الفصل الأول: مراسم الدخول. — Baby_Queen.
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
الأول من سبتمبر، بكير الصباح.
مدينة الأكاديمية، التي تغطي ثلث طوكيو الكبرى، كانت مشبعة بهواءٍ باردٍ منعش على أن أشعة الشمس تضربها. ولن ترى الكثير من الناس خرجوا—عدا بعض طلاب الإعدادية الذين يتمشون، وطلاب جامعات يركضون للرياضة. كانت مراوح العَنَفات الهوائية هنا وهناك تدور ببطء، تحرّك الهواء البارد بردَ هواء الغابات.
و... كان كاميجو توما يعرج وسط هذا المشهد الصافي البارد، مرهقًا تمامًا.
「ت-تعبت... مستحيل أن يكون ذاك يومًا عاديًا في حياة طالب الثانوي...」 كان قميص الصبي الثانوي وبنطاله مبللين تمامًا، كما لو أنه أنهى للتو ماراثونًا. وأشعره جسده بضِعفَي وزنه المعتاد حيث أن ملابسه امتصت كل تلك الرطوبة.
وعندما ننظر في الأمر، فإن الأمس، 31 أغسطس، هو السبب الجذري لكل شيء.
في تلك الليلة، التقى كاميجو رجلًا يُدعى ياميساكا أوما. ثم غادرا معًا مدينة الأكاديمية لإنقاذ امرأة يعرفها ذلك الرجل.
"غادرا"—أي "هربا بالقوة". كانت مدينة الأكاديمية محاطة بسور، وتحرسها قوة شبيهة بالشرطة. لم يُسمح لأحد بالخروج بدون إذن. لو لم يساعده ياميساكا، لكان الأمر صعبًا حقًا. كان لدى الساحر تعويذة مريحة تُدعى "وتر الإغواء" تجعل قوات الحراسة يظنون أن كاميجو وياميساكا يمتلكان إذنًا بالمغادرة. لكن الدفاعات الذهنية تختلف من شخص لآخر، لذا كانت التقنية متقلبة نوعًا ما. أحيانًا، كان عليهما اتخاذ نهج أكثر عنفًا.
「...ما هو بالمنطقي أصلا. خاطر بحياته لعبور شبكة الحماية تلك، وثم ماذا؟ أوكل السحرة يضربون الهُواة بلا رحمة؟ تبًا، لو كان معي دفتر يوميات، لاحتاج يوم أمس إلى كتاب كامل وحده. مُتَأكّد」 وبعد أن انتهى كل شيء، اقتحم كاميجو المدينة مجددًا بمساعدة ياميساكا. وكان ذلك قبل فترة قصيرة فقط.
(...آه، أخيرًا أراه، مسكني. نعم، رجعتُ أخيرًا إلى العالم الطبيعي!)
في الواقع، لم يمضِ حتى يوم واحد منذ خروجه، لكنه شعر وكأنه يعود إلى المنزل بعد إجازة استمرت شهورًا. وبالطبع، كان فاقدًا للذاكرة قبل أغسطس، لذا لم يكن يعرف بالضبط شعور العودة إلى شيء بعد أشهر.
انحنى جسد كاميجو من الإرهاق وقلة النوم. جرّ نفسه عائدًا إلى السكن، وصعد بالمصعد الصغير إلى غرفته.
آهغ... نعسـٓـآن.
قاتَلَ النوم حتى وصوله. كل ما أراده هو أن يغط في سبات الكهف يومين أو ثلاث. لكن مع الأسف، كان اليوم هو الأول من سبتمبر، يوم حفل الاستقبال المدرسي.
قد خسر ذكرياته خلال عطلة الصيف، لذا لم يكن يعرف أي أحد في صفه سوى واحد أو اثنين. كان يومًا عاديًا لبقية الطلاب، لكنه بالنسبة له سيكون كأنه طالب انتقل حديثًا. وكطالب جديد، لم يستطع التغيب عن أول يوم فقط لشعوره بالنعاس.
وبالطبع... بالتأكيد لا أريد لأحد أن يعرف أنني فقدت ذاكرتي. لا دروس اليوم، لذا عليّ استغلال الوقت لأتعلم مجددًا كيف كنت أعيش حياتي المدرسية، وأفهم علاقاتي مع الناس، كما فكّر وهو يشعر بنفسه متفلسفًا قليلًا. تنهد متثاوبًا ثم فتح باب سكنه.
وما فعل حتى سمع صرخة حادة من داخل الغرفة.
「تووومااااا!!」 في صوتها الغضب، لكن ذلك كل شيء. لم تأتِ راكضة إلى الباب الأمامي.
تشكك وجهه لبرهة... ثم تذكّر أخيرًا.
بينما كان يحاول تشغيل دماغه المتعب، ظهرت صاحبة الصوت أخيرًا. كانت فتاةً أجنبية ذات بشرة بيضاء وشعر فضي يصل إلى خصرها. ترتدي زي راهبة فاخرًا من قماش أبيض ناصع، مزينًا بتطريز ذهبي، لسبب ما كان مثبتًا فيه عدة دبابيس أمان على طول الخياطة.
الفتاة، التي لا يزال وصف الفتاة ملائمًا لها، تُدعى إندكس.
...وفي تلك اللحظة، كانت مربوطة اليدين والقدمين بحبال رفيعة. غير قادرة على تحريك أطرافها، زحفت خارج الغرفة كاليرقة. بالمناسبة، جلس القط الكاليكو بخفة فوق رأسها، يتثاؤب لا مباليا. "انقلاب النظام الاجتماعي" كان وصفًا بديهيًا ومناسبًا.
「آكك، بالمرة نسيت! أكنتِ مقيدة هكذا طوال هذا الوقت؟!」
「توما! تركتني خلفك وأول كلمة تقولها هي هذه؟!」 صرخت مكشرة عن أنيابها.
كما ذكرنا، التقى كاميجو برجل يُدعى ياميساكا أوما الليلة الماضية، ثم قاتل في الداخل والخارج لإنقاذ معارف ذلك الرجل. طبعا لم يكن من الممكن اصطحاب إندكس الضعيفة معهم. لكن ما إن شرح لها ذلك، ثارت عليه، وأمطرت عليه ضربات ولكمات. لم يكن أمامه خيار سوى أن يطلب من ياميساكا ربطها باستخدام مهاراته في تقييد الحبال، وتركها في السكن في غيابه.
「كل مرة، كل مرة، تخرج وحدك... توما، تعال فك هذه الحبال! ما هي إلا حاجز صغير صنع بحبل شيميناوا! يدك اليمنى تكفي أن تكسرها!」
يده اليمنى.
فيها تهجع قوةٌ تدعى الإماجين بريكر — قاتلة الأوهام. بها يقدر على إبطال أي قوة غير طبيعية، سواء سحرٌ سواء خوارق، بلا استثناء. لكن عيبها الوحيد أنها تعمل فقط من رسغه الأيمن حتى أطراف أصابعه.
「لكن، يعني... لو فككت الحبال، أشعر أنكِ ستقضمين حياتي...」
كان لإندكس عادة سيئة: عندما تغضب، تعض رأسه. لم يستطع التهاون معها وهي في حالة الغضب هذه. فكأنه يفك قيد كلب شرس جائع. لم يرد الذهاب لأول يوم في الفصل وعلامات عض فتاة تغطيه... ثم، تغيّر تعبير وجهها فجأة.
ببساطة—تحول إلى وجه أم تنظر إلى طفل خائف ضائع.
「توما، انزع عني هذه الحبال الآن ولن أغضب منك. لذا من فضلك، ألا تُرِح فتاةً من هذا العذاب؟」
「...أحقًا؟ أحقا لن تغضبي؟」
「لن أغضب」
「لن تعضيني ما إن أفك الحبال؟」
「لا تخف، لن أفعل،」
قالت بابتسامة الأم المقدسة نفسها.
انحنى كاميجو نحوها، وهي مستلقية على الأرض، ولمس بإصبعه السبابة الحبال التي تقيد جسدها. وكخدعة سحرية، انفكت عقد العشرات من الحبال دفعةً.
وما لبثت الفتاة لحظةً حتى انقضت على ذبيحتها.
「ها؟」
عضّت رأسه كأنها بنت كهوف تنهش لحمةً وجدتها.
「توما، أيا الغبي! غبي غبي غبي!」
「غياااااه؟!」
ولمّا سمع صرخته، عرف أن الأوان قد فات. بدأ يتلوى بينما كان الألم يخرق رأسه. حتى الإماجين بريكر التي يمكنها محو كل الأسحار والخوارق لم تستطع الصمود أمام وحشية هذه الفتاة.
「كذّابة! قلتِ إنكِ لن تغضبي—آآخ؟!」
「يا حمار! أكيد أغضب! لا أصدق أنك تركتني هنا وذهبت تقاتل برفقة ساحر! مهما امتلكت من قوى غريبة، فأنت لا تزال هاويًا في عالم السحر يا توما! ما كنت لتفعل لو حدث لك شيء؟!」
عندما نظر إليها، كان وجهها كله مشوهًا بالغضب، ومع ذلك، كانت عيناها تكاد تنفجرا بكيا.
مدّت إندكس يدها تمسح رأسه، كأنما تعانق ذكرى تشاركاها.
「...حقًا، ما كنت لتفعل؟」
سمع كاميجو صوتها فنزل عليه همعها [1] كقطرة المطر.
وعطرٌ خفيفٌ، حُلوٌ، انبعث من شعرها الفضي الطويل.
لاحظ أنها ترتعش قليلا.
على الأرجح خافت عليه طوال الليل حتى عاد.
「آسف」
اكتفى بهذا.
لم يستطع أن ينطق بأي كلمة أخرى.
لا أريد أن أسبب ألمًا آخر لمن ظلت خائفة عليّ طوال الليل، كما فكّر. كانت أمنية صادقة، خرجت من أعماق قلبه—لم يرغب في أن يجرحها.
وكذلك هي لم تكن تعرف أنه فقد ذاكرته.
لم يخبرها، لأنه كان يعلم أنها لو عرفَت، لسبب ذلك ألمًا أكبر لها.
- الجزء 2
هزّ كاميجو رأسه يمينًا ويسار يطرد بذلك النعاس بينما يُعد الإفطار لإثنين. كان الإفطار خبزا محمص ولحم مقدد وبيض وسلطة مطهوة على البخار وحليب — مجموعة بسيطة جدًا من أربعة أصناف.
وما إن رأت إندكس الطعام، هرعت — والقطة — إلى الطاولة. أما هو، فكان يتجول في الغرفة وقطعة خبز في فمه، يجمع كل ما يحتاجه لحفل الدخول المدرسي في حقيبته.
「...نعال داخلية، أشياء أكتب عليها... الواجب.... ينتهي... اليوم؟ نعم، اليوم. لم أُنهه... ماذا أفعل...؟ وبطاقة التقرير؟ لأمكنهم إرسالها بالبريد الإلكتروني」
ربما فعلوا ذلك لمنع الاختراق، كما فكر متكاسلا بينما يرمي بطاقة التقرير الكرتونية داخل الحقيبة.
نظرت إليه إندكس الجالسة وحدها على الطاولة بنظرة غير راضية.
「توما، هل عليك أن تذهب إلى المدرسة؟」
「مم؟」 وضع حقيبته الممتلئة الآن، والتهم ما تبقى من إفطاره بسرعة، ثم جلب صحنه إلى المطبخ. 「آه، صحيح. الآن وقد بدأ الفصل الدراسي، ستبقين هنا وحدك」
「مغغ... ت-توما، ليس وأنني أستوحش المكان بدونك أو أي شيء」
في الحقيقة كان كاميجو يفكر أن تركها وحدها قد يكون خطرًا، لكنه قرر أن يحتفظ بهذا لنفسه.
وبالطبع، لن يقول لها ألا تخرج خطوة واحدة من السكن. لكن فكرة ترك فتاة لا تعرف شيئًا عن مدينة الأكاديمية تتجول بحرية بدت له محفوفة بالمخاطر. ففي الشهر الذي قضته هنا، لم تُبدِ أي علامة على التأقلم مع حياة المدينة. وهذا النوع من الحسّ ليس شيئًا يشرحه ببساطة لها.
وبناءً على تجاربه السابقة، فإن الحل الأسرع هو أن يُذهبها معه أينما ذهب، لكن هو واضحٌ أنها لا تستطيع دخول مدرسته.
حتى كاميجو كان يعلم أن السِحرَ والعِلمَ لا يتوافقان. ولو أنَّ إندكس، وهي من الشخصيات المهمة في الجانب السحري، تحولت إلى جانب العلوم تخضع لمناهجه، فتلك مشكلة.
「علي أن أجد حلا لهذا كذلك. آسف، إندكس، اليوم تبقين في السكن من دوني. لا تنسي تغسلي الصحون في الحوض، تمام؟」قال معتذرًا، يرمق الساعة.
ثم دخل الحمام — والذي حوّله إلى شبه غرفة نوم — وغسل وجهه، وفرّش أسنانه، ولبس زيه الصيفي. وقد تمنى لو يغتسل أيضًا، لكن لا وقت.
وبعدما انتهى من الاستعداد، فتح باب الحمام ليجد إندِكس واقفة تنتظره. بعينين مليئتين بالتساؤل تنظره.
「توما، تتأخر؟」
「همم... إيه—عندما أرجع، فلنذهب ونتمشى مع بعض」
أضاء وجه إندكس.
سعد كاميجو لرؤيتها تبتسم، لكنه شعر أيضًا بشيء من التعقيد. معظم علاقاتها بالعالم الخارجي كانت تعتمد عليه. في الحقيقة، كل معارفها كانوا أصدقاءه أو أصدقاء أصدقائه.
وحسبما تنظر إلى الأمر، أشعر هذا بالوحشة كثيرا.
لكن كان من الصعب على كاميجو أن يساعدها في هذه المشكلة، لأن الحل الوحيد هو أن تبني علاقات جديدة من دون أن يكون هو طرفًا فيها.
「مع السلامة」
ما عساه شيء في هذا، فتناساه.
「تمام، لا تطل الرجعة،」 قالت مبتسمة.
وخمس دقائق من خروجه... ملّت الفتاة تماما.
قد بقيت وحدها في السكن مرات قليلة من قبل، لكن هذا لا يعني أنها أحبت ذلك. فهي فتاةٌ نشيطة. فلك أن تتخيل كم هو صعب عليها الجلوس والانتظار وحيدة.
لا يزال التلفاز يشتغل، لكنها لم تنظر إليه — كانت مستلقية على الأرض، تلعب مع القط. ولم تلبث برهةً حتى وقفت فجأة.
مَلّيـــ~ـت. أريد الخروج. وألحق توما.
