الفصل الثالث: أَعۡظَمُ مُحَرَّمَةٍ في المدينة الأكاديمية. — Safety_Zero,Control_Free.
(إعدادات القراءة)
انتقال بين الأجزاء
- الجزء 1
ستصور.
بأي وسيلة كانت، ستصور صورة القرن.
لكن دبًا هاجعًا ليس محل اهتمام. وعش دبابير مسالم لأكثر مللا من ذاك. إذا كنت تريد صورة مثيرة، فأوقظ الدب، وارمي عش الدبابير على الأرض، وفتّن بينهما.
هكذا فعلت، لكنها تعرف أكثر من اللازم.
كانت تعرف كل الإشارات والمجاملات التي قد تتغاضى عنها الأنتي سكيل والجدجمنت.
لقد غلفت نفسها بنفس الرائحة بحيث لا يشك أحدٌ في وجودها هناك.
قنديلة بِنيزومي كانت مصورة ماهرة شديدة، ولكن لهذا السبب لم ترضى أي دار نشر أن توظفها بشكل دائم، وإن كانت تقدم باستمرار صورا مثيرة.
كانت هذه موهبة لا يمكنها الإفصاح عنها علنًا. وبينما تعلمت كيف تعيش في هذا العالم، أصبحت كذلك معروفة في الجانب المظلم.
(......يا لحسرتي أن هذا صار رزقي الوحيد)
بينما تختبئ خلف شجيرات تغطيها الثلج الصلب وتترصد بمنظار بندقيتها القناصة القابلة للطي، كان تركيزها منصبًا على قلم الكاميرا الخفي الذي كانت تحمله أيضًا. حزنت كيف أن كاميرتها أحادية العدسة العاكسة قد دُمرت، لكن التكنولوجيا في هذا القلم كانت مشابهة لتكنولوجيا الهاتف، مما يجعل جودتها كافية لمجلة. فبعد كل شيء، هذا عصر التلفزيون الأرضي الذي يقدم برامج خاصة مدتها ساعتان مكونة بالكامل من مقاطع فيديو حيوانات على الإنترنت.
لم ترى أبدا أن هذه هي الطريقة الأكفأ لكسب المال.
لقد استغلت الممثلين والرياضيين والسياسيين ورجال الأعمال وكل المشاهير الآخرين الذين وقفوا في دائرة الضوء. إذا أرادت كسب المال وحسب، فكثيرٌ من الطرق الأخرى متاحة دون الكاميرة.
(ربما مثلي كمثل الطفلة الثرية تسرق المتاجر؟ إنما فقط أحب الإثارة التي تدمر حياة الناس. لن يرغبوا في حدوث ذلك وسيقاومون بكل وسيلة ما إن يدركوا، ولكن ذاك الخطر لا يزيد الأمر إلا إثارة)
كانت تعترض إشارات الراديو، وتترصد الناس، وتُقدر منطقة نشاطهم على الخريطة، وتراقب المواقع. كانت تقنيات المصورة المستقلة تشبه إلى حد كبير تلك الخاصة بالقناص القصصي، ولذا أمكنها بسهولة أن تغير مهنتها بأن تبدل كاميرتها ببندقية.
وكان لديها سبب واضح ألا تعمل قناصة.
خبرتها علّمتها أن صورةً واحدة تُزلزل أكثر من رصاصة.
الصورة التي تُرعب أولئك في القمة قد تفتح لها دربًا. استهداف مركز المدينة هي خطة أفضل من تسلق الجدار بشكل أعمى أو أن تحصل على جواز سفر مزيف. إنَّ المخرج الآمن الوحيد تلقاه هناك.
「لذا لا تقلقا، أيها العاشقان الساذجان」
كل شيء تجهز. المجموعتان داخل الخيمة غرباء. وكلهم أرادوا جواز سفر مزيف لأغراض غير قانونية. توازنهم المؤقت سينتهي الآن بعد أن مات المزور الذي يحتاجونه. هذا يزيد بشكل كبير من احتمال حدوث خطأ عفوي.
لحست شفتيها من موقع أمان بينما تُميل قلم الكاميرة والهاتف المتصل به على جانبهما.
「سألتقط مأساتكم داخل الإطار. وسأفاوض رئيس التحرير هذه المرة بجدية لأحصل على أعلى سعر لهذه الصورة☆」
ظلت هذه المصورة حرة في عملها لأن كل دار نشر بعّدتها عنهم، لكنها امتلكت مهارةً تجبرهم يشترون صورها باستمرار. وهذه هي اللحظة التي انتظرتها.
「ياه. أحقا حسبتِ نفسك مخفية وكل دخان البارود يفوح منك؟」
فإذا بها تسمع صوت فتاة خلفها، فعبست بصمت تحت قبعة رعاة البقر المزينة بزخرفة قنديل البحر.
كانت تقنياتها مجربة وحقيقية. حتى لو كانت مركزة على قلم الكاميرة في يدها، كانت تشك في أن أحدًا يمكنه أن يتسلل إليها بهذه الطريقة. لو اقترب منها إنسان بأي طريقة طبيعية، لسمعته وهو يدوس العشب أو الثلج.
وبما أنها لم تفعل، لا بد أنها استخدمت طريقة غير عادية لتقترب.
همست خلفها وعينيها لا تزالان على الهاتف المتصل بالكاميرة.
「.....متنقلة آنية؟ يــاهٍ إيــآه」
「معكِ الجدجمنت!」
صوت واضح شق برودة الشتاء ليحكم المكان. وأصدر إعلانًا لن يشاء مجرم سماعه.
「على عكس الريلغن (مدفع كهرومغناطيسي)، فإنَّ الأسلحة البارودية تفتقر إلى الأناقة. هلّا تشرحين لي عن رائحة دخان البارود التي تفوح هذا المكان؟ خصوصًا كيف أنّ هذه الرائحة مرتبطة بالسلاح المخصص المرمي ذاك؟」
- الجزء 2
طاطاخ!! دَوَت طلقتان ناريتان عالياً من خارج الخيمة.
ومن مكان قريب بشكل مفاجئ.
「وااااه!!」
「هامازورا، هيّا نخرج من هنا」
شدّت فتاة البدلة الرياضية تاكيتسوبو على ذراعه، لكن هامازورا كان قد انهار وسقط ببؤس على مؤخرته. وعندما حاولت جذبه، انتهى بها الأمر تسقط بجانبه.
كانت خفيفة للغاية.
حتى وعبر بدلتها الرياضية، أمكنه أن يشعر بدفئٍ منها غير طبيعي.
「تب......」
شعر بدموع تتجمع عند أطراف عينيه.
بحث محمومًا في حقيبة الكتف. وكان [صوت الهاتف] قد جمع عدة أدوات للهرب، مثل المال وجواز سفر مزيف وصندوق إسعافات أولية.
「أليس عندنا أي شيء مفيد هنا؟ سأقبل حتى بورقة خفض الحرارة أو مسكنات الألم الآن!!」
「إني بخير. ودربنا طويل لنقطعه، فاحفظ بكل الدواء لنفسك يا هامازورا........」
وفي تلك الأثناء، لم يهرب الشاب ذو سترة السفاري والقميص الواقي ولم يبحث عن أي شيء. اكتفى بالتحديق فيهما. لم يستطع هامازورا حتى أن يخمن ما الذي كان يفكر فيه ذلك الرجل من الجانب المظلم، ولم يكن لديه الوقت ليقلق بشأنه أيضًا.
و،
『دُرينشر』
برز وجه من المادة الصناعية الملطخة بالدماء التي شكلت الجدار الخلفي. كانت المرأة الشبح ذات الشعر الأشقر الطويل المربوط ذيلين وبفستان ضيق وتنورة طويلة فضفاضة. يبدو أن القيود المادية لم تكن تعني شيئاً لها حيث أن خيمة العزل المائي لم تكن تشكل عائقاً.
『هيّا نغادر المكان. فالخطر موشك』
「وغلطة من كانت، فِلرساند-كن؟」
『لستُ من بدأ إطلاق النار』
ومع ذلك، كان الشاب بحاجة إلى مخرج مادي. وكان هامازورا جالسًا قرب السّحّاب الوحيد (الباب)، فربض الشاب وسحب أحد الأوتاد المعدنية التي تثبت الخيمة. بعد أن رفع المادة الملطخة بالدماء، التفت نحو هامازورا.
「ابحث عن أعظم محرمة في مدينة الأكاديمية」
「ماذا؟」
「هذا هو خيارك الوحيد الآن بعدما ضاع منك خيار المطار في المنطقة 23. حتى وإن كانت مجرد شائعة غامضة عن شيء قد لا يكون موجودًا. وبالطبع، كل من بقي على قيد الحياة من [الجانب المظلم] سيكون هناك مقصده، لكن إذا أردت الهرب بأمان من الأكاديمية، فحاول」
كان هامازورا في حيرة تامة، لذا لابد أنه لم يكن مثيراً للاهتمام بدرجة كافية ليُبقي الشاب هنا.
غادر الشاب الخيمة، وعبرت المرأة الشبح مرة أخرى من خلال المادة الصناعية الملطخة بالدماء.
「هامازورا」
「......」
شخص من [الجانب المظلم] لن يقدم له هدية بدافع الروح التطوعية أو الشفقة. بما أن هذا الرجل أعطى هذه المعلومة، فلا بد أنه أراد التحكم في أفعال هامازورا.
ولكن لأي غرض؟ لن يسعه الحذر من شيء لا يفهمه.
وحان آوان أن يتخذ القرار.
「اللعنة」
「ما الأمر، هامازورا؟!」
استدار الفتى الجانح عن الطريق الآمن. بدلاً من الهروب، عاد نحو الخيمة. والآن بعد أن فكر، لم يفهم بعد سبب بقاء [بيرفكت فيلم] هنا. كان وجوده بمثابة هِبة من السماء لهامازورا وتاكيتسوبو، لكن [المزوّر] قادر على أن يأخذ أحد جوازات سفره المصنوعة فيركب طائرة ويغادر.
فلماذا لم؟
أكان عنده تأمين يجعله يتأنى؟
كمثل أعظم محرمة في مدينة الأكاديمية ربما؟
لم يكن لهامازورا أي فكرة عما إذا كان ذلك [شيئا] أو [شخصا] أو [مفهوما]، لكنه لم يستطع تجاهله. لم يكن جهله بسبب رداءة المعلومات، بل لأنه ببساطة لم يحاول البحث فيها.
يبدو أن هناك قاعدة خاصة كانت سارية في هذا الصدام بين [الأنتي-سكل] و[الجانب المظلم]. عدم معرفته بذلك كأن تكون غنيًا ولكن غير مدرك للثورة التي تجري. سواء استفاد منها سواء استغلوه بسببها، كان عليه على الأقل أن يعرف ما هي.
أراد أن يعرف مجموعة القواعد الكاملة، ولو أدخلته في مخاطرة أعظم.
احتاج إلى المعلومات.
داخل خيمة تلطخت بالدماء، جثة برأس محطّم. الأدوات الكثيرة المتناثرة في المكان أشارت إلى أن هذه كانت ورشة الرجل المسن، لكن هامازورا بحث في كل مكان ولم يجد أي جهاز ذاكرة صغير بحجم مذكرة جلدية أو أنبوب أحمر الشفاه. عبس وحاول مواجهة الجثة، لكنه انغث نتيجة فعله.
ولكن فتاة البدلة الرياضية تقدمت أمامه.
ربضت وبدأت بسرعة تبحث في جيوب الرجل.
على الرغم من براءتها، إلا أنها كانت وتأثرت بالجانب المظلم.
「لا أجد غير محفظة في جيبه. ماذا الآن، هامازورا؟」
「س-سؤال جيد」
لم يكن من المفاجئ ألا يجد دواء [لبلورة الطاقة] هنا.
لو كان هذا الدواء شائعاً، لما اعتمد على [مروضة الحيوانات].
عاد القلق المظلم يغلي في صدره. اعتراه فضول—فضولٌ كبير— ولكن هل كان أمرا يستحق التحقيق فيه وعشيقته تقترب ببطء من الموت؟ ألا عنده شيء أفضل يفعله بهذا الوقت؟
(لا. لقد وعدت نفسي بألا أضيع شجاعتها سدى. الهروب أمر، لكن لا يمكنني أن أنسى سيب هروبنا! أنا أفعل هذا لكي نكون سعداء في الأخير. يجب أن يظل هذا هو هدفي طوال الطريق، لذا لن أنتقل من شيء إلى آخر وأنسى ذلك!!)
هز رأسه ليطرد الغثيان الغريب الذي شعر به وتمكن بطريقة ما من الكلام.
「هذه ليست الخيمة الوحيدة. بحثنا هيّا في الخيام الأخرى」
واتجه نحو مخرج الخيمة. كان قرارا منطقيا، وما تحمل البقاء مع الرائحة الصدئة أكثر.
ثم.....
「به!؟」
بينما كان يخفض رأسه ليخرج من المخرج، اصطدم بشيء ناعم.
كان صدر امرأة.
سقط الفتى الجانح على مؤخرته ونظر للأعلى ليرى فتاة ترتدي الهاكاما ذات شعر فضي طويل تقف واضعة يديها على خصرها.
「يا أهل الخيمة!!」 صاتت الفتاة جعداء الشعر وباليابانية. 「أوه، أنت المزوّر الشهير؟ تتبعت موقع مختبرك منذ فترة. ولقد خسرت مالا كثير لمّا اشتريتُ كتابا تبيّن أنه مزور من صنعك، فلنقل إنني دفعت مقدمًا إذن، لذا حُقِّ لي أن أحصل على إحدى جوازاتك المزيفة!!」
「ما الذي تقولينه بحق؟ ألا تسمعين كل هذه النيران تُرمى في الخارج؟ وأصلاً الرجل المسن قد مات!!」
「ها؟ هَه... كييااااااااااه!! دماغ… ورأس محطّم. كيف دخلت فجأة في فيلم رعب دموي!؟」
أنتِ من جئتِ!! كاد هامازورا أن يرد، لكنه كبح نفسه. ولم يكن ذلك فقط لأن وجهه قد اصطدم بصدرها المرجرج العجيب.
جاءت هنا الليلة من أجل جواز سفر مزور عالي الجودة.
قد ترتدي ملابس ذات رسومات لطيفة، لكنها بالتأكيد تنتمي للجانب المظلم. قد تكون غريبة الأطوار قليلاً، لكن من الأفضل ألا يثير غضبها بلا داعٍ.
「هامازورا」
「ن-نعم. صحيح. هذا لا يغير ما علينا فعله. علينا أن نعرف كل ما نستطيع عن أعظم محرمة المدينة الأكاديمية」
مهمم؟ كما أصدرت الفتاة ذات الهاكاما استغرابها وهي تعبث بقرنيها من غُرتها. وكانت تحدق مباشرة في تاكيتسوبو.
「مم، أنتِ بخير؟ وجهكِ أحمر وكُلكِ عرق. أنت يا ولد، أما تظن بها غرابة؟」
「آاه، مم....」
「اعذريني. ما استطيع إلا أن أستَبۡيِنَ من شيء لما أحتار」
اقتربت الفتاة دون طلب الإذن وبسرعة حتى لم يوقفها. في البداية، أخطأ هامازورا وظن أنها تصارع. طرحت تاكيتسوبو وأمسكت بساقها وخلعت حذاءها ثم بدأت تفرك بإبهامها أسفل قدم تاكيتسوبو.
「أغياغَغَغَغَغَغَغَه؟!」
「هممم، ليست المشكلة في الكبد أو الكلى. في الصدر؟ أرى أنها مشكلة بالدورة الدموية أكثر من التنفسية....」
أخرجت الفتاة ذات الشعر الفضي المجعد شيئًا من جيبها.
سماعة طبيب.
「هل تعرفين بهذه؟」 سأل هامازورا.
「أعرف ماذا؟ بأي حال، سأخلع الجزء العلوي من ملابسها وسيظهر صدرها، ألا بأس ببقاء الصبي هنا؟」
「طبعا لن تمانع، مئة بالمئة—آخ!؟」
ركلة من تاكيتسوبو المرتجفة طردته خارج الخيمة.
ثم أُغلق مدخل الخيمة بالسحّاب.
『حسنًا، هيا نخلع عنك هذه السترة لأتفحص صدرك. أووه، من النوع المثير ها』
『هـ-هذا ليس وقته الآن......』
『أنا خبيرة، فلا تخجلي. حسنًا، خذي نفس عميق...... ثم ازفري』
『هاه، فهوو』
『حسنًا، والآن سأضغط السماعة على صدرك. واعذريني إن كانت باردة』
『إيييك!؟』
تلك الأصوات أثارت خياله وجمّحته. ماذا يجري داخل تلك الخيمة؟ كان ذلك المكان مليئا بالدماء وفيه جثة رجل مسن مقطوعة الرأس، ولكنه لم يستطع إلا أن يتخيله الآن مشهدا وردي! تخيلاته تغيرت لدرجة أنه خاف من أن يطور في نفسه هوسًا غريبًا جديدًا!!
إذا كانت فتاة الهاكاما تنتمي إلى [الجانب المظلم]، فهل كانت [نافعة]؟
(مهلا، مهلا،) فكر وهز رأسه. لن يدع لطفها يؤثر عليه. كانت تلك عادة سيئة للجانحين. فهل نسي ما حدث مع القنديلة بِنيزومي والمرأة الشبح—
『آآه. حـ… حار!!』
「وكيف بحق السماء تكون هذه ردة فعلها من سماعة، أيا الطبيبة المُنحرفـ—بعويييه!؟」
في اللحظة التي اقتحم فيها الخيمة بعيون واسعة، أصابته علبة أدوات رمتها تاكيتسوبو.
(كـ،)
بينما انقلبت رؤيته، رأى شيئًا موضوعًا على ظهر عشيقته العاري. كانت شعلة أشبه بسيجارة تتوهج.
(......علاج بالكَيّ؟؟؟)
وبعد وقت قصير....
「آهه」
خرجت تاكيتسوبو من الخيمة بتعبير خالٍ، لكن وجنتيها الناعمتين تبدوان وكأنهما تحترقان. حركت شفتيها قليلاً، لكن لم تخرج أي كلمات فعلية. ولم تستطع أن ترفع عينيها لتلتقي بعينيه.
ولكن هذا يعني أنها شعرت بتحسن كافٍ لتركز على هذه المشاعر الأخرى.
「أ، أنقذتِها؟」
تنهدت فتاة الهاكاما بينما كانت تعيد أدواتها إلى لفافة قماشية سوداء.
「كل ما فعلته أنني استخدمتُ الحرارة لأحفز تدفق الدم وأقطع التحفيز المفرط لأعصابها، ولا تحسب أنني عالجت الجذر. قد يتحسن حالها، ولكن ذلك فقط لأنني أغلقت إشارات الخطر. لا يجب أن تضغط على نفسها لأن تجاهل حدودها قد يسبب أضرارًا حقيقية لجسدها」
「من أنتِ؟」
「متخصصة في التعذيب. آه، لكن فقط في التعذيب الياباني. ولهذا أعرف كيف أعالج بالكيّ، والوخز بالإبر، والطب الصيني التقليدي」
أطلقت هذه القنبلة بكل بساطة. بقي هامازورا عاجزًا عن الكلام بعد أن اكتشف أنها ليست طبيبة. خاصة وأن هذا جاء بعد انتهاء كل شيء. ولكن هكذا يكون [الجانب المظلم].
「الكيّ هو مجال يستخدم الحرارة لتحفيز الأوعية الدموية والعضلات للسيطرة خارجيًا على حركة الأعضاء. لكنه لا يزيل السموم فعليًا من الدم، لذا إذا أردت إنقاذها.... نعم، أوصي بالبدء بغسيل الكلى」
غسيل الكلى تقنية طبية تُنقي الدم بمرشح خارج الجسم ثم تعيد الدم النظيف للجسم. وبغض النظر عن الجودة، كانت هذه تقنية عادية يمكنهم إجراؤها خارج المدينة.
يمكن للمدينة الأكاديمية أن تفعل ذلك أيضًا، لكن الإجراءات الأمنية كانت صارمة جدًا في مستشفياتها. من ناحية أخرى، كان مترددًا في ترك صحة عشيقته في أيدي طبيب ظلامي. لذلك كان هذا الحل مثاليًا. التكنولوجيا خارج المدينة متأخرة بعقود، ولذا يمكنهم أن يحتالوا ويحصلوا على رعاية طبية في أي مستشفى.
وجدها.
وإن كان خيطًا رفيعًا لا يرى، لكنه وجد وسيلة لإنقاذ عشيقته.
「هـ-هامازورا، ألم تكن تبحث عن شيء؟ حتى قاطعنا، مم، ما حدث」
「ن-نعم」
「لماذا تتحرجين من فتاة أخرى رأت صدرك؟」 سألت فتاة الهاكاما. 「ترى صدرك أكبر من صدري」
「اذكري ذلك مرة أخرى وسأضربك حقًا」
نعم، المزور كان لديه عدد من الخيام الأخرى. ربما كانت مقسمة بين مساحة للعيش والتخزين، لكن هامازورا لم يستطع معرفة أيها كانت من الخارج. وأثناء فتحها واحدة واحدة، وجد كيس نوم ملفوفًا بجانب خزانة مقفلة. كانت تبدو مثل صندوق صيد فخم، لكن الأدراج البلاستيكية كانت متينة بشكل مفاجئ. شكك في أنها ستنكسر حتى لو ضربها بالغلاية المعدنية الموجودة في نفس الخيمة.
لم يكن لديه الوقت ليبحث عن المفتاح لأنه لا يزال يسمع إطلاق النار من الخارج. لم يكن متأكدًا من كان يقاتل من، لكن رصاصة طائشة تخترق الخيمة الرقيقة ستكون مميتة بغض النظر من مطلقها.
حاول إدخال مشبكين معدنيين في فتحة المفتاح، ثم عبس. لم يشعر بهما يفتحان الدبابيس. على الرغم من مظهره الرخيص، بدا أن هذا قفلٌ تناظري خاص للغاية.
(تبا، يا ليت معي عملة نيقولا)
ندم أنه استخدمها على تلك المصورة الملقوفة [1]. ما كان عليه أن يصرفها دون تفكير.
ولكن خطرت له فكرة أخرى.
「أنتِ، يا أم ثدي」
「「نعم؟」」
ولسبب ما، التفتت الفتاتان إليه، لكن تاكيتسوبو كان عليها أن تقمع تنافسها الغريب هذا هنا. فهو كان يقصد بنت الهاكاما.
「عندكِ إحدى هذه العملات؟」
「بلى. لمَ؟」
وفي هذه الأثناء، بدأت فتاة البدلة تضغط على جانبه وتنفخ خدها بصمت.
(ليست منافسة، ولم أخترها عليكِ!)
كاد يفقد تركيزه. لقد كانت "أكبر" من فتاة الهاكاما وهذا منحها قوة تدميرية لا تصدق.
كان عليه أن يفرغ عقله ويركز على هذه الصفقة الخطرة مع ذي الغريبة الغامضة.
「ويمكن استخدامها الآن؟」
「هِهِهِهِهِه. أنا فتاة أقتصد في كل شيء، فكما ترى—هياااهه!؟ مهلا، لا تسرق عملتي نيقولا!!」
「افتحي القفل، يا عملة نيقولا!!」
رفع صوته بعد أن أزاح أخيرًا فتاة الهاكاما (التي انزلق زيها الهاكاما من أماكن حساسة وهي تصارعه).
وعندما سمع صوت النقر، انفتح الدرج.
فوجد محركًا صلبًا بحجم بطاقة داخل الدرج. هذا وحده لم يكفيه أن يعرف ما بداخله. ربما كانت مقاطع الفيديو الإباحية وروابط، لكنه اختار الوثوق بالكلمة المحفورة على شريط ملصقات مثبت على سطحه البلاستيكي: [شريان الحياة].
「هل هذا هو.....ء!؟」
هذا أفضل من لا شيء، لذا أخذه. ولحظتها، سمع طلقة نارية أقرب من ذي قبل.
انتهى وقتهم.
「هامازورا، خرجنا!」
「نعم!!」
لكنه سمع بكية من الفتاة فضية الشعر الأجعد والقرنين اللذين لم يبدوا مهددين إطلاقا، والتي بدا منها شريط بلاستيكي أحمر تحت زيّها الهاكاما.
「قاومتُ استخدامه طوال هذا الوقت وها هو سُرِق مني في لحظة. لماذا دائما هكذا وضعيييييي؟؟؟」
تجمد. كان هذا مُحرِجًا للغاية. ولقد كان لها مدينًا لتخفيفها معاناة تاكيتسوبو. كان الفرد المظلم ليتخلى عنها ويهرب، لكنه لم يستطع ذلك. هل يمكنه أن يصل إلى مستوى القنديلة بِنيزومي وتلك المرأة الشبح؟
هل عساه ينظر في عيني عشيقته بعد ذلك؟
「هامازورا」
「آهخ!! طيب، طيب! نحن مدينون لكِ مرتين إذا احتسبنا القرص الصلب، لذا عجلي!! تعالي معنا إلا إذا رغبتِ في الموت!!」
「مهلا، ماذا؟! الآن تسحبني إلى الشجيرات لتفعل بي ما تريد؟!」
محاصرًا بين شكاوى الفتاة المضللة ونظرات تاكيتسوبو الصامتة، هامازورا خاجلا متوترا غادر الخيمة.
وما عاد أمل استخدامهم جواز سفر مزيف في مطار المنطقة 23 متاحًا.
بقي لديهم أمل واحد أخير فقط: المحرمة الأعظم في مدينة الأكاديمية.
أيا كانت تلك.
- الجزء 3
تَنقَّلَت شيراي كُروكو متتابعةً طلقة.
لكن هذا كان بمثابة ردع أكثر من كونه هجوم. وما تزال عيناها مذهولتين.
(ما حسبت منها أن تستخدم ضوء الكاميرة عندما استدارت)
شعر بالذل، ولكن المظاهر الآن لن تصنع شيئًا. حسبت الوقت بهدوء حتى تتعافى.
(خمسة ثوان بعد!!)
