الفصل الثاني: عَذَارَى فيْ مَيْدَانِ الْمُوَاجَهَة. — فضاء_وإحداثية.
(إعدادات القراءة)
انتقال بين الأجزاء
- الجزء 1
ركبت شيراي كُروكو حافلة المدرسة التي تتشارك فيها جميع المدارس الخمس في منطقة [الحديقة المدرسية].
ومع أن مدارس الفتيات كنّ يمتلكن من الموارد المالية ما يكفي لامتلاك حافلات منفصلة، إلا أنهن اخترن الدمج بينها على أي حال. ووفقًا لهن، كان ذلك لتمكين الطالبات من خوض تجربة مجتمع يوفر أعلى درجات الأمان الممكنة.
لحجمها الفسيح وتصميمها الفاخر حازت الحافلة على لقب حافلة النعيم أم طابقين. في الواقع كانت جميع مقاعد الطالبات في الطابق السفلي، أما العلوي فكان عبارة عن مقهى واسع – وهذا يعكس مدى الترف فيها. وبسبب حجمها، كانت تسلك الطرق الواسعة وتتبع مسارًا يمر بجميع مهاجع الطالبات الخمسة.
لكن شيراي كُروكو لم تترجل عند المحطة المقابلة لمهجع إعدادية توكِـوَداي.
بل نزلت أمام مهجع مختلف تمامًا تحيط بها فتيات من مدرسة أخرى. مدت ذراعيها وتنهّدت. حقًا، ما وجه الشبه بين هذه الحافلة و"عامة المجتمع" الذي يُفترض به أن يمنع تكوين فتيات معزولات؟ كانت هناك أنواع أخرى من الحافلات – ومنها العادية – تقف أمام مهجع توكِـوَداي أيضًا، والفرق بينها وبين هذه كالفرق بين الليل والنهار.
الساعة السابعة والنصف مساءً.
وفي صيف اليابان، كانت الشمس لا تزال في طور الغروب في مثل هذا الوقت، لكن بما أننا في منتصف سبتمبر، فقد خيّم الظلام وهجع.
أخرجت شيراي شارة الجدجمنت من حقيبتها وعلّقتها على كتفها، ثم سارت في الاتجاه المعاكس لسائر الفتيات من حولها. وإنّ الحقيبة الخفيفة التي تحملها قد بدأت تشعرها بالعبء، إذ إنها انتقلت من طور "ما بعد المدرسة" إلى طور "العمل الميداني". ومع مرور الوقت، بدأت المواد المتعلقة بالمهام القتالية تزداد حتى كادت تفوق مستلزماتها الدراسية.
وجوار المهجع مبنىً تابع لمدرسة أخرى.
جدرانه الخرسانية العادية ومظهره المربع أبدته مختلفًا تمامًا عن مباني [الحديقة المدرسية] الأخرى. دخلت شيراي، واستعارت نِعلاً مهجورة من المدخل المخصص للموظفين، ثم سارت عبر ممرات أضاءتها مصابيح متناثرة هنا وهناك. ولبرهة، مشت فوق الأرضية المشمّعة الصلبة البارد حتى وصلت إلى باب يحمل اسمًا طويلًا: فـــرع ضـــبـــاط الجـــدجـــمـــنـــت – الفـــرع 177.
بجوار الباب لوحٌ زجاجي. وبعد أن مسح بصمة أصبعها وأوردة يدها وأطراف أصابعها، فُتح القفل الصارم فدفعت الباب بعنف دون أن تطرق وضرب الباب الجدار خلفه عاليا.
انتفضت الفتاة في الداخل. واسمها ويهارو كزاري. وهي في نفس عمر شيراي، لكن قصر قامتها وانحناءة كتفيها أبدياها أصغر سنًا. ونادرًا ما كنت لتجد طالبة إعدادية يفيض عليها الزي البحري الصيفي، لكن شيراي اعتادت منظر صديقتها. كان شعرها أسود قصير، وعليه وضعت زينةً مزخرفة بالزهور والكركديه. ومن بعيد، ترى على رأسها كأنه مزهرية ملوّنة.
نظرت شيراي إلى ارتعاب تلك الصغيرة، ثم دخلت الفرع 177 بوقاحة. 「ما أمرك؟ الجدجمنت منظمة كبيرة كما تعلمين. فلماذا استدعيتني أنا بالذات لهذا؟」
「آاااه، بصراحة بعد أن فكرت، ربما لم يكن ضروريًا أن تكوني أنتِ بالذات، شيراي-سان...」
「...كنتِ تعلمين خير علم أنني كنت في السوق مع أونيه-ساما. لا يهمني ما يكون شعورك، ولكن ألا تعدّلين أسلوبك قليلًا، هممم؟」
「يِاااااااي!」
「ليس هكذا! لماذا تلوّحين يديكِ بحماسةٍ وكأن الوحي نزل عليك فجأة؟!」
في لحظة، انتقلت شيراي تنقلا آنيا لتظهر بجوار ويهارو، ثم أمسكت صدغي الفتاة الصغيرة بين قبضتيها وبدأت تفركهما بعنف. وحقيبتها لا تزال معلقة على ذراعها، فانطلقت مشابكها المعدنية تصطدم بأذن ويهارو.