اندفعت رغباتها بسرعة، لكنها هزت رأسها مباشرة. لن تدع رغباتها تتعارض مع الآخرين. كل ما عليها هو أن تتخيل الموقف معكوسًا. لو أن إندكس تلقت استدعاءً من كاتدرائية القديس جورج، فتبعها كاميجو لأنه شعر بالملل...
بصراحة كانت لتسعد نوعًا ما، لكنه في نفس الوقت سيزعجها.
إندكس ليست مبتدئة في عالم السحر، ولم تكن تريد أن يراها كثيرا في حالتها تلك — أي وهي في العمل. كان شعورًا غير مريح أن يراكَ أحدٌ تعرفه في غيرِ ما عَرفك.
وبالمثل، لو أنها لاحقت توما، فقد تزعجه. حين فكرت بهذه الطريقة، عرفت أنه سيُحرج لو سعت خلفه بسذاجة.
وفوق هذا، قد وعدني أن يأخذني نتمشى عندما يرجع.
عادت تلعب مع القط الكاليكو الذي يتدحرج. ملّانة، لكن سأصبر، كما فكرت وعزمت.
لكن فجأة، خطر لها شيء.
「...هاه؟ توما... والغداء؟」
شحب وجهها.
ليست بالطبّاخة، ولا تحسن شيئا فيها. ولم يكن هنا بقايا وجبات خفيفة، لأن القط مزّق كيسها وأكل كل ما فيه.
「م-ماذا أفعل؟ هذه أزمة القرن...،」 تمتمت بخفة، وهي تحدق نحو باب الشقة.
وراءه يكون العالم الخارجي الفسيح... حيث كاميجو توما.
- الجزء 3
وفي هذه الأثناء، كان كاميجو يركض على طريق المدرسة.
يبدو أن غربان المدينة المشاكسة قد وضعت بعض الحصى على القضبان فأوقفت قطارات المدينة تمامًا.
المدرسة التي كان يرتادها توصي بركوب الحافلات المدرسية باهظة غالية مكلفة الثمن، وكان من قواعدها منع الطلاب من ركوب القطار. ظاهريًا، كان الهدف منع التصرفات السيئة والتمشكل مع المشاغبين. لكن في الحقيقة، كان السبب أن إدارة المدرسة تجني أموالا أكثر بهذه الطريقة، فهي من تدير الحافلات.
لكن المشكلة الحقيقية كانت أولا أن سرعة الحافلات نصف سرعة القطارات، وثانيًا تكلف ثلاثة أضعاف. أي أحد سيدرك بسرعة أن القطار هو الخيار الأفضل. بعد أن استقل الحافلة مرةً واحدة خلال دروسه التعويضية في عطلة الصيف، قرر سرًا أن يستخدم القطار من بعدها.
لكن بسبب قوانين المدرسة السخيفة تلك، لم يستطع الإتيان بورقة عذر تأخير من شركة القطار ليبرر بها تأخره.
آهخ... نعسان! وتعبان! أقسم أن حظي العاثر يستيقظ قبلي. يعني، علّني لست الوحيد المنحوس هذا الصباح... لكن هذا لا يشعرني بأحسن ولو قليل!
استطاع عقله بالكاد أن يكوّن هذه الجمل، وفجأة، تجاوزته فتاة كالبرق تركض من خلفه.
كانت فتاةً شعرها بُنّي يلمس كتفيها، ترتدي زي توكيواداي الإعدادية المرموقة: بلوزة قصيرة الأكمام، سترة صيفية، وتنورة رمادية مثنية. وكانت تركض بكل قوتها؛ تكشف له عن شورتًا تحت تنورتها حتى لا تقلق عليه. أسلوبها كان بعيدًا كل البعد عن صورة "الآنسة المهذبة" العادية التي يتوقعها المرء من طالبةٍ من تلك المدرسة.
「...آه، تلك بيـري-بيـري」 أخيرًا استطاع عقل كاميجو النعسان أن يتوصل إلى الإجابة.
واصل الركض وهو يرمش بعينيه المتعبتين واليائستين، ثم صات بها،
「....هيييه. يا للشباب لَكُم طاقة كبيرة في الصباح!」
بيري بيري — أو ميساكا ميكوتو كما يُعرف اسمها رسميًا — أبطأت الخُطى على مضض تنتظره حتى يلحق بها. التفتت نحوه بنظرة تقول: اسمع. مزاجي ما يسمح الآن.
شزرته.
「على أي أساس تخاطبني بذي العفوية؟ تراك البارحة تجاهلتني بالمرّة والكلّة والبتّة والأبَدَة! واليوم تأتيني ولا تخجل؟」
فرك كاميجو عينيه نصف مفتوحة محاولا معالجة ما قالته تواً.
والآن بعد أن ذكّرته... في 31 أغسطس — أو بالأحرى، البارحة — عندما اختُطفت إندكس على يد ياميساكا، ظَنَّ أنه صادفها في الشوارع. وظنَّ أيضًا أنه تركها هناك، نظرًا للوضع وكل شيء.
ورَدَّ عليها بينما يواصل ركضته العجول إلى حد ما في الطريق. 「مهلا، ما؟ أكنتِ حقاً تحتاجينني في شيء؟」
「م-مم، ليس حقا حقا... يعني، ما احتجتُ شيئا فعلا، لكن...」
「؟؟؟」 رمش كاميجو بعينيه بشدة، محاولًا طرد النعاس. 「أسألك. إذا لم تكوني محتاجة لشيء، فلماذا أوقفتِني؟」
「ااا-اخرس! لا يهم، نغيّر الموضوع! أهذا الطريق هو طريقك إلى المدرسة كل يوم؟!」
لا تجهري يا غبية أنك تغيّرين الموضوع، كما فكر الفتى، ولكنه لم يجهر. 「...لا، القطار متوقف، لذا أركض. يعني، ما هي إلا محطتان، فأظن لو ركضتُ، أصل」
「على فكرة، تبدو خائر الطاقة. لا تحب قومة الصبح ها؟」 نظرت إليه ميكوتو مستغربة، وفي وجهه نظرة المستاء.
「حدث لي الكثير أمس... ووصلت حدّي وتعبت. لحظة، كيف لم تتعبي أنتِ؟ أهذه قوة الشباب أم ماذا؟」
حتى ميكوتو واجهت مشاكلها البارحة. وطبعًا، كان كاميجو هو الذي دفع الثمن + ضريبة.
「م-ماذا؟ فهل كان تظاهرك أنك ح- ح-حبيبي أتعبك لهالدرجة؟」
「هاه؟ آه، لا ليس ذاك وحده. حدثت غيرها」
「إيه...」 ردّت ميكوتو، تتنهد بخفة.
بدا أنها شعرت بارتياح نوعا ما أنها استطاعت التخلص من شعور الذنب تجاه تورطه في مشاكلها المزعجة مرة ثانية، لكن بعدها...
「همم؟ حدثت غيرها...؟ أكنت تفعل نفس الشيء مع بنتٍ أخرى... أنتَ؟」
「غبية. أنتِ الوحيدة من ستطلب طلبا محرج كذاك بهدوء وكأنه شيء عادي」
「مـ...مـا...؟!」
كان صوت كاميجو هادئًا، والسبب الوحيد هو أنه كان شبه نائم. ولكن هدوءه حَمَّر وجه ميكوتو بسرعة.
「أ-أنا ما كنتُ هادئة أبدًا! ك-كنتُ... كنتُ مضغوطة جدًا وما كان لي خيار، فـ... فاضطررت أن أبلع كبريائي وأطلب منك!!」
「...آه، آه، إيه إيه فهمت، فهمت」
「أتسمعني حتى؟! لا تستخدم نعسك حجة لتتجاهلني مرة أخرى!」
على طرفي نقيض طيف الطاقة، كانا يتشاجران ويتجادلان في هذا وذاك وكلٌّ منهما يركض إلى مدرسته.
- الجزء 4
بعد أن افترق كاميجو عن ميكوتو، واصل الركض حتى بدأت وجهته تظهر.
يبدو... أنني لن أتأخر. آهخ يا رجل من حظي أنني حضرت دروس الصيف.
الدروس التعويضية التي اضطر أن يحضرها عرّفته على طرق المدرسة. وبفضل هذا ما احتاج أن يتمشى وفي يده خريطة فيظهر مشبوها.
هناك مبنيين للمدرسة. في الأمام المبنى الجديد، ووراءه القديم. وصفي هو في الدور الثالث من المبنى الجديد، ثاني غرفة على اليمين. خزائن الأحذية عاليمين عند المدخل. تمام، كله واضح!
رتّب كل المعلومات في ذهنه حتى يتظاهر أنه لم يفقد ذاكرته. ودون أن يُبطئ، دخل من بوابة المدرسة مع باقي الطلاب.
مدارس المدينة غالبًا لن تجد فيها ساحة، لكن هذه المدرسة لديها. لم تكن مساحة الأرض كبيرة. كان هناك مبنيين دراسيين—واحدٌ في الأمام والآخر وراءه—مربوطين بممر مسقوف في المنتصف. لو نظرت لها من فوق، لرأيتها تشكل حرف I كبير. على اليسار صالة رياضية على شكل حرف D، وعلى اليمين المسبح.
تصميمات المباني الغريبة لم تكن نادرة في المدينة التي يسكنها 2.3 مليون طالب. بعض المدارس بها مسابح فوق السطح، وبعضهم مستودعات ضخمة تحت الصالة الرياضية.
لكن هذه المدرسة الثانوية كانت نموذجًا عاديًا. مملة المنظر، بلا أي مميزات. والطلاب المارة كانوا يلبسون زي مدرسي عادي لا يلفت الانتباه أبدا.
ولكن علّ لو كان اللبس مميزا بزيادة لكان الأمر مزعجًا. كمثل زي توكيواداي المبهرج.
وبينما كان يفكر بهذا الكلام، ركض نحو المدخل. ما بقي وقتٌ كثير، لكن أغلب الطلاب يجيئون في هذا الوقت. ولمّا مرّ قُرب موقف سيارات المُعلمين، فجأة سمع بوقا حادا. التفت ليرى سيارة تحاول الركن لموقفها. توقفت السيارة في منتصف الطريق ودقت ببوقها كذا مرة. فقد كان هناك قطٌ أبيض، يتثاءب بكل برود وهو جالس في وسط الموقف، وفجأة انتفض وقفز وهرب بسرعة. السيارة كانت خضراء فاتحة وصغيرة الحجم بتصميم مستدير. لكن حتى بالنسبة للسيارات الصغيرة، كانت أصغر من المعتاد—ما كان فيها حتى مقعد للركاب. مصممة لواحد فقط.
أوف، ما بها من سيارة؟ شكلها عملية مثل السكوتر. عدا أنك لن تبتل لو نزل المطر. المحظوظ، يا ليتني أشتري سيارة، لكن ربما أشتري دراجة... لا، ما هي بالفكرة الطيبة. أكيد سوف تسرق لو ركنتها عند محطة القطار. وكان اللص ليختار دراجتي وحدها ويترك الكل الباقي.
كان كاميجو قادرًا على تصور ذلك بوضوح في عقله، وهو معتاد على سوء حظه. فتنهد...
...ثم فجأة لاحظ...
...أن معلمته، اللي تبدو كطالبة في الابتدائية، كانت سائق تلك السيارة.
「—أوي! قدميك تصلان الفرامل؟!」
「م-ما تصلان، ولكن أستطيع القيادة!」 صاحت المُعلمة كوموي، وهي تفتح الباب.
عند التمعن، اكتشف أن العجلة في السيارة الصغيرة كانت مختلفة عن العادية: كان فيها أزرار على اليسار واليمين. وتبدو مثل أدوات التحكم المستخدمة في ألعاب السباقات. من المحتمل أن هذه كانت معدات مخصصة لذوي الإعاقة بحيث يمكنهم التحكم في تسريع السيارة وكبحها عن طريق الضغط على الأزرار.
ركنت السيارة بسلاسة غير متوقعة، كأنما كانت معتادة على قيادتها. ثم خرجت، حاملة ملفًا سميكًا وواضحًا في يدها.
「أما استطعت أن تفكر في شيء أفضل تقوله في أول يوم بعد عطلة الصيف؟ لستَ كَمَجتي الذي ربيته」
「(...أي أحد كان ليخاف على سلامتك لو رآك...)」 قال كاميجو لنفسه وهو يشيح النظر.
「قلت شيء، كاميجو-تشان؟! ولا أنت تفكر أن تتسلل ورائي وترفعني مرة أخرى، ها؟!」
「طبعًا لا! لا تكوني متشككة!」
بينما يتبادلان الصيحات، سار كاميجو والمعلمة كوموي على الطريق المؤدي للمبنى المدرسي. كانت تمشي بسرعة خفيفة، على الأغلب لأنها احتاجت أن تنجز بعض الأمور قبل حفل الافتتاح، لكن كلما قابلها طالب في طريقها، كانت تتوقف وترد عليه بتبسم قائلة: ثباحو. وأنّ كاميجو، بخطواته الواسعة، لم يجد أي مشكلة في اللحاق بها.
「ما بال كل هذه الأوراق في الملف؟ أتعطينا اختبار مفاجئ في أول يوم؟」
「كمجتي، معلمتك لن تفعل شيئا كانت تكرهه وهي طالبة. هيّا، لا تتأخر. وعجل!」 تدفع المعلمة كوموي. 「أما هذا فهو ليس من عملي التدريسي. صديقتي من أيام الجامعة طلبت مني جمع بعض البيانات لمقال، وأنا أساعدها」
「من أيام الجامعة، هاه؟... آه، صح. لديك رخصة تدريس؟」
「كاميجو-تشان؟」 نظرت إليه كوموي بشيء من الاستفهام وهو يتمتم لنفسه.
أعاد نظره إلى الملف وسأل، 「ما نوع المقال؟」
「ليس بالصعب أبدا! هو عن الحقول التشتتية اللاإرادية—شيءٌ أنت تعودت عليه تمامًا」
قالت ذلك، لكن كاميجو لم يكن قد سمع بمصطلح الحقول التشتتية اللاإرادية (AIM) من قبل.
