الفصل الثاني: بعد المدرسة — Break_Time.
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
「روعة! إذن هذا هو العالم السفلي الذي سمعت عنه كثيرًا!」
「بل سوق تحت الأرض، وليس عالمًا」 ردّ كاميجو بصوته الخافت ونبرته المرهقة من قلّة النوم على حماسة إندكس.
هناك العديد من مراكز التسوق تحت الأرض في مدينة الأكاديمية. وكانت المتاجر الكبرى، التي تتمركز حول محطات القطار، تتصل ببعضها البعض تحت الأرض؛ مُشكّلة بنيةً متاهية. كثيرٌ من الطلاب يتنقلون هنا، لكن ليس بعدد الذين كانوا على الطريق الرئيسي فوقهم.
مثل الروبوتات الأمنية ونظام العَنَفات الهوائية، كانت هذه المراكز التجارية تحت الأرض ميزة تجريبية في مدينة الأكاديمية. اليابان، التي تعاني من نقص في المساحة وتشتهر بالزلازل، كانت تتطلب تقنيات بناء مقاومة للزلازل على أعلى مستوى. وقد تم حفر العديد من الأماكن في المدينة للمساعدة في اختبارات عملية لمثل هذه التكنولوجيا.
لم يحمل كاميجو سببا خاصا لاختيار هذا المكان لقضاء الوقت، سوى ببساطة أن إندكس لم تره من قبل.
「مشينا نأكل أولًا. إندكس، هل عندك طلب معين؟ آه، يعني، لا يكون مكانا غاليا. أو مزدحما」
「لا داعي لمكان مثل ذلك. فلنذهب لمطعم أكله رخيص ولذيذ، ويكون كثيراً وفير، ولا يرتداده الناس غالبا」
「...هذا مكانٌ صعب ايجاده. كازاكيري، وأنتِ؟」 سأل والتفت لينظر إليها من فوق كتفه. لسبب ما، ارتجفت كتفاها وبدأت ترتعش. وحاولت أن تختبئ خلف إندكس.
هل فعلت شيئًا؟ كما فكّر في نفسه.
「آه، لا... أنا... آسفة. لست... خائفة أو شيء…」 قالت وهي تطل بخجل من ظل إندكس. 「(أعني... لقد رأيتني... عارية…)」
「هاه؟」 لم يسمع الجزء الأخير.
「مم، لا، يعنـ... لا شيء. لكن... رأيتني... وردة فعلك كانت... هادئة جدًا، و... مم...」
في هذه المرحلة كانت تقريبًا تهمس لنفسها فلم يفهم كاميجو شيئًا مما قالت. ما دام أنها تتمشى معنا، فهي غالبًا ليست خائفة، صح؟ يبدو أنها بخير، لكن لماذا كل هذا الحذر المهذب؟
ثم رمقته إندكس بنظرة باردة، وكأنها فهمت ما لم تقله كازاكيري. وقالت. 「توما، وجهك مُخيف!」
「هاه؟ كيف؟」
「بل عيونك المتوحشة. كأنها تترصّد الفتيات بلهفة. شفاهك تنطق "إنك مسالم"، لكِنَّ عيونك تصرخ أنها لن تفوّت ولا تفصيلة جميلة! مخيف!」
「تلفظك بهذا الهراء هو ما يجعلها تخاف أكثر!」 صرخ عليها كاميجو، مما جعل كازاكيري ترتجف مرة أخرى.
ثم، بتردد شديد، وهي لا تزال مختبئة خلف إندكس، بدأت تقول: 「مم، يعني...」
「أترى، توما؟ صراخك خوّفها!」
「آه، طيب، طيب! فهمت، أيا يكن! خلاص، أجل أنا مجرد وحش! ولكن ما إن أتقبل الفكرة، سأصير وحشاً حقاً! وسترون الشكل الحقيقي لتوما الشرير ولأراكم ترتعدون!!」
「...أم... لستَ... بالمخيف المخيف... ولكن... الغداء...」
أوقف صوت كازاكيري الخافت بالكاد الجدال بينهما، واللذين كانا يتشاجران بنوع من اليأس. التفتا إليها في نفس اللحظة.
كانت تشير إلى مكانٍ.
تتبعا إشارتها إلى مطعم.
- الجزء 2
「كافي-تير-يا... أهذا مطعم؟」
「نعم، مطعم المقصف،」 أجاب كاميجو.
كانت ملامح إندكس تشير بوضوح إلى أنها لم تفهم ما يعنيه بذلك. كان وجهها يشبه تمامًا تعبيرها عندما دخلا مركز التسوق تحت الأرض.
دخل الثلاثة إلى مطعم عائلي عادي تمامًا. جلس كاميجو وإندكس قِبَلَ بعضهما على طاولة مخصصة لأربعة، وجلست كازاكيري جنب إندكس.
وكان القط على حِجر إندكس أيضًا. ظنّ كاميجو أن المطعم سيرفض إدخال الحيوان، لكن يبدو أن وجود القطط مسموح. على ما يبدو، فإن الشركة المالكة لهذا المطعم هي نفسها التي تملك المطعم الذي اعتادوا الذهاب إليه، والذي كان يسمح كذلك بدخول الحيوانات الأليفة.
「مدينة الأكاديمية مليئة بالمدارس، صغيرةً وكبيرة. لذا، بعض الأماكن تجمع أشهى أطباق المقاصف المدرسية في مكان واحد. على أي حال، يقدم هذا المطعم طعام المدارس أيضًا. وبهذا، لا يفوّت الناس فرصة تجربة أنواع أكلات المدارس الأخرى」
「ممم. توما، ماذا قصدت بـ "أطباق المقاصف" و"أكلات المدارس"؟」 قالت إندكس وهي تحدق في قائمة الطعام الضخمة بتحدٍّ.
كان كاميجو فاقدًا لذاكرته، لذا لم تكن لديه ذكريات شخصية عن وجبات المدارس التي تلقى فيها تعليمه الأساسي. لكنه مع ذلك كان يملك المعرفة العامة عنها، لذا ظنّ أنه يعرف ما يكفي.
「يعني، ببساطة، كلاهما نوع من الطعام لا تأكلينه إلا في المدارس.」
「ر-روعة! إذن هي مثل الإصدارات المحدودة!」
「...مم، نعم، لنقل ذلك. إنها نادرة.」
قالت كازاكيري بتردد، محاولةً دخول الحديث بينما كان كاميجو يعاني من قلة النوم ويعجز عن ردوده الحادة المعتادة: 「مم... لا أرى أن تكتفي بهذا التفسير... لمجرد أنك ترى الأمر مزعجًا...」 لكن يبدو أن إندكس لم تسمعها. كانت قد دفنت وجهها في قائمة الطعام الضخمة وكأنها أبٌ يقرأ صحيفة الصباح، ثم نظرت من خلفها إليه.
「توما، هل لي أن أطلب أي شيء؟」
「مم، إلا المكلف، رجاءً،」 محذرًا قال، لكنه لم يقلق كثيرًا. فهذا المطعم مختصّ بوجبات المدارس ومأكولات المقصف المدرسي، فكيف يبيع شيئا باهظ الثمن.
ثم فجأة، صفعت إندكس القائمة على الطاولة وأشارت إلى جزءٍ من صورة وجبة لتُريَهُ وتُفْهِمه بوضوح.
「أريد هذا.」
「همم؟ أيها؟」 نظر إلى حيث يشير إصبعها الرقيق والشاحب، فرأى الكلمات المكتوبة:
طقم غداء إعدادية توكيواداي للبنات — 40,000 ين.
「...」
أغلق كاميجو القائمة بصمت، ثم ضرب إندكس على رأسها بطرفها.
「أيْ! لماذا فعلت؟!」
「قلتُ لكِ، ممنوع الغالي! مهلا، حسبتك تطلبين ذاك!」
وأيّ عيشة تعيشها تلك البيري-بيري؟! كما فكر في نفسه، عاجزًا عن الكلام. ثم فتح القائمة مجددًا بحذر. وكانت صورة الوجبة تتلألأ وتلمع، وكأنها ببدلة رسمية تتباهى أمام الزبائن لتغويهم.
「...ء-مم... أظنّني سأختار... هذا...」
إلى جانب الثنائي المتجادل، أشارت كازاكيري هيوكا إلى وجبة في نفس الصفحة من القائمة.
كانت صورة لوجبة مدرسية عادية تمامًا، تتضمن لفافة خبز بسيطة وكرتونة حليب.
وما عسى كاميجو إلا أن يتأثر. ربما لأنّ إندكس اختارت لتوها أغلى صنفٍ في القائمة؟
「أترين يا إندِكس؟ هكذا تختار الطالبة المتفوّقة الفعلية」
「ماذا؟ هيوكا، ذوقك ممل. أنا أريد أن آكل شيئًا أكثر بهرجة! وأكثر ألوانًا!」
تنهد كاميجو تنهدًا ثقيلا وقال متأففًا، 「اختاري الأكل على مذاقه، لا على مظهره يا إندِكس. وأيضًا، لا تُروجي لها وجبة توكيواداي مستغلّةً ارتباكها أيا الغبية! إن قلتِ أن ذوقها ممل، قد تجرحين مشاعرها وتجعلينها تُعيد التفكير في اختيارها! لذا توقفي!」 ارتجفت كازاكيري، ثم أخفت وجهها خلف قائمتها الضخمة. يبدو أن مؤشّر مودّتها قد هبط إلى الصفر. رفع أي راية جديدة بات أمرًا ميؤوسًا منه.
وبعد مضي قليل من الوقت، وصلت وجباتهم.
كانت تتكوّن من كرتونة حليب ولفافة خبز بالمارجرين ووعاء من يخنة اللحم والبطاطس وسلطة وبعض قطع الدجاج المقلي وأكواب من الزبادي للتحلية. بدت النادلة خبيرة في وجبات المدارس. ومن خلال حديثها، علموا أن نقطة تميّز المطعم تكمن في كونه يتجاوز الحدود الوطنية؛ إذ يستخدم وصفات المدارس المختلفة، لكن مع مكوّنات مختلفة، ما يجعل التكلفة أعلى قليلاً من الوجبات المدرسية العادية، لعدم إمكانية تقليل تكاليف الإنتاج.
「طيب، لنأكل قبل أن يبرد. بالمناسبة، كازاكيري، لمَ اخترتِ هذه الوجبة بالذات؟ تحبين الزبادي؟」
كانت قائمة هذا المطعم مقسّمة حسب المدارس، مما أضاف خيارًا آخر إلى جانب نوع الطعام الذي ترغب به. فقد يرغب البعض في تذوق قائمة طعام مدرسة تمنّوا الالتحاق بها لكنهم فشلوا في اجتياز اختبار القبول.
لكن كازاكيري لم تبدو أنها فكّرت بالأمر إلى ذلك الحد. هزّت رأسها نافية.
「...مم، أ... أنا... لم يسبق لي أن أكلت في مكان مثل... هذا... قَط...」
「همم. ما سبق وأكلتِ وجبة مدرسية؟」
「نعم....」 بدا على وجهها اعتذار غامض لسبب ما، وثم شعر كاميجو في نفسه،
لم تعرف وجبات المدرسة، أيعني ذلك ربما أنها تأكل البينتو كل يوم، أو ربما تحضره لنفسها، أو ربما يكون في السكن الذي تقيم فيه خدمة بينتو أو شيء من هذا القبيل. آهخ، محظوظة، يمكنها أن تحدق في حروب الطوابير داخل المقصف وهي تأكل ولا تشغل بالها، وتكون وجبةٌ أكثر تحضراً بكثير. آه، ليت سكني يوفر خدمة بينتو كهذه، حتى لا أضطر لفعل أي شيء في الصباح — لكن مهلا، هناك عالةٌ تعيش معي، هل أجعل إندِكس تعمل لديهم...؟ لا لا، لن ينجح أبداً، آه، هي لا تعرف حتى استخدام الميكرويف، فكيف أتصور منها أن تعرف الطبخ؟ بماذا أفكر؟
「إهيهي-هيهي-هيهي...」 ضحك وتبسم بقتامة، وبدأت هالةٌ كئيبة تتصاعد من جسده.