كلتاهما في السنة الأولى من الإعدادية، لكن تصرفاتهما توحي وكأن إحداهما زميلة الأخرى الكبرى (سينباي)، ولربما كان بسبب السمعة الفريدة التي تتمتع بها توكِـوَداي وأن شيراي إسبرة من المستوى الرابع. صحيح أن شيراي أنقذت ويهارو ذات مرة في أول مهمة لها في الجدجمنت، حين لم تكن ويهارو منهم بعد، لكن الأخيرة وحدها كانت تولي ذلك الحدث فوق ما يستحق.
كان فرع 177 عبارة عن غرفة واحدة، تقع في مبنى أقرب إلى أن يكون مكتبًا منه إلى مدرسة. وُضعت فيه مكاتب حديدية على صف واحد، كما في البلديات، ومعها عدة حواسيب.
جلست ويهارو أمام أحد تلك الحواسيب، على كرسي مريح مصمم علميًا ليُقلّل من الإجهاد، وكأنه مستوحًى من إحدى ساعات دالي الذائبة ذات ملامح مستديرة وأجزاء مترهلة.
شيراي، التي كانت تعذّب ويهارو بفرك الرأس، نظرت عفويا إلى شاشة الحاسوب.
عُرض ما بدا وكأنه خريطة بنظام تحديد المواقع GPS، وعليها علامة X حمراء — وعادة ما تدل تلك العلامة على وجود حدث طارئ. ظهرت كذلك عدة نقاط أخرى مع عناوين، وفي نافذة أخرى ظهرت صور وبيانات إضافية.
كانت بحاجة إلى شرح ويهارو لتفهم ما كانت عليه—لكنها من نظرة أخذت انطباعا أولي، 「ياه، لا تبدو لي هذه مشاجرة مدرسية؟」
فلو كان الأمر متعلقًا بمشكلة داخل مدرسة، لما استخدمت نظام GPS، بل كانت لتكتفي برسم تخطيطي تقريبي لخريطة المدرسة.
الجدجمنت كانت المنظمة التأديبية الموحدة للمدارس، وهدفها الأساسي الحفاظ على السلم والأمن داخل المدارس. وكان لكل مدرسة في المدينة فرع تابع لها. وعلى عكس مراكز الشرطة، لم تكن تعمل على مدار الساعة، بل كانت تُغلق مع آخر الحافلات وتُفرغ من أعضائها—مع استثناء واضح لهذا اليوم.
وبما أن المدينة ليست في حالة طوارئ، فإن مسؤولية حفظ الأمن في الخارج تقع على عاتق الأنتي-سْكِل؛ فلا يمكن ترك الشوارع الخطرة أو الدوريات الليلية في يدِ طُلّاب – أو على الأقل هذا ما يراه الكبار.
توقفت شيراي عن تعذيب صدغي ويهارو، وبدأت ملامح الأخيرة تسترخي وتقول. 「تواصلتُ مع الأنتي-سكِل كما تعلّمنا، لكن الوضع بدا غريبًا بعض الشيء. فقد كانوا متلهفين بشدة أن نشاركهم المعلومات على الفور، وقلتُ في نفسي أنكِ ستعطينهم أجوبة أفضل مما سأعطيه أنا، لذا... أه، هل أُحضّر لك شايًا أو مشروب؟」
「تسلمين، لا داع. لا أحب شرب الشاي على بطن خاوية」 شيراي ترى الشاي مشروبًا مكمّلًا للأطباق والحلويات، لا مشروبا يُحتفى به في ذاته، لذلك لم تكن تميل إلى حفلات الشاي الظُهرية حيث يكون التركيز حول الشاي نفسه.
تحولت ملامح ويهارو إلى الزُرقة من الذهول، وتمتمت بتنهدٍ حزين، 「لكني أمضيت النهار أقرأ كتبا عن الشاي الأسود لأبدو كالآنسات المهذبات! حتى إنني اشتريت بهارات نادرة كزيت وردة اليابان! فها أنتِ تتملصين من كل ذلك بجوٍ من الهدوء وكأنكِ آنسةٌ مخملية راقية! لكن ألسنا جميعًا في المدرسة نحلم بالشاي الأسود لأنه رمز من رموز الطبقة الراقية؟!」
كانت إعدادية توكِـوَداي بطالباتها محطّ إعجاب كل فتاة في المدينة الأكاديمية. ولكن قليلٌ منهن فقط عرفت شيئًا أو اثنين عن حياة الطالبات هناك. ترى أحيانًا بعض الفتيات ينجذبن إلى فكرة [مدرسة البنات الراقية] ثم يