتسمت آنا ابتسامة خفيفة.
「لكن هل هذا حقًا ما يجب أن تبحث فيه؟ كم تفهم عن طريقة عمل الهاتف الذي تحمله؟ لماذا يكون الإنترنت مقابل رسوم ثابتة بينما المكالمات تُحسب بالدقيقة؟ كيف يتصل الهاتف وهو في البحر أو في الجبال أو في أي مكان آخر؟ كانت هناك مشكلة في التداخل مع الهواتف سابقًا، ولكن لماذا لا تحدث الآن؟ ربما لا يوجد شخص واحد يمكنه شرح كل شيء يحدث داخل هذا الجهاز بحجم بطاقة الائتمان. الإنترنت مليء بالخبراء المزعومين، ولكن إذا كانوا يستطيعون فعل ما يدعون، لأصبحوا أثرياء للغاية. الخبراء الحقيقيون هم أقرب ميلا ألا يخبروا الناس بعلمهم القيّم」
لماذا بدأ الناس فجأة يجدون كلمة "كيرارازاكا" في قاموس هواتفهم؟
ولماذا كانت الذكاء الاصطناعي في الهواتف يجيب على أسئلة الكائنات الفضائية بكلمة "زولتازيان"؟
هل كان ذلك خطأ إدخال بسيطا؟ أم كانت مزحة من المطورين؟ أم كان شيئًا أُضيف سرًا لغرض معين؟ هناك العديد من الثغرات غير المفسرة في الأجهزة التي يحملها الناس معهم كل يوم.
「لقد ورثتَ هذه المدينة على شكل هاتف ذكي، ولكن كم من وظائفها تفهمها فعلاً؟ يجب أن يُشكر المستخدم العادي إذا استخدم حتى ثلاثين بالمئة مما يمكن للهاتف أن يفعله」
إلى ماذا كانت تلمح بهذه الأسئلة؟
كانت هذه تهويدة مظلمة تهدف إلى جذب المستمع إلى عالمٍ كابوسي.
وختمت آنا سبرنجل بهدوء.
「أخفض حذرك، وقد تجد قدميك تُجرف من تحتك. قد تجد في ذلك الشيء ثغراتٍ غير مكتشفة تملأها ولم تدركها حتى」
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)