بالتدريج كانت رؤيتها تعود.
وأثناء تنقلها، سمعت مضغةً غريبة تحت قدميها. ما كان الثلج شبه المتصلب ليُصدر هذا الصوت.
المنطقة 6 بأكملها كانت متنزهًا ضخمًا، ولكنها أيضًا تضمنت منازل فاخرة تُعرف باسم [المساكن السرية]. كل منزل استوحِىَ من فيلم أو حكاية خرافية، لذلك كانت المساحات الكبيرة لكل منها تبدو مختلفة تمامًا.
وهذا المنزل احتوى على حصى وغابة من الخيزران ومقعد بيت شاي ومظلة حمراء كبيرة لكنه لم يبدو مجرد منزل على الطراز الياباني. أبرز ما فيه كانت بوابة تُورِي متهالكة ومحطة قطار مهجورة بدون سقف. كانت سكة القطار الصدئة مدفونة تحت الحصى والأعشاب البرية، ولوحةٌ صدئة كانت واقفة على الرصيف.
وكُتب عليها: "محطة عاصمة العالم الآخر".
(أي فيلم استوحي منه هذا؟)
لو كان فيلمًا ثلاثي الأبعاد يظهر شخصيات تميمية(ماسكوت)، لتعرفت ميكوتو منه قدرًا مدهشًا. وبينما تنتقل شيراي كُروكو من إحداثية وأخرى آنيا، سمعت طعطعة معدنية غريبة. ظهر الآن ثقب برصاصة سُمكها يعادل الإبهام في اللوحة الصدئة. كانت قادرة على إطلاق مقذوفات دون أن تتقيد بالقيود الثلاثية الأبعاد، لذلك كان من غير المعتاد أن تُجبر على معركة طويلة المدى. مهما كان اختباء خصمها وحتى ولو حجب خط بصرها مباشرة، كانت تستطيع أن ترسل سهاما معدنية تصيبهم مباشرة وتُحدث أضرارها بغض النظر عن نوع الدرع الذي يرتديه خصمها.
ومع ذلك،
「هاهاء」
وكانت تسمع ضحكات تلك المراسلة المرتدية قبعة رعاة البقر وفستانًا صينيًا وقد أصبحت جزءًا من الظلام بعد استبدلت كاميرتها ببندقية قناصة.
「هَهَه، آهه هَهَهَهَه!! مذهل، حقًا مذهل. جل عملي عن المسافات والزوايا والتوقيت، لكني فشلتُ في أن أصيب الهدف حتى بعد أن جهزت كل ذلك ثلاث مرات. إيآهٍ يا بنت. موهوبة أنتِ! لكن احذري لأنه ليس الكلاب الضالة وحدها من تشتهي مطاردة هدفٍ هارب!!」
「لا؟!」
「آسفة، لكنني المطارِدة وأنتِ المطارَدة. وموهبتك لن تكفيك أن تغيري هذه المعادلة」
واصلت شيراي تنقلها السريع تحافظ على مسافة بينها وتلك المرأة وهي تُطارد.
أطلقت عدة سهام معدنية دفعة واحدة نحو الساق النحيلة التي رأتها تخرج من شق فستانها الجريء، ولكن...
「لن يفلح」
「خخ!!」
في ثانية، هاجمتها عدة ومضات كالبرق فأفقدتها رؤية الإحداثيات الصحيحة.
كانت تلك ومضة الكاميرة.
كان الفستان الصيني الذي ترتديه المرأة كاشفًا ملحوظ، وكان جزء من البطن شفافًا، لكنه بدا أنه يخفي عددًا مذهلًا من الأدوات. ولم يكن ضوءها الوامض مجرد مزحة إذا استُعمِلت مع بندقية قنص تعمل بنظام الترباس.
إذا أربكت الخدعة توقيت شيراي، فقد تصيبها رصاصة تخرق الهواء في نقطة حيوية قبل أن تتنقل حتى. والهجوم صوب مصدر الضوء ما كان بمجدي. كانت المرأة قد نشرت لوحات عاكسة تُطوى حول المنطقة لتعكس الضوء في كل مكان.
فباتت شيراي تحذر من كل شيء، ولكن ليس من ذلك فقط.
(يجب أن أجد طريقة)
صرت أسنانها. ولن تسمح للمشتبه بها أن تلاحظ جزعها.
(عليَّ أن أجد طريقة لأقبض عليها قبل أن تنكسر التروس. لعلها تكون جزءًا من [الجانب المظلم]، لكنني لن أسمح لمشتبه آخر أن يموت! وإلا لن أنظر إلى أونيه-ساما إذا حدث!!)
اختبأت المرأة ذاتُ الفستان الصيني الأحمر الزاهي خلف لوحة معدنية طويلة مكتوب عليها "مفقود" ومثبتة بأسلاك على عمود إنارة خشبي قديم.
ودون قصد، انزلقت عينا شيراي إلى الجانب الآخر من اللوحة حيث كانت لتخرج ولكن،
(آه لَه......)
أدركت خطأها متأخرًا لمّا سمعت طلقة نار عالية.
اخترقت رصاصة البندقية ظهر اللوحة الرقيقة متجهة نحوها.
حاولت أن تلف جسدها مبتعدة عن المسار، لكن الوقت خانها. تمزقت قطعة من زيها المدرسي واخترق جانبها ألمٌ حارق موجع.
「غخخ!؟」
「تشه. إيآهٍ عنكِ. بالكاد أصبت زيك الفضفاض؟ تلك كانت من عيار 7.62 ملم، وكانت لتُمزقك تمامًا ومن لمسة، أنت وأعضاءك وكل شيء」
ظهرت المرأة بقبعة رعاة البقر ببطء من خلف اللوحة. كانت تلك الطلقة من خلف الغطاء دقيقة للغاية وحازمة. لا بد أنها كانت تستخدم عدسة أو جهازًا يتتبع الهدف بشيء آخر غير الضوء الطبيعي، كموجات الميكروويف أو تيراهيرتز. حاولت شيراي أن تصيبها بسهم معدني بينما كانت ممددة على الأرض، ولكن المرأة حرصت على إعمائها بشعاع ليزر مُحدد للمدى.
「متشابهتان نحن☆ تمامًا كما يشبع الجدجمنت رغبتهم في تحقيق العدالة بالأصفاد، فأنا يدفعني عشق الكاميرات」
「ما الذي تقصدينه—」
「صورةٌ تُغيّر العالم」
ما استطاعت شيراي أن تصيبها.
كانت المرأة تسير باتجاهها مباشرة، لكن الضوء الوامض والليزر تركا عدة صور مؤثرة قوية على شبكية عينيها فصعّبت عليها تصويبها السهام وأخطأتها.
「صورة واحدة تُحَمّل على حساب مؤقت في وسائل التواصل قد تصحح أخطاءً يعجز عنها الناس. وإنَّ أحدًا يظن العالم ميدانه ويسيء للناس ويحسب أنه يفلت بالعنف كما يشاء قد تعرّض لموجة هائلة من الانتقادات العامة حتى شنق نفسه. فكيف لي ألا أعشقها؟ ما إن عرفت طريقة أحطم بها الجدران الرصينة الدائمة، لم أستطع أبدًا أن أكف إصبعي عن زر غالق الكاميرة」
كچن، قعقع صوتٌ معدني. كانت المرأة بقبعتها رعاة البقر وبفستانها الصيني تصوب بندقيتها بين عيني فتاة القرنين شيراي كُروكو.
「......كيف لهذا أن يكون تحقيقًا للعدالة」
「هوه؟」
「تحسبين العدالة في صفك لأن أناسا عديمي الوجه وافقوك وشَهّروك في الإنترنت؟ هذا مثله كأنك بدلتِ عصابة صغيرة من المتنمرين بعصابة أكبر. فهل شعرتِ بالنشوة عندما نجح انتقامك أكثر مما تخليتِ؟ حسنًا، تلك السعادة التي عشتها لا تختلف عن السعادة التي عاشها الشخص الذي كرهتِه بشدة」
「مملةٌ أنتِ. إيآهٍ إيآه. أي إنسان هذا الخالص بلا آثام؟ أنتِ أكثر اصطناعًا من دمية عرض」
أوكان هذا سبب شعورها بخواء كل هذا؟
لم تشعر شيراي بأدنى ترددٍ في إصبع المرأة الضاغط على الزناد.
كما سمعت صوتًا غريبًا مشدودًا.
لكن المرأة ذات قبعة رعاة البقر وقصّة الشعر القصيرة بدت متحيّرة. ذاك صوتٌ ليس من سحب الزناد. فهي لم تسحبه بعد.
「؟」
فما الذي كان؟
حركت المرأة فقط عينيها نحو الجانب بينما كان منظار بندقية القنص لا يزال مضغوطًا بين عيني شيراي.
الجدار الترابي بجوارها مباشرة قد طار وتفجّر.
وكتلةٌ عضلية تزن بسهولة أكثر من مئة كيلوغرام اصطدمت بالجدار بكتفها.
وهذا الذي فعلها قد تجاوز طوله الثمانية رؤوس.
عضلاته السميكة امتدت في أخاديد عميقة، مما أبدته وكأنه مدرعة ثقيلة تمشي.
وأعلى الرأس كانت تمشيطة صلعةٍ ونظارات.
「أوه،」
كانت المصورة والقناصة تستخدم نفس المهارات.
هذه الباراتزي العنيفة التي أبدعت تقنيتها في التماهي مع محيطها ستختفي منها الدفاعات إذا دَمّر العدو كل محيطها.
「أووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووه!!!!!!」
أطلق الرجل الكهل زئيرًا كزئير قاطرة بخارية ولَحِقَهُ صَوتُ سحقٍ هائل.
رفعت المرأة بندقية القنص على الفور—ربما لترد برصاصة، وربما فقط لتحمي نفسها بالمعدن الصلب.
ولكن البندقية انثنت إلى شكل لـا وانفجرت، لكن ركوكا هوفو تجاهل الأمر تمامًا.
رطم بكتفه عليها.
وكأن شاحنة ضربتها. المرأة بقبعة رعاة البقر وفستان صيني طارت في الهواء لما يزيد عن خمسة أمتار ثم اصطدم ظهرها بجانب إحدى الزخارف ثم توقفت حركتها.
「ه-هل أنتِ بخير، شيراي-سان؟! كانت تلك من الجانب المظلم—القنديلة بِنيزومي. رغم أنها بدت غير واعية بذلك وآل بها الأمر هناك فقط لأنها طاردت الظلام باسم العدالة」
「ما أنت؟! وما تكون، شيطانٌ أحمر!!!؟؟؟」
「آه، هذا؟」
شيراي كُروكو شكّت لوهلة أن هذا كان روبوتًا متحركًا يستخدم في محطة القطار المرعبة اليابانية تلك، لكن الرأس كان واضحا أنه للرجل الكهل.
بدأ جسده العضلي يتقلص أمام ناظريها. كما لو أن عنق بالون قد فُتح. وفي النهاية عاد إلى حالته الطبيعية. تمزقت ملابسه، لكن ذلك لم يكن أمرًا يُشكر في هذه الحالة.
「استخدم نوعا معينا من الإنزيمات الهاضمة لأنمي ألياف عضلاتي. لكن في الواقع، هذا مجرد تأثير بصري لأنه يقتصر على تقسيم الألياف الحالية بشكل عمودي. لا تتغير كتلة عضلاتي الإجمالية، لكن يمكنني تحريكها بدقة أكبر، فاستخدمها بكفاءة أكثر」
「......」
「تكنولوجيا المدينة الأكاديمية هي قادرة على حقن دهون اصطناعية في الجسم فتُغير شكله، وهذه هي الخطوة الأولى نحو تطبيق شيء مشابه مع ألياف العضلات. آه، لكن في كل مرة أفعلها، أمزق ملابسي. آهخ، ستوبخني آنسة قسم إدارة الإمدادات مجددًا」
「حـ-حسنًا، هذا الجانب المهووس بالعمل يخبرني بأنكَ أنتَ حقًا. لكن صدقا ما هذا؟」
نسيت شيراي حتى أن تتحقق من شدة إصابتها. كانت تشك أن هذه التكنولوجيا لإدارة نسب ألياف العضلات تُزَوَّدُ للضباط العاديين في الأنتي-سكيل. خجل الرجل وهو يحكّ رأسه ثم استعجل يصلح تسريحته الجانبية.
「أنا من أشاوس الأنتي-سكيل」
كانوا النخبة في القتال.
الرجل الكهل، من كان يحسد الآخرين، شغل منصبًا لا يسع الناس العاديين بلوغه.
「امم..... هذا يعني أنني عادةً أكون "الشرير" في أوقات التدريب」
- الجزء 4
ارتدت هاناتسويو كآي معطفها المختبري المزين ببقع كيميائية سامة وشدت مشدّها الطبي السميك حتى يستريح صدرها العارم الكبير والعجيب على جسد طفلة صغيرة فوقه. وعلى جانب رأسها علقت قناع الغاز. معًا، بدا مظهرها فتاةً تلبس يوكاتا في مهرجان الشِنتو. بمجرد أن انتهت من لبس ملابسها مَدّت ذراعيها إلى الأعلى وهذا رجرج تلكما الكتلة الكبيرة.
「نّننه.......ء!!」 تأوهت التوأمة ثم أعلنت. 「يا ليت كل ذرة مني تتدنس، ولكن حمام الإنزيم دائمًا ما ينعم جلدي ويخمّله. آخ، الحياة ظالمة」
「رأسي يؤلمني.....」
فركت [الساعية] صدغها بأصابعها بينما قدمت [المحللة] اقتراحًا غير مكترثة.
「ما رأيكِ أن نبدأ الآن، يُويِّن؟」
「بلى، كآي」
كانت [الساعية] غير مهتمة تمامًا بأعظم محرمة في مدينة الأكاديمية.
إنما ستسحقان كلَّ من يعترضهما.
لقد عاشتا في الركود الكبير المعروف [بالجانب المظلم]، ولكنهما عملا للحفاظ على كل شيء في حالة حركة دائمة. إذا أصرت الأنتي-سۡكِل والجدجمنت على الغوص في أعماق الظلام، فإن هاتين التوأمتين ستسحقانهم وتحولانهم إلى سماد.
كانتا ظلاما [ضاراً] بلا شك، وكانتا تعملان على حماية منزلهم هنا، وليس للهروب. وستخلقان ظلامًا تحتميان به حتى لو دمرا المدينة الأكاديمية وملئا العالم من حولهما بالشقوق.
「أين نبدأ؟」
「من أول شيء نراه」
- الجزء 5
في الوقت الحالي، قرروا مغادرة المنطقة 6، لكن هامازورا شياجي كان بالفعل منهكًا ويكاد نفسه ينقطع. ومن تعبٍ توقفت ساقاه.
وعلى أنه كان يلهث بشدة، إلا أنه وجد ما يكفيه من قوة ليصرخ.
「ههء، هق. هذه المنطقة الغبية كبيرة جدًا!!」
「مدينة الملاهي بحجم بلدة صغيرة. ربما كان علينا استئجار عربة」
تساءل إذا ما كان الثلج نصف المتجمد هو ما صعّب عليهم الرحلة، ولكن فتاة الهاكاما لم تُبدي أدنى انزعاج رغم أن ملابسها كانت أصعب للركض من الآخرين.
「هامازورا」 نادته عشيقته، فانتقل هامازورا إلى أقصى حافة الطريق. مرَّ عدد من رجال الأنتي-سكل بالقرب منهم. ولربما كانت أعينهم لتلقي لو لم تكن حشود عيد الميلاد تعيق.
كانت حرارة تاكيتسوبو مرتفعة ملحوظة رغم لبسها بدلة رياضية. بل مرتفعة جدًا. علاج الكيّ قد خفف الألم والمعاناة إلى حد ما، لكنه لم يكن علاجًا جذريًا.
بانتقالهم إلى جانب الطريق ليختبئون، وجدوا عند أكشاك الطعام المنتشرة على طول الشارع.
ظهر الارتباك على وجه العامل في أقرب كشك، ولذا حتى يضمنوا ألّا يبلغ عنهم إلى رجال الأنتي-سكل، أخرج هامازورا محفظته دون أن ينظر حتى لما يبيعه. فاشترى أطباق ورقية بها كعك محلى مغطاة بكريمة مخفوقة. كانت هذه الحلويات هي الصيحة الحالية في المدينة، مع زيادة في السعر بسبب موقع مدينة الملاهي. لم يكن يريد إنفاق الكثير من المال، لكن طلب كعكة واحدة فقط لثلاثة أفراد كان ليبدو غريبا. لذا اضطر، بأسى، أن يشتري ثلاثة منها.
「آااه، أشعر بها تتغلغل في جسدي. أعلم أنها مضرة، لكن لا شيء أفضل من هذا وقت التعب☆」
ابتسمت فتاة زي الهاكاما سعيدة وهي بالملعقة تلتهم الكريمة المخفوقة.
فهل حقا كانت [نافعة]؟
قرر هامازورا أن يتقبلها مثل أنابيب الحليب المكثف التي يحملها متسلقو الجبال. وإلا فلن يتمكن حتى أن يحاول أكل شيء بهذه الحلاوة المفرطة.
「هفف......」 وكانت تاكيتسوبو بين الحين والآخر تتنهد تنهدًا ثقيل، لكنها ملكت شهية للطعام. ربما تتحسن حالتها بغسيل الكلى، والتي يمكن أن تتم في مستشفيات خارج المدينة، لذا لم يفقدوا الأمل بعد.
『محال. أنت تكذب. لم أرَ في حياتي تميمة كهذه』
『بـ-بل الحقيقة أقول، أقسم. لقد رأيتُ بِنتاً شقراء تركب خنفساءةً وحيدة قرن بيضاء! لابد أنه سر خاص بالكرسماس!!』
تلك المحادثة لفتت انتباهه، لكن بحلول الوقت الذي استدار فيه، كان المتكلم قد اختفى بين الحشد.
「إذن، ماذا نفعل الآن؟」 سألت فتاة الهاكاما المزخرف برسوم التميمة.
「نَفِر」
ربما كانت متفائلة، لكن هامازورا لم يكبح تنهّده.
「لكن السؤال هو إلى أين نَفِر. ما زلنا لا نعرف ما هي أعظم محرمة في مدينة الأكاديمية」
إن القرص الصلب بحجم البطاقة الذي وجدوه في خيمة بيرفكت فيلم كان في جيبه. ومكتوب عليه "شريان الحياة"، لكن أنيري قالت إنها لا تستطيع قراءة البيانات أو فك تشفيرها. بدل ذلك، أرسلت هاتفه إلى متجر أدوات إلكترونية متخصص جدًا على الإنترنت.
「مفك براغي خاص؟؟؟」
قلب القرص الصلب ليرى أنه يحتوي على عدد قليل من البراغي الصغيرة في أماكن غير ملحوظة على الجانب. لكن بدل البراغي العادية المسطحة أو الصليبية، كان لهذه تصميم خاص يشبه رقاقات الثلج المشوهة.
ولم تكن يدوية العمل، بل لابد أن تعمل باهتزازات فوق صوتية دقيقة.
لم يرَ شيئًا مثل هذا من قبل.
「يمكنك الحصول على مفكات لفتح الهواتف التجارية في الأزقة الخلفية، لكن هذا أكثر تخصصًا بكثير」
لفك تشفير القرص، كان عليهم أولا فتحه. وكان على لوحة الدوائر مفتاح مادي خاص يمكنه مسح جميع البيانات وجعلها غير قابلة للاسترداد إذا بدأت عملية فك التشفير دون قلب المفتاح أولا. الأداة اللازمة لم تكن متوفرة في المحلات العادية. وبما أن الحصول عليها كان صعبًا للغاية، فإن أي شخص يمتلكها سيعتز بها. وإنّ التسلل لسرقتها سيصنع قتالا بالتأكيد.
「لماذا لا نذهب إلى المنطقة 23؟」 سألت فتاة الهاكاما فضية الشعر المجعد وهي تُقطع بحافة الملعقة قطعة دونات مغموسة بشراب القيقب.
حدق هامازورا إليها غير مصدق.
「ألم تري ما حدث توّاً؟ بابارتزي تدعى بِنيزومي فجرت رأس المزور! لا يمكننا الحصول على جواز سفر، لذلك اقترابنا من أي طائرة سيودينا إلى السجن سواء من الجيش أو الأنتي-سكل!!」
「ليس لأجل طائرة يا غبي」 هزت كتفيها بتراخي بينما كانت قرون شعرها المتصلبة تتأرجح. 「مدينة الأكاديمية مجتمع يستهلك بكثرة. صحيح أننا نبذل جهدًا عظيمًا في إعادة التدوير، لكن ذلك ليس مثاليًا. فإذن ماذا يحدث للأشياء التي لا يُعاد تدويرها؟ فلا توجد مساحة لمكب نفايات داخل الجدران المحدودة」
「أه」
「المنطقة 23 فيها المطار والمنطقة 11 به طريق بري، لذلك توجد منطقة تخزين مؤقتة ضخمة على الحدود بينهما. بمعنى آخر، هناك نجد كومة ضخمة من النفايات. أظنهم يسمونها "المنجم الحَضَري"، لكن هناك الكثير من الناس الذين يحفرون فيها بحثًا عن نفايات إلكترونية قد يبيعونها. ومما سمعتُ، الكثير منهم أيضًا يستخرجون البيانات من الحواسيب المرمية، لذا على الأرجح يعرفون الكثير عن الأدوات الخاصة اللازمة لفتح الأجهزة」
「......」
「نعم، نعم. كما تتخيل، من المرجح أن تنتهي بقتال. جامعو النفايات أولئك لا يريدون حتى أن يعرف الآخرون عن العمل الذي يقومون به. ولكن بما أنها تجارة، لربما تحلُّها سلميًا. كعميل يدفع، ما أعنيه」
- الجزء 6
كان جبلا من المعدن الرمادي.
كانت النوافذ التي على نفس مستوى قمة كومة المعدن في الطابق الثالث. الحواجز الأصلية المصنوعة من صفائح معدنية والمصممة لأغراض البناء قد تحطمت، وانسكب الحطام على الطريق الأسفلتي. ولكن بدل أن يُزيلوا العوائق، جاءت شاحنات وشاحنات لتضيف الكومات فوق الكومات وتكدسها.
كانت هذه أطلال نظامٍ سابق.
عادةً ما تُشحن نفايات مدينة الأكاديمية إلى خارج المدينة في مطار المنطقة 23 أو في قواعد شاحنات المنطقة 11، لكنهم كانوا بحاجة إلى نظام يضمن عدم تسرب تقنيتهم عبر هذه الوسائل. ولكن كم عدد الذين كانوا حكماء بما يكفي لينفقوا مبالغ ضخمة من المال للتخلص من النفايات غير قابلة للاستخدام؟ تأجلت المشكلة إلى أجل غير مسمى بينما استمرت النفايات تتكدس.
وهذا خلق ثغرة.
『سينسي』
تحدثت فتاة وسط أكوام النفايات الأشبه بالكثبان الصحراوية المتدحرجة.
كانت ذات شعر قرمزي طويل وترتدي شيئًا يشبه بدلة سباق بألوان برتقالية وسوداء تُشبه حشرة. كان هاتفٌ ذكي مثبت على كل كتف ولوحة مفاتيح سيليكون ملفوفة وزجاجة زيت تفريغ مثبتة في الأحزمة على فخذيها. كانت تمشي حافية عبر أكوام النفايات رغم بروز قطع معدنية حادة وباهتة هنا وهناك.
كانت أندرويد تُعرف باسم لَيۡدِبارد.
وكان على جبهتها جرحٌ صغير. لم يكن سوى بضعة مليمترات، لكن جسدها لم يكن يتعافى كما لجسم الإنسان أن يكون.
『لن تنهار الكومة إذا اتبعنا هذا الطريق، لكن احذر من الثلج』
「آهٍ آه. لماذا عليّ أن أخاطر بحياتي فقط لأصل إلى مخبئي؟ وهذا البرد الكريه يضرب في عظامي يا شيبتي」
『إنه يُحسن من كفاءة تبريدي』 قالت خالية التعابير وهي تسحب زجاجة من فخذها وتشرب منها.
كانت مقاومة الهواء والانفجارات مزايا ثانوية لملابسها. ورغم ذلك، كانت تؤدي بشكل جيد في هذه المجالات كمهام ثانوية. الدور الأساسي لملابسها كان مساعدتها في تبديد الحرارة. لبس شيء لتبريد الجسم لهو مختلف تمامًا عما يبحث عنه البشر في الثياب.
الشايب نحيل كعود ثقاب صفع وركيه من الخلف.
「تعلّمي كيف تكوني أليفة」
『أليفة』
رمشت لَيۡدبارد وظهرت نجوم راقصة في عينيها الآليتين، وهذه أدفعت الشايب أن يتنهد.
「لألئي النجوم في عينيك كما ترغبين، لكن رجاءً امنعي لعابك هذا أن يسيل」
『شكواك غير منطقية. إذا لم تُرد مني أن أفعل، فما كان عليك أن تصمم لي هذه الإمكانية. نّننه』
كان ذلك التأوه الطويل أمرًا غريبًا أن تفعله آلة، لكنها أبدت وكأن في أذنها خطباً. أمالت رأسها إلى الجانب، وضعت يدها على أذنها، ثم قفزت على قدم واحدة كبنتٍ تلعب عند المسبح.
ثم انسكب من أذنها سائل أسود كثيف.
「لَيۡدبارد-كن، أجّلي الصيانة حتى نرجع إلى المختبر」
『مفهوم』
「مم، يبدو أن الشبح الاصطناعي كان غير متوافق معك أكثر مما توقعت」
بدا الشايب سعيدًا بطريقة ما، رغم أن الضرر أصاب جانبه.
نظرت لَيۡدبارد إلى المسافة لترى رجالاً يرتدون معاطف مطرية وأقنعة غاز. كان من الواضح أن هذا لم يكن تهديدًا يستدعي سحب الساطور المثبت أفقيًا وراء خصرها الصغير.
『جامعو النفايات هنا مجددًا』
لم تذكر ما إذا كانوا [نافعين] أم [ضارين].
لأن هذه التصنيفات كانت عبثا.
فاسم الكيهارا كافي. وتلك التصنيفات الأخرى التي اخترعها الغرباء الجُهّل لن تُضيف لهم معلومة أكثر.
يبدو أن هذه المصطلحات تسربت إلى [الجانب المظلم] مؤخرًا، لكن مثلما يحدث في قضايا المخدرات الخطرة وأساليب الاحتيال، فإنّ المطارَدون أحيانا يُغيرون مسميات الأشياء لتتوافق مع المصطلحات الجديدة التي يستخدمها المطارِدين.
「لن يتسببوا بأي ضرر طالما وجدوا الثلاجة أو الغسالة أو أيا كان ما يبحثون عنه في القمامة. وإذا تسببوا بحادث كبير هنا، فلن يؤدي ذلك إلا إلى جذب المزيد من التدقيق لهذا المكان. سيهتمون بهذه المنطقة لحماية عملهم」
『.....』
نظرت الأندرويد حولها بملامح قلقة. كانت أكوام الخردة كبيرة كفاية لتبتلع إنسانا بالكامل إذا انهارت إحداها، ولذا ما بدا المكان بحالة جيدة. وجد أحدهم حتى لافتة طريق صفراء على شكل ماسة تحمل علامة «!» وغرزها مائلةً في القمامة ليحذر من خطرٍ ما موجود.
لكن كان لهذا المكان قيمته. حتى مع وجود الفجوات، فإن معظم الناس لن يرغبوا في التوغل داخله، لذلك كانت أكوام القمامة تمويهًا. أزاحت لَيۡدبارد الثلج المتجمد، وأمسكت بمقبض قريب، وسحبته بقوة.
فكان باب.
بابٌ لحاوية معدنية. ولكن مع كل تلك النفايات الإلكترونية المكدسة حولها، لم يكن أحد ليلاحظ الصندوق المستطيل هناك. ووراء الباب سلالم داخلية تؤدي إلى قاعدة سرية أشبه بالمتاهة.
「لَيۡدبارد-كن، امسحي قدميك」
『أشك أن يكون للممسحة تأثير تنظيف كبير』
شَكَت، لكنها مع ذلك مسحت أسفل قدميها الحافيتين على قطعة قماش سميكة.
والآن.
من كان ليخمن أن أحدا قد بنى مختبرًا عملاقًا من تكدس عدة حاويات كالهرم؟ حفر أكوام القمامة ودفن الحاويات خلق متاهة واسعة. كان الأمر أشبه بخلية نمل مصنوعة من المعدن.
「لَيۡدبارد-كن」
『هنا』
رفعت الفتاة غُرتها المستقيمة بيدها لتُظهر الجرح على جبهتها، فعصر الشايب شيئا من أنبوب وفركه بإصبعه. ما إن غطى الجرح، ألصق قطعة صغيرة من شريط ورقي عليه لمنعه من الفتح مجددًا.
نزعت لَيۡدبارد الغمد الكامل الذي يحمل الساطور ووضعته في حامل. كما وضعت زجاجة زيت تفريغ الآلة شبه الفارغة على طاولة جانبية واستلقت وجهها لأسفل على طاولة فحص الصيانة. وثم استنشقت هواء امتلئ برائحة الصدأ من محلها.
لم تكن بحاجة فعليًا للتنفس أو الرمش، لكنها مع ذلك أغلقت عينيها.
『إنه مريح هنا』
「لأن كل الإشارات الكهرومغناطيسية مقطوعة. مع التلفاز والراديو والهواتف والميكروويف وأجهزة التنصت والألعاب المتحكم فيها عن بعد وكل الإشارات الكهرومغناطيسية الأخرى المنتشرة في المدينة، لا بد أن الأمر خانق بالنسبة لك」
شرح الشايب ذلك بينما يضع يده أسفل ظهر بدلة السباق التي ترتديها.
فوجد مشبكاً في مركز الأحزمة المتقاطعة على شكل X. وبإحدى أصابعه المتجعدة فك ذلك المشبك، كاشفًا عن ظهر الفتاة النحيل، لكنها لم تتحرك حتى.
「حسنًا」
خلع قفازاته الهندسية الخاصة عند دخوله المختبر وأخذ بيديه العاريتين ليضع بضعة أقطاب لاسلكية على بشرتها البراقة. ثم تحركت يداه الجافتان كالأغصان أسفل المادة الشبيهة ببدلة السباحة لتصل إلى بطنها وصدرها المسطح ماسحةً. استمر الكيهاري في عملية الصيانة بعفوية ولا خجل، لكنه تنهد أيضًا.
حتى وإن كان [ضارًا] قذرًا.
لا، تلك التصنيفات التي أطلقها الغرباء لم تسوى شيئا حقًا.
「أعلم أنّ لا حق لي في اللوم. إنما أتمنى لو أنني وظفت امرأة لتفعل هذا عني」
『ما من داعي』
ردت لَيۡدبارد بسرعة، وكأنها ترفض هذا الباب.
「لكن هذه الأجزاء المختلفة التي يجب أن ألمسها تُحرجني وتُخجل」
『إن كانت هذه الأجزاء تسبب المشاكل وحسب، فلم يكن عليك أن تضيفها أول الأمر』
ليست هذه أول مرة يُناقشان فيها هذا الأمر.
『أن تعامل منتجا ميكانيكيا مثلي إنسانة إنما سيقلل من كفاءتي. أنا أندرويد صُنع دون أي أساس بشري، لذا سأفضّل عامل صيانة يعاملني آلة بشكل صحيح. ولا أرى مرشحًا أفضل لذلك منك يا مطوّري』
「كما ترغبين」
『لقد فشلنا في الحصول على جواز سفر مزور، لذا من المحتمل أن تكون الخطوة التالية طويلة. فهيا عدّلني وافحصني شاملا يا سينسي』
بعد أن سحب يديه من بدلة سباحة الفتاة، أخرج الشايب الهاتف من حزام كتفها الأيمن وأجرى بعض العمليات على شاشته الصغيرة لنقل العمل إلى شاشة LCD كبيرة في الغرفة. أمسك الأنبوب الموجود في الحزام على فخذها، وفرد لوحة المفاتيح المصنوعة من السيليكون، وبدأ عملية الفحص.
كان عمله دقيقًا ويعاملها كآلة طوال الوقت، لكن في الوقت نفسه.....
「أتعلمين يا لَيۡدبارد-كن، مصطلح [أندرويد] يعني إنسانًا صناعيًا بُنِيَ باستخدام نهج هندسي」
『بلى، فماذا؟』
「هذا درس. بناءً على هذا التعريف، يبدو لي من المناسب أن يتصرف الأندرويد المكتمل كإنسان. سواء كنتِ طبيعية أو صناعية، أقول إنكِ ما زلتِ تعتبرين "إنسانة طبيعية"」
صمتت لَيۡدبارد للحظة.
وفي النهاية، أمالت رأسها بينما كانت لا تزال مستلقية على طاولة الفحص.
『تم الكشف عن خطأ غير معروف』
「هوه؟」
『لا أريد أن يلمسني أحد سواك』
تساءل الشايب ما إذا كان يجب أن يُعاقب لرفضه تلك الثقة، حتى وإن كان ذلك هو القرار الصحيح.
『تعبير عن الحب』
「لَيۡدبارد-كن، لألئي عينيكِ كما تشائين، لكن رجاءً امنعي لعابك هذا أن يسيل」
كانت مصنوعة مصممة بدقة بالغة، وكانت ذكية أكثر مما ينبغي. وبسبب ذلك، عاشت الفتاة في عالمٍ ضيقٍ محدود.
- الجزء 7
تجمعت عدة شاحنات نقل كبيرة، لكن ليس من أجل عمليات نقل طارئة. بل كانت تلك الشاحنات ذاتية القيادة تعمل كقرية صغيرة يعيش فيها الناس.
「آاهـ! كنت أعلم! سُدَتِ-تشان أخذتَ الكرة فعلا!」
「عمَّ تتحدثين!؟ لم أفعل!!」
كان الاستاد المهجور في المنطقة 10 يُعرف الآن بأنه حيّ فقير. حُوّل الميدان الداخلي إلى مدينة أكواخ مكتظة بصناديق كرتونية وأكواخ مصنوعة من مواد مهجورة، لكن المنطقة المحيطة بالاستاد ظلت في الغالب كما هي.
فمثلا، موقف السيارات الصناعي الذي كان يُستخدم سابقًا لإحضار الآلات الموسيقية ومعدات التدريب. مثل هذه الأماكن غالبًا ما تكون مخفية عن الأنظار حتى لا ينتظر المعجبون اللاعبين أو المشاهير أثناء مغادرتهم.
عندما توقفت الشاحنات الضخمة، تعالت أصوات صاخبة من داخل الحاويات.
فتحت الباب مجموعة من الأطفال أغلبهم في العاشرة.
كانوا يُعرفون عادةً [بالأطفال الخطأ]. وهم أطفال تخلّى عنهم آباؤهم في مدينة الأكاديمية لأي سببٍ كان، واضطرت المدينة أن تربيهم. هذا بحد ذاته لم يكن أمرًا غير مألوف، لكنهم بالكاد يلقون نهاية "سعيدة" إذا دخلوا [الجانب المظلم]، خاصة في ما يتعلق بالأبحاث غير المشروعة.
لكن الأطفال لم يتساءلوا عن أي من هذا. حتى أنهم لم يجدوا غرابة في أنهم جميعًا يرتدون ملابس رياضية قصيرة الأكمام، مع معدات تلتقط الحركة على أذرعهم وأرجلهم وأعناقهم.
『كفى كفى يا أطفال』
صفقت امرأة تبدو عديمة الوزن بيديها مرتين أمام صدرها.
ولم تصدر أي صوت.
كانت شبحًا خلقا مصنوع بشعر أشقر طويل ذيلين وفستان أزرق فاتح ضيق وتنورة رقيقة فضفاضة فوقه. تحدثت فِلِرساند #G بصوت رنان موسيقيّ جميل.
وكأنها عازف الناي الأسطوري الذي تسبب في اختفاء العديد من الأطفال في منطقة ألمانية.
『لا تخربوا الكرسماس لشجار سخيف، تمام؟ سأبحث عن الكرة. والآن، هل غسلتم أيديكم؟ كُلوا الأكل ما إن تتنظفوا』
「غسلت يدي!! وبطني تقرقر!!」
「آاهـ! سُدَتِ-تشان!؟ هذا يثبت أنكَ سرقتِ الصابون الكيميائي أيضًا!」
رفعت المزيد من الأيدي وتعالت الأصوات.
لم يرَ أحدهم غرابة في الحديث مع شبح غير مادي.
كانت فِلِرساند #G تدرك أن وجود شبح بلا حياة يعتني بالأطفال لأمرٌ غريب، لكن سواء كان ذلك ممكنًا أم لا، لم يكن مفهومًا ثقافيًا غير مألوف.
حتى هذا البلد لديه قصص عن يوناكي إيشي وكوسوداتي يوريه.
كان لديهم عدة شاحنات نقل ضخمة، لكن واحدة منها كانت المفضلة لدى الأطفال بلا منازع: تلك التي تم تعديلها بالكامل لتصبح شاحنة طعام.
مرّت فِلِرساند #G مباشرة عبر الجدار المصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ لتنظر إلى الداخل، حيث كان الشاب المدعو دُرِنشر كيهارا رِبَـتُري يقطر عرقًا أثناء تحريكه محتويات قِدر ضخم. كانت الشاحنة من الداخل أشبه بساونا.
عبست الشبح ذو المظهر الغربي.
『هذا غير صحي』
「هاء، هئ. أ-ألا تعرفين كم شعلة أشعلت؟ إعداد طعام لأكثر من خمسين فرد كأني أخوض معركة. حقا تستحق طباخات المدارس ميدالية」
『إذا أردت المساعدة، كان عليك أن تجعلني قادرة على الإمساك بالأشياء』
لكن فِلِرساند #G لم تُظهر أي نية للمغادرة.
كما لو أنها تقول إن التواصل ليس محصورًا باللمس المادي فقط.
وبما أنه كان الكرسماس، كان معظم الطعام من الأطباق الغربية. يمكن للأطفال اختيار الخبز أو الأرز بناءً على تفضيلاتهم الشخصية، لكن القِدر الكبير احتوى على يخنة لحم البقر، وكان في الفرن ديك رومي ولحم مشوي، بالإضافة إلى الخضار الساخنة، وسلطة المكرونة، والبطاطس المقلية.
لكن فلرساند #G كان عليها أن تعتني بالأطفال، ولذا جاءت بملاحظة.
『لن يسعدوا بدون كعكة. ربما كان علينا أن نترك بعضاً من تلك لهذا اليوم』
「الأطفال صريحون، وكانوا ليشتكون حتى من بقايا الكعكة أيضا. وعلى أي حال، عندي سلاح سري جهزته لهذا اليوم المميز」
『؟』
「كاه!! فوا جرا. وهذه نقليها في المقلاة」
خانت الكلمات المرأة الشبحية.
كانت آنسة محترمة بنت الكرام، ولذا تعرف ما هو طبق الفوا جرا.
كان طعاما فاخرا يُصنع بدفن أوزة حتى رقبتها لمنعها من الحركة، وإجبارها على تناول أكبر قدر ممكن من الطعام لتسمين كبدها.
تنهدت بهدوء وهي تستمع إلى الأطفال يلعبون في الخارج.
ثم تحدثت إلى دُرِنشر كيهارا رِبَـتُري، الباحث الذي كان يدرس مجال الأشباح.
『وكيف ستفعل هذا؟』
「سأفعل ما يلزم」
خطة جواز السفر المزيف فشلت من تدخل. وهذا قطع أفضل طريق، لكن هذا لا يعني أن خطته بأكملها انهارت.
وسوف تكون له الضحكة الأخيرة.
ابتسم ابتسامة باهتة بينما يحرك الحساء ببطء، والذي سيقدمه للأطفال.
「فما رأيك، أنصنف نافعين أم ضارين؟」
- الجزء 8
「إيه، إيه. قبضتُ على المشتبهة. ولا تزال حية، لكنها مغشية وفي حالة حرجة، وليست في وضع يسمح باستجوابها. من فضلكم نادوا بالإسعاف」
كانت شيراي كُروكو تلعب بوشاحها الطويل وهي تستمع إلى الهاتف وتجوّل عينيها في الأرجاء.
(يبدو أن المرء ليجد الجانب المظلم في أي مكان ها؟ وأحسب أن أونيه-ساما ستغضب غضبا إذا علمت أنهم سفكوا الدم في هذه الحديقة الترفيهية مع ذلك الـ... غيكوتا كان اسمه؟)
「هناك أيضًا عدد من الخيام في الموقع. إضافة إلى عدة آثار أقدام مبللة في الثلج وضحية واحدة قُتلت برصاصة قنص داخل إحدى الخيام. سأترك تأمين مسرح الجريمة للأنتي-سكل لذا من فضلكم أرسلوا فريق الأدلة الجنائية فورًا. يبدو أن رصاصة القناص كانت بالتأكيد من عمل المشتبهة التي قبضت عليها، ولكن هناك الكثير مما نجهله حول كيفية حدوث هذا. يا ليتني لو استجوبتُها، لكن—」
تجهمت وأوقفت حديثها.
كادت تقسم أنها سمعت الشخص على الهاتف يتمتم بشيء عن المشتبهة.
.....يا ليتها ماتت وأراحتنا.
「.....،」
في تلك اللحظة، سمعت طقطقة مستمرة للهواء تصدر فوق رأسها. أخذت نفسًا عميقًا لتهدئ نفسها ثم رفعت رأسها لترى مروحية نقل كبيرة تهبط بالقرب منها.
تكاد الريح القوية تخلع الثلج عن الأرض لا وبل حتى تمزق الخيام.
فصرخت وهي تمسك برأسها.
「لم يُجري فريق الأدلة الجنائية تحقيقاته بعد! أتمحون كل الأدلة!؟」
「اهـ-اهدئي،」 رد عليها الكهل. 「إنما يظهر هذا ثقتهم بعملك」
ما عادت متأكدة مما إذا تعودت على رؤية الموت أو أنها تخدرت من الصدمة.
كانت الأرض في فوضى. المسدسات الكبيرة وبنادق القنص وبنادق الصيد كانت مغطاة برائحة دخان البارود مما دل على أنه تم رمي النار منها. وما كان التحقيق ليتوقف فقط لأن الضحية صارت بلا وجه أو أسنان يُتعرف عليها.
「إنه يتطابق بنسبة 98٪ مع كَوۡتَوَرا سَوتا، المزور المعروف باسم بيرفكت فيلم. ومع ذلك، لا أصدق أن مجرمًا من [الجانب المظلم] في [الأوترنك] كان في هذه الحديقة الترفيهية الخيالية」
「لعل أن غياب عنوانه الدائم هو ما صعّب تتبعه، لكن عجبًا ما الذي حدث هنا......」
وجدت شيئًا آخر أيضًا. مطهرًا وضمادات كانت ملقاة داخل الخيمة الملطخة بالدماء، لكنها تعرفت عليهما.
كانت الضمادات مطابقة لتلك الملفوفة حول جسدها.
وهناك صندوق إسعافات أولية يُفترض أنه يخص صاحب الخيمة – الرجل الذي تدمر رأسه. لا يزال يحتوي على مجموعة كاملة من المطهرات والضمادات. كل المنتجات بدا أنها من نفس العلامة التجارية الطبية، ولكن تلك العلامة تختلف عن المطهر الموجود على الأرض.
هذا يعني أن تلك الأشياء لم تأتِ من صندوق الإسعافات الأولية هذا.
(....هل يمكن أن الذي عالج جروحي كان هنا؟)
فكرت، لكن ما عساها تبقى هنا طوال. هي وركوكا يُفترض أن يبقيا في وضع استعداد في السماء.
وعندما يتحدد موقع [الظلام]، سيهرعان ويهجمان.
فتحت يوميكاوا آيهو الباب وصرخت فوق ضجيج المروحة الرئيسية.
「اركبوا!! قد بدأت العملية!!」
ظهرت وجهتهم، وهذا يعني أن الحادثة التالية قد بدأت. أقلعت المروحية بمجرد أن صعدتها شيراي وركوكا.
「أين؟!」كان أول ما خرج من فم فتاة القرنين.
「مركز تحليل المواد الكيميائية للأنتي-سكل غرب المنطقة 18. جميع أعمال التحقيق الجنائي في مدينة الأكاديمية متمركزة هناك: البصمات والدماء وجروح السكاكين وعلامات البنزين بعد الحريق وغيرها. ولقد رصدنا وجود التوأمتين هناك」
「ورطة، فهما من الظلام [الضار]」
كلمات الرجل الكهل أخرست فاه يوميكاوا للحظة.
هذا ليس كلاما يقال في طلاب.
「بأي حال، لن نقدر على تنفيذ أي نوع من التحقيقات الحديثة إذا دمروا ذاك المكان」
قد تأوه الكهل وتنهدت شيراي بثقل.
「الآن أقول أن الهجوم لا مفر منه، ولا؟」
「بلى. ولقد أوجزنا الهجوم، فلا وقت باقي لنجهز عتادنا. وإن أقصى ما نستطيعه هو أن نخلي الناس. ولذا علينا على الأقل أن نستغل هذه ونجعلها في صالحنا」
أثقل هذا على قلبها. المنطقة 18 تحد المنطقة 11 و23. أراضي وسماء تلك المناطق رفعت من خطر ولوج تلكما التوأمتين إليها للفرار. ولعلهم يعتبرون أنفسهم محظوظين أن الجانب المظلم تأخر في مُضيه لتلك المناطق.......،
「ولكني أكره أن أعطي الجُرم فرصته」
「أفضل من أن نترك لهم كل التقنيات البحثية في شوارع المدينة」
ردت يوميكاوا آيهو على فتاة القرنين وهي تنظر لشوارع المدينة أسفلها بعد فتحها باب المروحية.
حتى الآن وهنا، كانت تحميل درعا شفافا مضادا للرصاص بدل مسدس. ثم ختمت.
「هجومنا هجومٌ شامل. ولن نرجع من هناك حتى نُسقط واحدة منهما」
- الجزء 9
هاناتسويو يُويِّن كانت قلقة منذ البداية. أظهرت انزعاجها بوضع يدها على وركها فوق المشد الطبي. كان مركز التحليل الكيميائي التابع للأنتي-سكل عبارة عن هيكل مكون من برجين توأمين. خطتهم كانت مهاجمة منشأة مهمة لتنهار مطاردة الكبار لهما، لكنهم أدركوا أن الهدف كان منقسمًا إلى اثنين.
「ماذا نفعل، كآي؟」
「يساري يساري أختار، وسبقتك☆」
بقولها ذلك، دخلت المحللة المبنى دون سلاح، بينما يرجرج صدرها الكبير غير الطبيعي مع كل خطوة تخطوها. أما الساعية فكانت أكثر ترددًا، لكنها أخيرًا بدأت تمشي نحو المبنى الآخر.
(حسن)
تنهدت كآي بدخولها المبنى.
وكان صاخبا.
كانت الردهة الكبيرة مليئة بأبواب كاشفات المعادن، مثل تلك الموجودة في محطات القطار. كان عليها فقط أن تمر عبرها. فما سبب رنين الإنذار السخيف الآن؟
المشكلة كانت فيما سيأتي بعد ذلك. في المكان أكثر من مجرد مكتب استقبال وغرفة أمن مليئة بالشاشات. المكان بأكمله كان ينبض بالحياة بفضل نوايا القتل التي المصوبة عليها. بدا أن الأنتي-سكل قد تجاوزوا نقطة القلق بشأن مُثُلهم وقواعدهم. لكن المحللة أدركت أن واحدة من توقعاتها أصابت.
لقد استخدموا هيكل البرجين التوأم ليفرقوا بين التوأمتين ثم ركزوا كل قواتهم على واحدة فقط. هذا يعني أن البرج الذي توجهت إليه الساعية سيكون فارغًا.
هذا الإدراك جعل هاناتسويو كآي تتنهد.
تنهدًا مرتاح.
ثم سحبت عدة أنابيب اختبار مليئة بسوائل ملونة من أكمام معطفها.
「آمل أنكم مستعدون لأريكم قسوة الجانب المظلم!!」
أولاً، ظهر ضابطان أنتي-سۡكِل بكامل تجهيزاتهما من خلف أعمدة ليقطعا طريق الهروب عبر المدخل الذي دخلته.
ثم وقف الجنود خلف المكتب الأمامي، وظهرت أسلحة ذاتية الحركة رباعية الأرجل على الممشى المحيط بالطابق العلوي من الردهة.
وإنّ أكثر من مئة سلاح كانت مصوبةً على الفتاة الوحيدة.
ولكن، ما يهم؟
الجانب المظلم الضار لا يفكر في الهروب أو الاستسلام. بل يعطي الأولوية لحريته.
المحللة كانت تحمل أنابيب اختبار، لكنها لم تكن أسلحة في حد ذاتها. وعلى عكس الأنتي-سكل، لم تحمل معها أسلحة ولا دروع.
ولم تحتجۡ.
إنما كان عليها أن تزيل الغطاء المطاطي لأنبوب اختبار بإبهامها وتنثر محتوياته من حولها.
خشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشخشة!!
تحرك الظلام.
في هذه الحالة، كان الظلام هو عشرات الآلاف من الفئران.
أولاً تحطمت زجاجات الجدار الخارجي وسقط ضباط الأنتي-سكل الذين كانوا يحرسون المخرج في بحر من الفئران. أطلقوا بنادقهم الرشاشة بعشوائية ولكن الفئران لم تهتم.
واندلعت الصرخات في ذاك البحر.
وحدث انفجار مدوي، إما لأن ساق فأر صغير سحب دبوس قنبلة يدوية أو أن أحد الضباط حاول المقاومة بعد استسلامه لرعب الفئران التي تزحف داخل خوذته ودروعه المضادة للرصاص ففجر نفسه.
「هذه مادة جاذبة」
كانت باحثة في المواد الكيميائية النقية.
بدأ المصدومون من الأنتي-سكل عند المكتب يرمون النار، لكن هاناتسويو كآي لم ترتبك بالمرة. وعندما دوّرت نفسها، التفتت الفئران الكثيرة فشكلت جدارًا رماديًا كدرع يحميها من الرصاص. كلُّ فأر صغير، ولكن عندما تَسَمّك الجدار لأكثر من متر بات حاجز الدماء واللحم والفراء كافيًا لوقف الرصاص.
「نجدهم في أي مكان. وكلما كانوا أبسط، سَهُلَ التحكم بهم. شركات المبيدات الحشرية تبحث في هذا كل يوم، لذا فإن طعام الفئران والصراصير الحديثة لمذهل حقًا」
بالطبع، لم يقتصر الأمر على التجمع فقط.
سكبت الفتاة الشابة الكعّوبة محتويات عدة أنابيب اختبار إضافية لتُطلق مواد كيميائية مختلفة في الهواء ويمتزجوا معًا وينتشروا عبر الرياح فتصير متاهة غير مرئية بنمط رخامي. كان الأمر أشبه بعمل مصنع مشروبات يفرز منتجاته بسرعة عن طريق تبديلها بين شبكة معقدة من السكك. اتبعت الفئران التي لا تُحصى قواعد لا تظهر للبشر لتخلق عالمًا رماديًا هنا.
ما استغرقت وقتًا البتة.
ابتُلع الفضاء خلف المكتب بالمحيط الفروي، وسلكت فئران أخرى طريقًا مختلفًا لتتدفق من القنوات وتغطي الأسلحة ذاتية الحركة رباعية الأرجل في الطابق العلوي.
فضحكت كآي وهي تلف جسدها النحيل بذراعيها وتضغط صدرها الكبير.