「...مم، آء... عيونك... نوعًا ما... تخيفني...」
「هيوكا، توما يعاني من مرض يجعله يفعل هذا أحيانًا، لذا فقط ابتسمي له ومشّي」
- الجزء 3
امرأةٌ ترتدي سواداً من الفستان تَسير في شوارع المدينة.
اسمها شيري كرمويل. كانت من النِسِسَريوس الأنجليكانية المعادية للسحر، وكانت تستخدم تماثيل [القبالة] في أعمالها. راحت تتنقّل بين الحشود، وابتسامة تمتدّ على شفتيها.
رأت أن لباسها الغريب — فستان دانتيل ممزقٌ هنا وهناك — سوف يثير نظرات الفضول، لكنه لم يَلقَ ردّ فعلٍ كثير من هؤلاء الطلاب. بل في الواقع، بدا أنهم مهتمون أكثر بعمرها من ملابسها. إذ أن 80٪ من سكان المدينة طلاب، لذا فإن كونها في أواخر العشرينات من عمرها كان لافتًا أكثر من مظهرها القوطي لوليتا.
「—في البدء، كانت الأرض،」 أعلنت بصوت مسرحي وهي تمشي.
أخرجت شيئًا من كمّ فستانها الممزق، بدا وكأنه طبشورة بيضاء، لكنه في الواقع قلم باستيل زيتيّ مخصّص لرسم الدوائر السحرية، مصنوع من ملح مقدّس تَصَلّب بزيتٍ مبارك.
「—خلق الرب من الأرض صورته ونفخ فيها من الحياة فسمّى خليقته "الإنسان"」
وأثناء تلاوتها، بدأت تُدوّر قلمها على سطح بيّاعة قريبة، بسرعة خبير متمرّس. وظهرت على الآلة رموز ونقوش بدت وكأنها ما بين الأحرف والأنماط.
「—وختمها بأن كَشَفَ الرب أسراره للإنسان بلسان الملاك الساقط」
ثم انتقلت إلى الدرابزين، وإلى الأشجار المصطفّة على جانبي الطريق، ثم إلى روبوت التنظيف، وإلى العمود الداعم لعَنَفة الرياح... كان قلم شيري الزيتي يرقص على كل ما يعترض طريقها.
「—غير أن أعمال الرب لا تنجزها يَدُ الإنسان، ولا استطاع الملاك أن يُرسِلها على النحو الصحيح」
وأخيرًا، وبعد أن أتمّت اثنتين وسبعين نقشًا، رفعت قلمها في الهواء.
「—وهكذا، ما كانت الحياة التي خلقها الإنسان إلا دُمى طين متعفّن... والآن يا إليسَ، يا غولمي المصنوع من الطين. ابتسم ودعني أستخدمك ولتكن لي كُلّك」
ثم ضمّت يديها وصفّقتهما.
وفي لحظتها...
دوّى صوت انفجار جرحٍ ممتلئٍ بالقيح في محيطها. ليس مرة أو مرتين، بل عشرات المرات. كان الصوت خافتًا، فلم يصل إلى آذان الطلاب المتجولين في الزحام.
ولكن، التغيير يحدث.
البيّاعة، الدرابزين، الأشجار على جانبي الطريق، روبوت التنظيف، العمود الداعم لعنفة الرياح — من كل ما رسمت عليه شيري بدأت تخرج فقاعات طينية بحجم كرة تنس الطاولة. كان سحرها يعمل أيا كانت المواد التي تستخدمها. كل شيء في هذا المكان تحوّل إلى سلاحٍ في يدها.
ظهر شقّ على وجه كل واحدة من كرات الطين بحجم كرة تنس الطاولة، يشقّ السطح بخط مستقيم.
ومن تلك الشقوق، كما لو كانت حبّات عنب تُقشّر، خرجت عيون بيضاء ضبابية.
أخرجت شيري قطعة من الورق الأسود بحجم بطاقة بريدية تقريبًا.
「الكاتب الآلي، أهذا هو هدفي؟ "كازي"، "كازا"... ما هذا؟ هل نظامُ الكتابةِ في هذا البلد هيروغليفية؟」
ومع لمعان قلم الباستيل الأبيض على الورقة السوداء، بدأت تخربش عليها رموزًا. لم تكن شيري تجيد قراءة الكانجي، لكنها عالجتها ذهنيًّا كصور، لا كرموز ذات معنى. خططتها كما يرسم المرء صورةً لشخص من الذاكرة.
ثم نقرت بأصابعها، فأفلتت قطعة الورق السوداء من يدها. طارت في الهواء تدور كأنها قرص طائر، ثم هبطت برفق على الأرض.
وكُتِبَ عليها اسم كازاكيري هيوكا.
بدت الحروف وكأنها كُتبت بقلم رصاص في دفتر، ثم طُبعت على الورقة السوداء بصورة سلبية. تجمّعت عشرات من العيون الطينية المتقيحة حولها بإحكام. مزّقوها إربًا، ودمجوا قصاصاتها في أجسادهم المتسخة. وفي ثوانٍ معدودة، اختفت الورقة السوداء دون أن تترك أي أثر.
ثم، بعد أن امتصّوا كل شظايا الورقة الرقيقة، بدأت العيون المتعددة تتناثر في جميع الاتجاهات، بجمود يشبه حشرات الصراصير الهاربة. بعضها يسبح على سطح الأرض، وبعضها الآخر غاص تحت الخرسانة، وكلهم حرّكوا عيونهم الكبيرة في حركة لا تهدأ.
「لا تُأخرني طويلًا يا إليس」
ابتسمت شيري ثم اختفت وسط الحشود.
- الجزء 4
بعد أن أنهوا أكلهم، غادر كاميجو والآخرون المحل.
بدت إندِكس حائرة قليلاً وهي تستذكر طعم أول وجبة مدرسية أكلتها.
「حسنة كانت، لكن ليست باللذيذة. همم... أتساءل لماذا؟ لا أشعر بالرضا تمامًا لسببٍ ما.」
「ذلك لأن وجبات المدرسة مُعدّة لتُؤكل كل يوم. فبدلاً من جعلها لذيذة جدًا، يصنعونها بطريقة تجعلك لا تملّين من أكلها. فلو كنتِ تأكلين وجبات فاخرة كل يوم، فآخرك أن تتقيئي وسط الحصص」
وضعتْ سَبّابتها على ذقنها، ثم نظرت إلى السقف تتأمل الكلام، ثم ردت، 「لا، لا أحسبني أمانع لو أكلت وجبة فاخرة كل يوم لدرجة التقيؤ」
「...إيه إيه، ما أحسبك تمانعين」
تجاوزت الساعة الواحدة بعد الظهر. وفوق سطح الأرض، لا بد أن الطرق قد تحوّلت إلى جحيم حقيقي تحت لهيب الشمس الحارقة. أما في هذا المركز التجاري تحت الأرض، فكانت درجة الحرارة أبرد قليلاً بفضل التكييف، مما جعلهم يترددون في الصعود مجددًا إلى الأعلى قبل أن تخفف الشمس من أشعتها.
نظرت كازاكيري هيوكا إلى الاثنين الغارقين في أفكارهما، 「م-مم... إلى أين نذهب الآن...؟」 من الواضح أنها كانت تخاطب إندِكس، لا كاميجو.
「مدري. توما، ما تفعلون عادةً في المحلات تحت الأرض؟」
بالنظر إلى حالتها، ربما كانت راضية تمامًا فقط بالوقوف في هذا الممر. فقد أوكلت اتخاذ القرار إلى كاميجو، دون أن تشعر بعدم الرضا من أي شيء.
「همم... نعم، بما أنه مركز تجاري تحت الأرض... أنذهب إلى صالات الألعاب؟」
هناك عدد كبير من صالات الألعاب تحت مدينة الأكاديمية، جزئيًا لتقليل الضوضاء.
وبينما كان يفكر، صادف أنهم مرّوا بجانب إحداها.
اتسعت عينا إندِكس أمام سيل الأصوات الإلكترونية المنبعثة من الداخل. 「واه، واه! ما هذا؟ الكثير والكثير والكثير من التلفزيونات هناك!」
「آه، ليست تلفزيونات، لكن... حسنًا، لا بأس. إن ركزت على كل صغيرة فسأهلك. نعم، تلفزيونات. تلفزيونات」
「...مم... كما قلتُ، أنت لا تحاول كفاية...」
كانت صالات الألعاب تنقسم عمومًا إلى نوعين.
واحد خارجي، وآخر داخلي.
الأول يشير إلى المتاجر التي تحتوي على ألعاب مُستوردة من خارج مدينة الأكاديمية، أما الثاني فيُقصد به صالات الألعاب التي تضم ألعابًا طُورت داخل المدينة نفسها.
ومن حيث التقدّم الحضاري والتكنلوجي، كانت مدينة الأكاديمية تسبق باقي العالم بعشرين إلى ثلاثين عامًا. وهذا شمل ألعاب الفيديو أيضًا. فمعظم شركات الألعاب خارج المدينة لم تصل إلى هذا المستوى من التكنولوجيا (أو لم يُفرج عن تلك التكنولوجيا للعامة بعد)، لذا حتى وإن طوّروا أجهزة ألعاب جديدة كليًا، فغالبًا ما كانت البرامج المخصّصة لها تفتقر إلى الكفاءة أو الحداثة.
وما وجدوه كان من نوع [الداخلي]. وقد بدا أقرب إلى مدينة ملاهٍ داخلية منه إلى صالة ألعاب تقليدية. في المتاجر اصطفّت كبائن ضخمة وغامرة مصنوعة بأحدث التقنيات، مما أعطاها طابعًا إضافيًا كمكان عرض مستقبلي في مؤتمر علمي.
معظم هذه الألعاب كانت مطوّرة من قبل فرق بحث جامعية دون أدنى تفكير في تحقيق الربح. ولتبسيط الفكرة، فقد كان للمدينة نظامًا يمنح تمويلاً إضافيًا للمختبرات التي تطوّر ألعابًا تلقى رواجًا وشعبية. ونتيجة لذلك، ظهرت الكثير من الأعمال التي بُذل فيها جهد غريب المستوى. وبالطبع، لم تخلو من بعض الألعاب السخيفة التي وُجّه فيها ذلك الجهد في الاتجاه الخاطئ تمامًا.
「ر-روعة! خيالي، كل شيء يلمع ويتوهج ويطقطق! ت-توما، مشينا هناك! أريد أجرّب كل تلك الأصوات الإلكترونية بيب بوب!」
دخل الثلاثة إلى الداخل مدفوعين بإلحاح إندِكس. وما إن عبروا الأبواب الزجاجية التلقائية حتى ضربتهم موجة من الأصوات كانت أقوى بمرتين أو ثلاث مرات مما سمعوه في الخارج.
في هذه الصالة العديد من أجهزة الألعاب الكبيرة والمميزة. وبالطبع، فيها ألعاب واقع افتراضي عالية الدقة بنظارات ثلاثية الأبعاد، وكذلك بعض الألعاب غير المألوفة، مثل ألعاب التصويب على السكة التي تقيس معدل نبضات القلب وموجات الدماغ لتُظهر مدى خوف اللاعب في لحظة معينة.
