-->

الفصل الرابع: تَوَقُّفٌ كَامِلْ. — Beast_Body, Human_Heart.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء 1

على عكس الظلام الذي لفّ باطن الأرض، كانت أشعة الشمس على السطح ساطعة تبهر الأبصار.

تُركت إندكس وميساكا ميكوتو وحدهما في الشوارع، إذْ تركتهما شيراي كُروكو ولا تزال تخرج الطلاب العالقين من تحت الأرض.

ولأن كاميجو والبقية لم يعودوا بعد، فإن العودة إلى المنزل الآن ستكون تصرفًا قاسيًا. ولكن ليس لديهما ما يتحادثان عنه. خيّم صمت ثقيل على الاثنتين تحت السماء الزرقاء التي كانت تضربهما بأشعة الشمس.

—آفف، كُروكو...

تمتمت ميكوتو تتأفف من زميلتها الغائبة. أمكنها أن تدمر الحاجز الفاصل في السوق التجاري تحت الأرض بطلقتها الريلغن، لكن الإرهابية قد تهرب حينها. لم يكن بإمكانها المخاطرة بعمل متهور إلى هذه الدرجة.

والقطّ بين يدي إندِكس بدأ يتلوّى، غير راضٍ عن الحرارة.

وثم أخيرًا قالت، 「...حررر~」

「إي」 أومأت ميكوتو. 「لكن لِمَ تلسبين هذه الملابس في هذا الحر المجنون؟ عباية بأكمام طويلة كأنها بطانية؟ أوه، هل بشرتك تتحسس من الشمس؟ أظنني سمعت في التلفاز أن من يفتقرون إلى الصبغة يحترقون من الشمس بسرعة」

「لم تزعجني من قبل. وأساسا، الآن بها نسيم يلطف الحال يمرّ عبر القماش」

「هاه؟...ول، الآن بعد النظر، أهذه دبابيس في كل جزء على القماش! كيف تمزق زيّك إلى هذا الشكل؟」

「أعع... هذه جراحٌ قديمة لا أود فتحها، لذا أفضّل ألا أتحدث عن السبب...」

أقفلت إندكس الحديث عند هذا الحد، فعاد الصمت ليسيطر من جديد. لكن بعد أن تحدثتا، تضيقت ميكوتو من عودة السكون بينهما.

「جِد تأخروا」

「...نعم. لا أدري ما أفعل. يبدو أن تلك الساحرة نصبت عينيها على هيوكا. تعويذاتها كانت تشبه تمامًا تعاويذ لندن. آمل أنني لستُ إلا أبالغ في التفكير...」

「؟」 ارتبكت ميكوتو. لم تعتد سماع كلمات مثل "ساحرة" و"تعاويذ" تُقال.

حين أخرجت شيراي كروكو إندكس من تحت الأرض، لم تشكرها؛ بل بدأت تحدث جلبة، مطالبةً أن تعرف لماذا خرجت أولا، ومصرّة على أن تعيدها إلى هناك في الحال. وتذكرت ميكوتو أنها سمعت الفتاة تذكر كلمة "ساحرة" حينها أيضًا، وكأنها تهذري.

فكّرت في الأمر للحظة، ثم قررت أنه لا يستحق عناء التفكير. من ملابسها، بدا واضحًا أنها على علاقة بكنيسة ما. ولِمَن لا يمتلك أي معرفة بالعِلم، لا بد أن الأسابر يبدون وكأنهم يستخدمون السحر.

「هيوكا... هو اسم الفتاة التي كانت معكم، صح؟」

「نعم. أوه، لكن توما لم يجلبها معه هذه المرة! أنا من التقيتها أولا」

「..."هذه المرة" هاه؟ إيه إيه」

أشاحت ميكوتو نظرها وابتسمت ابتسامة قاتمة، لكن إندكس البريئة لم تلاحظ. بدأت تتمايل يمنة ويسرة، ولا تزال تحتضن القط.

「آخخ... أشعر بالقلق. تركُ فتاةٍ في مكانٍ مثل ذلك لأمرٌ، لكن تركها مَعَ توما في الظلام لأمرٌ مختلف تمامًا!」

「...همم. لسببٍ ما، لا أظننا كنا لنتفق إلا في مثل هذه اللحظات」 توقفت ميكوتو قليلًا. 「ليس وأنني مهتمة أو أي شيء، لكن ألا تخافين عليه البتة؟」

توقفت حركة إندكس للحظة.

「من؟ توما؟ لا، لا أخاف عليه. هو دائمًا ما يرجع إلى البيت، مهما حصل」 أجابت، رغم أن كلماتها كانت متناقضة. لو لم تكن قلقة حقًا، لما انتظرته بصبر تحت شمس حارقة كهذه.

أظن لا فائدة لو قلت لها ألا تقلق الآن،

كما فكّرت ميكوتو، متأملة كيف انتهى حديثهما مجددًا. ومن ناحية أخرى،

همم. "يرجع إلى البيت"، هاه؟

يرجع إلى من؟ — لم يكن من داعٍ للجهر بها. الفتاة فضية الشعر على الأرجح لم تقصد بها أي دلالة خاصة، لكن هذا ما جعل وقع العبارة أقسى. بالنسبة لهما، يبدو أن الأمر بات من البديهيات، لا شيء يلفت انتباههما. ولقد أصبح جزءًا من حياتهما المعتادة.

عبثت ميكوتو بغرتها.

فماذا؟ لماذا صُدمت؟ عبست وهي تحاول فهم شعورها.

ثم، وبمواء حاد، قفز القط الكاليكو من بين ذراعي إندِكس فجأة وهرب.

「آه!」

صرخت إندِكس، في الوقت الذي أعادت فيه ميكوتو انتباهها مبتعدة عن أفكارها، لتشاهد القطّ يقفز على الأرض ويلوذ بالفرار، وكأنه يقول، أبوكم أبو حرّكم.

ركضت إندِكس على الفور وراء الفارّ الصغير، لكنها توقفت فجأة. نظرت بحيرة بين القط الهارب وميكوتو. بدت وكأنها تريد اللحاق به، لكنها ترددت من ترك المكان.

「لا عليك. سأبقى هنا، فاذهبي وأحضري ذلك القطّ. وعلى كلٍّ، لا أستطيع اللحاق به. القطط لا تحبني بصراحة」

「آسفة! وأشكرك... هَيي، عُد إليّ يا سفينكس!!」

انحنت إندِكس بسرعة، ثم ركضت خلف القط إلى ظلّ خلف متجر صغير، واختفت. اسمه سفينكس؟ ذوقها في الأسماء فظيع. لا أدري ما أقول. كما فكرت ميكوتو.

وفجأة، لاحظت غطاء فتحة المجاري عند قدميها يهتز.

「مه؟」

تساءلت، ثم رأت غطاء صندوق الفكة في آلة البيع على الجانب الآخر من الشارع يتحرك هو الآخر، يتمايل ذهابًا وإيابًا. وبدأت أوراق الأشجار التي تصطفّ على جانبي الطريق تتمايل أيضًا، رغم أن الرياح لم تكن تهب.

لم يكن أشبه بزلزال. كانت الارتجافات الغريبة أقرب إلى ما لو كان وحش كايجو عملاق يسير في مكان بعيد.

علّ القطّ شعر بتلك الاهتزازات بحواسه الحيوانية، فهرب بسببها؟ كما فكّرت.

  • الجزء 2

جلست كازاكيري هيوكا منهارة على أرضِ مَركزِ التسوّق السفلي المظلم.

لم يتبقَ لا فيضان الأضواء الساطعة ولا العاصفة الطاحنة من إطلاق النار. كان ضباط الأنتي-سكيل مشغولين بالصراخ في أجهزتهم اللاسلكية محاولين منع شيري من الهروب إلى السطح.

فجأة، سمعت الفتاة أُناسًا يتجادلون. نظرت فرأت كاميجو وضابطة أنتي-سكيل يتجادلان — في الواقع، كان كاميجو غاضبًا إلى درجة أنه كاد أن يَزُخّها.

「قلتُ لكِ إن ذلك الشيء لم يعد في المجمع السفلي! فلماذا لا تفتحون أبواب المجمع؟!」

「ولقد أخبرتك هذا عشرات المرات — أولئك الذين يتحكمون بالمجمع تحت سلطة مختلفة عن سلطتنا، مفهوم؟ نحن على اتصالٍ بهم، لكن بيننا تسلسل قيادة واضح. ستستغرق رفع البوابات بعض الوقت!」

「ويلهم!」

سبّ كاميجو وركل الحائط. ارتجفت كازاكيري من المفاجأة، لكنها أدركت أنّ به غرابة. التهديد الفوري —شيري— لم تعد هنا. فما الذي أثار سخطه إلى هذا الحد؟

بدا على ضابطة الأنتي-سكيل التي كلمها كاميجو وكأنها تتلقى رسالة عبر جهازها اللاسلكي. غادرته وبدأت تتجادل عبره مستخدمة الكثير من المصطلحات المتخصصة أو الاختصارات أو مثل هذا.

انزلقت كازاكيري نحو كاميجو كسمكة تنجرف مع التيار. بدا الشاب مخيفًا بعض الشيء، لكنه كذلك به هالة تجذبها نحوه، كطفلٍ يكاد ينحب.

「...م-ممم... شكرًا على... على ما فعلته」

「نن؟ ليس من داع للشكر حقًا. بأي حال، أنتِ بخير؟」

「آه، نعم... أظن... أظننني بخير، لكن... أ-أمم، هل... هل من خطب يحدث...؟」

لم يقل كاميجو شيئًا لبضع لحظات. بدا وكأنه يصارع فيما إذا كان يجب أن يخبرها أم لا. وأخيرًا، تكلم. وببطء أخبرها — ليس وكأنه يختار كلماته بعناية، بل كأن ما كان مكبوتًا في داخله يتسرب قطرةً قطرة.

「شيري كرمويل... تلك المرأة القذرة القوث لوليتا لم تهرب. بل اختارت هدفها التالي — إندِكس」

「هَه...؟」

「على ما يبدو، لم تأتِ هنا لقتلك أو قتلي. تحت ظروف معينة، يمكنها أن تهاجم من تشاء. وإحدى أهدافها هي إندكس」

حبست كازاكيري أنفاسها. ولقد تذكرت تلك المرأة الشقراء تقول شيئًا من هذا القبيل. كانت كازاكيري وكاميجو تحت حماية الأنتي سكيل، لكن إندِكس بلا دفاع. إذا كانت تختار مهاجمة أي أحد، فمن البديهي أن تختار أسهل الخيارات.

「كنت أجادل تلك الضابطة، لكنها تقول أنهم لا يستطيعون فتح المجمع السفلي بعد. لن نخرج ما لم يرفعوا تلك المصاريع السميكة!」

「... و-ولكن... عنهم... هناك الكثير من ضباط الأنتي-سكيل على السطح أكثر مما هنا... ألا نطلب منهم أن يحمونها....؟」

「لا نَقدر」

رأت كازاكيري أن اقتراحها منطقي، لكن كاميجو رفضه دون تفكير.

「ما... لماذا؟」

「إندِكس لا تعيش في هذه المدينة. إذا عثرت عليها الأنتي-سكيل، قد تُعتقل. ليس أمرًا مؤكدًا... لكن من الممكن أن يحدث」

ثم خفض كاميجو صوته. 「لديها بطاقة هوية ضيف، لكن من يدري إن كانت ستفيد الآن، ونحن في حالة طوارئ وتحت [الكود الأحمر]؟ لربما يطلبون منها إبراز هوية أخرى، مثل رخصة أو بطاقة ائتمان」 ثم تمتم بانزعاج. 「تلك ستكون ورطة. خلاصة الأمر، ليس لديها هوية رسمية. لا بطاقات مصرفية، لا تأمين، لا إثبات سكن — لا تعرف حتى عمرها، أو فصيلة دمها، أو تاريخ ميلادها. و"إندكس" هو واضحٌ أنه اسمٌ مزيف. فهل تظنين أن من يبحثون عن دخيل مريب سيسمحون لورقة بيضاء أن تمر؟」

عند ذلك، أدركت كازاكيري أخيرًا سبب هلع كاميجو. مقارنة بكازاكيري هيوكا، كانت إندكس تملك عددًا أقل بكثير من الحلفاء، على وجود هذا العدد الكبير من الناس في المدينة.

「لـ-لكن... أنا... أنا أيضًا لا أعيش هنا فعليًا...」

「وضعك مختلف قليلًا. هويتك غير مسجلة في المدينة، وهذا كل شيء. قد تكونين مختلفة بعض الشيء عن الطبيعي، لكن هذا لا يعني أنكِ خطيرة. أما إندِكس فمختلفة. هي أساسًا تابعة لمنظمة خارج مدينة الأكاديمية. ولهذا السبب، قد يُحكم عليها بأنها شديدة الخطورة」

أنهى كاميجو كلامه وبدأ بالمشي مبتعدًا. فسارعت كازاكيري للحاق.

كان متجهًا نحو حافة الحفرة الكبيرة في الأرض التي هربت منها المرأة الشقراء.

「علّي مضطر للذهاب من هنا. تبًا. الأبواب ها هي هناك على بعد خطوات. لأمكنني التغلب عليها بسهولة لو أنهم فتحوها. لِمَ عليّ أن ألاحقها بهذه الطريقة؟!」

أطلّت كازاكيري في الحفرة.

بدون ضوء، كانت حالكة السواد. لم تستطع رؤية القاع. هل سيكون بخير إن قفز إلى هناك؟ من يدري كم يبلغ عمقها؟ حتى إنه لن يستطيع أن يقدّر لحظة وصوله إلى الأرض ليخفف الصدمة. وفوق ذلك...

「م-مهلًا... هل... هل تذهب وحدك؟」

كانت كازاكيري ترى أنه ينبغي عليهم إبلاغ الأنتي-سكيل، حتى لو كان في ذلك مخاطرة. كانت تعرف مدى رعب تلك المرأة الشقراء. فقد دمّرت جسد كازاكيري مرارًا.

وأمكنها أن تجزم أنها ليست خصمًا يمكن لطالب مدرسة ثانوية أن يواجهه دون تفكير.

وربما كان كاميجو يعرف ذلك أيضًا. السبب الوحيد لنجاته هو العدد الكبير من الأنتي-سكيل الذين فرضوا السيطرة على الوضع. حتى دبابة لن يمكنها هزيمة ذلك الشيء وجهًا لوجه. كان وحشًا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

لكن، حتى مع معرفته بكل ذلك، لم يترنح.

كانت تعرف السبب دون أن تسأله. كان يؤوي عدوًا لمدينة الأكاديمية. وأراد أن يحميها مهما حدث.

كازاكيري تفهم هذا الشعور جيدًا. فإندِكس صديقة عزيزة، بل أول صديقة كوّنتها. أن تخسرها — أن تفكر فقط في أنها قد تُصاب بأذى — جعل شعر جسدها ينتصب.

لكن...

ذلك ليس سببًا مقنعا لأن يُصاب كاميجو نفسه بأذى.

إذا كان كاميجو يشعر بهذه القوة حيال خسارة إندكس، فإنها تتمنى بكل صدق ألّا يخسر هو الآخر تلك الرابطة معها.

كان عليهما حماية إندكس من ذلك الوحش.

ولن تسمح ولا تتمنى أن تترك كاميجو توما يقاتل ذلك الوحش.

فما الذي يمكن أن يحقق كِلا الشرطَين؟ تجمدت كازاكيري حين خطرت لها فكرة.

هناك حل.

「...لا، لا بأس... هناك حل... لإنقاذها... من دون أن تضطر أنتَ للذهاب」

عبس كاميجو ونظر إليها بريبة.

لتواجه... وحشا... عليـ... عليك أن ترميه بوحش آخر

شهق كاميجو، وابتسمت كازاكيري ابتسامة ناعمة.

「أنا... أنا لا أعلم إن كنت قادرة على الفوز ضد الوحش... لكن قد أكون على الأقل... طُعمًا... وأفتح لها مجالا للفرار... بينما يضربني. لأنني... لأنني مثله وحش. هذا... هذا كل ما عساي، لذا...」

لم يعرف كاميجو ما يقول لذلك.

لكن تعبيره تغيّر من الدهشة إلى الغضب.

「أما زلتِ على هذا؟! اسمعيني! يبدو أنك لم تفهمين، لذا سأوضحها لك. أنتِ لستِ وحشًا! لِمَن برأيك ركضنا جميعًا هنا لنحميه؟! لماذا لا تفهمين ذلك؟! لماذا لا تحاولين حتى أن تفهمي؟!」

كلمات كاميجو توما كانت صريحة وخالية من الأكاذيب. وعندما رأت مدى غضبه من كلماته التي تحمل شيئًا من جلد الذات، انقبض صدرها.

「أتحسبين أنني سأسْعَدُ إن فعلتِ ذلك؟! أتحسبين إندكس لِتُدير لكِ ظهرها وتهرب بينما يضربك الوحش ويسحقك؟! هراء! حتى لو تخلّيتِ عنا، لن نترككِ تموتين! لن نفعل ذلك أبدًا!!」

ومع ذلك، فقد أدرك هو أيضًا.

الشيء الذي وقف كاميجو والأنتي-سكيل في وجهه ليحمون كازاكيري هيوكا كان لا يزال وحشًا، مثلها تمامًا. ذلك الوحش أُطلق عليه الرصاص، وتفتت إلى الأرض، وتناثرت بقاياه في كل مكان.

وحتى حين نظروا إلى تلك البقايا... لم يشعر أحد بشيء حيالها.

في النهاية، هذا هو معنى أن تكون غير بشري.

「...لكن لا عليك. لا بأس... بكوني وحشًا...」

أعلنت كازاكيري، دون أن تُبعد نظرها عن عيني كاميجو.

「أنا... وحش... مهما لكَمَني ذلك التمثال، لم أمت. أنا... وحش... وهذا يعني أنني أسْتَطِيعُ مواجهته...」

ثم قالت شيئًا أخيرا، تختم به الحديث.

「أنا... أسْتَطِيع أن أحمي عزيزةً عليّ... بقوتي. لذا أنا... سعيدة بكوني وحش」

ابتسمت، ثم قفزت فوق حافة الحفرة التي خلّفتها شيري. صرخ كاميجو ومد يده، لكنه توقف في منتصف الطريق. فقد تحركت يده المهيمنة لا إراديًا لأنه لم يملك وقتا للتفكير... أي يده اليمنى.

تلك اليد ذات القوة المطلقة، التي تمحو أي وحوش تلمسه.

وهو كذلك، لا بد أنه عرف في أعماقه.

أخذت الجاذبية جسد كازاكيري تبتلعها داخل الحفرة. ابتسمت بهدوء. كان كاميجو يلوم نفسه لأنه أوقف يده بذلك الشكل، لكن ابتسامتها أخبرته أنه ليس مذنبًا.

وسقط الوحش في الظلام.

من هذا المكان في أقاصي الأرض، حيث قُبلت أخيرًا، إلى أعماقٍ أشد ظلمة.

  • الجزء 3

وما إن هبطت في أسفل الحفرة المظلمة، أحدث كاحلاها خرخشةً خشنة.

هي على أرضية محطة قطار الأنفاق. والحفرة كانت أعمق مما تظن، ونظرًا لوعورة الأرض من القضبان، لم يكن من السهل كبح سقوطها. في الواقع، لو كانت إنسانة عادية، لتحطمت عظام كاحليها إلى مئات القطع، ولكانت تتلوى ألمًا في هذه اللحظة.

نعم، لَوْ كانت إنسانةً عادية.

قد سمعت بالتأكيد صوت تكسّر كاحليها وشعرت بألم خافت. ومع ذلك، تلاشى الألم في أقل من خمس ثوان. نقرت بأطراف أصابع قدميها على الأرض عدة مرات، كما لو كانت تعدّل حذاءها، لكن لم تجد أي مشاكل أخرى. قوة غريبة تدفقت في عروقها، كما لو أن تروسًا معزولة قد انطبقت أخيرًا على بعضها. هل كانت هذه هويتها الخاصة؟

ركضت عبر الظلام.

هذا المكان لم يُصمم لمرور البشر — بل كان أكثر ظلمة واتساخًا من المُجمع التجاري السفلي. صف من الأعمدة الخرسانية فصل الممر إلى قسمين، مع قضبان على كلا الجانبين تسير في اتجاهين متعاكسين. توغلت أعمق فأعمق، معتمدةً على ومضات أضواء بالكاد تعمل. كانت تعرف تمامًا مقصدها. ففي الأرض الخرسانية آثار أقدام واضحة كأنها في الثلج. من المحتمل أن التمثال الثقيل هو من خلّفها.

ركضت عبر الهواء الراكد كأنها سكين.

في كل مرة ترى فيها الأضواء تومض وتنطفئ في الظلمة، شظيةٌ أخرى من ذاكرتها المكسورة تغمرها.



هي لم تكن إنسانة.

في يومٍ، قبل عشر سنين...

عندما استعادت كازاكيري هيوكا وعيها، كانت في وسط المدينة واقفة.

لم تكن المدينة هي مدينة الأكاديمية. ومع ذلك، تقع في نفس الموقع تمامًا. كانت مدينة سراب لا تُرى، خُلقت بواسطة الحقول المنتشرة اللا إرادية —AIM— التي تصدر عن 2.3 مليون إسبرٍ في مدينة الأكاديمية.

في تلك المدينةِ السراب، لا ظلال ولا أوزان ولا حركة في الهواء. بالكاد بدت موجودة أصلا. المباني، الأشجار، الناس، كانوا يتمايلون أحيانًا، كأنهم لهيب شمعةٍ تهبُّ عليها الرياح، وكان هناك ضجيج رمادي، بدوا كحشراتٍ أخطأتْ تحسبُ الألوانَ الوقائية ألواناً خطرة.

لو كان هناك من يستطيع رؤية الحقول المنتشرة اللا إرادية على نحوٍ صحيح، لأدرك أن تلك المدينة السراب تتراكب تمامًا مع مدينة الأكاديمية.

لم تكن كازاكيري هيوكا الشيء الوحيد الذي خلقته تلك الحقول — بل شملت مباني، وطرقات، وأشجار، وسيارات، وجموعًا من الناس.

لقد كانت إنسانة صُنعت من تلك الحقول، تعيش في مدينة صُنعت من تلك الحقول.

—عادت إليها الذكريات شيئًا فشيئًا كشظايا متداعية.

—شعرت بالقيود غير المرئية التي تكبلها تتحلل واحدةً واحدة.

حتى الآن، لم تكن تفهم كيف وصلت إلى تلك المدينة السراب.

كما لو أنها استيقظت من حلمٍ يقظة في لحظة ما. وما إن أدركت ما حولها، حتى كانت في وسط طريق. من خلال ما كانت تملكه من أشياء، عرفت اسمها، عنوانها، رقم جوّالها، ومعلومات أخرى.

لم يكن لديها أي وسيلة أخرى لمعرفة ما الذي يحدث.

والناس المارة لم يخبروها بشيء.

وكانوا غريبين في الأساس. أشكالهم تتغيّر حسب المكان الذي يكونون فيه. رأت الفتاة موظفاً ينظف نوافذ متجره، وبعد لحظة تحوّل الموظف إلى عامل نظافة يرتدي زيًّا مخصصًا. ثم، عندما فرغ من مسح النافذة، تحوّل من عامل نظافة إلى طفلٍ صغير يدخل المتجر. يأخذ الآيس كريم ويتجه إلى صندوق الدفع، ثم تحوّل الطفل إلى والدة تخرج محفظتها وتدفع.

—بدأت تفكر في نفسها، ليس كـ"إنسانة"، بل مرة أخرى كـ "وحش".

—وشعرت بالقوة تتدفق في كل عصب من جسدها، كما لو أن المحددات الداخلية قد أُزيلت — لا، بل كما لو أنها قد أصبحت تمتلك وصولا كاملا إلى القوة التي كانت تملكها دومًا.

جميع سكان المدينة كانوا كذلك. كل شيء، من مظهرهم إلى شخصياتهم وذكرياتهم، كلها تتغير حسب موقعهم. عندما حاولت التحدث إلى ساعي بريد مارّ، تحوّل على الفور إلى شرطي يعمل في الإرشاد المدني. عمال المكاتب وطالبات الثانوية كذلك — جميعهم تحولوا إلى نفس الشرطي الكهل عندما تخاطبهم. وكل الكلمات التي كانوا ينطقون بها كانت فارغة، بلا معنى.

كانوا جميعًا يغيّرون أشكالهم ليتناسبوا مع دورهم في الإجابة عن أسئلة كازاكيري هيوكا. وفي النهاية، بدأت تخاف منهم. شعرت وكأن أفعالها هي التي تتحكم في أجسادهم وعقولهم.

—طاه! اهتزت الأرض الخرسانية بقوة مع كل خطوة تخطوها.

—البشر لا يملكون من الوزن ما يكفي لإحداث مثل هذه الاهتزازات، ولا تملك عضلاتهم القوة الكافية لذلك. لقد تجاوزت حدود القدرة البشرية بكل معنى الكلمة.

في البداية، لم تكن تفهم لماذا لم تكن تتغيّر مثل الآخرين. ولكن، شيئًا فشيئًا، بدأت تصوغ فرضية. الناس في هذه المدينة يتغيرون حسب أدوارهم — أي أنه ما لم يُمنحوا دورًا، فلن يتحركوا أبدًا، وستتوقف المدينة عن العمل.

كانت مثل زنبرك ملفوف. لو دخلت متجرًا لتشتري عصيرًا، سيبدأ الموظفون هناك بالحركة، وبائعو العصائر سيبدؤون بالعمل، ومحطة الطاقة التي تزود البرادات بالكهرباء ستشتغل، والمصنع الذي يصنع العصير سيبدأ بالإنتاج، وجامعو المواد القابلة لإعادة التدوير سيباشرون العمل. كان سكان هذه المدينة تروسًا. كلهم يتأثرون قليلًا ورويدًا بكازاكيري —الزنبرك— إلى أن نفخت الحياة أخيرًا في الآلة العملاقة التي تُسمّى المُجتَمَع. لم تكن سيدة النظام — كانت مجرد جزء منه. فقط الزنبرك.

خافت.

لم يكونوا دمىً بلا حياة — بل كانوا بشرًا يملكون حيوات حقيقية.

أدركت أنها ستؤثر كثيرًا في حيوات الآخرين سواء تقدّمت أو تراجعت. وجدت نفسها غير قادرة على اتخاذ خطوة أخرى. لقد بدا لها أن دورها أثقل من أن تتحمله.

—طع!! ومرةً اصطدمت بأحد الأعمدة وجهًا لوجه وبقوة فائضة عن الحاجة.

— لكن لم يُصبها خدش واحد. بل على العكس، العمود الخرساني هو الذي تحطّم وتفتت حولها.

خافت من هذه المدينة السراب. أرادت الهروب منها.

لكن إن لم تكن حذرة، فقد تجرّ الآخرين إلى داخلها. لذا، ما عساها إلا أن تقف هناك كأنها شبح وتراقب — المدينة الأخرى، تلك التي لا يمكنها لمسها على أنها أمامها مباشرة. أي العالم الخارجي — مدينة الأكاديمية.

لم يلاحظ أحد في مدينة الأكاديمية الحقيقية وجودها. كانت ستقف أمام الطلاب، ولن يروها. وعندما تمد يدها، تمرُّ من خلالهم. أحاطتها الابتسامات، لكن لم يُسمح لها أبدًا أن تشاركهم وتدخل دائرتهم.

على أنها كانت تدرك ذلك، إلا أنها لم تتوقف عن محاولة التواصل معهم. رأت وفكرت أنها لن تحتاج للتدخل في حياة الآخرين للهروب إلى "الخارج" في نفس المكان — إلى مدينة الأكاديمية. أرادت أن تجرب كل شيء، حتى لو كان ذلك بلا جدوى أو لن ينجح أبدًا.

حتى لو تجوهلت. حتى لو لم يُلاحظها أحد.

رغم أنها كانت تعلم أن ذلك سيؤذي أحدهم يومًا ما.

ولذا تخيلوا مفاجأتها عندما تمكنت من لمس كتف تلك الراهبة التي كانت ترتدي البياض في مقصف تلك المدرسة.

—فشيءٌ لا يُرى تدفق داخل جسدها الذي كان من المفترض أن يكون فارغًا.

—شعرت وكأنها ستكون قادرة على قهر قطارٍ كامل في حالتها الآن.

توالت الصدف التي لا تُرى واحدة واحدة، وقد أدت إلى أن تتمكن أخيرًا من التواجد مع الآخرين.

وكان هؤلاء الآخرون هم كنوز ثمينة بالنسبة لها. ما حدث على الأرجح هو أنها أغلقت ذكرياتها أنها وحشٌ من أجل حمايتهم.

لكن الآن، قررت كازاكيري هيوكا أن تترك تلك الكنوز...

...لكي تحمي شيئًا أهم وأعز عليها. شيئًا لن تتحمل خسارته.



「...!」

انطلقت كالرصاصة عبر النفق.

ركضت بسرعة لدرجة أن أن لو شاهدها أحدٌ لبصق شرابه من الدهشة.

خافت من محاربة ذلك الوحش، بالطبع. ليس من الناحية المنطق وحسب، بل جسدها نفسه خاف. أَلَمُ تمزقِ أطرافها، وعذاب جسدها وهو يُسحق كالقماش... وإهانتها وهي تزحف على الأرض القذرة، غير قادرة على الموت رغم أن ذلك قد ينهي معاناتها.

لكن فوق كل ذلك...

خافت أكثر من أن تراها صديقتها إندكس، خافت من أن ترى هويتها الحقيقية الوحش.

لكنني مع ذلك...

لا سبيل لإيقافها. نظرت إلى الأمام مباشرة.

كانت أول وأخر رحلة لها بعد المدرسة مع كاميجو وإندكس ممتعة. كانت سعيدة لدرجة الدموع. أرادت أن تبقى في ذلك العالم إلى الأبد لو كان ممكنًا. مجرد التفكير في أنها لن تسير معهم مجددًا سرق الدفء من أطراف أصابعها. فلقد خرجت أخيرًا من تلك المدينة السرابية، والآن سيصبح الأمر بلا جدوى.

...أنا...

لكن...

ولأنها خائفة من فقدان ذلك — أرادت أن تحمي ما هو مهم بالنسبة لها.

حتى وإن لم تتلقى ابتساماتهم مجددًا...

...أرادت أن تحمي عالمهم ذاك.

أنا...سوف...!

ركضت عبر الظلام ركضة وحش، بعد أن رَمَت إنسانيتها. وكانت تشعر بشيء يتدفق داخل جسدها الفارغ.

تعهدت أن تستمر حتى النهاية.

لتحمي أصدقائها الأعزاء.

  • الجزء 4

ركض القط الكاليكو. ولحقته إندِكس.

اندفع القط خلف متجرٍ صغير، وعندما رأى إندِكس تقترب منه كالثور الهائج، ارتبك وأسرع يركض هاربا. ركض من تحت سيارة متوقفة، ثم قفز فوق سياجٍ سلكي، وانطلق من زقاقٍ إلى آخر. وأخيرًا، وريثما حاول القفز إلى داخل مبنى خرساني مهجور على ما يبدو...

「تعالَ يا قط!!」

...فأمسكت إندِكس بقفاه (مؤخرة الرقبة).

والآن، وقد صار في قبضة فتاةٍ غاضبة تلهث من التعب، بدأ القط يتحرك ويتنازع محاولا الإفلات من بين يديها. ولكن من أول الأمر، لو أن الوحش إندِكس لم تطارده وتصرخ بتلك الطريقة، لربما ما كان ليستمر في الهرب طويلا.

بينما تمسك إندِكسٌ القطَّ الذي أخذ يموء بتذمر كأنما يقول، "تكفين، لا! الجو حار حدّ الموت"، نظرت حولها.

بدا المكان حقا كمبنى مهجور.

كان هذا الزقاق الخلفي محاطًا بمبانٍ طويلة متلاصقة، لكن بدا أن جميع هذه المباني على وشك أن تُهدم قريبًا. فلوحات المحلات أُزيلت، ونوافذ الزجاج أُفرغت، والمداخل بلا أبواب؛ مفتوحة على مصراعيها. وكان الداخل خاليًا من الأثاث كذلك، حيث كانت الأعمدة الخرسانية الداعمة مرئية بوضوح. يبدو أنهم كانوا يخططون لهدم كل المباني المجاورة وبناء منشأة جديدة هنا.

واصل القط رَفَساته الصغيرة، محاولا بكل عناد أن يقفز إلى داخل المبنى المهجور، لكن إندِكس نفخت خديها غضبًا.

「ممغه! لا تلعب معي، وإلا أريتك العواقب يا مشاكس!」

ثم نفخت في أذن القط، فماءَ على الفور وانكمش، وبدأ يرتجف. وللحظة، مدَّ مخالبه الأمامية القصيرة تفاعلا، لكنه سرعان ما سحبها ثانية. لعله قرر ألا يصل إلى تلك القسوة مع صاحبته.

「طيّب، الآن نرجع إلى حيث بنت الشعر القصير، مفهوم؟」

ماءَ القط على مضض.

ولكن حينها فقط...

رفع رأسه فجأة. ثم بدأ يتلوى مجددًا، يحاول الإفلات من بين ذراعي إندِكس. وهذه المرة بطاقةٍ أكبر، لدرجة أن إندِكس بدأت تقلق من أنها قد تمسكه بقوة زائدة. جربت بعض الطرق لتهدّئه، ولم تفلح.

ثم سقط شيءٌ على رأس إندِكس.

「؟」 وضعت يدها على قمة رأسها، فطار عليها غبارٌ خرساني. رفعت عينيها لترى الغبار يتساقط من جدران المبنى المهجور العالي.

غطاء البلاعة عند قدميها بدأ يهتز.

「...الأرض تهتز؟」 تمتمت إندِكس محتارة. لكن لم تلبث طويلًا لتدرك الحقيقة. إنَّ الساحرة التي يبدو أنها تستخدم تقنيات لُندن كانت تحت الأرض—أي تحت قدميها مباشرة.

شعرت أن الأرض تحتها بدأت ترتجف وتتموج كأنها كائن حي للحظة.

「؟!」

قفزت إندِكس إلى الخلف فوراً؛ فانفجرت الأرض التي كانت تقف عليها. وخرجت يدٌ حجرية عملاقة من مركز الانفجار. بلغ ارتفاع الذراع قرابة المترين. وكانت قبضة اليد تسد الطريق، كديناصور طويل العنق يحدق بها من الأعلى.

تناثرت قطع الطريق في كل الاتجاهات.

تجمّع كتلة من الأسفلت أكبر من رأس إندِكس مرت من أمام وجهها مباشرة. بعدما فقدت هدوءها، انحنت تحضن القط تحت بطنها. وبعد ذلك مباشرة، كأنها سرب من النحل الغاضب، انطلقت أعداد كبيرة من الشظايا تحلق فوق رأسها في صف واحد.

اصطدمت زخّة الأسفلت بالمبنى خلفها، وأحدثت صوت طقطقةٍ وخرخرةٍ غريبة.

لم تلتفت للنظر. أبقت نظرها ثابتًا أمامها. ببطء، رأت تمثالا ضخمًا من الحجر يخرج ويتكوّن من الأرض، كأنه جثة ميتة تزحف خارج قبرها. لم تستطع أن ترى أحدًا حولها قد يلقي هذا السحر – فاستنتجت أنه ربما يُسَيطر عليه من بعيد.

ثم ضيّقت إندِكس عينيها بصمت وفكرت.

تسلّلت المعرفة إلى ذهنها من مستودعها الضخم التي تمتلكه فهرس الكتب المحظورة الأبرشية الصفرية لكنسية التطهير الإنجليزية – نِسِسَريوس، كنيسة الشرور الضرورية. تجمّعت هذه المعلومات وتنظمت في وقت أقل مما تستغرقه رمشة عين، ثم ظهرت هوية هذا العدو في عين عقلها كصورة بارزة.

النظرية الأساسية هي من القبالة... الاستخدام الرئيسي هو للدفاع والقضاء على الأعداء... شُهِد عليها في القرن السادس عشر... ووفقًا لغيرشوم شوليم، جوهرها بلا شكل وغير مستقر.

كثيرٌ من الناس عندما يسمعون كلمة غولم يفكرون فورًا في وحش غبي أخرق مصنوع من الحجر والتراب، لكن الواقع مختلف عن التصورات.

في تعاليم القبالة، خلق الرب الإنسان من الأرض. ولكن، الكائن الناقص الذي يصنعه الإنسان مُقلدّاً الرب يُسمى "غولم". بمعنى آخر، الغولمات هي نسخ بشرية فاشلة. هم أقرب لـ"بنوكيو" شبهًا.

لها تطبيقات. دُمجت النسخة الأصلية مع تقنيات التطهيرية الإنجليزية. وغُيِّرتْ عائلة اللغة من العبرية إلى الإنجليزية. أجزاء الجسم تُماثِلُ الصلبان. وبنيتها أقرب إلى ملاك منها إلى نسخة بشرية.

ولكن هذا الغولم كان مختلفًا عن الغولم الإنساني البسيط.

كان كياناً أعلى منزلةً – بدا وكأن الساحرة تحاول بناء ملاك يشبه الإنسان. الرأس واليد اليمنى واليد اليسرى والأرجل، كلٌ منها تشبه نهاية صليب، وقُسمت قوة الملائكة الرُؤُس الأربعة عبر جسده. لابد أن الساحرة أرادت خلق ملاكٍ أكثر قتالية حتى ولو من الطين والتراب.

إن كان من جانب إيجابي واحد لصالح إندكس، فهو أن قدرة البشر على التحكم بهم محدودة. أيدي البشر ما تَقدِرُ على خلق مَلَكٍ كامل. ليس وأن، على سبيل المثال، أن أحدًا يمكنه تخليق ملاكٍ رئيسٍ من الماء نفسه.

لكن ذلك لم يغيّر الحقيقة بأن شيئًا ناقصًا قد يشكل تهديدًا عظيم.

سُمع صوت ارتطام واهتزت الأرض بينما يخطو التمثال خطوة.

「...!」

ولا تزال ممسكة بالقط، تراجعت إندِكس خطوة.

لا فرصة للفوز لديها إذا شنت هجومًا مباشرًا. عادةً، كان لهذا النوع من الغولم نوع من الحماية يُسمى "شيم" في حال فَقَدَ السيطرة—فإذا ما مررت إصبعًا واحدًا عليه ببساطة، فإنه يتوقف تمامًا. لكن عدوتها كانت محترفة أيضًا. ولا شك أنها لن تضع هذا الشيء في مكان يمكن لشخص آخر أن يلمسه. كان الشيم، أي جوهر الغولم، مدفونًا عميقًا داخل درعه الحجري.

لم تكن إندِكس قادرة على استخدام السحر أو الخوارق. لم يكن لها أي اتصال مع تلك القوى الغريبة والغامضة، وكانت جسديًا أضعف من معظم الناس. ليس بحوزتها سوى مخزونها الواسع من المعرفة، بينما كان التمثال الضخم يلوح بذراعه ليضربها بلا رحمة.

زئير!! بدا أن هجوم التمثال يسحق الهواء—وربما حتى الفضاء ذاته. أمام مثل هذه الضربة، استنشقت قليلاً وصاحت بشيء واحد:

「TTTL! (انحراف إلى يسار!)」

كانت قبضة الغولم تتجه مباشرة نحوها، لكنها بعد لحظة انحرفت فجأة إلى اليسار مثل ثعبان. وهي تشزر بازدراء نحو التمثال، وتلوح بيدها في الهواء الفارغ، تقدمت إندِكس خطوة قبالته.

ظل وجه التمثال ينظر بعيدًا عنها، يُلوّح بقبضته إلى الأسفل عشوائيا.

「CFA! (زاوية إلى أعلى!)」

لكن هذا الهجوم أيضًا انحرف عن مساره ومر فوق رأسها. حاول الغولم توجيه لكمة أخرى، لكنها قبل أن تصل، واصلت إندكس،

「PIOBTLL! (القدم تُسحب خلف الساق اليسرى!)」

متجاهلا توازنه، جُذبت قدم الغولم خلفه. وفقدان مركز ثقله أثناء أرجحته قبضته أسقطه على وجهه.

تك-تك-تك. تراجعت إندكس ثلاث خطوات.

كانت تستخدم طريقة تسمى نوتاريكون. وهي ترنيمات سريعة. فبترديد الحرف الأول فقط من كل كلمة، تُشَفّر الكلمات وتنطق بها بسرعة أكبر.

كانت إندِكس غير قادرة على تكرير السحر وتعويذه رغم امتلاكها معرفة هائلة به، ولذا لن تستطيع استخدام السحر فعليًا. لكن أي أحد شهد ما يحدث كان ليظن أنها ساحرة حق.

وقف التمثال. تراجع بعيدًا عن إندِكس كما لو كان يستعد لهجوم راكض، ثم أطلق قبضة أخرى ككرة مدفعية. همست بشيء لنفسها. ومن ذلك وحده، انحرفت قبضة الغولم في اتجاه غير طبيعي وضربت الفراغ.

بدا أن كلمات إندكس تتدخل في حركات الغولم. كأنها تقطع أوامر الساحرة وتخطف السيطرة عنه للحظات.

تلك هي الأنشودة القسرية — سبِلْ انترسبت. [1]

كانت مفهومًا بسيط. أوامر السحر تُبنى داخل عقل المُلقي. فإذا تمكن أحدهم من إرباك عقل المُلقي، يعرقل بذلك السيطرة. كأنك تشوش على أحدٍ يحاول العد بأن تهمس له أرقامًا عشوائية في أذنه.

إندكس لا تستخدم السحر.

لكنها استطاعت أن تجبر الساحر العدو على تدمير سحره بنفسه.

لم يكن المُلقي الذي يسيطر على هذا التمثال حاضرًا، ولكن من طريقة تركيب التعويذة فقط، أدركت إندكس أنه ليس ذاتيًا؛ بل يتم التحكم به عن بُعد. وهذا يعني أن المُلقي يراقب إندكس بدقة عبر حواس الغولم الخمس — وهنا وجدت ثغرتها.