「وهل تعلمون أن الدبابات عانت عددًا غير متوقع من الأعطال خلال إحدى الحروب الشتوية القديمة؟ الفئران الباحثة عن الدفئ والأمان استمرت تزحف إلى الداخل تقضم أي سلك تراه」
بمجرد أن شكلت عشرات الآلاف من الفئران بساطًا عبر الطابق الأول، نظرت كآي بهدوء إلى الأعلى. لربما بدا المشهد كبحر من حمض الكبريتيك في نظر ضباط الأنتي-سكل في الطابق العلوي. سارت [المحللة] ببطء بحثًا عن الدرج حتى تتولى الأعداء الباقيين بعد أن سدت عنهم كل مسالك الهرب.
وتركت الفئران هنا.
تركتها لتضمن أن هاناتسويو يويّن، الساعية، لن تستطيع دخول هذا المبنى إذا أدركت ما كان يحدث.
لكن هذا لم يكن كل ما يمكن أن تفعله المحللة. أمكنها أيضًا استخدام البراغيث والقراد والذباب والبعوض والعلقات والرخويات والمئويات والصراصير والغربان والقطط الضالة. كانت تستطيع تحويل أي كائن ضروري في السلسلة الغذائية –ومكروه من قبل البشر العالات– إلى سلاح.
(والآن، كم تبقّى حتى أتم هدفي؟)
وجدت درجًا ضيقًا في آخر المبنى.
(قتل كل واحد منهم لهو مرهق فوق ما توقعت. السعي لتحقيق إنجاز 100% يتطلب التحقق من كل مكان محتمل للاختباء)
فدوت طلقات نار قصيرة من الأعلى، لكن لم تصبها أي رصاصة. جميعها انحرفت بشكل غير طبيعي عن مسارها قبل أن تصل إليها. وسرب هائل من الحشرات المجنحة اجتمعت في المكان. خلقت هذه الحشرات مقاومة غير طبيعية أدت إلى تغيير مسار الرصاصة كما لو أنها دخلت في جسم مائي.
ضحكت الفتاة وسحبت أنبوب اختبار جديد من بين شق صدرها ثم فتحت الغطاء المطاطي بإبهامها. وعندما نثرت محتوياته، ظهرت حشرات صغيرة من كل قطعة من السجاد لتجتاح الهدف. بدت وكأنها رمال تأخذ شكلاً بشريًا.
واندلعت صرخة مفزعة من الداخل.
「هيهيهيهي. ربما تحسبون أنكم نظفتم المكان جيدا، لكنكم عجبا فوتم الكثير. وهاكم هذه النتيجة لاستخدامكم المستهتر للموارد ولتدنيسكم العالم」
تدحرجت كتلة مظلمة أسفل السلم الجحيمي، لكن كآي ابتعدت عن طريقها بينما تمسح شعرها الأسود الطويل الواصل إلى كاحليها، رغم أنه كان مرفوعًا. ثم وضعت إصبعها على ذقنها النحيل.
(إيه، قد استخدم عليهم النسخة المخففة بالماء. أرى أنهم يريدون حبسي هنا، لكن يمكنني استغلال ذلك لصالحني. ولعلي أهدم عليهم كل الجدران والأرضيات والسقوف وأحول المبنى بأكمله إلى ملعب عملاق. هذا سيُثبت أنه حتى أقوى الملاجئ قد لا تبقيك آمنًا. وإنهم الأثرياء من سيجدون ذلك أكثر إزعاجًا من أي عدد من الأنفس التي قد أسلبها.)
الآن اتضح هدفها. وكان تركيزها منصبّاً على بنية المبنى مقارنة بالرجال العضليين الذين يصوبون بنادقهم نحوها، لكن هذا لا يعني أنها توقفت عن أخذ الأنفس.
قتلهم جميعًا بطرق مختلفة سينشر الذعر أكثر وأضمن، لكنه كان بمثابة مكافأة إضافية وليس شرطًا أساسيًا. حياة الناس لم تسوى أكثر من ذلك في نظرها.
الخوف ينهزم. واليأس ينكسر.
ولكنها القسوة من تختلف. وكان أول تفاعل عاطفي تجاهها هو عدم الفهم، فكانت عقولهم تعجز حتى عن محاولة معالجتها بشكلها الصحيح. كأن حاسوبا يحاول قراءة ملف تالف. هاناتسويو كآي تعلمت عن تجربة أن هذا النهج كان الأكثر فعالية.
「آهاهاها!」
قدمت نفسها فاسدة.
ولو أمكن قراءتها بسلاسة، لفقدت ميزتها.
「هَهَهَهَ!! آهاها! وهههههههههههههههههههههههههههههههههههههه!!」
ابتُلِعَت أذرع وأرجل ضباط الأنتي-سكل بأسراب من المئويات. والتُهِم ضابط آخر ومعه الحائط من خلفه من السلاحف المفترسة. وانتشرت بقع غامضة كجبنة مذابة، لعلها كانت بشرًا من قبل؟
(طيب، كل شيء تمام)
رأت خطتها تعمل.
فانحنت للأمام ويديها على ركبتيها، ضاغطة صدرها الكبير بين ذراعيها، وراقبت المشهد كله. وإذا صح حدسها...
(ولا حتى أنا أعرف ما الذي أفعله من الآن. طيب، طيب. إذا استمررتُ هكذا، سيصل المكان إلى نقطة اللاعودة قريبًا. نعم، علي أن أصنع من نفسي ملفًا فاسدًا لا يستطيع أحد قراءته. فكيف يكون اسمه [الجانب المظلم] إذا أمكنك حساب الدمار وفهمه منطقيا؟!!)
ثم أحسّت بشيء أشبه بانبثاق هادئ من السكون. عبست من الإحساس بشيء ما يقطع جزءًا من سيل الفوضى القذر الذي صنعته.
لم يكن هناك أحد في الممر قبل لحظات، لكن الآن رأت فتاةً واقفة هناك.
「عرفتك،」 قالت بنت الجدجمنت بشعرها البني المسرح تسريحة القرنين.
「المعذرة لكنني لن أقول نفس الشيء عنكِ」 ردت كآي بأفسد ردٍّ رأته.
لكنها توقفت في مكانها لوهلة بعد ذلك القرار.
هل يمكن للجانب المظلم أن يُكتشف من فعل اختارته لأسباب منطقية؟ ما يختلف هذا عن قصة تلك الشبحة المقنعة روائيا. اتباع مسار منطقي نحو نتيجة مرضية تُبدي الأمر زائفا جدا.
الرعب الحق الذي لا يُفهم لا يتبع مسارًا منطقيًا. اليأس المحطم للعقول لا يقدم نهاية مرضية. وللقسوة أن تصير هجومًا يكسر.
「ماذا فعلتِ؟」
مستواها قد انخفض. تمامًا كأنك تضع قطعة خزفية غير مزججة في قدر لتمنع الغليان العنيف. فما الذي قدمته هذه الفتاة ذات القرنين لهذا العالم الملوث؟
ضحكت بنت الجدجمنت على سؤال المحللة.
「لا تسأليني. فلا أذكر」
وقد بدأ الصراع بين الفتاتين.
- الجزء 10
أصوات حماسية كانت تسمع خارج الشاحنة الكبيرة شبه المقطورة. انتهى العشاء وحان وقت استحمام الجميع.
وفي نفس الوقت...
「علمتُ أن سُدَتِ-تشان من سرق الكرة......」 قال صوت في ساحة انتظار الاستاد حيث لا تزال هناك بقايا من الثلج المتصلب.
كان صوت ريساكو، فتاةٌ ترتدي ملابس رياضة كما يرتديها الأطفال الآخرون. لقد تسللت خارج الشاحنة في وقت الاستحمام وكانت تتلصص تحت إحدى الشاحنات بشعرها الأحمر المربوط كقطعة حلوى. وإنّ الخروج بعد الاستحمام كان ليكون أصعب عليها، حيث ستقشعر وتبرد بردا شديد بعد أن تدفأت في الحمام.
لم تكن لديها شكاوى حقيقية من حياتها هنا، لكن ما عساها ببساطة تطلب أي شيء تريده فيشترونه لها. عندما تستيقظ لتدخل الحمام في الليل، أحيانًا ما كانت ترى الشاب الأخ والآنسة الشبح يتهامسان. وقد تخيلت أنه حديثهما كان عن المال. وبما أنهما لا يريدان أن يسمعهما الأطفال، فهذا يعني على الأرجح أنهما يواجهان صعوبة في هذا الجانب. لذا كان عليهم الاهتمام بالألعاب التي يمتلكونها.
أما سُدَتِ، أحد الأولاد الذين تعيش معهم، فلم يكن يفكر في أي من ذلك، وكانت له عادة في السرقة. ليست سرقاته المشكلة بحد ذاتها، بل في أنه كان يخفي الأشياء في أحد مخابئه السرية ثم ينسى مكانها. وبما أن شاحناتهم كانت تتحرك باستمرار، غالبًا ما كانت تلك الأشياء تذهب بلا رجعة.
كانت تنظر تحت إحدى الشاحنات بناءً على تجاربها السابقة.
حسها الداخلي أخبرها بشيء.
(سُدَتِ-تشان لابد أنه يخفي الجوائز في مخابئه السرية).
أضاء ضوء LED. بدلاً من لون المصابيح العادي، كان الضوء الذي اخترق الظلام أبيضًا ساطعًا جدًا لدرجة آذى عينيها. لم يكن لديهم ما يكفي من المال لشراء هواتف لكل الأطفال، لكن [الأخ] كان يحرص على أن يكون لكل منهم إنذار شخصي. وكان لذلك الإنذار ضوء. كان مجرد LED صغير، لكنه كان أفضل بكثير من لا شيء.
كانت مخابئ سُدَتِ السرية دائمًا أماكن لا يستطيع البالغون الوصول إليها. لكن الآنسة الشبح يمكنها المرور عبر الجدران والأسقف، لذا فإن الجدران السميكة أو الأبواب المغلقة لم تكن العقبة الأهم. بل كان يعتمد على فكرة "من المؤكد أن أحدًا لن يبحث هنا". وفقط في هذه الحالة كان يجمع المواد المهملة أو صناديق الكرتون ليصنع مخبأه السري.
وإنّ ريساكو تعرف كيف تكتشف تلك الأماكن.
「الأولاد يحبون مخابئهم تحت الأرض」
كانت الشاحنات مرتفعة كفاية، فلم تحتج فتاة في مثل عمرها أن تزحف حتى. فقط انحناءة خفيفة تكفي. كانت الآنسة الشبح ستوبخها بشدة إذا قُبض عليها وهي تفعل ذلك، ولهذا السبب كان عليها أن تفعل. وهي تتخيل ضوء إنذارها الشخصي يشبه سلسلة مفاتيح على شكل بيضة، تابعت بروح "لا ربح بلا مغامرة".
فوجدت شيئًا: غطاء معدني مستدير لبالوعة.
جلست بجانبه، بالقرب من أحد الإطارات الكبيرة التي بدت وكأنها حلقة بصل موضوعة على جانبها.
「هممم」
رأت فجوة صغيرة مفتوحة، لكنها لم تستطع رفع الغطاء بمجرد أن أدخلت أصابعها فيه. رفض أن يتزحزح، تمامًا كالأثقال، وربما كان يتطلب أداة خاصة.
الآن.
عادةً، كان من المفترض أن تنتهي محاولتها عند هذا الحد. لم يكن هناك أي طريقة تمكن فتاة ترتدي ملابس رياضية من فتح البالوعة والدخول إليها. كان يجب أن تتخلى عن الغطاء الثقيل وتعود على مضض وخيبة إلى الآخرين.
لكن...
「أداة،」 قالت وكأنها أدركت شيء.
مدت يدها الصغيرة داخل ملابسها الرياضية وسحبت شيئًا صلبًا ومستديرًا.
يلمع بضوء ذهبي.
「صحيح! عندي هديتي من بابا نويل!!」
تبدلت القضبان.
وتحولت المسارات إلى طريقٍ لا ينبغي أن يكون.
「من فضلك يا [عملة نيقولا] افتحي هذا الغطاء!!」
طؤ، سمعت كشطًا معدني بينما كان غطاء البالوعة الثقيل ينزلق كأنه يُسحب بخيط صيد مشدود. قفزت عند سماع الضجيج ووجهت ضوءها نحو الغطاء، لكنها لم تستطع رؤية ما الذي كان يحركه.
انفتحت البالوعة الآن على مصراعيها أمامها.
سلطت ضوء LED الساطع داخلها وحدقت لفترة.
「لابد أن هذا هو مدخل مخبأه السري」
بدل السلم، وجدت قضبان فولاذية أفقية مثبتة في الجدار الخرساني المنحني على مسافات متساوية. كانت تلك القضبان تمتد إلى أسفل، أعمق فأعمق. ترددت قليلاً ثم مدت يدها ولمست القضيب العلوي، أمسكت به وشدته، فلم يتحرك. بدا أن الصدأ لم يفسده لدرجة أنه سينكسر بمجرد أن تضع وزنها عليه.
خافت.
ولكنها...
「آه!」
انزلق من يدها الشيء الوحيد الذي كانت تعتمد عليه: الضوء. سقط ضوء LED داخل البالوعة وارتد عدة مرات ثم اختفى في القاع. كقاع الظلام بدا.
نعم، هذا الظلام له قاع. لم يمتد حتى الجحيم.
لقد وجدت مخبأ سُدَتِ السري، لذا كان عليها أن تجد الكرة والصابون الكيميائي الذي أخفاه هناك. قبل أن تتحرك الشاحنات مجددًا.
وأيضًا...
كان [الأخ] قد جمع ما استطاع من المال ليشتري إنذارات شخصية للجميع، ولذا لم ترغب أن تضطر وتخبره أنها فقدت إنذارها. ولقد استخدمت بالفعل عملة نيقولا، فلا أمكنها أن تتمنى استعادة الإنذار.
خيارها الوحيد هو أن تجمع ما تبقى من شجاعتها الصغيرة في صدرها الصغير.
「هذا يقود إلى حيث أخفى سُدَتِ-تشان الكرة!」
ريساكو لم تفكر أبدًا في السبب الذي جعل الآنسة الشبح تغضب كثيرًا عندما ينزل الأطفال تحت الشاحنات، لكن الإجابة كانت بسيطة. إذا لم يلاحظ أحد أن طفلا قد تسلل إلى البالوعة، فمآل ذلك كارثةٌ مروعة.
- الجزء 11
عندما نشرت الفتاة ذات البقع الفلورية المتعددة على معطفها الأبيض ذراعيها ببطء، شعرت شيراي كروكو وكأن مركز التحليل الكيميائي للأنتي-سكل يهتز بأكمله.
لم يكن الأمر متعلقًا بالهواء فقط.
الممر الذي بدا وكأنه مكتب مرتب بدأ ينهار. تحللت الأرضيات بسرعة وتصدعت الجدران وسقط السقف المنحني. كان هذا المكان مختبرًا تقنيًا ومجهزًا بأجهزة استشعار للكشف عن مستويات الغاز أو المواد الكيميائية الزائدة، لكن أيًا منها لم يعمل. قد تلفت كثيرا حتى ما عادت صالحة للعمل.
「هيهي」
「تشه!!」
(هذه مستوى صفر؟! هل سرقت هوية أحدهم أو عدلت بياناتها في البنك؟!)
كان هذا تهديدًا تكنولوجيًا، وليس إسبريًا.
نقرت شيراي كوركو بلسانها وتنقلت آنيّاً تبتعد. بفضل قدرتها التي تتجاهل القيود ثلاثية الأبعاد، كانت تستطيع تحقيق نتائج تتحدى عصر البنادق، ولكن لديها قواعد تتبعها.
في كل تنقل، يمكنها أن تختار فقط موقعا واحدا.
وهذا يعني أنها لا تستطيع نقل نفسها عن الهجوم وفي نفس الوقت ترسل سهما معدنيا تهجم به. بهذا المنطق، فضّلت اختيار مسار العمل بنفسها بدل أن تكون مجبرة على التحرك من خصمها. وإنّه لمؤشر سيئ أنها وصلت إلى هذه النقطة.
انتقلت حوالي خمسين مترًا إلى الخلف متجنبة الانهيار، ثم أخرجت سهمًا معدنيًا من فخذها وأرسلته نحو كتف المحللة هاناتسويو كآي. لكن تركيزها على الهروب جعل الهجوم يتأخر لحظةً. وخلال هذه اللحظة...
「هوه؟」
「!؟」
صنعت كآي حركةً ناعمة بغرابة. انزلقت إلى اليمين دون أن تحرك قدميها. لم تتحرك بسرعة تفوق سرعة الرصاصة. في الواقع، لم تكتسب أي سرعة تذكر. لكن تلك الحركة اللاإنسانية كانت غير متوقعة تمامًا، وهذا خرّب تصويب شيراي.
بدت غريبة حقا كأنك ترى قلعةً في الشطرنج تتحرك قطريًا، رغم أن الكل اعتاد أن يراها تتحرك رأسيًا وأفقيًا.
طالما أن شيراي كانت تهاجم من بعيد، فإن فوات الهجوم لم يكن يشكل خطرًا مميتًا لها، لذلك ركزت على فهم السبب وراء تلك الحركة، حتى لو تطلب ذلك تفويت عدة ضربات أخرى. استمرت تطلق تلك الهجمات غير المجدية.
والحركة الغريبة استمرت.
أطلقت ما لا يقل عن خمسة سهام معدنية إضافية، لكن لم يصب أي منها هدفه. انزلقت المحللة بينها كورقة تطفو في الماء، فظهرت السهام في الهواء الفارغ وسقطت على الأرض.
لكن شيراي لاحظت شيئًا.
صوت ارتطام السهام بالأرض كان يُمتص بهدوء.
「ما ذلك؟」
「فئران. أحتاج عددا كبيرا منها لتوزيع وزني بحيث لا أسحقها، لكن مع حوالي ثلاثين ألفًا، تبدو وكأنها سجادة لا؟」
(حقا، حقا لن أسمح لأونيه-ساما أن ترى هذا!!)
على عكس شيراي كُروكو، لم تكن هاناتسويو كآي بحاجة إلى استخدام سلاح مادي.
مع صوت مكتوم، انتشر الدمار.
الأرضية المصنوعة بتقنيات البناء الحديثة بدأت تغوص مثل حفرة النمل الأسد مما أدى إلى ابتلاع الجدران والسقف المدمرة معًا. هذا الطابق وصل إلى حده الأقصى، لذا قفزت فتاة القرنين بتنقلها الآني إلى الطابق التالي.
بعد القفزة، أدركت أن المحللة كانت تنظر مباشرة إلى عينيها.
وقد كان ثقبٌ في الطابق العلوي. والجدران والسقف تعرضا للتهالك وسقطا نحو الأرض القاتلة. ولم يبقَ سوى العوارض الفولاذية السميكة المتقاطعة. بدا المكان وكأنه لعبة تسلق عملاقة.
「أنصحك أن تسرعي」
بمجرد أن أخرجت الفتاة الأخرى أنبوب اختبار مميزًا للغاية من جيبها المخبأ بين ثنايا صدرها وخلعت الغطاء المطاطي بإبهامها الصغير، سمعت شيراي شيئًا يخفق في الهواء.
انفجر من ظهر معطفها الأبيض زوج من الأجنحة السوداء الداكنة.
الأجنحة الحالكة حلقت في الهواء.
「هذت إذا كنتِ تبتغين إنقاذ الأنني-سكل وخداعهم بالعمل الخيري الزائف. أوكنتِ تحسبين أن المواد غير العضوية وحدها هي من تتعفن وتنهار؟ لماذا قد تكلف مجرمة من الظلام نفسها عناء تصنيف نفاياتها؟」
「كيف تجرؤين!؟」
「هَهَهَهَه!!」
تغيرت قواعد ساحة المعركة مرة أخرى. المزيد والمزيد من داخل المبنى انهار كما لو أنه كان عالقًا في الرمال المتحركة أو حفرة النمل الأسد العملاقة. معدات تحليل الصوت، مزارع الخلايا، الميكروسكوبات الإلكترونية، وغيرها من الأجهزة التحليلية التي تبلغ قيمتها عشرات أو مئات الملايين من الينات كانت تتهاوى كشلال ضخم. الأصوات الحادة التي سمعتها شيراي بين الحين والآخر لم تكن مجرد زجاج يتكسر. بعضها كان أكثر قسوة، وصرخات صافية استمرت تصدو في أذنيها.
لم تتمكن حتى من مد يدها للمساعدة من تهاوي الحطام بغزارة، ولم تستطع تمييز مواقع الأشخاص من بينه. وفي الوقت نفسه، كان الانهيار مستمرًا في الزمن الحقيقي.
تنقلت شيراي من عارضة فولاذية إلى أخرى متجهة إلى الأعلى باستمرار، لكن أحدًا ما واكبها ولاحقها. وإن كان لا يصدق، لكنها هاناتسويو كآي. تخلصت المحللة من قيد الجاذبية بأن ترفرف أجنحة طائر ضخمة بدت وكأنها أقرب لغراب من خفاش. نقرت شيراي بلسانها وأرسلت سهمًا معدنيًا، لكن الفتاة تفادت الهجوم بتلك الحركة السلسة مرة أخرى.
ثم أدركت السبب.
تلك الأجنحة لا تشبه أجنحة الغراب وحسب. بل كان هناك كائن حي حقيقي على ظهر كآي.
「أذاك غراب؟!」
「هَهَهَه. يسمونها بالتضخم الطفيلي. هناك نوع معين من الطفيليات يجعل جزءًا من جسم مضيفه ينمو، وإنما أنا أستغل ذلك」 ضحكت كآي وهي تضع قدميها على جانب عارضة فولاذية عمودية وتواصل الطيران بتلك الأجنحة كأنها أجنحتها. 「وإذا نظرتِ إلى غرائز الحيوانات، ستجدين أن غرائز الفئران والغربان أكثر حدة من البشر. لا يمكن لحساباتك أن تصيبني. أفكارك قد تدهورت بسبب الحضارة، لذا لن تقتربي من غرائزها الخام」
تجاوزت خصمها أخيرًا.
كانت شيراي قادرة على التحرك بسرعة تفوق متوسط السيارات الرياضية بتنقلاتها المتكررة، لكنها لم تستطع مضاهاة كآي في مجال الحركة الجوية الخالصة. كان سقف مركز التحليل الكيميائي التابع للأنتي-سكل قد تآكل بالكامل. حلقت المحللة مع القمر خلفها، وريش الغربان الأسود يتناثر منها مثل شكل مشوه للثلج.
「كُلٌّ يرى في [الجانب المظلم] شيئا」 توقفت المجرمة في منتصف الهواء ونظرت أدناها من الأعلى. 「منهم من يراه بيئة مثالية للبحث. وبعضهم يحسبه عالما سفليا بلا قاع. وآخرون يعتقدون أنه ملاذ للمكسورين. وحتى أنا، التي غرقت تمامًا في الظلام، لم أرَ كل طبقاته. وقد يقف اثنان من [الجانب المظلم] في نفس المكان ولا يتفاعلا أبدًا، ولا نسأل أبدًا إذا ما انتهى بنا المطاف في مواجهة بعضنا. هذه العشوائية غير المتوقعة هي ما تجعله [الجانب المظلم]」
「.....」
「لكنه موجود ويجب حمايته. هِه هِه هِه. لقد أثبتِ نقصان ما تعرفينه منذ اللحظة التي حاولتِ فيها بتهور تصنيف هذا الصندوق إلى أكوام الخير والشر」
خارت القوة من ركبتي شيراي. كانت إحداثيات انتقالها الفوري خارجًا عن المسار قليلًا. على عكس كآي، لم تغلب الجاذبية قط، لذا ضغط الخوف على قلبها عندما انزلقت قدمها اليمنى عشرة سنتيمترات عن جانب العارضة الفولاذية. سرعان ما مدت يديها وأمسكت بعارضة أخرى بكلتا يديها.
عندها فقط أدركت ما الخطأ الذي حدث.
「ها...ذا؟」
「ريش الغراب」 قالت المحللة بنبرة ساحرة وهي تحضن جسدها النحيف المرتعش. 「ناهيك عن فرو الفئران وجثث البراغيث والقراد. هل تريدين معرفة المزيد؟ لأنه هناك أشياء أكثر قذارة تطفو في الهواء. أنا المحللة، لست مروضة متخصصة في استخدام الحيوانات. هذه الحيوانات هي مجرد وسيلة لنقل ما أستخدمه: الإنزيمات والرطوبة والعفن والمواد الكيميائية والبكتيريا وأي شيء آخر يسبب التحلل」
كان من غير المحتمل أن تستطيع الفئران أو الصراصير أن تأكل الحواجز السميكة المصنوعة من الزجاج المقسى والخرسانة المسلحة على الفور. وهذا يعني أن هاناتسويو كآي لم تكن تستخدم أنيابها أو مخالبها الصغيرة. كانت تستخدم التهديدات غير المرئية الموجودة داخل تلك الأشياء.
「ولكن مهلا...」
حركت شيراي جسدها المتذبذب لتضع قدمها مرة أخرى على العارضة الضيقة.
كانت هناك عدة قطرات من العرق على جبينها.
「أليست هذه هي وظيفة الفتاة الأخرى—الساعية؟」
ضحكت الفتاة المحللة بهدوء.
وما بدا عليها نية أن تعطي جميع الإجابات.
「سوف تموتين. وإنّ موتك قد بدأ」
「...ربما」
(أونيه-ساما...)
「لعلها أقرب إلى سحق حبة عنب بين أسنانك. هل تسمعين صوت خلاياك وهي تنفجر؟ البكتيريا القاتلة الحادة تأكل الآن أغشية خلاياك من الداخل. لا يوجد ما ينقذك」 اتسعت عيون كآي أقصى ما يكون. 「نحن لا نقتل من يعترض طريقنا. بالنسبة لنا الباحثين في الجانب المظلم، العقبات تُغلَب والقيود تزيد إثارة أكثر. نعم، من هذه الناحية، كنتِ مسلية حقًا. بما يكفي لأستمتع بك حتى النهاية」
「قولي واسرحي كما تشاءين، ولكنني سأهزمك أولا」
تردد صوت غريب في الأرجاء.