واضح أنها كانت قلقة بشأن الوقت، فاستأنفت سرعتها. كما لو كانت في وضع تعليم سريع. 「سوف تدرسها عندما تكبر قليلا، كاميجو-تشان. [الحركات اللاإرادية] هي حركاتٌ تفعلها من غير وعي. وتلك [الحقول التشتتية اللاإرادية] هي نفس الشيء—وهي مجالات طاقةٍ تنبع بشكل طبيعي من الإسبر، مثل حرارة الجسم」
「ها. أو مثل كيف أن جسم ميساكا يولد مجالا كهربائيا ضعيف...」
「همم، ميساكا...؟ لحظة، يعني هل تقصد ميساكا "مِيْسَاكا"؟」 تباطأت قليلاً. 「على أي حال، نوع الحقل التشتتي اللاإرادي الذي يفرزه الإسبر يعتمد على نوع قدرته. فبالنسبة لمُبعثي النار، تكون حرارة، أما لمُحركي المادة فسيؤثرون على محيطهم بالضغط. وبالطبع، كلها تفاصيل دقيقة، ولابد من معدات دقيقة لقياسها」
تجاوزها كاميجو، فأسرعت للحاق به. 「هاه. يعني لو أن إسبراً قادر على اكتشاف هذه الحقول اللاإرادية، فهل يتصرف كما في المانجا ويقول أمورا مثل، "همم، استشعر طاقةً قريبة"؟」
「أهَهَه، بالضبط. ولو تمادوا، قد يقدرون حتى على قياس نوع القوة ودرجتها. مثل، "همم! مستوى قوته 70،000!" على أي حال، هناك كثير من الناس الفضوليين يدرسون هذا المجال بحماسة」
ثم ركضا نحو مبنى المدرسة وهما يتكلمان، لكنهما انفصلا في النهاية. كان للمعلمين مدخلٌ منفصل.
بعدما اختفت المعلمة كوموي عن نظره، زفر كاميجو بخفة.
(...ها نحن ذا.)
كما قرر نفسه، ثم مر من المدخل.
بدأت حياة كاميجو المدرسية المليئة بالأكاذيب لفقدانه الذاكرة.
بعد أن أخذ دروس تكميلية، لم يجد مشكلة في تذكر مكان خزانة أحذيته وفصله. رمى حذاءه في الخزانة كأي طالب عادي، لبس شباشبه، صعد السلالم، مشى في الممر، ووصل إلى باب فصله.
هنا تبدأ المشاكل.
وقت الدروس التعويضية (أو، يعني، الدروس التعويضية المؤجلة)، في الفترة التي قابل فيها ميساكا إيموتو، كانَ والمعلمة كوموي الوحيدَين في الفصل. كان يجلس على المقعد أمام مكتبها. لكن هذا لم يكن محلّه، لأن كاميجو فاقد الذاكرة ما كان يعرف مكان مقعده الحقيقي.
(ما أفعل الآن...)
خاف قليلا، لكن كان ليكون مشبوها لو ظلّ واقفا مكانه. من دون أن يجد حلاً جيدًا، قرر أن يفتح باب الفصل.
(آهخ، يا حظي...)
وما دخل حتى كره نفسه. لم يكن نصف الطلاب هنا حتى، والموجودون لم يجلس منهم أحد في مقعده.
لو كان الطلاب جميعهم هنا جالسين، لوجد مكتبه بسهولة. بدا أن الأمور لن تكون بهذه السهولة.
بينما كان واقفًا عند المدخل، غير متأكد مما يفعل، لمح أزرق الشعر، أوغامي بيرس، الذي لا بد أنه دخل منذ لحظات قليلة. اقترب منه الولد ذي الـ180 سم وقال،
「هممم؟ إيش، كاميان؟ لا تقول أنك طرت كل هذه المسافة ونسيت واجب الصيف في بيتك؟ حظك وتعودنا عليه」
عند ذلك، التفت باقي الطلاب لينظروا إلى كاميجو.
وبدأ كلٌّ منهم في الكلام.
「لحظة، ها؟ كاميجو، نسيت واجبك؟」
「مم، كاميجو، من جد نسيته؟」
「وااااااه، إيه! لسنا وحدنا! حليفنا وصل! وهو معنا!」
「مرحى! وكاميجو وحظه العفن قد يأخذ عنا غضب المعلمة ويريحنا! يعيش كاميان!!」
صنع كاميجو وجهًا عابسًا تجاه زملائه الذين صاروا الآن متحمسين.
ربما كان آباؤهم سيقلقون جديًا بشأن المعاملة التي يتلقاها أبناؤهم، ولكن بالنسبة لكاميجو، كانت هذه حياته الكوميدية المعتادة.
「تقولون أنك ولا واحدًا منكم أنجز الواجب؟ ستبكون المعلمة كوموي!」
تساءل للحظة عن كل ما بذله من جهد. لقد حاول بشدة إنهاء جميع واجباته، وإن كان يعلم أنه لن يتمكن من ذلك. ولكن بدا أن الوحيد الذي حاول.
ابتسم أزرق الشعر له. 「ها؟ لا عليك يا صاحبي. تعرف كيف وكأنها تفضّل المشاغبين على الشطّار، لا؟ كان ثُلثي الطلاب في فصول تعويضية، ويا رجل ليتك رأيت شكلها الفرح وقتها.」
「...ألم تفكر أنها ربما تذهب إلى الحانات بعد المدرسة وتبكي وحدها؟」
「هِهِهِهِه. ماه يا كاميان؟ تْعَرف، أنا خلصت كل واجباتي، لكنني تركتها في البيت بس لأراها تغضب مني!」
「صاحٍ؟ بالتأكيد سوف تبكي على هذا!! أنت مثل طفل في الخامسة يمازح البنت التي يعجب بها!」 صرخ كاميجو دون تفكير. لم يهتم باقي الطلاب بما قاله. بدا أنهم يعتبرون ذلك طبيعيًا. تفككت مجموعة الطلاب وبدأوا في استئناف محادثاتهم.
أما هو، وبعد أن تحرر من قبضة الحشد الغريب، أراد أن يغفو قليلاً على مكتبه قبل بداية الحصة. ولسوء الحظ، لم يكن يعرف أين يجلس.
(لنرَ. سيكون غريبًا لو طلبت مباشرةً أيّ مكان مقعدي.)
فكر كامي لفترة، ثم توجه إلى أوغامي بيرس. 「هيه، المعذرة، هلا تحضر لي الدفتر من مكتبي؟」
「هممم؟ كاميان، لا يكون نسيت شيء في حفل الختام؟」
بشكل غير متوقع، ذهب أزرق الشعر بكل طواعية إلى المقعد في الخلف قِبل النافذة.
إذن هناك كنتُ أجلس، كما فهم كاميجو وشعر عندما فتح أزرق الشعر درج مكتبه.
「هيه كاميان، ما وجدت دفاتر هِنا!」
「هه؟ مهلا، ألم أضعه؟」 أجاب كاميجو إجابة غامضة لأوغامي المتفاجئ، ثم أخيرًا ذهب إلى مقعده.
جلس أزرق الشعر مرقط الأذنين في المقعد المجاور، وبدآ الحديث.
「إذن ذا اللي يقول إنه مطلع، صح؟ يقول أن مهووسي المانجا مثلهم مثل القيمرز. أغبى ما سمعت. لو كانت المانجا تعدل الدماغ، لكان تطوير القدرة أسهل من الحين! آخ لو كانت كتبنا مانجا بدل كتاب منهج النوم هذا، ولا؟」
「إي، لكن أي نوع مانجا يستخدمون بدل الكتاب المدرسي ستكون أيضا مملة. مثلًا، الصفحات الملونة ستكون مليئة بالأمور التعليمية」
「يا تيس! هنا أساس فكرة الموي المخفية! ليش ما تدرك أن قوة العمل وعنصر المفاجئة فيه موجودة في أنميات الأطفال والتوكوساتسو؟ قبضتي هذه ستعلمك كل شيء!!」
「لمَ تحمست لهذه المواضيع؟ لا أدري ما إن كنتُ لأثق في أحدٍ وصل للمستوى الخامس بهذه الطريقة!」
شعر كاميجو أنه بدأ ينسجم مع محيطه بينما هو وأوغامي يتبادلان حديثًا عاديًا وغبيًا.
لقد مر شهر منذ فقد ذاكرته. كاميجو الحالي لم يكن صفحة فارغة. شعر وكأن نفسه الجديدة بدأت تحل محل نفسه القديمة.
وكان الآن يستطيع الحديث عن الأشياء التي يتذكرها.
كان الإعاقة الناتجة عن فقدانه الذاكرة تتلاشى شيئًا فشيئًا.
لكن هذا حسنٌ لكاميجو.
ولن يكون ذلك مريحًا لتلك الفتاة ذات العباءة البيضاء.
لم يعرف كيف التقيا. ولكن مما سمعه، لم يعرفا بعضا منذ سنوات أو شيء من هذا القبيل. بدا أنهما التقيا مؤخرًا. ومن المحتمل أنهما قضيا وقتًا معًا بعد فقدانه الذاكرة أطول من قبلها.
لكن هذا لم يكن مهمًا.
في تلك الفترة القصيرة، أصبحت إندكس تثق به. كانت الذكريات التي احتفظت بها عن تلك الفترة الزمنية هي ذكريات ثمينة لن تنساها أبدًا.
إندكس كانت ودودة معه الآن، لكن ذلك لأنها لم تعرف الحقيقة.
لقد فقد كل ذكرياته. ولم يشتركا في تلك الذكريات الثمينة التي تعتز هي بها.
「...」
「كاميان؟ هَييييي، كاميان!」
استفاق كاميجو من شروده على صوت أوغامي.
「أ اخ، آسف. شردت شوي. ما نمت البارحة」
غطى الموضوع وعاد إلى كذبته.
- الجزء 5
「صباحو ثباحو أنتَ وأنتِ، والآن نبدأ حصتنا! الوقت ضاغطتنا بسبب حفل الدخول، لذا دعونا ننهي الحصة بسرعة، تمـــــــــــــــــــآم؟」
وما إن دخلت المعلمة كوموي الصف، جلس معظم الطلاب في أماكنهم.
「هاه؟ كوموي-سينسي، أين تسوتشيميكادو؟」
「لم يخبرني أنه يغيب اليوم، لذا علّ النوم غلبه!」 أجابت المعلمة كوموي على سؤال كاميجو وهي تميّل رأسها. 「لكن، قبل أن أبدأ بالأسماء، لديّ خبر كبير لكم! طالبة جديدة انتقلت وسوف تنضم إلينا بدءًا من اليوم!」
جذب ذلك انتباه الجميع بالكامل.
「وهي فتاة! مبارك للشباب! وحظًا أوفر المرة القادمة يا حُلوات!」
بدأ الصف يعج بالحماس.
لكن كاميجو شعر فجأة بإحساس قوي من القلق.
محال، لا يمكن. لا يمكن لحياته التعيسة تمامًا أن تتضمن طالبة منقولة عادية، جذابة، وأنثى. هذا مستحيل.
...شعور... شعورٌ مُنذرٌ سيئٌ مُخوِّفٌ يقول لي أن هذا لن ينتهي على خير...
فكّر مباشرة في هيميغامي آيسا نظرًا لعلاقتها المسبقة بالمعلمة كوموي، لكن العالم مكان واسع. قد تكون ميساكا ميكوتو أو كانزاكي كاوري، ادعتا أنهما أكبر أو أصغر سنًا. أو ربما أن الاسم الحقيقي لأكسِلَريتر هو سوزوشينا يوريكو. أو ربما تقتحم الأخوات العشر آلاف الصف فيتضاعف عدد الطلاب. أو ربما تكون ملاكًا تخفي أجنحتها وتكاد تنزل عليهم.
「ل-لا، كفى! سمعتك أيها الدماغ! تقول أن هذا قد يكون ممتعًا! لاااا، يكفي!」
「كاميان، ما بك تمسك رأسك وتهذري بنفسك؟」 بدا على المعلمة كوموي ربكة، لكنها واصلت. 「على أي حال، ما هي إلا مقدمة قصيرة! من فضلكم أجلوا التعارف الموسع إلى ما بعد حفل الدخول. حسنًا، حضرة الطالبة المنقولة، تفضلي بالدخول!」
وبعد أن قالت، سُمِع صوت باب الصف يُفتح.
نظر في ذلك الاتجاه، متساءلا عن نوع الجنون الذي ينتظره.
وهناك رأى راهبة ترتدي البياض، تحمل قطًا ملونًا، وتبدو غير متأكدة مما تفعل.
「نباغغ...!!」
هذا خارج نطاق أي شيء توقعه. وطار عقله وفرغ تمامًا.
بدا أن زملاءه في الصف في حيرة من أمرهم. فهي لم تكن ترتدي زيًا مدرسيًا عاديًا بكل وضوح. "من أي مدرسة كاثوليكية جاءت هذه؟"، كانت من أولى الأسئلة التي سمعها تتردد همسًا.
تجاهلت إندكس كل ذلك، وكما اعتادت دائما، قالت.
「أوه، توما! حسنًا، هذا يعني بالتأكيد أن هذا هو المكان المدرسي الذي يذهب إليه توما. سأشكر مايكا لاحقًا على إرشادي إلى هنا!」
نظر جميع من في الصف إلى كاميجو دفعة واحدة بعد سماعهم ما قالته.
وكانت عيونهم تقول له بوضوح: مرة أخرى؟
「..........................................مم، ماذا؟ ما هذا؟」
لسبب ما، حتى المعلمة كوموي، التي قدّمت "الطالبة المنقولة"، تجمّدت في مكانها عندما رأتها.
「هـ-هييه، انتظري. كوموي-سينسي، ما الذي...؟」 بدأ كاميجو، لكن يبدو أنها لم تكن تتوقع هذا أيضًا. وأخيرًا أفاقت من ذهولها عندما سمعت صوته فقالت،
「أيتها الراهبة! من أين ظهرتِ؟! أنتِ لستِ الطالبة المنقولة! هيّا هيّا، اخرجي، اخرجي من هنا!」
「آه، لكن، لكنني بحاجة لسؤال توما عن الغدا—」 حاولت إندكس الاعتراض، لكن المعلمة كوموي لم تكن تستمع إطلاقًا. دفعتها من ظهرها وأخرجتها من الصف بالقوة.
نهض من مقعده بشكل لا إرادي.
「أه... هـ-هيه، إندِ—!!」
「كاميجو-تشان! من فضلك لا تصعب الموضوع أكثر مما هو عليه!」
「ماذااا؟!」
كاد يجري خلف إندكس، لكن صرخة المعلمة كوموي أوقفته في مكانه. لم يكن خائفًا من أن تغضب معلمته بقدر ما كان خائفًا من أنها قد تبكي — وهذا ما بدا عليه وجهها فعلًا في تلك اللحظة. دفعت إندكس خارج الفصل وغادرت.
ظل واقفًا هناك في حيرة وهو يراقبهما تخرجان.
ومحلهما، دخلت فتاةٌ ذات شعر أسود طويل إلى الغرفة.
「على أي حال. أنا الطالبة المنقولة الفعلية. اسمي هيميغامي آيسا.」
شعر كاميجو بالارتياح عندما رأى وجهًا مألوفًا، وسقط على مقعده من جديد.
