الفصل الثاني: الرُّومَانُ الْكَاثُولِيكْ — الكنيسة_الرومانية_الكاثوليكية.
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
غابت الشمس وحلّ الليل.
لكن الليل لم يحلّ هادئا. كانت أغنيز، بلباس الراهبة الأسود، تصرخ الأوامر بلغة أجنبية نحو أخريات يرتدين الملابس ذاتها، وتشير في كل اتجاه. كانت أيضًا تكتب شيئًا في دفتر صغير بريشة بسرعة مذهلة. أخبرت إندِكسُ كاميجو أن الأمر يشبه مكالمة هاتفية: فكل كلمة تكتبها في ذلك الدفتر، تظهر الحروف في دفتر آخر في مكان ما. لكنه فكّر في نفسه أن الأمر أقرب إلى رسالة نصية منه إلى مكالمة.
فرقة ترتدي السواد—على الأرجح راهبات من كنيسة الكاثوليك الرومان— كانت تتجه إلى المجارير عبر الفتحة المثلثة التي خلفها خاطفو أورسلا. مجموعة أخرى فردت خريطة وبدأت ترسم عليها خطوطًا بالحبر الأحمر باستخدام ريش أيضًا. لم يكن كاميجو قادرًا على معرفة ما إذا كانوا يرسمون طرق الهروب أم يحددون اتجاهات البحث أم شبكة الأمان الخاصة بهم.
في هذه الليلة الصاخبة المزدحمة، وقف كاميجو وإندِكس وستيل متيبسين إلى حد ما، منعزلين عن الآخرين. لا يعرف كاميجو أي لغة أجنبية (وفي الواقع لم يميز حتى من أي لغة يتحدثون)، لذا لم يستطع المشاركة في الحديث. أما إندكس وستيل فالتزما الصمت. إن قالا شيئًا طائشًا، فقد يتسبب ذلك في فوضى بين راهبات الرومان، فهم جميعا من سلسلة قيادة مختلفة.
وبينما أخذ يشعر بالجوع شيئًا فشيئًا، تكلم كاميجو، 「هيه، لماذا ناديتمونا أنا وإندكس أساسًا؟ أولئك الرومان ينجزون كل شيء وحدهم. إنما نحن نجلس هنا نضيع الوقت—فهل من سبب لبقائنا؟」
「...إيــۤـــه، من المفترض أن تصل التعزيزات قريبًا. ما الذي آخرّهم أولئك الفرسان؟」 قال ستيل بمرارة، وهو ينفث دخان سيجارته ثم أردف، 「أيضًا، هذه الحادثة تتطلّبنا. أو بشكل أدق، تتطلّبُها」
أتراهُ قصد إندكس.
「نعم. كل هذا له علاقة بكتابٍ سحري (جريموار). وليس أي كتاب — بل النسخة الأصلية من كتاب القانون」
وبدلا من ستيل، الذي قال ذلك بنبرة متعالية وكأنه لا ينوي الشرح، جاءت إندكس تبسط الأمور لكاميجو.
وزبدة قولها، فإنّ كتاب القانون هو كتاب سحري مكتوب بشيفرة لا يستطيع أحد في العالم فكّها. وكان فحواه ذا قيمة كبيرة؛ فمن يتمكن من فك شفرته سيكسب قوة عظيمة. وقد ظهرت امرأة مؤخرًا استطاعت التوصل إلى طريقة فك شيفرة هذا الكتاب الذي يُفترض أنه مستحيل الفهم.
ولهذا السبب فإن أورسلا أكوينس وكتاب القانون —المرأة الوحيدة القادرة على فك شفرته— اختُطِفَا من قبل الكنيسة الأماكسية من بين يدي الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
وكانت أورسلا هي التي قابلها من قبل، ويبدو أنها كانت تهرب خلال الفوضى التي نشبت بين الأماكسيين والرومان الكاثوليك، حيث اختُطفت وأُنقِذت مرة بعد مرة. ويُعتقد أن سبب جهلهم بمكان كتاب القانون الآن هو كونه بحوزة جماعة الأماكسا.
الأماكسية...أماكسا؟
مال كاميجو برأسه — ألم يسمع بهذا الاسم من قبل؟
على أية حال.
「لا أحد يستطيع فك شيفرته، هاه؟ حتى أنتِ، إندكس؟」
「لا! قد حاولت، لكنه ليس مكتوبًا بشيفرة عادية」
「مهلًا. هل هذا الكتاب السحري غير المقروء فعلاً ذو قيمة كبيرة؟ أعني، لا أحد قرأه، فربما يكون مجرد خربشات بداخله، ولا؟」
「قد يكون」 قالت إندكس ببساطة، لكن كونها لم تغضب أعطاها مظهر الرزينة، أشبه بكبيرة توبّخ طفلًا — وكأنّه، بل هو هاوٍ جاهل يتدخل في عمل محترفين.
بصق ستيل سيجارته القصيرة وسحقها تحت قدمه.
「التقنيات المكتوبة في كتاب القانون قوية زيادة عن اللزوم — يُقال إن استخدامها هو إعلان على نهاية العالم الذي تهيمن عليه الكنائس الصليبية. وله تاريخ شيق. نحن لا نريد حتى التأكد مما إذا كان حقا أم خيال — فإذا كان مختومًا، فيا حبذا لو تركناه على حاله. فهو وفقًا لأحد النظريات، يسمح باستخدام تقنيات ملائكية تتجاوز فهم البشر」
تجمّد كاميجو عند سماعه تلك الكلمات.
「م...ملائكية؟」
「نعم؟ لعلّه مصطلح مبالغ فيه لغير مؤمن مثلك」
كان ستيل ساخرا شماتا، لكنّه أخطأ.
فكاميجو يعرف. يعرف معنى كلمة ملاك. يعرف ما الذي فعله الملاك الذي يُنادى باسم قوة الرب. فتلك التعويذة التي استُخدمت ذات ليلة صيفية على الساحل قد غطّت السماء كلها على الفور بدوامة من دوائر سحرية ضخمة. يعرف المعجزة التي يمكنها أن تمحو نصف العالم من الوجود. وفوق ذلك، تلك كانت ربما مجرد جزء بسيط من نوع التقنيات التي يستخدمها الملائكة.
فأن يُمنح مثل هذا الشيء لإنسان، ليستخدمه كيفما يشاء؟
ابتلع ريقه. 「لكن... رغم ذلك، إذا لم يسبق لأحد أن فكّ شيفرته، فقد لا يكون حقيقيًا أصلًا」، قال.
أومأت إندِكس برأسها. 「إي. لكن إن تعلق الأمر بـكتاب القانون، فالأرجح أنه حقيقي يا توما. الساحر الذي سعى لكتابته يُعتبر أسطورة الآن. مستواه كان مرتفعًا جدًا لدرجة أنه قد تراه يظهر في العهد الجديد. لم يكن نشطًا إلا قبل سبعين عامًا فقط، لكن ما عسانا نبالغ القول إنه كان الساحر لم أعاد كتابة ألف سنة كاملة من التاريخ السحري. حوالي عشرين بالمئة من السحرة في عالم اليوم هم إما متابعوه [1] أو مقلدوه. وما يقرب الخمسين بالمئة منهم تأثروا به بشكل أو بآخر به. كان ساحرًا حق بكل معنى الكلمة」 كان حديثها جديًا، وكاميجو لم يجد ما يقوله. 「أعتقد اعتقادا أن كتاب القانون حقيقي. بل لن أُفاجأ لو تبيّن أنه أفظع مما قالت عنه الشائعات」
ركضت بعض راهبات السواد أمامهم.
وبعد بضع ثوانٍ، تجرأ كاميجو وقال، 「مم... وما كان اسمه؟」
「إدوارد ألكسندر. يُعرف أيضًا باسم كراولي. دُفن الآن في مقبرة في الريف الإنجليزي」 أشعل ستيل سيجارة جديدة. 「بكلمةٍ نَصِفُه، هو مُسجّلٌ أنَّهُ أفظَعُ إنسانٍ على مر التاريخ. في إحدى تجاربه خلال سفراته، أخذ زوجته —وهي شريكته في السفر حول العالم— واستخدمها وعاءً للاتصال بالملاك الحارس المقدس آيواس. وعندما ماتت ابنته ليليث، استخدم موتها ليُنشِأ نظرية سحرية من دون أن يرمش له جفن. ويُقال إنه ضحّى ببنات في نفس عمر ابنته في تلك التجربة... ومع ذلك، فإن إنجازاته أدت إلى صياغة تعريفات جديدة للعوالم الأخرى—مثل المستويات السماوية والشيطانية التي تتداخل مع عالمنا—وسببت ثورة غيّرت وجه السحر في عصره」
عدّل ستيل موضعه لأن الريح غيرت مجراها. بدا وكأنه لا يريد للدخان أن يتجه نحو إندكس، لكنه لم يمانع أن تصحب دخانه كاميجو، الذي كحَّ من قلبه، فابتسم ستيل ابتسامة الشرير بعينه وتعمد نفث الدخان كوغدٍ وحشٍ متنمر. 「نعم، قصصه عديدة — الحسن منها والرديء، العادل منها أو الخبيث، كبيرها وصغيرها — وكلها معروفة لدى السحرة. نفس الشيء ينطبق على كتاب القانون. عندما كان كراولي يضل طريقه، كان يلجأ إلى عِرافة الكُتُب مستخدمًا كتاب القانون، ويستخرج من محتواه طريقه الأصلي. بمعنى آخر، يحتوي على لحظات التحوّل في حياة أعظم ساحر في التاريخ — فهو كتاب سحري يتحكم في زمام التاريخ السحري الغربي الحديث بأكمله. من الحكمة أن تأخذ تاريخه بعين الاعتبار.」 ثم نقر ستيل بلسانه، وكأنه قد سئم من كلماته هو نفسه.
عادت الراهبات الرومانيات اللواتي مررن بهم من قبل، ولكن في الاتجاه المعاكس هذه المرة. كانت إحداهن تركض وهي تحمل ترسًا ضخمًا بعرض متر—تُرى، أوكان سلاحا أم لغرض آخر؟— وقد أظهرت تعبيرًا فيه شيء من الاشمئزاز من رائحة الدخان.
「مهلا، إن كنتم متيقنين أن هذا الكتاب مجنون لهذه الدرجة، فلماذا لا تدمرونه؟ ما هو إلا كتاب، صح؟ احرقوه وريّحونا」
「الكتب السحرية لا تُحرق. وخصوصًا النسخ الأصلية. الكلمات والعبارات والجمل المكتوبة فيها تستخدم تدفّق الطاقة من داخل الأرض مصدرًا للطاقة؛ لتتحول إلى شيفرة سحرية وتكوّن دائرة سحرية تلقائية. لذا، كل ما يمكننا فعله هو حبسه」 ثم أضافت إندكس بابتسامة باهتة، 「لكن لو أخرجتُ النسخة الأصلية من ذاكرتي وكتبتُ نسخة منها، فلن تكون إلا كلامًا وحسب」
「لإنشاء دائرة سحرية تلقائية كهذه، لا بد من مانا، حتى ولو كانت ضعيفة. مانا الكاتب نفسه تُستخدم كمُشعِلة، أو كتشغيل محرك. أغلب السحرة لا يدركون حتى أن ماناهم تُكتب مع الحروف التي يَخطّونها. ولا يمكن تجنّب ذلك حتى لو علموا، لأنه يحدث مهما كان نوع الورق أو أدوات الكتابة. لكن هي」 — وأشار إلى إندِكس — 「لا تملك القدرة على صقل طاقتها الحياتية وتحويلها إلى مانا، لذا لن تكون هناك مشكلة. ألا تظن أنها مناسبة تمامًا لمن يدير مكتبة؟ ...رغم أن حقيقة أن هذه الحالة فيها صُممت عمدًا يُعد أمرًا مزعجًا للغاية」
「ممم. أهذا صحيح، إندكس؟」
「هاه؟ مُشعِل؟ وما تقصد بـ "كتشغيل محرك"؟」
كانت إندكس هي من كان يُرجى منها التوضيح، لكنها بدت الأكثر حيرة بينهم.
حاول ستيل أن يشرح لها بأمانة. (لسبب ما، بدا عليه بعض السرور وهو يفعل) نظر كاميجو إليه من زاوية عينه وتجهم مستاءً.
في البداية، لم يكن يظن أن الحكاية كبيرة بهذا الحجم. حتى قبل لحظات فقط، كان يرى أن إنقاذ أورسلا سيكون كافيًا لحل كل شيء.
لكن الأمور لم تعد تبدو كذلك.
هو يعرف ما هو الملاك. يعرف تلك التقنية التي استخدمتها ميشا كرويتزف، قوة الرب، والتي يمكنها إحراق نصف الكوكب.
وكان يعرف ما هو الساحر. أولئك الذين التقاهم لم يكونوا يُظهرون رحمة ولا ترددا. وكانوا يستخدمون كل ما لديهم من قوة لتحقيق أهدافهم.
فماذا لو تمكن أحد هؤلاء السحرة من الحصول على تقنيات الملائكة من كتاب القانون؟
اللعنة...
قالت إندكس إن النسخ الأصلية من الكتب السحرية لا يمكن حرقها.
قالت إن السبب هو أن الكتاب نفسه يتحول إلى دائرة سحرية تلقائية.
لكن إن استخدم كاميجو يده اليمنى...
إن استخدم الإماجين بريكر الموجودة داخلها، فلربما...
يا للمصيبة ووجع الرأس. لا يبدو أنني سأنزل من هذه الرحلة بعد أن انطلقت!
- الجزء 2
بعد أن أنهت أخيرًا إعطاء الأوامر بلغة أجنبية، تقدّمت أغنيز نحو كاميجو والباقين، وتنورتها القصيرة ترفرف بفعل النسيم. وكانت صنادلها الغريبة ذات الكعب العالي تصدر طَقة بعد طَقة مع كل خطوة، كحوافر حصان.
تشنّج كاميجو قليلًا في مكانه. كانت أصغر من إندكس بقليل، لكن فيما يبدو، السحرة لا يهتمّون كثيرًا بمسألة الأقدمية. هو أدرك ذلك فقط من خلال الراهبات الغريبات في التطهيرية الإنجليزية والأرثذكسية الروسية (حسنًا، تلك الأخيرة لم تكن سوى ميشا بمظهر الراهبة الروسية). وفوق ذلك، فقد كانت قبل لحظات فقط تُلقي الأوامر بلغة أجنبية بكل برود على العشرات مباشرة، ومن خلال وسائل غير مباشرة على المئات.
لكن المشكلة لم تكن في غرورها، بل في اللغة الأجنبية. كانت حالته الذهنية تُختصر بجملة واحدة، "كيف تتعامل مع لغة لا تفهمها؟ إن تحدثت إليك، ليس أمامك إلا لغة الجسد الحماسية والسريعة!!"
كانت أغنيز تقترب، وعلى وشك أن تبدأ "تبادلا ثقافي" بلغة مختلفة في أي لحظة. فرفع كاميجو رأسه واستعد لتقديم رقصة تعبيرية جميلة إذا تطلب الأمر، لكن...
「آه، مم، أنا... إن لم يكن لديكم مانع، أود الآن أن أبدأ بشرح الوضع الحالي، فهل أنتم جاهزون؟」
「...」
طااه! باليابانية تكلمت!
ما بال الدنيا؟ قد تكون غريبة، لكن هذا...
كانت الراهبة الرومانية الكاثوليكية تمسك نفسها بتوتر واضح. بدت غير ثابتة، ووجهها احمرّ كليًا. آه، فهمت — لا يهم أين تكون، فالناس دائمًا يشعرون بالتوتر حين يتحدثون بلغة أجنبية أمام أهلها الأصليين. أومأ كاميجو مقتنعًا بشكل غريب.
「أ-أنا آسفة. يبدو أنني أشعر بالتوتر قليلاً حين أتكلم اليابانية الركيكة أمام ياباني حقيقي. مم، هلّا أتكلم بلغة أخرى؟ واحدة لا تنتمي لثقافتينا؟ مثل، مثلاً، لغة الأڤار؟ أو إحدى اللغات الأمازيغية؟」
كانت تتحدث بسرعة كبيرة. فردت عليها إندكس شيئًا بلغة أجنبية — على الأرجح شيئًا مثل "اهدئي وتنفّسي بعمق!" — في حين نظر كاميجو لستيل، فوجده مطأطئ الرأس بنظرة قاتمة، يتمتم، 「حسنًا، لستِ الوحيدة التي تتحدث يابانية غريبة،」 ملاحظةٌ لم يطلبها أحد.
وضعت أغنيز يدها على صدرها المسطّح وأخذت نفسًا عميقًا مرارًا. تحاول بصعوبة كبح توترها. وعلى أنها ربما كانت معتادة على ارتداء تلك الصنادل التي يبلغ ارتفاعها ثلاثين سنتيمترًا، إلا أن قدميها كانتا تهتزان اهتزاز الثمِلة.
ولكنها لا تزال تحاول تأدية مهمتها، فاعتدلت واقفة وقالت، 「أعتذر. سأبدأ مجددًا. فيما يتعلق بتحركاتنا الحالية والمستقبلية، نحن— كيــيااا؟!」
وقبل أن تنهي جملتها، اختلّ توازن أغنيز فجأة — بعدما أجبرت نفسها على الوقوف بثبات رغم ارتعاش قدميها — وكانت ستسقطت على ظهرها. 「واااه، وااه!」 راحت يداها تتحركان في الهواء وكأنها تحاول التعلق بأي شيء. ثم أمسكت يد كاميجو فجأة.
「وووه؟!」
سقطت أرضًا، وسحبته معها. ولأن السقوط حدث فجأة، لم يستطع تفاديه بأناقة فارتطم بالإسفلت بقوة. بدأ يتلوّى من الألم (بدرجة من الجدية)، لكنه فجأة لاحظ قماشة ترفرف فوق رأسه...
تلك القماشة هي تنورة أغنيز.
وعندما رفع كاميجو وجهه، رأى جنةً تتجلّى على بعد بضعة سنتيمترات فقط من أنفه.
مـمـ-مـرمرـمرـمـرمـرمـغمقـمـميـمـلمـمـلمـمـلماـمـمـمممـمـاذااااااااااااااااااا؟!
في اللحظة التي أصابه فيها الذعر وحاول سحب رأسه بعيدًا، كانت أغنيز قد أدركت أخيرًا ما يحدث. أطلقت صرخة حادة، 「يييـيـك؟!」، ثم ضغطت بكل قوتها على تنورتها لتثبتها إلى الأسفل. كانت تلك حركة دفاعية بطبيعة الحال، لكنها دفعت رأسه إلى الأسفل أكثر، كأنما تمنعه من الخروج من تحت تنورتها.
أظلمت رؤيته تمامًا بفضل التنورة وفخذيها، ومع ذلك، وصل إلى أذنه صوت صراخ إندكس،
「ت-ت-ت-تومااا! ألا كأنك بالغت في لعبك حتى لو كان مقلبًا؟!!」
「لا تتحمس وقت العمل. هيا، قم」 قال ستيل ورفسه على جانبه. عندها فقط استطاع كاميجو أخيرًا الإفلات من سجن تنورة وفخذي أغنيز. بدا أن الركلة لم تكن بدافع من ستيل نفسه، بل لأنه شعر أنه يجب أن يفعل شيئًا بعد أن بدأت إندكس تصرخ.
سعل كاميجو بعد ضربة البطن، وهزّ رأسه، محاولًا استعادة توازنه.
ثم التقت عيناه بعيني أغنيز، التي كانت جالسة على الأرض. كانت ترتجف، ووجهها أحمر كالطماطم، والدموع تتجمّع في طرفي عينيها.
شحب وجهه فورًا. 「أ-آسِب... عَني جدًّا آسِب...」
「ل-لا، لا داعي أن تعتذر. أنا من سقطت وتسببت في ذلك. يبدو أنني حين أتوتر، يخترب توازني قليلًا... مم، تقدر تقف؟」
نهضت أغنيز بخفة رغم صندلها العالي الذي يبلغ طوله ثلاثين سنتيمترًا، ومدّت يدها ببطء نحو كاميجو المكدوم على الأرض. نظر إليها وكأن شعاع نور قد اخترق غيومًا سوداء، فمدّ يده مجيبًا. كانت إندكس تراقب المشهد وقد بدأت تشعر ببعض الغضب.
ربما كانت أغنيز قد هدأت قليلًا بعد ما حدث — لا زال جسدها متوترًا ومشدودًا، لكن صوتها بدأ يخلو من الارتباك. 「طيب، أود الآن أن أبدأ بشرح آخر التطورات بخصوص كتاب القانون، أورسلا أكوينس، وجماعة الأماكسا، وأيضًا مناقشة تحرّكاتنا المستقبلية وما إلى ذلك」 كانت لا تزال تتمايل بتوتر، وكأنها تخشى أن تسقط مجددًا، فمدّت يدها لا إراديًا أرادت أن تمسك بملابس كاميجو. توقّفت يدها في منتصف الطريق، على الأرجح لأنها رفضت التعلق برجل غريب — خاصةً ذلك الذي انتهى به الأمر تحت تنورتها قبل لحظات. وبعد أن تردّدت قليلًا، أمسكت بثوب إندكس مكانه. 「لقد تأكّدنا أن أورسلا أكوينس في أيدي الأماكسا حاليًا. ويبدو أن كتاب القانون أيضًا بحوزتهم على الأرجح. لدينا معلومات تشير إلى أن عدد الأماكسا المتورطين لا يقلون عن خمسين. ويبدو أنهم يستخدمون المجاري للتنقل، لكن من الممكن أيضًا أنهم قد صعدوا إلى السطح」
ثم سألت إندِكس، التي كانت أغنيز تتكئ عليها بثقلٍ واضح، 「هل يعني هذا أنكم لا تعرفون شيئًا؟」
「نعم. نحن نتتبع تحركات الأماكسا عبر بقايا المانا التي يخلّفونها، لكن الأمور لا تمشي. وهذا ليس غريبًا لطائفة مثل الأماكسا، فهم متخصصون في التخفي وما شابهه」 وأشارت بيدها المتمايلة نحو الفتحة المثلثة في الأرض. 「لدينا فريق آخر يرسم محيطًا ويحاكي حركتهم، لكن يبدو أنهم من سيعثر على الهدف أولًا」
「محيط...؟ كم حجمه؟」 سأل كاميجو وهو يميل برأسه. كانت إندِكس تنظر إليه بنظرة ترجُو منه أن يفعل شيئًا حيال وزن أغنيز الثقيل عليها، لكنه قرر تجاهلها.
「نصف قُطره حوالي عشرة كيلومترات، ومركزه هذا المكان. يشمل مئة واثنين وثلاثين شارعًا، وثلاثة وأربعين ممرًا للمجاري — يمكنك اعتبار أن لدينا من الحلفاء ما يكفي لتغطية النطاق بالكامل」 كانت أغنيز في هذه اللحظة تقريبًا تعانق إندِكس من شدة الارتكاز عليها. 「بالطبع، إن حاولوا أخذ كتاب القانون وأورسلا إلى مقرهم، فسيتوجب عليهم حتمًا عبور المحيط في مكان ما. تشير معلوماتنا إلى أن مقرهم في منطقة كيوشو... وهذا بدوره يمثل مشكلة أخرى. وطبعًا، إن استسلموا عن اختراق المحيط وبدلًا من ذلك قرروا انتزاع طريقة فك الشيفرة من أورسلا، فإن الوضع سينقلب تمامًا」
قال ستيل وهو ينفث دخان سيجارته، 「غالبًا لن يفعلوا. حتى في حالتها الآن، من المحتمل أن أورسلا مجهزة بمعرفة كيف تقاوم تعاويذ قراءة الأفكار. ومن جهة أخرى، لا يوجد وسيلة فعالة لانتزاع ذلك منها عبر التعذيب الجسدي المباشر. هناك الكثير من الأعداء حولهم ولا وقت لديهم للاستقرار. عليهم أن يعذبوا أورسلا، ويحصلوا على طريقة فك الشيفرة، ثم يصنعوا نسخة مفكّكة من كتاب القانون. أظن أن كل ذلك يحتاج أكثر من مجرد يوم واحد. ولو أرادوا انتزاع المعلومات منها وتحطيم روحها دون أن يتيحوا لها فرصة الانتحار، فإن أفضل أنواع التعذيب هي تلك التي لا تتطلب لمسًا مباشرًا — مثل إجبارها على أعمال شاقة، أو حرمانها من النوم وما شابه. لكن هذا يحتاج إلى قرابة أسبوع. ليلتين بلا نوم لا تكفيان للتعذيب؛ النفس البشرية تبدأ في الانهيار بعد مئة وعشرين ساعة من الحرمان من النوم」
ظلّ كاميجو مذهولا من كلمات ستيل الباردة.
كانت كلمات خبير في صيد السحرة والتحقيقات العقائدية، لكن وجهة نظره كانت أن الخاطفين قادرون فعليًا على فعل ذلك. ووفقًا لما قالته أغنيز، فإن الجماعة التي تقوم بهذا تتألف من قرابة خمسين نفرا.
الكنيسة الصليبية الأماكسيّة.
لكن شيئًا أزعج كاميجو — آه، صحيح. قد سمع من قبل اسم الأماكسا من كانزاكي كاوري وتسوتشيميكادو موتوهارو. قد سمع أن كانزاكي كانت زعيمة تلك الجماعة سابقًا، لكنها تركتهم خوفا من أن يؤذي حظها تلاميذها وأصحابها.
فهل من كانت تريد حمايتهم بشدة سقطوا إلى مستوى ارتكاب مثل هذا الجرم بدافع الطمع؟
أم...
أم أن أولئك الذين تسعى كانزاكي لحمايتهم...
...قد تغيّروا بعد أن تركتهم؟
「ما بك، توما؟」 سألت إندِكس وهي تميل برأسها إلى الجانب، مما جعل رأسها يصطدم برأس أغنيز الملتصقة بها.
「لا شيء. على أي حال ماذا علينا أن نفعل الآن؟ جماعة الأماكسا سوف يصطدمون بمحيطكم عاجلًا أو آجلًا، صح؟」
「آه، ن-نعم」 بدت أغنيز لا تزال متوترة، وكانت تلتصق بخد إندِكس تقريبًا. 「أساسا، أريدكم أن تكونوا في موقع الدعم الخلفي... الاحتمال ضعيف، لكن من الممكن أن يستخدموا كتاب القانون. وأرى أنه من الأفضل وجود خبيرة بالكتب السحرية في الميدان—」
「آغغ، مزعجة! ما أقدر أتنفس!」 صاحت إندِكس وهي تلوّح بيديها. 「لكن هل فعلًا نقدر على أن نمسك جماعة الأماكسا بسهولة؟ ها، توما؟」
「لمَ تسألينني؟ أظن يمكن ربما؟ أقصد، لو أنّ مجموعة من أربعين أو خمسين شخصًا يتمشّون وهم يلبسون لبس راهبات مشبوه، فأكيد سيكونون ملفتين للنظر」
「ليس لجماعة الأماكسا زيٌّ رسمي يا توما. هم متخصصون بالتخفي، فلو كانوا يتمشّون في المدينة بشكل عادي، غالبًا لن تُميّزهم أبدًا」
「...」
「ما بك، توما؟ تنظر إلي كأنك لا تصدقني؟」
「لا تهتمي」 أجاب كاميجو بهدوء. هو لم يرَ أي شخص يرتدي زيًّا "عاديًا" في هذه المنطقة، لذا لم يكن واثقًا مما تعتبره أغنيز "عاديًا" بالضبط.
「على أي حال، الأماكسا خبراء في التخفي والهروب. الغريب فعلًا هو لو ما كانوا متوقعين كيف سيكون ردّ الكنيسة الرومانية بعد ما سرقوا كتاب القانون وأورسلا أكوينس. وإذا كانت الحادثة مخططًا لها مسبقًا، فمن الطبيعي يكون عندهم تدابير مضادة」
بدت أغنيز، التي كانت الآن متكئة تمامًا على إندِكس، مرتبكة قليلًا. 「ل-لكن في الواقع، ليس لهم وسيلة لاختراق محيطنا—」
「بل لهم. يوجد سحرٌ يتيح ذلك」
شهقت أغنيز فورًا من الرد السريع.
「لكنه سحر محدود داخل اليابان فقط. ببساطة، توجد أماكن خاصة في اليابان تُعرف باسم الدوامات، وهناك نوع من السحر يعتمد على الخرائط يتيح التنقل الحر بينها」
「خريطة اليابان الساحلية العظمى... تاداتاكا إينو. هكذا إذن!」 تمتم ستايل بمرارة، وكأنه تذكّر شيئًا.
أما كاميجو، فلم يكن لديه أدنى فكرة عمّا يتحدثون عنه، فسأل، 「ما قصدكم؟ تاداتاكا إينو... أهو ساحر أسطوري أو شيء؟」
وسرعان ما انطلقت نحوه نظرات جليدية من الجميع.
「مم، توما. أول من قام بمسح جغرافي شامل لليابان وصنع خريطتها تجده مذكورًا في كتب التاريخ العادية، على فكرة」
「كأنك لا تملك أدنى معرفة بالتاريخ، هاه؟ أراهن أنك حتى لا تتذكر أسماء آخر خمسة رؤساء وزراء」
「...حتى أنا، وأنا إيطالية، أعرف هذه المعلومة」
في تلك اللحظة، بدأ كاميجو توما —الطالب منحوس الحظ والدرجات— ينكمش نفسيًا تحت وطأة الهجوم اللفظي من كل اتجاه.
「على أي حال، يوجد أمر خاص مدفون في تلك الخريطة اليابانية من عصر إيدو. الجميع هنا يعرف نظرية المعبود، لا؟」 توقفت إندِكس لوهلة، ثم أضافت، 「...باستثناء توما، طبعًا」
عادةً، لن يعرف الناس العاديون شيئًا عن مصطلحات عالم الغرائب، لكن كل من حوله اليوم يتصرفون وكأنها معلومات عامة بديهية. شعر يتحاملون عليه ويتركوه وحيدًا في الظلام.
「إذن وقت الدرس يا توما!」 قالت إندِكس بحماسة. 「نظرية المعبود هي النظرية الأساسية التي تشرح كيف يمكن استخدام قوة الرب والملائكة بفعالية. لنفترض أن معك صليبًا — نُسخة دقيقة جدًا منه، تُحاكي الصليب الذي صُلب عليه ابن الرب. إذا طبّقت النظرية، ووضعت هذا الصليب على سطح كنيسة، فسيستقبل الصليب المصنع جزءًا من القوة الإلهية للصليب الأصلي. طبعًا، النسخة لن تحمل إلا نسبة أقل من صفر فاصلة أحد عشر صفر وواحد (0.000000000001٪) من تلك القوة. حتى النسخة الأسطورية من المهد المقدس لا تصل إلا إلى نسبة قليلة فقط. لكن، حتى لو كانت 1٪، فستظل قوتها تضاهي قوة الحواريين الإثني عشر」
وكان هناك عدد لا يُحصى من الصلبان حول العالم، من التي تعلو الكنائس، إلى التي ترتديها الراهبات في أعناقهن. ومع أن تلك القوة موزعة بينها جميعًا، إلا أن قوة الأصل لا تنقص على الإطلاق. كاميجو شبّه الأمر في ذهنه بالعلاقة بين الشمس وألواح الطاقة الشمسية.
「وهذه نظرية المعبود تقول إنه يمكنك قلب المعادلة. بمعنى، ليس فقط الشيء الأصلي هو من يؤثر في النسخة — بل النسخة يمكن أن تؤثر في الأصل كذلك」
「نظرية...؟ يعني ليست مؤكدة؟」
「هناك الكثير من الاستثناءات التي لا تغطيها، لهذا تبقى مجرد نظرية. لكن منها جاء مفهوم أن المرء يتعرض لعقوبة إذا تعامل مع الإنجيل بعدم احترام. اليونانيون قديمًا اضطهدوا أتباع الصليب، وفي الإنجيل قصص كثيرة عن أصنامهم وهي تُضرب بالصواعق وتُدمّر. وفي اليابان قديمًا، وُجدت ألواح تُسمى فومي-إهـ، وكانت تحمل رموزًا مسيحية، وكان يُطلب من الناس أن يدوسوا عليها لإثبات أنهم ليسوا من أتباع الصليب. ويُعتقد أن إيذاء هذه المعبودة كانت تُحدث أثرًا عكسيًا، فيؤذي الأصل نفسه」 كانت إندِكس تتحدث بنبرة غير راضية تمامًا — على الأرجح لأنّها تكره كلمات مثل يُعتقد أو يُظن أو ربما، كونها تعتبر نفسها موسوعة معرفية متكاملة. 「لكن تاداتاكا إينو قلب نظرية المعبود رأسًا على عقب. قال: إن كان الأصل يؤثر على النسخة، فلماذا لا تؤثر النسخة على الأصل؟ فدوّن على الخريطة الكبرى للسواحل اليابانية نقاط دخول وخروج لمواقع تنقّل آنية لم تكن موجودة أصلًا، وبهذا استطاع خلق سبعًا وأربعين دوّامة على جزر اليابان」
كان كاميجو يحاول بكل يأس ترتيب هذه المعلومات "البديهية" التي تمطر عليه.
أرخبيل اليابان، والخريطة المصغرة المتقنة التي أنشأها هذا التاداتاكا إينو، بينهما رابط ما. لقد خربش هذا الرجل نقاط تنقل آنية على خريطته، ونتيجة لذلك، ظهرت نقاط تنقل حقيقية في اليابان الواقعية.
يعني، أي شيء ترسمه أو تعدّله على خريطة اليابان، سيتحوّل إلى واقع؟ 「لحظة لحظة... هذا جنووون!! ماذا أن أحدًا مسح جزءًا من الخريطة؟! أيمسح معها الناس والمدن حرفيًا؟!」
「لن يحدث ذلك أبداً. اسمع، حتى يكون الشيء معبودا، يجب أن يكون مصغّرا مطابقا تمامًا. لو وُجد أي خلل أو اضطراب سحري، حتى لو بسيط، بين النسخة والأصل، فإنها تفقد وظيفتها المعبودة. لهذا السبب، نظرية المعبود ليست نظرية مطلقة القوة. إذا فسدت "الصورة الأصلية"، فإن النظرية تفقد صلاحيتها」 قالت إندِكس بنبرة جادة، وأضافت أن هناك فرعًا من السحر في الماضي حاول استخدام صور تشبه ابن الرب للتأثير عليه في السماء، لكن كل المحاولات فشلت. 「من جهة أخرى، هذا يثبت أن تاداتاكا إينو كان مذهلًا. لقد أضاف شيئًا واضحٌ أنه غير صحيح إلى خريطته، وحَرّف بذلك "النسبة الذهبية" في النسخة المصغرة بشكل بسيط للغاية. أعتقد أنه الوحيد في تاريخ السحر كله الذي استطاع فعل شيء كهذا. لو كان نحاتًا، لربما استطاع حتى التأثير في ابن الرب والملائكة... وطبعًا، مجرد السيطرة على خريطة اليابان هو أمر مذهل بحد ذاته!」
「...تمام، إذن جماعة الأماكسا يقدرون يستخدمونها بحرّية؟」
「نعم. تاداتاكا إينو كان مهتمًا بشدة بالدول الأجنبية خلال فترة الشوغونية في إيدو. بل إن جماعته حاولت في إحدى المرات بيع الخريطة الساحلية الكبرى لليابان إلى فيليب فرانز فون سيبولد. وكان يعلم عن الحظر المفروض على المسيحية من خلال دراسته للغة الهولندية، لذلك من المناسب القول إنه تواصل مع الأماكسا بشكل غير رسمي، بدافع فضول علمي」
بغض النظر عن التفاصيل الدقيقة، كانت النتيجة واضحة، الأماكسا الآن تمتلك سحرًا يسمح لهم بالتنقّل الفوري إلى أي مكان في اليابان. يعني أنهم لا يحتاجون حتى أن يخرقوا محيط الحصار.
أغنيز كانت تستمع إلى إندِكس بوجه مدهوش تمامًا.
وبينما كان كاميجو يحاول تنظيم كل هذه المعلومات في رأسه، سأل، 「طيب، ماذا الآن؟ غالبا أنهم استخدموا إحدى تلك التنقلات أو البوابات أو أيا كانت، صح؟ بما أن عدد النقاط محدود، ألا يجب أن نتحقق منها واحدةً واحدة؟」
「ما نقدر. من بين الدوامات السبعة والأربعين في خريطة تاداتاكا إينو، لم نكتشف إلا ثلاث وعشرين فقط. ومع أن الخريطة الأصلية وقت محاولة بيعها كانت موضّحة فيها كل السبعة والأربعين」
أكثر من نصف النقاط لا تزال مجهولة. يعني لا يقدرون على ملاحقتهم، ولا يقدرون على استقبالهم في وجهتهم القادمة.
「وعلاوة على وسيلة التنقل هذه باستخدام الخريطة، أماكسا تُعرف بأن موقع قاعدتها مجهول... وهذا طبيعي، لأنهم لو أفصحوا عن موقعها، فسيُقطع عليهم طريق الهروب. أغنيز قالت قبيل قليل إنه يُعتقد أنها في كيوشو، لكن ما لا شيء مؤكد. هناك كم هائل من المعلومات عن أماكن محتملة لمقرّهم، وما زلنا لا نقدر على تحديد أيّها هو الحقيقي. إما أن كل المعلومات مزيفة، أو أنهم يستخدمونها كلها مقرات. ولن نعرف الصح منها」
شحبت أغنيز. أمسكت بكتفي إندِكس بكلتا يديها كي لا تسقط، وصرخت، 「إذن ما نفعل؟! مه! إن كانت لديكِ معلومات كهذه، فلماذا لم تذكريها من قبل؟! لن نقدر على مداهمتهم، ولا أن نلاحقهم، وإذا استخدموا التنقل، ينتهي كل شيء! لو كنا أسرع في التحرك، لَقَدِرنا أن نفعل شيء! فلماذا أنتِ هادئة هذا الهدوء؟!」
「لأنه لا داعي للعجلة」 قالت إندِكس بنبرة ماصخة، مما صدم أغنيز مرة أخرى. 「الخريطة الساحلية الكبرى لليابان تم مسحها بناءً على مواقع النجوم في السماء. حركة النجوم تعتبر خاصية مؤثرة داخل الخريطة نفسها، ولها تأثير كبير في استخدام طريقة التنقل هذه. بمعنى آخر، هناك قيدٌ زمني. لن تستخدمي هذه الطريقة إلا في أوقات معينة」 نظرت إلى السماء، وشعرها الفضي يتمايل مع النسيم. 「الآن... حسب ما أراه من النجوم، الساعة حوالي السابعة والنصف مساءً. وسيُرفع القيد الزمني فور تغير التاريخ، يعني بعد حوالي أربع ساعات ونصف. وفوق هذا، نقطة الدوامة التي يحتاجونها للانتقال تكون في موقع محدد. ومن بين الثلاث وعشرين دوامة المعروفة، توجد واحدة فقط داخل هذا المحيط المحاصر」 قالت إندِكس بثقة. 「وطبعًا، لا نستبعد احتمال وجود دوامة غير مكتشفة حتى الآن」
وكلما ظهرت إندِكس في مواقف كهذه، تذكّر كاميجو دومًا أنها تعيش في عالم مختلف.
「طيب، أين تكون هذه النقطة؟」
「توما، عندك تلك خريطة الوميضة الومّاضة؟ عطني عطني إياها!」
「تقصدين الخرائط في جوالي؟」 ناولها، لكنها عبست في وجهه، فوقف بجانبها وأمسكه بالعرض. أمرته أن يتحرك أكثر لليمين، ثم قليلاً للأسفل، ومع عدة أوامر إضافية، أشارت أخيرًا بإصبعها النحيل إلى نقطة على الشاشة.
「بالضبط هنا」
- الجزء 3
「بَلّغ فريقنا الاستطلاعي أنهم اكتشفوا مَشبُوهَيْن بالقرب من النقطة المذكورة. من المرجّح أنهما من الأماكسا، لكننا تركناهما وشأنهما حاليًا」
وصلتهم النتائج خلال خمس عشرة دقيقة فقط من إعطاء أغنيز للأوامر بعد أن استمعت لنصيحة إندِكس. وقد أعطى ذلك لكاميجو شعورًا واضحًا بمدى الفرق الذي يصنعه وجود عدد أكبر من الأفراد. فقد كان متخبطا على الدوام في حادثة سقوط الملاك، رغم أن الموقف من أساسه كان فوضى.
「لكنهم قالوا إنهم لم يعثروا على قوة أماكسا الرئيسية، ولا على كتاب القانون، ولا أورسلا」
「هذا منطقي. لو تحركوا بعدد كبير في هذا التوقيت، فالأمر حتمًا سيثير الشبهات. فالمكان هناك لا يزال مفتوحًا للزوار」
لم يعرف كاميجو متى تغلق المتاجر بالضبط، لكن الساعة لم تصل حتى الثامنة مساءً بعد.