「CR. (غيّر إلى اليمين.) BBF. (تقاطع القدمين.) TTNATWITOD! (حرّك الرقبة والخصر في الاتجاه الآخر!)」

ألقَ التمثال ضرباته واحدة تلو الأخرى، وأطلقت إندِكس ترنيماتها بسرعة متتالية. كانت قبضة الغولم تحلق في كل الاتجاهات، كثمل معصب العينين يلوّح بذراعيه في الظلام.

لن...أبقى في وضع دفاعي طويلا!

سحبت إندِكس كل دبابيس الأمان من عباءتها. أظهر ذلك معظم ساقها كما في لباس شيونغسام، لكن لا وقت لديها للانشغال بذلك.

هيأت دبابيس الأمان وحدقت في الغولم.

كانت أسلحة ضعيفة، عديمة الفاعلية ضد تمثال حجري ضخم.

تقنية الشفاء الذاتي الحسابية المعكوسة. تحدث تقريبًا كل ثلاث ثوانٍ. إذا أردت استخدام ذلك ضده، فلا بد أن يكون... الآن!!

بدون تردد، رمت دبابيس الأمان إلى قدم الغولم. حلّقت في الهواء ببطء، غير قادرة على إلحاق الضرر ببشرة الإنسان، فكيف بالحُصن الصخري الصلب؟ ولكن عندما ارتدت عن قدمه، امتُصّت داخله كما لو كان مغناطيسًا يجذبها.

ومن ثم بعد لحظة.

قرررك. أعاقت دبابيس الأمان قدم الغولم اليمنى كما لو أنها أدخلت إسفينًا في المفصل.

كان لهذا تأثير مشابه للأنشودة الاعتراضية. هذا التمثال الحجري يَبني ويُجدد جسده تلقائيًا بالأشياء المحيطة. وهذا يعني أنها استطاعت أن تستغله ضد الغولم برمْيِها شيئًا لا يحتاجه عليه—بل شيئًا ضارًا عليه. كان الأمر كأن عظمًا مكسورًا تُرك على حاله وتصلب في شكل غريب.

مِئة وثلاثة آلاف جريموار كانت في حوزتها.

لكن مجرد تخزين كل هذه المعرفة كان بلا جدوى. المهم هو مدى قدرتها على تطبيقها للوصول إلى الحل الأنسب في أقل وقت ممكن.

يمكنني غلبه، كما فكرت وهي تتراجع إلى الوراء. هناك استثناءات قد تُفشِل الأنشودة الاعتراضية، مثل آرس ماغنا الخيميائي، التي كانت تعويذةً مجهولة تمامًا لا تعرفها، وكذلك قوس أزوسا الخاص بـ ياميساكا أوما الذي يركز على الأداة أكثر من التعاويذ. لكن هذا الغولم لم ترى فيه مشكلات خاصة. كانت بالتأكيد تعيق سيطرة الغولم، وقد ألحقت به ضررًا باستخدام دبابيس الأمان. إذا واصلتُ عرقلة حركاته، فقد أتمكن من إفشال التعويذة وأسحق الغولم! كما خططت.

طوه!! فجأة داس الغولم الأرض.

「كيااه...؟!」

الهزة العنيفة أمسكت قدم إندكس وأسقطتها. نقرت لسانها بخيبة. مهما عرقلت هجماتِ خصمها، فهي لن تستطيع تجنب اهتزاز الأرض بأكملها.

اقترب التمثال ببطء من إندكس المتمددة على الأرض، ساحبًا ساقه اليمنى خلفه.

「! CR—」 حاولت الصراخ، لكن قبل أن تتمكن، ضرب الغولم قبضتيه معًا الأرض.

طااه!! دكت موجة الصدمة أذنيها وقطعت الكلمات التي كانت تحاول تركيبها. القط الذي تحتضنه أطلقَ صرخة عند هذا الهدير المزعج.

رفع الغولم قبضتيه نحو السماء.

تدحرجت إندِكس على الأرض، لا تزال تمسك القط الكاليكو، وحاولت أن تبتعد قدر الإمكان وهي تنشد،

「MBFPADCOG! (حرّك كلا القدمين بالتوازي ودمّر مركز الثقل!)」

لكن الغولم هز رأسه مرةً وكأنه ضغط على مفتاح وقرر ألا يستمع لأوامر إندكس.

هذه...ورطة! لقد تغيّر وضع التحكم من بُعدٍ إلى استقلاليةٍ تامة—!!

إذا لم يكن المُلقي حاضرًا، فلن تنجح أنشودتها الاعتراضية في شيء. كلماتها إنما تخدع البشر فقط، ولن تخدع جمادًا لا عقل له.

لوّح الغولم قبضته في الهواء، مستعدًا للضرب.

لم تعد إندِكس قادرة على إيقاف هجماته بمفردها...

ثم كان هناك صوت تناثر.

كان صوتًا مكتومًا، كلحمةٍ تضرب الخرسانة، وتردّد صداها في المنطقة.

  • الجزء 5

وفي آخر الأمر، نزل كاميجو أخيرًا النفق الكبير المؤدي إلى قطار الأنفاق.

استغرقه وقتًا ليجد شيئًا كالحبل يستخدمه، ثم ليجد مكانًا يربطه فيه. ترك الخرطوم السميك الخاص بالمطافي الذي استخدمه وبدأ يركض في الطريق المظلم.

اللعنة! سئمت من ذهاب الجميع فجأة ويفعلون ما يشاؤون ويثيرون المشاكل! الوضع أساسه فوضى! فلماذا تزيدين عليّ المشقة؟!

كانت آثار أقدام إليس غارقة في الأرض الخرسانية في نقاط ثابتة. لم يرَ كازاكيري هيوكا في أي مكان داخل النفق، ولم يسمع أي خطوات.

قبض يمينه قبضةً وهو يتذكر كيف ابتسمت قبل أن تختفي هكذا.

يده الفائقة.

فتاةٌ عابرة، وهمٌ يتدمر إن لمسها.

لن أسمح بنهاية عفنة. أبدًا لن أسمح!

كازاكيري وصفت نفسها بالوحش، لكنها أخطأت. قد لا تكون بشراً، لكن لن يُسميها أحدٌ وحشًا.

فما المشكلة لو لم تكن بشرية؟ أيحرم عليها طلب المساعدة إن كانت؟

أيبرر ذلك لها أن تكتم دموعها وتصبر بصمت؟

بالطبع لا!!

كشر أسنانه وتقدم.

كانت هناك أعمدة خرسانية مستطيلة موضوعة على مسافات منتظمة في وسط نفق القطار، تفصل بين خط الدخول وخط الخروج. كان ذلك يرهقه أيضًا. مهما ركض، لم يتغير المشهد ولو قليلًا.

لكن فجأة، بدأ عمود بجانبه يسقط.

واضحٌ أن هذا غير طبيعي. كأن يدًا ضخمة غير مرئية أطاحت بكومة من مكعبات البناء.

「تـبّــ...؟!」

ذعر وقفز ليجنب العمود الساقط نحوه. وبضربة هائلة، تناثر غبار الخرسانة في الهواء.

「نعم، لا أحسب أن إسقاطك يكون سهلا...」

فخاطبه صوتٌ من الظلام. وهو يسعل نظر لمن كان ليجد شيري كرمويل تقف هناك، وفستانها المتسخ قليلًا يتدلى منها كما لو كانت تجره.

كانت على قرابة عشرة أمتار.

عبس. ورأى أن إليس، رمز القسوة، لم يكن هنا.

「هُه. هُهُهُه. هُهُهُهُه. إليس؟ أرسلته يطارد. ولعله قد وصل إلى هدفه. أو ربما ضربها حتى أصبحت كتلةً من اللحم؟」

「أ-أنت...!!」

هبط كاميجو بثقله وشبك يده على شكل قبضة. كان لديها طريقة للسيطرة على إليس بدون استخدام قلمها الباستيل. وأن تُنقَلَ وتعيشَ "وجهتَي نظر" في عقلها الواحد لا شك أنه يرهقها.

حدقت فيه شيري وابتسمت برضا. 「لا بأس. نعم، هذا أكثر من كافٍ. سألعب معك هذه الساعة. وسأسد طريقك إلى إليس」

في تلك اللحظة بالذات أدرك أخيرًا ما كانت تخطط له. كاميجو قادر على تدمير إليس بضربة واحدة. فمهما كان الثمن، كان عليها أن توقفه هنا تمامًا.

يفترض أن كازاكيري هيوكا قد عبرت هذه المنطقة، لكنه لم يرها في أي مكان.

ألربما تركتها شيري تعبر؟ على أن كازاكيري هي واحدة من أهدافها الرئيسية، إلا أنها لم تبدِ اهتمامًا—كانت مُنصَبّة تمامًا على إندِكس.

وكذلك...

تخلّت الساحرة عن كازاكيري، كما لو أنها تقول أن لا وقت للخصوم العبث—وكأن رضيت بكاميجو وحده.

تذكّر ما قالته له شيري سابقًا.

—جئتُ أبدأ حربًا، وأفتن بين الأطراف، وأحتاج شرارةً لأشعلها. أريد أن يعرف الناس حيث كانوا وكلما كثروا أنني من الكنيسة التطهيرية الإنجليزية... صح يا إليس؟

شيري تحاول إشعال فتيل مع مدينة الأكاديمية، لذا لم يكن عليه أن يسأل أي جزء من الأنجليكان أراد بدء الحرب.

لكن هل كانت هذه فعلاً وجهة نظر الكنيسة الإنجليزية كلها؟

على الأقل، لم يكن يرى أن ستيل، أو كانزكي، أو تُسوتشِمِكَدو قد يفكرون هكذا أبدا.

「...ما الذي تحاولين فعله بحق؟ لا أدري البتة عما يحدث خلف الكواليس، لكن العِلمَ والسِحرَ ما زالا في توازن الآن. فلماذا تحاولين التخريب بينهم؟! ما الذي تكسبينه لهذا؟!」

ابتسمت له شيري ببساطة.

قالت بابتسامة، 「أتعلم؟ عندما يستخدم الإسبر السحر، يتحطم جسده」

「ماذا؟」

لم يكن هذا السؤال الذي طرحه إطلاقا. فعبس.

ألم تظن أبدًا أن هذا غريب؟ كيف عرفنا هذه المعلومة بادئ الأمر؟

حاولت كلماتها أن تخترق قلب كاميجو.

「لقد اختبروا الأمر. يعني، منذ حوالي عشرين سنة. في مرحلة ما، حاولت الأنجليكانية والمدينة الأكاديمية دمج السِحر والعِلم، فأنشأوا مؤسسة تضمّنا. جلبنا تقنياتنا ومعارفنا إلى مؤسسة واحدة وحاولنا خلق ساحر يمزج بين السحر والعلم معًا. أما النتيجة...」

أمكن لكاميجو توقع ما سيأتي، حتى وإن لم تكمل كلامها.

عندما يستخدم الإسْبَرُ السِحرَ، ينفجر جسده. تَعَلّم ذلك جيدًا من طلاب ميساوا ومن جارِهِ تسوتشِمِكَدو موتوهارو.

「تلك المؤسسة... ماذا حدث لها؟」

「انهارت طبعًا. أو ربما جعلها أحدٌ تنهار. عندما انتشر الخبر أنهم على اتصال بالجانب العلمي، طُوردوا وقُــتِّــلُوا من قِبل أناس من نفس الكنيسة الإنجليزية التطهيرية. حدث تسريب للتقنية والمعلومات إلى الجانب الآخر—وهذا سبب كافٍ جدًا للهجوم」

ظل كاميجو صامتًا.

الأمر لم يكن متعلقًا بانضمام العلماء والسحرة معًا. ولم يكن كيف أوقِفَ. ولم يكن كيف حاولوا إيذاء الآخرين.

「إليس كان صديقي」 قالت شيري ببساطة. 「كان أحد الأسابر الذين جُلبوا إلى المؤسسة من فصيلٍ في مدينة الأكاديمية」

عبس كاميجو. إليس كان الاسم الذي أطلقته على الغولم. فكر في المشاعر التي دفعتها لمنحه ذلك الاسم، مع أنه كان يعلم أن شيري وحدها هي من تفهمها حقًا.

「كان إليس مغطى بالدم من تعويذة عَلّمته إياه. وعندما جاء الفرسان لتدمير المؤسسة، ضربوه بمطرقة على رأسه فمات وهو يفسح لي مجالا للهرب」

خيّم صمت كصمت الكنيسة عند نفق القطار المظلم.

وببطء واصلت، 「يُفترض أن نكون منفصلين. وليس أن نتشاجر وحسب—بل يجب أن نكشر أنيابنا على بعضٍ إنْ فَكّرنا وحاولنا فهم الآخر. ما لم يبقَ الساحِرُ والعالِمُ كلٌّ في مكانه يعمل في شؤونه، فسنظل نكرر نفس الأخطاء مرارًا وتكرارًا」

وهكذا بالحرب جاءت.

「تبًا. كلامك غير منطقي. حرب لحماية الطرفين؟ لا، لا أظنكِ تريدين الحرب فعلاً. هدفك إنما هو جعل الناس يعتقدون أننا قَدْ نوشك على الدخول في حرب، أو أن الحرب كانت أمام أعيننا، حتى وإن لم تحدث بالفعل. هذا وحده يكفيك، أليس كذلك؟」

「لا تفرط في تقديري أيها الطفل الغبي. ولا أحتاج شفقتك!」

ولكنّ كاميجو كان متأكدًا من صحة استنتاجه. فهي تريد تجنب صدام حاسم بين السحرة والعلماء—ذلك التناقض يعني أنه يجب أن يكونوا بعيدين عن بعض، ولكن في نفس الوقت أن فكرة محاولة فهم بعضهم البعض لا يجب أن تخطر ببالهم.

فالأطراف التي لا تربطها أي صلات لن تحمل سواء الكره أو سواء المحبة تجاه بعضها.

لم تُردهم في صراع مع بعض.

بل أرادت منع الاحتكاك الذي ينشأ مع محاولة التعاون.

「...」

ادعاء شيري بأن السحرة والعلماء يجب أن يعيشوا بعيدًا عن بعضهم بالفعل له ما يبرره. أما أي حجج قد يطرحها كاميجو فربما تُعتبر أنانية. ولكن هناك سببٌ واحدٌ كبير لن يجعله يقبل رأيها.