「أ-آههخ، أشوى. طلعت هيميغامي المملة القديمة. ولا ترتدي حتى زي الكاهنات المعتاد. بل زيا مدرسيا عاديا وممل. أشوى أشوى...」
「كأني أستشعر استخفافا في كلامك،」 ردت عليه هيميغامي المملة القديمة، منزعجة نوعا ما.
- الجزء 6
سارت إندِكس في الممرات وهي تنفخ أنفها عن غضبٍ بعد أن طُردت من الصف.
كانت تمسك بورقة نقدية من فئة ألفي ين. وأنَّ المعلمة كوموي قد دفعتها في يديها قائلة، 「أف منكِ، لماذا أنتِ هنا أصلا؟ عودي إلى البيت حالا! لا يُسمح بدخول الغرباء! هيّا، نادي بسيارة الأجرة وارجعي!」
...قد بدا توما حقًا مرعوب.
عبست وهي تسترجع ما رأته قبل قليل. قد عاشت معه لأكثر من شهر، لكن هذه أول مرة تراه يحدّق بها بتلك النظرة المؤلمة—تعبيرٌ واضح بالرفض.
ودون أن تعرف كيف تتعامل مع مشاعرها الضبابية، أدركت فجأة أنها ما تزال جائعة. المصائب لا تأتي فرادى، فكرت وهي تعض شفتها.
ثم مرّت بجانب المقصف.
بدأ القط بين ذراعيها يموء متأثراً بأصوات القلي وروائح الطعام اللذيذة التي كانت تتسلل نحوهما. توقفت إندكس في مكانها.
「...جوعانة」
والآن وقد فكرت، بدا لها فطور كاميجو الذي صنعه على عجل وكأنه غير متقن بسبب انشغاله. على مقياس الرضا من واحد إلى عشرة، قدّرته بالكاد أربعة.
زحفت إلى داخل المقصف كالزومبي.
كان المكان واسعا، لكن أثاثه بدا وكأنه جُمِع على عجالة. وهناك حوالي مئة طقم من طاولات دائرية مع أربعة كراسي معدنية لكل منها. في أحد أركان الجدار رأت شباكاً كأنه المحاسبة (الكاونتر)، ويبدو أن المطبخ يقع وراءه. وأصوات القلي تصدر من ذلك الاتجاه. وفي زاوية أخرى، وُضعت ثلاث آلات لبيع تذاكر الطعام.
همم، قرأتُ عن هذه في المانجا. تضع المال وتضغط الزر للطعام الذي تريده فتحصل على تذكرة تستبدلها بالطعام، صح؟
توصلت إلى هذا الاستنتاج من خلال مقارنة معرفتها، وإن كانت متحيزة، بالمشهد أمامها. كان ستيل ليُغمى عليه بالتأكيد لو عَلِم أن مانجا الشونين بدأت تتسلل إلى أرشيفها المليء بالمخطوطات الشهيرة مثل [كِن وُ غيوكُتوشُوُ] و [سفر يتسِراه] و [كتاب القانون]. لكنها لا تزال تحتفظ بها جميعًا محفوظة بشكل سليم، لذا لم يكن الأمر مشكلة حقيقية.
اقتربت من آلة بيع التذاكر.
رفعت ورقة الألفي ين المجعدة وأدخلتها في الآلة.
أرأيتم؟ أستطيع فعل هذا بسهولة! توما يقول إنني عتيقة وأثرية، لكن هذا ولا شيء! إنما فقط أضغط على الزر!
بعد أن استمتعت بلحظتها من الكبرياء، مدت إصبعها نحو الآلة لتكبس الزر...
...لكنها توقفت.
لم يكن هناك أي زر.
لحظة...ها؟ ما الذي...هااه؟ أين أضغط؟ ماذا أفعل لتعمل هذه الآلة؟
على يمينها ذراع إلكترونية تبرز من آلة البيع، والشاشة المثبتة عليها تعرض أسعار الأطعمة المختلفة... لكن هذا كل شيء. لم يكن هناك زر فعلي لتقديم الطلب.
في الحقيقة، كانت شاشة لمس، مثل تلك الموجودة في آلات التذاكر بمحطات القطار، لكن إندكس لم تكن تفهم أشياء كهذه.
آه، إه، أمم، إهمم... ط-طيب. سأستعيد مالي الآن... لحظة، كيف أرجع المال؟ أين الزر؟؟؟
كان هناك بالفعل زرٌ في زاوية الشاشة مكتوب عليه "إلغاء"، لكنه كان مختبئًا في نقطة عمياء نفسية تمامًا بالنسبة لها. وكان قِطّها دائمًا ما يضرب شاشة التلفاز بمخلبه حين يشاهدان برامج الطبخ، لذا كانت متأكدة تقريبًا من أن لمس الشاشة لا يفلح لشيء.
أمسكت إندكس آلة البيع بكلتا يديها وبدأت تهزها، ثم نظرت داخل فتحة الصرف النقدي. وكما هو متوقع... لم يحدث شيء.
أنّت وقالت: 「ربما عَداني حظ توما...」
منهكة وحائرة، سقطت على الأرض. وانفجرت تبكي وهي على يديها وركبتيها، كلاعب بيسبول في المدرسة الثانوية خسر نهائي كأس كوشين. أما القط، فلم يفهم ما كان يجري. فتثاءب بتكاسل وبدا ملولا.
ثم سمعت صوت خطوات قادمة خلفها.
وقبل أن تفكر في الأمر، نقر أحدٌ على كتفها.
يُفترض أن تُقام مراسم حفل الدخول في الصالة الرياضية.
الممرات كانت تعج بالطلاب الخارجين من صفوفهم متجهين إلى هناك. بدا المكان مزدحمًا كأنه محطة قطارات في أحد أيام العطل.
أما كاميجو، فقد غادر فصله. وكان السبب بسيطًا — كان قلقًا للغاية على إندكس التي تُركت تتصرف لوحدها، عليه أن يجدها.
「تبا... قد يبدو ساخرًا إذا صدر مني، لكن يبدو أنها دائمًا ما تنجح في التورط بالمشاكل...」
وهي تملك ذاكرة مثالية أيضًا. فإذا رأت أي شيء من مناهج تطوير القدرات، فقد يشكّل ذلك خطرًا على تسريب الأسرار العلمية إلى عالم السحر. لكنه في الواقع لم يُفكر في الأمر بتلك الطريقة حتى الآن.
عليّ فقط أن أجد إندكس، وبسرعة، كما فكّر توما وهو يركض في الممر، يحاول استخلاص كل فكرة من دماغه المنهك.
أما من نقرت على كتف إندِكس، فكانت فتاة لم تعرفها قَط.
كانت أطول قليلًا من إندكس، وأقصر من كاميجو. شعرها كان أسود ممزوجًا ببُنّيةٍ خفيفة، ويبدو أنه طبيعي. كان ناعمًا ومسترسلا حتى فخذيها، ومربوطًا في خصلة جانبية برباط مطاطي. ترتدي نظارات ذات إطار رفيع، لكنها كانت تنزلق قليلًا لسببٍ ما. نظرت إندكس إلى صدرها، وبعد أن رأت انتفاخات ملحوظة تحت زي الصيف، اضطرت للاعتراف أن هذه الفتاة تفوقت عليها.
من تكون؟
لا حق لإندكس في الكلام. فملابس الفتاة كانت تختلف قليلًا عن زي طالبات مدرسة كاميجو. الفتيات هناك يرتدين زي بحّارة أبيض بأكمام قصيرة مع تنورة كحلية، أما هذه الفتاة، فكانت ترتدي بلوزة بيضاء بأكمام قصيرة وتنورة زرقاء فاتحة. وكان يزين زيّها ربطة عنق حمراء للرجال. هذا أيضًا كان مختلفًا بوضوح.
تلاقت أعينهما.
ومن خلف نظاراتها المنزلقة، كانت الفتاة تنظر إلى إندكس وكأنها حيوان صغير لطيف.
「أمم... عليكِ أن تكبسي الزر」
「هاه؟」
「يعني، عليك أن تلمسي الزر على الشاشة...،」 قالتها بصوت منخفض وهادئ، وأشارت بإصبعها إلى آلة التذاكر. حينها فقط استوعبت إندكس. تابعت طرف إصبع الفتاة حتى وصلت إلى شاشة الـ LCD المركبة على الذراع الآلي.
اتخذ وجهها تعبير طفل ضائع في بلد لا يفهم لغته. 「زر؟ لكن لا أزرار على الآلة」
「آه، مم...」، تمتمت الفتاة بقلق. 「فقط عليكِ لمس الشاشة بإصبعك... أ-أعني، رجاءً لا تبكي...」
「تكذبين! أنا أعرف هذا الشيء. فلمْ يتغير شيء للناس في التلفاز كلما لمسنا الشاشة」
「...」
صمتت الفتاة وتقدمت نحو آلة البيع، ثم كبست زر "إلغاء" في زاوية الشاشة.
وررررم. أصدرت المحركات الداخلية صوتًا خافتًا، وخرجت ورقة الألفي ين التي ظنت إندكس أنها فقدتها إلى الأبد. اتسعت عيناها بدهشة.
「م-ماذا يحدث؟!」
「كما قلت...عليكِ لمس الشاشة...」
「روعة! هذا التلفزيون متصل من الداخل!」
「مم... ليس تلفازًا...」
「روعة! أعيدي! أعيدي الكَرّة!」
بدأ القط يموء منزعجًا من صراخها المفاجئ. أما هي، فقد نسيت تمامًا أنها كانت جائعة من شدة الحماس. دفعت ورقة الألفي ين مرة أخرى داخل الآلة، ثم نظرت إلى الفتاة بتوقع، كما لو كانت ساحرة ستؤدي عرضًا سحريًا جديدًا.
تجعد وجه الفتاة بتعبير قلق، لكنها ضغطت زر الإلغاء مرة أخرى.
خرجت الورقة النقدية مجددًا. وكان ذلك كافيًا لإندكس كي تنظر إليها بإعجاب بالغ.
「إ-إذن، وماذا عن هذا؟ هذا الزر مكتوب عليه "استثناء" أو أيا كان؟」
「مم... إذا كتبتي كلمة هناك، سيظهر لكِ كل شيء ما عدا ما كتبتيه... مثلاً، إذا كنتِ تتحسسين من البيض، اكتبي "بيض"، فيعرض لك فقط الأشياء التي ليس فيها بيض...」
「وهذا الذي مكتوب عليه "بحث بيانات"؟」
「كما هو مكتوب... تبحثين عن معلومات، مثل كم فيها من فيتامين C أو حديد. وإذا وضعتِ مثلاً "أقل من 150 سعرة حرارية"... فسوف يظهر لكِ فقط الأكلات التي تنفع للحمية」
هلهلت إندكس كالطفلة في كل مرة تنتهي فيها الفتاة من أحد شروحاتها العشوائية. بدت كطفلة في روضة لديها حلم أن تصبح رائدة فضاء وهي تتجول داخل مكوك فضائي. أما الفتاة، التي تلقت سيلًا من المديح، فبدأت تتساءل بقلق إن كان عليها أن تفرح بهذا أم تقلق.
وبعد عدة شروحات إضافية، نظرت إليها إندكس بابتسامة عريضة.
「شكرًا لك! ما اسمك؟」
「...مم. كازاكيري هيوكا.」
جلست إندِكس وكازاكيري على أحد الطاولات دون أن تطلبا أي شيء، وبدأتا في الحديث. في الواقع، كانت إندكس هي من تتحدث معظم الوقت، تشكو وتثرثر، حتى نسيت تمامًا أنها كانت جائعة.
「وبعدين، حتى عندما ناديت عليه، ما ردّ! حتى أنه صد وجهه! الوقح! هو السبب أساسًا لأنه نسي الغداء...」
نظرت كازاكيري بين إندكس والقط في يدها، ثم ردّت بتردد، 「أه، مم... عمومًا، الغرباء من خارج المدرسة لا يُسمح لهم بالدخول... ربما خاف أنكِ دخلتِ عنوة. لو رآك أحد من الأساتذة، قد تورطينه...」
「لكن هيوكا، أنتِ دخلتِ، صح؟」
「أ-أنا وضعي مختلف. أنا طالبة منقولة، وما استلمت الزي الرسمي إلى الآن...」
「إذن أنا كذلك سأكون طالبة منقولة!」
「...مم...」 عبست كازاكيري هيوكا قليلاً وقد بدا عليها الربكة.
「على كل حال، عليّ أن أقول لتوما البعض. لن أرجع هكذا! فإن لم أسأله عن الغداء، قد أموت فعلا من الجوع!」
「لكن... ملابسك تلفت الانتباه كثيرا...」
「همم؟」 نظرت إندكس إلى نفسها.
لم تكن تولي اهتمامًا كبيرًا لملابسها، لأنها ترتديها دائمًا. لكن رداءها الأبيض النقي المطرز بالذهب مثل فستان أميرة كان يلفت الأنظار بوضوح.
「لو رآك أحد... فسوف تسببين له مشاكلاً أكثر، ولا؟」
「فماذا أفعل؟」
لو كانت كازاكيري من النوع الحادّ الذي يردّ بسرعة، لكفاها أن تقول، 「ارجعي إلى البيت وكفى!」 لكن نظراتها بدأت تتهرب بارتباك.
「...أمم، إذا ذهبتي إلى غرفة الممرضة، قد تجدين لبسا احتياطي... ليس اللبس الرسمي بالضبط، لكن... زي الرياضة، الذي يناسب كل المقاسات.」
「زي رياضة؟ يعني لو لبسته، لن يلاحظني أحد؟」
ارتبكت كازاكيري من سؤالها البريء.
هي نفسها أقرت بأن إندكس لن تكون ملفتة للنظر لو أزالت عنها لبسها الأبيض المزخرف ولبست أي شيء عادي. لكن لو لبست زي الرياضة في حفل الدخول—خاصة وأنه لا حصص اليوم—فكذلك سوف تبرز. فوق ذلك، أصلاً القوانين تمنع الطلاب من إدخال حيوانات إلى المدرسة. ومع أنها لم تكن واثقة تمامًا، إلا أن كازاكيري لم تقدر أن تفكر في حل أفضل... فانتهت بإجابة مترددة ومهزوزة:
「...إي. أظن هذا. يعني، يمكن. ربما؟ ستكونين بخير... أظن.」
سارت إندكس وكازاكيري معًا في الممرات الخالية.