إذا كانت الأماكسا تنوي الهرب من هنا باستخدام خدع خريطة تاداتاكا إينو، فسيحتاجون إلى استخدام نقطة تنقّل تُعرف باسم "الدوامة". وكانت الخطة أن يُجهِزَ هو والبقية عليهم عند تلك النقطة، لاستعادة كتاب القانون وأورسلا.
「من الممكن أن تكون هناك نقاط أخرى لا نعرفها... ومحتمل أيضًا أنهم لن يستخدموا وسيلة التنقّل تلك أساسًا. وبما أننا لا نرى القوة الرئيسية في أي مكان، سيكون من الصعب علينا تقسيم قواتنا على المناطق المحددة مسبقًا. ما لم نضخ قوة كبيرة في كل من الحفاظ على محيط الحصار والبحث داخل المناطق، ففرصتهم للهرب سترتفع، لذا... لكن الأمر يبقى محفوفًا بالمخاطر...」
بدت أغنيز قلقة، لكن إندِكس لم تترك ذلك يؤثر عليها. 「أرى أن هذا طبيعي. فنحن لا نملك أي دليل قاطع على صحة كلامي」
「لدينا أربعة وسبعون فردًا تحت تصرّفنا، بما فيهم أنا. نحن الآن في طور إعادة تنظيم أسلحتنا وأدواتنا الروحية، لكن لا يمكننا ضمان النصر إذا واجهنا القوة الرئيسية للأماكسا. آسفة، لكن سيتعيّن عليكم حماية أنفسكم بأنفسكم」
حتى الآن، كانت الأماكسا قد حاربت على قدم المساواة بأقل من خمسين عضوًا ضد الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التي تضم أكثر من مئتين وخمسين فردًا. تصريحاتها كانت متفهمة تمامًا.
ستيل أشعل سيجارة جديدة. 「لا بأس ولا نمانع. انقطع التواصل مع أولئك الحمقى من الفرسان الذين وعدونا بالدعم. ولا يمكننا أن نكون عبئًا على الآخرين. كم ستستغرقون من الوقت حتى تستعدوا للتحرك؟」
「اختيار الأسلحة والدروع... وتشمل أيضًا استخدام الماء المقدّس، وقيام كل فرد بقراءة النصوص المقدسة بصوت مرتفع للحصول على الحماية...」 فكرت أغنيز للحظة. 「ثلاث ساعات تقريبًا... في أسوأ الحالات، سننتهي بحلول الحادية عشرة」
「ومع حساب وقت الانتقال، سنحتاج إلى إنهاء كل شيء في غضون نصف ساعة تقريبًا. لكن لا بأس—فحتى لو أبكرنا الوصول، لن نربح شيئًا سوى الانتظار بلا جدوى إن لم تصل القوة الرئيسية لأماكسا إلى النقطة المقصودة」
وبهذا، اتفقوا على أن موعد التحرك سيكون الساعة الحادية عشرة مساءً.
طرق طرق! صفّقت أغنيز بيديها، ثم أطلقت أمرًا بلغة أجنبية، فبدأت الراهبات باللباس الأسود بالتحرك جميعًا دفعةً. وبسرعة، تشكّلت فرق مكوّنة من اثنين إلى أربعة، وانطلقت كل مجموعة لتُسرع في التحضيرات الموكلة إليها.
بالنسبة لكاميجو، الذي اعتاد رؤية السحرة ذوي النزعة الفردية — أو بصيغة أكثر سلبية، الأنانية — مثل ستيل وتسوتشيميكادو وكانزاكي، فقد كانت درجة الانضباط والتنظيم التي يعمل بها هذا الفريق مفاجئة له إلى حد ما.
كانت الخطة تقضي بأن تنقسم أغنيز والبقية إلى فرق لإنقاذ كتاب القانون وأورسلا، مع الاستعداد للمعركة فُرادى. أولئك الذين ينهون استعداداتهم يتناوبون لتناول الطعام وأخذ قسط من النوم. ولكن... كيف يمكنهم النوم قبل ساعات فقط من معركة مرتقبة؟
كان الأمر يثير الشك في نفسه، لكن أغنيز أوضحت أن النوم على سرير سيكون مستحيلاً إن طال أمد القتال. بدا أن من البديهيات لديهم أن يغتنموا أي وقت متاح لأخذ قسطٍ من الراحة، حتى لو لعشر أو عشرين دقيقة، لاستعادة طاقتهم. وقد بدا لكاميجو أن النساء في هذا الفريق معتادات على القتال في مثل هذه الظروف.
وبالطبع، لم يكن هو ولا إندكس ولا ستيل بحاجة للاستعداد، فانتهى بهم الأمر بتناول الطعام فوراً ثم أخذ قيلولة. تساءل كاميجو إن كانت هذه لفتة من أغنيز بدافع احترام الضيوف. وعلى الهامش، كان طعامهم وراحتهم كلاهما في الهواء الطلق.
لماذا يُخيّم في وسط عاصمة اليابان مرة أخرى؟ لم يستطع إلا أن يجد الأمر غريباً، لكنه حين فكّر بهدوء، أدرك أن مشهد سبعين شخصاً بملابس غريبة يتجمعون في مطعم أو فندق استعداداً للمعركة سيكون مشهداً سريالياً، ولن يختلف كثيراً عن التخييم.
لكن إذا كنا سنبدأ عند الحادية عشرة... فهل سأتمكن من الذهاب إلى المدرسة غداً؟! آآه! مهلا لحظة، أليس الموعد النهائي لتجنب عقوبة واجب الصيف قد اقترب؟
أصابه الذعر، فعادت أفكاره إلى مدينة الأكاديمية، لكن ما عساه؟
لأسباب متعددة، لم يُكمل واجبه المنزلي لعطلة الصيف. وقد أعطته المعلمة كوموي مهمة بديلة لهذا السبب (أعدّت أوراقاً خاصة به وحده). وكان الموعد النهائي، إن لم تخنه الذاكرة، غداً...
آآآآه!
شحبت ملامحه. كان يظن أنه بالتأكيد سينهيها. فقد أمضى كاميجو توما، المجتهد الكادّ، يومه بالكامل يجهد نفسه في التفكير، متجاهلاً رغبة إندكس في اللعب، وإلحاح القط على الحصول على وجبات خفيفة. وبصراحة، كان هناك جزء في الواجب لم يكن ليتمكن من حله بمفرده أبداً. لكن بعد أن علمته ميساكا ميكوتو كيفية حل تلك المسائل آخر الصيف (وقد بقيت معه لساعات لسبب ما، رغم أنها كانت تغضب عليه باستمرار)، تسارع تقدمه، وبدأ يرى بصيص أمل بإمكانية إنهائه في ذات اليوم.
تباً، تباً، ستغضب كثيراً! ماذا أفعل، آآه... كوموي-سينسي ستغضب بالتأكيد لأن ميكوتو ساعدتني، لا شك في ذلك. آآهخخ... مرَّ زمنٌ منذ قلتها... واحد، اثنان—أبو حظي العفن!
بدأ يرتجف قليلاً. نظر بصمت إلى السماء الليلية — وقرر أن يصدق أن القطرات الشفافة التي تنهمر من عينيه كانت مجرد عرق.
انخفضت كتفاه يأساً. مشى ببطء إلى المخيم في الزاوية، وأخذ لنفسه بعض الحساء والخبز الذي بدا إيطالياً، رغم أنه لم يعرف أسماءها بالضبط. وبينما يمضغ الطعام، ألقى نظرة سريعة على ما حوله. فوجد عددا من الخيام ذات الشكل القُبَّبي منتشرة في موقف سيارات هَكُمَيزة. ولم يكن الموقف كبيراً بما يكفي ليأوي الجميع، لكن البعض يمكنهم النوم داخل المبنى. إلى جانب ذلك، بدا أن أكثر من نصف المنتمين إلى الكنيسة الرومانية منشغلين في التحضيرات العاجلة، ولا يبدو أن لديهم وقتاً للنوم أصلاً.
كل ذلك جعل كاميجو متردداً في أن يخلد إلى النوم بمفرده وكأن لا شيء يحدث، لكن ستيل قال إنّ تجوّل الناس الملولين وكثرتهم سيكون مصدر إزعاج أكبر.
هل يعقل ألا يتصل أحد بالشرطة بسبب كل هؤلاء الناس المخيمين في مبنى مهجور؟ أم أنهم استخدموا سحراً لإبعاد الناس تحسبا؟ فكر كاميجو وهو يدخل خيمة في المخيم ويلتف ببطانية.
كان ستيل مستلقياً إلى جانبه، ويبدو أن إندِكس في الخيمة المجاورة. تمنى الساحر لو يبقى في نفس الخيمة ليحميها، لكن رأيه لم يَلقَ قبولاً. تمتم قائلاً: يا ليت كانزاكي كانت هنا... على الأقل هي فتاة مثلها... وهو يضغط على أسنانه بينما يضع بطاقات الرون في كل أنحاء خيمتها. نظر كاميجو إلى البطاقات. بدا أن قوة إنوكينتوس تعتمد على عدد البطاقات التي يستخدمها ستيل، وقد كان الرجل يندب حظه بسبب محدودية المساحة في هذه الخيمة الصغيرة.
استلقى كاميجو داخل الخيمة بعض الوقت، لكنه ما ارتاح فيها. ليس وأنه لم يشعر بالتعب، أو لأن الحماسة لما قبل المعركة قد سيطرت عليه — بل كان مجرد شعور بعدم الارتياح؛ إذْ كان يسترخي وحده بينما يكد الآخرون في الخارج ويعملون. وعندما تخيّلهم في ذهنه، لم يستطع إلا أن يتصور أورسلا، مرتدية الثوب ذاته.
「علّي أخرج وأساعد」 تمتم وهو يتلوى ويزحف خارجًا من تحت البطانية.
بدا ستايل منزعجًا، 「لن أمنعك، لكن حاول ألّا تكسر أيًا من أسلحتهم الروحية بيدك الغريبة... وإن فعلت، فأنت وحدك. لا شأن للكنيسة الإنجليزية بأفعالك」
مدفوعًا بهذه النصيحة المزعجة للغاية، غادر كاميجو الخيمة.
كانت الليلة خانقة. الطقس في الخارج حارٌ ورطب. رأى فتاةً تحمل حزمة ضخمة من الشموع الفضية، وراهبة تحمل عددًا من الأناجيل القديمة، وامرأةً ترفع عجلة خشبية ضخمة كالتي تُستخدم في العربات التي تجرها الخيول — جميعهن يذهبن ويأتين وسط الزحام، منشغلات كالنحل. ولم يكن يعرف كيف يستخدم أيّ من هذه الأشياء.
طيب. تُرى، هل من شيء أساعدهم فيه...؟ مهلا، ها؟
لاحظ شيئًا فتوقف. خيمة إندكس، المجاورة لخيمته والتي كانت مغطاة ببطاقات الرون، كان سحّاب مدخلها مفتوحًا. ولا يبدو أن أحدًا بداخلها.
أين ذهبـ— مهلاً، هاااه؟!
بينما يبحث ويتقدم، شعر فجأة بأنه فقد الإحساس بموطئ قدميه. دون أن ينتبه، وطأت قدمه فتحة مثلثة الشكل في الأرض التي كان الأماكسا قد حفروها.
إيييي! سأسـ-؟!!
وقبل أن يسقط جسده بصمت في المجاري، وهو يتخبط في الهواء، أمسكت بيده راهبة ترتدي السواد على عجل. سحبته للأعلى، ثم بدأت تصبّ عليه عتابا غاضبا بلغة أجنبية. لم يفهم ما كانت تقوله.
آهخ يا عمي. أصرتُ الآن مصدر إزعاج أم ماذا؟
غلفت هالة قاتمة من الكآبة كاميجو وهو ينظر إلى الحفرة المثلثة التي كاد يسقط فيها.
كان الأماكسا يستخدمون شبكة المجاري كمسار لشنّ هجمات مباشرة على السطح. وحتى هذه اللحظة، كان يظن أن هذا المكان آمن نسبيًا للتجوال، لأنه يُعتبر مقرًا للكنيسة الرومانية الكاثوليكية. لكن ربما كان الخط الفاصل أضعف مما ظنّ. فهذا هو مركز القيادة للمطاردين الذين يتعقبون الأماكسا. وقد أدرك الآن أن لا بد أنهم قلقون من احتمال عودة الأماكسا إلى هذا المكان ويخربوه، مما سيسهل عليهم الهروب.
لكن، لا أظن أن تنفيذ هجوم مباغت ومعقّد على مبتدئ مثلي سيكون ذا جدوى كبيرة. أما إذا كان هناك موقع مهم هنا، مثل مقر القيادة فقد يكون هو الهدف.
ومع ذلك، كيف يُميّز بين الخيام المهمة وتلك العادية؟ ولحينٍ، وقعت عيناه على خيمة أكبر من غيرها، فشعر نوعا ما أنهم قد يستهدفون شيئًا كهذا. وحينها...
كياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااءء!!!
فجأة، دوى صوت انفجار عالٍ من تلك الخيمة الكبيرة.
تبعته صرخة فتاة عالية.
「...؟!」 جفّ حلق كاميجو. عاد التصور الغامض الذي خطَر له قبل لحظات إلى ذهنه بقوة.
الأماكسا يستطيعون مهاجمة السطح مباشرة من تحت الأرض.
ومن المحتمل أنهم سيهاجمون الخيام المهمة لأغنيز والباقين.
لكن هذا يعني... أحقًا؟ جديًا...؟
「تبًّا!!」
الجانب الإيجابي الوحيد هو أن الخيمة كانت قريبة من كاميجو. قبض يمينه بشدة حتى صارت كصخرة، وانطلق يركض نحوها. العديد من الراهبات كانت قريبات، لكنهن وقفن مذهولات من الموقف المفاجئ. شق كاميجو طريقه بينهن إلى مدخل الخيمة الكبيرة وسحب سحابها في سحبةٍ واحدة.
「أماكسا!!」
وكما صرخ وفي لحظتها، وجد شيئا ثقيلا في المدخل المفتوح—وطاء! ارتطم مباشرة في بطن كاميجو. كان الشيء ثقيلًا ودافئًا، وشعر بشيءٍ رطبٍ بَلِلْ.
غه...؟!
أصابت كاميجو قشعريرة من الإحساس الغريب. وكاد أن يهبط بقبضته، عندما...
...أدرك أن التي أحاطت ذراعيها ببطنه لم تكن سوى أغنيز سنكتِس، عارية تمامًا.
「...................................................................................................هاه؟」
سمع كاميجو صوت جرس ضخم يقرع داخل رأسه، بينما خلى عقله تمامًا من أي فكرة.
شعر أغنيز المبلل تقطر بالماء، وبشرتها الرطبة ينبعث منها بخار أبيض خافت. واكتسبت بشرتها الناعمة مسحة حمراء خفيفة من حرارة الماء. لكنها مع ذلك كانت ترتجف بالكامل، عيناها مغمضتان بشدة، ووجهها مدفون في بطنه، تتمتم بكلمات أجنبية — كل ذلك دلّ على أن أمرًا غير طبيعي قد حدث.
لم يفهم ما كانت تقوله أغنيز، لكنها، وبينما تتشبث به، أشارت إلى شيء. ونظر هو حيث أشارت.
إلى حلزونٍ صغير يزحف على إحدى زوايا الخيمة الكبيرة.
وبينما تشير، تمتمت بشيء ما بلغة أجنبية.
「م-مهلاً، أغنيز... ابتعدي والبسي شيئا عليكِ! وأنا لا أفهم سوى اليابانية!」 صرخ كاميجو، ووجهه يحمرّ بشدة. عندها توقفت رجفتها في الحال.
ورفعت بصرها نحوه بتردد شديد.
تلاقت عيناها بعيني كاميجو توما.
وفي اللحظة التالية...
أغنيز فقدت وعيها وسقطت فورا على ظهرها.
「آغيهه؟!」
كان سطح الأرض من الإسفلت الخشن. فهرع كاميجو يلتقطها قبل أن تهوي عليه. أحس بدفئٍ غريب يخترق قميصه، وكأن جميع أعصابه قد اشتعلت فجأة. كانت أغنيز أنحف من إندكس عمومًا، لذا كان ملمسها أكثر تماسكًا، لكن ذلك في المقابل جعل ملمسها الناعم أوضح في أجزاء معينة.
آآه...؟!
وحين رفع نظره مبتعدًا عن أغنيز التي صارت الآن بين ذراعيه، رأى شيئًا آخر، فارتجف من جديد.
في منتصف الخيمة حوضٌ معدنيٌ كبير. ومن سقف الخيمة دلوٌ معدني مُعَلّق، وتحته صنبور وفوّهة تُشبه رأس إبريق ريّ. بدا وكأنه دُشّ بدائي، حيث يُسكب الماء الساخن في الدلو ثم يُفتح الصنبور لينزل الماء. وفي تلك اللحظة كان الماء يتدفق منه.
وفي وسط منطقة الحوض... في قلب الخيمة تمامًا، تحت زخّات الماء الساخن المستمرة...
「...توما؟」
...كانت راهبة ذات شعر فضيّ وعينين خضراوين، وصوتها كان خفيضا خفيض. ولم تكن ترتدي شيئًا، بطبيعة الحال. صدرها النحيف بهِ التصق شعرها المبلل... وسرّتها، حيث تتجمع عليها قطرات قليلة من الماء... كان يراها كُلّاً بِكُل. كانت بشرتها في الأصل ناصعة، مما جعل احمرارها الناتج عن حرارة الماء أكثر بروزًا.
「ل-لا، تمهلي، الغالي كاميجو ظنّ أن الأماكسا باغتونا وكان قلقًا لذا ركض إلى هنا، لذا... أرجوكِ خذي هذا في الحسبان، لو سمحتِ، لو تكرمتِ...」
「ءَءِّهْـ...」
「؟؟؟ ءَءِّهْـ؟」
كان كاميجو يراقب كل حركة تقوم بها إندكس بعينين خائفتين، لكن...
「...نن، هِئ... ئآآآه...」
أتبكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي؟!
طقخ!
أصيب جسد كاميجو توما بردة فعل غريبة من هذا التطور غير المتوقع. وفي الأثناء، انهمرت دموع كثيرة كبيرة من عيني إندكس، وهي تفركهما بيديها.
فجأة، لاحظ أنّ نظراتٍ باردة للغاية من حوله مُوجهة إليه.
فأكثر من مئة راهبة تهامسن ووصفنه مباشرة بِيا له من رجل يُبكي بناتٍ صغيرات عاريات (ناهيك عن زعيمتهن العارية أيضًا والمغشية بجانبه). جفّت الألوان من وجهه.
「هاه، لحظة، اهدئي اهدي، إِنْدِكُّسُ-سان! هذا ليس طبعك! ما بك اليوم؟ أترين، ها هنا بالضبط رأس كاميجو-سان! تعالي وازرعي فكك بأقصى قوة تقدرين!! إهـ؟ ها؟ كفى، كفى! لماذا تبدين جادة على غير العادة؟! ك-كنت أتكلم مجازيا، فماذا تفعلين بهذا المنشار؟ قد تقطعين بقرة ضخمة بهذا الشيء، تمهلي، توقـ—غبيآآآآه؟!」
「ألم أقل لك ألا تثير المتاعب؟ همم؟ ما بالك تمسك رأسك وتبكي؟」 تساءل ستيل وهو مستلقٍ متعبًا بعدما رأى كاميجو يعود إلى خيمتهما. وقد أحكم غلق مدخل الخيمة — علّ شيئًا قد حدث معه، لكنه لم يبدو مدركًا أنه يتعلق بإندكس. ولو اكتشف، لكان الكاهن المجنون الآن يطارده في المخيم كله بسيف مشتعل في يده.
وقد فضّل تجنب المزيد من المتاعب — ففي آخر الأمر، قد أدانت آغنيز كاميجو بوضوح وقالت، 「...يجب أن أراجع خططنا. أرجوك اتركني وحدي」 فزحف تحت بطانيته، لا يزال يفرك رأسه المتوجع. قد قال الساحر سابقًا إن استخدام خمس أو عشر دقائق من وقت الفراغ للنوم قليلاً واستراحة الجسد هو من أبسط قواعد المعركة، لكنه لم يظن أنه سيتمكن من النوم حتى يزول الألم في رأسه.