「إندِكس، هل من لعبة ترغبين في لعبها؟」 سألها عفويا.
لكنه لم يتلقَّ أي إجابة. وعندما نظر إلى وجهها بشكّ وجدها توقفت تمامًا عن الحركة. وكانت عيناها، على الأرجح، أسعد ما رآه في حياته. تتلألأ بالفعل.
「آهخ، يا ليل...」
انبرهت وفُتنت واختُطفت. لم يرَها على هذا النحو منذ أن التقت بالقِط أول مرة.
استدارت إليه بحماس وقالت: 「كُلّها! أريد ألعبها كُلّها!! توما، توما! أريد أن أبدأ بتلك اللعبة هناك!!」
لم تعد قادرة على تمالك نفسها، فسحبت ذراعه بقوة. ويبدو أن وجهتهم كانت لعبة سباق بعربات، يُقود فيها روبوتان يسيران على قدمين ويشبهان الكراسي، داخل ساحة دائرية.
طار عقلها. ولا الكلام بات ينفع معها الآن.
تنهد توما بعمق، قلقًا على محفظته. وعندما نظر إلى جانبه، رأى كازاكيري هيوكا تبتسم له ابتسامة المشفقة.
- الجزء 5
「أهَهَهَهَه! إيه إيه، كانَ كاميجو؟ يا لحظك يا معلمة تسوكيومي! أن تملكي صفًا مليئًا بالأشقياء! فأنا صفي كله من المتفوقين، ويا سرعان ما مللت منهم!」
بعد انتهاء اليوم الدراسي، في غرفة المعلمين الخالية، حين أطلقت يوميكاوا آيهو ضحكة عريضة صادقة.
كانت امرأة بالغة وجذابة ذات شعرٍ أسود طويل مربوط ربطة السبلاء. لو ارتدت بدلة رمادية رسمية أو مثله، لتحولت فورًا إلى صورة المعلمة الإنجليزية الجذابة الكلاسيكية. لكن للأسف، كانت معلمة البدنية، ولهذا دائما ما ترتدي بدلة رياضية خضراء طوال العام. كل مقومات الجاذبية هُدرت منها — وبأكثر من معنى.
وضعت يوميكاوا يديها على خصرها، ثم دفعت صدرها إلى الأمام؛ ومن المحتمل أن حجم أحد كاعبيها وحده يفوق رأس كوموي حجمًا. 「خيالي. إذن التقى بفتاة من خارج المدينة، وأقاما حفلة شاي سرية، تقولين؟ يبدو ممتعًا! لا أحد من أغبياء صفي له الجرأة على الإتيان بمثل هذا ولو من بعيد. ولو فعلها أحدهم، لكنت دلّلته كثيرًا! بل لكافئته كحيواني الأليف!」
بالمناسبة، ولأنها من الأنتي-سكيل، كانت فكرتها عن "الدلال" تحمل في طيّاتها لمسة من العنف الرياضي التقليدي. دائما ما تفتخر أنها لن تصوّب سلاحًا على طالب، حتى لو كان إسبرا مبعثا للنار من المستوى 4 مهتاجا خرج عن السيطرة. لكنها لم تكن تمانع استخدام باقي أدوات الشرطة، كالخوذة المصممة خصيصًا أو الدرع الشفاف المصنوع من البوليكربونات (لأنها، حسب منطقها، أدوات دفاعية فقط!) لتضرب الطالب الهائج على رأسه بها. وقد أطلق عليها زملاؤها "المرأة التي تحوّل الجد هزلا".
أما المعلمة كوموي، فكانت أكثر ميلاً إلى السلم. نظرت إلى المعلمة العنيفة بنظرة حادة؛ وإن كانت بلا حِدّةٍ شديدة.
「وي منك! أنتي-سكيل هي المسؤولة جزئيًا عن دخول غريبةٍ إلى المدرسة من الأساس! ماذا كنتِ لتفعلين لو أن الدخيل كانت أخطر منها؟! ولا تجرئي وتقتربي من كاميجو-تشان! لو ضربته على رأسه أكثر، لربما يتحوّل إلى أحمقَ مما هو عليه لدرجة لن أستطيع إرجاعه!」
「آه، طيب طيب، كنت أمزح، أمزح، زين؟ حتى أنا أفرق بين الأحمق الطيب والأحمق الرديء! يا فتاة، ما زلتِ على عادتك تلك، أن تحبي جميع طلابك! ألم تتعبي بعد؟」
「هَه؟! ل-ل-ل-لا تصوغيها هكذا! ك-كما تعلمين، أنا، يعني، كل طفلٍ ثمين في نظر أبويه، ولقد وُكّلت أن أرعاهم جميع!」
「آاه، إياك، لا تبكي. إن كان هذا يُبكيك، فسوف تكونين غارقة في الدموع ساعة حفل التخرج!」
「غغغرر...رررررررر!! و-وما العيب في البكاء؟! في كل سنة، دموعي تنهمر دون استئذان! لا أستطيع منعها!」
「هَهَهَهَه، هوّني هوّني」 واستها يوميكاوا، وهي تمسح يدها بين شعرها. ثم راحت المعلمة كوموي تلوّح بذراعيها لتدفع يدها بعيدًا.
「بالمناسبة يا معلمة. عن الطلاب الجدد — سمعت أنهما اثنتين، لكن...」
ارتعشت ملامح المعلمة كوموي.
في السنوات الأخيرة، تزودت العديد من المدارس بكاميرات مراقبة حول الحرم المدرسي. لذا، لا يمكن لأي شخص مريب أن يشتكي إن جرى تحقيقٌ في خلفيته.
وعلى طاري، قد أعلنت المعلمة كوموي مسبقًا في غرفة المعلمين أنه لا حاجة لأي معلم أن يحقق في أمر إندِكس شخصيًا. فقد كانت تعرف تلك الراهبة ذات الرداء الأبيض، وبالتالي فهي ليست "غريبة" بالمعنى. وكانت كوموي تشك بأنها ضحية ظروف معينة لا يمكنها البوح بها لأحد.
「ما بها؟」
「نعم، أردت فقط التأكد من شيء واحد — هل كانتا حقًا اثنتين؟」
「همم؟」 أمالت المعلمة كوموي رأسها قليلًا، ولم تفهم مقصد السؤال. وقبل أن تضيف، سُمع طرق منتظم على باب غرفة المعلمين، ثم فُتح الباب. وأغلقت يوميكاوا عيناً عفويا.
「على كل حال، أرى أن هذه المشكلة قد تمسي فوضى، فلا تخبري التلاميذ عنها. حسنًا، سآخذ تقريرًا منكِ لاحقًا. فأنا لدي شؤوني لأهتم بها الآن」
「همم؟ عمل؟」
「تقريبا... آآ، هذا سر عن التلاميذ، ولكن لا أرى بأس. إنها وظيفتي الأخرى. هذه المرة رصدنا "سمكة كبيرة" نودّ اصطيادها. بعضٌ من هذا، وبعضٌ من ذاك. تعرفين كذا وكذا. سأذهب في جولة إلى مركز تسوق تحت الأرض. فإلى اللقاء!」 أنهت عبارتها ومرت بجانب الطالبة التي تدخل الغرفة، وغادرت.
احتفظت المعلمة كوموي بتعبيرها المتحيّر، إلى أن وجهت انتباهها أخيرًا نحو الطالبة التي دخلت.
「أحضرت ما طلبتِه」
「أوه، هيميغامي! بوركت」
بقيت المعلمة كوموي جالسة على كرسيها في غرفة المعلمين التي صارت شبه خالية، ولوّحت بذراعيها بسعادة.
كان اليوم نصف دوام بسبب مراسم استقبال الطلاب الجدد، لذلك لم يبقَ في المدرسة إلا الطلاب المشاركون في الأندية ومستشاريهم. وكانت المعلمة كوموي استثناءً — فقد بقيت بعد الدوام لتساعد صديقتها في إعداد تقريرها.
فأجهزة [المحطة B] الخاصة بالمعلمين لا نجدها إلا في المدرسة. آهخ لو كان بالإمكان تسجيلها في المنزل! كنتُ لأحقق تقدمًا كبيرًا في عملي.
كانت الأجهزة المتصلة بالشبكة في مدينة الأكاديمية تُصنَّف وفق ترتيب رقمي يحدد المعلومات التي يُسمح لها بالوصول إليها. لم يكن ذلك مريحًا كثيرًا لأولئك الذين يفضلون العمل من المنزل.
「آسفة على طلبي منك هذا. أعلم أنه ليس عليّ أن أُحمِّل الطلاب أمورًا من هذا النوع، لكنني لم أستطع ترك ما كنت أعمل عليه.」
「لا بأس. هل هذا هو الكتاب التقني الذي كنتِ تحتاجينه؟ وجدت في شقتك الكثير من الكتب. كلها تبدو متشابهة. وكنت قلقة بعض الشيء」
「نعم، نعم! هذا هو الكتاب. أحسنتِ!」 أجابت المعلمة كوموي وهي تأخذ الكتاب السميك المغلَّف بالجلد من هيميغامي وتفرك خدها به بحنان. كان العنوان مضغوطًا على الغلاف بحروف ذهبية: الحقول الانتشارية اللاإرادية (AIM) وإمكاناتها.
「الحقول الانتشارية اللاإرادية... ما هذا؟」
「هَهَهَه، كاميجو-تشان سألني نفس السؤال! [الحقول الانتشارية اللاإرادية]، أو AIM اختصاراً، هو المصطلح الذي نطلقه على الطاقة الضعيفة التي يُصدرها الأسابر من أجسادهم دون وعي」
「...」
قوةٌ تُبعث دون إرادة... فبالنسبة لها، لا بد أنها شبّهت بتلك "الرائحة" التي تجذب مصاصي الدماء إليها — رائحة الموت.
لكن المعلمة كوموي لم تلحظ ملامح هيميغامي التي غطّاها شيء من التوتر، فاسترخت إلى كرسيها وقالت، 「آه وبالمناسبة، هيميغامي، أعتذر عما حدث اليوم. اضطررت إلى ترك الحصة الافتتاحية لمعلم آخر كي أوبخ كاميجو-تشان على تغيبه عن حفل الاستقبال. كنتُ قلقة عليك لأنك دخلت فجأة إلى صف مليء بأشخاص لا تعرفينهم」
「لا أمانع. لم ألقى المشاكل. لكن... هل فعل كاميجو شيئا؟」
「أوه، نعم! اسمعي هذا يا هيميغامي! لو أن تلك الراهبة فقط هي التي لحقت به إلى المدرسة، لربما سامَحتْهُ المعلمة كوموي. ولكن هل تصدقين؟! أخذها ومعه فتاة أخرى أيضًا إلى المقصف، وقضى النهار وهو يدردش معهما بكل هدوء!」
ضيّقت هيميغامي عينيها عندما سمعت فتاة أخرى.
مرّت في ذهنها صورة الفتاة التي كانت تقف مع إندكس عند بوابة المدرسة.
「تلك الأخرى... كيف كانت ملابسها؟」
「مهتمة؟ موهوهو~」
「...」 صمتُ هيميغامي وحده كان كافيًا لتزيد ابتسامة كوموي تكلفا.