「همم. طيب ما نوع ذلك الزي الرياضي؟」
「ممم... هو نوع من الملابس تصلح للتمارين. مرن، ويعني مريح، وخامته يزيل عنكِ العرق بسهولة...」
「خيالي! لا بد أن هذه هي التقنية المتطورة التي تكلم عنها توما!」
「.........امم...」
「ياااه، رهيب! هيوكا، عليك أن تُجربيه معي! يبدو مشوقا!!」
「........................آآاء، يعني...」
لم تستطع كازاكيري الخجولة أن تصحح خيال إندكس الذي انطلق. بدأت إندكس تسحبها من يدها، وكازاكيري بالكاد تواكبها وعينها تدمع خلف نظاراتها الكبيرة.
في هذه الأثناء، كان كاميجو ما يزال يبحث عن إندكس.
لم يرى أي طالب في الممرات، رغم الازدحام منذ قليل. تنهد تنهدًا ثقيل وهو يركض عبر الممرات الفارغة. حفل الدخول قد بدأ الآن بالتأكيد.
...تبًا. لتوّي استطعت أن أندمج مع صفي مثل الناس. طبعًا، الحفل مجرد خطاب من المدير... لكن المشكلة أني لا أعرف حتى شكله. على أي حال، علي أن أنهي موضوع إندكس أولا.
لمح يمينا ويسار بينما يركض.
ثم توقف فجأة بعدما سمع صوتًا مألوفًا يملأ أذنه.
هاه؟ هذا الصوت... رصدنا العدو! تم التعرف عليه: الراهبة الغبية!
توقف وأصغى بعناية للأصوات من حوله. بدا كصوت فتاة مستمتعة بشيء ما. بما أن الممر خالٍ تمامًا، كان يسمعه بوضوح. نظر في اتجاه الصوت، وبدأ وجهه يتجعد. كان هناك باب كتب عليه [غرفة الممرضة].
وعبس.
ت-تبًا. أنا هنا، مرهق من قلة النوم وأركض في المدرسة أبحث عنها، وهي؟ تنام على سرير غرفة الممرضة؟! أهذا هو؟!
وضع يده على الباب المنزلق للغرفة وصات، 「هيه! إندِكس! تجلسين في غرفة الممرضة؟! إن كان بك من مرض، فهو الكسل ولا غيره!!」
باباااااخ!! فتح كاميجو الباب وضربه.
ولقد استعد أن يلقي محاضرة كاملة عليها طوال اليوم، لكن...
أمام ناظريه، مشهد لا يُرى إلا في المانجا.
فتاتان في وسط تبديلهما الثياب.
الأولى كانت إندكس، وهو يعرفها وخبرها. لم تلبس ثيابها الرهبانية المعتاد، بل بلوزة بأكمام قصيرة وسروال قصير مثل الذي في الزي الرياضي. عدا... السروال كان فقط إلى نصف ساقيها. كانت منحنية، ممسكة بالجهتين، ومتجمدة تمامًا... ما عدا زوايا فمها التي بدأت ترتجف بارتباك.
الثانية كانت فتاة لم يعرفها، تلبس زي مدرسة صيفي مختلف. شعرها مستقيم، وفي خصلة مربوطة بشريط مطاطي على جنب رأسها. نظاراتها الرفيعة كانت تنزلق على أنفها، وما عرف إذا كان هذا مقصودًا أو لا. لكن... كل أزرار قميصها كانت مفكوكة، ويدها تمسك ببلوزة الزي الرياضي. هي الأخرى كانت متجمدة... ما عدا عينيها التي فتحت على وسعها مثل عيون الأرنب، وكانت الدموع توشك منها.
كلتاهما تنظران إليه، وكأن عقولهما لم تستوعب ما يحدث بعد.
القط، غير مبالٍ، كان ينظف وجهه ببروده المعتاد.
وإحساس الخطر داخل كاميجو اشتعل فجأة.
「...............آه، آسف، الغرفة الخطأ!!」
في اللحظة التالية، احمرّ وجه الفتاتين دفعةً.
وقد تمنى أن يصدق أنهما فقط محرجتان أو خجلتان—لكن لا.
بعد ثوانٍ، دوّى صراخ غضب... وتلاها صوت عضةٍ وتحطم شيء.
- الجزء 7
كان كاميجو غاضبًا جدًا.
فهو من يتعرض لهذا العبث من البداية. لقد شعر بالأسف الشديد لدخوله عليهما بينما تبدلان الملابس، لكنه لم يكن ليرضى بأن تختتم إندكس بالغضب عليه فتترك آثار أسنانها على رأسه.
وهكذا انتهى بهم المطاف في الكافيتيريا بعد أن غير الاثنان ملابسهما وعادا إلى ملابسهما العادية. كان كاميجو وإندكس يشزران في بعضهما بغضب، بينما كانت الفتاة التي لا يعرفها كاميجو تنظر إليهما وتتململ، وكأنها لا تعرف ما تفعل. أما القط، فلم يكن يعنيه أيٌّ من هذا، واستمر في الاسترخاء على الطاولة بكل راحة.
وبصوت منخفض يختلط فيه الإرهاق من قلة النوم والغضب، سأل كاميجو، 「إندِكس، من هذه الفتاة؟」
لسبب ما، انتفضت أكتاف الفتاة الغريبة من المفاجأة. وعلى النقيض، ردّت إندكس بحزن، 「لا أعرف، لكنها صديقتي」
「ما تعنين أنك لا تعرفين؟! لا تتمشي مع غرباء!」
「لا أعرف، لكني أعلم أن هيوكا صديقتي، حسنًا؟!」
كانت الفتاة التي تُدعى هيوكا ترتجف كحيوان خائف في كل مرة يصرخ أحدهما، لكنها أخيرًا أخذت نفسًا عميقًا، وبحذر شديد، حاولت تهدئتهما.
「أ-أنا... كازاكيري هيوكا... وأنت؟」
「همم؟ آه، كاميجو」 قالها ببساطة، رغم أن كتفيها ارتجفا مجددًا.
رأت إندكس ذلك فقالت، 「توما، لا تخف هيوكا... لا عليكِ يا هيوكا. توما مخلوقٌ نادر. إنه ذكر نشيط جدًا، ومتردد، ويحب التدخل في شؤون الفتيات طوال الوقت، لكنه طيب」
「...أ-أمممـ... هل من يفترض أن أرتاح لهذا الوصف؟」
عبس كاميجو من كيف بدت جادة كازاكيري في هذا السؤال.
ومع ذلك، لم تبدُ وكأنها ستخرج من حالتها المرتجفة والخائفة قريبًا. حاولت إندكس تهدئة توترها.
「هيّا، هيّا، هيوكا. هيا أعطيك سفينكس تحملينه! داعبيه، فربما يُخفف عنكِ قليلًا.」
「أمم... سفينكس... أهو اسمه؟」
ومن دون تردد، انقلب القط على ظهره وأظهر بطنه، كأنما يقول لها بصوت عذب، تفضلي يا آنسة، ابكي على بطني كما تشائين وبدأ يفتح كفوفه الأمامية على وسعها.
استمر تعبير الحيرة على وجه كازاكيري بينما تتردد يدها في الهواء، لكنها في النهاية أنزلتها ومدّت يدها لتمسح على بطن القط الناعمة.
「أوه... دافئ.」
وظهرت ابتسامة لا إرادية على وجهها. أما القط، فبدأ يتلوّى وكأن أحدًا يدغدغ قدميه. بدا وكأنه يتحمل بصعوبة، كأنه يقول، أ-أنا بخير، آنستي. لن تسمعي من شكاوة، لا عـ— أواااه؟! وفي الأثناء كان كاميجو حزينا على استبعاده من الحديث.
「إي! احمليه إذا أردتِ. شعره يتساقط، لكنني أظن أن احتضانه شعور جميل.」
「مم... طيب... هكذ... هكذا؟」
فعلت كما رأت إندكس تفعل، فاحتضنت القط بلطف، تضمّه إلى صدرها. لم يكن تصرّفها مختلفًا عن تصرّف إندكس المعتاد، ولكن...
بوينغ.
غاص رأس القط بين كاعب كازاكيري البهي.
استفاق كاميجو من مزاجه العكر على الفور، واحمرّ وجهه بشدة. أدار رأسه وعينيه بعيدًا تمامًا عن كازاكيري المكشوفة دفاعيا. وكان القط يتلوى وكأنه يقول، غوووه؟! آنستي... أشكركِ على اللطف، لكن... قد أختنق... آغغ!! قفز القط من يديها، عاد إلى الطاولة المستديرة، وهزّ نفسه.
ومع ذلك، لم تبدو الفتاتان وكأنهما أدركتا سبب رفض القط الشديد هكذا.
「مم... الحيوانات حواسها أقوى من البشر... ربما شمَّ الفرق بيني وبينكِ...」
「لا تحزني، هيوكا! إنما عليكِ أن تتعرفي عليه أكثر قليلاً... مهلاً، توما؟ لماذا تنظر بعيدا؟」
「لا سبب」
تبادل كاميجو والقط النظرات، وكلاهما كان يعرف الحقيقة، لكن القط ماءَ بتعب، وكأنه يقول له إن هناك بعض الأشياء في هذا العالم أفضل أن تظل مستورة.
شعر كاميجو بشيء من الوعي الذاتي بشكل غريب، وأراد تغيير الموضوع. لكنه شعر ببعض الانطباع الضعيف أن كازاكيري قد تكون تعاني من رهبة الرجال، لذلك قرر توجيه سؤاله إلى إندكس بدلاً عنها.
「إذن، لماذا جئتِ إلى هنا على أي حال؟」
「مم، صحيح. الغداء، ماذا عن الغداء؟! تركتني من دون غداء. كان من الممكن أن أموت من الجوع!」
「اليوم هو حفل دخول المدرسة، لذلك كنت سأكون في المنزل قبل الظهر!」
「ولكنك لم تقل شيئًا عن هذا! فكيف لي أن أعرف؟」
「اعرفي يا غبية! هذه من البديهيات، زين؟!」
「طيب طيب يا توما، اسمع هذا، أتعرف كيف أن أثناء إلقاء تعويذة داخل معبدٍ لتخلق به صنمًا وتملئه بالطلسمان هي من أساليب الصليب الإنجليزي؟ أوتعرف كيف أن الزمن والاتجاهات الأربعة مرتبطة بموقع الساحر؟! وهل تعرف عن دوائر السحر الدفاعية لحماية النفس من آثار التعويذة الرئيسية؛ وكيف يجب أن تضعها في موقع دقيق جدًا! وكيف أنه إن أخطأتَ ولو قُلَيلاً، فإن التعويذة الرئيسية ستَبتلعُ الدفاع ولن تعمل كما أُرِيدَ لها! هذه قاعدة ذهبية، فلا شك أنك تعرفها، لا؟! هيّا، ما هي إلا بديهيات!」
「يكفي... يكفي، فهمت...」
استمر سجالهما على بعضٍ هكذا، بينما كانت كازاكيري هيوكا تتوسط (أو تحاول) بينهما كل عشرين ثانية تقريبًا.
ليسوا الوحيدين الغاضبين. كانت المعلمة كوموي على حافة الانفجار.
أييييين آااانتَ~~، كاميجو-تشآااااااانننن؟! عجيبة جرأتك هذه وتنصلك عن حفل الدخول في أول يوم! هِه، هِه هِه هِه هِه، إيهيهيهي...
عندما أدركت أن كاميجو لم يكن في الصالة الرياضية، بدأت تتبسم ابتسامة مظلمة وشريرة لا يجب أن يراها أحد، وبدأت بحثها عنه.
همم. ربما مرض، أو أصيب، أو جاءته ظروف طارئة... كَمَجتي، أتمنى أنك بخير...
وعلى أنها غاضبة جدًا من الطالب المتغيب، لم تستطع أن تمنع نفسها من القلق قليلاً. فقد كانت معلمةً طيبة القلب.
لكن...
سمعت أصوات حديث قادمة من الكافيتيريا. يفترض أن يكون كل الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية في المدرسة في الصالة الرياضية في تلك اللحظة.
هل يمكن؟ تحركت المعلمة كوموي إلى هناك، وفعلاً، كان كاميجو.
مُحاطًا بفتاتين، ولا أقل.
كانوا في جدال مع بعض، ويبدون مستمتعين.
آه... آها...
ارتفع مؤشر غضبها تمامًا كما كانت قلقة.
أخذت نفسًا عميق، ملأت رئتيها بكل سعتها، وصبت كل ما لديها من طاقة في كلماتها التالية.
「ك-ك-كا-كاميجو تشان!! ما تحسب نفسك تفعل؟!!」
عند سماع صراخها، انكمش القط على الطاولة، وصرخ صرخة كاد يسقط فيها.
كَفَّوا الحديث، وتحولوا نحوها.
دخلت معلمة إلى الكافيتيريا. طولها 135 سم، وشكلها بدا شكل من في الثانية عشرة. كان وجهها أحمر بالكامل حتى أذنيها، أبسبب الغضب الشديد؟
「هـ-هه؟ كوموي-سينسي، ما الأمر؟ أليست ساعة حفل الدخول—」
「لا تتكلم، كاميجو-تشان! وسأقول لكَ أن معلمتكِ قلقت عليك جدًا لأنك لم تكن في الصالة الرياضية، فتركَتْ المكان وجاءت إلى هنا تبحث عنك! وها أنتَ، تحتفل بشعبيتك مع هاتين! إذا كنت تتغزل لكل بنتٍ تلتقيها بهذه الطريقة، فلسوف تصبح ضحية للجنس الآخر الفاسدين يومًا ما!」
「أق- لا، لم أكن أتغزل... كوموي-سينسي، أكان شجارنا يبدو لكِ هكذا؟」
「تبدوان هادئين جدًا على أنكما تتشاجران. هذا في الأساس ما يعنيه التغزل! أ-أول الأمر، لماذا تتجمع حولك الكثير من الفتيات أصلا؟! لا تقل أنكَ تُطلق مجال انتشار غريب لا إرادي AIM أو شيئا كهذا؟!」
「لـ-لـ-ليس لهذا علاقة! لماذا تذكرين ذلك الآن؟」
وهكذا، بدأ كاميجو وكوموي-سينسي شجاراً آخر وجهاً لوجه...
————بعد خمس دقائق، بدأت المحادثة تصبح غريبةً قليلاً.
「تسوشيميكادو ما جاء إلى المدرسة، وإنَّ راهبة دخلت المدرسة، وأنا أساسا مشغولة! آآهخ فلا تسألني أسئلة غريبة أكثر! لن أدعك وحدك وأنتَ... أنتَ... تعبث مع الفتيات!」
「ما دخل تسوشيميكادو وإندكس بي؟! وتَرى، كاميجو الطيب صعب المراس! حتى لو حصلْ وفعّلتُ بعض الأعلام كما في اللعبة، فلن تصير معي أحداث! وحدها المصائب ستصير!」
「ك-كاميجو-تشان؟! ما بك صعب المراس بالضبط؟! ها أنت، غارق في بحر الحياة المدرسية الصاخبة، ومع ذلك تقول إنك صعب المراس؟!」
————بعد عشر دقائق، أصبحت المحادثة غريبةً جدًا.