كانت شيراي كُروكو قد انتقلت فورًا إلى موقع آخر، لكن ليس نحو الفتاة المحللة. قد اخترقت زجاج نافذة في هذا المبنى الذي أصبح الآن عبارة عن أنبوب طويل واحد بعد أن انهارت الطوابق والأسقف.
「أنتِ في الواقع لا تتحدثين مع تلك الحيوانات والحشرات. لا يمكنك الوثوق بها مثل كلب أو قطة أليفة. الظلام على النور، الرطب على الجاف، والحلو على المالح. تستخدمين موادك الكيميائية لتوجيههم بتلك القرارات البسيطة بنظام إعجابٍ-وكره أو قبولٍ-ورفض」
نعم، كان الهجوم الذي سبب انهيار داخل المبنى قويًا، لكن لماذا كان عليها أن تفعل؟ إذا كانت مهتمة فقط بالقضاء على شيراي، لأمكنها أن تنفذ هجوما أدق وأكثر تحديدًا.
فماذا لو كان ذلك أمرًا ضروريًا؟
وماذا لو كان يجب أن تبقي هذا السبب مخفيًا؟
「التهوية」 شيء ما انفجر بشكل قوي عبر المبنى واضطرت الفتاة أن تمسك بشعرها القرنين تثبتهما. 「قد يبدو للناظر أن متاهتك الرخام غير مفهومة لأنها خفية، لكن الحل بسيط ما إن نكتشفه. دمري تلك المتاهة وستفقدين منطقة أمانك. وعندها، تصبحين أنت أيضًا هدفًا لهم!!」
اهتز المشهد.
انهار شيء آخر وصب شلال رمادي من الأعلى.
لا، الأشياء التي سقطت على كتف هاناتسويو كآي الأيمن كانت جميعها فئران.
「غ—」
كادت تصرخ، لكن الوقت قد فات.
في المقام الأول، بدأ الغراب الضخم الذي كان يدعمها يفلت من سيطرتها أيضًا. وإنّ الفئران التي تغطي جسدها بدأت تزحف بلا رحمة إلى أكمامها ومعطفها الأبيض.
「غووآآااااااااااااااااااااااااااااااااآاااااآااااااااااااهههههههههههههه!!؟؟؟」
انفجرت صرخة عميقة بشكل غير عادي.
ولكن على عكس الأنتي-سكل، لم تتوقف عن التحرك بهذه السرعة. طارت عدة أنابيب اختبار مليئة بالسوائل الملونة—على الأرجح تلك التي تحتوي على المواد الكيميائية للتحكم في الحيوانات—في الهواء للتصدي لذلك.
شيء ما كان يحدق بشيراي من وراء فرو الفئران.
دوى صوت هادئ في طبلة أذن الفتاة ذات القرنين من بين تدفق الفئران. تحدثت المحللة هاناتسويو كآي بوضوح.
هـٰ—ذا—لَمۡ—يَنۡـ—ـتَـ—ـهي.
「!!」
جمعت شيراي كل القوة التي كانت تملكها لترسل ثلاثة سهام معدنية دفعةً.
تفرقت الدماء الحمراء في الهواء، لكنها تجهمت.
تفرقت آلاف الفئران أو عشرات الآلاف وتفككت عن شكلها. يبدو أنها قد مزقت الفئران فقط بعد أن اختفى آخر أثر للفتاة التي كانت ترتدي المعطف الأبيض.
فهل تم التهامها حتى ما عاد التعرف عليها ممكنا؟
أم.....
「حوض فولاذ لا يصدأ......ء؟」
رأت شيراي لمعانًا فضيًا بين غابة الحبال الفولاذية المتقاطعة. كان ذلك المكان ربما يحتوي في البداية على مطبخ صغير، لكن أنبوب المعدن المتصل بأسفل حوض الغسيل الفولاذي استمر نزولا إلى الأرض.
كان أنبوب التصريف بالطبع أرق من ذراع شيراي، لكنها لم تستطع رفض الاحتمال الذي كان غير معقول عادة. خاصة عندما رأت عدة أنابيب اختبار ملقاة في الحوض بأغطيتها المطاطية مُزالة. تذكرت الاسم الذي كانت تُعرف به تلك الفتاة في الجانب المظلم: المحللة.
ظلام ضار مثل كآي قد تصل إلى حد إذابة كل عظمة من عظامها.
「خ...」
ثم وصلت شيراي كُروكو إلى حدودها.
شعرت بتذبذب في جسدها وانزلقت قدماها عن العارضة الفولاذية.
- الجزء 12
كانت الفتاة شيراي كُروكو فوق أكثر من عشرة طوابق.
فكان من المفترض أن تموت بعد أن فقدت توازنها. فرص نجاتها ضئيلة حتى لو أعد الكبار لها مرتبة سميكة لتلتقطها في الأسفل.
لكن شيئًا ما أمسك بها بصوت رطب.
كان ذلك بقايا المواد الإنشائية المتعفنة التي دمرتها المُحلّلة بشكل كامل. كم من الناس سيصدق أن تلك الكومة التي تشبه القطن أو الغبار كانت في الأصل خرسانة مسلحة وزجاج مقاوم؟
「شيراي-سااان!!」
ناداها شخص قبل أن تغرق في أعماقها.
ركوكا هوفو، ضابط الأنتي-سكل ذو تمشيطة الصلعة والنظارات، مد يده إليها. كانت المقاومة قوية وكانها أيد صغيرة لا حصر لها تسحبها للأسفل، لكن ذراعه انتفخت بشكل غير طبيعي. استخدم قوة عضلاته المتضخمة ليسحبها.
شعرت بالحمى. يُفترض أنها أُنقِذت توّاً، لكن ها هي ضعيفة واهنة لدرجة أنها لا تستطيع النهوض أو حتى تمشيط شعرها المبلل بالعرق.
مع ذلك، حركت شفتها المرتجفة وتكلمت.
「الـ...」
「؟」
「المُحلّلة لا تزال تحتفل بحريتها. أسرع وأنزل وتفقد المجاري!!」
「لكن شيراي-سان، أنت بحاجة إلى رعاية طبية فورية. سأتصل بالإسعاف. أو ننادي بمروحية الأنتي-سكل—」
كانت لا تزال ضعيفة جدًا لتنهض، لكنها تمكنت أن تمسك بياقة قميصه.
إذا كان عليها أن تترك حياتها في يد أحدٍ آخر، ففضّلت أن تكون في يد ميساكا ميكوتو. كيف عملت بجد هذه الليلة دون أن تجد أي أثر لتلك الفتاة؟ لكن الآن، كان عليها أن تقدم الدعم لشخص آخر. إذا اختارت الخيار الآمن والعقلاني والسلبي هنا، كانت تعلم أن هذا الرجل سيذبل دون أن يفتح هديته أبدا.
رفعت صوتها بينما تكاد تسعل دمًا.
「أردت أن تكون شخصًا تفتخر به عائلته، أليس كذلك؟ أليس هذا هو السبب أنك أصبحت معلمًا ودخلت الأنتي-سكل رغم المخاطر؟!」
「......」
「إذن لا تدعها تفلت. امنع الموت القادم وكن أحدًا تفتخر به. عجل!!」
نظر هنا وهناك، عض شفته، وخفض رأسه.
ثم وضعها برفق وأخذ يجري.
لن يحترمه أحد.
لكن هذا المعلم أخذ على نفسه أن يتم واجبه كحامٍ للنظام العام.
- الجزء 13
أعظم مُحَرَّمةٍ في المدينة الأكاديمية.
لم يكن أمام مجموعة هامازورا خيار سوى أن يعتمدوا على هذه العبارة المُلغّزة. لم يكن لديهم سوى الأمل في أن يكون الجواب مخفيًا في البيانات الموجودة على القرص الصلب بحجم بطاقة الائتمان التي عُثر عليها في خيمة المزور.
「هل نسلك طريقًا تحت الأرض يا هامازورا؟」 سألت تاكيتسوبو وهي تعبث بغرتها.
بدا أن العرق الذي التصق بشعرها على جبهتها يزعجها. لقد خفف العلاج بالكي جزئيًا من الألم والمعاناة، لكنها كانت تقترب تدريجيًا من حدود تحملها. لن تصمد طويلًا حتى مع هذا العلاج.
كان يخشى الحديث عن ذلك. شعر أن كل شيء سينهار إذا فعل.
「ا-إيه. أنا متأكد من أن كل مكان تتم مراقبته، لكن هذا على الأقل سيمنع الأقمار الصناعية من رؤيتنا」
كانوا يسيرون عبر محطة قطار أنفاق تحت الأرض، لكن في مدينة الأكاديمية المزدحمة، لم يكن من الغريب أن ينتهي بك الأمر في محطة أخرى تمامًا إذا واصلت السير في ممرات القطار. في الحَيَّين 11 و23، لا بد من وجود محطة طرفية تؤدي إلى المطار القريب، وبذلك سيصلون إلى وجهتهم وهم تحت الأرض.
『الآخرون موجودون في سجن الأحداث، لذا حتى قوات الأنتي-سۡكِل لن يمكنهم أن يُطاردوهم ثم يَدّعوا زورا أنه "كان حادثا" وقع أثناء التحقيق،』 تمتمت فتاةٌ طافتهم. بدا أنها كانت تنظم أفكارها بينما تُدوّر مصباحا يدوي يبدو عسكري الطابع في يدها. كانت فتاة في المدرسة الثانوية، بطنها مكشوف، وشعرها الطويل مربوط بذيلين.『فطالما أظل حيّة، فلا تزال فرصتي لإنقاذهم سانحة. اللعنة على ذلك الرئيس اللوليكون. هل يحسب هذه الفوضى ردَّ جميلٍ لأصدقائه القدامى؟ بأي حال، ربما أذهب وأستعير غرفة فارغة في مشرحة طبيب الأنتي-سكل』[2]
تلك الأكوام من النفايات الإلكترونية كان يجب إخراجها من المدينة برًا أو جوًا.
وإذا تمكنوا من استعارة مفك براغي خاص من الذين يستخرجون المعلومات الشخصية والبيانات الأخرى من تلك النفايات الإلكترونية، فقد يتمكنون من إلقاء نظرة داخل ذلك القرص الصلب الموسوم باسم"شريان الحياة".
(على افتراض أنهم ما زالوا أحياء)
كان هامازورا يعلم أن الأنتي-سكل في خضم عملية كبيرة، لذا لم تعد القواعد المعتادة سارية. سواء كانوا قادرين على مواجهة أعماق الجانب المظلم أم لا، أحسن له أن يفترض أن كل شيء خرج عن السيطرة. ولربما تدمروا كلهم الآن، ولعلهم فروا مذعورين، ولذا قد لا يكونون مستمرين في عملهم المعتاد.
ثم....
「هاه؟ أين ذهبت فتاة الهاكاما؟」
「لا أعلم」
نظر خلفه فَلَم يرَ سوى الحشود.
واعتراه الفضول من لأن تلك الفتاة هي من عالجت أعراض تاكيتسوبو. ما كان بمقدوره أن يعالجها بالإبر أو بالكيّ. وكان متيقنا تقريبًا من أن الأمر تطلب مؤهلات خاصة. ومن ناحية أخرى، لم تكن تلك الفتاة ملزمة بالبقاء معهم.
كانا في نظرها مجرد فتاة مريضة وصفري المستوى عديم الفائدة، ولربما كانا عبئًا ثقيلًا جدًا لا يُتحمل.
「لنترك أمرها الآن. ولعلها ذهبت دون أن تقول شيئًا بدافع اللطف」
「ربما」
لن يتوقعا مزيدا من العلاج الآن، لذا كان عليهما الخروج من المدينة قبل أن تعود الحمى إلى تاكيتسوبو.
「نكاد نصل إلى الحي 23، هامازورا」
「أصبنا في اختيارنا تحت الأرض. وأظنهم الآن وضعوا نقاط تفتيش بين الأحياء」
وجدوا سلالم صعودا إلى الأرض.
ولم يفكر فيها صراحةً منذ قليل، أنّ أكوام النفايات المنتشرة كريهة. الوديان الرمادية كانت تُرى حتى من بعيد. أغلبها معادن كما يبدو، وكانت عالية كعلو الطابق الثالث للمباني المجاورة. ومن منظر الأمور، لربما كان الطريق مغطى بذلك أيضا.
وما إن اقتربوا.......
「أين جامعوا النفايات؟」
「معطلين عطلة الكرسماس؟」
لم يُرَ أي شعاع من المصابيح الكاشفة. ولم يتمكنوا من تخمين مكان انهيار أي من أكوام القمامة. كان مترددًا للغاية في تسلقها، لكنه بالكاد يرى من الأرض القليل. وبينما يراقب أي معدن بارز أو قطع زجاج، تقدم للأمام يبحث عن طريق آمن لتاكيتسوبو.
المكان هادئٌ ساكن.
نظر من أعلى الكومة فوجد صحراء فضية.
لم يرغب في الدخول في مواجهة مسلحة مع جامعي القمامة، لكنه كان أيضًا قلقًا من عدم وجود البشر إطلاقا. ربما كان جامعو القمامة ينتمون إلى الجانب المظلم أيضًا، فبدأ يتساءل إن كانت الأنتي-سكل قد سيطرت على هذا المكان وحضّرت لكمين.
「ماذا نفعل؟」
「لا نقف هنا، فتعالَ نبحث عن أي شيء نعثر عليه」
كان هدوء تاكيتسوبو مطمئنًا في مثل هذه الأوقات. ومع ذلك، كان عليها أن تفهم أفضل منه كم هي ثمينة كل ثانية هنا. فبعد كل شيء، كان العلاج بالكيّ يخفف الألم مؤقتًا ولا أكثر، لذا كان من الممكن أن ينكسر هذا الصدَف في أي لحظة فيدع الحُمة تعود.
「إذا كان جامعو القمامة يترددون إلى هذا المكان كثيرا، فلا بد أن معهم سيارة أو مثلها. وإذا ركنوا واحدة هنا، فلربما نعرف من يملكها من لوحة الأرقام. وإذا لم تكن موجودة، قد نجد آثار إطارات」
لكن تلك التعليمات الدقيقة لم تقدم لهم شيئًا يفعلونه. لم يجد الفتى الجانح أي شيء فاضطر لفتح باب ثلاجة دفنت بالقرب منهم.
「...」
ثم عبس.
أغلق تلك الثلاجة المليئة بالفوضى البُنّية وأخذ نفسًا عميق.
(هل هكذا يقتاتون على الأشياء القيمة؟)
كانت خطتهم بأكملها خاطئة. وصلوا إلى طريق مسدود. أوحقًا لا شيء هنا؟ كلا، لابد أنَّ شيئًا واحدًا على الأقل مفيد بين كل هذه القمامة.
أمسك بشيء صلب في جيبه وأخرجه.
「أريني أين أجد مفك البراغي الخاص يا عملة نيقولا」
سمع صوتًا كأن أحدا قد ركل لوحة معدنية.
صرخت عشيقته تاكيتسوبو ريكو بدهشة.
نظرا معًا بتردد ليريا شيئا مغروسا مائلا في القمامة. كانت لافتة طريق مثلثة صفراء بعلامة -!- تحذر من خطر آخر هنا. ولكن هناك شائعات أنه إذا لم ترى لافتة ثانوية تشرح الخطر فإنها تشير إلى نوع من التهديدات اللاعلمية.
(لن يخيفني هذا كثيرًا لو لم أكن قد رأيت شيئًا كالشبح يطوف في المدينة من قبل)
طعع، وبدا أنَّ الصوت كان من اللوحة. وعند قاعدتها شيءٌ مدفون في القمامة. كانت لوحة معدنية... لا، بابين. بابين زوجين من المعدن.
「هامازورا، أهذا ما أظنه.......」
「حاوية معدنية؟」
وليست مجرد حاوية.
كانت مدفونة في كومة القمامة لتخلق مساحة مفتوحة تعمل كأنها نفق. وكانت أرضها قد قُطِعَت لتكشف عن سلالم تؤدي إلى الأسفل.
- الجزء 14
رَكُوكا هوفُو أخذ بذراعه الوحيدة ليرفع غطاء فتحة الصرف القريبة وقفز إلى الظلام العميق داخلها.
ورائحة كريهة دخلت أنفه.
أخرج مصباحه اليدوي كالعصا وهزه في الأرجاء. كان المكان واسعًا غير متوقع. وجاءت المجاري بتصاميم متعددة، لكن هذا المكان كان مبنيًا على مسارات ضيقة من الخرسانة على جانبي المياه القذرة الجارية.
انضم صوت المياه الجارية إلى ما بدا وكأنه آلة.
كان الهمس المنخفض مشابهًا لثلاجة مفتوحة آخر الليل.
「؟」
شيء ما عكس ضوء مصباحه اليدوي.
شيء شفاف على الجدار والأرض على طول الممر. كانت آثارًا تركها شيء لزج يزحف. تبع تلك الآثار وهو يحمل المصباح اليدوي بيدٍ.
شيء يتربص في الظلام.
في البداية، ظن أنه مخلوق صغير يتغطى ببطانية فوق رأسه.
「مه، من أنت!؟」 صرخ وأضاء ضوءه عليه.
على الأغلب كان مدفوعًا بالخوف، لذا ربما كان ذلك هو التصرف الخاطئ. التبصر في الظلال لا يُزيل القلق دائما.
『ها......؟』
لونه لحم، وكانَ كومة كاملة. وما عاد الورك الرفيع والصدر الكبير غير المعتاد موجودة بعد الآن. فقط كومة من اللحم بطول متر أو مترين تشبه كتلة من الآيس كريم المذاب. ووجه مشوه التصق بسطحها، لكن العينين كانتا على ارتفاعات مختلفة. لو كان مجرد لحم، لاعتبر مجرد وحش أو نفايات خام، لكن الشعر الأسود الطويل الذي تعلق وتساقط بالقرب منها أبداه وبشكل غريب خلاب.
『ها؟ مهلا لماذا؟ هذا خطأ. لا أستطيع العودة』
أصدر الرجل الكهل صوتًا غريبًا.
يفترض أنها صرخة، لكن حلقه يرتعش بشدة لدرجة لم يتمكن من إخراج صوته.
استدارت الكتلة نحو الضوء. كانت مذابة للغاية حتى ما عاد يعرف أي جانب هو الأمامي، لكن ذلك التحرك كان بشريًا بشكل غريب.
سمع رَكُوكا أصوات أشياء صلبة تصدم بعض.
افترض أنها كانت أشياء مخيفة كالأسنان أو العظام، لكن عندما نظر عن كثب وجد أن هناك شيئًا غير عضوي يعكس الضوء. أنابيب اختبار مليئة بالسوائل الملونة كانت تُمتص من قبل الكتلة كريمية اللون. على عكس غيرها، احتوت هذه على أغطية مطاطية زرقاء.
ويبدو أنها كانت تصب تلك السوائل على نفسها، لكن لا شيء منها "أصلحها".
(هل هذا نوع من الأدوية؟ قد أنقذ شيراي-سان به......ء!!)
『آه أيا يكن』
على الرغم من حالتها المرعبة، قالت الكتلة هذا التعليق باستخفاف ورمت عدة أنابيب اختبار جانبًا.
حاول رَكُوكا بشدة أن يجنب النظر.
حتى في هذه الحالة، إنها بالتأكيد جزء من [الجانب المظلم].
إذا تراخى فالقتل مصيره. ضربه الإحساس بالخطر كجدار صلب.
『هيي...هيي. جسمي كله انهار بعد أن سكبت بكتيرياتي على نفسي. ألا تشفق علي؟ تدنست. آهٍ تدنست. وإني الآن حتى أسمع خلاياي وهي تنفجر: طه طه طه. هيهيهيهيهيهيهيهي. أولم تشعر يومًا بشفقة على أحدٍ أكثر من حالي هذا؟』
دار جسدها.
لكنها استمرت تتكلم لأنها كانت متأكدة من أنها حتى هي نفسها ستنسى في وقت قريب ما يعنيه ذلك.
『هيا، قل إنك مشفقٌ علي. اعبس وادعني بالمسكينة وأنت تبتسم في نفسك. حينها سوف أعيش إلى الأبد أسطورةً من [الجانب المظلم]. ولا عليك. فالحياة شيءٌ غرائبي، فلا يهمني إن مت. وسأعيش إلى الأبد ظلاما من [الجانب المظلم]』
تنهد الرجل ذو تمشيطة الصلعة والنظارات.
ثم واجهها مجددًا وتحدث بصدق.
「قريبا ستكونين قادرة على تجاهل تدفق الزمن، وتجاهل كل مشاكل العالم، وتطوفين العالم للأبد؟ بصراحة، كيف لا أحسدك」
هئ، قال.
ثم تقلصت الكتلة ذات اللون اللحمي إلى حجم أصغر.
『إيييك!! مهلا كفى. لا أستطيع التحرك من هنا! حياتي انتهت! لا وسيلة لإنقاذي، فإذا لم تشتمني الآن وهنا فسوف أظل عالقة إلى الأبد في منتصف طريق هدفي. لا أريد أن أكون عادية! فلا أحد يتذكر العادي! أريد أن أكون دناسة من أي شخص آخر كان!!』
تبع ذلك صوت لزج وبلل. لا بد أنها إما انزلقت أو قفزت عن عمد لأن الكتلة ذات اللون اللحمي غاصت في الماء القذر واختفت عن الأنظار. بدا وكأنها ذابت فيه أكثر من أنها غاصت في القاع.
تنهد رَكُوكا هوفُو بعمق.
قالت الفتاة أنه لا وسيلة لإنقاذها، لكنه كان يشعر بأن حالتها ستظل كما هي إلى الأبد. بعد أن تحررت من جميع القيود الأخرى، رأى أنه قد لا يكون لها عمر بعد الآن.
أما ما إذا كان هذا سيجلب لها السعادة، فهذا موضوع آخر تمامًا.
جمع الكهل بعض أنابيب الاختبار التي سقطت على الطريق مع بعض الخيوط اللزجة الواضحة التي كانت لا تزال متصلة بها. لم يعرف أي من السوائل الملونة هو الترياق، لكن هذه كانت مميزة بأغطيتها المطاطية الزرقاء. اللون الأزرق يعني الأمان وهذه كانت السوائل التي حاولت الفتاة استخدامها على نفسها. سيكون من المفيد تحليلها.
ومن ثم...
『هيهي』
ارتفع صوت من المياه القذرة.
قفز وأضاء مصباحه اليدوي في ذلك الاتجاه، لكنه لم يرَ وجهًا يظهر من النهر الراكد. ومع ذلك، استمر صوت الفتاة. بدا أن الفتاة التي كانت تأمل أن تتدنس بكل قذارة المدينة قد تشتتت بتلك المياه القذرة.
『بالمناسبة، نسيت أن أسألك من قبل، هل أنت [نافع] أم [ضار]؟ من أي مستوى في [الجانب المظلم] أنت؟』
「.......ها؟」
لم يحمل أي فكرة عن مقصدها. انتشرت تموجات صغيرة في المياه القذرة.
『هوه؟ حقًا تحسبني أخدعك في هذه المرحلة؟ ما كنتُ أكثر رضا بعد أن تحررت من كل القيود. إيهٍ إيه. كما قلتَ، أنا تحررت حقًا. ...وبصراحةٍ، أن تكون توأما مضطرا أن تصاحب إنسانا معك طوال الوقت لمتعبٌ كثيرا. أما الآن فلي أن أفعل كل شيء بمفردي. فصلتُ جزءًا وتركت يوين تقوم به، لكنني وحدي أكفي أن أحلل كل قذارة المدينة』
ازدادت رشقات المياه.
كانت الرائحة سيئة فظيعة من قبل، لكنها الآن أشعرت وكأنها جدار لا يُرى.
『وددتُ لو أحلل كل شيء. بما في ذلك الرابطة الوهمية بين التوأمين. وكذلك نفسي. أردت أن أتحرر من كل شيء』
استصعبَ التنفس. وتدفقت قطرات العرق على وجهه ورأسه.
ومع ذلك، استمرت تتكلم.
『لن أكذب عليك في هذه الحالة. لماذا قد أفعل؟ ولذا أسألك، من أي ظلام أنت؟ بما أننا لم نصادف بعضا من قبل، فلابد أنك من مستوى مختلف عني』
「مهلا... مهلا مهلا」
كان صوتها غريبًا مقنعا.
كان نقاء سجين ينتظر الإعدام. بمجرد أن لا يكون لديه ما يخسره، لن يعود بحاجة للكذب لحماية أي شيء.
لكن في هذه الحالة....
「أنا أنتي-سكل. لا أكثر ولا أقل. نعم، أنا من الأشاوس، ولذا آخذ دور المجرم في التدريبات. لكن هذا كل ما أفعله. أنا لست مثلكم. أنا مختلف」
『مستحيل. لن تخدعني بهذا. ألا تعرف أين نحن؟ استمع، ألا تسمع همسات آلةٍ؟ ما تلك؟ هذا المكان يستخدم لإخفاء آثار الأشخاص. كاميرة تُربط بكاميرة تُربط بكاميرة حتى يضمن أصحابها ألا أحد يجدها. فقبل أن ترتكب جريمة، تنزل إلى تحت الأرض وتخفي آثارك. وما إن تختفي آثارك، تذهب إلى حيث ستكون في الجريمة. تلك الهمسات تأتي من آلة تولد حقلًا مغناطيسيًا. جزء من التدابير المضادة عالية التقنية』
「...」
『وما أقصده، هذا متاهة مبنية بشكل خبيث مصممة بحيث لا يمكنك أن تصل إلى هنا بالصدفة. وحده [الجانب المظلم] من يعرف هذا المكان. وبما أنك وصلت، فلا شك أنك قد استخدمته من قبل』
「.........................................................................................」
كلا، همس، لكن صوته لم يطع.
تخيّل رطوبة غير مريحة بينما بدأت رؤيته تتحول إلى البياض تدريجيًا. حاول بأقصى جهده أن يظل واعيًا. لم يكن لديه أي فكرة عما كانت تتحدث عنه. وبالطبع، لم يكن يعرف. لقد عاش حياةً مملة—لا صعود ولا هبوط. فقط عاش عامًا بعد عام، يكبر ويكبر. لكنه كان يريد أن يصبح شخصًا تفخر به أمه وأخته اللتان كان يعيش معهما، لذا أصبح مدرسًا ثم تطوع للانضمام إلى الأنتي-سكل. لذا، ما لهذا علاقة به. لم يدري البتة كيف يكون جزءًا من [الجانب المظلم].
『إيه』
ثم انقطعت أفكاره بضحكة لزجة.
ما زال مصباحه اليدوي يضيء الوحل المظلم فقط، لكنه سمعها بالتأكيد.
『كنت صالحا لا ريب. لكن هذا بالضبط هو السبب الذي جعلك لا تستطيع التخلي عنهم』
وهذه التي حققت الخلود جاهدت على تحطيمه بدافع الملل.
『نزلت إلى هنا لتخفي آثارك قبل أن تلقي بالجثة، أليس كذلك؟ هل فعلتها في الجبال؟ أو ربما تحت محطة القطار تلك؟ كل هذا حتى لا يتم الكشف عن جريمة شخص ما وليظل عالمك الصغير السعيد سليمًا』
أمه
لزج
أخته
عـائـلـتـه الحـبـيـبـة أحـمـر مـتـربـص
ضـحـكـةمـخـيـفـةلاوجـه لاخـيـارآخـراسـتـحـق الـمـوت
زلة
لا ذنب واقفٌ مذهول
قتل
احتضن بعضهم بعضا وهم يرتجفون، وجائوا واتفقوا حول ما هو صحيح وما هو خطأ، ثم فكروا مرة بعد مرة ما يفعلون من بعد ذلك. فكروا وفكروا وفكروا وفكروتنم حشوه داخل كيس ضغط البطانية رغبغ مكنسة كهربائية وخم دفع الخخ حقيبةلكنءالرائحةكخييهةوكثيرٌ من الدودضغب فكان عليه أن يتخذ قرارخهوإلى الحمامـ فشظـ ورفع الساطورغالـإلى قطع شوهةوداخل،الحقيبة نهيپغنّتاچنمكمنىربثصصغه،ب ز غ.
「آ، آه. ٱؤغوآآاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا!!!!!!」
في تلك المساحة التحت أرضية الثابتة والمقيدة دون مخرج، أطلق ركوكا هوفو زئير وحش نحو السماء. حاول أن يركل الماء القذر الذي رفض موجه أن يثبت، لكن ما استطاعه أنه سقط في النهر نفسه.
رفع رأسه عن السطح، لكن مصدر الرائحة اللزجة الآن التصق بوجهه. وكون أن هذا لم يقرفه فعلاً أثار قلقه. حرارة تذكر بالجلد البشري طعنت دماغه. لم يكن لديه تجربة مماثلة، لكنه خمن أن هذا هو ما يبدو عليه أن يكون جسدك بالكامل محاطًا بصدر عملاق.
وصل إليه نفس فتاة وكأنها همسة في أذنه أو كأن صوتها قد دخل أذنه.
『آه ها ها. آه ها ها ها ها ها. آه ها آه ها ها ها ها ها آه ها آه ها ها』
「صه-اصمتي」
『علمتُ أن فيك غرابة. كأن لديك ذوقًا طفوليًا أو كأنك لم تتعلم كيف تتصرف كالكبار. بدا أنك عشت في عالم محدود جدًا لمن في سنك، لكن هذا يفسر الكثير. خفت وارتعبت كثيرا أن يطالبك المجتمع البالغ بتحمل مسؤولية أفعالك لدرجة أنك عجزت عن مغادرة المدرسة. هيهيهي. أنتَ مثلي تماما، ظلامٌ ضار』
「اصمتيييييييييييييييييييييييييييييي!!!!!!!」
سمع صرخة هادئة.
نصفه غارق في نهر الوحل، حول عينيه المحمرتين نحو الصوت. أضاء مصباحه اليدوي على فتاة صغيرة في حوالي العاشرة. كان الصرف الصحي القذر وملابسها الرياضية النظيفة تعارضان بعضهما بشدة لدرجة أنها بدت كصورة معدلة رقميًا.
انكمشت على نفسها، وفي البداية ظن أنها تبدو حيوانا صغيرا خائف.
لكن ثم سمع همسات ذلك الكائن اللزج الملصق على وجهه.
『أونسيت؟』
كان يسمعها.
كان يسمع هذا الصوت المبتسم.
『لا أحد طبيعي يصل إلى هنا بالصدفة』
「......」
تناثر الماء بينما كان ضابط الأنتي-سكل ذو تمشيطة الصلعة والنظارات يخرج من النهر القذر ويتجه نحو المسار.
「أنا...」
وقف عند زاوية، واضعا كتفيه على ارتفاعات مختلفة.
「أنا مع الأنتي-سكل. أنا من سوف تفخر به عائلته」
ربما كانت هذه مجرد رغبة عميقة في نفسه. ربما كانت أمه وأخته في الواقع ممتنتين لما فعله.
لكن إذا اعترف أنه فعل شيئًا يستحق الشكر...
「.....ء!!」
يهتز.
وينهار.
لماذا كانت الحقيقة ثقلا عليه لا يتحمله؟ لم تكف أبدًا عن ضغطها تسحقه تحت وطئتها.
لكنه قد وعد.
بينما كان بالكاد يستطيع التنفس، أخبرته شيراي كُروكو أن يلاحق [الجانب المظلم]. وربما لا يزال بإمكانه إنقاذها باستخدام أنابيب الاختبار التي وجدها هنا.
لعل الأوان قد فاته، لكن طالما لا يزال يحمل قوةً، فسوف يطرد الجانب المظلم ويسلم هذه الأنابيب إليها.
「غهآآااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااههههه!!!!!」
تمكنت الفتاة الصغيرة أن تتخلص من شللها فدارت وهربت.
لماذا قد يهرب أحدٌ من الأنتي-سكل إذا لم يرتكب أي ذنب؟
تغيرت صورته الظلية بينما يطارد فريسته. تمزق زي الأنتي-سكل من الداخل كاشفًا عن جسم ضخم عضلي.
لقد اتخذ قراره قبل أن تبدأ المعركة، فحرك ذراعيه وساقيه وباشر يطارد.
- الجزء 15
ريساكو، الفتاة بالملابس الرياضية، لم تتذكر كيف وصلت إلى هنا.
امتلئت رؤيتها باللون الأبيض على كونها في المجاري المظلمة. وكانت تلهث، وصدرها يؤلمها. تناثرت الدموع من عينيها. في كل مرة كان الضوء الصغير في جهاز الإنذار الشخصي يلمس الجدران أو السقف، كانت الانعكاسات شديدة لدرجة أنها كانت تؤذي عينيها. لو لم يعطها الأخ ذلك الجهاز، لرمتها، ناسية تمامًا أنه كان مصدرها الوحيد للضوء.
ركضت.
ركضت وركضت.
وقد تاهت في مكان لم يكن ينبغي لها أن تكون فيه. ربما كان يجب أن تدرك أن شيئًا ما كان خطأ عندما كانت تمشي وتمشي ولم تجد قاعدة سُداتي الخاصة، لكنها للأسف لم تتوقف أبدًا ولم تعد. كانت تواصل إخبار نفسها "قليلا بعد" حتى وجدت نفسها في مكان أشعرها أنه سيفتت جسدها وعقلها إلى قطع.
شيءٌ ما سمح لهذا أن يحدث.
شيء ما وضعها على مسار لم تكن لتجده عادة.
(ما كان ذلك؟)
كانت خائفة جدًا من أن تنظر إلى الوراء. ركضت على الممر الضيق ودفعت نفسها عبر الفجوات بين الأنابيب السميكة لتبتعد قدر الإمكان. كان هناك شيء مرعب يطاردها.
لن تسمح له بأن يلحقها. كانت تعرف أن شيئًا فظيعًا سيحدث إذا سمحت.
(ذلك الرجل كان يحادث نفسه!!)
「آه!」
لم يكن هناك شيء بارز من الأرض، لكنها مع ذلك تعثرت وسقطت. نسيت حتى أن تبكي من الألم في ركبتيها.
انطفأ مصدر الضوء الوحيد لها. وأحاطها الظلام.
(ضوئي أين ضوئي)
لم تعد تشعر بجهاز الإنذار الشخصي الذي على شكل بيضة في يدها. لابد أنه انزلق على الأرض عندما تعثرت. لم تكن تعرف ما إذا كان قد انطفأ أو إذا كان قد تعطل، لكن هذا المكان كان مظلمًا كما في دار سينما. لم تستطع الاستمرار بدون ضوء. ما زالت تسمع التموجات الهادئة لنهر المجاري، لذا قد تسقط فيه إذا حاولت المضي قدمًا وهي عمياء.
على ركبتيها نزلت تبحث حولها بيدها الصغيرة، لكنها لم تشعر بأي شيء تألفه.
قد أعطاها الأخ ذلك الإنذار رغم أنه بدا أحيانًا يواجه صعوبات مالية، لذا لم ترغب في أن تخبره أنها فقدته.
لكنها بحثت وبحثت دون جدوى. كانت تبذل جهدًا كبيرًا، لكنها مع ذلك لم تجده.
فجأة ازداد العفن أسوأ. ومن خلفها.
ذلك الوحش كان يحمل مصباحًا يدويًا من قبل، فهل أطفأه؟ هل يعني ذلك أنه يرى في الظلام؟ لكن كيف؟
ربما كان يجب عليها أن تبدأ الركض فورا. ربما كان يجب أن تندفع في الظلام بغض النظر عن أي شيء تصدمه في الطريق. لكنها لم تستطع أن تتخلى عن الإنذار. عضت شفتيها وضربت الأرض القذرة حولها ودموعها في عينيها.
(لا.....)
لم تجده.
لم تجده.
ببساطة لم تجد الإنذار الذي أعطاها إياه الأخ الطيب.
(لا، أين هو؟)
شعرت بضغط كبير كأن السقف بذاته يضغط.
ربما كان هناك شيء ما يلوح فوقها أثناء بحثها عن الإنذار وهي على يديها وركبتيها.
كان الظلام شديدًا لدرجة لم تستطع الرؤية، لكنها مع ذلك عصرت عينيها مغلقةً.
ثم سمعت صوتًا مبللا.
تراجع الجدار السميك من الضغط وكأنه ارتعش.
فتحت عينيها في صدمة، لكن كان لا يزال الظلام شديدًا لدرجة أنها لم تستطع رؤية أي شيء.
أو كان يجب أن يكون.
سمعت صوت خدش ثم رأت ضوءًا أكبر قليلاً من شعلة شمعة عيد ميلاد. لم يكن ضوءًا ميتًا. عندما أدركت أنها شعلة ولاعة مثل تلك التي استخدمها الأخ عندما كانوا يطلقون الألعاب النارية، شعرت برائحة حيوانية كانت قد لاحظتها من قبل.
『أوه، يا طيشي. ليس أمام الطفلة』
رأت مخلوقا أخرج شيئًا وبدأ يضعه في فمه، لكنه توقف بعد أن رأى ريساكو.
لم تستطع أن تصدق.
المخلوق الذي تحدث إليها بصوت إنسان كان بكل وضوح كلبًا ذهبيا ضخمًا.
「جِنمنكن؟」
『آهخ، أقول لكِ إنني أتمتع برومانسية أكثر من ذاك المخلوق الخيالي. لكن ربما يراني معظم الناس مثله أو شبهه. ولكن على الأقل هذا أفضل من أن أُعتَبَرَ شكلا جديدًا من التكنولوجيا』
عادةً، كانت لترتعد خوفًا إذا رأت مثل هذا الكلب الكبير بالقرب منها. خاصة إذا كان بدون مالك يمسك برباطه. لكن هذا الكلب المسترد الذهبي مر بجانبها بلطف بينما كانت جالسة على الأرض. وكأنه يحميها من الوحش القادم خلفها.
『امضي يا آنسة』 قال حامل النور وأردف. 『قد تجذبك المسارات الجانبية والأبواب الصدئة في الطريق، لكن تجاهليها جميعًا وواصلي السير على هذا الممر. وإذا تخلصتِ من شكوكك، فسوف تجدين سلالم تُخرجك من هذا المكان في نهاية هذا الممر الطويل والمديد. أعطيك فرصة، ولكن سواء استخدمتها أم لا فهذا يرجع إليك』
「لكن إنذار أخي.....」
لم تُعطى فرصة لشرح ما تعنيه.
رُمِيَ شيء صغير نحوها وامسكته لتجد أنه كان الجهاز الذي استصعبت أن تعثر عليه.
كيف رماه الكلب؟ ومن أين له أن يمسك بالولاعة؟
قبل أن تسأل، قال الكلب المسترد الذهبي كلمته.
بشدة هذه المرة.
『أسرعي』
بدأت الفتاة في الملابس الرياضية بالركض، لكنها توقفت قريبًا.
قال إنه كان مكانًا خطيرًا هنا، لكنها ما زالت نظرت خلفها.
「يا كلّوب...」
لم تكن لتسأله إن كان سيأتي أيضًا.
مدركا أنها أرادت أن تسأله عن اسمه، تنهد.
لو كان الكلب قادرًا على الابتسام، لكان قد فعل.
『أنا كيهارا نوكان من الجانب المظلم. التعامل مع مثل هؤلاء هو عملي』
اهتزت الظلمة من خلفه.
بعد أن تأكد من أن الظهر الصغير اختفى حقًا في الممر الطويل هذه المرة، استدار الكلب الذهبي ببطء في الظلام الذي يسميه موطنه.
استخدم ذراعًا ميكانيكية رفيعة ليلعب بسيجار فاخر وقرّب شعلة الولاعة نحو طرفه.
『الآن يمكنني التدخين』
تغيرت نبرته.
تمامًا.
『ولا داعي أن أخاف على صحة من سوف يموت على أي حال』
تحرك جدار الظلام. قد تراجع من ألم غير متوقع قبل قليل، لكنه الآن عاد بضغط أكبر.
تحدث هذا الضغط بصوت بشري.
「أنت أيضا جزء من الظلام؟」
『نعم، أنا كذلك. وإن كان منطقك الغريب هذا يقول إنه يمكنك إثبات أنك لست مظلما بأن تقتل المظلم، فدعني أكون بديلاً عن تلك الطفلة، تمام؟』 نفث الكلب الذهبي دخان السيجار بلطف. 『وبهذا المنطلق، أنا الهدف المثالي لك. على الأقل، أنا أحد أكثر الكيهارات المختفين』
「اصمت」 خطا العملاق خطوة ضِرغمةً للأمام فنورته الولاعة من الأسفل. 「إن كان آخر هجوم هو كل ما لديك، فلن تفوز. فأنا لم أنزف حتى」
『إيه، لا أنكر أن الأنتي أرت أتاتشمنت الأصلي قد تحول إلى لعبة عند تلك الفتيات وأن بعض قطع الغيار التي كنت أملكها قد تدمرت خلال [عملية الأصفاد]』
كل ما كان بإمكان الكلب الذهبي فعله الآن هو إطلاق الحاويات والصناديق التي كانت تستخدم في نقل سلاحه النهائي. لم تكن هذه الحاويات تحمل الكثير من القوة وهي فارغة. وحتى لو كانت مليئة بالمتفجرات، ربما كان ذلك الوحش سيصد الانفجار بعضلاته.
「الآن سأضربك حتى الموت. أنا أرفض أن أسمح للجانب المظلم أن يستمر، مهما كان شكله」
كان له مظهر غريب. عضلاته الضخمة تحيط به مثل الدروع، لكن وجهه ظل كما هو دائمًا. كان ضابط الأنتي-سكل ذو تمشيطة الصلعة والنظارات يواجه الكلب الذهبي الذي كان يرتدي حقيبة ظهر ولكنه كان يتحدث إلى شيء غير الكلب.
「ويبدو أنك مستعد لملاقاة مصيرك وأنت تعرف ما سيحدث. وهذا يجعلني أتساءل بشأن تلك الفتاة التي أنت على استعداد لتضحي بحياتك لأجل حمايتها. لعلها تكون من كبار الجانب المظلم. لن أدعها تهرب. سألاحقها من بعدك ولربما استخرج منها أنواعا كثيرة من الظلام. وإلا غير ذلك ليس بالمنطقي. إذا لم تكن هي من الجانب المظلم، لما وصلت إلى هنا」
『اسمع يا تافه』 بدا كيهارا نوكان غاضبًا. وليس حتى نوعه المفضل من السيجار ساعده في تهدئة نفسه. 『عندي لك قولٌ قلّبه في نفسك. إلى من تحسب نفسك تحادث؟ المحللة؟ إن كنت تعني هاناتسويو كآي، فهي بالفعل تتجول في هذه المنطقة. بشكل ما، لعلها أصبحت شيئًا لا يموت. مثلها مثل ياكومي هيساكو. لكن هل تحسب حقًا أنها في حالة تسمح لها أن تحدث الاهتزازات اللازمة لتصدر صوتا مادي؟ كيف لها أن تفعل بعد أن ذابت في مياه المجاري القذرة هذه؟』
「......」
『يمكن لأي أحدٍ الوصول إلى هذا الممر. ولا داعي لأن تكون من الجانب المظلم. هذه هي الحقيقة المملة. وأرى أن تلك الفتاة كانت خائفة للغاية لأنها صادفت كهلا أصلع مبللا حتى كتفيه في مياه المجاري القذرة يحادث نفسه بتعبير في غاية النشوة على وجهه. ذلك الصوت الذي سمعتَه ليس حقيقيًا. هذا المكان ذكّرك بلحظة صادمة في ماضيك، لكنك رفضت أن تقبل أنك قد وضعت قدمك على هذا اللغم بمفردك. فأردت أن تصدق أنك وقعت في فخ ذكي من أوقعك به شخص ما، وليس أنك سقطت في هلاكك عن غير قصد. لذا عندما سمعت رشات المياه اللزجة لهذه المجاري، تخيلت أنك كنت تسمع ضحكًا خبيثًا بدلاً من ذلك』
「....................................................................................................................................」
توقف ركوكا هوفو.
لم يستطع حتى كيهارا نوكان معرفة كيف كان يعالج هذا. ولكن لم يكن يهتم.
「كلما نظرتُ إلى المستقبل، زاد شعوري بالهوان أكثر. لا بد أن ذلك يعني أنني قد فُسِدت أيضًا」
『بسبب ذلك؟』
「لكن هذا لا يفسر بعد وجود تلك الفتاة هنا. كانت ملابسها غريبة أيضًا. كان لديها نوع من المستشعرات على ذراعيها وساقيها. بدت عالية التقنية جدًا. لا بد أنها مع الجانب المظلم」
『أظن أن هذا لا مفر منه. ولأوضح لك، أنا لم أكذب عليك』
مد ركوكا يده إلى أنبوب قريب. كان أكبر من جسم الإنسان العادي، لكنه تمزق بيد واحدة.
كانت حسابات وزن المرء وألياف عضلاته كافية لحساب قوة عضلاته العامة. كان سيتمكن من استخدامه كسيف سكر أو كسوط بدلاً من سلاح ضخم. فكر في الفرق بين مجرد ضرب فرع شجرة رفيع أو ضربه مع حركة معصم مفاجئة. ذلك سيعطيه قوة أكبر بين خمس وعشر مرات.
لكن الكلب لم يتراجع.
ضيق عينيه كأنه يقول إن الاستمتاع بنكهة سيجارته كان أهم.
『إذن أخيرًا ألتقيت بفرد من العائلة التي قتلت أحد الكيهارا وتخلصت من جثته بشكل مثالي. لربما كنتُ لأحارب إلى جانبك لو كانت الظروف مختلفة』 تنهد الكلب الكبير ثم همس بكلمات ذات أهمية مدمرة. 『كيهارا هَيكِن. كان يسميها النهج النفسي، لكن لديه عادة سيئة في ترك الأمور العملية تختلط بحياته الشخصية. لقد حذرته بجدية من أن الأساليب المستخدمة في مراقبة مكان العمل ستُعتبر "ترصدا" عندما تُستخدم لأسباب شخصية』
بدا وكأنه يسترجع الذكريات.
أو ربما كان يندم على أفعاله السابقة.
『لو أن كل ما فعلته أنك حميت أهلك واكتفيت، لاحترمتك. قد لا تحسب أن تصرفك الشجاع كان الشيء الصحيح، لكنني شعرت بنور كبير من الرومانسية فيه. وربما طردك هذا من طريق الخير، لكن ركني الصغير في الجانب المظلم كان ليُرحب بوصولك』
لكن.
تفوه الكلب المسترد الذهبي بكلماته التالية بجمود.
『لكن لا نور باقٍ فيك الآن بعد أن بدأت تطارد طفلة بلا سبب. ليس الآن بعدما حددت هدفًا ضعيفًا وصنفته شريرا حتى تستطيع التهامه. ركني الصغير في الجانب المظلم يرفضك. معذرة، لكن عليّ أن أمحوك الآن』
تغير الجو. بدا أن تصلب كلماته أثرت في كثافة ولزوجة الهواء.
ركوكا هوفو لم يُبتلع بعد من قبل ذلك، لذا على الرغم من الفساد الذي وصل إليه، لعله قد احتفظ ببقايا من القاتل كيهارا الذي كان عليه في السابق.
الصالح المشوه لما بعد الصلاح لهو أقذر من أي شرير كان. قدم كيهارا نوكان تقييمه الصريح..... أن الرجل ليس بالمستوى المطلوب.
نعم، قد تجد الجانب المظلم في أي مكان. في الشقة المجاورة، في جمعية الحي، في صناعة الترفيه على التلفاز، وحتى داخل الأنتي-سكل التي تقاتل للحفاظ على السلام. هل فهم الرئيس الغر الحالي حقًا أن تنظيف الجانب المظلم يعني العثور على كل البقع والتجاعيد التي تراها غير جميلة ثم تقطعها بسكين، ومعها الجلد كله؟
「لم تجب على سؤالي」
『أوه؟』
「إن كان ذلك كل ما لديك، فلن تفوز. فما الذي ستفعله؟」
توقف كيهيارا نوكان لحظة. رفع أذنه متظاهرًا بالتفكير، لكنه لم يعد يسمع تلك الأقدام الصغيرة على الخرسانة. لابد أن الفتاة بالملابس الرياضية قد أخذت نصيحته وركضت في الطريق المستقيم الطويل دون أن تأخذ أي منحنى. من المحتمل أنها ستصل إلى السطح قريبًا.
『كنت سأسألك إن كنت تعرف ما هي الرومانسية، لكنني أشك أنك ستعطيني إجابة لائقة كما أنت الآن』
لم يحمل أسلحة.
حتى لو أن ركوكا هوفو قد فقد صوابه—لا، بل لأنه فقد صوابه—فمهارته كانت حقيقية جدًا وتم تعزيزها لدرجة تغير فيها شكل جسده. لا قواعد في قتال الجانب المظلم، لذلك من الأفضل ألا تفكر في ما سيحدث إذا خسرت.
ومع ذلك، نفخ الكلب الكبير سيجارته بسعادة وتحدث.
『الرومانسية هي بأن تضع الكفاءة والمنطق جانبًا. الرومانسية هي أن تستمتع بالأشياء التي لا معنى لها في الحياة. وهذا التعريف هو ما يميزني عن الكلاب الضالة』
- الجزء 16
「لماذا؟」
فيفانا أونيغوما تكاد تبكي.
كان شعرها الفضي الطويل والمجعد يتناقض مع لبسها الهاكاما وكانت رحيمة بقدر ما كان عليه ظلام الجانب المظلم. والآن، كانت تائهة تمامًا داخل محطة قطار نادرًا ما تزورها.
رأت في الناس نوعين: أولئك من يجدون المخرج الذي يريدونه داخل محطة القطار فورًا، وأولئك من يضلون الطريق حتى يجدوا أنفسهم في محطة مختلفة تمامًا.
لم تطلب ولا ابتغت هذا، لكنها كانت جزءًا من الجانب المظلم. لذا لن تسمح للأنتي-سكل أن يعثروا عليها هنا. كانت فرصتها الوحيدة للنجاة والعيش هي مغادرة مدينة الأكاديمية، وذلك يتطلب اكتشاف سر أعظم محرمة في مدينة الأكاديمية.
أين ذهب ذلكما الهامازورا وتاكيتسوبو؟
هل خططا أن يضلوها ويتركانها؟ مثل هذه الشكوك المضنكة جالت في رأسها. عليها أن تصل إلى المنطقة 23 وعندها تصعد إلى الأرض لترى مكانها. في الصعود مخاطرة، ولكن قد يكون أفضل من التجوال هنا طوال العمر.
أو هكذا رأت.
لو أنها اتخذت قرارها قبل عشر ثوانٍ فقط، لما قابلت أحدًا هنا.
「قعيا!!」
انفتح باب قريب. يشبه بابًا للموظفين، وركض الذي كان بداخله صوب فيفانا. كان قصيرًا جدًا بحيث أن التأثير صدم وركها.
كانت بنت بملابس رياضية.
لكن فيفانا لم تملك الوقت لتسأل عن السبب.
انتفخ الجدار من الجهة الأخرى. انفجر الجدار والباب المعدني كبالون يتفرقع وخرج الحطام أفقيًا. وفورا فتحت فيفانا ملابسها السوداء والوردية. أمسكَت بسيفها الخيزران ذو الطرف المكسور من أدوات التعذيب اليابانية وأخذت تُقطع به الهواء.
أطرافه المكسورة والمنتشرة أشبهته بثعبان متعدد الرؤوس.
「مم」
بعد أن صدت بسهولة كل الحطام المتناثر، شعرت بشيء يتحرك خلف الغبار.
رأت ما بدا وكأنه رأس موظف مكتبي واهن وأسفله كتلة من العضلات المنتفخة، فظهرت صورته الظلية فريدة. القطع القليلة المتبقية من الملابس التي كانت عليه أخبرت إنه كان من الأنتي-سكل وليس من مكتب شركي.
غطاه بالدم.
تعلقت البنت بفيفانا وارتجفت.
ومن حولهما انتشرت صرخات وصياح.
「لا.....」
اتسعت عينا البنت.