「هممم، دعيني أرى... كانت ملفتة. ونظاراتها مائلة قليلاً، وشعرها يخرج من جانبي رأسها بشكل غريب. ولم تكن ترتدي زي مدرستنا أيضًا — بل قميصًا بأكمام قصيرة، وربطة عنق حمراء، وتنورة زرقاء. كان يبدو عليها... نوع من الضعف أو القلق الدائم حيال الآخرين، أو شيء من هذا」
أشاحت هيميغامي بنظرها، وراحت تفكر في تلك الفتاة.
ما كان اسمها...؟
「آنسة كوموي」
「نـ نعم؟」
「هل من طالبة تُدعى كازاكيري هيوكا في هذه المدرسة؟」
- الجزء 6
أنفقوا ثمانية آلاف ين في جولة واحدة سريعة داخل الأركيد.
تنهدت إندِكس، 「وناسة، تسلّيت حقا! وأنا الآن راضية تمامًا، توما」
「إي إي. السيد كاميجو أيضًا تعب وأنهك، ليكن في علمك. هَيه، أيها القط... يبدو أننا سنعيش على قشور الخبز بدءًا من اليوم. ألا تمانع؟」 قال بلهجة المستسلم. ورد القط بنفخة غضب كصوت الأفعى، كأنه يعارض الفكرة تمامًا.
「توما، توما! ما اللعبة التالية؟」
「ما رأيك أن نلعب لعبة ارحمي كاميجو قليلاً؟」
「توما، أنعيد جولة الأركيد مرة ثانية؟」
「لا، أرجوكِ، أي شيء إلا ذلك! سأفلس تمامًا لو فعلنا!」 صرخ مستغيثًا.
وكأنها لحظة محسوبة بدقة، رنّ هاتفه. كانت النغمة متقطعة بعض الشيء—ليس من سوءٍ في الجهاز، بل لأن الهاتف قد عانى كثيرًا خلال مغامراته الصيفية الماضية. في الحقيقة، من المذهل أنه ما يزال يعمل أساسا.
نظر إلى الشاشة. لم تكن رسالة نصية—بل مكالمة. الرقم غير مسجل في جهات الاتصال. استدار مبتعدًا عن إندِكس وكازاكيري وبدأ بالتعامل مع الهاتف، فلاحظت الأخيرة ذلك.
「هلّا... تصحبينني لنشرب العصير؟」
「هاه؟ لا أمانع، للنُنادِ بتوما—」
「سنشتري له واحدًا أيضًا، هيّا」
ثم أمسكت بيد إندِكس وسحبتها مبتعدة عن كاميجو. أشار لهما بيده الخالية معتذرًا، ثم أخرج بعض العملات من محفظته بيده الأخرى ورماها باتجاه كازاكيري. تفاجأت لكنها التقطتها بنجاح.
بعد أن رآهما تبتعدان، ركز أخيرًا على مكالمته.
للأسف، غير أنه تحرر من إندِكس للحظة، فإن ما وصل إلى أذنيه لم يكن سوى تشويش وأجزاء مبعثرة من صوت أحدٍ.
「...ززز... مرحبززززز... أنا...تسمعني... زز... ـميغـ...مي...」
كان الضجيج الغامر في الأركيد يزيدها سوءا.
「......... كاز...ري... ززززز... أنت؟ زز... هذا... هام... هل يمكنك...ززززززززززززززز!!」
ثم، فجأة، انقطع الاتصال بصوت "كليك" حاد.
صوت فتاة، على الأرجح—ذلك كل ما تمكّن كاميجو من تمييزه. شعر أنه سمع ذلك الصوت من قبل، لكن وسط كلّ الضوضاء والتشويش، لم يستطع تحديد هويته.
「إحدى مساوئ السوق تحت الأرض... أيا يكن」
رغم وجود هوائيات للهواتف المحمولة حتى في الأماكن تحت الأرض، فإن ابتعاد الهاتف قليلاً عن أحدها كافٍ لتخريب الاتصالات.
「أتساءل ما أمرها...」 تمتم وهو يغلق هاتفه ويعيده إلى جيبه.
في زاوية الأركيد، قرب آلات البيع والمقهى، قالت إندِكس فجأة، 「توما ليس بالمخيف، طيب؟」 ثم نظرت إليها كازاكيري هيوكا من خلف نظاراتها، وردت ببطء. 「...هاه؟」
「أعني، تبدين وكأنك خائفة منه، لكن توما في الواقع لطيفٌ جدًا」
「آه... نعم...」 وهي تنظر للأسفل قليلاً، 「...ليس وأنني أراه مخيفًا... أو أنني لا أحبه أو أي شيء...」
「؟؟؟」
「...أنا لا أفهم نفسي تمامًا... لكنه يشبه... مثل الكهرباء الساكنة... كأنني بِهِ ألمس سترة صوفية...」
「همم」 أومأت لها إندِكس، رغم أنها لم تفهم ماهية "الكهرباء الساكنة" من أساسها.
لاحظت كازاكيري تعبير القلق على وجهها فقالت، 「...ربما لأنها... هذه أول مرة... أتكلم فيها مع صبي...」
ساد الصمت بينهما للحظة.
ثم، وبعد قليل، غيرت هيوكا الموضوع.
「على أية حال... تلك اللعبة قبل قليل كانت ممتعة... كنتِ مستمتعة كثيرا...」
「أنتِ أيضًا بدوتِ مستمتعة! هل تأتين إلى أماكن كهذه كثيرًا؟」
「لا... هذه أول مرة」 قالتها بابتسامة خافتة، ثم أخرجت محفظتها وسحبت منها بعض القطع النقدية من فئة 100 ين. 「ما... ماذا تشربين؟」
「ؤغغ، لا أطلب من آلات البيع بعد الآن. إنها مستحيلة عليّ」 ثم عبست، 「هيوكا، أنتِ افعلي!」
ابتسمت كازاكيري بأسى. بدا أن فشل إندِكس الذريع في التعامل مع آلة التذاكر في المقصف ما زال عالقًا في ذهنها، 「...هذه أول مرة لي... لذا لا أعرف ما الأنواع الجيدة... سأضغط الزر، وأنتِ اختاري」
「هيوكا، لم تشربي العصير من قبل؟」 سألتها إندِكس بعفوية. علّ افتقارها الحس والمعرفة العصرية هو السبب أنها لم تجد كلمات هيوكا غريبةً إطلاقا.
وردّاً، قالت كازاكيري هيوكا، مرةً بعد، وبنبرة عادية.
「...لا، هذه أول مرة」
- الجزء 7
أجهد كاميجو ذهنه محاولًا معرفة من اتصل به. لكنه توقف عن التفكير فجأة حين لاحظ أن إندكس وكازاكيري تأخرتا.
تاهت؟... لا، غير ممكن.
رفض حسّه السليم هذه الفكرة، لكنه، حين فكّر في الأمر بعقلانية، تذكّر أن الحس السليم لا ينطبق بالضرورة على أيٍّ منهما. فقرّر البحث عنهما احتياطًا.
「هِـــااااااي، إندكس؟ كازاكيري؟」
اتجه نحو زاوية الأركيد حيث ذهبتا، يلتفت يمينًا ويسارًا وهو يمشي. كانت الصالة من النوع المغلق، وتحتوي على ألعاب كبيرة الحجم، بعضها في حجم سيارات الركاب، مما أوجد نقاطًا عمياء في مجال رؤيته هنا وهناك. وبينما استمر في البحث، كان يحرص على التحقق من الزوايا خلف آلات الألعاب، مما جعله يتلقى نظرات عدائية من الطلاب المنتظرين في الصف.
قادته خطواته إلى منطقة الاستراحة، حيث كانت ثلاث آلات بيع ذاتي.
هممم؟ ألم تقل كازاكيري أنهما ستشتريان عصير؟... هل مرّتا جواري؟
ألقى كاميجو نظرة أخرى حوله، وقد ارتسمت على وجهه ملامح قلق خفيفة.
وفجأة، مرّت بجانبه مجموعة من خمس فتيات في الثانوية، يرتدين بدلات أرانب.
「هاه؟」 اهتزّت كتفاه من متفاجئا، لكن الفتيات عبرن المتجر وكأن الأمر طبيعي تمامًا. وصلن إلى كشك قديم بعض الشيء لالتقاط الصور الملصقة، تجمعن حوله وبدأن يبتسمن ويلتقطن صورًا لأنفسهن.
مـ-ما هذا؟ هل هذا المكان يؤجّر ملابس كهذه؟
عندما نظر عن قرب، رأى أن على بدلات الأرانب زخارف متنوعة، مثل شرائط صغيرة وقطع على الأكتاف. لا بدّ أنها أزياء لشخصيات ما، رغم أنه لم يعرف مَن هنّ. كانت التصاميم تحمل طابعًا واضحًا وسهل الفهم. وبناءً على ذلك، ورغم كمية الجلد المكشوف، فقد يكنّ في الواقع شخصيات أنمي موجه للأطفال.
بَدَوْنَ مستمتعات، فتركهن وشأنهن وحوّل نظره بعيدًا. لم تكن هناك أيّ إشارة لوجود إندكس أو كازاكيري في الجوار، فاستدار على عقبيه مستعدًا للعودة إلى المدخل أو مكتب الاستقبال...
...لكن فجأة، التقطت أذناه صوتين أنثويين مألوفين.
『...مم، أءء... أُعيد، هل...سنفعل هذا حقا؟』
『نعم، طبعا! هيّا تعالي! مذهل! لديهم زيّ كانامين الفتاة السحرية!』
『مم...هل سوف...ترتدين ذلك؟』
كانا وبلا شك صوتي إندكس وكازاكيري هيوكا. أين؟ أين؟ أين هما؟ أخذ كاميجو يتلفّت باحثًا عنهما. بدا أن الصوت يأتي من الجهة الأخرى خلف آلات البيع الثلاث.
؟
عبس وسار حولها. وهناك خلف الآلات في الظل وجد ما بدا أنه غرفة تبديل ملابس، مفصولة بستارة. كانت مائلة قليلاً، كما لو أنها لم تُعامل بعناية. كما أن القماش بدا متّسخًا بعض الشيء.
والأصوات تخرج منها.
『لكن هذا صغير جدًّا. لا أظنني أستطيع ارتداءه. كل الملابس هنا تبدو وكأنها صُنعت للأطفال الرضّع』
『هممم، نعم... هناك، عند خصرك، يوجد قرص... دَوِّريه. يُفترض أن يغيّر المقاس』
『هاه؟ آآه، ما هذا؟! الملابس كبرت فجأة؟!』
『مم... ليس وأنها تمامًا... ذاكرة شكلية... أظن أنهم يستخدمون الهواء. الخيوط داخل القماش... تشبه الأنابيب، ويمكنكِ دفع الهواء بداخلها لتتوسع الملابس وتصبح بأيّ مقاس تريديه... أو على الأقل هذا ما أظنه...』
مهلًا. ألم أكن في موقف كهذا من قبل؟
بدأ كاميجو، بدافع غريزي، يُنقّب في ذاكرته. نعم، نفس الشيء تمامًا. كانت إندكس قد اختفت، فبدأ يبحث عنها، ثم وجد صوتها، وعندما فتح الباب، واجههما وهما عراة تمامًا. ولم يكن قديما، بل حدث اليوم، في غرفة الممرضة في المدرسة.
تقدّم نحو مقدمة غرفة تبديل الملابس، وتوقّف أمام الستارة. كان شبه متأكد من أنهما بالداخل، لكنه لم يُرِد أن يخطئ بينهما وآخر أو أن يُسيء الفهم.
「إندِكس، أنتِ هنا؟」
وفورًا، سمع صرختَين قصيرتين من الجهة الأخرى، كأنما سُكب الثلج داخل ملابسهما.
『ت-ت-ت-ت-توما! ماذا؟! أنت هنا؟!』
『مم، أرجوك... لا تفتح الستارة الآن... أعني، حقًا لا!』
كان في صوتيهما رعب حقيقي، وإن كان ستار يفصلهما. على ما يبدو، مجرد سماعهما لصوت رجل وهو يخاطبهما من الجهة المقابلة أثناء تبديل الملابس كاد يُفقدهما الصواب. حتى كازاكيري، التي كان صوتها عادةً خافتًا بالكاد يُسمع، بدا مرتفعًا هذه المرة. ربما كانت الآن في حالة من انعدام الحماية التام أو شيء قريب من ذلك.
「طيب طيب. لا تخافا. السيد كاميجو لن يدخل غرفة الممرضة للمرة الثانية. فتح الستارة الآن سيكون كارثة. والسقوط عليها عن طريق الخطأ سيكون أسوأ من ذلك. فهمت، فهمت. السيد كاميجو سينسحب من منطقة الصراع」
『آه، نعم. حسنًا، توما. نراك لاحقًا!』
『...مم...وأُفَضّل...أن لا تراني بهذا الزي أيضًا...』
وعلى وقع صوتيهما، بدأ يتراجع ببطء، بهدوء، إلى الخلف ثلاثة أمتار. لا مشاكل. الستارة كانت تؤدي دورها كجدار حديدي يحمي الفتاتين. سعيدٌ أن شيئًا لم يحدث، كما فكّر كاميجو وهو يضع يده على صدره، يهمّ بالاستدارة والابتعاد...
فششش.
دون أيّ إنذار، هوت الستارة إلى الأسفل فجأة.
「...هاه؟」
كانت الستارة قديمةً ومهترئة منذ البداية، لكن الآن خرج القضيب الذي كان يثبتها قد انخلع، فانكشف الحجاب وانفتحت الغرفة تمامًا، كأنما كُشِف ستار جائزة مذهلة.
وفي لحظة، صار عقله صفحة بيضاء تمامًا.
تجمدت الفتاتان في مكانهما.
إندكس بزيّ كانامين الفتاة السحرية، وهي من أنمي شاهدوا إعادة حلقته البارحة، لكنه كان فضفاضًا وغير مُثبت جيدًا، خاصة تنورة الزي التي لم تُغلق مشابكها بعد. كانت هناك أجزاء من جسدها لا يمكن التعبير عنها بالكلمات سافرة متجردة.
لكن تعازيه الأكبر وَجَبَ أن يُوجَّه إلى كازاكيري هيوكا. كانت ترتدي زيّ شخصية شريرة في أنمي كانامين، (تلك التي تنضم لاحقًا إلى الفريق الرئيسي)... على الأرجح كانت إندِكس من اختارت الزيّ لها. كان زيًا من النوع "الدروع المثيرة التي لا توفّر أي دفاع"—ببساطة كانت مجرد بيكيني أسود. (معه شال شاطئي طويل، لكنه مفتوح تمامًا من الأمام، مما جعله أقرب للزينة منه للملبس) أما من ناحية ما كان مكشوفًا... بصراحة، كان من النوع الذي يتطلب نزع الملابس الداخلية حتى يُلبس. لكن الخطافات الأمامية لدرع الصدر (والتي كانت "حمّالة مزيفة") كانت مفتوحة. وكانت كازاكيري منحنية للأمام، ويداها تمسكان جانبي درع الخصر (والذي يُشبه "سروالًا زائفًا")، متوقفة في وضعٍ محرج بين أن ترفعه تمامًا أو أن تبقيه على حاله…
مرت الثواني التالية من الصمت وكأنها دهر، لكن أخيرًا بدأ الزمن يتحرك مجددًا.
كشرت إندِكس أسنانها بغضب، واتقدت عيونها. أما كازاكيري، فقد احمرت وجنتاها حتى أذنيها وبدأت ترتجف. وبدأت الدموع تتجمع في زوايا عينيها.
「هيه، تمهلي. تمهلي لحظة. هذا ظلم. دعونا نفكر في الأمر بهدوء، حسنًا؟ أنا على بعد ثلاثة أمتار من غرفة التبديل. محالٌ أن تصل يدي إلى الستار، ولا أملك قدرة تمكنني من إسقاط الستارة بدون يدي. انظري! هذا ليس... خطئي... أظن...」
「توما، لماذا نظرت إلى هذا الاتجاه حين سقطت الستارة، ها؟ أليس هذا خطأك؟」
「لو-لو أنك أدرت وجهك... لما كان الوضع... بهذا السوء...」
عيني كازاكيري امتلئت بالدموع وتنظر إليه بملامح من الذنب، لكنها في نفس الوقت غاضبة. فكر كاميجو للحظة، وكأن عبّرت تعبيرا جديد تحاول بيأس الهروب من الواقع.
「مم... إذن ستفعلين "ذلك"، مجددا، إندكس-سان؟」
「نعم」 أجابت إندكس، وأغلقت مشابك تنورتها بإحكام.
في أعماق أعماق عقله، سمع ضحكات الفتيات.
『صور ملصقة... هيوكا، هيوكا! كيف نلتقط هذه الصور؟ ماذا نفعل؟』
『مم... تضعين المال هنا... ثم تضغطين الزر، وبعد خمس ثوانٍ...』
『هممم. هيوكا، تبدين متضايقة بعض الشيء. قلقة بشأن شيء؟』
『مم، يعني... ألا بد أن نلتقط الصور؟ أنا... أه، انتظري! لا تضغطي الزر! قررت أنني لا أريد—』
『هيّا، أنا ألتقطها عنك، حسنا يا هيوكا؟ إذا قاومتِ كثيرًا، ستُصَوّر وجهك غريبا』
『آه، غغ... أنتِ لا... تستمعين...』
في تلك الأثناء، كان كاميجو جالسًا على الأرض في الظل على بُعد ثلاثة أمتار منهما، وقد أصبح كومة مدمرة من القمامة البشرية.
- الجزء 8
بدّلت إندِكس وكازاكيري إلى ملابسهما العادية. تبدوان كالنقيضين. إندِكس في غاية البهجة وهي تتأمل صور الملصقات التي صنعوها، لكن أمكن بالكاد سماع صوت كجرس كئيب يرن خلف كازاكيري. كان ذهنها ممزقًا إذْ تعرضت لصدمة مزدوجة برؤيتها عارية وأخذ صور مروعة عنها.
「خذي يا هيوكا، خذي النصف!」
لكن إندكس لم تُعرِ أي انتباه لتلكم المشاعر. قسّمت ورقة الملصقات التي بها ستة عشر صورة إلى نصفين على طول الخط، كلٌّ بثمانية صور، وأعطت نصفًا لكازاكيري. ربما كانت تشعر بإحراج شديد من مظهرها في تلك الصور، لكنها مع ذلك أرادت أن تحتفظ بها ذكرى ثمينة من وقتها مع صديقة. وقد عبّرت عن ذلك بتعابيرٍ معقدة بعض الشيء.
「روعة، كأننا ختّمنا اليوم كله، ها؟」 قالت إندكس وهي تنظر إلى الأوراق المقطعة. 「هذه هي حياة المدرسة! خيالية، خيالية ورائعة」
「بصراحة، لا. فعليا كنتِ لتحضرين دروسا مملة وتتعذبين في اجتياز تلك الاختبارات الرهيبة وأشياء أخرى. الأمر ليس كما تظنين」
أما كاميجو —فاقد الذاكرة— فلم يجرب أياً من تلك الأمور لكنه استمر في الحديث وكأنه يعرفها.
تبسمت له وقالت، 「إذا كنت تسميها مملة، فربما هذا يعني أنك سعيد」
تردد قليلاً يفكر ثم قال، 「...نعم، ربما」 وأومأ.
بالطبع، لم تكن إندكس من سكان عالمه. لم يعرف ما إذا كان هناك تعليم عام إلزامي في عالمها. على الأقل، لم يكن من ضمن مخطط حياتها "الالتحاق بمدرسة حسنة ثم العمل في شركة حسنة".
ولعلها كانت ترى حياتَهُ المدرسية —التي رآها هو بسيطة وغير مهمة— ككنز ما عساها تصل إليه — أي عالمٌ هادئ بلا حروب... وأوقات مريحة لدرجة تسميها مملة.
إنه قانون الطبيعة أنّ كلما بقيت في صالة الأركيد أطول؛ زادت الأموال التي تُفرغ من محفظتك، لذا قرر كاميجو ومن معه المغادرة.
مرت ساعات على لعبهم، لكن النشاط في السوق تحت الأرض لم يُظهر أي علامات على التراجع. مع ذلك، كانت الأزياء المدرسية في الحشد تتحول تدريجيًا إلى الملابس العادية. الطلاب الذين عادوا إلى منازلهم لتغيير الملبس عادوا الآن. ولم تصل أشعة الشمس إلى هنا، فالإضاءة كانت ثابتة بأضواء الفلّور، لذا وحدهم الناس من يعطونك إحساسًا بمرور الوقت.
وأثناء حديثه مع إندِكس وكازاكيري على أحد الجدران، وهو يراعي مرور الناس، ركضت فتاة في الثانوية أمامهم. وعليها شارة الجدجمنت على ذراعها.
「...همم؟」
حاول أن ينظر بعيدًا عفويا، لكنه فجأة أدرك أن الفتاة توقفت وكانت تحدق فيهم بغضب. مشت مباشرة نحو كاميجو المرتبك دون تردد، ويبدو أنها غاضبة من أمر.
وقفت منتصبة بكامل طولها أمامهم وصرخت، 「هَي أنتم! كل الناس سَمِعُوا، فلماذا أنتم واقفون؟ عجّلوا بالهرب!!」
لم يُفاجأ فقط كاميجو، بل أيضًا إندكس وكازاكيري بصراخها المفاجئ عليهم.
ممم، هل... هل قالت شيئًا من قبل؟ ارتبك. وكان متأكدًا تقريبًا أنه لم يسمعها تخاطبه من قبل.
عبست فتاة الجدجمنت.
『أنا مُتخاطِرة! ألا تسمعني؟ ماذا عن الآن؟』
احمرّ وجه الفتاة من شدة التركيز. ثم صاحت إندكس وكازاكيري في آنٍ واحد ونظرتا حولهما.
「م-ما...؟ من أين يجيء ذلك الصوت...؟」
「مغم. أظننا سمعناه مباشرة في رؤوسنا」
وبجانب الفتاتين المرتبكتين، وقف كاميجو بوجه فارغ بلا تعبير.
「آه، صح، التخاطر، ها؟ تلك القدرة التي تحادث بها الناس عن بُعد. وهناك عدة أنواع مختلفة من طرق الإرسال. أتذكر الآن حديث كوموي-سينسي عن هذا الموضوع أثناء دروس التقوية في الصيف. قراءة وكتابة الحقول الكهربائية الحيوية، استخدام أصوات منخفضة التردد تتجاوز نطاق السمع البشري... لكن لا، أظن أن هذه هي طريقة الجوّال الخيطي. انظري」
أخرج كاميجو يده أمام وجه إندكس، وظهر على وجهها تعبير مفاجئ آخر. ربما أنّه قد اعترض قدرة التخاطر للفتاة فأسكت الصوت في رأسها.
الجوّال الخيطي.
كما يوحي اسمه، هو نوع من التخاطر يخلق خيطًا غير مرئي بتغيير معدل انتقال الاهتزازات في الهواء. يعمل هذا الخيط مثل أنبوب كلام. ينتقل الصوت عبر شكلٍ مثل أنبوب الاهتزازات الهوائية ولا يخرج إلا من نهايته فقط. لم يستطع كاميجو رؤية مسار الخيوط لأنها غير مرئية، لكن يده اليمنى ربما لمست الخيط الذي يربطه بالفتاة المتخاطرة، ولهذا لم يصل الصوت إليه.
「ولكن، التخاطر لا يزال تحت البحث والتطوير. سمعت أنه بدأ يختفي مع انتشار الجوالات الآن، مثل أجهزة النداء القديمة...」
「أنت...」 ارتعش وتشنج صدغ فتاة الجدجمنت وقالت بغضب، 「ك-كيف لا يصلك صوتي؟ لا يهم، سأشرح شفهيا」
انزلقت خطوة إلى الأمام واقتربت من كاميجو.
「ها؟」
「دخل إرهابي هذا السوق تحت الأرض الآن. وقد تفعّل الكود الأحمر. وسوف يغلقون بوابات السوق للبدء في عملية القبض خلال... همم، تسعُمِئة وثانيتان. وسوف تتحول الساحة إلى اشتباك مسلح، لذا جئتُ أطلب من الجميع الخروج سريعا. فهمت؟」
تردد كاميجو.
لم تكن إندكس تعرف ما يعنيه الرمز الأحمر. وعلى أن كازاكيري ربما كانت تعرف، إلا أن حقيقة حدوث مثل هذا الحدث النادر ربما لم تستوعبها بعد. ردت على كلمات بنت الجدجمنت بنظرة فارغة.
「لو عَرَفَ الإرهابي بالعملية، قد يَفِرّ. لهذا طلبوا مني استخدام التخاطر لأنه لا يعتمد على الصوت. لا تثيروا أي فوضى. من فضلكم، غادروا بهدوء قدر الإمكان」
「همم، إذن تخبرين الجميع عدا الإرهابي. ها؟ لحظة، هل هذا يعني أنك تعرفين شكله؟」
「لا حاجة لمواطن عادي مثلك أن يُقلق نفسه بذلك. لقد تلقينا جميعًا تعليمات البحث، مع صور للوجه، فلا مشكلة」
فتحت بنت الجدجمنت جَوّالها. على الشاشة صورة وجه. هذه هي الإرهابية؟ كما تساءل كاميجو، لكنه حاول النظر، فأغلقت الفتاة الجوّال بيدٍ.
「حسنٌ، إذا فهمتم، فيرجى الإخلاء. تبقى أقل من ثمانمئة ثانية قبل الإغلاق.」
ثم ابتعدت بنت الجدجمنت.
نظر كاميجو حوله مجددًا. بدا على الطلاب بعض القلق، كما لو أنهم سمعوا صوتها. والآن يتجهون نحو المخارج بأكبر قدر من الهدوء الممكن، تمامًا كما طُلب منهم. لكن من قريب، ترى الجو ما يزال مشدودًا ومتوتراً، كما في تدريبات الإخلاء.
「مهلاً مهلاً، هذه ورطة كبيرة... هيّا خرجنا يا إندكس」
لم يرغب في الانخراط بأي مشكلة منحوسة. الخطر كان هنا. فقرر أن يأخذ إندكس وكازاكيري ويخرج فورًا.
لكن...
...هاه؟ لحظة، ألا تكون هذه مصيبة في مصيبة؟
وقف متسمّرًا بجانب درج المتجر الكبير. نظرت إليه الفتاتان باستغراب.
هناك أربعة أو خمسة رجال من الأنتي-سكيل مسلحين بالقرب من المخرج. يرتدون دروعًا سوداء كاملة مع خوذ ونظارات واقية على رؤوسهم. بدوا كالروبوتات، وهم يمسكون برشاشات لم يرَ مثلها قط.
إندِكس لم تكن مقيمة شرعية في هذه المدينة. كانت تحمل بطاقة هوية زائرة مؤقتة، لكنه لم يكن يعلم من الذي أصدرها، ولم يغير ذلك حقيقة أنها هنا بطريقة غير قانونية.
إذا فتّشوها وأمعنوا فيها... أفلن يعتقلوها؟
لو كانت هذه حالة عادية، لما استحق الأمر التفكير. فإندكس على الأرجح ستكون بخير أثناء تجوالها في المدينة على أي حال. لكن هذه حالة طوارئ، والتفتيشات هي المعتاد. وسوف يفحصون بدقة أي شخص يبدوا عليه الشك ولو قليلاً. وقد ينتهي بهم الأمر باكتشاف أنها خارجية.
فعليا، كانت إجراءات الأمن المشددة في مناسبات مثل الأولمبياد أو كأس العالم تُجرى في الغالب للقبض على أعداد كبيرة من السكارى وغيرهم ممن لا يعيقون سير الفعاليات الحقيقية. والعلاقة بين نظام الأمن الحالي وإندكس كانت قريبة من هذا.
لم يعرف من هو الإرهابي، لكنه أراد أن يوجه له كلامًا قاسيًا. لو اقترب كاميجو وإندكس من المخرج بلا مبالاة، قد يقعان في قبضة الأنتي-سكيل، لكن لو بقيا هنا فقد يتعرضان للنيران المتبادلة.
لكن ما خياراتنا؟ أفضل أن أخضع لتفتيش الأنتي-سكيل على أن أعلق في تبادل إطلاق نار. تبا، أكره المواقف الخاسرة في كل الأحوال!
قرر كاميجو المغادرة، رغم المخاطر.
ومع ذلك، حدث شيء قطع تلك الأفكار في تلك اللحظة تمامًا.
تسللت أيدي غريبة إلى واقعه.
「—وَ~جَـــٰــٰــٰدتُــــُــُــُكُـــُــُــُــُــم」
صوت امرأة.
لكنه سمعه من الجدار؛ حيث لا ينبغي أن يكون.
وعندما نظر، تجمد جسده كله من الصدمة. على الجدار، على مستوى عينيه تقريبًا، كانت كتلة من الطين البني بحجم كف اليد. بدت مثل علكة ممضوغة ملصوقة.
لكن في وسط ذلك الطين، كانت كرة عين بشرية.
تتحرك ذهابًا وإيابًا، تتلفت حولها، تدور، وتتحرك بلا هدوء كعدسة كاميرا.
نظرت كازاكيري إلى ذلك بلا تعبير. بدا الأمر غير واقعي بالنسبة لها. ربما كانت مجرد عين زائفة من الزجاج مصنوعة. وكان كاميجو في موقف مشابه. شيء في قفا رأسه ألدغه وخياله لم يستطع معالجة المعلومات البصرية التي تصل إليه.
أما إندكس، فكانت تنظر إلى كرة العين بهدوء، دون أن تبدو متفاجئة.
سطح الطين تموج بوهنٍ، وخلقت تلك الاهتزازات صوتا.
「هيي. هي-هيي. هي-هي-هي-هيي. مكتبة الكتب المحظورة الإندكس، والإماجين بريكر، والمفتاح إلى منطقة الأعداد التخيلية... أيـــُّـــكُم أختــــٰـآر؟ ألا بأس لو اخترت؟ تي-هيي-هيي. لا أدري! احترتُ من كثرة الخيارات!」
كان صوتها ساحرًا ومبحوحًا في آنٍ.
كان الصوت الفاسد يُذكر بأغنية مغنية أتلفت حنجرتها بالتدخين—لكن بعد ذلك تحول إلى شيء مختلف تمامًا، قاسٍ وخشن، صوت يصعب العثور على مثيله حتى في أوسخ الحانات،
「—أرى أنه من الأسرع أن أقتلكم جميع، هِــــۤــه؟」
لم يستطع كاميجو معرفة ماهية هذا الصوت الغريب الذي يتسلل إليهم. هل الطين الغريب هو نتاج قدرة خارقة، أم كانت شعوذة؟ لم يستطع التمييز.
لكن إندكس أجابت فورًا، دون تردد.
「صورة إنسان مزيف مخلوقٍ من الأرض—التكوين في هذه التقنية القبالية مشابهة جدًا لتقنياتنا. خصوصًا الجزء الذي يستبدل الغولم —وهو حارس يهوذا— بملائكة إنجلترا الحارسة」
لم يستطع كاميجو مواكبة تحوّل إندكس المفاجئ في الأسلوب. حاول تفسير ما قالته، لكنه لم يستطع.
فقرر أن يطرح سؤالًا حاليًا. 「غولم؟ أهذه العين تقصدين؟」 سأل مشيرًا إلى الطين والعين الملتصقة بالجدار. كان منظرها مقززًا مُنفرًا مُشمئز، لكنه لم يشعر بأي تهديد على حياته منها. وغير ذلك، الغولمات التي يعرفها كانت دمى عملاقة ثقيلة مصنوعة من صخور ضخمة، وكانت تظهر في ألعاب الفيديو.
لكن إندكس أبقت نظرها على كرة العين الطينية، وردّت،
「هناك عادات شفهية متوارثة عبر الأجيال تقول إن الرب خلق الإنسان من الأرض. وما الغولم إلا فرع من هذا المفهوم. أعتقد أن الساحرة صنعت فقط جزء العين لكي تخصصها في البحث والمراقبة. فإن خلق غولما كاملا لأمر عظيم، ولذلك أظن أن صنع عينٍ فقط قلل التكاليف وجعلها تتحكم في الكثير منهم كقطع شطرنج」
عند شرح إندكس، أرسلت كرة العين تموجات على سطح الطين مرة أخرى، وضحك الصوت العميق.
لم يكن كاميجو يفهم كيفيتها، لكنه فهم على الأقل أن هذا الطين والكرة يشبهان سيارة يُتحكم بها عن بعد. أحدٌ ما يتحكم فيهم.
「إذن هذا يعني... أن تلك الساحرة هي الإرهابية، ها؟」
ضحك الطين قائلًا: 「هيهيي، إرهابية؟ إرهابية! فهل الإرهابي هو من يفعل مثل هذا؟ إني أتساءل.」
ثم تفتت الطين والكرة واندمجا بالجدار واختفيا.
وبعد لحظات...
صوت -غاثنك!- عالٍ هزّ كامل المركز التجاري تحت الأرض.
「ماذا...؟!」
اهتزّت البُنية كزورق صغير في عاصفة عاتية. كاد كاميجو يفقد توازنه. من زاوية عينه، رأى كازاكيري تمسك بإندكس بين ذراعيها قبل أن تسقط.
ثم هزّ زلزال آخر المركز التجاري كسفينة قراصنة أصابتها قذيفة. كان مركز الصدمة بعيدًا عنهم، لكن موجاتها ضربتهم وانتشرت في أرجاء المكان تحت الأرض.
تساقط الغبار من السقف.
وومضت أضواء الفلور مرتين وثلاث—ثم انقطعت فجأة كل مصادر الضوء معًا. وبعد ثوانٍ قليلة، بدأت أضواء الطوارئ الحمراء الخافتة تضيء محيطهم.
تحول تدفق الناس المنظم أثناء الإخلاء إلى حالة من الفوضى والذعر. تغلبت على طبلة أذنه أصوات أقدام جاموس غاضب تهرول بمحمومية.
ثم سمع صوتًا منخفضًا وثقيلاً.
بدأ ضباط الأنتي-سكيل يُنزِلون الحاجز عند المدخل قبل الموعد المحدد. كان سميكًا مثل بوابة قلعة فولاذية—ربما لمنع غمر الأنفاق بالمياه، أو ربما صُمم ليكون باب ملجأ محكم. على أي حال، نزل من السقف ليغلق المخرج. ضرب الأرض كما لو أنه يقضم ذيول الحشد. كاد الطلاب في المقدمة أن يُسحقوا تحت وزنه. والآن، بعد فشلهم في الهروب وحبسهم، بدأوا يقرعون الحائط الفولاذي في حالة ذعر كاملة. حتى بعض الأنتي-سكيل الذين كانوا يُفتّشون بدأوا يقتربون منه.