「هيه، ستيل؟」
「ماذا؟ إني في غاية الانزعاج الآن، لذا إن أمكن، أجّل هراءك هذا لوقت لاحق」
「أسألك」
「جميعهم هنا فاشلون في إدارة الأزمات. وإن كانت القضية تتعلق بكتاب القانون؟ من يهتم. كلهم يركضون كالدجاج بلا رأس من أجل مجلدٍ واحد! ألا يدركون كم من السحرة يلاحقون الفتاة التي حفظت مئةً وثلاثة آلاف كتاب منهم—؟」
「هل من فتاة تعجبك؟」
「بهقخخ؟!」 اختنقت أنفاس ستيل في حلقه وارتعش جسده كله لحظةً.
ظن كاميجو أن هذا سؤال يُطرح عادة في سهرات المبيت، لكنه بدا أن هذه عادةً يابانية خاصة. 「أوووي، ستيل. أسألك」
「أحترم المرأة التي تكون مثل إليزابيث الأولى، والقديسة مارثا مثالٌ حسنٌ على النوع الذي أفضله. فإن قصصها عن كيف قضت على تنين شرير فقط بالصلوات المُحبّة والخيّرة تدهشني. أسئلة أخرى؟」
「كنيسة الصليب الأماكسية... أليست تلك التي كانت فيها كانزاكي؟」
「...」 ضيق ستيل عينيه متفكرًا وصمت لبرهة. حاول إخراج سيجارة، لكنه على ما يبدو أدرك أن التدخين في السرير أمر سيء، فتوقفت يده في منتصف الطريق. 「من أخبرك؟ ما كانت كانزاكي لتحكي ماضيها بسهولة. فهل كان تسوتشيميكادو؟」
「نعم. قد قال لي بينما كنتَ أنتَ مشغولا في عملك على الشاطئ」 وكأن وجه ستيل صنع علامة استفهام، لكن كاميجو تجاهل ذلك وأكمل. 「لكن، يعني، أليسوا أصدقاء كانزاكي؟」 وتوقف برهة. 「...ومع ذلك نحاربهم؟ كما فعلنا في مدرسة ميساوا؟」
كان هناك وقت شكّل فيه كاميجو وستيل جبهة موحدة.
لكن تلك المعركة لم يكن بالإمكان وصفها بأنها جميلة حتى من باب المجاملة. فقد أصيب كثيرون، بل ومات بعضهم. أدرك الصورة — هذا هو معنى الاشتباكات بين السحرة، أو بين مجموعات أو منظمات منهم. عالمهم المهني لا يسمح بالضعف، وهذا ما خلق متخصصين مثل إندكس وستيل.
لكن...
بصفته محترفًا يعرف مدى صرامة الأمر، ألا يكون مترددًا جدًا في هذا؟
「بلى متردد」 مع ذلك، أعطى ستيل ماغنوس قرارًا حاسمًا، دون لحظة توقفٍ بسيط. 「بالطبع نتردد. سواء كان ذلك طاعةً للأوامر من الأعلى — أو حتى لو أنهم حاربوني أولا، لقلتُ ولعزمتُ أن أفعل أي شيء لأحميها. سأقتل أيًا كان وأحرقهم أحياء. ولأفتت جثثهم حتى لا يبقى منهم شيء. سواءٌ رأتني الفتاة أو لا」 بدا أن كلماته تؤلمه. 「ولا تفهمني خطأً، كاميجو توما. كل ما أفعله هو من أجل تلك الفتاة. وإذا جاء يوم تغيرتَ فيه أنتَ، فسأحول عظامك إلى رماد في تلك اللحظة」
「...」 ابتلع كاميجو ريقه.
بعد كل ما قيل، هذا هو السبب كله وراء أفعال هذا الرجل، ستيل ماغنوس. حقيقة أنه تطهيري إنجليزي (أنجليكاني)، حقيقة أنه اكتسب القوة ليقاتل قتال الساحر، حقيقة أنه جاء بأوامر لإستعادة كتاب القانون وأورسلا — كله وكله.
「قد نذرتُ نفسي منذ زمن — نامي واستريحي. فحتى لو نسيتِ كل شيء، أنا لن أنسى. أعيش وأموت لأجلك」
كان ختام قوله كافيًا ليقشعر بدن كاميجو.
وفي نفس الوقت، كان في صوته إحساس عميق بالإنسانية واللطف.
اختار كاميجو كلماته التالية بعناية — ورأى أنه سيكون من غير اللائق ألا يفعل. 「فلماذا إذن أدخلت إندكس في أمرٍ كهذا؟」
「لستُ من خطط لهذا — لو كان الخيار بيدي، لما قرّبتُها من هذا المكان أصلا،」 أجاب ستيل بسلاسة. 「لكن لا يجب أن أحسم الأمور بمفردي. حينها قد يحكمون عليها بعدم الجدوى. إذا لم أتمكن من إظهار القيمة في استخدام الإندكس لكبار قادتنا، فلربما يقررون أن يعيدونها إلى لندن. انتزاعها من حياتها في مدينة الأكاديمية سيكون أسوأ ما يمكن أن يحدث لها الآن」 كان صوته عاديًا. وبما أن ستيل ماغنوس هو زميلها الأنجليكاني، رأى كاميجو وظنّ أنه سيكون أسعد لو عادت إليهم، لكن ستيل تحدث بصوت هادئ. 「اذهب ونم. أمامنا ساعتان فقط قبل الهجوم. قد نرى الكوابيس لو أكملنا حديثنا في هذا أكثر」
وبهذا، أغلق الساحر الروني فمه وعينيه.
كيف أنام وقد يبدأ الناس في قتل بعضهم بعد بضع ساعات؟ تساءل كاميجو. لكن بعد أن لف نفسه بالبطانية وأغلق عينيه، لا بد أن النعاس قد غلب جسده في لحظة ما. أي أنه قد نائم قبل أن يشعر. لعله كان أكثر تعبًا من تحضيراته لمهرجان دَيهَسي مما حَسِب.
مم... هَه؟
فتح كاميجو عينيه بعد ذلك لسبب بسيط — لأنه شعر بثُقلٍ يضغط عليه.
حفحفة — أحَسَّ بثقل إنسان بالغ، ورأى نوعًا من الانتفاخ على بطانيته، وشعر بالإحساس الناعم والدافئ للجلد البشري تحتها.
وبدأ يسمع تنفس نائم وهادئ من داخل البطانية.
مهلاً، لحظة. ول، أيعقل أن هذا...؟! إف، تذكرت الآن أن الخيام لا تقفل!
عادة، كان كاميجو يقضي لياليه وهو محبوس في حمامه، نائمًا في الحوض المفرغ. لسبب بسيط — ليمنع إندكس من الاختلاس إلى مكان نومه مهما حصل. ولطالما كان ممتنًا لامتلاكه حوضا طويلا يمد فيه قدميه.
ليس فقط أن جريمة اقتحام مكان نوم أحدٍ آخر كانت وفعلا تؤثر تأثيرًا سيئًا على الشاب الصحي، بل فوق هذا كان ستيل نائمًا بجانبه الآن (وقد ثرثر بعض الأمور الجدية عن الأيمان والنذر قبل أن ينام). حسب كيفية تطور الأمر، قد يُقطع رأسه حرفيًا بسبب جرائمه.
وعلى جسد كاميجو، الذي كان يفرز عرقًا باردًا، تحرك جسد فتاة شاب إلى حد ما متلوٍّ. ولقد اتصل الفتى بكل أنواع الأجزاء العارية منها — حتى ظنّ أن قلبه يتوقف.
「...(أ-أوف؟! لحظة، لحظة لحظة، إندِكس! النوم بجانبي شيء، لكن أن تأخذي موضعًا مباشرة فوقي — بالغتِ!!!)」 تذمر كاميجو بسرعة متمتمًا (مع أنه شعر وكأنه صرخ).
「مم... ما الأمر، توما...؟」
ثم سمع صوتًا مألوفًا من مدخل الخيمة.
نظر ليرى إندكس، عيناها نصف مغمضتين من النعاس، تفتح سحاب الخيمة وتوشك على التسلل إلى بطانيته.
هاه؟
نظر إليها كاميجو، مذهولًا.
「مغ...بابا...لو نون بوسو مانجاري ألكوونو بيو كوالياسي بيو لونغو...」
ومن خرج من تحت البطانية كانت آغنيز سَنكِتِس.
ربما كانت نصف نائمة ولم تدرك، لكن لم يكن بين شفتيهما أكثر من ثلاث بوصات.
ها؟! جِد؟! ألها عادة السير في نومها إلى فراش الآخرين أيضًا؟! وألم تصرخ علي لتوها في الحمام أن أنقلع؟! إيييككك!
أدار وجهه بعيدًا عن الشفتين الصغيرتين اللتين كادتا تلمسانه، ثم زحف مسرعًا خارج تحت آغنيز. وأثناء تحركه، جذب البطانية عنها.
「ما؟!」
ذُهِل كاميجو.
ظهرت آغنيز من تحت البطانية، ترتدي فقط حمالة صدر من الدانتيل الأبيض وسروالًا داخليًا بأطراف مربوطة بأقواس.
وكأنها تفعل ذلك عادة قبل النوم، كانت عباءتها مطوية بعناية في زاوية الخيمة.
نظرت إندكس في حالة ذهول تام إليهما وقالت،
「...بابا؟」
「لحظةةةةة!! إندكس، أنا أيضا لا أدري ما يحدث! وأقسم لك أنني لم أجبر فتاة صغيرة على مناداتي بهذا الاسم! لستُ غارقا نرجسيا ذاك الحد!!」 حاول كاميجو تبرير نفسه، وهو يرتجف خوفًا بعد أن تعرّض لعضّة على رأسه من آغنيز قبل قليل.
لاحظت إندكس تعبير الخوف على وجهه.
「آه-ئه... ربما هذا...حلم؟」
「هاه؟」
「نعم، حتى توما لن يصل إلى هذا المستوى من الخيانة أبدًا. إذن هذا حلم」 وتثاءبت.
「ن-نعم، هذا هو! هذا حلم! يا سخيفة — كاميجو توما هو زعيم النحس دائم يهرب ومُنفّر الفتيات. لن يفعل شيئًا بهذه الوقاحة، صح؟ صححح؟!」
كان يحاول أن يقنع إندِكس النعسانة كأنما بالتنويم المغناطيسي، لكن...
「ممه. طيب، إن كان حلمًا، فلا بأس. يمكنني أن أعض توما قدرما أريد ولا بأس. لأن هذا حلم. ويمكنني أن أفرغ كل شكواي منه اليوم ولا بأس. ممه」
「هاه؟ آه، ما؟! ت-تمهلي، إندِكس!! لا، هذا بالتأكيد ليس...؟!」
حاول كاميجو يائسًا أن يصحح لها، لكنه عجز عن إيقافها — فعضّت رأسه بكل قوتها. عند صرخة — لا بل بكية — طالب المدرسة الثانوية الصحي، انتفضت آغنيز وجلست ولا تزال نصف نائمة بملابسها الداخلية بجانبه. بالمناسبة، عندما ألقى ستيل ماغنوس الذي كان نائمًا في نفس الخيمة نظرة على كل هذه الفوضى، استدار ليواجه الجانب الآخر وعاد لينام.
- الجزء 4
الحادية عشرة — ساعة السُدْفة (ليل).
كان نائب الأماكسا، تاتِمّيا سايجي، قد اجتمع مع سبعةٍ وأربعين من أتباعه في النقطة الدوّامية المحددة ليستخدموا أسلوب الحركة الخاص يعرف بـ"الحج المصغّر".
لكن المكان لم يكن غابةً سحرية أو جبلاً غامضًا، بل كان في زاوية من متنزهٍ ضخمٍ مخصصٍ للحلويات، تعلوه لافتة كُتب عليها؛ "حديقة الحلويات المتوازية".
هذا المتنزه كان ثمرة تعاون مشترك بين أربع شركات كبرى لصناعة الحلويات، وكانت مساحته تعادل محطة توليد كهرباء، ويضم خمسًا وسبعين محلًّا للحلويات تمثل ثمانٍ وثلاثين دولة من مختلف أنحاء العالم. وقد بُنيت هياكله على هيئة ممرات مائية دائرية على شكل حلقات متداخلة كرمز الألعاب الأولمبية. واصطفّت أكشاك الحلويات الصغيرة، التي لا تختلف في الحجم عن عربات الطعام لكنها تدار بمهارةٍ واضحة، على الحواف الخارجية لكل دائرة مائية. أما المساحات داخل الحلقات المائية فكانت ميادين مفتوحة مخصصة للعرض ومناسبات الشركات. أما الآن، بدا أنهم يجرون حملةً ترويجية تتعلق بالحلويات المبردة والشربات الباردة — وهي مثالية لمقاومة بقايا حرارة الصيف.
كانت نقاط الدوّامة التي أنشأها تاداتاكا إينو ثابتة، لكن ظروف تطور المدينة من حولها كانت تتغير يوميًا. وكان هذا الموقع لا يزال قابلاً للاستخدام نسبيًا. لكن في بعض النقاط الأخرى، قد تجد غرف شققٍ سكنية أو خزائن بنكية قد بُنيت فوقها، مما يجعل التنقل غير ممكن تمامًا.
وبعد أن تسلل أفراد الأماكسا إلى حديقة الحلويات المتوازية، بدأوا فورًا في التحضير لتنفيذ طقوسهم "الحج المصغّر".
لم يكن بالإمكان استخدام الأسلوب إلا بعد منتصف الليل، لكن التحضير المسبق كان جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية. فالفترة المسموح فيها باستخدامه لا تتجاوز خمس دقائق فقط، ولذلك فإن البدء في التحضيرات مع بداية تلك النافذة الزمنية لن يكون كافيًا. كما أنه لا توجد قاعدة تُلزمهم بإكمال التجهيزات عند منتصف الليل تحديدًا. بإمكانهم تجهيز كل شيء مسبقًا، ثم فقط "بقلب المفتاح" عند منتصف الليل يُفَعِّلُون العملية.
ومع أنهم كانوا يهيّئون طقوسًا سحرية، لم يكونوا يرسمون دوائر سحرية مريبة ولا يتلون تعاويذ أو ما شابه ذلك.
وغَيْر تسللهم إلى مدينة الملاهي بعد الإغلاق، لم يكن سلوك الشباب يبعث على الشك. فقد كانت هناك مجموعة من أربعة أو خمسة يتحدثون معًا، وبعضهم فتح برغرا مغلفا أو أكياس بطاطس مقلية وبدأوا يأكلون. آخرون كانوا يشيرون إلى خريطة المتنزه ويتجادلون بشأن الاتجاهات. وبعضهم وقف يتصفح كتيبات الإرشاد السياحي. كل ما كانوا يفعلونه كان طبيعيًا للغاية.
حتى ملابسهم بدت أكثر اعتيادية من ملابس إندِكس أو ستيل. فإحدى الفتيات كانت ترتدي قميصولاً داخليًا أبيض وشورت جينز. وأحد الفتية ارتدى قمصانًا متعددة الطبقات وبنطالا أسود واسع. وامرأةٌ أخرى خلعت سترة بدلَتِها وعلّقتها على ذراعيها. وإذا كان ما يثير الريبة قليلاً، فهو أن ما لا يزيد عن عشرة منهم كانوا يحملون أشياء مثل حقائب رياضية، أو حافظات آلات موسيقية وألواح ركوب الأمواج، وحقائب قماشية — وهي وسائل قد تنتقل منها الأسلحة.
لكن أولئك المطلعين سيدركون.
ففي ملابسهم وسلوكهم العادي، دون استثناء، تحمل معاني سحرية محسوبة بعناية.
توزيعهم من حيث الجنس. تفاوت أعمارهم. تنوع ألوان ملابسهم. تجمع الأربعة أو الخمسة منهم على هيئة دائرة. تفاصيل أحاديثهم العابرة. الطقوس الدينية الكامنة في تناول الطعام. مكونات شطيرة البرغر ولونها، والدلالة الطقسية لتناول اللحم. عدد القضمات. توقيت ارتشاف المشروبات. الاتجاهات التي مشى فيها الرجال والنساء. المواضع التي توقفوا عندها. الطريقة التي قرؤوا بها كتبهم. عدد الحروف في كل صفحة.
كلُّ جانبٍ من هذه الجوانب تم تفكيكه إلى "رموز" و"علامات"، لتتحول حركة الناس المتمايلة إلى تعويذة واحدة أو دائرة سحرية كبرى. لقد جمعوا ما تبقى من الممارسات الدينية اليومية وأعادوا تركيبها من جديد. وكانت تقنيات الأماكسا لا تترك أثرًا واحدًا يدل على استخدام السحر. لقد ورثوا التاريخ الكامل لأسلافهم—أولئك الذين اضطروا إلى الهرب المستمر من اضطهاد الشوغونية القاسي.
والآن...
تاتميا سايجي، واقفًا وحده، لوّح سيفه أفقيًا كمن يحصد بالمنجل.
فانقسم عمود الإنارة المعدني الذي كان يسكب ضوءه من الأعلى إلى نصفين وسقط على الأرض.
「سَنُريكِ يا كانزاكي كاوري—يا كاهنتنا. سنريكِ ما آلت إليه ديانتنا متعددة المذاهب، الكنيسة الأماكسية الصليبية!」 قالها بصوت خافت، رافعًا رأسه لينظر إلى السماء الليلية.
- الجزء 5
أطلال تاريخية تحت ستار الليل الدامس.
ذلك ما خطر ببال كاميجو عندما نظر إلى حديقة الحلويات المتوازية من بعيد، حيث سيُنَفَّذ أسلوب التنقل الخاص. وكان مركز الترفيه الصناعي الذي يبعد نحو مئتي متر أمامه خاليًا من أي ضوء. والمباني التي عادةً ما تتزيّن بشتى الألوان الزاهية التي تليق بمدينة ملاهٍ كانت مغمورة بالسواد. وبالرغم من أن جميع المرافق هناك قد صُمِّمت للمرح والتسلية، فإن هذا التناقض لم يزدها إلا غرابة. نسيمٌ خانقٌ رطب بدأ يمسح العرق عن وجنته.
صرف نظره عن حديقة الحلويات المتوازية. وقد اجتمعت العشرات من الأخوات في موقف سيارات تابع لمتجرٍ كبير، يرتدين السواد جميعًا؛ ومشهد كهذا كان غريبًا في حد ذاته.
وقعت عيناه على إندكس بالصدفة. كانت تكتب شيئًا على كفّها بسبّابتها—نوعٌ من الاستعداد الذهني؟ كما فكر. لا تزال رافضة في جرّه إلى صراعٍ بين السحرة، وكانت تبدو أكثر توترًا مما كانت عليه في وقتٍ سابقٍ من هذا المساء. ربما كان توترها بسبب تزايد مستوى الخطر؛ فقد قلّ عدد الرومان الكاثوليك الموجودين الآن عن ذي قبل بشكل ملحوظ.
أما ستيل، الواقف خلفها بعدّة خطوات، فكان يدخّن سيجارته كالعادة. لكنه لا شك كان يفكر في مختلف الخطط لحمايتها.
وصنادل أغنيز ذات الكعب العالي دقت الأرض وهي تقترب ركضًا نحو كاميجو والبقية.
وكما يُتوقع من فتاةٍ في سنّها، فقد كانت محبطة إلى حدٍّ ما مما حدث سابقًا—ساعة الاستحمام، وزحفها في نومها إلى سريره. لكنها الآن لم تكن تُظهر شيئًا من ذلك على وجهها. بدا أنها من النوع التي تفصل مشاعرها عن العمل؛ ولم يكن فيها أيٌّ من ذلك التردد العصبي الذي أبدته عندما التقى بها أول مرة.
「كما توقّعنا، تمكّنا من تحديد موقع القوة الرئيسية لجماعة الأماكسا داخل حديقة الحلويات المتوازية. لكن لم نتمكن من رصد كتاب القانون ولا أورسلا. لا أحسبه مجرد تمويه، لكنه محتمل. لهذا لم نخفف الطوق الأمني الذي فرضته وحداتنا الأخرى حول المنطقة. من سيشارك في القتال هم الموجودون هنا فقط」 قالت أغنيز بصوتٍ بدا وكأن الأمر كان قد حُسم، وكأنها تذكّرهم.
تأمل كاميجو ما قالته لوهلة. 「سيّئٌ أننا لا نعرف من في جماعة الأماكسا يمتلك كتاب القانون. أو حتى إذا كانت أورسلا موجودة في الحديقة من الأساس. فهل يسعنا إنقاذها؟ لو تأخرنا، قد يهربون بها أو يستخدمونها رهينة」
في الواقع، فكرة استخدام رهينة تبدو منطقية أكثر، خاصة وأنهم الطرف الأضعف، صح؟ تساءل في داخله.