هُوَ وإندِكس قد لا يريان بعضهما البعض مجددًا.

في الواقع، إذا استُخدمت إندِكس "شرارةً" لشيري، فقد تُقتل على الفور. والسبب في ذلك شخصي إلى حدٍّ سخيف.

لكنه شعر أنه لن يستطيع إنكار ذلك مهما كان.

أبدًا.

أخرجت شيري كرمويل قلم شمع أبيض من كُم فستانها الممزق. ظلّت عينيه مثبتتين على أصابعها، رغم دهشته. إذا كان كل ما قالته صحيحًا، فهي لا تستطيع خلق غولمين في الوقت نفسه. وبما أنه ضربها ضربًا مبرحًا بعد أن حُبِس إليس بطلقات الأنتي-سكيل، فلم يبدو أنها تمتلك شيئًا أكثر قوة لتُهاجمه به.

ابتسمت شيري، وشعرها الأشعث يتمايل.

「وَي. لم أتوقع ألّا تلاحظ. هِه هِه، حقا إن كل هذا الظلام يفعل فعله」

「ماذا؟」

رادّاً كاميجو. ولوّحت شيري بقلم الشمع في يدها برفق. وبما أنها لا تستطيع خلق غولم، فإنّ تخطيطها للرموز على الأرض أو الجدران لن يؤدي إلا إلى إسقاط الحطام عليهم.

「ياه. ألم تستشعر غرابة في المشهد أبدا؟ لماذا أظهرتُ نفسي وكشفتها في هذا الظلام الحالك؟ عادةً، كنت لأنتظر مختبئة في الظلال حتى تَمُرَّ فأهاجمك. فذلك سيكون أكثر فاعلية، ولا؟」

تشكك كاميجو. كل ما تستطيعه شيري الآن هو تدمير الجدران القريبة. لا ينبغي أن يكون بمقدورها فعل الكثير من على بعد عشرة أمتار.

「نعم، وهذا المكان بالذات—لماذا اخترتُه؟ ما هذا إلا طريق ذو دربٍ واحد، لذا لا شك أنك ستأتي من هذا الاتجاه. فلماذا انتظرتك في هذا المكان بالتحديد، هممم؟」

لكن إن كان هذا هو الحال...

فكيف سقط عليه ذلك العمود القريب سابقًا؟

「لنقارن بين الإجابات... هي هكذا! أطبق أسنانك!!」

لوّحت شيري بقلم الشمع في الهواء بهووش.

في اللحظة التالية، بدأ نفق القطار بأكمله يتوهج بضوء خافت.

ما الذي...؟!

كان كاميجو مذهولا. رأى أنماطا مرسومة بقلم الشمع على الجدران والسقف. حتى خلفه وما بعد شيري—بقدر ما يستطيع أن يرى. ربما لم تُغطِّ كامل خط القطار تحت الأرض، لكن الرسومات امتدت على الأقل إلى مئة متر من أحد الطرفين إلى الآخر.

على الأرض كانت دوائر سحرية مرسومة عند نقاط معينة، مثل قطرات المطر المتساقطة من السقف.

اللعنة... أهذه الدوائر السحرية لإليس...؟!

ارتجف كاميجو. وعند التمعن، كانت كل الدوائر السحرية تحمل نفس النمط ووضعت بجانب بعضها كأنها بلاطات.

بحسب قول شيري، فهي لا تستطيع صنع غولمين في آنٍ واحد. إن صَحَّ هذا، فلن يحتاج للتعامل مع إليس آخر هنا.

لكن ماذا فعلَتْ بعد أن هربَتْ إلى هذا النفق من المجمع السفلي؟

عندما فشلت الدائرة السحرية للغولم، تحطمت الأرض. ولقد نقشّت تلك الدوائر السحرية في كل أرجاء النفق، مما يعني...

تبًا... أستُفجر النفق بأكمله؟!

عندما يتم تفجير المباني لهدمها، يستخدمون العديد من القنابل الصغيرة لتغطية المكان كله بدلاً من قنبلة عملاقة واحدة. قد نرى هذه الدوائر السحرية تؤدي نفس الوظيفة.

كم عددها؟ إذا كان قُطر كل دائرة مترا واحدا، فإن صفًا واحدًا منها يحتوي على مئة دائرة. وكانت تغطي الجدران والسقف أيضًا. فكم مرة يساوي ذلك؟ إذا كانت كل دائرة تمثل سحرًا منفصلًا، فلن يستطيع بمسح واحدة أو اثنتين أن يمحوها جميعًا.

بقيت شيري في المكان هنا تُجَهّز. فبترتيب كل شيء مسبقًا، يمكنها إسقاط المكان بأكمله بكلمةٍ واحدة، دون الحاجة حتى لأن تقترب منه.

「الأرض حليفي. ولذا، الحُفر المظلمة المحاطة بالأرض هي إقليمي」

وجد بالقرب منها كذلك دوائر سحرية مرسومة، لذا كان من الممكن أن تسقط هي أيضًا في الانهيار، لكنها على الأرجح قد جهزت لنفسها مهربًا. ربما أعَدَّت الأمر بحيث تصنع قُبّة حولها ترد الحطام، أو ربما حسبت مكان سقوطه ووقفت في موقع يسمح لها بالهروب إلى السطح.

「تبًا...!!」

سب كاميجو. لن يصل إلى شيري أو يبتعد بما يكفي في الوقت المناسب. لقد وقع في فخها. ولا مفر.

نظرت إليه بنظرة هادئة، كما لو أنها خططت حتى لجزعه ونفاد صبره.

「دَمِّرُوا، كدمية طين!!」

ردًا على صرختها، أضاء محيطه أكثر من ذي قبل. ثم بدأ النفق كله يتلوى كما لو أنهم كانوا داخل جوف ثعبان ضخم طوال الوقت.

مصيبة، ماذا أفعل...؟!

الركض بلا هدف لن يُنجيه. ولن يقدر كذلك على محو مئات الدوائر السحرية بيده الواحدة في ثوان. فوق ذلك، لم يكن بوسعه الوصول حتى إلى السقف في المقام الأول، وكانت تلك هي الأخطر—يمكنه تحييد كل دوائر الأرض والجدران، لكن إن لم يستطع صد دوائر السقف، فسيدفن حيًا.

فجأة، تَجَمّد.

دوائر الأرض؟

「ابتلعوا الأحمق! واعجنوه في التراب! بهذا سأبني الجسد!」

صاحت شيري، كما لو أنها ضغطت الزر الأخير.

اندلعت شقوق هائلة في الجدران والسقف، وانتفخت داخلها. لا—لقد فقد السقف متانته وكان ينحني تحت وزن التربة أعلاه.

「كهخ...؟!」

تحت السقف الذي كاد ينفجر مثل فقاعة صابون، انطلق كاميجو كالرصاصة. كان هدفه واحدًا—المضي قدمًا. الموقع الذي كانت تقف فيه الساحرة شيري كرمويل كان ربما المنطقة الآمنة الوحيدة التي لن تُدفن تحت الأنقاض. لكن قدماه لم تكن قادرتين على حمله حتى هناك. ذلك محالُ المستحيل.

لكن ذلك ليس مقصدي!

قبض يمينه وخفّض وضعه أثناء الجري، وكان رأسه منخفضًا يكاد يلعق الأرض. كان له هدفٌ واحد—ليس شيري كرمويل، بل الدائرة السحرية على الأرض أمامها.

وعاد إليه صوت إندكس الغاضب من الكافتيريا ظهر هذا اليوم.

「—طيب طيب يا توما، اسمع هذا، أتعرف كيف أن أثناء إلقاء تعويذة داخل معبدٍ لتخلق به صنمًا وتملئه بالطلسمان هي من أساليب الصليب الإنجليزي؟ أوتعرف كيف أن الزمن والاتجاهات الأربعة مرتبطة بموقع الساحر؟! وهل تعرف عن دوائر السحر الدفاعية لحماية النفس من آثار التعويذة الرئيسية؛ وكيف يجب أن تضعها في موقع دقيق جدًا! وكيف أنه إن أخطأتَ ولو قُــلَــيلاً، فإن التعويذة الرئيسية ستَبتلعُ الدفاع ولن تعمل كما أُرِيدَ لها! هذه قاعدة ذهبية، فلا شك أنك تعرفها، لا؟! هيّا، ما هي إلا بديهيات!」

تلك الدائرة السحرية الواحدة لا تعني شيئًا.

الدوائر السحرية على الجدران والسقف كانت ربما لتدمير النفق ودفن كاميجو حيًا. هو يعلم ذلك جيدًا. لكن هذا يعني أن الدوائر على الأرض لم تكن ضرورية. تدمير الأرض لن يفيد في دفنه.

وهذا يعني...تلك الدائرة تعني شيئًا آخر!

شحنت شيري كرمويل وجهها بالدهشة عندما أدركت إلى أين يتجه. لوّحت بقلم الشمع بسرعة وأعطت أوامر للجدران والأعمدة القريبة، لكنها أبطأ. تفادى كاميجو الجدران المتهاوية ونجا من الأعمدة الساقطة، ومد يده نحو الدائرة السحرية على الأرض...

...وحطمها فورًا دون أي تردد.

تحطمت الدائرة السحرية كقطرة مطر متجمدة.

كانت هذه هي التعويذة الثانية التي احتاجتها شيري.

إذا كانت لإنشاء منطقة آمنة تحميها من الانهيار الأرضي...

فبعد أن فقدت حمايتها، لم تعد قادرة على التهاون مع الانهيار.

「سحقا!!」

لوّحت بقلم الشمع بسرعة. ومن ثم استقر السقف مجددا، بعدما كان يئن كأنه على وشك الانفجار كسد مكسور.

طاه!! خطوة كبيرة جاء بقوة.

وبخوف، أزاحت نظرها عن السقف وعادت إلى الأمام. كان كاميجو قد قفز من الأرض كحجر متقافز على النهر، وبات بجانبها مباشرة.

حاولت على الفور أن تلوّح بقلم الباستيل مرة أخرى كأنما تضربه بها...

...لكن قبضته اجتازت بسهولة ودخلت وجهها مباشرة.

تطاير شعرها وفستانها بينما انطلقت بجسدها عبر نفق القطار. طارت عدة أمتار قبل أن تتوقف أخيرًا. كان على وجهها علامات ذعر وخوف شديدين، كما لو أنها لم تصدق أن خطتها المحكمة للهجوم قد صُدّت.

「...تبًا، اللعنة!」 شتمت بحقد، متزحلقة خطوة أو اثنتين إلى الخلف. كان القلم في يدها يرتعش أيضًا، وكأن أصابعها تضغط عليه بقوة تكاد تقصمه من المنتصف.

「عليّ أن أخلق الشرارة التي تشعل حربًا. إياك عني! لماذا لا تفهم أن الوضع الحالي خطير للغاية؟! أرى المدينة الأكاديمية وكأنها تخفف من حذرها. حتى الكنيسة الإنجليزيّة بدأت تُضعف قبضتها — وهم يُعيرون مكتبتهم الإندِكس لشخص آخر. هذا تمامًا ما حدث مع إليس. وعندما حدث ذلك لنا، آل الأمر إلى مأساة كبيرة. إذا انتشرت هذه لتشمل المدينة بأكملها والكنيسة...! لهو سهلٌ حقا أن تتخيل ما سيحدث لو دخلنا أرض العدو دون تفكير!」

ترددت كلمات شيري عدة مرات في الظلام تحت الأرض، وتحرك كاميجو محاولا أن يلتقط كل كلمة.

دافِعُها كان موت صديق.

كانت شيري تعتقد أن تداخل العلماء والسحرة بشكل مفرط سيؤدي إلى كارثة. لم يكن الأمر مجرد قتال بينهم فقط — بل حتى مجرد التفكير في التفاهم قد ينقلب ضدهم. من وجهة نظرها، لمنع الحرب بين العلم والسحر، كان لابد من تحديد الحدود التي يعيش ويهيمن عليها كل طرف بوضوح، وإعادة كل من لا ينتمي إلى منطقته.

ولكي تفعل، كانت تحاول خلق شرارة الحرب.

لم تُرد أن يحملوا مشاعر تفاهم متبادلة. كانت تعلم أن تلك المشاعر، رغم إيجابيتها، ستؤدي في النهاية دائمًا إلى كارثة.

لم تكن فعليًا تريد إشعال الحرب. ما دامت هي التي خلقت الشرارة، فإن هدفها قد تحقق.

تنهد كاميجو مستاءً بعد أن فكّر.

「يا له من هراء! هذا لا يبرر شيئًا البتة! أخبريني، ماذا فعلت كازاكيري؟ ماذا فعلت لكِ إندِكس؟! تتحدثين من على منبرك متظاهرة بأن الحرب سيئة، لكن من تحسبين نفسك تقتلين لتمنعي ذلك؟!」 صاح، مفجرًا كل ما في صدره.

لأن هناك أمرًا لم يستطع تقبله.

「صحيح! اغضبي! احزني! فلا يهمني؛ لن أمنعك. لكنكِ توجهين سيفك للشخص الخطأ! لا يجب حتى أن توجهيه لأي أحد! أعلم أن الأمر مؤلم. وأعلم أنني لن أستطيع فهم أي من هذا! لكن إذا أشهرت سيفك لأحد، فأنت هي من بدأت الحرب!」

مات إليس لأن جماعة من العلماء والسحرة حاولوا التقارب، ورأى الأنجليكان ذلك خطرًا.

فماذا شعرت شيري عندما اكتشفت كل ذلك؟

هل أقسمت على الانتقام لمقتل صديقها؟

هل تعهدت بعدم السماح بمأساة مماثلة مجددًا؟

「...لا أفهم」

عضّت شيري كرمويل على أسنانها الخلفية.

「تبًا، بالطبع أكرههم! كلُّ من قتل إليس عساه أن يحترق في الجحيم! كم أتمنى لو أمزق كل أولئك السحرة والعلماء أشلاءَ! لكن هذا ليس كل شيء! لا أريد أبدًا أن يقاتل السحرة والأسابر مجددًا! آههخ ذهني كان في حالة خراب تامة منذ البداية!」

ترددت صرخاتها المتناقضة في النفق المظلم.