حوصروا.
تكدّس الناس كالسرادين عند المخرج الضيق، مكونين جدارًا يمنع كاميجو والآخرين من الاقتراب. لم يرغب في التفكير بذلك، لكن لو أنّ العدو قد توقع هذا، فسيعرف فورًا مكان وجود الجميع. ولعلها تعرف مكانهم سلفا، وكذلك تخطيط المكان وحالة البناء العامة. ربما استنتجت كل ذلك من تلك العيون الطينية التي أرسلتها.
「والآن، بدينا الحفلة...」
سمعوا صوت المرأة يتردد من الطين المسحوق. كانت كرة العين المدمرة، في لحظاتها الأخيرة، تكلمت كمبكر صوت مكسور.
「...اصرخوا كما تشاءون في قبركم العفن في الأرض!」
ثم مرة أخرى، ضرب زلزال أقوى فهزّ كامل المركز التجاري تحت الأرض.
- الجزء 9
كاميجو نظر حوله بحثًا عن مخارج أخرى ليتطمن، لكن جهوده باءت بالفشل. كل السلالم والمصاعد مغلقة بحواجز، ولم تكن فتحات التهوية واسعة بما يكفي لكي يمر أحد منها بادئ الأمر.
درجة الحرارة تحت الأرض ترتفع بسرعة، ربما بسبب انقطاع التكييف؟ مع أضواء الطوارئ الحمراء، شعر وكأنه أُلقي بهم في فرن. بدأ يشعر حتى بأن الهواء يخف، على علمه بأن ذلك مستحيل. شعر بالغثيان؛ كأنهم دُفنوا أحياء في تابوت ضخم.
وبينما كان ينظر إلى الممرات ذات الإضاءة الخافتة، تحدث بنبرة منزعجة، 「...هاجمتنا عندما رأتنا، لذا عليّ أن أذهب أولاً لأبحث عنها. إندكس، خذي كازاكيري واختبئا في مكان ما」
كان العدو يعلم مكانهم. مهما وَسُعَ هذا المكان المغلق، فإنها آخر الأمر ستجدهم لو بحثت.
عدوهم يصطادهم. والآن بعد أن سُدّت مهاربهم، لم يبقَ أمامهم سوى خيار واحد.
「أخرجُ وأوقفها قبل أن تلمس إندِكس أو كازاكيري. اللعنة. لو كنت أعلم عددهم، لوضعتُ خطة...」
فكر كاميجو بجدية في الأمر. إندكس، ومعها القِط، نفخت خديها بانزعاج.
「لا يا توما، اذهب أنتَ واختبئ مع هيوكا. العدو ساحر، فهذه مهمتي」
「مجنونة؟ لا يمكنك القتال ويداكِ كالشعيرية! اذهبي واضربي أحدهم بقبضتكِ لو استطعتِ، إنما سوف تؤذين معصمكِ. اذهبي مع كازاكيري واختبئا أيا مكان!」
「مه! توما، أظنك تخلط بين بعض الحظوظ التي عشتها والخبرات الحقيقية. لا يهم مدى سخافة قوتك إن كنت مجرد مبتدئ في السحر! لذا افعل ما يفعل المبتدئون واذهب واختبئ مع هيوكا!」
「هَهْ! ما تقولين؟ أنا الكاميجو توما، تجسيد النحس بشحمه. ولم أعرف الحظ في حياتي... اعع، الكلام يوجع، وأنا من قاله...」
بدأ يغرق في كراهية الذات. وقالت كازاكيري هيوكا المرتبكة،
「...م-مم... لا أعرف ما الحكاية، لكن... ألا... من شيء... مم، أفعله لأساعدكما؟」
「「كلا!」」 صرخا كاميجو وإندكس في نفس الوقت. فخفضت كازاكيري رأسها بحزن.
وفي اللحظة التالية، سمعوا خطوات تقترب من زاوية الممر.
「؟!」
حاول كاميجو أن يقف أمام إندِكس وكازاكيري، وحاولت إندكس أن تحمي كاميجو وكازاكيري بنفس الطريقة — فصدما بعضًا وسقطا متشابكين على الأرض. بقيت كازاكيري سالمة لكن متجمدة، وقد جمعت يديها على صدرها. كانت خطوات الأقدام تقترب بسرعة. القط الذي كاد يُسحق بين ذراعي إندكس أطلقت صوتًا وبدأ يُحرك قوائمه الأمامي بقلق شديد.
تك تك تك تكتكات الأقدام كانت كدقات ساعة الجد العتيقة.
ثم سمعوا صوت بِنتان من تلك الزاوية.
「يووه. كأنني أسمع قطة تصرخ هناك!」
「كُروكو، حسبتكِ لا تهتمين بالحيوانات؟」
「نعم، لكنني أعلم أنكِ تهتمين، أونيه-ساما」
「ء-أ-أنا لا...」
「ويه منكِ، أعرف كل شيء. كيف كنتِ تطعمين القطط الضالة خلف السكن يوميًا. لكن الموجات الكهرومغناطيسية الضعيفة التي يصدرها جسدك تُخوّفهم دائمًا وتجعلهم يهربون، فتجدين نفسك واقفة وحدك وبيدك علبة طعام القطط!」
「لماذا تعرفين هذا...؟! انتظري، كُروكو، كنتِ تتعقبينني مجددًا...؟!」
خرجت الفتاتان من الزاوية وتوقفتا عندما وجدتا كاميجو وإندكس ملقيين على الأرض. ومن البديهي أن ميساكا ميكوتو وشيراي كُروكو لم تكونا من الأعداء.
توترت على الفاضي...، كما فكر كاميجو. واسترخى جسده. نظرت ميكوتو إليه بغرابة.
「ما الذي تفعله هنا بالضبط وفوقك فتاة؟」
「...هوه هوه، ياه. وفي وقت كهذا أيضًا. يا لجرأتك」
لسبب ما، كانت شرارات صغيرة تتطاير من غرة ميكوتو، وتحدثت شيراي بصوت بارد وغريب.
ومع ذلك، لم تحرك إندكس شعرة عن كاميجو.
「توما، من الوقحتان؟ تعرفهما؟ وما علاقتكم؟ وتلك أم شعر قصير تبدو كتلك الجميلة الرائعة التي رأيناها من قبل....... لكنها مختلفة...؟」
「مء...!」 تلعثمت شيراي مندهشة. وبدأت ميكوتو ترسم ابتسامة – ابتسامةً خطيرة، كادت تبدو ودودة – تجاه إندكس التي بدت مستعدة للقتال.
أوه، صحيح. إندكس وميساكا ميكوتو لم تلتقيا من قبل.
فكر كاميجو محاولًا الهروب من الواقع.
لكن، لحظة. لماذا الأجواء بينهما تبدو... مشحونة؟
بعد لحظات قليلة، عاد إلى واقعه.
تبادلت إندكس وميكوتو النظرات.
「إذن اتضح أنكِ وتوما تعرفان بعضكما؟」
「اتضح...؟ لحظة، أنتِ أيضًا؟」
「...مم. آآ، يعني، هو قد أنقذ حياتي أو شيء كهذا؟」
「أوه... ركض إليك لينقذكِ؟ حتى وأنكِ لم تطلبيه، صح؟」
「「......،」」
ظل الصمت لوهلة، ثم تنهدتا معًا. آه! يبدو أن التوتر قد زال، كما فكر كاميجو متفائلًا.
「「هيه! فسّر! ماذا فعلت في غيابي؟!」」
لا، بل ببساطة غيّرتا الهدف. نحو كاميجو.
إيككك! أغلق كاميجو باب ذهنه الذي كان بدأ للتو بالانفتاح بعنف.
شاهدت كازاكيري وهو يُوبّخ بصوتين متزامنين، ويدها تغطي فمها وهي تتأرجح مترددة. بدت وكأنها تشفق عليه، لكنها لم تملك الجرأة للوقوف في الصفوف الأمامية في هذه المعركة. كانت تنظر يمينًا ويسارًا بقلق، ثم لاحظت أخيرًا أن شيراي تقف على بعد خطوات قليلة منها. فكرت كازاكيري في التوسل إلى شيراي، الطرف المحايد الوحيد، لتدخل وتُصلح، لكن...
「(...آه آه آه، فهمت فهمت، هي "مدينة" له بحياتها، ارتبت منهما طوال الوقت، عندما دخل ذاك القرد غرفة أونيه-ساما، حدث شيء في ذلك اليوم، ولم تخبرني كلمة عما حدث، ومع ذلك كَشَفَت كل شيء لهذا... رأس القنفذ... أهكذا الأمر؟ هِه هِه هِه. عجبا عجبا عجبا، هِه هِه هِه هِه)」
انزلقت نظارات كازاكيري على جانب واحد من أنفها بعد سماع تلك الهمسات الهادئة للغاية من الفتاة.
يبدو أن الفتاة أم قرنين لم تكن طرفًا محايدًا، بل كانت فصيلًا منفصلًا بحد ذاته. وبعد أن صارت الآن وحيدة تمامًا، تجمدت كازاكيري في مكانها، عاجزة عن فعل أي شيء. تعلم أنه من المستحيل عليها أن تتوسط في هذه الخريطة المعقدة من الانقسامات السياسية.
بعد أن أُطلق سراح كاميجو أخيرًا من محاضرتهما المطولة، زحف ليخرج من تحت إندكس. ثم شرح ببساطة وضعهم لميكوتو وشيراي. وبالطبع، لم يذكر التفاصيل المتعلقة بالساحر، لأنه يعلم أنهما لن تصدقاه.
「همم، لا أفهم تمامًا، لكن ما أراه هنا هو... أنكما تورطتما في متاعب مرة أخرى. لكن هذه المرة مع إرهابي، ها؟ إرهابي... كُروكو، أترين أنها قد تكون تلك المرأة القوطية التي رأيناها اليوم؟」
نظرت ميكوتو إلى شيراي بلا حماس.
「ربما. أليس من المناسب أن نفترض أن الأمر مرتبط فقط بناءً على خصائص الصوت الذي تقولون أنكم سمعتموه؟ ومع ذلك، لا أصدق أن يكون هناك إسبر هاجم المدينة الأكاديمية من الخارج. وجود إسبر طبيعي خارج المدينة لن أجده أمرًا غريب، لكن...」
「ربما يطورون القدرات في أماكن أخرى غير المدينة الأكاديمية؟ على أنني أرى أن الشائعات عن وجود قدرات خارقة لدى الغرباء لا تختلف كثيرًا عن نظريات المؤامرة الحكومية حول الأطباق الطائرة」
لم تكن كل من شيراي وميكوتو تعرفان شيئًا عن السحر، لذا حاولتا تفسير الأحداث الأخيرة من خلال مفهوم القدرات الخارقة للطبيعة فقط. نظر كاميجو إلى إندكس فرأى أنها تبدو متلهفة لتقول، لكنه رفع يده ليُهدئها. لا حاجة لتعقيد النقاش أكثر مما هو.
حفحفت شارة الجدجمنت على ذراع شيراي وهي تتنهد بعمق.
「يا ربي. كيف تركنا إرهابيا يدخل... عليّ أن أركز. سمعت أن اثنين اقتحما المدينة، لكن أحدهما يسبب كل هذه المتاعب. إني قلقة الآن بشأن الآخر」
همم؟ ما عسى كاميجو إلا أن يلتفت بما قالته شيراي.