استحضر وجه أورسلا في ذاكرته. فتاة تجهل طرق العالم وتتجاهل كلام الآخرين—وكان شبه متأكد أنها قد تتيه لو صرفت نظرك عنها للحظة. لم يكن يرغب أبدًا في أن يرى سيفًا أو مسدسًا موجهًا إلى عنقها، أو أن يستخدمها أحد الأشرار درعا بشري.
لكن أغنيز لم تكن في مزاج يسمح بالقلق. 「إذا هربوا من حديقة الحلويات، فالطوق الأمني سيمنعهم. أما بخصوص الرهائن... ناااه ما أظنهم يأخذونها درع」
أمال كاميجو رأسه جانبًا، مستغربًا.
「الهدف الأول لجماعة الأماكسا هو أن يجعلوا أورسلا تفك شيفرة كتاب القانون، صحيح؟ لو أسوأ الاحتمالات حصلت وماتت وهي بيدهم، فخطتهم كلها ستنهار. وبما أنهم متمسكون بالكتاب ذاك الحد، فأورسلا آمنة」
فتحدث ستيل وسيجارته تتحرك، 「هدف الأماكسا ربما يكون استخدام كتاب القانون لسد الفجوة في قوتهم التي تركتها كانزاكي. حقيقةُ أنهم متشبثون بذاك الشيء تعني أنهم في وضع يائس. وإذا فشلوا في الحصول على كتاب القانون، فالأمر انتهى بالنسبة لهم. لذا لا بد أنهم يعاملون أورسلا كتمثال من الثلج」
「لكن هذا يعني أن علينا العثور على أورسلا قبل أن تصل الأماكسا إلى مرحلة الاستسلام التام」 قال كاميجو وهو يشعر أن الحكاية صارت متجهة إلى صوبٍ غريب. إذا دفعوا الأماكسا إلى الزاوية قبل أن يعثروا على أورسلا، قد ينهارونَ ومعها. لكن إذا كان الروم الكاثوليك مرنين معهم، فلن يكون لديهم المجال الكافي للبحث عن أورسلا. نظرًا للفارق في القوى بين الطرفين، لم يكن هناك مجال كثير للتراخي.
بدت أغنيز وكأنها تدرك مدى صعوبة إظهار الرحمة. 「لذا أريد تقسيم قواتنا. ثمانون بالمئة من الرومان يكونون القوة الرئيسية ويتصرفون كالطُعم يجذبهم، مهاجمين الأماكسا من الأمام. وفي الوقت نفسه، أنتم الثلاثة ستبحثون في حديقة الحلويات المتوازية كفريق كوماندو. إذا وجدتم كتاب القانون وأورسلا، فرجاء أمّنوها، هل فهمتم؟」 ثم رفعت أحد صنادلها العالية وضربت بها الأرض 「إذا لم تعثروا عليها قبل أن ينتهي أسلوب التنقل الخاص في تمام الـ12:05، فسنضطر إلى اعتبار أنها لم تكن هنا. في هذه الحالة، أرجوا أن تغادروا حديقة الحلويات المتوازية. وسنجري تحقيقا شاملا في الحديقة بعد تحييد الأماكسا」
إذا لم يعثروا على أورسلا قبل انتهاء المهلة، وكانوا لا يزالون داخل الحديقة، فإن ذلك سيصبح خطرًا عليها. يكفي أن تنظر إلى حديقة الحلويات المتوازية لتدرك أنها ليست مثالية لصيد البشر. فيف آخر الأمر، ووفقًا لكلام أغنيز، كان في الحديقة خمسة وسبعون كشكًا.
ابتلع كاميجو ريقه بصوت مسموع، وفتحت إندكس فمها تتحدث، 「هناك أيضًا النقطة الدوّامية نفسها. إذا لم ندمرها، فقد يهربون بأورسلا. يستطيع توما التخلص منها بسهولة، لكننا سنحتاج للانتظار حتى تفتح عند منتصف الليل في هذه الحالة. لإيقافهم قبل ذلك، يمكننا ببساطة تدمير الأشياء المادية التي استخدموها لإعدادها—لكن الأماكسا كانت قد أخفت كل شيء. وسيصعب علينا العثور على تلك الأشياء」
「البحث عن الكتاب وأورسلا، وتدمير نقطة الدوامة... يبدو أن جدولنا سيمسي مزدحمًا」 قالها ستيل وهو يبصق سيجارته ويطحنها تحت قدمه.
وبعدما تأكدت من أنهم جاهزون، رفعت أغنيز يدها؛ فرفعت جميع الراهبات السبعون خلفها أسلحتهن مثلها ليخترق صدى الحديد البارد الليل.
لم تكن أسلحتهم كلها متشابهة. فبعضها أسلحةٌ واضحة كالسيوف والحِراب بين الحشد، ثم هناك أدوات أخرى حتى كاميجو يرى أنه قادر على استخدامها، كالعصي الفضية والصلبان العملاقة. وأشياءٌ مجنونة: عجلة مسنّنة ضخمة بطوله وشعلة صنوبر. لم يستطع حتى التخمين ما كانت تستخدم له. أما أغنيز نفسها فقد استلمت عصًا فضية مُزَهَّرة من إحدى الراهبات.
「...لا يُغتفر」 قالت بمرارة في الظلام، تسند عصاها على كتفها، 「عندما انتشرت الصليبية (المسيحية) أول مرة، كان الهدف منها هو إنقاذ الجميع. وَهُم يستخدمون تلك القوة لهذا؟ إنما هُم يمارسون العنف لشيء تافه كهذا، وهم يفرضون علينا أن نستخدم عنفًا أكثر سخافة عليهم. فكيف لا يدركون سلسلة الأحداث البسيطة هذه؟」
「...」 كانت الإجابة على ذلك بسيطة—كل ما كان عليهم فعله هو التراجع خطوة والتفكير فيه—لكن كاميجو شعر أنها كانت مشكلة صعبة بالنسبة للمعنيين. وبالطبع، كان يتفق مع رأيها بقدر ما يتفق الذي بجانبه.
「نعم، ربما لم أُصِحَّ في التعبير... ليس أماكسا خاصةً—بل لهذا السبب أنا لا أحب السحرة. كلهم كهذا. خاصة تلك المجتمعات السحرية الغربية الحديثة التي ظهرت في بداية القرن العشرين. كلهم يستخدمون تقنيات صليبية خبيثة أو يتلاعبون بالأيديولوجيا. بل إنهم غالبًا ما يستخدمون أسماء الملائكة الكبرى في دوائرهم السحرية، مثل شبيه الرب ميخائيل وقوة الرب جبرائيل
「حتى قبل القرن العشرين، كما كان الحال في أيام مطاردة الساحرات، كان الخيميائيون المتعاقدون مع الملوك دائمًا ما يصرّحون بهذه التصريحات. "هذه تقنية سرية في الصليبية، لذا فهي ليست في الواقع سحرًا. أنا لست سوى خروف آخر من خراف الرب المؤمنين"، يقولون」 أقدام أغنيز ضربت الأرض بعنف وخلخلت. 「يحفظون الكتاب المقدس من الجلدة إلى الجلدة، متمهلين متدبرين في كل كلمة قالها الرب. ويفتشون فيه عن التناقضات والثغرات وهم يرتشفون عسلهم الحلو. سحرهم الأسود يتعارض مع إرادة الرب. هكذا هم أعدائنا الحقيقيين—ليس أشرار الخارج، بل أشرار الداخل. السحرة مثلهم كمثل السياسي يجلب الدمار للدول بأن يستغل الثغرات في القانون. ونحن، الطيبون السذج، نسمع ونطيع القوانين ونقف في صف واحد لنحصل على قوت يومنا—بينما هم يقطعون الطابور أمامنا، متظاهرين بالبراءة والطيبة
「لهذا كل هذه المشاكل الغريبة تحدث. أنا لا أقول لهم أن يشاركونا طعامهم—لكن أقول لهم أن يصطفوا في آخر الطابور كما يجب أن يكون」
استمع كاميجو إلى ذلك، وكان من الطبيعي أن يشعر بشيء من الشك حول ما بدا وكأنه سياسةُ تفوّقِ الصليبية. لكن الجزء الأهم هو أن أغنيز لا تستطيع أن تغفر للأماكسا كسرهم القوانين بينما الجميع الآخرون يطيعونها (أو هكذا رأت أغنيز). بالمناسبة، كان ستيل ماغنوس، الساحر المتمرس، يبتسم ويتجاهل بانزعاج أغنيز؛ بينما بدا على إندكس القلق قليلًا.
ونعم، نِسِسَريوس مليئة بالسحرة، لذا من المحتمل أنهم يشعرون بالإهانة، ها؟ لكن مع ذلك، أغنيز... حقًا إنّ الفتيات يغيرن تعابيرهن بشكل كبير. كانت متوترة ومرتبكة قبل قليل. يا لهن من مخلوقات.
عندما نظر حوله ليغيّر الموضوع، لم يرَ سوى الأخوات الرومانية الكاثوليكية في كل اتجاه.
「ورغم ذلك، على كل هذه التصريحات المتواضعة حول عجزك عن تخصيص كل قواتك، تمكنتِ من جمع هذا العدد الكبير من الناس بكلمة واحدة فقط」 قال ذلك مع إعجاب بسيط مندهش.
فتبسمت أغنيز. 「إنه امتيازنا أننا نفوق الجميع عددًا. ولتعلم أنّ لنا رفاقٌ في 110 دولة حول العالم. حتى في اليابان لدينا العديد من الكنائس. وفي الواقع وأثناء حديثنا هذا يُبنى بيتٌ جديد للرب: كنيسة أورسلا. أظن أنها كانت في مكان قريب من هنا. قريبة جدًا. وكأنني سمعتهم يتفاخرون بأنه عندما ينتهي بناؤها، ستكون أكبر كنيسة في اليابان. كان من المفترض أن تكون بحجم ملعب كرة قاعدة」 صوت نقرة نعال أغنيز على الأرض استمر.
「أورسلا؟」
「نعم. لديها سجلٌ حافل. فلقد نشرت تعاليم الرب في ثلاث دول هرطقية، مما أكسبها الامتياز الخاص ببناء كنيسة باسمها. وألم تكن ماهرة جدًا في الخطابة...؟」
الآن بعد أن ذكرتْ، شعر كاميجو أنه قد يكون على صواب. وقد كان أن جميع الأجانب اليوم يتحدثون اليابانية والذين ظهروا الليلة قد خففوا عليه. كان ممتنًا لذلك بالطبع—فاليابانية هي اللغة الوحيدة التي يستطيع التحدث بها.
「ما إن تكتمل الكنيسة، سنرسل لك الدعوات. لكن قبل ذلك، يجب أن نحل المشكلة الحالية. ودعونا نصلي لأجل نهاية طيبةً لا تترك فينا ندما」
أعطت أغنيز ابتسامة جريئة ورفعت عصاها الفضية الثقيلة على أكتافها وضربت بكعبي قدميها الأرض مرتين. تحول كعب حذائها ذي العشرة بوصات إلى صندلٍ عادي. بدا وكأنها مصممة لتُرتدى وتُخلع حسب الرغبة، تمامًا مثل أغلاق العباءة.
「...ممم. أفهم أنه أسهل عليك في الحركة. فلماذا لا تبقينها هكذا طوال الوقت؟」
「أص. يسمونها موضة. وإني طلّابة في ذوقي」
- الجزء 6
11:27 مساءً.
وصل كاميجو وإندكس وستيل إلى السياج الشبكي قرب مدخل موظفي حديقة الحلويات المتوازية.
مع أنهم لم يطأوا أرض المعركة بعد، شعر كاميجو بوخز كهربائي يلسعه على جلده. قد يكون هناك من يراقبهم من الظلمة الشاسعة خلف هذا السياج، ولن يعرفوا. ربما اضطر أعداؤهم لتقييد أماكن اختبائهم في جزء واحد من الحديقة فقط — لكن الحديقة بأكملها كانت تبدو كسلة خبز عملاقة للأعداء.
وهي في وسط كل ذلك...
كم هو صعبٌ على أورسلا أن تبقى وحيدة؟ فكر فيما كان سيشعر به لو حاصره العشرات من الأشرار المسلحين بالسيوف والرماح. اللعنة. لو أنني أعلم أن هذا سيحدث، لأجبرت أورسلا على دخول مدينة الأكاديمية من البداية...
「هيه، ستيل」
「ماذا؟」
「أترى حقًا أننا ننجز كل ما علينا قبل نفاد الوقت؟ يجب أن ندمر نقطة الدوامة، ونبحث عن الكتاب، وننقذ أورسلا — كلها」
ظل ستيل صامتًا للحظة عند سؤاله. كذلك إندكس كانت تنظر بينهما بقلق. بعد وقفة، أجاب الساحر، 「بصراحة، سيكون الأمر صعبًا. نحن لا نعلم حتى أين في الحديقة يقع كتاب القانون أو أورسلا. إضافةً، هناك معلومة واحدة لم أخبر بها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية」
مال كاميجو برأسه متسائلاً.
「قبل وقوع هذا الحادث مباشرة، اختفت كانزاكي كاوري، والتي كان من المفترض أن تكون في إنجلترا. ولعلها خرجت لأجل أتبا—أصدقاؤها القدامى. فلو حاولنا إلحاق ضررٍ كبير بالأماكسا، قد تهاجمنا القديسة」
اندهش كاميجو وشعر بتوتر شديد حتى ظن أن فمه سيجف كالصحراء.
كانت كانزاكي كاوري ساحرة قوية للغاية لدرجة أنها تمكنت من كبح ملاكٍ حقيقي، كما حدث خلال حادثة سقوط الملاك. لم يرها كاميجو في قتال شخصيا، لكنه تصور بسهولة كم ستكون خطيرة إذا صارت عدوا.
وكان هو نفسه يدرك بوضوح أن توقعات ستيل قد تتحقق على الأرجح.
「لذا لا تفكر في إنجاز كل مهامنا. الخطة كانت محكومة بالفشل منذ البداية — ولدينا ما يكفينا من الخطر الآن. أسوأ ما قد يحدث هو أن يفكّوا كتاب القانون، فحاول أن تمنع ذلك」
「طيب...」 نظر كاميجو بين ستيل وإندكس ثم قال، 「هل يمكننا إذن جعل إنقاذ أورسلا أولويتنا؟」
「لا يهمني البتة. الكتاب بلا جهاز فك الشفرة ما هو إلا مضيعة. هذه الفتاة هنا تحمل في عقلها كل معرفة الكتاب نفسه، لذلك نحن غير مهتمين بالنسخة الأصلية أيضًا. والكنيسة الكاثوليكية الرومانية هي من تمتلكه، فإذا ضاع، فلن يؤثر ذلك على أنجليكان إنجلترا」
「أنا أيضا أراها فكرة حسنة. ولو قلنا لك لا، لما أوقفت تهورك واندفاعك على أي حال! ونحن أصلا نعاني من نقص في الأفراد، لذلك يجب أن نبقى معًا」
أجاب الساحر المتزمت الإنجليزي ستيل وثم إندِكس دون قلق كبير.
علّهما رأيا مشاكل من وجهة نظر المحترف، لكنهما مع ذلك قَبِلا رأي هاوٍ يجهل الكثير.
「ممتاز. شكرًا!」
وظهر على وجهيهما ملامح من الارتباك. كانت إندكس تبالغ دائمًا في تعبيراتها، فكان ذلك متوقعا — أما ستيل، ومن زاوية نظر ما، فبدا تقريبا كوميديًا.
「تشه. لا تفسد عليّ أسلوبي قبل أن نبدأ التقدم. التشويش سيبدأ عند الحادية عشرة والنصف. وسوف نتسلل عندها، لذا—」
「توما، لا تسترخي ما إن ندخل الحديقة، طيب؟ تأكد أن تحتمي خلفي وتسمع لما أقول لك أن تفعل، وإلا كنت في خطر」
「هَه؟ ماذا تقولين أيتها الأخت السخيفة؟ إن تعلق الأمر بالسحرة، فيدي اليمنى كالجدار الحديدي. أنتِ من عليها أن تحتمي خلفي」
「...」 صمت كل من كاميجو وإندكس عند اختلاف الرأي.
「—ينبغي أن ندخل قريبًا، لذا سأكون ممتنًا لو ركزتما على هذا. حقًا،」 قال ستيل بهدوء، شاعراً بأنه مستبعد من الحديث. وفي تلك اللحظة بالذات...
...جاء صوت انفجار من مدخل القبول البعيد.
「...هيه. أذلك هو التشويش؟」 تمتم كاميجو، مذهولًا قليلًا من رؤية العمود الهائل المشتعل من اللهب والضجيج.
「هذا يعني أنهم سيخسرون إلا إذا استخدموا أشياء مثل هذه، توما. لا تخفض حذرك!」 قالت إندكس.
「ولا أراه يسبب مشكلة. إنهم يجمعون بين السحر لإبعاد الناس وليُعيقون. لكنني لا أشعر بطابع الكاثوليكية الرومانية في التقنية — لا أشعر بتلك اللكنة الفريدة... لا بد أنها كانت الأماكسا. مزعج حقًا أن لديهم تقنيات بهذه القوة」
على أي حال، قد حان الوقت.
التصقت إندكس بالسياج الشبكي وركزت على ما وراءه. وبعد التأكد من عدم وجود أفخاخ سحرية، قفز الثلاثة فوق السياج وتسللوا إلى الحديقة المظلمة.
كانت أنوار الحديقة مطفأة مما جعلها فقاعة مظلمة وسط مدينة مزدحمة. شعر كاميجو أن ضوء النجوم هنا أقوى من المعتاد. قد دخلوا من خارج مسار المشاهدة الفعلي. وعندما مروا بين كشك آيس كريم الجيلاتو وكشك هلام اللوز، كلاهما لا يتجاوز حجم منزل متنقل صغير، دخلوا المسار.
كان مسارًا دائريًا ضخمًا. وفي المنتصف بالضبط، يكون مجرى مائي — في الواقع، أشبه بالخندق — وكانت سطحية الماء تبعد حوالي ثلاثة أمتار تحت الرصيف. لم يستطع تقدير مدى عمقه. وهناك العديد من الأكشاك الصغيرة على الحافة الخارجية للمسار، على المحيط الخارجي. كل ما كان لديهم كانت طاولات مثل تلك الموجودة على عربات الطعام — لم تُصمم ليأكل الناس بداخلها. أما المساحة داخل المجرى المائي فقد تحوّل إلى ساحة عامة. وكانت هناك الكثير من الطاولات والكراسي، لذا من المؤكد أن هذا هو المكان الذي يتناول فيه الناس حلوياتهم.
وفقًا لأغنيز، هناك أكثر من حلقة واحدة — كانت عدة حلقات متجاورة، تشكل شكلًا مشابهًا لحلقات الألعاب الأولمبية.
「...」
كان ليكون وقتًا عصيبا لو أنهم جاؤوا في فترة الظهيرة، لكن كاميجو يعلم أنهم في عالم مختلف الآن. بدون أي أضواء، بدت كل الأكشاك الصغيرة ذات الستائر الخشبية المغلقة وكأنها ترفضهم جملةً. كان المكان يبعث على الرهبة، مثل وجه شخصٍ مضاء بمصباح يدوي من الأسفل. حتى إندكس الجائعة، التي عادة ما تكون الأكثر بهجة بينهم، كانت تنظر إلى الظلام بتوتر.
「توما، توما. لا وقت لدينا. علينا أن نبدأ بحثنا عن أورسلا」
「أجل — كلها ثلاثون دقيقة. ولنا أيضًا أن نصب كمينا إذا وجدنا الدوامة، لكن بالنظر إلى الوضع، أظن أن فرص ذلك ضئيلة جدًا،」 قال ستيل والذي، بشكل غير معتاد، لم يدخن حتى يندمج في الليل.
بدأوا يسمعون أصوات زئير غاضب وصرخات وتحطم أشياء وانفجارات. بدا أن الكاثوليك الرومان والأماكسا تصادما بجدية.
「ن-نعم. فهمت」
في اللحظة التي خرجت فيها الكلمات من فمه، سمعوا صوت ارتطام معدني.
هاه؟ وثم أدار رأسه بلا قصد إلى الأعلى نحو مصدر الصوت، عندما...
...قفز أربعة أولاد وبنات من على سطح محل الجيلاتو المتخصص في الهواء.
كان الجميع حاملا سيفاً غربي الطراز.
「؟!」
اندفع كاميجو لدفع إندكس جانبًا، وأمسك ستيل برقبتها وجذبها إليه. وبعد لحظة...
شق!! جاءت السيوف ساقطة إلى حيث كان موضعها مباشرة، تاركةً أثرًا من ضوء القمر المنعكس خلفها. كصاعقة برق، ضربوا النقطة التي تركتها إندكس توّاً.