تبدو كأنها تمزق نفسها بصوتها، كما لو أنها أدركت.

「ليس لدي رأي واحد فقط! أعاني لأن وجهات نظر مختلفة كثيرة تمزقني! لا أعيش بقانون واحد! لا أستطيع أن أعيش كدمية تتحرك بزنبرك! إذا أردتَ أن تضحك، فاضحك كما تشاء. فمعتقداتي بعدد نجوم السماء! لن يؤلمني شيء إذا اختفى واحدٌ أو اثنان منهم!」

ولكنّ كاميجو توما قال شيئًا واحدًا ردًا.

「كيف لم تدركي هذا بعد؟」

「...ما تقول؟」

「يعني، إيه، كلماتك لا معنى لها. أنتِ تناقضين ما تحاولين قوله، لأنكِ تستطيعين فهم آراء الآخرين. ولهذا السبب صَعُبَ عليكِ التمسك بمعتقداتك... هكذا تفكرين، لا؟ أتدرين، أنتِ مخطئة. فطوال الوقت كان لكِ معتقد واحد فقط」

ثم قالها...

...الإجابة الوحيدة التي لم تدركها حتى.

「أنتِ ببساطة لم تريدي أن تخسري صديقا عزيزا، صح؟」

نعم.

قد تكون شيري كرمويل تحمل العديد من المعتقدات المختلفة، وبعضها كان يتعارض مع بعضها بشكل مباشر — لكن الجذر الأول لكل ذلك لم يتغير أبدًا. كل معتقداتها بدأت من الحادثة التي وقعت لصديقها وما بعدها إلا فروع وتفرعات انبثقت منها.

حتى لو كانت معتقداتها بعدد نجوم السماء...

...المشاعر التي كانت تحملها تجاه صديقها لم تتغير أبدًا.

「خذي هذا أولاً وفكري فيه. فكري في كل شيء، من جديد! كنتِ تراقبينا بتلك العيون الطينية، أليس كذلك؟ ماذا رأيتِ عندما نظرتِ إلينا؟ هل بدوتُ لكِ وإندِكس أننا أشخاص يجب أن نبقى بعيدين عن بعضنا البعض لكي لا تحدث حرب؟!」 ثم صاح. 「فمعتقداتك كثيرة بعدد النجوم، أليس كذلك؟ فكري في ما الذي جمعها كلها! هل فعلتُ أنا أو إندِكس شيئاً لكِ؟! هل بدا أنني أجبرتُ إندكس على مرافقتي غصبًا عنها؟ لا!! لا نحتاج أن نبقى بعيدين عن بعضنا البعض! يمكننا أن نكون معًا دون إجبار أو كره!!」

لم يقل أن علاقته مع إندكس هي ما تريده شيري حقًا. لم يستطع أن يقول لها ألا تهدم هذا الوضع المثالي. لدى شيري أمنية واحدة لن تتحقق أبداً، ولا يمكن أن تحل محلها أي شيء آخر. لو طلب أحدٌ نم كاميجو أن يستبدل إندكس، لضرب وجهه بلا تردد.

لذا لم يقل ذلك.

واكتفى بأن يقول،

「لا أريدك أن تساعديني، لذا أرجوك، لا تأخذي مني عزيزاً!」

رأى أكتاف شيري كرمويل ترتعش.

حتى وإن لم تتحقق أمنيتها أبدًا، لا شك أنها تتذكر كم كان مهما لها. كانت تعرف جيدًا ألم فقدان عزيزٍ عليها.

تشوه وجه شيري كأنها تحاول تحمل الألم.

كانت كلمات كاميجو بسيطة جدًا. لم تكن صعبة الفهم. مهما بدت طفولية، لابد أنها وصلت إليها — لأنها كانت لتصرخ بنفس الكلمات في وقت مضى.

「—نفسي وكُلّي لصاحبي الفقيد — Intimus115!」

ولكنها صرخت في وجه ذلك ورفضته.

ورمت باسمها السحري.

لعلها فهمت مشاعر كاميجو جيدًا لدرجة آلمتها.

ولكن من ناحية أخرى...

لم تملك شيري كرمويل معتقدًا واحدًا فقط. ربما كانت قادرة حتى على فهم شعور من لم يفهم. لا — ربما كان ذلك لأنها تأثرت بمشاعره. أرادت أن تسقطه هو —من امتلك شيئًا فقدته— إلى هاوية الجحيم — وربما كان ذلك أحد تلك المعتقدات العديدة التي تحملها.

بشوشش!! لامس قلم الشمع الباستيل الهواء ولَمَع.

بعد لحظة من ظهور نقش على الجدار بجانبها، تفتت كما لو كان مصنوعًا من الورق المعجون. سُحُب الغبار التي ارتفعت على الفور حجبت الرؤية عنهما.

رأى كاميجو الستار الرمادي من الضباب الكثيف يقترب منه، ودون تفكير حاول القفز إلى الخلف.

لكن في تلك اللحظة، قطعت شيري الغبار أمامه مباشرة. انطلقت نحوه كالرصاصة، وبيدها قلم الشمع.

قفز قلبه في حلقه. أي شيء يرسمه ذلك القلم، سواء كان على حديد أو خرسانة، يتحول إلى جسد إليس. وغالبا لم يكن اللحم البشري استثناءً.

「مت يا إسبر!!」

خرج زئيرها الوحشي من وجهٍ بدا وكأنه يكاد يصيح كطفلٍ صغير.

آه، فهمت.

غريزيا قبض بيده اليمنى قبضة عندما أدرك الأمر.

لم تكن هذه ورقتها الرابحة. لو أن بفعلها هذا توقف كاميجو، لكانت استخدمته في البداية. صحيح أن الأنتي-سكيل أوقفوا إليس عن الحركة، لكن لا يمكن إسقاط الغولم بسهولة، ولم تكن لتحتاج إلى نصب هذا الفخ المعقد في نفق القطار.

قالت شيري كرمويل أنها تحمل معتقدات كثيرة بقدر نجوم السماء.

وصاحت أنها تعاني لأنها يمكن أن تُقنع بأفكار أي أحد.

ثم...

「...إذن يمكنك أن تفهمي شعور الرغبة في أن يوقفك أحدٌ」

طا!! حطمت قبضة كاميجو قلم الباستيل الناعم إلى أشلاء.

ولا تزال قبضته؛ فأكملت انطلاقتها لتضرب شيري كرمويل مباشرة في وجهها.

صدم!! مع صوت هائل، ارتد جسدها عبر أرضية النفق.

توقفت عند عمود. اقترب منها كاميجو ببطء. وبدا أنها فقدت وعيها.

وإليس... هل أوقفه هذا؟

لم يكن واثقًا كثيرًا من ذلك. فكر في أن يصفعها ليوقظها ويسألها، لكنها قد لا تجيبه بصدق. لن يختفي شعوره بالقلق سواء قالت نعم أو لا.

تبا. عليّ أن أذهب وأرى بنفسي!

للتأكد، التقط الحبل المهجور الذي أسقطه وربط أطرافها. وبعد أن تأكد من ربط معصميها جيدًا خلف ظهرها، ركض مرة أخرى أعمق داخل النفق.

وبينما يركض، بدأت اهتزازات خافتة وهادئة تزحف من الأرض نحوه، تزداد تدريجيًا في القوة.

لا حاجة أن يسأل أين إليس.

「...」



بعد عشر ثوانٍ، فتحت شيري كرمويل عينيها قليلاً.

كانت واعية طوال الوقت.

وتساءلت لماذا لم يقتلها ببساطة. لم تكن لتتمكن من الاعتراض على ذلك — فتلك أيضا من المشاعر التي فهمتها، ولذلك هجمت هجوما متهورا وانتحاري.

كان ذلك حقًا جديرًا بالثناء، لكنها كانت تحمل العديد من المعتقدات، ولم تكن تعرف أيها سيظهر عليها بعد هذا. فلربما تفك قيودها وتطارده مجددًا لتقتله.

بنفس الطريقة، كانت تفهم كلماته. وشعرت برغبة عدم قتله تنمو داخلها. لكنها في الوقت نفسه تفكر بالعكس تمامًا.

وبيدها المربوطة خلف ظهرها، تحركت قليلًا وأخرجت قلم الشمع من ملابسها.

ماذا... عن... إليس...؟

حينما أمسكت بقلم الشمع الساقط بيدها، أدركت فجأة أن إليس لم يعد تحت أمرها — بل كان يتصرف مستقلاً. لم يكن ليستمع لأمرٍ بسيط مثل "دمر نفسك". كان على أحدهم إما أن يدمر الشيم، آلية الأمان فيه، أو أن يُحدث دمارًا في 90٪ من جسده خلال ثانيتين فقط. تلك هي الطرق الوحيدة لإيقافه.

سحقت بقسوة قلم الشمع الأخير الذي بقي في يدها.

كان من المستحيل أن تخلق إثنين من إليس في نفس الوقت. ما دام الحالي لم يُدمَّر، لم تكن تستطيع صنع تمثال جديد. بمعنى آخر، لم تكن تستطيع الخروج من وضعها الحالي — ملقاة على الأرض ويديها مربوطة خلف ظهرها.

إليس...

أرسلت شيري كرمويل —وهي مقيدة الحركة تمامًا— أمرًا إلى إليس، أمرًا لن يصل.

هل كان أمرًا لتدمير الهدف؟ أم توجيهًا لوقف كل شيء؟

كانت تفهم أنها أرسلت واحدًا منهما.

  • الجزء 6

رأس الغولم علا فجأة.

الأنشودة الاعتراضية لإندِكس لم تعد تعمل بعد الآن.

العملاق قد ضرب بقبضته على شكل قوس واسع...

...وصدر صوتٌ مروّع كتحطم اللحم بين المباني المهجورة.

ولكن ذلك اللحم المتحطم لم يجيء من جسد إندِكس. فالقط لم يُصب بأي خدش. وفي الوقت ذاته، لم يكن ذلك الصوت صوتاً يخرج من حجر.

كازاكيري هيوكا.

قفزت فوق رأس الراهبة ووجهت ركلة طائرة إلى بطن التمثال. كانت سرعتها وقوتها غير عادية البتة. وكأن نيزكا اصطدم به.

غدددم!! صدى صوت مدوٍ.

اندفع جسد الغولم إلى الوراء، ككرة حديدية ذات زخم تصطدم بكرة حديدية بلا زخم. دار الغولم ثلاث مرات على طوله في الهواء ثم سقط على وجهه. دفع الهجوم الجبار الغولم إلى الوراء بمسافة تقارب السبعة أمتار. أما كازاكيري، بعد أن حولت كل طاقتها الحركية إليه، فقد بقيت معلقة في الهواء للحظة.

ثم، بخفة ريشة تهبط، وضعت قدمها على الأرض مرة أخرى.

طاااه!! صدرت دويّة منخفضة.

في اللحظة التي لمست فيها قدمها الأخرى الأرض، بدأت الأرض تتصدع في دائرة نصف قطرها متران كما لو أن مطرقة هائلة هبطت. بدا الأمر كما لو أن قوة الجاذبية قد ازدادت عشرة أضعاف على كازاكيري.

「هيو...كا...؟」

حاولت إندكس أن تناديها من خلفها، لكن أخذها النَفَس.

ساق كازاكيري اليمنى، التي أدّت الركلة، قد تفجرت إلى قطع صغيرة من الفخذ إلى الأسفل. كانت الضربة التي نفذتها قوية بما يكفي لإسقاط ماموث يزن أطنانًا. لا يمكن لأي جسم بشري أن يتحمل ارتداده.

أو هكذا ظنت.

لكن داخل ساقها المقطوعة لم يكن سوى فراغ. وكان الجرح نفسه يبدو غير طبيعي تمامًا، كأن الطلاء قد انشق عن عمود شفاف.

...ما...هذا؟

فكرت إندكس، ولا تزال تحتضن القط إلى صدرها.

سحر تياؤشي. السحر الأسود (نيكرومانسي). يد المجد. سحر فيتالا. الإكسير. كانت تملك جبالاً من المعرفة السحرية، وبعض هذه الأسحار أمكنها التأثير حتى على الأموات. ومنها، ما يلبث الرعب، تقنياتٌ يزرع فيها الإنسان شيئًا داخل جثة ليسيطر سيطرة كاملة عليها.

ومع ذلك...

حتى هي لم تستطع تفسير المشهد الذي تراه أمام عينيها.

هل يمكن للبشر أن يتغيروا إلى هذا التطرف؟ وهل عليهم؟

صوت صفير خفيف، يشبه رفرفة العلم في الهواء، ثم بعد لحظة، عادت ساق كازاكيري هيوكا التي دُمرت إلى حالتها الطبيعية دون أن تترك أي أثر. حدث ذلك بسرعة لا تصدق، كأنها نطت من ساقها المقطوعة كزنبرك قوي.

「أرجوك، اهربي」

لم تستدر.

إنما تحدثت بظهرها.

「أرجوك، اهربي عن هنا... لا يزال... المكان خطرًا...」

كان صوتها صوت الفتاة التي تعرفها إندكس جيدًا، ولهذا السبب، ترددت في الرد بأي شيء. لم تعرف إن كان عليها أن تحذر منها أم لا، أو هل هي كازاكيري هيوكا الحقيقية أم نسخة مماثلة مزيفة.

انكسر صوتٌ صريري في الهواء. كان مصدره التمثال الحجري الذي سقط على وجهه.

بدا وكأنه يحاول النهوض، لكن ضربة كازاكيري لابد وأنها ألحقت ضررًا بالهيكل الحجري نفسه. تحركت مفاصله لصوت تشقق، كما لو كان إنسانًا محاصرًا تحت شيء يغطي خصره...

ثم جاء صوت طقطقة عظم واضح.

محاولته لتحريك جسده قسرًا قد دمر دواخله الحجرية.

قيقيقيقيقاقاقاقاقا!! صرخ الوحش الحجري مدويا. لم يكن لديه أحبال صوتية ليصدر الصوت، بل كان صوت صرير جميع مفاصله التي حُرّكت بالقوة. لم يستطع الوقوف مجددًا. وهو يزحف على الأرض رافعا رأسه نحو السماء كأنه ينوح.