「ولمَ في كل مرة يا كاميجو-تشان تزيد قدرتك الذهنية فقط إن كنت حول الفتيات؟! تعلم كيف تستخدم حماسك هذا في الدراسة!」
「م-مهلا لحظة، كوموي-سينسي! أيمكن أنكِ تعتبرينني مجرد شخص قد يخاطر بحياته فقط ليتقرب من الفتيات؟؟!!」
「...ألا تدرك يا توما، مخاطرتك بحياتك هِيَ من قربتك من الفتيات...」
「تبا، حتى أنتِ، إندكس...؟!」
————بعد خمس عشرة دقيقة، طارت المحادثة كلياً إلى مكان مختلف.
「ع-على أي حال، تعالَ معي، كاميجو-تشان! سأعطيك محاضرة لن تنساها ما حييت!!」
「توما، بدل أن تسمع محاضرة، أظن أنه عليك أن تعترف لي」
「آهخ، اللعنة! ما نمتُ ولا دقيقة ولدي صداع رهيب، فارجوكم لا تصرخوا في أذني! يا كازاكيري، قولي شيء! أنتِ الوحيدة الطيبة هنا—ها؟ مهلا، ماذا؟」
نظر كاميجو بدهشة. نظرت إندكس وكوموي-سينسي أيضًا.
كانت كازاكيري هيوكا جالسة على طاولتهم، لكن في لحظة ما، اختفت. الشيء الوحيد المتبقي هو الكرسي القابل للطي الفارغ حيث قد جلست.
「...أه، هل سئمت؟」 قالها بصوت عالٍ، ولكن بالطبع لم يكن هناك أي رد.
- الجزء 8
بعد أن طُردت من ساحة المدرسة، استندت إندكس إلى السياج الحديدي قرب بوابة المدرسة. ولقد قررت أن تنتظر كاميجو. والقط في ذراعيها بدا عليه النعس.
「...مم... أردت أن أقول، ذلك... يعني. صدمني نوعا ما،...」
استدارت عند سماع الصوت الخافت لترى كازاكيري هيوكا، التي كانوا يظنون أنها غادرت لأنها سئمت منهم.
「تلك أمورا تحدث دائمًا. هيوكا، كان عليك أن تقولي شيئًا أيضًا!」
「حقًا...؟ لكن تلك المعلمة بدت غضبانة...」
「كوموي لم تكن غاضبة. ولماذا أزعجكِ هذا يا هيوكا؟」
「إيه... يعني... بدت وكأن... عليها الحزن بعض الشيء...」
صمتت إندِكس برهة. ثم قالت، 「...توما كان غاضبًا」
「؟」
「نحن نتشاجر طوال الوقت مع بعض، لكن هذه المرة كان مختلفًا. لم يستمع إلى أي شيء قلته، وكان غاضبًا طوال الوقت، ولم يبتسم أبدًا...」
أظهرت إندكس عبوسًا من كلماتها.
بدت نشيطة جدًا أثناء مشاجرتها إياه، ولكنها تشعر بالحزن من الداخل.
「هل يا ترى، توما يكرهني الآن...」
انخفض نظرها.
أو ربما...
ترددت في هذا الخط من التفكير.
أم ربما كان يكرهني من البداية، وإنما اكتشفتُ ذلك الآن.
عضت شفتها.
بدأ القط في ذراعيها يموء احتجاجًا بينما هي تشد قبضتها بشكل غير واع.
ابتسمت كازاكيري لها قليلاً. 「...ليس... ليس بصحيح. الصحبة المقربة... تكون وِدّاً وقربةً بما يكفي ليتشاجروا مع بعض」
「لماذا؟ الناس يتأذون في الشجار. ويؤلمك إن قال أحدهم شيئًا يؤذيك. لا أود أن أفعل ذلك مع أحدٍ أعتبره صديقا لي」
「والأصدقاء الأقرب إن يتشاجروا...」 بدأت كازاكيري بصوت خافت. 「أعني، إن يتشاجروا... فهذا يعني أنه يمكنهم المصالحة من بعدها. لذا صداقتهم لا تنتهي. ذلك الشخص... هو يعرف أنه حتى عندما تُشاجرينه، فلن تتوقف صداقتكما... لذا أظن أن هذا هو السبب في أنه يُمكِنُه أن يتشاجر معك」
「أترين؟」
「نعم... أم تفضلين ألا تتشاجري على الإطلاق؟ إن لم تريدي الشجار... فسيكون عليكِ أن تكتمي كل شيء تريدين فعله في نفسك، وتتبسمين حتى وأنتِ كارهة... وإذا تشاجرتِ على أي حال، فلن تُصالحي من بعد ذلك... وسوف تبتعدين عن ذلك الصديق وتجدين غيره. هل تفضلين أن تكوني في موقف هشٍّ كهذا...؟」
عبست إندكس وكفهرت. [2]
ابتسمت كازاكيري لها ابتسامة صغيرة.
「لا، لا أتمنى ذلك. أريد أن أكون مع توما إلى الأبد」 تقول إندكس.
「نعم... أرى أنكما ستكونان بخير... لأنكِ تشعرين هكذا... على الأقل، هو كان ليغضب عنكِ... لذا ستكونين بخير،」 ردت كازاكيري هيوكا.
لكنها همست تقول: 「(...........لكنه تحدث وكأن شيئًا لم يكن، رغم أنه رآنا عراة.....)」
أخيرًا، تحرر كاميجو من قبضة محاضرة المعلمة كوموي.
لم يكن هناك أي طلاب في الممرات أو الفصول الدراسية. لقد انتهت كل من مراسم الافتتاح والفترة الدراسية، وكان الجميع ذاهب إلى بيته الآن. الأصوات الوحيدة التي كان يسمعها كانت مِمّن في الأندية بعد المدرسة. ربما هذا هو السبب في أن الكافيتريا لا تزال مفتوحة.
لم يرَ تسوشيميكادو. ربما فاته شَخصُه، أو ربما غاب اليوم فعلا.
...ب-بعخخ...
ركع كخضار ذابل تحت وطأة إرهاقه ونقص نومه.
كانت ساعة الرواح (بعد منتصف الظهيرة وقبل العصر). واستذكر كيف أنه جائعٌ وهو يترنح إلى صفه المهجور، يلتقط حقيبته ويتجه إلى المدخل. استبدل نعليه بحذائه وخرج من المبنى. عبر الساحة تجول بجانب نادي كرة القدم الذي ما يزال في وسط تمارينه ليكتشف أن إندكس وكازاكيري هيوكا تنتظرانه عند البوابة.
「هَييي!」 صات بهما وهو يهرول خارجًا.
「أوه، عادَ توما...」
「ها؟ لِمَ الكئابة؟」
「ما؟ لا لا، لا شيء」
「همم؟ أيا يكن. هل نذهب ونأكل شيئًا؟ عند محلٍّ رخيص طبعا」
تشوش وجه إندكس وأجابت: 「توما، ألن نأكل في البيت اليوم؟」
「ما لي طاقة للطبخ. وكنا لنذهب ونفعل شيئا بعد المدرسة على أي حال.」
「...」
「ماذا؟ أخبرتكِ هالصباح، نسيتِ؟」
「أ-أذكر... ولكن...」 احمرّ وجه إندكس قليلاً وشدت قبضتها على القط الذي بدأ يتململ ويموء من الإزعاج.
ضحكت كازاكيري بجانبها.
「أوه، هلّا تأتين معنا أيضًا، هيوكا؟」
「هه...؟ ممكن؟」
「لا سبب يمنع! توما، أنت موافق، صح؟」
「صحيح،」 أجاب دون تردد. بدت كازاكيري متفاجئة قليلًا.
「مم... ش-شكرًا...」 ردت بصوت منخفض لإندكس.
「همم. إذا كنا في الخارج طوال اليوم، سنحتاج إلى بعض المال. سأعود فورًا. سأذهب وأسحب بعض النقود من المتجر، لذا انتظراني هنا.」
بهذا، توجه إلى متجر البقالة قرب المدرسة واستخدم الصرّافة جنب المدخل.
كل طالبٍ في مدينة الأكاديمية كان مشمولا في نظام المنح الدراسية. وفي كل شهر يتلقون المال، كالراتب نوعًا ما.
قد ترى هذا النظام مريحًا جدًا، لكن يمكن أيضًا أن يُنظر إليه على أنه رسوم العقد مقابل الموافقة على أن تكون خاضعًا للتجارب البشرية لتطوير القدرات. كلما كانت مدرستك أفضل ومستواك أعلى، كانت منحتك أكبر—مما يعني أنك كنت أكثر أهمية لأبحاثهم.
كاميجو لم يحصل على الكثير من المال، لأنه كان صفري المستوى وكان يدرس في مدرسة عادية.
...يعني، ليس وأنهم يعاملوننا كفئران تجارب أو أي شيء.
أدخل المال في محفظته وخرج من المتجر.
ثم نادى عليه صوت فجأة من الجانب.
「هَي هَي، أنت يا ولد! تراه خطير ما تفعل」
استدار نحو الصوت الأنثوي ورأى امرأة جميلة نوعًا ما ترتدي قميصًا أخضر تقف هناك. كان شعرها الطويل مربوطا إلى الوراء، لكن انطباعها الفوضوي قليلاً زاد من جاذبيتها. ومع ذلك، وبالاستناد إلى الشارة على كتفها، كانت عضوًا في الأنتي-سكِل.
ضابطات الأنتي-سكل نادرات، كما فكر الولد. السبب بسيط—رغم قوانين الأجر المكافئ في اليابان، كانت نسبة الجنس في قوات الدفاع تميل وبشكل صارخ لصالح الذكور.
نظرت إليه وقالت بتعب: 「لا تلوح وتستعرض بمحفظتك جنب الصرافة هكذا. وكأنك تطلب من الناس أن يسرقوها!」
「ها؟ ء-اعتذر」
لم يعرف ما يفعل سوى الاعتذار، لكن ذلك بدا كافياً لإرضاء المرأة ذات القميص الرياضي.
「نعم، نعم! كن أكثر حذرًا في المرة القادمة، يا ولد」
مبتسمة، تركت كاميجو وذهبت إلى مكان آخر.
فحكَّ رأسه لذلك.
قد نالَ ضباط الأنتي-سكيل المحترفون من التدريب نصيبا حتى صار لهم فيه باعٌ طويل، لكن أصلهم وعملهم كان في التدريس. وكان من شريعة الدولة أن تمنع موظيفها من مزاولة الأعمال الجانبية، إلا أن تلك لم تكن تنطبق هنا. ليس وأنها كانت استنثاءً محددًا. بل لأنها لم تكن تتلقى أجرا مقابلها. كانت خدمتهم، في حقيقتها، أشبه بما يفعله رجال الحي إذا انتُدِبوا حُراسًا لليل، ليس لأجرٍ بل طوعًا وإخلاص. وما كان يُمنح لهم لقاء هذا الخطر إلا سُلطةً خاصة، ينالون بها صفة العضوية في "الأنتي-سْكِل". ولكن كاميجو قد سمع أن هذا العمل لا يزال عليه إقبال وتهافت، لما فيه من نفع لمهنتهم الأصلية، فإنّ الأنظمة التعليمية تُسهل وتُيَسّر على من قال "أنا من الأنتي-سْكِل".
لكن لماذا كانت تتسكع هنا؟ هل هي فعلاً مُعلّمة في مدرستنا؟... آغغ، كنت أحادثها وكأننا التقينا للتو! حسن، على الأقل هي ردت علي بالمِثل...
ثم جذب أحدٌ قميصه، قاطعًا قطاره الفكري. من؟ استدار ليجد هيميغامي آيسا.
「ها؟ ما تفعلين، هيميغامي؟ لم تذهبي إلى المنزل بعد؟」
「...اليوم انتقلت إلى مدرستك. ومع ذلك، تبدو غير مكترث」
「آه...」
الآن بعد أن ذكرتْ... ما تزال أحداث اليوم غير واضحة بالنسبة له بسبب دخول إندكس. الحدث الكبير لهذا اليوم كان يوم هيميغامي الأول في مدرستها الجديدة، أليس كذلك؟
「أفهم. أنا حقًا. فتاةٌ سهلة النسيان」
「لا، يعني... لا تحزني بسرعة! إنما الأمر أن الشمس لا تسطع في وجودك ولا تُبيّنك، أو شيء كهذا...」
فضرب الجرس بصوتٍ يكاد يكون مسموعًا بينما صارت هيميغامي أكثر اكتئابًا. لكنها في النهاية رفعت رأسها.
「الأهم من ذلك」
الأهم...؟ آهخ، حتى إنها لا تفهم المحادثات...،
「سمعتُ مؤخرًا قولاً. تلك الفتاة ذات النظارات. أكان اسمها كازاكيري هيوكا؟」
「ها؟」 حول كاميجو نظرته.
كانت إندكس وكازاكيري تقفان على قرابة، لم يستطع سماعهما من هنا، لكنهما بدتا تستمتعان بالحديث.
نظر مرة أخرى إلى هيميغامي وأجاب، 「أوه، نعم، صحيح. كازاكيري هيوكا. انتظري، هل هي صديقتك؟」
「...」 بعد سماع كلماته، نظرت إلى كازاكيري عن بُعد.
لم تكن نظرة ودٍّ بصراحة. بل أشبه بنظرة مراقبة حادة أو مثل هذا.
「هيه، ما بكِ؟」
「أتأكد. اسمها. هل هو فعلاً كازاكيري هيوكا؟」
「حسنًا... أعني، هي وإندِكس تقولان ذلك. ليس وأنها أظهرت لنا هويتها أو أي شيء، هل من داعٍ؟」
「كازاكيري... هيوكا.」 أعادت الاسم لنفسها مرة أخرى. 「هل تعرف؟ اسم مدرستي. تلك التي كنت أرتادها」
「بصراحة... لا.」
「أكاديمية كيريغاوكا للبنات. هي مدرسة نخبويّة مثل توكي-واداي. إذا نتحدث فقط عن تطوير القدرات. فإنّ توكيواداي تختص بمساعدة الأسابر ذوي القدرات العادية. وتطوير مهارات أكاديمية ممتازة. أما كيريغاوكا فهي تتعامل مع الأشخاص الأكثر غرابة. ذوي القدرات غير التقليدية. أصحاب القدرات التي يصعب تكرارها」
「هممم,」 تمتم كاميجو ليُعلمها أنه ما زال يستمع.