شابٌ وثلاث فتيات، وكلهم في عمر كاميجو تقريبًا. بدلاً من ألبسة غريبة الأطوار، كانوا يرتدون ما يرتديه المرء إذا خرج للتنزه في وسط المدينة. لكن ملابسهم العادية مع بريق السيوف في أيديهم أبدتهم طابعًا غريبًا ومريب.
بلهجة منزعجة قال ستيل، 「سيفٌ نصفي، سيفٌ لقيط، سيفُ خنزيرٍ بري، وسيفُ فستان. يا رجل يبدو أن الناس في هذا البلد فعلاً مولعون بثقافتنا」
فكر كاميجو في نفسه وكأن تلك الأسماء خرجت مباشرة من لعبة RPG. تصاميمها متنوعة، وأحجامها تراوحت بين مترٍ إلى مترين. وأحدها لم يكن يدري البتة ما كان الغرض من تصميمه — كأنه مِغْوَلٌ (سيف ذو حدين)، إلا أن طرفه كان كرة صغيرة.
ول...تلك المعركة الحاصلة لم تشتتهم عن بعض ولو قليلاً، ها؟!
حطّ الأربعة على الأرض، فاصلين بينَهُ والاثنين الآخرَين. وبالنظر إلى ضيق الطريق، لم يكن بإمكانه العبور والالتحاق برفاقه بسهولة. رمى ستيل عدة بطاقات رونية وأخرج سيفاً ناريًا قائلاً،
「خذها. واحفظها معك قريبة إن لم ترد الموت!」
أخرج شيئًا من داخل ملابسه وألقاه نحو كاميجو. أمسكه على عجل فوجد أنها قلادة صليب فضي.
「هذا...」
...ماذا أفعل به؟
وبينما رفع وجهه ليسأل، أرسلت إحدى فتيات الأماكسا بهدوء طرف مِغْوَلٍ نحيف يبلغ طوله تقريباً طول مكنسة (ويُسمى على ما يبدو "سيف فستان") يزأر نحوه.
「مه؟!」
برعبٍ، قفز كاميجو إلى الوراء ليتفادى السيف. لكن الفتاة اندفعت نحوه ولم يستطع التعامل معها. والسبب الوحيد الذي جعله يتفادى الضربة الأفقية التالية هو أنه تعثر بأقدامه وسقط على ظهره.
「حذاري، توما!!」
بعد لحظة من صراخ إندكس، رأى الفتاة وهي تنزل سيف الفستان كالمقصلة. لم تُكسَر سقوطه، بل استمر يتدحرج إلى الوراء وتمكن من الإفلات منها.
لم تبدُ وكأنها استخدمت أي سحر البتة.
الإماجين بريكر في يده اليمنى لن ينفعه هنا إطلاقا. فما إن يحاول استخدامه، ستقطع يده بلا تردد.
「إندكس!」 صاح كاميجو، لكن أمامه أربعة قتلة مسلحين في الطريق ولم يستطع القفز بلا مبالاة. كان ستيل واقفًا أمام إندكس بسيفه الناري ليحميها، لكن اثنين من القتلة اندفعا نحوهما بنية اختراق درع ستيل وجسد إندكس الرقيق بسيوفهم.
ثم حدث دوي خافت!!
「—...؟!」
ظن كاميجو أن قلبه يتوقف عندما رأى ما يجري، لكنه عند التمعن، لم يرَ نقطة دم واحدة تُراق. في الواقع، القاتلان اللذان اندفعا نحو ستَيل مرّا عبره كما لو أنه لم يكن.
سراب.
تأرجحت الصورة الزائفة، ثم أطلّت بابتسامة ساخرة، واختفت في العدم. ولسبب ما، لم تكن تلك الابتسامة موجّهة نحو قتلة الأماكسا، وكأنما عينيه كانتا مركّزتين مباشرة على كاميجو.
وما عاد يرى أيًا منهما في أي مكان.
فتحوّلت أنظار القتلة الأربعة كلهم إلى كاميجو.
هيه هيه لحظة، ألم يُفترض أن نتفق على إشارة أو مكان لقاء إن احتجنا إلى الهروب؟! أجعلوني طعمًا مرة أخرى؟! نفس الشيء ينعاد، كما حدث مع الخيميائي!!
مرتبكًا ومشوش الذهن وها هو الآن وحيد، أدار كاميجو ظهره على الأعداء وبدأ يركض بأقصى سرعة يستطيعها. وبدا قراره المفاجئ أنه أربكهم. نظر خلفه أثناء الركض ليرى ثلاثة من القتلة قد تفرقوا. ربما كانوا يبحثون عن إندكس وستَيل المختفيين.
أما الأخيرة...
الفتاة التي كانت أشارت بسيفها نحوه هي الوحيدة التي تلاحقه. وإنها لسريعة. اقتربت منه بسرعة طائر، رغم حملها سيفًا ثقيلًا كهذا.
آغغ... اللعنة...! لن أهرب منها بالركض مستقيما!
مذعورا، انحرف عن المسار الدائري وغاص في مساحة ضيقة لا تتجاوز سبعين سنتيمترًا بين متجرين. لم يكن حتى زقاقًا، بل مجرد فجوة.
حاول الركض عبر الفتحة الضيقة لكنه تعثر بشيء وسقط سقوطًا مروعًا على الأرض. يبدو أن أصحاب المكان خططوا لتجديد المتاجر، إذ كانت هناك لافتات على الحائط وصندوق مواد بناء على الأرض. وهذا ما تعثر به كاميجو.
غه...! لا تنثرون أغراضكم في كل مكان!
حتى لو استمر في الهروب، فالسيف الذي تحمله الفتاة سيخترق ظهره. ألقى نظرة سريعة على محتويات صندوق الأدوات المتناثر، بحثًا عن شيء قد يستخدمه سلاحا. لكنه أدرك سريعًا أنه عبث — لم يرى أنه سينجح في مواجهة سيف حقيقي وهو يلوح بمطرقة. فمهاجِمته كانت قادرة على شَطرِ أي شيء قد يرميه عليها.
...شطر؟ إذن!!
ثم انزلقت الفتاة حاملة سيف الفستان حول الزاوية تضرب بنعلي حذائها الأرض ودخلت الفتحة على خطاه.
أمسك بزجاجة تشبه معجون الأسنان من بين الأدوات المبعثرة على الأرض ورماها فورًا من خلفه وتحتها.
الفتاة، دون أن تدري ما القادم، لوّحت بسيفها لتشطره وثم غاصت بالسيف عليه.
「!!」
فقام على الفور وضم ذراعيه أمام رأسه ليحميه.
لم يتوقف سيفها. جاء هدير السيف عموديًا مثالي، يقطع الهواء نفسه، واقترب ليشقّه هو وذراعيه المرفوعتين شِقّين.
طنن.
كان صوتًا مكتومًا، لكن السيف الذي ضرب ذراعيه لم يخترق سوى طبقة جلد واحدة فقط.
كان بداخل أنبوب المعجون مادة شحمية تُستخدم في البناء.
المادة اللاصقة أبطأت حدّة السيف تمامًا كالدم أو دهن الحيوانات الذي يعلق على الكاتانا (السيف الياباني). لو كان سلاحها ثقيلاً كالكاتانا، حتى مع شفرةٍ باهتة، لربما انكسرت ذراعه. لكنه لم يكن يتوقع أن يفعل سيف فستان ذلك — وهو مِغوَلٌ مزين بفخامة بالأحجار الكريمة.
「؟!」
ذعرت الفتاة وحاولت أن تهيئ سيف الفستان مرة أخرى...
「بطيئة!!」
...ولكن قبل أن تفعل، لوّح بكلتا يديه ليبعد السيف عنها ثم انقض على الفتاة وضربها في بطنها وثم أحاط ذراعيه بها. كان وزن جسده كله كافيًا لإسقاطها على الأرض بظهرها. ومع ذلك كاميجو طيب القلب جدًا، فقد وضع يديه حول رأسها يمنعها من الاصطدام بالأرض.
ولما سقطا، أطلقت الفتاة كل الهواء يخرج من رئتيها، ولم تتحرك من بعدها. فقد تعرضت فعليًا لرمية كرمية الجودو دون أن تهيأ للسقوط بلا أي مهرب.
「...اللعنة. آلمتني」
وما إن تأكد من أن الفتاة لم تصب بأذى، غاص كاميجو على الأرض. وعندما رفع نظره، رأى سماءً ليلية تحيط بها جدران المباني من أربع جهات. كان هذا مشهدًا اعتاد رؤيته في الأزقة.
القتال في أزقة المدينة الأكاديمية لا يخضع للعقلية اليابانية الشائعة — بل هو مختلف تمامًا عن الطبيعي والعادي والمألوف. هناك من يستخدمون قوى غريبة قد تكون خطيرة خطر المسدس حسب كيفية استخدامها. وهناك أيضًا الكثير من المشاغبين الجانحين الذين يحملون أسلحة خاصة لمحاربة هؤلاء المتفردين بالقوى الخارقة. ومع ذلك كاميجو قادر على تحريك جسده دون أن يسيطر عليه الخوف عند رؤية السيف، لأنه اعتاد على الأسوأ.
بقي هناك لبضع لحظات ليلتقط أنفاسه، لكنه أخيرًا أمسك بسيف الفستان الذي كانت تحمله الفتاة. كان نحيفًا لكنه ثقيلٌ غريب — ربما بسبب مركز ثقله. فكر للحظة في إمكانية استخدامه، لكنه تخلى عن الفكرة. فهو لا يعرف حتى كيف يمسك بالسيف صحيحا، فلم يكن يظن أنه يستطيع توجيه ضربة فعالة به. وحتى لو أصاب ضربةً بهذا السيف الحقيقي، مجرد التفكير بما يمكن أن يفعله بالخصم أرجف عموده الفقري وقشعره. ربما فقد السيف الكثير من حدّته، لكنه لم يرغب في التلويح به.
ومع ذلك، لو ترك السيف هنا، فسيواجه مشكلة عندما تستيقظ فتاة الأماكسا. قرر مغادرة المكان وهو يسحب السيف خلفه.
تبا، هل إندكس وستَيل بخير؟ ماذا عن أورسلا؟ هل ألتقي بهما أولًا أم أبحث عنها بنفسي؟
كل هذا بسبب أنهم لم يتفقوا على طريقة للتواصل أو مكان لقاء لاحقًا. لكنه ما فكر أبدًا أن ينقسموا إلى طرق منفصلة، فماذا يفعل؟ بينما يفكر في المسار الذي سيسلكه، خرج من الفتحة بين المتاجر، والسيف يسحب خلفه، وعاد إلى مسار الدائري—
—عندها فجأةً اصطدم به أحدٌ من الجانب.
「!؟」
كانت هجمة مباغتة مثالية، انطلقت من الظل الذي يلقيه جدار أحد المتاجر. فقد توازنه، ورمى سيفه على الفور جانبًا — على الأقل أراد تجنب طعن نفسه بسقوطه.
تبدلت الأمور بالكامل عما كانت عليه قبل دقيقة حين انقض عليه وسقط على الأرض. لكنه تعامل مع السقوط، ولم يصاب إصابة شديدة كما الفتاة. قبض على قبضتيه ليدافع عن نفسه من أن يُركب عليه ويُهاجم أكثر...
「...ماذا؟」
لكنه فتح يديه من جديد. إذا كان هذا عدوًا، فهناك شيء غريب. كانت امرأة ترتدي خِماراً أسود، وعباءة سوداء، ولم يظهر منها شبر واحد من الجلد من اليد إلى القدم رغم الحرارة... كانت ذراعا الأخت خلف ظهرها، وقد لصقا معًا — يدها اليمنى على المرفق الأيسر والعكس — ملتصقان بشريط لاصق أبيض. كما أن فمها كان مختومًا بنفس الشريط. اقترب ليرى أن الشريط يشبه القماش، وكان مليئًا برموز غريبة مكتوبة عليه تشبه إلى حد ما حروفًا يابانية مشوهة قليلاً.
وإيه، كلنا نعرف أنها أورسُلا أكوينس.
ترنّح كاميجو، وشعر بجسده كله يفرغ من القوة مع موجة الارتياح الساحقة.
「مغ! مغغ-مغ مهلل مغغ مهلل مغ م م م مغ م م م م م م مغ فففم مممفف!」
كانت أورسلا، وفمها مغطّى بتلك التميمة الغريبة، تنظر إليه تحاول يائسة أن تنقل له شيئًا.
「هاه؟ جيتِ إلى اليابان حتى تشاهدي مصارعي السومو، تقولين؟ خالتي، ليس كل اليابانيين في هذا البلد يلعبون السومو. حقًا إنكِ عجوز」
「مغغغ!!」
「ها؟ لحظة، أمزح أمزح!!」
قبل أن يدافع عن نفسه، رطمت رأسها ببطنه بقوة. وسقط على الأرض مع أورسلا. في البداية سعل عدة مرات، ثم لاحظ أن يده لمست شيئا ناعم. هي لم تدرك، لكنه كان صدرها الكبير العارم حيث تنقل منه نبضات قلبها.
آه! بغاهه؟!
احمرَّ وجهه احمرارًا وزحف يخرج من تحتها، ثم مرر سَبّابته اليمنى على التميمة التي تغطي فمها. بدت مندهشة للحظة—فقد لمس شفتيها، وإن كان غير مباشر—لكن بعد لحظة، عندما رأت كيف انزلقت التميمة بسهولة، تضاعفت دهشتها عشر مرات.
「عـ-عذرا. أنتَ من قابلته عند موقف الحافلات اليوم، صح؟ ولكن، كيف...؟」
「جئتُ أنقذك بالطبع! آهخ، تبًا، سأشرح لاحقًا. أما الآن خرجنا من هنا!」
نظر كاميجو حوله، وبعد أن تأكد من عدم وجود أحد، التقط سيف الفستان الذي رماه على الأرض سابقًا.
كانت أورسلا مذهولة قليلًا. وتحدثت — ليس إليه بل إلى نفسها
「م-ما؟ أحقًا... جئتَ تنقذني؟ وليس لهذا علاقة بكتاب القانون...؟」
「وكأنني أهتم لشيء بهذه السخافة! هل أبدو لكِ معتوها يقطع كل هذه المسافة من أجل كتاب قديم؟!」 حك رأسه بجنون وصاح، وذلك أرجف كتفي أورسلا.
「ف-فهمت. مم، طيب... شكرًا لرعايتك لي」
「...أه أكيد. لا أحتاج إلى شكر أو أي شيء. على كل حال، ماذا تفعلين هنا؟ ماذا عن الأماكسا؟」
「يبدو أنهم يقاتلون الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. وأنا هربتُ وسط الفوضى... الأماكسا لا يبدو أنهم معتادون على هذا النوع من التقييد والحصار」
بسيف الفستان في يده، توجه خلفها وكسر الأصفاد على ذراعيها أيضًا.
فركت أورسلا يديها المفرجتين وقالت، 「شكرًا جزيلًا. ولكن، همم... كيف كسرت...؟」
「مم التميمة؟ لدي قدرة... لكنها معقدة، لذا أفضل ألا أزعجك بشروحات غريبة. ستحتارين إذا بدأت أتكلم عن تطوير القدرات العلمية، صح؟ وبالمناسبة، تبدين هادئة جدًا في هذا الموقف. عليك أن تكوني أكثر جدية إذا أردنا الهرب」
「الأهم، رأيتهم يقاتلون قرب المدخل، ولم أتمكن من تجاوز السياج لأن يدي كانتا مقيدتين—فماذا كان علي أن أفعل؟ لم يكن أمامي خيار، فكنت أبحث عن مهرب بديـ...-؟」
قبل أن تكمل أورسلا، أمسك كاميجو بذراعها وغاص مرة أخرى في الفتحة الضيقة بين المتجرين. كادت تصرخ عندما رأت فتاة الأماكسا ملقاة هناك، لكن...
「...أص!」
...همس لها بحذر وغطى فمها بيده اليمنى.
ركضا عبر الفتحة وضغطا بأنفسهما على الحائط الخلفي لأحد المتاجر. ترددت أصداء خطوات عدة أزواج من الأقدام من أمام المسار الدائري، ثم تلاشت. بدا له أنهم أدركوا هروب أورسلا وكانوا يبحثون عنها بدلا من محاولة تتبعه أو تتبع إندكس وستَيل. حملهم لأسلحة غريبة مثل السيوف والفؤوس وأوامرهم المتناثرة بدت له شديدة الشؤم.
وعندما ابتعدت خطواتهم، انزلق كاميجو على الحائط حتى جلس على الأرض. ومثله أورسلا، جالسة بجانبه بأناقة.
- الجزء 7
المكان الذي جلس فيه كاميجو وأورسلا بدا كأنه منطقة عمياء للأماكسا. فيها بعض الأشجار المنخفضة المتدلية خلف المتجر، وإذا بقيا على انخفاض، فلن يروهما من بعيد.
لكن من ناحية أخرى، بعدما وجدا لنفسيهما مكان اختباء، صارا غير قادرين على التحرك الآن. وقد سمعا بين حينٍ وآخر خطوات صبيان وصبايا الأماكسا يركضون حول المسار الدائري القريب، فإذا غادرا سيُكشف أمرهما الساعة.
خاف على إندكس ونوعا ما بستَيل. بعدما ضمن سلامة أورسلا، إذا ظلوا محاصرين في الحديقة غير قادرين على الهروب، فسيكونون في خطر عبثي. لكن أين له بوسيلة للتواصل؟ وكان من الطائش أن يترك هذا المكان ليبحث عنهم في الحديقة.
「ذلك الأسلوب الخاص للتنقل يمكن استخدامها فقط من الساعة 12:00 إلى 12:05، فإذا بقينا هنا حتى نهايته، فسوف نعيق خطة الأماكسا، لكن...」
ذهب ليتفقد الساعة على جوّاله، لكن إضاءة شاشة الكريستال السائل ستبرزهما في هذا الظلام، فقرر ألا يفعل. يا ليتني لو أتواصل معهم بهذا، كما فكر. كان جوّال إندكس الرخيص في فم القط، ولم يكن يعرف رقم ستيل.
عندما مد ساقيه وهو جالس، اصطدمت ساقاه بمقبض سيف الفستان الذي وضعه على الأرض. الصوت والإحساس أخرج انتباه كاميجو من الداخل إلى الخارج.
وهذا ألحَظَهُ أخيرًا كم كان تنفسه ثقيلًا.
مسح جبينه، وعادت يده مبللة بعرق أكثر من المعتاد. علّه بسبب التوتر — لكن مجرد تحريك جسده قليلًا عَرّقه كما لو ركض ماراثونًا.
أوه؟ لاحظت أورسلا، فأخرجت منديل الدانتيل من كمها. حاول كاميجو أن يتراجع عنها وهو على الأرض — فقد حس بنذير سوء من هذا الأمر.
「ل-لا. لا تقلقي، لا بأس، وانظري سيتسخ منديلك كما حدث عند موقف الحافلات ومغها؟!」
قبل أن ينهي كلامه، وجد منديلًا معطرًا بالزهور مضغوطًا على وجهه رغم اعتراضه.
「إذا لم تمسحها قد يصيبك زكام. الآن، هيّا هيّا عنك. وعلى طاري، كأنني فعلتُ شيئًا كهذا عند موقف الحافلات...؟」
「تَرى قلتُ لك نفس الشيء قبل ثماني ثوانٍ! أنتِ مثل العجوز — لا تسمعين الناس، ولحظة! هذا يؤلم، يؤلم!! أرجوكِ، لا تدسّيه في فمي، لا—غرغ؟!」
ويكاد يختنق، حاول كاميجو بشدة صد هذا الهجوم المنديل، ففشل. وما إن سَفّطت (رتبت) أورسلا منديلها تمامًا، ابتسمت ابتسامة براقة حتى كاد يرى هالة مضيئة خلفها.
「اعذرني، ألست مواطنًا في المدينة الأكاديمية؟」
سعل وتنهد. 「...مم؟ نعم أجل」
「إذن اعذر سؤالي، لكن ماذا يفعل ساكنٌ من المدينة الأكاديمية مثلك في مكان كهذا؟ لا أراها تحركات منفصلة عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، لكن إن كان ظني في محله فإنه لا توجد كنائس في المدينة الأكاديمية」 بدا صوتها متعجبًا.