وبزئير!! جاءت هبة من الرياح.

رياح ثقيلة كالإعصار اندفعت مع الغولم الصارخ في مركزها. كان ككتلة ضخمة من الرياح تريد ابتلاع حي المباني المهجورة بالكامل. لم تكن رياحًا عنيفة ترفع كل شيء في المنطقة وتبدده في كل الاتجاهات، بل كانت أشبه بدوامة، تجذب القوارب القريبة، محاولة أن تغرقها في قاع البحر.

الرياح لم توجه إلى الخارج — بل كانت تقطع إلى الداخل.

صخور، علب فارغة، دراجات منسية، إطارات نوافذ بلا زجاج — كل شيء ما عدا حوض المطبخ جُذب إلى الغولم. قوة غير مرئية سحقته وجعلته جزءًا من جسده.

هذه... مصيبة...هاجت وظائف تجديد الغولم بسبب ذاك الهجوم!

بينما كانت تحتضن القط بقوة، الذي كان من الممكن أن يطير من بين يديها، ارتعشت إندكس خوفًا. هجوم كازاكيري هيوكا لربما ألحق أضرارًا قاتلة بالتمثال. حتى إلى جوهره، الشيم، جهاز الأمان المخفي داخل جسده. والآن، بعدما حاول الشفاء من جراحه التي لا تُصلح، كان يكرر أمر إعادة البناء لجسده، يجمع بشكل عشوائي كل ما يلتقطه.

جراحه لن تُشفى، مهما فعل.

وهكذا، كان الغولم يُرسل أوامره باستمرار لمواصلة إصلاح نفسه إلى أن تُشفى الجروح، أبدا أبدا أبدا. الجزء الذي كان يحاول إصلاحه يبقى على حاله، بينما يواصل جسد الغولم امتصاص الأشياء غير الضرورية واحدة تلو الأخرى، متضخمًا ككرة ثلجية. كان طوله قريبًا من أربعة أمتار، لكنه خلال أقل من ثلاثين ثانية فقط، تضخم إلى ضعف هذا الحجم في العرض والارتفاع معًا. وبما أنه كان في وضعية الزحف، بدا كأنه سقف يغطي على إندكس وكازاكيري.

بدأت المباني القريبة تُصِر صريرًا.

شحبت إندكس عندما سمعت تلك الهياكل المعمارية العملاقة تصدر صوتًا مخيفًا يشبه الأشجار التي تُجرف في عاصفة شديدة. إذا استمر الأمر على هذا المنوال، فإن العاصفة ستهدم كل المباني المحيطة. ولن تكون فرصة لإنقاذهم إذا وقعوا تحت الأنقاض. وللأسف، إذا أصبحت الدوامة قوية جدًا حتى تكسر المباني، فلن تستطيع كل جهود إندكس العظيمة أن تمنع قدميها من الانفصال عن الأرض وأن تُبتلع في جسد الغولم.

علينا أن نبتعد.

الآن وبعد أن صار الغولم نشطًا بدون ساحر، وبقوته وحده، لم تعد أنشودتها الاعتراضية تؤثر فيه. والآن بعدما تعطل تجديده وكان يفعل هذا مع علمه بأنه سيُدَمّر، لم تستطع إعاقة حركته بمجرّد دبوس أمان أو اثنين. كرهت ضعفها. وحبطت. لم تملك القدرة على تكرير السحر (إنتاج المانا)، وكل معرفتها الهائلة كانت بلا جدوى.

إندكس لم تستطع إيقاف ذلك الغولم. وبحسب علمها، الوحيد القادر على السيطرة على هذا الوضع هو الفتى ذي اليد اليمنى الفريدة.

「هيوكا، تعالي نهرب!」 صرخت. ولم تؤكد بعد ما إذا كانت كازاكيري هيوكا التي أمامها هي نفسها التي كانت معها بعد المدرسة في ذلك اليوم.

في تلك اللحظة، انفصل الجدار الخارجي لأحد المباني المهجورة.

كان محاطًا بالدوامة—كتلة من الحجارة ترقص في الهواء كأنها مطرقة عملاق. انخفضت إندكس سريعًا وهي لا تزال تحتضن القط. صخرة خرسانية طارت فوق رأسها وتحطمت على الأسفلت. وانجرفت شظايا الأرض المبعثرة أيضًا بفعل الرياح وابتلعها الغولم.

لم تكن حتى على بعد خطوة من الهروب. فإذا رفعت رأسها دون تفكير، قد تُصدم بحطام طائر.

وعلى الموقف اليائس، حافظت كازاكيري هيوكا على وضعيتها بلا حراك.

مرت قطعة ضخمة من الحطام، أكبر من جسدها، بجانب وجهها لكنها لم تترنح. بدت كشيخ يشهد عاصفة مقتربة في البحر. لم تتحرك ساكنة.

دون أن تستدير، قالت بهدوء، 「عليك... الهرب من هنا」

「ماذا تعنين؟ وأنتِ؟!」 سألت إندكس، ممسكة بالقط الذي بدا كأنه على وشك أن يُسحب بعيدًا بفعل الريح.

「أنا...」 وبعد تفكير لحظة، أضافت، 「يجب أن... أوقف ذلك الوحش」

وكأنه ردّاً على إعلانها، رفع التمثال الحجري الزاحف ذراعه اليمنى في الهواء. فعل ذلك ببطء بسبب زيادة وزنه—أو ربما لأنه كان ينتظر اللحظة المناسبة لإطلاق كل طاقته المكبوتة، كسد على وشك الانهيار.

لو أطلق تلك اللكمة، فإن الهجوم الشرس سيدمر المباني المحيطة ويطحن الفتاتين إلى غبار ناعم. لا شك في ذلك. لا يمكن لأحد أن يحمي نفسه منها—فهي تتجاوز حدود القدرة البشرية على التحمل.

「لن يمكنك! هيوكا، علينا الهرب! البشر لا يقدرون على مواجهة هذا الشيء! قد يكون على الأرض، لكن لن تستطيعي الاختلاس وراءه بخطة! ليس عليك القتال هكذا، هيوكا!」

لم تستدر كازاكيري عند كلماتها.

توقفت القبضة الحجرية فجأة، كما لو كانت تصوب بدقة نحو هدفها.

「هيوكا، هذا ليس إنسانًا! أترجاك، لن تقدري على وحش كهذا! إذا قاتلته، فلا سبيل لإنقاذك!」 صرخت، وأخيرًا، استدارت كازاكيري هيوكا ببطء.

أمام القبضة الضخمة التي تواجهها مباشرة، استدارت دون أن تنظر إليها.

「...لا بأس،」 قالت.

ابتسمت، عدا أنها بدت على وشك البكاء.

「أنا كذلك... لست إنسانة」

شهقت إندكس رغما عن نفسها.

ابتسمت كازاكيري هيوكا بتلك الابتسامة المتعبة والمؤلمة، وقالت لها آخر كلمة،

「آسفة...أنني كذبت عليك طوال هذا الوقت」

خلفها، انطلقت القبضة الحجرية نحوها.

صاح الهواء بزئيرٍ مدوٍ أثناء تحطمها. كان الهجوم لا يقل عن نيزكٍ يسقط. انكمشت إندكس تلقائيًا وصرخت باسم هيوكا.

لكنها لم ترد من بعد ذلك.

استدارت كازاكيري هيوكا بجسدها كله نحو الغولم. مدت ذراعيها الرقيقتين إلى اليسار واليمين، ووقفت كحائط لتحمي إندكس.

راقبت القبضة الصخرية تقترب.

كانت الضربة الضخمة القادمة أشبه بجدارٍ لا بطلقة أو كرة مدفع. لم يكن هناك أي توازن بين قوتهما. كان كإنهيار أرضي يسحق غصنًا ضعيفًا.

طخققأا!!

أمسكت يداها الرقيقتان قبضة الغولم إليس.

تلقّت يداها وقدماها وصدرها وبطنها وظهرها ورقبتها كامل قوة الاصطدام الهائل، وشعرت بألم يقطعها كأن كل مفاصلها تتفتت. تقلص طول ذراعيها بمقدار خمسة سنتيمترات. وبسبب انضغاط ذراعيها، اندفع جلدها الفتي النابض بالحياة مخيفةً ومُضنكة، كأن الأضلاع تضغط من تحت الجلد.

「آغ... آه...؟」

كازاكيري هيوكا سمعت صوت إندكس المصدوم خلفها.

لم تستطع الاستدارة لطمأنتها.

لم تستطع حتى أن تقول إن كل شيء سيكون على ما يرام.

تكسر جسدها بأكمله وصرّ على صوت تآكلٍ مؤلم من الداخل. كان الأمر كأن مبردًا حديديًا يحكّ أسنانها، لكنه يغطي كامل جسدها.

لم تشعر بأنها كانت توقف القبضة.

القوة الهائلة واليائسة، كإنهيار أرضي يتدحرج من على منحدر جبل، استمرت تزحف. أصابعها التي كانت تمسك قبضة الغولم المصنوعة من النفايات المجمعة انكسرت. قدماها على الأرض دُفعتا عميقا على الإسفلت. عضلات ساقيها لم تستطع مقاومة الضغط وانثنتا وتحوّرتا بصوت تحطيم، مثل فروع الأشجار التي تنهار تحت ثقل الثلج. انفجر الألم داخل جسدها. وكأن أحدًا ضرب مطرقة بقوة على ساقيها.

لابد أن الغولم قرر سحق المقاومة الضعيفة بالقوة الغاشمة، وكأنه يشد على مَلْزَمة، زادَ الضغط على قبضته.

「آه، آآآآآآآآآغهه!!」

صرخت كازاكيري وكافحت ضده. تمددت أطرافها بعنف. لم تكن تشد عضلاتها، بل كمن ينفخ الهواء في بالون، أطرافها المضغوطة بالقوة المحضة تمددت واستعادت شكلها الأصلي قسرا.

رأت أمام عينيها ومضات من الألم، كأن جرحًا كاد يُشفى قد انفتح مجددًا.

زاد الوحش الحجري الضغط على قبضته.

كان جسدها محاصرًا بين قوةٍ تحاول سحقها من الخارج وقوةٍ تحاول إعادتها إلى حالتها الطبيعية من الداخل. فخرجت طقطقة وأنين كأرضيات خشبية قديمة.

عضّت على شفتيها ضد الألم الشديد، لكنها لم تفك قبضتها عن يد الغولم.

محال لها بأي شكل أن تتركه.

فخلفها فتاةٌ يجب أن تحميها. الفتاة ذات العباءة البيضاء لم تكن مسخًا مثلها. لم تكن تملك القوة لإيقاف قبضة وحش ضخم.

الوحوش...

...هي من عليها أن تقاتل الوحوش الأخرى.

لكن...

مهما كافحتْ وقاومت، لن تُنقَذَ كازاكيري هيوكا.

حتى لو أنقذت إندكس، فسوف يهزمها الغولم في المقابل. لم تختبر حدود جسدها من قبل. ولم تستطع حتى تخيل ما الذي سيحدث لكازاكيري هيوكا إذا تم دمج لحمها في الغولم كالأعمدة أو الدراجات. حتى وإن نجت بطريقة ما وعادت للحياة بشكل معجزي... إندكس قد عرفت أنها ليست إنسانة.

ومع ذلك...

لأوقات مثل التي قابلتهما فيها في مقصف المدرسة...

وأيام مثل تلك التي قضتها بعد المدرسة في المجمع التجاري تحت الأرض...

لن تعود أبدًا إليهما.

لكني مع ذلك... لن أتخلى عنها...!!

ركزت كازاكيري هيوكا كل قوتها وشدت ساقيها. وكان كامل جسدها — يداها، قدماها، خصرها، ظهرها — مستمرا في دورة من الانضغاط تحت القوة الخارجة ثم التمدد من الداخل. الأصوات الرهيبة التي كانت تخترق جسدها ترددت في الأرجاء مثل أصوات الأظافر على السبورة.

「هيي... آه...؟!」 سمعت الفتاة الراهبة البيضاء خلفها تلهث.

「بغياه! شها!!」 وسمعت القط خلفها يزأر مهددا.

تساءلت كيف بدت لهما. لقد كانت تمشي معها ببساطة منذ أقل من ساعة. فكيف تبدو في نظرها؟

لكن، كما لو أنها تريد فتح جراحها مرة أخرى، دفعت قوتها في جسدها.

لأنهم أصدقاء.

الفتاة ذات العباءة البيضاء، بعد أن رأتها هكذا، ربما لم تشعر بنفس الشعور، لكن هيوكا أرادت أن تبقى صديقة لها من البداية حتى النهاية!!

ثم صوت تشقق.

صرخ جسد الغولم.

وسط فيضان الألم الذي يمزق أحشائها، رأت ذلك — الغولم، بعدما فقد أعصابه، كان يلوّح بقبضته الأخرى في الهواء.

كانتا يداها مشغولتين أصلا في كبح قبضة الغولم اليمنى.

「غه...!!」

صرّت على أسنانها. إذا كان هذا هو الحال، فإنها قد اتخذت قرارها النهائي — ستشتري الوقت الكافي لتلك الفتاة للهرب.

توقفت ذراع الغولم في الهواء عند نقطة ما، كما لو كانت تصوب الهدف.

أغلقت كازاكيري عينيها تلقائيًا انتظارًا للدمار الذي سيأتي بعد ثانية واحدة، حين...

「كا...زا...كازاكيرييييييييييييييييييييييييييييييييي!!」

سمعت صوت صبي تعرفه جيدًا.

جاء من خلفها. بعد الصراخ، سمعت خطوات سريعة كمن ينطلق بأقصى سرعته. لم يكن لديها رفاهية أن تستدير للنظر، لكنها تعرف. عرفت دون أن ترى. عرفت كيف كان تعبير وجهه. بماذا كان يشعر. وكم أسرع في القدوم.

هُوَ...

حتى بعد أن رآها وقد تحولت بالكامل إلى وحش، ظل يناديها كازاكيري.

ليس "وحش" — بل "كازاكيري".

وبينما كانت واقفة مذهولة، مر الظل الأسود بجانبها كرمح.

في تلك اللحظة، اختار الغولم إطلاق قبضته اليسرى.