الآن بعد أن ذكرتْ ذلك، كانت قوتها ديب بلود لا تبدو مفيدة جدًا لأي أغراض علمية. إذا نظر إلى الأمور من هذا المنظور، فلن يتفاجأ إذا اعتبروا يده اليمنى كنزًا. بالطبع، لم يكن لديه أدنى نية للالتحاق بمدرسة للبنات.
「ولقد رأيتُ اِسْمَ كازاكيري هيوكا. في كيريغاوكا」 أكدت، مع التركيز على كلمة اسم.
「تمهلي، تقولين، أنكما انتقلتما معًا؟」
「...」 لسبب ما، لم تجب. كانت تتصرف بغرابة قليلاً.
「بما أنها درست في كيريغاوكا، فهذا يعني أن لديها مهارة غير عادية مثل مهارتك، صح؟」 سأل، دون أن يبدو متفاجئًا. كان يعرف متحكمةً من الدرجة الأولى للكهرباء، وكان هو نفسه يملك قدرة فريدة.
لكن…
「لا أعرف」
「ها؟」
「لا أحد يعرف. قدرة كازاكيري هيوكا」 توقفت برهة. 「لكن اسمها. يظهر دائمًا في قوائم درجات الاختبارات في الأعلى」
「هممم. إذن هي ذكية؟」
「لا. لا علاقة لذكائها. كيريغاوكا تعطي تصنيفات بناءً على ندرة القدرات. وهذا فقط. بمعنى أن قوتها هي الأكثر غرابة. سواء كانت مفيدة أم لا. فذلك موضوع آخر. ولكن...」
توقفت مرة أخرى هنا ثم أردفت.
「لكن لا أحد يعرف. في أي صف أو سنة هي. في الأساس. كلُّ من في كيريغاوكا تعرف الاسم كازاكيري هيوكا. لكن لا أحد. قد رآها فعلاً. ومع ذلك، تظهر في قمة تصنيفات الاختبارات.」
「...هذا غريب نوعًا ما」
「نعم. نحن لا نعرف شيئًا. سألت مرة معلمةً في كيريغاوكا عنها. وأخبرتني بسر. أن كازاكيري هيوكا تُسمى "الهوية مجهولة".」
ولم تكتفي بهذا القول.
「لكن. هذا ليس الجزء الأكثر أهمية. الشيء الأهم الذي أخبرتني به المعلمة. لم يكن عن تلك "الهوية المجهولة". بل شيئًا آخر」
وتابعت حديثها.
「قالت لي. إن كازاكيري هيوكا. هي المفتاح لاكتشاف هوية منطقة الأعداد الخيالية—جمعية العناصر الخمسة」
عبس كاميجو.
كانت منطقة الأعداد الخيالية تعرف أيضًا بجمعية العناصر الخمسة. وأنّ البعض أطلق عليها اسم المنطقة المدرسية التخيلية. قيل إنها أول مؤسسة بحثية في مدينة الأكاديمية، وأنها تحتوي على أنواع مختلفة من التكنولوجيا العلمية التي لا يمكن للعلم الحديث إنتاجها. وإن صحت عنها الإشاعات، فإن المدينة بأكملها كانت تُدار من داخلها. وهي النقطة المظلمة لهذه المدينة.
كانت منشأة غامضة لا شك بوجودها، ومع ذلك لا يعرف أحد مكانها.
بدأ هذا يبدو كحديث فتاة معينة.
「مما قالته المعلمة. كان لدى كازاكيري هيوكا صفٌ خاص بها. على أنه كان أشبه بمختبر. لكي يبحثوا عن ذلك. الناس لا يخلقون مختبرًا لفردٍ واحد ببساطة. لكنها لم تكن فعلاً من أجل "الهوية المجهولة". كانت من أجل كشف الحقيقة وراء جمعية العناصر الخمسة.」 بدت هي أيضًا غارقة في تفكيرها. 「لكن. قالت المعلمة إنها لم ترَ كازاكيري هيوكا أيضًا. على وجود مختبرٍ لها. وعلى أنها ظهرت في نتائج الاختبارات. عدد قليل جدًا من المعلمين يعرفون هويتها.」
「لكن... لكن هذا...」
「نعم. لا أعرف كم من هذا صحيح. ولهذا. قلت أن أحذرك منها. فالزم الحذر」
ثم، وكأنها تقول أن عملها هنا قد انتهى، استدارت وغادرت.
「انتظري لحظة. سنذهب ونتمشى معا. فهلّا تصاحبين؟」
「—」
استدارت مجددًا. كانت ملامح وجهها غير مبالية، لكنها حملت القليل من الدهشة.
「...كوموي.... يا الغبية...」
「ها؟」
「لا شيء. لدي عمل. لذا لن أصاحبكم」 شرحت بهدوء، ثم أدارَت ظهرها لكاميجو مرة أخرى. نظر إليها للحظات، ولاحظ أنها بدت مغمومة، لكن فجأة تذكرت شيئًا وعادت لتواجهه.
「بالمناسبة. كازاكيري هيوكا. كيف دخلت المدرسة؟」
「ها؟ إذا كنتُ أتذكر... إندكس قالت إنها طالبة منتقلة」
「فهمت،」 أجابت باختصار. 「لكن. حسبما أتذكر. أنا الوحيدة التي انتقلت」
لم يعرف كاميجو ما يقول. قالت له هيميغامي مرة أخرى أن يلزم الحذر، ثم غادرت أخيرًا هذه المرة. نظر بعيدًا عنها وعاد إلى الفتاتين بجانب بوابة المدرسة.
كانت كازاكيري هيوكا تقف بجانب إندِكس، مبتسمة معها. لم تبدو أي شيء سوى فتاةٍ عادية.
بدت وكأن لا علاقة لها بأي من تلك الأشياء الغريبة المتعلقة بمنطقة المدرسة التخيلية.
يا ليل، لا أفهم. هل هي مجرد شائعات؟ أم أنها حقيقة؟
حك رأسه ثم سار نحوهما.
ابتسمت إندكس وكازاكيري له مُرحّبَين.
وماءَ القط.
لا غرابة في هذا.
على الأقل، ليس في هذه اللحظة.
- ما بين السطور 1
كان الطريق أمام المحطة مليئًا بحشود من طلاب الثانوية.
فجميع المدارس هذا اليوم تقيم احتفالات الدخول، لذا أُطلِق الطلاب إلى المدينة في فترة ما بعد الظهر دفعةً. وكان الناس يتجمعون خاصةً حول زاوية من محطة القطار حيث المتاجر الكبرى.
تقدمت شيراي كُروكو عبر الزحمة.
كانت أقصر من طالبة متوسطة عادية، وكان شعرها البني في تصفيفة قرنين طويلين. وأن وصفناها بالظريفة لكان أقرب من جميلة. كانت ترتدي زي المدرسة الصيفي الكامل من مدرسة توكيواداي، وزيادةً كانت تلبس شارةً على ذراعها الأيمن.
على الشارة كان مكتوب فرقة الأمن — جَدجِمِنت.
كان الجدجمنت اسم قوة حفظ السلام المناهضة للأسابر – أو بالأحرى النسخة المحلية من الشرطة لمكافحة الشغب. بالمقارنة مع الأنتي-سكيل، وهم يتكوّنون من أعضاء هيئة التدريس في المدارس يحملون أسلحة الجيل التالي، كانت فرقة الأمن، أي الجدجمنت، تتألف بالكامل من الأسابر الطلاب.
كان السبب في وجود منظمتين منفصلتين لحفظ السلام هو حتى يتمكن كل منهما من مراقبة شؤون الآخر الداخلية لمنع الفساد. ورغم التمييز بينهما، إلا أنهم مجرد طلاب ومعلمين. لم يكن من الممكن استبعاد احتمال ظهور مارق بينهم فيستخدم سُلطته فسادا.
...يا ربي. يا ليتهم قسّموا المنشآت الترفيهية في هذه المدينة أحسن من هذا. أتساءل يا ترى إذا كان المطورون يفتقرون إلى خبراء في حركة المرور وعلم النفس البيئي؟ كما تمتمت شيراي—أحد الطلاب—متجاهلةً تمامًا أموراً كقيم الممتلكات وطرق جذب المستهلكين.
كغيرها من الناس، كانت تكره الحشود. ولكن الأسباب أجبرتها على تحمل حرارة الصيف الحارقة والأجواء المزدحمة والعرقية لتأتي إلى هذه المحطة.
ها هي...
رأت شيراي شخصية على بعد عشرة أمتار وقارنتها بالصورة الموجودة على شاشة هاتفها. بدت المرأة أجنبية. لم تلاحظ وجود شيراي. كانت تسير بثقة وسط الزحام، وكأنها لا تهتم بأنها متسللة.
في صباح هذا اليوم، كان قد دخل اثنان عبر جدران مدينة الأكاديمية في نفس الوقت تقريبًا، قبل السابعة.
أحدهما كان تحت سلطة الأنتي سكيل، وليس الجدجمنت، لذا لم تكن شيراي تعرف التفاصيل. ومع ذلك، مما سمعته، كان ذلك طالبًا مسجلًا في قواعد بيانات المدينة—أجاسوسًا كان؟
وأما المشتبه الآخر فكانت تطارده شيراي.
عرضت شاشة هاتفها صورة مكبرة من كاميرا مراقبة. كانت المرأة الشقراء قد هاجمت بوابات المدينة مباشرةً. وبعد أن تسببت في إصابة خمسة عشر شخصًا، بينهم ثلاثة بجروح خطيرة، تمكنت من التسلل عبر الأمن ودخول المدينة.
وإنَّ مستوى الأمان لمكافحة الإرهاب "الرمز الأحمر" كان مُفعلًا حاليًا. أُغلِقت المداخل والمخارج كلها، وأُعفِيَ الجدجمنت من الحصص الدراسية وأُمروا بالبحث عن الدخيل.
لذلك، تغيبت شيراي كُروكو عن مراسم الدخول في مدرستها وبدأت تتجول في المدينة لمدة، ولكن...
في الوضع العادي، كنت لأطلب الدعم، وأجعل المدنيين يبتعدون، وأتأكد أكثر من مرة من أنها هي المتسللة... لكن إذا تأخرت، قد أفقد فرصتي، لا؟ كما همست لنفسها وهي تقطع الحشد، ولا تزال تحدق في هدفها أمامها.
على أن قوات الأمن في المدينة كانت مقسمة إلى قسمين، إلا أن الأنتي سكيل كانت عادةً هي التي تكون في الصفوف الأمامية، وليس الجدجمنت — فالأخيرة تتكون من طلاب. وكانت الأوامر لشيراي هي إيجاد المجرمة فقط — أما الباقي فهو من اختصاص الأنتي-سكيل. لكن للأسف...
ولكني لن أترك هذا في يد الأنتي سكيل. فلقد أُصيب منهم عند البوابات. إذن سأطلب من جميع الأفراد عديمي القدرات أن يخرجوا.
كان هذا قرار واثقةٍ إسبرة من المستوى الرابع. أما المعلمون الذين أحاطوا أنفسهم بأسلحة ودروع من الجيل التالي، فهم هشاشةٌ ركاكة من وجهة نظرها.
لم تُرد أن تعطي الأنتي-سكيل مهمة قد لا يتحملونها. ولأصابتها الكوابيس لو أُصيب ضابطٌ سلّمت له العصا. ولسوف تشعر براحة أكبر إذا كانت هي من دخلت القتال.
مدت يدها إلى جيب تنورتها وأخرجت ما بدا وكأنه مسدس صغير. ومع ذلك، كان فوهته تزيد عن ثلاثة سنتيمترات. كان جهازًا لإطلاق الإشارات الفسفورية.
لا أود أن أضطر فأكتب تقريراً بعد إطلاقي لهذا، ولكن...!
وجّهت شيراي الفوهة إلى السماء وضغطت على الزناد فورًا.
طوب! مع صوت طفيف فكاهي، طارت أسطوانة معدنية بحجم أنبوبة أحمر الشفاه حوالي سبعة أمتار في الهواء.
بعد ذلك، سُمِعَ دَوِيُّ انفجارٍ وسط ضوء ساطع مذهل بينما تتفرق محتويات الأسطوانة في كل مكان. رفع الجميع أيديهم لحماية وجوههم من السطوع المفاجئ والقوي.
لحظة بعد ذلك، تحرك الجميع بسرعة. هرع الجميع إلى المباني المجاورة، صارخين مرعوبين. كما توقف طلاب الجامعات والمعلمون الذين كانوا يقودون سياراتهم في الحال، وركضوا أيضًا إلى داخل المباني.
كلُّ من في هذه المدينة يعرف ما عناه هذا.
كان أمر الإخلاء الذي تستخدمه قوات الأمن. يعني أن معركةً تكاد تبدأ، وكان يدعو المتفرجين إلى إيجاد مأوى حيث لن تصلهم الطلقات الطائشة.
لم يستغرق الأمر حتى ثلاثين ثانية حتى فرغ الشارع المزدحم أمام المحطة تمامًا.
الآن، تبقت فقط شيراي كُروكو والهدف المشار إليه.
لم تفر المرأة ولم تصرخ كبقية الناس؛ إنما وقفت، مسترخية، في وسط انفجار الضوء.
بينهما أكثر من عشرة أمتار.
أخذت شيراي تنظر إلى المرأة.
كانت غريبة المنظر. ومن المنطقي أن نطلق عليها غوثيك لوليتا — كانت ترتدي فستانًا أسود طويلًا مزخرفًا بالدانتيل الأبيض والشريط في أطرافه. لا شيء قد ترتديه فتاة شقراء ذات عيون زرقاء يمكن أن يبدو سيئًا.
عدا شعرها الأشقر الطويل، كانت بشرتها تبدو متشققة وهشة.
كانت في أواخر العشرينيات، وخصلات شعرها تبرز وكأنها حيوان بري. لا بد أنها لم تعتني به كما ينبغي. بشرتها بُنّية، لكن ليست بالدرجة التي تتماشى مع ضوء الشمس. فستانها أيضًا بدا قديمًا ومهدمًا، وكان قماشه تالفًا والدانتيل الأبيض بدأ يتلاشى إلى لون باهت. كانت جميلةً لا ريب، لكنها في الوقت نفسه تبدو مجنونة نوعا ما. النظر إليها كان سيكسر الوهم الذي يروج عن اللوليتا الغوثية بأنها "أنيقة ومرتبة".
「من فضلك، لأفضل لكلينا إن بقيتِ حيث أنتِ. أنا شيراي كُروكو، وأنا من فرقة أمن هذه المدينة. لا أرى حاجة لأشرح سبب اعتقالي لكِ، هــــۤـــه؟」
لم تُظهر المرأة ذات الشعر الأشقر البرّي تفاعلا كبيراً على صوتها.