وجوابه على العكس أبْدَا الأمر غير مهم. 「إيه، الأمر مختلف قليلاً في حالتي. أعرف بعض الأنجليكان المتشددين. تورطت فجأة في هذا، والآن يجعلونني أساعدهم في شيء لا أعرف ما هو」 وعلى هذا ارتعشت كتفاها. بدا تصرفها كما لو أنها سمعت شيئًا لم تستطع تجاهله. 「امم، أما كان علي؟ أنتِ من أتباع الروم، أليس كذلك؟ ألا يتفق الرومان مع الإنجليز؟」
「لا لا، ليس الأمر كذلك إطلاقًا」 تحركت حركة بطيئة، كما لو تفكر في شيء ما. 「أود أؤكد — أنت الآن أنقذتني لأن الكنيسة الإنجليزية التطهيرية هي طلبت منك التعاون، صحيح؟」
「صحيح」 أومأ كاميجو، وتوقفت أورسلا للحظة تفكر.
「أوه؟ أراك تتعرق」
「لا، حقًا، إني بخير!」
「إذن فأنت مع الأنجليكان، ولستَ مع الرومان الكاثوليك؟」
「غغ، عدنا من جديد؟! آهخ، لا، ليس بهذا التعقيد. أوه، وليكن في علمك ليس لي أي نفوذ عليهم. فأنا من مدينة الأكاديمية」
「هكذا تقول...」 لسبب ما، ابتسمت بارتياح. 「نعم، من الواضح أن شخصًا مثلك من الأفضل له ألا يكون له صلة بعالم الكنيسة」
「...لا؟ همم. إذن لا أرى جدوى من تمسكي بهذا الشيء،」 قال وهو ينظر إلى الصليب الذي أعطاه إياه ستيل عندما افترقا. لم يكن يعرف ما هي قوته، لكنه أمسك به بيده اليمنى، فربما لم يعد له تأثير.
「أوه. هل استلمته من معارفك الأنجليكان؟」
「تعرفين؟」
「قد ترى المسيحية دينًا واحدًا، لكن هناك أشكال وأنواع مختلفة من الصلبان—مثل الصليب اللاتيني والصليب السلتي والصليب المالطي وصليب القديس أندرو والصليب الصدري وصليب البابوي」
「هاه، إيه. لكن ما الفائدة من حصولي على مثله؟ سأشعر بالسوء إذا احتفظت به كوني، آاء، خارج هذا المجال. لذا أود أن أعطيه لك، إن أردتِ」
رأى أنه قالها عفويا، لكن أورسلا كادت تقفز من الأرض. 「أوه، أحقا لا بأس؟!」
「همم، طبعا. لا أعرف لماذا أعطاني ستيل هذا أصلا، لكن ربما لا يحمل معنى كبيرًا. أعني، هو يعلم أنني لا أستطيع استخدام السحر... ودائما ما يحب السخرية مني، ولربما أعطاني إياها مزحة. كذلك، لا أعتقد أن لهذا الصليب قيمة بعد الآن. لا أدري شيئًا عن السحر، لكن يدي اليمنى قد لمسته،」 قال كاميجو وهو يسلم عقد الصليب لأورسلا.
لكن لسبب ما، أمسكت يده كأنما تصافحه. ثم غطته بيدها الأخرى. 「لدي طلب واحد أطلبه منك」
「هِه، ءء... ما هو؟」 كاد صوت كاميجو المرتبك أن ينكسر من الإحساس—فإن يداها أنعم مما تخيل.
「هلّا تضع لي هذا بنفسك حول عنقي؟」
「هاه؟ طبعا، طبعا لا أمانع」
عند إجابته، أغلقت أورسلا عينيها ورفعت ذقنها لتسهل عليه وضع العقد حول عنقها. بدت وكأنها تترقب قُبلةً، فخفضَ هو الآخر نظره مرتبكًا. لكن ذلك أظهر صدرها—الكاعب فوق الكعوبة، والذي صار أبرز من رفعها ذقنها.
بغه؟! كاد ينفجر.
「؟ هل هناك ما يزعجك؟」
「ل-لا... لا شيء! حقًا، لا شيء!」
「؟」 بدا على أورسلا الحيرة، وعيناها ما زالتا مغمضتين. بتوتر، فكّ قفل العقد الرفيع. ثم وضعه حول عنق أورسلا المغطى بالقماش الأبيض. بعد ذلك أدرك أنه كان عليه أن يفعلها من خلفها. فعندما يضعها من الأمام هكذا، بدا وكأنه يحاول معانقتها. وهذا أشعره بالتوتر فورًا. لامست أصابعه قفاها. وبعد أن ارتجفت يداه عدة مرات من التوتر، تمكن أخيرًا من وصل سلسلة العقد.
بابتسامة رضا، مررت أصابعها فوق الصليب على صدرها عدة مرات. راقبها بلا مبالاة، ثم أدرك أن عينيه تجذبهما انتفاخ صدرها فأبعد نظره بسرعة. حتى مجرد إلقاء أدنى انتباه على ذلك قد يهلكه. غير قادر على تحمل الصمت، بدأ يبحث عن أي موضوع للحديث.
「بالمناسبة، تعرفين كيف تقرئين كتاب القانون، ها؟」
「قراءته—بل بالأحرى، أعرف فك تشفيره، لكن...」 في بداية كلامها بدت مسترخية، ثم توتر جسدها.
「مم، لا، ليس هذا مقصدي. لا أريدك أن تشرحي. إنما أردت أن أعرف سبب تحقيقك في ذلك الكتاب من البداية. أليس ذاك بالكتاب الخطير؟」
حدقت به أورسلا برهةً لكنها أخيرًا استرخَت. 「ليس خطأ قولُ إنني رغبت في القوة منه،」 قالت وهي تهز رأسها. 「أسمعت قبلا عن [النسخ الأصلية من الجريموار]؟ أو كيف لا يمكن تدميرها بأي طريقة؟」
「مم. نعم. سمعت ذلك من أحد. ما كان؟ الأحرف والعبارات والجمل في الجريموار هي مثل دوائر السحر أو شيء كهذا؟」
「نعم. الجريموار يشبه المخطط الهندسي. هذا يعني أن الجريموارات (الكتب السحرية) التي تشرح كيفية التحكم في البرق ستكون مزودة أيضًا بإجراءات أمان تخلق البرق. وبالنسبة للنسخ الأصلية القوية، حتى لو لم يكن لدى المرء مانا (طاقة سحرية)، فإنها تضخم الطاقات الدقيقة المتدفقة من الأرض؛ فتصبح دائرة سحرية دفاعية تعمل بشكل شبه دائم」 ثم نظرت للحظة كما لو كانت تفكر في شيء. 「مع التكنولوجيا الحالية، من المستحيل التخلص من الجريموارات التي وصلت إلى هذه الحالة. أقصى ما يمكن فعله هو ختمها حتى لا يقرأها أحد أبدًا. 「ولكن،」 ثم تابعت، 「هذا بالنسبة للتقنية الحالية. إذا كان النص الأصلي نوعًا من دائرة السحر، فإنه بإضافة أحرف وعبارات في أماكن معينة لكسر دائرة السحر، كأن تستخدم رافعة لتغيّر مسار القطار، فيمكن استخدام دائرة السحر ضد نفسها — أي إجبار النص الأصلي على تدمير نفسه」 وفي النهاية ختمت القول بتوضيحٍ وتأكيدٍ في النبرة، 「قوة الجريموار لا تجلب السعادة لأحد. الشيء الوحيد الذي تخلقه هو الصراع. لهذا السبب كنت أبحث في أسرارها — من أجل تدمير تلك الكتب」
نظر كاميجو إلى أورسلا مرة أخرى.
لقد اكتشفت طريقة لفك شيفرة كتاب القانون، ففكر أنه ربما كان في ذهنها حماسة كبيرة للحصول على قوة الكتاب—لكن العكس كان الصحيح. أرادت أن تسلب من الكتاب قواه الخطيرة—وهذا هو السبب الوحيد وراء بحثها في الجريموارات.
شعر بشيء من الارتياح، ثم—
—سمع دويًا خافتًا!
أمامه وأمام المتجر — بالقرب من المسار الدائري، فكر. لكنه قبل أن يتمكن من النهوض مسرعًا، ظهر شيء في الأفق.
وشوهش — رقص شيءٌ في سماء الليل. بدا وكأنه ظل شخص.
بل قسيسًا، ذا شعر أحمر وملابس سوداء.
「ستـ... ستيل؟!」
قبل أن يتمكن كاميجو من قول أي شيء، سقط سُتَيْل ماغنوس بسرعة نحو الأرض.
اصطدم مباشرة على ظهره، محطمًا الشجيرات المنخفضة التي كانت تخفيهم. وعلى ملابسه جروح منتشرة، ناجمة عن مادة حادة، وكان الدم يقطر من جسده.
سمع صوتًا عاليًا أمام المتجر، وقد قُذف حتى هنا—هل طار كل تلك المسافة؟!
بينما يتخيل كاميجو ما لا يُتصور، قال ستيل وهو على الأرض، 「تبًّا... كاميجو... توما؟ ماذا تفعل؟ اهرب الآن!!」
لم يكد يفكر هاه؟ حتى بدأت جدران المتجر الجانبية التي استند بظهره إليها تنتفخ للخارج كأنها كائن حي.
「؟!」 أمام كاميجو الذي لم يفهم ما يحدث، وكأن حوت قاتل يخترق سطح المحيط ويقفز، تحطمت جدران المتجر إلى ألف قطعة وقفز شخصٌ ما. ومن خلفه انهار المبنى، واختفت أعمدته الداعمة. أجزاء من المبنى بحجم ذراع إنسان تساقطت بجانبه—لكنه لم يتحرك قيد أنملة.
في الواقع، كان يبتسم.
كان الرجل نحيفًا، وفوق ذلك يرتدي قميصًا وجينزًا لا يناسبانه—كانا واسعين لدرجة أن مصارع سومو كان ليرتديهما. بدا في منتصف العشرينات. على قماش قميصه الأبيض صلبان حمراء، مُتركِّزة على ذراعه اليمنى. بدا شعره كأنه مصفف عمدًا بجلٍّ أو شيء من هذا القبيل، لكن أكثر ما لفت الانتباه كان لونه. كان أسودَ قاتمًا قُتمَ الدَمَسِ. شعره، الذي ربما كان أسودًا صُبغ بالسواد، كان له بريق غريب يشبه الخنفساء. أربطة حذائه الرياضي كانت طويلة غير طبيعية—أكثر من متر. مع أربطة بهذا الطول، لم يظن كاميجو أنك ستتعثر بها حتى لو دُست عليها عن طريق الخطأ لمدى التراخي فيها. وحول عنقه تَعَلَّق عَقدٌ يبدو كحزام جلدي، وعليه أربعة أو خمسة مراوح كهربائية صغيرة بطول عشرة سنتيمترات تقريبًا.
كان أسلوبه في اللباس غريبًا، ولم يستطع كاميجو أن يحدد ماذا يحاول أن يعبّر عنه. لكن بالطبع، أكثر شيء غير مفهوم فيه كان ما كان يحمله بيده اليمنى.
فلامبرج. [1]
هو سيفٌ فرنسي ذو مَسكتَيْن من القرن السابع عشر يزيد طوله الـ180 سنتيمترًا. كانت تموجات سطح النصل هي السمة الأساسية—صممت تلك المنحنيات لجعل الجروح أكبر. في الأصل كانت من المعدن، أو، إذا استُخدمت في الاحتفالات، من الذهب المطروق. لكن هذا النصل كان أبيضَ ناصع. بدا كنموذج بلاستيكي على وشك الاكتمال. ربما قد يكون منحوتًا من عظم ديناصور، أو ربما هو تجمع فريد من الكربون—أو حتى مادة من الفضاء.
كاميجو طالب ثانوي بسيط، ما عساه يتكهن بالنظر وحده. على الأقل، لم يبدو له معدنًا. السيف الكبير لم يكن مناسبًا للمجتمع الحديث بأي شكل، لكن هذا الرجل كان يحمله بخفة وبيدٍ واحدة.
「هِهْ هِهِ. ماذا تفعل أيا القسيس؟ هيّا — أين كبرياؤك الإنجليزي النبيل؟ أرني إياها — أرها لتاتِميا سايجي. يا عمي، بهذا لن تقدر حتى على حماية فتاةٍ واحدة」
شتم ستيل بمرارة تحت أنفاسه وأخرج بطاقات الرون.
لم يكن ينظر إلى الخطر أمامه، ذلك الرجل بالسيف.
بل كان ينظر إلى ما وراء ذلك — إلى أخت واحدة ترتدي الأبيض، واقفة جاهزة على المسار الدائري في الجانب الآخر من المتجر المدمّر. كان مصيرها أولويته القصوى.
「أكنتَ تقاتل طوال الوقت وتحميها...؟」 تمتم كاميجو عفويا.
سِحرُ ستيل كان يشبه لعبة عليك أن تُأمّن فيها نقاط السيطرة. وكان يستطيع استخدام السحر القوي فقط في الأماكن التي علّق فيها بطاقاته الرونية. فبالنسبة له، كانت هذه المعركة شيئًا يجب تجنبه. وإذا اضطر للقتال أثناء الحركة المستمرة، فلن يكون لديه وقت للعبة تأمين نقاط السيطرة. وإذا اضطر للقتال مع حماية إندكس في نفس الوقت، فلا أمامه خيار سوى استخدام أي شيء حرفيًا وحتى جسده درعًا.
「لا... تُضَيّع وقتك في التفكير في أمور لا طائل منها،」 قال ستيل بصوت كأنه يكاد يبصق دمًا. 「...حسنًا، ضَمَنّا سلامة أورسلا أكوينس. كالعادة، لا أستطيع تحديد ما إذا كانت هذه من حظوظكَ أم من نحسك... على أي حال، الآن ما علينا إلا أن نجد ثغرة فنهرب فيها. ليس علينا هزيمة ذلك الرجل — فهربنا الآن هو انتصار」
حاول ستيل أن يقف على قدمين مرتجفتين، لكنه بدا عاجزًا عن أن يبذل فيهما قوة كبيرة. شاهده تاتِميا سايجي بسرور للحظة، ثم حول نظره إلى أورسلا.
「ولماذا نتصارع في وقت كهذا أساسا؟ قد شرحتُ لكِ ملايين المرات. أورسلا أكوينس... ليس لنا أي نية لإيذائك」
كان المتحدث يتكلم بنبرة ضعيفة لا تبدو مليئة بالقوة الإقناعية. بل بدا وكأنه يلمح إلى خيبة أمله من مرؤوسيه الذين سمحوا لأورسلا بالهرب.
نظرت أورسلا إلى المتجر المدمر، وإلى ستيل الجريح، ثم إلى فلامبيرج تاتِميا، فقالت، 「أنا على يقين أن كلماتك مليئة بالأمل. ومع ذلك، لا يمكنني أن أؤمن بسلامٍ أوجده سلاح」
「يا للأسف. نعم، لن يفيدك في شيء عودتك إلى الرومان」
لوّح تاتِميا بالسيف في يمينه قليلاً، كأنما يفحص كتفيه.
「...」 تحرك كاميجو بهدوء إلى الأمام ليصد عن أورسلا.
لم يحمل سلاحًا. ولن يمكنه الفوز أمام هذا الخصم وهو يلوح بشيء لا يعرف استخدامه. ربما كان من الأفضل له أن يواجهه بلا سلاح بدل أن يحمل سيفا ثقيلا لا يتحكم فيه.
نظر تاتِميا أولًا إلى وجه كاميجو، ثم إلى سيف الفستان عند قدميه. 「لا وضعًا قتالي، ولا عنصرًا روحي، ولا رموزًا سحرية مخفية في ملابسك أيضًا. عارٍ تماما، بما تحمله الكلمة من معنى هِا؟ هِهْ، لم أكن أنوي مصارعة هاوٍ، لكن... ياه، ما كُلّ ما نَتَمنّاهُ يأتينا. قل لي، هل سرقت ذلك السيف من أُراغامي؟」
كان يصدر ضغطًا باردًا وخفي، كأنه يشوه ويعوج شكل جسده.
لم يتذكر كاميجو اسمًا كهذا لكنه ردَّ، 「إن كنت تقصد تابعتك، فهي نائمة هناك. حرصت على ألا يضرب رأسها الأرض، لذا هي على قيد الحياة」
「...ماذا، وهذا يجعل الأمر مقبولا؟ أتسخر منا؟」 تغيرت نبرة تاتِميا من خفيفة إلى جدية. وشعر كاميجو أنه لمح لمحة عن إنسانية الرجل.
لم يكن خصمه مجرد وحش — بل شخصًا يغضب على سلامة صديقته.
「إذا كنتَ لا تزال قادرًا على القتال من أجل غيرك، فهلا تضع السيف جانبًا؟ لا أريد قتال أحدٍ مثلك إذا لم يكن ضروريًا」
「أوه، طبعا، أتمنى ذلك، لكن كما ترى بيننا مشاكل. عدونا الرئيسي قد يكون الكاثوليك الرومان، لكن إن كنتم أيها الأنجليكان لكم علاقة بهذا الأمر، فلن نسمح لكم بالمرور دون حساب. ولا أن نُسَلّم أورسلا لأي كان」
لوّح تاتِميا بسيفه الطويل الذي يقارب طوله ستة أقدام في الهواء بخفة، كما لو كان عصا تشجيع، ثم أضاف، 「هذا يعني أنكَ أيضًا هدف. وطبعا إذا خضعت الآن وسلّمت نفسك، فلن ترى دماءً تهدر عبثا」 كان يبتسم، لكن صوته بدا متأسفًا. عَلّهُ توقع إجابة كاميجو قبل أن يطرح العرض.
وبلا شك كان كاميجو خائفًا. فهو يعرف كيف يكون الساحر المحترف. أسوأ من يسبب المتاعب هم أولئك الذين لا يُعوّلون اعتمادًا على السحر.
فالسحرة ذوو القوة المطلقة، مثل الخيميائي أَوْريولُس، يكتفون بورقة رابحة واحدة. أما الذين لا يثقون كثيرًا في ورقة رابحة، مثل تسوتشيميكادو موتوهارو، فيجهزون أيديهم بعدد كافٍ أو لا يحصى من الأوراق لتعويض نقصهم.
وكان سايجي بوضوح من المثال الثاني. ربما يستطيع بضربة واحدة من ذلك السيف الكبير أن يقطف رأس كاميجو، حتى من دون استخدام السحر.
فكانت قدرة ذلك الرجل على إسقاط ستيل دون أن يتلقى جرحا (وإن كان ستيل يحمي إندكس) دليلًا واضحًا على عمق قوته ومهارته.
ارتجف كاميجو — هذا ليس بشخصٍ يهزمه وجهًا لوجه. كأنك تطلب من طفل سريع الحركة أن ينافس عدّاء ألعاب القوى الأولمبي. فهل أفضل له... أن يخضع ويستسلم؟
ليس بمقدوره مضاهاة مهارة الرجل، ولا كان قد أعد أي شيء مسبقًا للتغلب عليه.
ومع ذلك...
ماذا سيحدث لستيل؟
ما يزال القس منحنياً يحدق في تاتِميا بنظرة حادة، وتنفسه متقطع.
كان لستيل أهدافه — وكان هنا لأنه آمن بأنها ستفيد إندكس. فبالنسبة له، إن الفشل أمرٌ غير وارد. لا الواقع اليائس ولا أي كلمات يمكن لكاميجو أن يقولها ستكفي لإيقاف ستيل ماغنوس.
وإن لم يستطع كاميجو منعه...
...فالأمر واضح ما ينتظره.
وماذا سيحدث لإندكس؟
حتى الآن، بدت الفتاة وكأنها مستعدة لأن تقفز بين كاميجو وتاتِميا إذا ما سنحت أدنى فرصة.
إذا تصارع ستيل وتاتِميا، وإذا تبادلا الضربات ولو مرة، فلن يكون بمقدورهما التذرع بالاستسلام بعد ذلك. وإذا وصل الأمر إلى ذاك الحد، فمن المحتمل أن تفعل الفتاة أي شيء لتسمح لكاميجو، الهاوي في السحر، بالهروب. مهما بلغت قوتهم من ضعف — ومهما كان الفرق بينهما واضحًا — مهما تمنّى كاميجو عكس ذلك.
وأخيرًا...
ماذا سيحدث لأورسلا؟
كانت الأخت الكاثوليكية الرومانية تنظر بقلق بين كاميجو وتاتِميا ذهابًا وإيابًا.
كان تاتِميا سايجي يرغب في المعرفة والتقنية والقوة التي يمتلكها كتاب القانون. وطالما أن هذا هو الحال، فلن يقتل أورسلا هنا. بل على العكس، عله سيحميها من أي رصاصة طائشة قد تصيبها.