「ماذا، كُروكو؟ هل من مشاكل أكثر؟」
「نعم. وفقًا للمعلومات التي وصلتنا من الأنتي-سكيل، هناك متسللان اثنان. دخلا عبر أماكن وطرق مختلفة، لذا اعتُبر الأمر حادثين منفصلين، لكن لا يمكننا التأكد」
هممممم.......؟ فإذ بعرقه يزداد أكثر فأكثر، وأبرد.
يبدو أن إندكس لاحظت ذلك أولاً، فسحبت قميصه بكلتا يديها وسألته: 「توما، وكأنك ترتجف. ما الأمر؟」
تبسمت لها ميكوتو، 「هِهِهِه... ربما لأنكِ خشنة معاه ومزعجة」
「لستُ مزعجة!!」 صرخت عليها، وكاميجو تجاهلهما.
「عذرًا، من فضلكم، لا تغضبوا مما سأقول. أظن أن المتسلل الآخر ربما يكون، ءء، أنا.」
「「「؟؟؟」」」
ثم بدأ كاميجو خدعته الذكية ليهرب من كل تلك النظرات. 「اسمعوا... قابلتُ معتوها اسمه ياميساكا البارحة. واضطررنا، حقا اضطررنا، إلى مغادرة المدينة الأكاديمية لأساعد صديقته، وبعد أن أنهينا تلك المشكلة، عدت هذا الصباح، فـ... همم... ماذا؟ ميكوتو، شيراي، لماذا تتنهدان كأنكما تفهمان كل شيء وأن هذا مجرد مرض أعاني منه؟」
عرف غريزياً أنه عليه تغيير الموضوع إلى غيره. فأشعل محركات عقله على أقصى سرعة وسعة، 「مهلا، ما الذي تفعلاناه هنا أصلاً؟」
「أنا من الجدجمنت، لذا جئت لإخلاء الناس الذين حُبسوا هنا. فأنا متنقلة آنية」
「هاه، وأنتِ، ميكوتو؟」
「أه، ءء، لم أكن...」
「؟」
「مه-ماذا؟! وما يهمك أنت؟」
صرخت ميكوتو فجأة، واحتدم وجهها احمرارًا، مما أربكه. أغمضت شيراي إحدى عينيها ولم تخفي استيائها.
「(...حسنًا، لن أقول أنها كانت ترافقني أثناء عملي ثم رأتك على كاميرات مراقبة "الكود الأحمر" في المكتب ثم ركضت إلى هنا لأنها قلقت عليك. هذا ليس شيئًا أجهر به)」
نظر كاميجو إليها، فردّت بازدراء عليه همف! ثم ابتعدت.
غافلا لما يحدث تحت السطح، فكر في قدرتها على التنقل. علّه سيكون سهلاً جدًا الخروج من المركز التجاري المغلق تحت الأرض لو استخدمتها.
「أنا في الأخير من الجدجمنت، لذا لن أتغاضى عن تلك الإرهابية، أو أيا كانت،」 وألقت نظرة إلى الممر المظلم. 「لكن أرواح الإنسان مُقدَّمة. إذا كان صحيحًا أنهم أغلقوا الحواجز قبل الموعد، فلا وقت لدينا. إذا كانت معركة كبيرة تكاد تحدث هنا، فيجب علي إتمام الإخلاء قبل ذلك」
حتى الآن، هناك عشرات الطلاب لم يتمكنوا بعد من الهروب متجمعين حول البوابة. ولا يزالون يحاولون عبثًا فتح الجدار الفولاذي، رغم استحالة ذلك.
「حسنًا، سأكسب لكِ وقتاً لتخرجي المحاصرين، هل تستطيعين أخذهم إلى الخارج؟」
ما إن قال ذلك حتى أشارت شيراي وميكوتو وإندكس إليه بغضب في نفس الوقت. شزرته ميكوتو ومعها إندكس، كأنهما تتفقان الآن في أغبى الأوقات. أما كازاكيري، الوحيدة الباقية، فلم تستطع جمع الشجاعة للرد، فلوّحت بيدها عبثا.
تحدثت ميكوتو بلسان الجماعة.
「اخرج أنتَ من هنا أولا. أعني، كلكم هدفٌ مباشر! هل تظن أننا سنترك أخطر شخص في ساحة المعركة؟!」
「...يعني، طبعا لا، لكن...」 حك كاميجو رأسه، 「يدي اليمنى تلغي كل القدرات، بما في ذلك قدرة شيراي」
「الآن بعد أن ذكرت... قد فشلتُ تلك المرة عندما جئتَ إلى مسكن الفتيات، لا؟」
عندما جاء...؟ فإذ بعيني ميكوتو تُحدِّقُه. ابتلع ريقه وتراجع خطوة. لأسباب مختلفة، كان قد اقتحم غرفة ميكوتو مرة دون استئذان.
「ع-على أي حال، لا أستطيع الخروج بقدرة شيراي، لذا الشيء الوحيد الذي يمكنني إياه هو أن أقاتل」
عندما سمعت إندكس ذلك، تمسكت بذراعه.
「إذن أبقى معك هنا!」
هذه المرة، وجدت إندكس نفسها محاصرة من أربعة — كاميجو، ميكوتو، شيراي، وكازاكيري، كلهم جميع. حتى كازاكيري الخجولة بدت وكأنها استجمعت شجاعتها. كانت عينيها مغلقتين بإحكام، لكنها بالتأكيد وجهت ضربة بيدها إلى قفا إندكس.
وقفت شيراي ويدها على وركيها، 「ولكن لقدرتي حدود...، أستطيع أن آخذ اثنين معي في كلّ تنقل. وإن كانت هذه الشقية أثقل مما توقعت، فقد لا يكون الأمر سهلاً」
「همف! مضحك، وما الشقية إلا تدعوني بالشقية؟! أنتِ؟!!」
「م-ماذا ماذا؟ مسطحة كاللوحة أنتِ وتقولين لي هذا...؟!」
تنهدت ميكوتو على شيراي الغاضبة، 「كفى كفى، لا تكبري الموضوع. في الأخير، كلتيكما طفلة」
ومن مسافة أبعد، وبمنظور طالب الثانوية، بدت ميكوتو طفلة أيضًا. قرر كاميجو أن يبتسم ابتسامة باهتة ويصمت، فهو في النهاية يتكون بنسبة 50% من طيبة نقية ومكررة.
أما كازاكيري، فكانت تبعد خطوة أبعد، تنظر إليهم كما تنظر معلمة الروضة أطفالها. لكن لم يلاحظها أحد.
「يمكنك حمل اثنين فقط، ها؟ طيب، إذن خذي إندكس وكازاكيري أولاً」
「توما، أتقول أنك ستبقى هنا مع أم شعر قصير؟」 قالت إندِكس بنبرة باردة غريبة، وكان نابها يلمع في الظلام كأنها تقول إن استعدادها للهجوم قد اكتمل، وما تنتظر إلا إشارة منه.
「...آخخ، طيب طيب، خذي ميكوتو وكازاكيري」
「أوه هوه، اخترت أن تبقى هنا مع هذه القزمة؟ همم」 بدأت شرارات الكهرباء الساكنة تتراقص حول غرة شعر ميكوتو البني. الشرارات الزرقاء البيضاء تفرقعت بين الحين والآخر، تنير الظلام.
「آآه، اللعنة! إذن خذي إندكس وميكوتو!!」 صرخ كاميجو ويكاد يتمزق من شدة الغضب. فتنهدت شيراي.
「طيب، آخذ أونيه-ساما وهذه الصغيرة، وسوف أقفز إلى هناك بنفسي」
「هاه؟ أليس من المزعج التنقل بين السطح وتحت الأرض كثيرًا؟ ألا يكون أسرع لكِ أن تُرسلي واحدًا في كل مرة؟」
「تحكمي وإرسالي يكون أدق إذا ذهبت معهم. لو أرسلتهم عشوائيًا، فلربما أخطئ فأُدخلهم في مبنى عشوائي. لا أريد أن أكون مسؤولة عن خلق أعمدة بشرية غريبة. الآن، أعذراني」
وضعت شيراي يدها على ميكوتو وإندكس وهما تتبادلان النظرات.
وفي اللحظة التالية...
سمع دوي خفيف عندما اختفت إندكس وميكوتو وشيراي في الهواء كأنهن تبخرن. ظن كاميجو أنه سمع ميكوتو تقول في الأخير شيئًا مثل، 「هاه؟ انتظري، كُروكو! دعيني أبقى!!」 لكنه فكّر أنها ربما كانت قلقة على زميلتها الأصغر التي ستبقى وحدها في ساحة المعركة.
نَظَرَ هو وكازاكيري إلى السقف تاليا، هل وصلوا بأمان إلى هناك؟
「إذن أولاً هاتان... آسف أنني تركتك هنا」
「لا، لا عليكِ. لا بأس لو كنتُ الأخيرة... لكن ماذا عنك—」
انقطع كلامها فجأة حينما... رع-رعشش!! اهتز كامل المجمع تحت الأرض مرة أخرى هزةً عنيفة.
لكن، وعلى عكس المرات السابقة، بدا هذا الانفجار أقرب إليهم. بدأت أصوات انفجارات الأسلحة مع الصيحات والغضب تتسلل إليهم من الممرات المظلمة.
هل بدأ الحدث الرئيسي؟... أبكروا كثيرا!!
كان خصمهم قد فحص المجمع تحت الأرض بعيونٍ، لذا لم يكن مفاجئًا أن يتجه مباشرة نحوهما.
سمع الطلاب المتجمعون بجانب الحائط أصوات القتال من بعيد وعمّ الذعر مرة أخرى. مهما كانت قواهم فريدة، فهم طلاب عاديون في الأخير. بدأوا جميعًا يركضون للهرب، ليبتعدوا خطوة أو أكثر عن الخطر، لكن بفضل الإضاءة الطارئة الحمراء الخافتة، ضرب بعضهم بعضا وتعثروا مثل الدومينو.
ركز كاميجو نظره باتجاه الممر.
لا وقت للتفكير في هذا.
إذا حدث قتال هنا، حيث العشرات من الطلاب، فستكون هناك بالتأكيد خسائر. يده اليمنى تستطيع إلغاء أي قوى غريبة، لكنه لم يكن واثقًا أنه سيحمي كل هؤلاء.
إذا لم أستطع تجنب القتال مهما كان، فإذن...
كان قراره سريعًا.
「آسف يا كازاكيري. انتظري هنا حتى تعود شيراي」
「هاه... ماذا عنك...؟」
وفي أثناء حديثها، هزة قوية أخرى هزت المجمع تحت الأرض. كانت هذه المرة قريبة جدًا. هبت نسمة دافئة عبر الرواق ومرّت بجانبهما.
بدأت أصوات إطلاق النار والصراخ تتضح تدريجيًا أكثر وضوحًا وحيوية. ليسوا بعيدين عن العدو بعد الآن.
وجه نظره إلى الظلام أمامه دون أن ينظر إليها وقال بهدوء،
「سوف...أوقفها」
واكتفى بهذا. دون انتظار رد، انطلق في الظلام.
لم يكن يعرف من هو العدو أو مدى قوته، لكن الأصوات التي تصل إليه تكفي أن تُرعِده. إذا وصل الأمر إلى هذا الحد، فمن المؤكد أن عشرات الأرواح ستُزهق. وتكون كازاكيري هيوكا من بينهم.
وهذا أمر لا يمكن أن يسمح به.
ركض في الظلام، مشدّدًا قابضًا قبضته اليمنى.
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)