أجزعت، أم تبلدت مشاعرها؟ أدرات عنقها قليلاً وألقت نظرة حولها. بدت أكثر اهتمامًا بالذين اختفوا جميعًا عوض شيراي.
بعد خمس ثوانٍ، نظرت المرأة أخيرًا إليها.
「تعليق البحث」 ثم صمتت قليلاً. 「...تُصَعِّبينها، أنتِ؟」 قالت بتعبير واضح من ازدراء. ثم، دون انتظار رد، أدخلت يدها في إحدى الأكمام الممزقة لفستانها المهدم أسرع من أن تحرك شيراي حاجبها، وكادت أن تخرج—
—فإذْ بشيراي كروكو لحظتِها تظهر من العدم أمامها.
قبل لحظة كانت بينهما عشرة أمتار فقط. وفي أقل من طرفة عين، قلصت شيراي المسافة إلى صفر.
أخذ تعبير المرأة المسترخى يتغير إلى لمحة من الشك.
لكن شيراي لم تنوي الشرح. لم تحتاج المرأة إلى دروس عن كيف استخدمت شيراي قدرتها في الانتقال الفوري عبر الفضاء.
مدت الأخيرة يدها وأمسكت معصم المرأة المغطى بالدانتيل.
في اللحظة التالية، وجدت المرأة نفسها على الأرض مستلقية. لم تشعر بألم أو صدمة، ولم تتذكر حتى متى سقطت. قد استخدمت شيراي تنقلها الفوري لتُنقلها إلى الأرض عندما لمستها. ولكن في نظر للمرأة، التي كانت تجهل تلك القدرات، ربما بدا لها أن تلك تقنية قتال لم ترها من قبل.
بغضب، حاولت التملص ورفع نفسها عن الأرض، ولكن...
「قلت لكِ...」
كشنك-كشنك-كشنك!! كصوت ماكينة الخياطة جاء يقطع الهواء.
ما كان؟ نظرت المرأة أسفلها، فرأت سهمان من المعدن يخترقان الأجزاء الفضفاضة من أكمام فستانها وتنورته، مثبتين إياها على الأسفلت.
「...ألا تفهمين اليابانية؟」 قالت شيراي كروكو بهدوء.
كان هذا أيضًا هجومًا انتقالاً آنيا. لقد نقلت السهام المخفية في تنورتها إلى نقاط محددة على الفور. كانت القوة والسرعة كبندقية رشاش. لن يكون بممكن اعتراضها بأي شيء، لأن السهام تتحول فوريًا من مكان إلى آخر. لم يكن هناك أي فرصة للأضرار الجانبية. كان هجومًا لا يصدق حقًا.
ومع ذلك...
حتى في مواجهة ذلك، لم يتغير تعبير المرأة على وجهها البني.
إلا...
...من زوايا فمها. كان وجهها مثل قناع من الحديد، لكن شفتاها بدأتا تتمدان عبره، رفيعتين، طويلتين، وبصمت، إلى ابتسامة.
「ما...」
من جانبها، تجهمت شيراي كروكو متفاجئة...
...ففجأة، انفجرت الأرض من خلفها بعنف.
「...ذا... كان...؟!」
فوجئت، لكن لا وقت لديها لتلتف وتنظر. طار جسدها في الهواء، أُلقِيَ من الانتفاخ في الأسفلت. وما إن ارتطم ظهرها على الأرض الباردة الصلبة، نظرت أخيرًا إلى الوراء.
كانت ذراعًا عملاقًا.
انبثقت ذراعٌ طولها متران من الإسفلت مثل حَيّة بحرٍ تخرج رأسها فوق الماء. وعلى شكل ذراع إنسان، لكنها مصنوعة من الإسفلت والدَرّاجات والدرابزينات — من كل الأشياء المحيطة — التي عُجِنت كالطين معًا. كانت تشبه إلى حد ما الأذرع المعدنية التي تُركب على الآلات الثقيلة الخاصة بهدم المباني.
حاولت شيراي بسرعة الابتعاد، لكن كاحلها علق في شيء.
الطريق حول المكان الذي برزت منه الذراع قد انتفخت، والألواح المكسورة من الإسفلت تعود معًا كما لو كانت قطع أحجية غير متناسقة. وهناك كان كاحلها عالقًا بينهما.
...آغغ... ما هي إلا دخيلة... فكيف لها أن تكون... إسبرة...؟
زاد الضغط ببطء حول كاحلها، فشوّه وجهها أكثر فأكثر من الألم.
نظرت وراءها إلى المرأة ورأت يدها المثبتة تحمل شيئًا يشبه الطباشير الأبيض. كانت تستخدمه لرسم رموز على الإسفلت.
لم تكن هذه الرموز رموزاً علمية رأتها من قبل. في الواقع، بدت وكأنها حروف غرائبية غامضة.
أربما أنها تتحكم في قدرتها باستخدام نوع من التنويم الذاتي، مثل الذاكرة المضغوطة في الهاتف المحمول؟ كما فكرت شيراي، وهي جاهلةٌ بالسحر وفسرت الأمر حسب علمها.
هذه... بحقٍ ورطة. عليّ أن... أستعيد توازني...!
بذلت جهدًا شجاعًا لتهدئة نفسها، لكنها لاحظت شيئًا.
كانت الذراع العملاقة بارزةً من الأرض، مسببةً انتفاخ المناطق المحيطة للأعلى. كان كاحلها عالقًا بين قطع الطريق الناتجة عن ذلك الانتفاخ، لكن التورم نفسه بدا نوعا ما... دائريًا. كأنه وجه بشري تقريبًا.
وكأن قدمها كانت تُعَضّ من قبل أسنان الإسفلت؟
أوه... لا...
كانت شيراي متنقلة آنية. وهي قدرة تسمح لها بالعبور بحرية عبر الفضاء الفارغ، غير مقيدة بالقيود الثلاثية الأبعاد.
لكن في هذا نقطة ضعف. لم تستطع أن تتنقل بحرية كما تشاء. كانت القدرة تتجاوز الثلاثة أبعاد — حيث كانت تتطلب منها اشتقاق إحداثياتها الفضائية الحالية وتحويلها إلى إحدى عشرة بُعدًا، ثم تحسب متجه حركتها من هناك. فإنّ الأوامر التي تحتاج إلى إعطائها كانت على مستوى مختلف تمامًا عن الأسابر العاديين، الذين يمكنهم فقط "التفكير" في عبارات مثل "أنشئ النار" أو "اصنع البرق".
لهذا السبب، إذا سرق شيءٌ ما [قدراتها الحسابية] التي تمتلكها عادةً — شيء مثل الألم أو التعب أو الارتباك — فإنها لن تتمكن من استخدامها بعد الآن.
كرررررررك. أغلقت شظايا الطريق بضعة مليمترات فقط، لكن على ذلك، كاحلها ارتجف من الألم.
آه...غ...آه...؟!
كانت تستطيع الهروب فورًا إذا استخدمت تنقلها الآني، لكن خوفها تجاوز التفكير العقلاني.
رأت المرأة على الأرض مبتسمة لنفسها وهي تحرك الطباشير بحركات معصمها. وكأن الذراع كانت تتحكم بها، بدأ المرفق ينحني تدريجيًا وتغيّر اتجاهه ببطء... وكأنها على وشك سحق حشرة تزحف على الأرض.
فهمتْ شيراي كل ذلك، لكنها ما تزال عاجزة عن التحرك.
كانت حساباتها في فوضى من الألم وخوف الموت. في يديها طريق للهروب، ومع ذلك لم تستطع استخدامها.
وكأنها فقدت مفتاح باب ملجأ نووي.
لوحت المرأة الطباشير في الهواء على شكل قوس، وشدّت [الذراع] قبضتها. وفي الوقت نفسه، كان الإسفلت يغرز في كاحليها أقوى فأقوى. أغمضت شيراي عينيها من شدة الألم الرهيب.
بكك-كك-غكك-بكك!
ثم سمعت صوتًا غريبًا عاليًا ينطلق من مكان ما في عماها الذي فرضته على نفسها.
أوكان ذلك صوت تحطم عظام كاحلها؟ لا، ليس ذلك.
أوكان صوت هبوط الذراع العملاقة المصنوعة من قطع الخردة عليها؟ لا، ولا ذلك.
بل كان الصوت صوت قطْعِ الذراع.
ما...؟ هِه...؟
فتحت عينيها، متفاجئة من الضربة المفاجئة.
قُطعت [الذراع] بشكل نظيف عند المعصم. وقبل أن تتمكن من النظر إليها عن كثب، جُزّت [الأسنان] التي كانت تقضم كاحلها في مكانها. فجأة، تحررت من قيودها وسقطت إلى الوراء. وما إن قطعت اليد، عادت جميع المواد التي تشكلها إلى حالتها الطبيعية وطرحت في كل الاتجاهات.
بزززززززز...! صوت غريب أعلى مئات المرات من صوت طنين النحل هاجم أذنيها.
عندما نظرت، رأت شيئًا يطفو في الهواء. يشبه السوط الأسود أو كالسيف الطويل يمتدّ لعدة أمتار. هذا هو المصدر الذي كان يأتي منه الصوت. وعند التفحص، اكتشفت أنه كان رملًا حديديًا. كانت كتلة ضخمة من الحديد يتم التحكم فيها بواسطة أحدٍ ما، ربما باستخدام المغناطيسية، وكانت تهتز.
بعبارة أخرى، كان منشارًا حركته تفوق الصوت سرعةً.
بشش-طخ!! ثم بصوتٍ يخترق الأذنين جيء عندما عاد السوط الحديدي إلى مالكه.
وه... م-مهلا... مغناطيس...؟ هل يمكن... هل يمكن...؟!
سعلت وكحكحت، ولا تزال تبحث عن الهواء، فنظرت إلى هناك.
وهناك... كانت...
ميساكا ميكوتو.
وصدر صوت خافت لمعدن يضرب شيء.
كان صوت ارتداد عملة معدنية على إبهامها. ورقصت رويدا رويدا رويدا فوق رأسها.
ثم تكلمت.
「لا أفهم سبب كل هذه الضجة...」
[الذراع]، وقد فقدت يدها، تحولت فعليًا إلى كومة نفايات ضخمة تخرج من الأرض. وكأنها انهارت تحت وزنها، سقط برج القمامة نحو شيراي كُروكو محاولًا أن يسحقها بأقصى قوة.
لكن قبل أن يحدث، عادت العملة إلى إبهام ميكوتو.
「...لكن لا تجرؤ على لمسها بإصبعك القذر مرة ثانية أيا الخنزير!!」
وفي اللحظة التالية...
...رَمَت الهجوم الذي منحها اسمها الشهير الريلغن. انطلقت العملة ثلاثة أضعاف سرعة الصوت. وسخنت أثناء احتكاكها بالهواء، فتتحول إلى شعاع برتقالي اخترق [البرج] مباشرة، فحطمه فورًا من شدة الاصطدام. هو و[الرأس] المتصل به تناثرا إلى ملايين القطع.
غرششش!! دوى الصوت بعد لحظة.
ارتفعت سحابة من الغبار كأنها ستارة، لكن ريحًا قوية أزاحتها فجأة—وهي موجة الصدمة المتأخرة من هجوم الرّيلغن.
مـ... مدهش...
استمرت شيراي في مراقبة محيطها، لكن معظم عقلها كان قد فُتن بشيء آخر.
بذلك تستطيع مجاراة مستخدمي الرياح العاديين فقط بهبوب الريح الناتجة عن موجاتها الصادمة. أونيه-ساما! إلى أي مدى ستصلين وقد ضربتِ القمة؟!
من جهتها، كانت ميكوتو تسير نحوها بهدوء، كأنها تقول إن الأزمة قد انتهت.
「آه، كُروكو، ارتاحي الآن. أظن أن تلك اليد العملاقة كانت خدعة. فقد انفجرت من نفسها، وليس من قوة طلقتي الريلغن. انظري، تلك المرأة الحقيرة استخدمت الدخان لتهرب」 قالت ميكوتو وهي تشير وتخرج لسانها قليلًا مغتاظة.
ثم نظرت شيراي. إلى حيث قد ثبتت فستان المرأة في الأرض، لكنها لم تكن موجودة. وحدها بقايا صغيرة من نهاية قماش فستانها الأسود ظلت عالقة هناك كبقعة عنيدة.
「فمن تكون تلك؟ هل لها علاقة بالجدجمنت؟ بما أنكِ من كنتِ تلاحقينها」
「نـ-نعم، صحيح. كانت مُتسللة غير قانونية، ولكن... آه، أونيه-ساما!」
ثم اندفعت نحو ميكوتو وكأن ساقيها قد انهارتا.
「هيه! كُفّي! ما هذا بوقت خيالاتك المجنونة—」
لكنها تأخرت لحظة فقط. حاولت أخيرًا إبعاد شيراي عن صدرها، لكنها لم تضع أي قوة في المحاولة، لأن...
شيراي كانت تتشبث بصدر سترة صيف ميكوتو بضعف.
ومن خلال تلك النقطة الوحيدة من الاتصال، شعرت ميكوتو أن شيراي كانت ترتجف.
「آه منك」 تنهدت، مفكرة.
ماذا كان ليقول ذلك الفتى لها لو كانت هي في هذا الموقف؟
「كُروكو، دائما ما تحاولين فعل كل شيء وحدك. كان من الغباء أن تقفي ضد شخص كتلك. وترى، لا قاعدة تقول أنه عليكِ أن تحاربي بمفردك」
فكرتْ في هذا. الكلمات نفسها لا تحمل أي معنى. الإحساس الذي وضعته فيها أثناء كلامها هو ما أعطاها المعنى.
「اعتمدي عليّ أكثر، طيب؟ ليس فقط في المصائب. حتى في أتفه الأمور، كلّميني. لن أنزعج أو أسأم منك، لذا كفي عن التفكير هكذا. إذا اعتمدتِ عليّ في المواقف اليائسة، فهذا يعني أنكِ تثقين بي أكثر، أليس كذلك؟ محالٌ أن أرفض ذلك منكِ」
ومسحت ميكوتو رأس شيراي برفق.
ثم قالت شيراي، التي لا تزال ترتعش: 「...هِهِه هِهِهِه. فرصة العمر. بهذا القرب من أونيه-ساما، صدرها كلها في يدي...هِهِه. هيهيهيهي!!」
「مه-ماذا؟ مهلا! ك-كنتُ جادة في حنيّتي معك هنا! ولكن، ترتعشين من الإثارة؟ كُروكو؟!!」 صاحت ميكوتو وتورد وجهها واحمرّ، لكن فات الأوان.
حوطت شيراي يديها حول ظهر ميكوتو، وأغلقتها في قبضةٍ، وبدأت تدلك خدها على صدر أختها (أونيه-ساما).
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)