لكن إذا أُخذت أورسلا بعيدًا من هنا، فسوف تُنقَل إلى قاعدة الأماكسا. وإذا رفضت تعليمهم كيفية فك شفرة كتاب القانون، فهو واضحٌ ما سيكون مصيرها.
لم يكن تاتِميا والأماكسا يبحثون عن أورسلا أكوينس نفسها، بل عن طريقة فك شيفرة كتاب القانون. ولم يريد أن يفكر ما سيحدث لها بعد أن يأخذوا منها المعلومات التي يريدونها.
「—قراءته، بل بالأحرى، أعرف فك تشفيره، لكن...」
—وهي أبدًا لم تُرد قوة الكتاب.
「—ليس خطأً قولُ إنني رغبت في القوة منه」
—وكانت تحاول ما في وسعها ألا تسمح بحدوث ذلك.
「—فيمكن استخدام دائرة السحر ضد نفسها، أي إجبار النص الأصلي على تدمير نفسه」
—هؤلاء الذين يبتسمون أمامه كانوا يستخفون بكل جهودها التي لا تكل، متجاهلين مشاعرها، ومحاولين استخدامها أداةً لجشعهم.
「—قوة الجريموار لا تجلب السعادة لأحد. الشيء الوحيد الذي تخلقه هو الصراع. لهذا السبب كنت أبحث في أسرارها — من أجل تدمير تلك الكتب」
دفع كاميجو سيف الفستان بقدمه وخطى إلى الأمام خطوة.
سواء رأيته مشوهًا أو مضحكًا، كان كاميجو الوحيد هنا الذي يمكنه أن يشد قبضته ويقف في وجههم.
فهل مِنْ سببٍ يفكّ منه تلك الأصابع الخمس المشدودة؟
「...أتعبث معي،」 قال كاميجو بهدوء، واضعًا قوة أكبر في قبضته اليمنى المشدودة.
وتنهد تاتِميا سايجي الذي كان يراقبه تنهدًا بدا بصدقٍ مليئًا بالندم. 「لِعَينَيكَ وَقعٌ. شزرك بي يُشفقني على حالِكَ لا أكثر. لا، لا، أنا حقًا آسف على هذا. أعرف ما علي، لكن نظرتك الصريحة هذه تجعلني حقًا وصدقًا وأسفًا لا أرغب في قتلك」
هز تاتِميا سيفه الفلامبيرج المتموج بخفة.
「ولكن أنت قلت، فمن أنا لأرفض؟ هذه جنازتك」
إذْ كانت الكلمات تخرج من فمه...
دو!! سمع كاميجو دوي انفجارٍ عالٍ. وقعُ أقدام تاتِميا على الأرض وحدها كانت تحمل طاقةً انفجارية. قبل أن يتجمد جسم كاميجو من التوتر، خطا خصمه خطوته الأولى. خطوة أخرى وسيلمس السيف الجسد.
عندما رأى الضوء يلمع على النصل، حاملةً بأسَ الرجل، صُدم عقل كاميجو كضفدع في قبضة ثعبان.
فكّر تفاعليا في تغطية وجهه بيديه، لكن ذلك لم يكفيه حماية.
「غح، غاه...! لا تخف... تحرّك!!」 أمر كاميجو جسده المرتجف بيأس وأخيرًا خطا خطوته الأولى في الركض. ليس هاربًا، بل متقدم. رأى تاتِميا كاميجو يندفع نحوه قليلاً من اليمين، وبدت على وجهه تعبير شكّ. ربما لم يفهم لماذا يقفز هاوٍ إلى منطقة هجومه مباشرة.
「هاه!!」
زفر تاتِميا، وأسقط سيفه مباشرةً فوقه كالصاعقة.
وصدت فرقعةٌ مدوية الأرجاء عندما شق الهواء الليلي الهادئ.
ضربة واحدة حاسمة قُصِدت لشق كاميجو، الذي يندفع نحوه كالرمية.
「...!」
هذه المرة، لم تكن مجرد حركة بسيطة — بل كرس جسده كله وقفز بزاوية تسعين درجة إلى اليمين. قطع السيف العملاق قطرات العرق التي ترقص في الهواء. وقفزه قفزة تتجاهل زخم جسده بالكامل وضع حملًا هائلًا على كاحليه. فشل كاميجو في الهبوط، فقد توازنه، واصطدم بالجدار الخلفي لمتجر كان بجانبهما.
「شش!!」
ثم، وبعد أن دار بجسده كله، لوّح تاتِميا بسيفه جانبًا في ضربة أفقية مستقيمة. لكن بدا وكأنه لاحظ بعد أن بدأ الضربة... أن كاميجو وظهره ملتصق بالجدار يبتسم بلا خوف.
أستطيع...!!
انحنى كاميجو لأدنى حد ممكن.
كان يعلم أنه إذا هرب جانبًا بينما يسقط خصمه سيفه، فغالبًا ما سوف يتبعها بضربةٍ أفقية. وإن رفع السيف مرة أخرى بالضرورة سيخلق حركةً إضافية.
بجسده منخفضًا حتى كاد يلعق الأرض، اندفع نحو تاتِميا. ما احتاج أن يفكر إلا في الضربة الأفقية. حتى لو حاول تاتِميا تنفيذ ضربة من الأعلى للأسفل، سيكون متأخرًا قليلاً. وإذا فعل، فإن قبضة كاميجو ستصله قبل أن يتمكن من إكمال ضربة السيف.
لذا فإن تاتِميا سايجي اختار الضربة الأفقية مباشرة، كما توقع كاميجو.
سمح للسيف أن يمر من فوق رأسه، ومع أن قلبه تملكته قبضة رعبٍ حديدية...
「ووه... أووووووووووووه!!」 صاح، وشد قبضته، واندفع مباشرة نحو تاتِميا.
حتى حليفته أورسلا ابتلعت ريقها على اندفاعه.
بعد أن أتم تاتِميا ضربة قوية بيديه الاثنتين، لن يستطع شيئًا حيال قبضة كاميجو...
ثم... اختفى تاتِميا سايجي.
كان تاتِميا أمامه مباشرة، لكنه الآن على بعد متر تقريبًا خلفه. وسيفه، الذي أنهى ضربة أفقية، صار الآن مستعدًا فوق رأسه.
كأنه أعاد الزمن وأعاد الضربة.
لا — بل كأنه استخدم خدعة أو شيئًا ما لاستدراج كاميجو توما.
「آه...؟—؟!」 انتابته قشعريرة فتدحرج بجسده إلى الجانب، حين...
زئير!! شق الهجوم الرأسي الأرض إلى نصفين كأنها قطعة ورق مُزِّقَت. وبسبب كل الاحتكاك، توهجت الأرض المجوفة ببرتقاليٍّ مُحمرٍّ كالحمم. لم يستطع أحد النظر إلى هذا ويقول أنها تخضع لأي قوانين فيزيائية.
سحر؟—إذن سأ...
ركز طاقته في يده اليمنى. إذا كان ذلك السيف قطعة سحرية، فقد يدمرها بلمسها بيده اليمنى. فاندفع ليطعن بقبضته نحو النصل القادم نحوه.
「لا...! لا تفعل! توما!!」
توقفت قبضته بالكاد عند صراخ إندكس. مكشوفًا، شاهد الفتاة الشابة تركض نحوه بلا تفكير من زاوية عينه.
محال... أيعني أن هذا ليس سحرًا؟!
تصرفات تاتِميا.
تلك الضربة الساقطة، السريعة جدًا لدرجة لم يرها، وتلك الضربة القوية التي شقت الأرض.
أكلها مجرد مهارات قوة جسدية؟ ارتجف من الفكرة.
「لا، لا يا إندكس! لا تقربي!!」 صاح، لكنها لم تتراجع. قطع سيف تاتِميا حتى الصوت وهو يُسقِطُه. ظنّ كاميجو أن صَدَّه بيده اليمنى سيعالج الأمر ولم يفكر في بدائل. ولا وقت الآن للتفكير. اتسعت عيناه وهو يشاهد النصل يقترب.
「AOF, TMIL—ASTPGW, ATDSJ, TM! (لهيبٌ أصليٌ، مَعناهُ نور — سيفٌ يحمي الدفء الغَضَّ، ويهديني العدالة الحازمة!)」
وكما صرخ ستيل، حدث انفجار طااخ!! إذْ ابتلعَ اللهبُ الأكسجينَ وانفجرَ. شقَّ سيفُ النار في رحم ظلام الليل، فأُجبر تاتِميا على تحويل انتباهه إليه لحظةً.
「تبا!」
وفي الأثناء، بينما يتجه تاتِميا نحو اليمين، قفز كاميجو في الاتجاه الآخر. بالكاد تمكن من الخروج من مدى الهجوم.
أو على الأقل حاول.
لكن تاتِميا وهو ينظر في الاتجاه الخطأ انزلق في نفس الاتجاه الذي كان يركض فيه كاميجو. لم تتحرك ساقاه. كان تحركًا غير طبيعي، كما لو أنه ينزلق على الجليد.
هذا..سحر...؟!
تجمد عمود فقر كاميجو، وفي لحظتها...
سهووش!! دار السيف كالإعصار، موجهًا ضربة أفقية مباشرة. انحنى كاميجو فورًا محاولًا تجنبها...
...لكن بـ طَغْ! جاءت ضربة ثقيلة تصدم جانب كاميجو المُتهرب.
نظر بحذر ورأى شيئًا يشبه كرة قدم مصنوعة من الجليد الشفاف مغروسة في جسده. وفي اللحظة التي أدرك فيها ذلك، اختفت كرة الجليد بشكل غريب، كأنها مُحيت بالطلاء. طُيِّر كاميجو إلى الأرض بقوة هجوم الجليد وبدأ يتدحرج.
—ولنعُد إلى لحظة اشتباك كاميجو مع تاتِميا.
في اللحظة التي بدا فيها الشاب وكأنه على وشك الموت، لم تستطع إندكس إلا أن تبدأ بالركض.
إذن هذا... هو الأماكسا... ارتجفت إندكس وهي تركض.
ومع ارتجافها، وجدت نفسها منبهرة.
تقنيات الأماكسا كانت، بحد ذاتها، تقنيات مألوفة جدًا. على الأقل لم تكن لامعة أو فريدة ولا تملك قوة هجوم هائلة — مثل إنوكنتوس ستيل أو أرس ماغنا أوريولُس.
ولكنهم استخدموا تلك الحقيقة ضد ذاتها.
تقنية الأسلاك الخاصة بكانزاكي كاوري، ناناسِن (اللمحات السبع)، كانت الأبرز هنا. ويمكننا تلخيص استراتيجية الأماكسا الأساسية بكلمة واحدة: خدع. إذا حسبتها هجوما سحريا، فهي مجرد خدعة بسيطة — وإذا حسبتها خدعة، فالسحر الحقيقي القاتل سيهاجمك.
ركضت إندِكس.
وشعرت بكاميجو وتاتِميا بعيدان بشكل غريب.
بديهي أنك ستتخذ تدابير دفاعية مختلفة تمامًا بناءً على ما إذا كان الشيء سحرًا أم لا. فإذا أخطأت في قراءته، ستلقى ضررًا كبيرًا.
كان لإندكس طريقة لتحييد السحر [بتلاوتها الاعتراضية]. إن السحر يبدأ من أفكار المرء — لذا بأن تتصرف وتتكلم بطريقة تُشتت ذهن مُلقي التعويذة، يمكن أن تجعل السحر يخرج عن السيطرة. فمثلا أن تهمس بكلماتٍ لا منطقية في أذن مَنْ يحاول ترديد تعبيرات معقدة بغرض إخطاءه.
لكن [التلاوة الاعتراضية] لن تجدي نفعًا مع التقنيات الأماكسية.
فإن تعاويذهم عمومًا ورموزهم السحرية ودوائرهم السحرية كانت فريدة — بأنها مخفية في أفعال وكلمات يومية عادية. ولقد استخرجوا طقوسًا دينية دقيقة وبنوا تقنيات منها. وكان تاتِميا يؤدي حركات ذات معنى سحري في جزءٍ من الثانية، مفعّلًا عشرات التقنيات السحرية في آن واحد أثناء القتال.
بصوتها ومهارتها، لن تستطيع إندكس التسلل بـ [تلاوتها الاعتراضية] التعويذات في حركة واحدة تستغرق جزءًا من الثانية فقط. فبحلول الوقت الذي تفكر فيه في فعل شيء، تكون حركة (تعويذة) تاتِميا قد انتهت. وإذا أرادت إعاقة سحره، سيتوجب عليها مواكبة حركات المبارزة التي دمجها في شروط تفعيل تقنياته. لكن إندكس بالطبع لا تملك مثل هذه المهارات القتالية والسرعة المتقنة.
ونتيجة لذلك، لن تستطيع قفزة إندكس إجبار تاتِميا سايجي على التراجع. كونه كذلك محترفٌ في السحر، أدركت الفرق في قوتهما — ليس فقط من حيث الكم بل لأن قوته كانت متفوقة عليها تفوقًا ساحقًا.
تلقى كاميجو توما هجوم رصاصة الجليد السحرية وسقط على الأرض.
رفع تاتِميا سايجي سيفه الفلامبيرج في الهواء كأنه على وشك ضرب مسمار بمطرقة.
ما كان لإندكس يدٌ لتوقف ذلك الهجوم. ولا لـ [تلاوتها الاعتراضية] أن تنفعها ضد التقنيات الأماكسية.
「توما!!」
لكن إندكس لم تقف.
لم تفكر أكثر في عاقبة فعلها.
ظنّ ستَيل ماغنوس أن قلبه توقف لمّا رأى العاجزة إندكس تقفز بينهما. لم تكن تملك قوة قتالية. فإذا وقفت في وجه تاتِميا، سَتُقَطَّع قِطعَتَيْنِ في ثوانٍ.
「غه...!!」
كان يحمل سيفَي لهب في كل يد. لم يحمل وقتا كافيا لوضع جميع بطاقات الرون لتفعيل إنوكينتوس مرة أخرى.
لو قفز الآن، لَوَصَل ستَيل إلى تاتِميا قبل إندكس. ولعله صرف انتباهه بهجوم سيفي اللهب فيُفجّرهما في اللحظة التي يصطدمان فيها بسيف الخصم.
لكن كاميجو وقف بين ستَيل وتاتِميا.
لو وَجّه ستَيل سيفه نحو تاتِميا، فكذلك سوف يمر عبر جسد كاميجو.
للحظة قصيرة، انحرفت ملامح وجه الكاهن الناري إلى تعبيرٍ مرير.
لبضع لحظات، كان في صراع داخلي. وعندما انتهى ذلك، كان نور العزيمة قد لمع في عينيه.
"قد نذرت نفسي منذ زمن..."
عمل ستَيل ماغنوس بجهد يهدئ نزيف فمه وأنفاسه.
".....نامي واستريحي. فحتى لو نسيتِ كل شيء، أنا لن أنسى. أعيش وأموت لأجلك"
لكي يحمي ما هو أعز عليه، ركز على ظهر الشاب وأعدّ سيفَي اللهب.
أخرج كل الهواء من جسده، واهتز وعيه. نظر إلى تاتِميا الذي رفع سيفه أمام كاميجو. حاول جاهداً كبح نفسه من الإغماء وحاول السيطرة على الوضع بأي طريقة ممكنة.
ارتجفت قدماه. كان من المستحيل عليه تفادي هجوم تاتِميا القادم.
وإنّ إندكس قد بدأت ركضها، وبعد ثوانٍ قليلة، حين تصطدم بتاتِميا، ستُقتل على الفور.
نظر خلفه — كان ستَيل ماغنوس رافعًا سيفَي اللهب، لكن كاميجو كان كجدار يَصُدّه.
شَغّل كاميجو توما محركه الذهني إلى أقصى طاقته قبل أن تَمُرّ ثانية واحدة.
حتى لا يختفي أحد. حتى لا يُفقد شيء.
لكي يعود الجميع إلى منازلهم مبتسمين.
「...افعلها」
شَدَّ قبضته.
「هاجمنا كِلانا، ستَيل!!」
جمع كل ما تبقى من قوته في جسده واندفع بلا تردد نحو تاتِميا سايجي.
وإنّ تلك الكلمات القليلة أربكت تاتِميا سايجي.
كانت الأخت الأنجليكانية تقترب منه من الخلف، وقد كان يستطيع بسهولة تقطيعها إلى نصفين. قفز الشاب باتجاهه شادّاً قبضته ليوقف ذلك، لكنه لا يزال يملك متسعا من الوقت ليقطع الشاب ثم يتعامل مع الأخت المقتربة.
لكن ما كان خلف الشاب...
اندفع الكاهن الإنجليزي مسرعًا، وسيفا اللهب على جنبيهِ.
「؟!」
مهما نظرت إليه، إذا استمر الكاهن في التقدم، فسيتوجب على سيفيه المرور عبر الشاب. لكن لم يكن هناك ترددٌ في عيني الكاهن. كانتا حادتين كشفرة سكين، وارتسمت على شفتيه ابتسامة وحش، كأن حساب كيفية هزيمة عدوه هو كل ما يشغله.
حاول تاتِميا تجهيز سيفه الفلامبرج للدفاع ضد سيفي اللهب. لكنه عندما فعل، رفع الشاب ذراعه اليمنى خلفه يُعِدُّ له لكمة صخرية.
「وي...؟!」
لا وقت كافٍ ليتعامل مع لكمته ثم يدافع ضد هجوم سيفَي اللهب بعد ذلك. بالإضافة إلى أن سيفي اللهب لم يكونا للقطع—بل للتفجير. إذا أخطأ في كيف يرد عليهما، فهو في خطرٍ مميت. وإذا لم يضعهما أولويةً وأحقن سيف الفلامبرج بتقنية مقاومة للنار، فقد يبتلعه الانفجار ومعه الشاب الأضحية.
ما هي إلا لكمة مبتدئ—لا مشكلة؛ قد وضعتُ على تقنية امتصاص صدمات أساسية منذ بداية المعركة. كل ما عليّ القلق بشأنه هو هذان السيفان الناريان، لذا سأضع تقنية لهما الآن!
خفض تاتِميا سيفه إلى وضع أفقي. كان الفلامبرج ذا طابع ناري، نسبةً إلى أصل اسمه —السيف الشبيه باللهب— وجعل هيئته المُستوىٍ رمزًا للقمعِ والخمدِ، مما أعطاه تقنية مرتجلة لقمع النيران.
ليكن، انتهى أمرك! بوصول نيرانك الطائشة لضربي، سأرد عليها بكل ما أملك...!!
خرج لسان تاتِميا سايجي من فمه. حركه ولعق شفتيه بجشع يترقب.
اندفع الكاهن نحو ظهر الشاب، كأنما يهاجمه. كان سيفا اللهب في يديه متوجهان مباشرة عبر جسد الشاب وإلى مركز تاتِميا.
انتصرت!!
—أو هكذا ظن.
حاول تاتِميا استخدام تقنية مقاومة للنار ليصدّ الحرارة والنيران التي كان من المفترض أن تصيبه عندما تنفجر سيوف اللهب..... لكن على عكس توقعاته، لم يحدث شيء.
فإنّ قبضة الشاب اليمنى كانت ممدودة خلف جسده كحَربةٍ توشك أن ترمى. وسيوف اللهب في يدي الكاهن قد اخترقت حتى وصلت إلى تلك القبضة وهناك كمنت.
طررخخ!
بصوت كفرقعة بالون، تفتّتت سيوف اللهب في يد الكاهن إلى جمرات صغيرة ثم اختفت.
「مَه...؟ ننه، كيـ...؟!」
لم يفهم تاتِميا سايجي ما حدث تواً، والذي كان يفكر فقط في توقيت هجومه المضاد بعد استخدامه لتقنية مقاومة النار للدفاع.
بووه!! جاء هديرٌ مفجع للآذان بينما انغمست قبضة الشاب مباشرة في وجه تاتِميا سايجي ثم بصوتٍ كأنه صوت تكسر الزجاج.
غا، باه...!! وا، آه، اختُرِقَتْ... تعويذة امتصاص الصدمات...؟!
ترنح جسد تاتِميا إلى الخلف تمامًا. وقبل أن يتمكن من استعادة توازنه المفقود، اندفع الشاب والكاهن معًا بسرعة كاملة نحو جسده. أشعَرَ ضغطهما ووزنهما تاتِميا سايجي وكأنه قد صُدم مدفع — طار أفقيًا في الهواء واصطدم بالأرض بقوة.
وهنا بدا أن تاتِميا قد فقد وعيه.
وطار سيفه الفلامبرج من يديه وسقط على الأرض بقعقعة.
أين الفصل الاول ولماذا لا يظهر المجلد السابع عند مجلدات العهد القديم أستاذ حسن؟