لكن ليس من خوف بسيط. ارتجافها جاء من رؤية الدم المتناثر على الرجل.
「أين كلّوب؟ لا، لا... ماذا حدث للكلب الذهبي الذي أنقذني!؟」
مع رطمةٍ ثقيلة، انسحقت قطعة معدن تكبر سكة حديدية وطالت لتصبح كتمثال السكر. كم من قوة تطلبت لتحقيق ذلك؟ أظهرت أبحاث فيفانا في تاريخ التعذيب والإعدام أنه إذا كان ذلك سوطًا بدلا من سلاح غير حاد لكان ممكنا أن يقطع شاحنة متوسطة الحجم.
「.....وجدتك. أخيرًا وجدتك」
تحدث بصوت عميق بدا وكأنه يحمل لعنة رهيبة.
لعله زحف عبر المجاري إذ أنّ رائحة فظيعة انتشرت بعد أن فتح فمه. حاولت كتلة العضلات أن تخطو خطوة أخرى لكن فيفانا مدت سيفها الخيزراني ذو الطرف المكسور.
واجهت خبيرة التعذيب النافعة كتلة العضلات الضارة مباشرة.
「أتحسب هذا سوطًا يا أنت؟」
「؟」
「إن كنت، فيؤسفني أن أقول أنني لن أسمح بهذا. فأنا أستمتع بدراسة ثقافات التعذيب والإعدام وأتعامل مع ذلك بجدية. وأبدا لن أسمح لهاوٍ مثلك أن يثير الفوضى هنا ومعه نسخة مبتدئة من الأدوات. ما هذا إلا إزعاج」
لقد جلبت لها الظروف أسوأ الخيارات هنا.
كانت تأمل أن تهرب البنت ذي ملابس الرياضة بينما تتقدم هي للأمام، لكن ذلك لم يحدث. فلا تزال تشعر بضغط على وركيها. نظرت للأسفل لتراها تعانقها بذراعيها الصغيرتين.
「لا...」
ولا يبدو أن الخوف وحده من يجمدها.
ضغطت البنت عينيها بإحكام وقالت شيئًا بصوت خفيض.
「لا...... لا تتركيني أنتِ أيضًا」
تنهدت فيفانا ومسحت على رأس البنت بيدها الخالية.
تلوى وجه الرجل النحيف استجابة لذلك.
「أنتِ؟」
「؟」
「أنتِ منهم؟ من الظلام أيضًا؟」
كسلاح بسيط غير حاد، كان الأنبوب ثقيلًا بما يكفي ليخرق مصراعا معدني، لكنه أضاف له مرونة السوط وهو يهوي به إلى الأسفل.
شدت البنت قبضتها على وركي فيفانا أكثر.
مه؟ مر وقت طويل على وصول الألم ولم يصل....كما تساءلت فيفانا محتارة.
فتحت عينيها مترددة ونظرت.
「في الشرق والغرب، كانت الإعدامات تُنفذ علنًا واستعراضا للناس」
كان لدى خبيرة التعذيب ذات قرني الاستشعار الوقت الكافي لدعم الفتاة بيدٍ وتتحرك إلى الجانب.
「أكثر تلك الأحداث توثيقًا كانت محاكمات السحرة. أراد الناس الغاضبون موت المجرمين لدرجة أنهم يثورون بسهولة إذا فشل الجلاد. لذا كان من المستحيل على المجرم أن يقاوم أو يهرب في ساحة الإعدام. من هذا المنطلق، كان ضروريا أن يقيموا سياجا قويا حول ساحة الإعدام لضمان الأمان」
صدى عدد من الصدمات الخافتة بينما كانت الأوتاد الخشبية تُدق في الأرض الصلبة. كانت مربوطة معًا بحبال في هيكل يشبه المقصات أو الحامل الثلاثي وتلك ثبتت الأنبوب المعدني بعد أن اصطدم بالأرض.
「هذا ما عرفه الناس بالياراي. المصطلح يشير في الواقع إلى السياج الكامل الذي يُبنى حول ساحة الإعدام بالأشجار أو الخيزران، لكن الهيكل الأساسي يتطلب فقط قطعتين أو ثلاث. الناس في هذا البلد عباقرة في استغلالهم للأشجار」
بعد ذلك، سُمع صوت احتكاك.
كصوت ملابس تتحرك، لكنه في الواقع كان صوت حبل سميك يُلف حول الأنبوب المثبت.
「الربط، الجلد، الضغط — الشكل الأساسي لجميع أساليب التعذيب هو توزيع الوزن」
「......」
「ففي الآخر، لا تريد من الضحية أن تموت قبل أن تنتزع منها المعلومات. لذا سواء ربطتهم بالحبال أو علقتهم من السقف أو أجلستهم على كرسي مغطى بالإبر أو الأشواك، عليك بالحرص والحذر ولتضمن توزيع وزنه متساويا وألا تركزها في نقطة واحدة. البشر أقوى مما نظن، فلنا أن نبني مناعة للألم، لا وبل أن هناك سجلا باقي أن فرد قوي تحمل وزنا يزيد عن مئتي كيلوغرام」
بالطبع، ما كان خصمها ليجلس ويستمع بأدب.
ملّ من كل الحديث، فاستعمل القوة الغاشمة. جمعت كتلة العضلات قوتها وأرسلت موجات من القوة عبر الفولاذ المنحنِي لتمزق القيود الجزئية التي تشكلت من الياراي والحبال.
لكن هذا كان ضمن الخطة للفتاة التي هزت قرناها ذا الرائحة الحلوة.
「ولكن من ناحية أخرى،」 همست مع وجود شريط أحمر ظاهر داخل هاكاماها الفضفاض. 「إذا أفسدت توزيع الوزن وجعلت التركيز ينحصر في نقطة واحدة، فحادثٌ مأساوي سيُصيب. مثال حبال قشرة السلحفاة يراها الناس بصورة سخيفة من استخدامها في الكوميديا، ولكن كما يقولون في حركات المصارعة المحترفة: لا يجب على المبتدئين أن يقلدوها أو يجربوه. "سيد الحبال" كان في الأصل يشير إلى خبير فنون القتال، وهذا يخبرك كم يمكن أن تكون الحبال خطيرة. جربها وأنت جاهل... وقد يحدث هذا لك!!」
قشع، صوت انكسار خافت سُمع. استخدمت فيفانا زخم خصمها، لكن كان من غير الواضح كيف استطاعت تطبيق كل تلك القوة على سوط الفولاذ المربوط بالحبل. ذلك الأنبوب الذي كان أكثر سمكًا من جسم الإنسان انقسم فجأة إلى قسمين.
تراجعت كتلة العضلات للأمام، وفيفانا لعقت شفتيها.
لا تزال تحمل سيف خيزران مع طرفه المشقوق. تلك الأداة التعذيبية حولت سلاحًا آمنًا يستخدم في التدريب إلى شيء خطير بما فيه الكفاية لتمزيق اللحم.
استهدفت ذراعه اليمنى من خارج الكوع.
حتى الطفل يعلم أن هذه نقطة ضعف.
بدل أن تقطع، كان الصوت أشبه بشيء يُمَزّق بملفٍ ضخم.
「البشر غريب」 وكأن الوقت تجمد بينما تبتسم فيفانا وتتكلم. 「لدينا حد أعلى محدد لما نتحمله من ألم. إن التعذيب هو تمديدٌ للألم والمعاناة لأطول زمن ممكن، لذا الحيلة هي البقاء تحت هذا الحد الأقصى. فماذا يحدث إن تجاوزنا الحد؟ هذا شيء لا يتغير مهما دربت جسمك」
تذبذبت كتلة العضلات إلى جانبها.
كانت عينا الرجل خلف نظاراته القذرة قد تدحرجت إلى الوراء في رأسه.
لم يصرخ حتى. ببساطة انهار جسده العملاق إلى أسفل.
「بالطبع، اقترح البعض أن طرقا للإعدام الشرقية والغربية كانت مصممة لتوفير ألم مفرط من أجل إغشاء الضحية بسرعة في عصر قبل التخدير」
تحدثت إلى الوحش وهو يسقط على ركبتيه ثم على الأرض.
「حسنٌ」
مع هذه الكلمة العادية، لوحت بعصا صلبة في مسار أفقي شبيه بالسوط. ضربت ذلك العملاق بصوت مدوٍ وأرسلته يطير إلى الحفرة حيث جاء.
فيفانا دورت العصا التي انكسرت إلى نصفين من القوة التدميرية الهائلة.
「ر-روعة!」 ابتلعت البنت ثم قفزت لأعلى ولأسفل. 「لقد هزمتِ تلك الكتلة المعضلة الكبيرة وكأنها بلّونة!」
「نعم، نعم. لا تتحمسي على منظر التعذيب الوحشي أرجوك. خوفتِني على مستقبلك. و.... أين نحن؟」
「آه صحيح. يجب أن أرجع إلى المنزل!」
「أين نحن؟؟؟」
ابتسمت.
ثبّتت هاكاماها المتزحلقة ولوحت بيدها مودعة حتى اختفت بنت الملابس الرياضية عن الأنظار.
ثم ربضت.
فسعلت فيفانا أونيغوما مفجرةً دما كثير.
(طبعا)
أصبح محيطها أصخب بينما كانت تمسح فمها بمنديل.
(توزيع الوزن لا يخفيه. هذا ليس دفاعًا إذا كان هناك ما يكفي من الوزن ليكون مميتًا حتى وإن توزع بالتساوي. لحسن حظي أنني لم أصر لحمة مفرومة من الانفجار الأولي للحطام الخرساني)
لكنها قد تمزقت كثيرًا من الداخل.
كخبيرة في التعذيب، كانت تعرف بالضبط مدى خطورة الإصابة. وهي في ورطة شديدة. ستطاردها الأنتي-سكل إذا لم تغادر المدينة الأكاديمية، لكنها لم تكن تعرف إذا كانت التكنولوجيا الطبية خارج المدينة تقدر أن تشفي إصابة بهذا السوء.
(لكنني لا أندم)
كانت متزعزعة القدم، لكنها بدأت تمشي.
قد مر زمن منذ أن شعرت بأنها مفيدة لأحد ما.
ولقد بدأت هذا البحث الغريب في التعذيب والإعدام من أجل سبب مشابه. ظنت أن يأتيها يوما أحدٌ فيشكرها إذا جمعت كل مواد البحث التي كانت هذه البلاد تتجنبها وتأكدت من أن التاريخ والثقافة لم يضيعا على الجيل القادم.
ولقد أرادت أن تجعل أفعالها تُرسم البسمة على وجه أحد—أيا كان.
وأن تشكر على ما فعلته ليكون أفضل بكثير.
「......」
على أي حال، عليها أن تصل إلى الحي 23.
لكن إلى أين تَقَدّر أن يكون مقصد فيفانا أونيغوما؟
- الجزء 17
「لا سيارات إسعاف! اتصلت بهم، ولكن كلها مشغولة بالمرضى الآن」
「الكثير حدث اليوم، اللعنة!!」
نقرت يوميكَوا آيهو لسانها على تقرير زميلها من الأنتي-سكل.
كانت شيراي كُروكو تتنفس بصعوبة وهي مستلقية على الأرض حيث أزالوا الثلج من حولها. كانت في البرد القارس في ليلة ديسمبر المتأخرة، لكنها تغرق في العرق.
ولربما كان الداخل أسوأ.
سحبت يوميكاوا مفتاح سيارتها.
「حسنٌ أخبرهم أن يجهزوا سرير المستشفى. سأضعها أينما كان هناك مكان!!」
في تلك اللحظة، ظهر شيء من البرج الآخر لمركز التحليل الكيميائي التابع للأنتي-سكل في غرب المنطقة 18.
「آه」
أولًا، كان صوتًا.
ثم ظهر مركز ذلك الزلزال الصوتي من المدخل الرئيسي.
「آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااههههههه!!؟؟」
كانت فتاة ذات شعر أسود طويل حتى الكاحلين ترتدي قناع غاز مائل على الجانبين ومعطف أبيض مغلق من الأمام مثل اليوكاتا وثديين كاعبين غير عاديين يستريحان على مشد طبي. كانت فتاة في قرابة العاشرة.
「التوأمة الأخرى!؟」
كانت خطتهم أن يستخدموا الهيكل التوأمي لتقسيم التوأمتين، ثم يركزون الهجمات على أحدهما فقط. ما حصل مع المُحللة كان غير معلوم، لكن كان من غير المعروف أيضًا ماذا ستفعل الساعية الآن.
هل تقر بهزيمتها وتهرب، أم تغضب وتهاجم؟
هرع أفراد الأنتي-سكل خلف مركباتهم وأعدوا السلاح ولكن ذلك أقرب للخوف من الواجب. كانوا جميعًا يعلمون ما حدث في جنوب المنطقة 7.
فقط واحدة منهم مدت إلى سلاحها عند خصرها، ثم استخدمت آخر ما تبقى لها من قوة لتوقف نفسها.
كانت يوميكاوا آيهو.
「انتظروا!! اخفضوا السلاح!」
لا حاجة أن تخبر الفتاة بالتوقف. فسقطت هاناتسويو يويّن على ركبتيها وأمسكت رأسها، لذلك لم يبدو أنها كانت ستهاجم على الفور.
وبصراحة، هل هي تراهم الآن هنا؟
كانت تصرخ، ولم تبدو أنها تقصد الأنتي-سكل.
「لماذا؟ لماذا، لماذا، لماذا أزالت جهاز إنذارها الشخصي؟ أعطيتها لكآي حتى أتابع موقعها في كل الأوقات بالـGPS!! حتى أنني وضعت الجهاز في معدتها وخيطته حتى لا تضيعه أبداً!!」
كانت بالتأكيد لا تتحدث إلى البالغين، لكن يوميكاوا شعرت بألم خفيف يعبر جسدها. كان الرفض المكثف كأن جدار غير مرئي كثيف يسحقها ببطء.
「....ذابت」
ما كان لهذه الكلمة أن تُطبق على إنسان، لكن الحكاية اختلفت مع تلكما التوأمتين.
عاشت هذه الفتاة في عالم كان هذا أول احتمال يطرأ على ذهنها.
「كآي ذوبت نفسها!! إيه إيه. وأراها تبتعد. وتتحلل، لذا عليّ أن أسرع! علي أن أسرع وإلا اختفت عني حبيبتي كآي!!」
وصوت الفقاعات الذي تلا كان أكثر شرًّا من الكربنة. سُحِب زناد سلاحٍ من الخوف، ولم يلتفت أحد صوب الطلقة.
انحرف مسار الرصاصة في الهواء فكسرت نافذة بعيدًا عن الفتاة.
وإن شيئا يتدلى في الهواء حول الساعية كان كافيًا لأن يشوه مسار الرصاصة في منتصف طيرانها.
「أويغوهها!!」
تمزقت الأرض، لكن ليس بسبب عدد هائل من الديدان أو الحشرات.
تحمل يويّن شيئًا صلبًا في يدها.
وكان اللمعان المارق بين أصابعها ذهبيًا.
「افتحي الأرض من تحتي يا عملة نيقولا!!」
تبدّل المسار إلى طريق لا يجب أن يكون.
وفقزت قبضة يد بشرية ضخمة من الأرض.
「الظّ، ـلام」
هذه الكتلة من العضلات هي ما تبقى من ضابط الأنتي-سكل.
كانت قطع الملابس القذرة والنظارات بالكاد تكفي أن تُبيّن أن هذه الشخصية كانت ركوكا هوفو.
「آآااااهه!!」
「انقلع!!」
دفعته جانبًا.
رغم ضعفه، لم يشكل أشوس الأنتي-سكل أي خطر على الفتاة التي قاربت العاشرة. طيرته بيدٍ ومعه كتلة العضلات وأخذت تنظر إلى المياه القذرة تحتها.
إن المنطق قد غادر المكان منذ زمن.
انفجر طين مظلم كالنافورة من شق في الإسفلت. كان هذا سائلا رائحته كريهة فريدة من نوعها تشبه رائحة المجاري.
مدت الساعية ذراعيها وهي جاثية.
نظرت للأعلى وفتحت فمها على اتساعه.
ثم حدث شيء لا يُصدق.
「بلع بلع بلع بلع بلع!!」
「تشـ... ـربه؟」
ولم تستطع يوميكاوا آيهو حتى أن تتحرك وتوقفها.
نطقت كلماتها أملا في أن يقول أحدهم شيئًا آخر، لكن يوين ردت بنظرة من النشوة.
فتحت فمها أوسع مما كان يبدو ممكنًا لتستوعب مزيدا ومزيدا من المياه القذرة داخلها وأخذت بثدييها العارمين لتلتقط ما وقع.
「[التركيز الحيوي]. مهما امتزجت كآي وانتشرت، فلابد عليّ أن أجمعه كله داخلي. وما إن أحصل عليه كله، سأركزه مرة أخرى في كبدي أو كليتي أو أي مكان آخر فأرى ابتسامة كآي مرةً بعد- بَعف」
انقطع تفسيرها غير المنطقي بتناثر الحمران حولها.
أيًا كان ما ابتلعته، انحنت وكحّت وأخرجت كمية لا تصدق من الدم. لكنها لم تستسلم. أخذت بذراعيها المرتجفتين تُجمع السائل الأحمر والأسود من بعد ما كحته.
لم تستطع أن تعيده إلى فمها. خارت عنها القوة. فقط أطراف أصابعها كانت تستمر ترتعش كحشرة رُشّت بمبيد حشري.
「نيقـ」
لكنها ما تزال تتكلم.
استمرت تكرر نفس الكلام كلعبة مكسورة.
「نيقولا. بسرعة. ركزيها. ركزي كآي داخلي. بسرعة، يا عملة...」
(عملة نيقولا)
يوميكاوا آيهو قد شاهدت ظواهر خيالية أثناء مطاردتها المجرمين في هذا الكريسماس الكابوسي. كانوا يحدقون في الخريطة ويضعون حاجزًا على كل طريق، لكن المشتبهين دائما كانوا يهربون بطريقة ما. وقد افترضت أن ذلك كان بسبب قوة إسبرية أو نوع من التكنولوجيا، لكن ذلك لم يكفي من تفسير.
لم تشعر بالغيرة ولو للحظة. كانت تلك الورقة الرابحة سيفًا ذو حدين.
「نيه... نيه... نيقولا. مديني بالقوة. ألم تشحن بعد؟ آه، صرفتها في شيء خاطئ. والآن أموت. هل أخطأت؟؟؟」
فلَوۡلا العملة، لما حاولت الساعية تنفيذ هذه الخطة المتهورة.
وحتى لو فعلت، لعلها تمكنت من الهرب بعد الفشل.
لكن ذلك لم يكن خيارًا بعد أن استخدمت عملة نيقولا بشكل خاطئ. لقد أغلقت إمكانياتها بنفسها بأخذ العملة.
هل الناس يستخدمون الأداة، أم أن الأداة من تستخدمهم؟
وكأنها لعنة.
(هذا كأنه......)
جرت قشعريرة غير مريحة على عمود يوميكاوا.
(ألم تملك شيراي عملة كهذه؟ ليس المجرمون وحسب، هل أُعطينا أيضًا عملة نيقولا؟ هل حوادث القتل الكثيرة للمجرمين حدثت لأن بعضنا كان يرجوا لهذه العملات سرا؟؟؟)
كان شَكّاً ولا أكثر.
حقا لعل كل ما حدث كانت أخطاء من جانب الأنتي سكيل. ولعل بحثها هذا عن أسباب أخرى لهو محاولة منها الهرب من المسؤولية. عليها الحذر.
و...
اقتربت بحذر من يُـويِّن التي صمتت في وضعية تشبه السجود غير الطبيعي. أمسكت بكتف الفتاة النحيل وقلبتها على ظهرها. لم تكن لتسمح للفتاة أن تغرق في بركة قيئها.
أسنانها قد ذابت.
والثلج المحيط يغلي، لكن ليس من الحرارة. لم تتمكن يوميكاوا أن تعرف لماذا كان شعر الفتاة وبشرتها غير متأثرين. ذلك يوحي بأن هذا كان أكثر من مجرد حمض قوي.
「تم تأمين المشتبهة. لا تزال حية، فليأتي أحدٌ وينقلها」
「آغغ」 تمتم أحد.
كان ركوكا هوفو ممددًا على الطريق نصف المجمد بالقرب منها. لم يكن واضحًا مقدار الضرر الذي تعرض له، لكنه كان قد غمر في تلك المياه القذرة التي ذوبت أسنان البشر.
تقلصت عضلاته بسرعة مثل بالون، لكنه مع ذلك مد يده نحو يوميكاوا.
كانت تلك اليد تحمل أحد أنابيب الاختبار التي كانوا يخشونها.
كانت مغطاة بالطين، لكن ختم غطائها المطاطي الأزرق بدا سليمًا.
「لـ... لشيراي-سان」
بمجرد أن أخذتها، سقطت يده الضخمة على الأرض.
「لا أعرف نوع هذه المادة الكيميائية، لكن لعلها تكون ترياقًا」 قالت يوميكاوا. 「ربما لدينا فرصة لإنقاذ شيراي، لذا علينا أن ننقل هذا إلى مختبر البيولوجيا الجزيئية أو مختبر الكيمياء الفائقة الدقيقة لـ—」
طاخ!! فقُطع كلامها بصوت طلقةٍ جافة.
ربضت وألقت النظر خلفها، لكنها لم تكن حالة ضابط أنتي سكيل يطلق النار على المشتبهة غير المقاومة بدافع الخوف.
قد أُغشِيَ الضابط. وكان المسدس المدخن في يده وهو يرقد على غطاء السيارة. تحطمت خوذته وكان سائلٌ أحمر داكن يتساقط منه. يبدو أنه أصاب نفسه في رأسه.
「لا」
ولم يكن وحده.
「لن أتحمل أكثر!! هذا..... لم أعمل في الأنتي-سكل لمثل هذا..... أرجوكم، سامحوني، سامحوني......」
تبع أحدهم نفس الخطى وهو يضغط زناد المسدس على ذقنه من الأسفل. وأسقط بالغٌ آخر خوذته على الأرض واستدار وركض في الظلام. انخفض معلمٌ على ركبتيه ورفع يديه معبرًا عن طلبه بأن يُقَيد بالأصفاد.
كانوا جميعًا معلمين.
وضربهم الذنب سواسية. مهما كان تحرك التروس وبعدها عن مكانها، حتى وإن كانت نتيجة لحوادث غير طبيعية، فإن المشاعر المظلمة في قلوبهم قد تراكمت تدريجيًا وهم يشاهدون المزيد والمزيد من الأطفال المظلمين يلقون الحتف أمام أعينهم.
أريد أن أحمي الأطفال.
أريد أن أرى الابتسامات من حولي ويرونني معلما ثقة.
أريد أن أجلب السلام لهذه المدينة حتى ينعم الجميع ويستمتعون بحيواتهم هنا.
شيءٌ غير مرئي كان يتحطم داخلهم.
قد بلغ السيل الزبى وكانت هذه آخر قطرة أفاضت الكأس.
ومن خلال الروابط الخفية في علم النفس الجماعي، انتشرت بسرعة من الفرد إلى المجموعة. كانفجار اتجاهي. لكنها لم تقتصر على هذه المجموعة فقط. بغض النظر عن كيفية انتشارها، سمعوا صرخات غريبة وأصوات إطلاق نار جافة عبر أجهزة الراديو.
「انتظروا، اهدأوا!! انتهى الأمر!! خذوا نفسًا واهدئوا!!」
لم تصل صرخات يوميكاوا إلى أي منهم.
انهار أحدهم وهو يزبد رغوة من فمه مع عملة نيقولا بين يديه كأنه يصلي.
والمزيد والمزيد منهم يغلب على أمرهم برغبة الهروب، آملين في ترك الضغط الكبير للمسؤولية، ونادمين على حدوث كل هذا، ومتمنيين أن يعود كل شيء إلى السلام مرة أخرى.
بالطبع، ما كان ليوميكاوا آيهو ما يكفي من المعلومات لتدرك ما كان يحدث.
كانت هذه عودة، أو تراجع.
وقد رأينا لمحة من ذلك ظهرت مع ركوكا هوفو عندما كان في المجاري.
اخترق أذن يوميكوا تشويشا ميكانيكي. تجهمت وأمسكت بمصدر الضجيج: هاتفها.
لم تعمل الشاشة. نقرته كذا مرة لكن البيانات التي أرادتها لم تظهر.
「ماذا حدث للأوترنك؟」 صاحت عبر راديوها ولم تتلق أي رد. 「لن نلاحق الجانب المظلم بدونها!! أحدٌ... أحدٌ ما، من فضلكم، ردوا!」
انحنت بعد أن سمعت انفجارًا. نظرت لترى جزءًا من المشهد مشتعلًا. كانت مركبة القيادة العملية، وهي مركبة بحجم حافلة سياحية كبيرة مع كل نوافذها مغطاة بالدروع، متقطعة هناك إلى قطع. بيّنت الهوائيات العديدة هويتها بالتأكيد.
كان الرابط الضعيف للبيانات الذي استعادوه معطلاً. وانقطع أملهم الأخير ذاك، على الأرجح من قبل أحد أولئك من فقد صوابه.
كان هذا الهجوم الأخير للساعية. حتى آخر النهاية، تصرفت كحاملة للخوف والذعر. دمار جسدها بنفسه نشر الفوضى وشكّل الدمار الفظيع الفريد للجانب المظلم.
لقد فقدوا [الأوترنك] ولم يتمكنوا من فحص الأدلة التي جمعوها الآن بعد أن دُمر مختبر الأدلة الجنائية. وأكثر من ذلك، وصل البالغون إلى حدودهم. كانت ذنوبهم تسحقهم، مثلما كانت أنظمتهم المناعية تفرط في ردات الفعل فتدمر أجسادهم.
(أرى وبوضوح أن المنظمة تنهار. الأنتي-سكل انتهت. [عملية الأصفاد] لا يمكن أن تستمر)
تشعر يوميكاوا آيهو بشيء ينكسر داخلها.
ببطء، سقطت على ركبتيها.
كانت تعرف أن أحدهم قد قلب مفتاحا ما.