لم يتردد. لم يفكر للحظة. ولم يكن خائفًا. قبضته اليمنى كانت ورقة الرهان الوحيدة لديه، وشدها بقوة جلمود.

غلونك!! اصطدمت القبضتان.

اندفع دم أحمر زاهي من قبضة الصبي.

لكن لم يكن بسبب قوة الغولم. فلقد ضرب سطح صخرة وعرّة بكل قوته. وفقد هجوم الغولم المدفعي كل قوته ما إن لامس قبضة الصبي. أو بشكلٍ أدق — ربما فقد زخمه عندما لامس نوعًا من المجال المغناطيسي الخفي، الذي غلّف قبضة الغولم.

اختفى الضغط الذي كان على وشك سحق كازاكيري كما لو كان سقفًا معلقًا.

وفي الوقت نفسه، بدأ الغولم المتضخم يتشقق ويتفكك على الأرض. ارتفعت سحب من الغبار الرمادي في الهواء — أكبر وأعظم بكثير من المشهد في المركز التجاري تحت الأرض — وأعمت نظر الجميع.

انتهى...

ابتسمت كازاكيري هيوكا لنفسها، وحيدة، داخل مساحتها المنعزلة خلف ستار الغبار الرمادي.

كله... كله لأجل هذا الوهم الرقيق واللطيف...

امتدت أطرافها التي كانت محطمة وعادت إلى حالتها الطبيعية مرة أخرى مع صوت يشبه ثني البلاستيك وإعادته إلى شكله.

شعرت بالوحشة الحق، الحق، لكنها ابتسمت، وقررت مغادرة هذا المكان قبل أن يستقر الغبار.

ذهبت الأزمة.

ولم يعد هناك مكان لكازاكيري. كانت مثل سلاحٍ باقٍ بعد انتهاء الحرب. إذا بقيت في عالمٍ هادئ بقوتها تلك، فلن يُنظر إليها إلا بالخوف. ولم تستطع مواجهة الفتاة ذات الثوب الأبيض التي رغبت في حمايتها.

كانت سعيدة أنهما لن يريا بعضهما البعض.

فهي لم تحمل الشجاعة لترى التعبير الذي لبسته إندكس، خلفها.

  • الجزء 7

كاميجو وقف وحده في زاوية من بين أنقاض المبنى.

عندما تلاشى الغبار الرمادي، لم تكن كازاكيري هيوكا في أي مكانٍ يُرى. لم تتساقط سوى قطرتين أو ثلاث قطرات ماء على الأرض، رغم أنه لم يكن هناك مطر.

سمع ميكوتو وشيراي الضجة فجاءا بسرعة. الأنتي-سكيل والجدجمنت ليسا بعيدين، لذا يجب أن نغادر من هنا قبل أن نتورط في مشكلة كبيرة، أخبرتاه بهذه.

وسحب الاثنان إندكس، التي كانت تحاول البقاء مع كاميجو، وغادروا المكان بالتنقل. قدرة شيراي على التنقل محدودة بالمسافة، لذا كانتا على الأرجح تقفزان حوالي مئة متر أو نحو ذلك في كل مرة. أما كاميجو، كالعادة، فكان يلغي قواها، فتُرك له أن يهرب وحيدًا.

أما شيري، فكانت الأنتي-سكيل تتعامل معها، وبالنظر إلى ما حدث، لم يظن أنه سيرى اسمها في الصحف في أي وقت قريب.

「آهخ…مشاكل أينما كنا، هاه؟」 تنهد الفتى، ولا يزال لديه أمر يجب أن يتعامل معه قبل وصول الأنتي-سكيل أو الجدجمنت. رفع نظره للأعلى ليتأكد من شيء ما، ثم دخل أحد المباني المهجورة.

لقد أُزيلت النوافذ ودواخل المبنى، لتتكشف الخرسانة الرمادية تحتها. كانت هناك حروف، تشبه التوجيهات، مرسومة على الأرض والجدران بالطباشير الأحمر، مكتوبة بمصطلحات تقنية. ربما كانت إجراءاتهم لهدم المكان كله. كان الغروب الأحمر يتسلل من خلال النوافذ الخالية من الزجاج، ويقطع الغبار في الهواء كليزر.

أزيلت الدرابزينات من السلم؛ حيث ركض كاميجو لأعلى.

صعد وصعد وصعد وصعد وصعد حتى وصل إلى أعلى الطوابق.

باب السطح كذلك قد أُزيل.

خطا على سطح مطلي بلون أحمر قاني. بدا المكان وكأنه يستخدم كحديقة سماوية. التربة التي غطت أحواض الزهور قد جفت وتشقق سطحها. بقايا النباتات التي تشبه الزهور تعفنت وصارت بُنّية اللون، تتمايل مع الريح.

في الزاوية البعيدة جدًا من هذه المقبرة السماوية...

كازاكيري هيوكا جالسة وظهرها ملتصق بأحد الدرابزينات المعدنية الطارئة. كان رأسها إلى الأرض ينظر، ولم يتمكن من رؤية وجهها.

إن أطرافها المهشمة قد عادت إلى حجمها الطبيعي. لم يكن هناك أي جرح ظاهر عليها.

لكنها لم تملك أي كلمة سعيدة لتقولها، وكانت تخفي وجهها.

خفض جفونه قليلاً.

إذا كانت كازاكيري هيوكا قد اختفت هاربة من إندكس — أو من الناس عموما — فلا بد أنها جاءت إلى هنا. كانت فقط تريد الابتعاد عن إندكس، لكن لم يكن هناك مكان تهرب إليه، فاضطرت للاختباء داخل أحد المباني المهجورة.

كانت الفتاة وحيدة تمامًا ولم تنطق بكلمة لكاميجو، رغم أنه جاء إلى السطح.

تب-تب، رنّ صوت تقطر الماء.

كان رأسها مائلا للأسفل وتمسك صور الملصقات بيديها. قطرات شفافة تتساقط عليها.

「أنا... أنا سعيدة... وهذا يكفي」

لاحظت كازاكيري نظراته. رفعت رأسها ببطء أخيرًا وابتسمت ابتسامة خافتة.

「لأنني... استخدمت كل قوتي... وحميت صديقة... صديقة مهمة. لقد فعلت ذلك... ولم يفعلها أحد غيري... أنا حميتها. لِذَلِك... أنا... سعيدة. سعيدة جدًا... ولهذا أبكي... لهذا...」

「...」

「لماذا... لماذا تصنع هذا التعبير؟... هيّا عنك، ابتسم. امدحني قليلاً... حتى لو قلت أنك تغار، فلا أمانع... أنا... أنا... سرقت مكانك فارسها... تمامًا من تحت قدميك... هَهَه، ما الذي أقوله...؟」

كانت كازاكيري هيوكا تبتسم، لكن كاميجو توما لم يكن.

لم يستطع.

لم يستطع أن ينظر إلى ابتسامتها المنهكة والمجبرة ويبتسم هو أيضًا.

「هئ...」 عضت كازاكيري شفتيها، واختفت ابتسامتها بصمت.

「أنا...عرفت... من البداية...」

قالت فجأة.

「...كان واضحًا جدًا. أي أحد... أي أحد كان ليفهم... ماذا سيحدث لو... عرف الناس أنني وحش... ربما كنت لأستطيع... أن أفعل شيئًا حياله، لو استمريت في إخفائه... لكنني بغباء... كنت أعلم ماذا سيحدث لو كشفت عنه بنفسي. لم أُرِد... ولم يُرد أحد أن أُظهر نفسي هكذا!」

تعثرت كلمات كازاكيري بعدها.

خرج صوتها متقطعًا من رقرقة عيونها.

「...لكن... ماذا عساي؟」

ارتجفت شفاهها وتحركت بيأس.

「كانت هي أول... أول من قال أنني صديقة، منذ أن ولدت... أردتُ حمايتها، فماذا عساي غير ذلك؟」

ربما كانت مستعدة لهذا منذ البداية.

ذلك المصير، حيث ستفقد شيئًا مهمًا لها مقابل كشف هويتها الوحشية. وبسبب تلك الرؤى المرعبة التي كانت حية في ذهنها، كانت تتمنى، في أعماق قلبها...

...أن تكون تنبؤاتها خاطئة.

لم تفكر أبدًا في مدى ضآلة الاحتمال — كانت إنما تتشبث بأمل المعجزة.

والنتيجة...

「لماذا... لماذا أفقد الأشياء؟」

ببطء، ابتعدت عن الدرابزين وترنحت ووقف على قدميها.

「لماذا... لماذا أخاف هكذا؟!」

وهي تبكي، دفنت وجهها في صدر كميجو.

أطلقت كل ما في داخلها من ندم وألم عليه.

「أ-أ-أنا...! إنما... لم أتحمل أن أشاهد... صديقة عزيزة تتألم... هذا هو السبب الوحيد الذي جعلني أدافع عنها! كنت أمتلك القوة لحماية عزيزة... لم أستطع ببساطة أن أتركها على حالها! هذا كل ما في الأمر! ومع ذلك...」

صفعت يداها النحيلتان صدر كميجو.

سمع صوتها المكتوم.

「هذا...قاسٍ! هذا...محبط! ويؤلم...! لماذا... لماذا أشعر هكذا؟! هل... ارتكبت خطأ؟! هل من الخطأ أن أريد حماية أحدٍ...؟!」

صرخة قلبها الممزق دقت في طبلة أذنيه.

مع أنها تعرف أن الصراخ لن يغير شيئًا، لكنها لم تستطع السيطرة على نفسها.

「أنا... أردت أن أبقى معها دائمًا! أردت... أن نكون أصدقاء! ظننت أننا نتفاهم! لكن هذا... لماذا يحدث هذا؟! خاطرتُ بحياتي... لن يمكنك أن تفهم شعوري عندما سمعت أنفاسها الخانقة! ...لا أستطيع حتى أن أفهم ذلك، رغم أنها مشاعري!!」

واصلت الصراخ، غير قادرة على ترتيب أفكارها.

لا — لقد دُفعت إلى الزاوية لدرجة أنها لم تعد تحتمل الصمت.

「هل من الخطأ... لوحش أن يحمي؟! لو كنتُ إنسانة... لَما حدث أي من هذا، أصحيح؟! بالطبع ما كنت لأتركها! حتى لو خافت مني أو كرهتني، ما كنت لأتركها للموت...!!」

「...」 استمع كاميجو بصمت لما تقوله.

رغم ارتجافها وبكائها بجانبه، لم يستطع حتى أن يمسح على رأسها.

كانت هذه الهالة الوهمية عابرة، زائلة، وإذا لمسها لانكسرت.

الإماجين بريكر — قاتل الأوهام.

الفتى المعني الذي لم يستطع حتى أن يحتضنها.

فبدلاً من ذلك، سألها،

「أترينه يؤلم؟」

「...مم...」

「ويحزنك؟」

「مم...!」

توقفت عن ضرب صدره، وتمسكت بقميصه كطفل، بينما تسرب نحيبها الذي لم تستطع كبحه من شفتيها المرتجفتين.

「إذا كنتِ تشعرين هكذا، فكيف تكونين وحشًا؟ لربما يكون هذا كلامًا مبتذلا ومكررا، لكنك إنسانة. أشهد على ذلك. وأيضًا...」

توقف للحظة.

قصتك هذه لم تنتهِ بعد

「هه؟」 نظرت كازاكيري هيوكا إليه بحيرة وارتباك.

طب طب. سمعوا خطوات من خلف كاميجو.

توقعتُ منها أن تأتي قريبًا، ابتسم بينما يفكر.

كانت ميساكا ميكوتو قد قالت إن الوقوع في قبضة الأنتي-سكيل أو الجدجمنت سيكون ازعاجا كبيرا، لذا قالت أن تأخذ فتاة معينة وتغادر المنطقة. وكان كاميجو يعلم أنها لا تريد المغادرة حتى النهاية—أرادت البقاء مع كاميجو.

ولعلها قد خمّنت مكان كازاكيري هيوكا طوال الوقت.

ولربما أنها لم تستطع الركض إلى هنا فورا لأن ميكوتو وشيراي أجبرتاها على الابتعاد.

ولربما كانت قلقة على كازاكيري طوال هذا الوقت.

كل ذلك قاد إلى استنتاجٍ واحد—لا شك أنها ستأتي إلى هنا.

「لـ-لِمَ...؟」

رفعت كازاكيري وجهها من صدر كاميجو ونظرت إلى مَن خلفه، محتارة.

واستدار ببطء.

بعيدًا، عند مدخل السطح الخالي من الباب، وقفت فتاة ترتدي عباءة بيضاء ناصعة. كانت دبابيس الأمان في تنورتها قد أُزيلت، وكان يبدو كأنها ترتدي شيونغسام. تنفسها متقطع، وكانت متعرقة تمامًا. لا بد أنها ركضت إلى هنا دون توقف لأخذ استراحة.

تلك الفتاة... إندكس...

بعد أن تأكدت من وجود كازاكيري، ركضت نحوها بلا تفكير. بلا خوف أو كراهية—بوجه أم وجدت طفلها الضائع في ملعب.

لم تستطع كازاكيري هيوكا حتى أن ترمش وهي تراقب.

「لكن... لماذا؟ هذا... هذا غريب」

اهتز جسدها. ارتعش كما لو كان بردانا.

「أعني... هذا... غريب. أنا لست... إنسانة! قلت لها... أنني وحش... فلماذا يبدو وجهها هكذا...؟ لماذا هي... لماذا تنظر إليّ كأنني... صديقة؟」

تنهد كاميجو ردًا.

「إيه، نعم، قد تكونين مختلفة قليلًا عن الآخرين، ويمكنك القيام بأشياء لا يستطيعونها」

كانت لهجته توحي بأنها سخيفة لطرحها سؤالًا بديهيا كهذا.

「لكن هذا لا يغير حقيقة أنك صديقتها، لا؟」

عند تلك الكلمات، سقطت كازاكيري هيوكا على ركبتيها وهي تبكي.

اندفعت إندكس نحوها وسقطتا معًا على السطح.

أحضرت كازاكيري يديها بحذر إلى ظهر إندكس واحتضنتها.

نظر كاميجو توما إليهما وابتسم ابتسامة صغيرة.

تعليقات (0)