(وليس لنا دور في خاتمة كل هذا)
- الجزء 18
وجدوا مكانًا غريبًا في الداخل.
كان جبل القمامة المزينة بالثلج المتصلب يشبه مستعمرة نمل عملاقة من الداخل. ودُفنت عدة حاويات معدنية مُنشِأةً مساحة مفتوحة، وفُتحت ثقوب بين الحاويات المجاورة. لم يعرفوا حجم المكان بالكامل، لكنه كان مثل متاهة معدنية.
وإذا صحّت عملة نيقولا، فلابُد أن يعثروا على المفك الخاص الذي يحتاجونه لفتح محرك الأقراص الصلبة هنا. لكن ذلك الصوت الموجه الأول كان كل ما حصلوا عليه. من الواضح أنه لن يحقق لهم أمنية بمليار ين كل خمس دقائق إلى الأبد.
لكن هامازورا شياغي تعلم شيئًا أثناء استكشافه.
「هذا المكان يبدو كالمختبر」
「ربما للهندسة الميكانيكية」
لم يجدوا أي علامة على وجود جامعي القمامة، لكن هذا كان اكتشافًا غير متوقع. أظهرت تحقيقاتهم قسمًا مليئًا بالحواسيب التي كانت أكبر من الثلاجات.
كان مقلقا أنهم لا يعرفون الغرض من المختبر، لكن تلك ليست المشكلة الرئيسية. على الطاولة مجموعة أدوات متخصصة، ولكن بشكل غير منظم تمامًا.
「أنيري!」
أصدرت الذكاء الاصطناعي المساعدة رنّةً طويلة. وليست رنتين قصيرتين لـ "لا".
لمس الباب المعدني لتفريغ الكهرباء الساكنة قبل أن يمسك بالمفك. ومع ذلك، كانت الأداة مثل مضخة محطة البنزين. كان الجزء المعدني للمفك أصغر من مفك النظارات، لكن باقي الأداة أكبر من مسدس كبير وكان هناك أنبوب سميك مرفق للكهرباء أو الهواء. لم يدور الرأس عندما سحب الزناد السميك. لو لم يكن ممسكًا بالمقبض، لما لاحظ حتى أنه كان يهتز. لكن ربما كان سيصنع الكثير من الفقاعات إذا أدخله في خزان ماء.
ضغطه بحذر على برغي محرك الأقراص الصلبة وسحب الزناد مرة أخرى.
و...
「إنه يدور. يمكننا فتحه بهذا!」
ربما كان البرغي صغيرًا لدرجة أن تدويره بشكل عادي كان سيتسبب في كسر الرأس. أو ربما كان مصممًا بحيث لا يفتح إلا بنمط تردد معين.
على أي حال، انزلق غطاء البلاستيك بحجم البطاقة.
وفي الداخل لوحة دارة تبدو دقيقة. ما أمكنه أن يتحمل تدمير البيانات الموجودة. كان يخشى حتى لمسها، لكن كان هناك مفتاح صغير في أحد الزوايا.
خاف.
خاف كثيرا، لكنه مع ذلك مد يده وهو ينظر بعيدًا.
فسمع نقرة هادئة.
وهذا كل شيء. ربط محرك الأقراص الصلبة بهاتفه بكابل ثم تراجع خطوتين. تأكد من النظر بعيدًا عن اللوحة المكشوفة كلما زفر.
「شيءٌ ما يتصفح على شاشة هاتفك،」 قالت الفتاة بالبدلة الرياضية. 「لقد بدأ، هامازورا」
أعطِيَ تقدير للوقت المتوقع لإتمام العملية، لكنه تقلب كثيرًا حتى ما عاد يفيد.
جلسا معًا على مقعد.
ينتظران.
「هيهي」
ضحكت ومالت عليه من الجانب.
「ما بك؟」
「وكأن الزمن مر طويلا منذ أن فرغنا لوحدنا هكذا」
كانت ليلة عيد الميلاد، لذا سواء كانوا مشغولين أم متفرغين، كان من الخطأ فك تشفير البيانات داخل مختبر مخفي داخل كومة من القمامة.
ومع ذلك، شعر بأن كتفيه بدأتا تسترخيان أيضًا.
مر الوقت دون حدوث شيء.
وضعت رأسها على كتفه وأغلقت عينيها. وبالطبع، كانت تتكئ عليه بهذا الشكل الرخو لأنها مريضة، وليس لأنها مرتاحة. لم يستطع حتى تخيل مقدار الضرر الذي يحدث داخل جسدها في هذه اللحظة. لكنها مع ذلك تبدو وكأنها تستغل هذا الوقت الساكن لتهدئ أعصابها المشتطة.
كما لو أن هذا كان أكثر فاعلية من أي دواء.
أدخل يده في جيب بنطاله محاولا ألا يحرك كتفه.
كانت العملة الذهبية التي سحبها تتألق بلمعان. ولم تفقد منها حتى شريحة بيتزا.
انتهى شحنها.
「هيه هامازورا. هل سنعرف ما هي أعظم محرمة في مدينة الأكاديمية ما إن نفك التشفير؟」
「نأمل」
لم يملكا أي ضمان. وحتى إذا كان، قد لا تكون الإجابة كما كانا يأملان. ففي الآخر، هذا هو الجانب المظلم. من الأفضل أن نفترض أن آمالهما الساذجة ستتحطم أمام أعينهما.
ثم سمع صوتًا من خارج الغرفة.
ضغطت الفتاة باللبس الرياضي عليه.
「هامازورا」
「سيستغرق الأمر وقتًا أطول」 ابتلع وهو يستمع إلى صوت خدش محرك الأقراص الصلبة أثناء تشغيله. 「لا أعرف من كان، لكننا بحاجة إلى جذب انتباهه بعيدًا عن هذه الغرفة. لا يزال ضوء محرك الأقراص يومض، لذا ليس بعد، لن نسحب الكابل بعد」
كان هاتفه ومحرك الأقراص صغيرين، لكنه لم يستطع إدخالهما في جيبه. لا يزال غطاء محرك الأقراص البلاستيكي مُزال كاشفا عن لوحته الإلكترونية. إذا احتك القماش بجيبه أو حقيبته وتسبب في شحنة ثابتة، فلربما تُفقد كل البيانات.
امتلئت الغرفة بالأشياء، ولكن بشكل مدهش كان هناك القليل جدًا من الأشياء التي يمكن أن تكون سلاحًا. كانت الأدوات جميعها دقيقة مثل أدوات صيانة النظارات.
أمسك هامازورا بكرسي قابل للطي بكلتا يديه واتجه بخطوات خفيفة نحو مخرج الغرفة.
أخرج رأسه فقط ليطل.
وانفصل رأسه عن جسده ببساطة كما يزيل المرء أوراق الفجل.....
أو هكذا كان، لو لم يحدث شيء آخر.
「هامازورا!!」
سحبته تاكيتسوبو على الفور من يده فعاد إلى الغرفة مجبرا بكامل وزنها الجسدي. بفضل ذلك، وجد المسخ الثقيل المصنوع من مادة غير معروفة نفسه يضرب الهواء.
كانت فتاة ذات شعر أحمر قرمزي تطل إلى داخل الغرفة بوجهٍ ميكانيكي.
تعرف عليها وعلى لبسها السباحة الرياضية الملونة البرتقالي العفن والأسود كالحشرة تشبه.
「الأندرويد!؟ إذن... هذا ليس أي ظلام ضار. فهل هذا مختبر ذاك الرجل كيهارا الذي خافت منه القنديلة بنيزومي!!」
『أنتم الدخلاء، فلماذا تتصرفون وكأن العالم يدور حولكم؟ تحسبون أنكم تستكشفون مبنى مهجور؟』
سمع صريرًا معدنيًا.
لابد أن سلاحها كان ثقيلًا بشكل غير معقول لأن الحاوية المعدنية كانت تنحني مع كل خطوة تخطوها قدمها عارية. وإن موقعهم لمشكلة. كانت الغرفة مليئة بالحواسيب وفيها مخرج واحد فقط، لذلك لم يكن بإمكانهم الهروب إذا دخلت الأندرويد. كانت تلك مشكلة بحد ذاتها، لكن العمل الدقيق لفك التشفير كان جارياً أيضًا. إذا اقتحمت الأندرويد الغرفة وثارت فقد تدمر الهاتف أو محرك الأقراص الصلب المكشوف ويخسرون دليلهم الوحيد إلى أعظم محرمةٍ في مدينة الأكاديمية.
ولكن قبل أن تخطو تلك الخطوة، تحول نظرت الأندرويد إلى الجانب.
تلويحة عشوائية من المسخة الثقيلة للغاية قطعت سيفا من الخيزران ذي الطرف المكسور.
وما بدا على الدخيل أي اهتمام.
「أووووووهه!」
تطاير الشعر الفضي المجعد وملأ الهواء الأكمام الكبيرة لزي الهاكاما. بدلت فيفانا أونيغوما إلى أداة تعذيب أخرى بينما كانت تندفع نحو الأندرويد.
أمسكت بقوة بوجه الأخيرة بكف يدها.
لا...
「التعذيب الياباني تطور في اتجاه فريد」
أقحمت شيئًا ما في فم الأندرويد رغم أنه أحرق يدها.
「أظن أن هذه البلاد الوحيدة من استخدمت البخور وأوراق الصنوبر لترسل الدخان إلى عيون وأنف المرء. وطبعا، استُخدمت هذه لمعاقبة بائعات الهوى الهاربات، لذا كانت الفكرة هي ألا تُترك علامات على أجسادهن البضاعة. لكن أليست هذه فعالة بشكل خاص ضد آلةٍ حساسة مثلك؟」
هذا أقصى ما وصلت إليه.
أصيبت فتاة الهاكاما بكرة نارية هائلة غمرت جسد الأندرويد نفسها. ضربت فيفانا كجدار صلب من الحرارة، فطيّرها في الهواء.
「ءءء!؟」
صرخ هامازورا صرخة لا معنى لها.
أذاك قاذف اللهب؟ لا، ربما كانت تستخدم نوعًا من الحركة الحرارية الإسبرية.
لكن...
『......؟』
خطبٌ ما كان في الأندرويد التي تأرجح شعرها القرمزي وراءها. كان رأسها يصدر صوت طقطقة غير عادية ولم تلتف نحو هامازورا وتاكيتسوبو رغم أنها تخلصت من العقبة الوحيدة التي كانت تقف بينهما.
ربما كان الدخان الخاص قد سبب عطلًا ما بعد دخوله آلتها.
تساقط سائل داكن من عينيها وأنفها وهي تميل برأسها. على الرغم من أن الميل قد لا يكون متعمدًا هذه المرة.
وصلت أصابع مرتجفة إلى زجاجة شفافة على فخذها، لكنها عجزت أن توصلها إلى شفتيها، فسقطت من أصابعها.
ميّلت رأسها بشكل أكثر تعمدًا ولألأت النجوم في عينيها.
『سِنـ...سيه...』
تبع ذلك رطمةٌ خافتة.
لابد أنها أعطت الأولوية لعطلها على التعامل مع المتسللين إذۡ أنها انسحبت متجنبةً خسارة قادمة.
لم يجرؤ هامازورا وتاكيتسوبو على التحرك لفترة لكن،
「آغغ」
التذمر من خارج الغرفة أعاد وعيهم. كانوا أمواتا لَوۡلا تدخلها.
「أوي، أنتِ بخير!؟」
ركض إلى الممر ليجد الفتاة ذات الهاكاما ساقطة على الأرض. لم يعد يستطيع تحديد مكان انتهاء ملابسها وبدء بشرتها. كانت إحدى قرنيها التي صُنعت بتجفيف غُرتها مفقودة. طلبه الأمر جهدًا عظيما لئلا يحدق في المشهد.
「هَهۡ...هَهَهَه. هذا هو الجانب المظلم. لا تقلق بشأن غريبة مثلي」
「لماذا، لماذا ساعدتنا؟」
「قد أخطأت قبل أن آتي هنا... لذا ما كنت لأستمر طويلا على أي حال. صدقا، ما كان علي أن أقسو أمام تلك الطفلة......」
بالكاد تتنفس.
ولابد أنها على دراية بحالتها.
「ولكن رغم ذلك...」مَكّنت ابتسامة. 「أتمنى لو أعلم ما هي أعظم محرمة في المدينة الأكاديمية」
كانت تنظر إلى هامازورا وتاكيتسوبو، ولكنها ربما لم تعد ترى شيئا بعد الآن. وبدا وكأنها تحادث نفسها.
「لا، ليس هذا」
「.....،」
「إن كانت هذه هي النهاية، فما أريده حقًا هو أن أسمع أحدًا يشكرني...」
「اصمتي」 هز هامازورا رأسه وسحب العملة من جيب سرواله. 「اصمتي تبا لكِ. سأصلح هذا. سأصلح هذا الآن! اسمعي يا العملة الملعونة!! اشفي كل جروحها الآن، يا عملة نيقولا!!」
تلاشى اللمعان حول حواف العملة.
لكن لم يحدث شيء. لم تملك العملة قوى خارقة. يمكنها فتح الخزنة، لكنك لن تحصل على شيء إذا كانت الخزنة فارغة. ولم تكن قادرة على تحقيق المستحيلات.
「أنا... قد جربت هذا. آسفة على تضييع شحنك. تَههه ههه」
نعم، كان لدى فيفانا أيضًا إحدى العملات. وبعد أن جربتها، لابد أنها اكتشفت أن جروحها قد تجاوزت مرحلة العلاج.
لكنها قد قطعت كل هذا الطريق لتحمي أحدًا آخر غير نفسها.
「خذهما」 أشارت إلى غلافين من القماش على الأرض. 「فيهما... نعم، مجموعة من منتجات التعذيب وكتب الشونغا التي ستُخجل معظم الناس...... لكن أدوات الحرق بالكيّ موجودة أيضًا. ولا شك أن لديك مؤهلات خاصة لذلك، ولكن لا تكن نيّـقاً في اختيارك طبيب [الجانب المظلم]. راجع الرسوم البيانية في الكتاب القديم الذي لدي وسوف يمكن لأي أحدٍ أن يتعلم الأساسيات」
لقد اختارت أن تضيّع لحظاتها الأخيرة في تسليم هذا لهم.
خفض هامازورا شياغي رأسه وصرَّ أسنانه.
「شكر—!!」
فتوقف.
لأنه عندما رفع رأسه، اكتشف أن عينا فيفانا أونيغوما كانت مغلقة وأن نَفَسَها قد توقف.
ما كانت تريده حقًا هو أن تسمع أحدًا يخبرها "شكرًا"؟
لا، إنما هي اكتفت ما إن أتمّت تسليم ما كان في يدها. وما كانت لتطلب شيئًا في المقابل. فإنّ رؤية سعادة المستلم كان كل ما تحتاجه.
فهل نقول فيها حقًا ظلام ضار أو حتى نافع؟
ما حكايتها وكيف سقطت إلى هذا؟ ولماذا لم تُعطها هذه المدينة فرصة ثانية؟
لماذا؟
هل كان الهروب هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله؟
صدى رنين هاتف خفيف -بيب- من على الطاولة.
「هامازورا」
「إيه، أعرف」
كان الهاتف في الغرفة مرة أخرى.
「أعرف، اللعنة!!」
كان محرك الأقراص الصلب بحجم بطاقة الائتمان مخفيًا في خيمة [بيرفكت فيلم]، الذي بقي في مخبئه بدل الهروب. اكتملت عملية تحليل محتوياته. كان هامازورا يعلم أن الآمال لا تعني شيئًا، لكنه مع ذلك آمل أن يكون فيه شيء مفيد.
حان الوقت.
كانوا أخيرًا يقتربون من أعظم محرمة في المدينة الأكاديمية.
- ما بين السطور 3
「أي نوع من الناس ترى أنه يصنع القائد الأكثر رعبًا؟」 تحدثت آنا بهدوء كما المعتاد من وراء القضبان المعدنية الباردة. 「أيكون غير كفء ببساطة؟ أم متعصبا لا يخجل؟ شخصيًا، أراه يكون رجلا يترك الآلة تدير كل أعماله وهو يستريح」
انقطع حديثها بصوت باب يُفتح ويُغلق بشدة.
دخل رجل ضخم كتفاه ترتجفان غضبا. وكان ضخمًا. قد تشك في أنه يرتدي درعًا واقيًا من الرصاص تحت بدلته الأنيقة، لكن هذه حقًا بنيته الجسدية.
كان له شكل برميل دائري وشعر وجهه الأسود به لون رمادي. اسمه فالارت سِجنال ولم يبدو مهتمًا برئيس خفيانية R&C.
مر مباشرة بجانب زنزانتها وإلى الزنزانة المجاورة.
حيث كان رئيس المجلس الجديد، أكسِلَريتر.
كان يشغل منصب VIP مقتصر على أحد عشر فردا فقط في مدينة الأكاديمية، لذا إذا كان وحده، فلا بد أنه لم يرغب في أن يسمع أي أحد آخر عن هذا. أو ربما كان ذكيًا كفاية لأن يعرف أنه لا معنى لجلب أي حراس معه إلى هنا.
「بماذا تفكر أيها المبتدئ؟」
「ياه ياه. لا أحسبه حقًا صبيا تستفزه هكذا. فأنا كنت أوسْوِس له طوال الليل ولم أفلح—」
「اخرسي」
ألم يدرك فالارت ما كان سبب الصوت الباهت؟
هذه المرأة الأسطورية كانت حقًا تكره من يقاطعونها ومن يصدون عن فهم كلماتها.
أحيانا قد يفعل الحمقى أشياء شجاعة.
كان فالارت غافلا عن وضعه هنا ولم يلتفت حتى في صوب آنا.
「الأصفاد؟ عمليتك تلك باءت بالفشل والخراب. لن أدافع عن [الجانب المظلم]، لكن تدبيرك للأمر فاشل. النور والظلام كلاهما الآن في حالة من التمزق. ألا تدري كم من عمل سيأخذنا حتى نستعيد الحد الأدنى من قدرة إنفاذ القانون؟ .....كيف تعوض هذه الخسارة؟ المدينة بأكملها ستفقد غايتها إذا عجز العلماء من إجراء البحوث. وأيا كان ما في قلبك عليهم، فإن للجانب المظلم دورًا مهمًا في تطوير قواك. وإنّ عزلنا اقتصاديًا ينقص مواردنا كأننا نخنق أنفسنا!!」
لم يتلقَ أي رد لفترة من الوقت.
ولكن ليس لأن القول ألجمه، بل كان هذا صمتا غير مريح كأنه لم يرى في الإجابة مغزى.
وكان فالارت غاضبًا حانقا حتى ما عاد يطيق الصمت.
「أيا الـ—」
「تقول إنك لن تدافع عن [الظلام]」
لكن أكسلريتر قاطعه كأنه كان ينتظرها.
فعندما رأت آنا وجه فالارت وبدت عليه الدهشة، ضحكت وهي تستند على القضبان. كانت تعرف جيدًا بغضاء هذا الصبي.
قائد المدينة تجاهل كل ذلك وواصل الحديث.
「أهذا لأنك واثق أن لا أحد سيجد منك رابطا بالجانب المظلم؟」
「......」
「نعم، مجلس الإدارة. عرفت وتأكدت من سيكون عدوي ومن حليفي عندما قررت سحق [الجانب المظلم]」
لم يكن أكسلريتر يبحث عن إجابة، فقد كانت معه.
「وبالطبع، الإجابة الواضحة هي أنكم كلكم عدوي. جُلُّ من لديهم قوة سياسية كبيرة متورطون في الظلام ولو من بعيد. وإني متيقن من أنكم كنتم تجمعون المعلومات من مصادر رسمية وغيرها لتعرفوا إلى أي مدى سأصل—لتروا ما إذا سأصل إليكم. وترقبت لأرى من سيبتلع الطعم أولكم」
لم تدفعه الخيبة أو الذعر.
رأى رئيس المجلس أن تحديد عدوه كان شيئًا مفعمًا بالأمل. كأنك ترى الضوء الذي يقودك للخروج من الظلام. كان هذا هو مقدار سعادته لرؤية العدو الذي يجب هزيمته. لأن المصنف الأول (#1) كان قد غرق في الظلام لدرجة أنه ما عاد يرى ذلك حتى.
「كما قلت، كلكم عدو لي. لكن هذا لا يعني أنني لن أستفيد منكم. أنتم سدادة البالوعة. إذا سحبت فردا له تأثير سلبي كبير، فكل المياه الراكدة تتدفق معه وتُسحب. لأن لا أحد سيرغب في ملاقاة نفس المصير」
جاء الجانب المظلم في أشكال كثيرة.
كان خليطًا من عوامل متعددة تخلق ظلالًا ملونة للغاية. وإن القطع التي تشكله قد تكون مادة كيميائية غريبة أو آلة لم يسبق لها مثيل أو عينات مُنتجة بكميات كبيرة أو نظريات أخلاقية فاسدة أو حتى جهاز محاكاة ضخم.
لكن من بين كل ذلك، كان هناك مجال واحد كان الأكثر تأثيرًا.
「لطالما رأيت في هذه المدينة عددا غير طبيعي من المباني الغريبة والمنشآت التحت أرضية،」 تفوّه الرئيس الشاب. 「فالارت سِجنال، أنت الوغد في المجلس المسؤول في مجال البناء. لذا لابد أنك كنت تعلم من البداية. أنت المسؤول عن حفر كل الأحافير وصب الخرسانات اللازمة لتوفير القواعد السرية لآل كيهارا ومن مثلهم. أليس كذلك؟」
ومقدار الأرباح التي جناها هذا الرجل؟
هذا يفسر علمه الكثير عن العديد من مجالات البحث المختلفة. ربما لم يكن مشاركًا في البحث نفسه، لكنه استطاع أن يتحقق من جميع المخططات ثم يحزر ما كان الغرض من كل منشأة.
وهو يعرف أيضًا مكان جميع القواعد السرية.
وكان أعلم بكنز المدينة المدفون أكثر من رئيس المجلس الجديد.
「قل لي. هل أعظم محرمة في مدينة الأكاديمية ستبقيك حيا؟ إن كنت تحسب سرك قويا هذا الحد، فلِمَ لا تذهب إلى هناك الآن؟」
「......قد ذرفت الدم حتى أبني عالم العلوم هذا」
لم يحاول فالارت تنفيذ أي مؤامرة سرية هنا.
بل تحدى الفتى مباشرة.
「نعم، صحيح. كان لمصالحي الشخصية دور. وإن مفهوم الغرائب الذي لا أساس له قد يسقط فظا قيمة العقارات التي صنعتها. .....مثل غرفة مسكونة، على سبيل المثال. بدأ أطفال يتحدثون عنها على الإنترنت من باب المرح، وفجأة بتنا على طرف الإفلاس. حاولت عائلتي كلها الانتحار مرة. لكنني عدت ونهضت ووصلت إلى هنا. لأنني يجب أن أسعد عائلتي مهما كان」
「.....،」
「ولذا سأدمر كل تلك الأشياء مبهمة التعريف. وسأشتري مهما كان المبلغ حتى أتمها، وسأستنجي بالمجرمين الخطرين إذا لزم الأمر. مثل تلك العائلة، حتى وإن كان أحدهم يَبحث في شيء سخيف مثل خلق شبح صناعي」
لكل امرئ أسبابه.
الاختلاف الوحيد في الرأي بين هذين القائدين كان حول ما إذا كان [الجانب المظلم] أداة للوصول إلى الهدف أو عائقًا يمنعه.
لن يسمي أي منهما نفسه صالحًا.
لن يقتدرا الصعود إلى هذه القمة لو كانا يقلقان بشأن هذا التصنيف.
「لكن حتى أنا لا أفهم هذا. أحيانًا تجد نفسك تتعلم عن شيء لأنك تريد رفضه. أعظم محرمة في مدينة الأكاديمية—الاختفاء—هو الشيء الوحيد الذي لا أستطيع شرحه بالقوانين التي أعرفها」 هز الرجل الملتحي رأسه ثم شزر إلى قائده عديم الكفاءة بنظرة غاضبة. شزرةً شديدة. 「لقد دفعت الجانب المظلم بعيدًا وصددت عنه. سابقًا، يبدو أنهم أرادوا البقاء ضمن فئة العلوم، لكن هذا تغير」
「ولا تنسَ خفيانية R&C☆」
ضحكت آنا، لكن فالارت بدا وكأنه لا يفهم ما تعنيه.
「لا أعرف ماذا سيحدث هذه المرة. إذا وصل أي منهم إلى أعظم محرمة في مدينة الأكاديمية، فأشك في نجاة المدينة」
「فماذا؟」 رد أكسلريتر على الفور.
الآن، أويفهم فالارت حقًا ما يعنيه بذلك؟
「ألم تسمع؟ سَوْفَ أُدَمِّرُ [الجانب المظلم]. من قال أي شيء عن سلامة المدينة من بعد ذلك؟」
أخذته بعض الوقت.
لكن عضو المجلس أدرك أخيرًا أنه كان ينظر إلى هذا الموضوع بشكل مشوش. بمجرد أن صحح ذلك، زادت تجاعيد جبينه. لقد اكتشف شيئًا فضّل لو لم يعرفه. ولعله بدا أكثر انزعاجًا مما لو رأى شبحًا حقيقيًا.
「أتقول...」
ما تجلى له في الممثل للسلطة السياسية من خلال تلك القضبان المعدنية الباردة، شيئًا آخر يساند الوحش ذو الشعر الأبيض والعينين الحمراوين كما لو كان يدعمه من وراءه. رأى فتاةً شيطان تمزج بين خفاش وكائنا بحري وكانت ترتدي فستانًا مصنوعًا من الصحف الإنجليزية المهترئة.
ذيلها السميك تحرك.
كان هذا خطًا لا يُفترض بأحد في مدينة علمية أن يعبره. وقد كُسرت تلك القاعدة برئيس مجلسها في القمة.
نعم، أي نوع من الناس يصنع القائد الأكثر رعبًا؟
「أتقول... أتقول أنك لم تخطط أبدا لنجاة المدينة الأكاديمية!؟」
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)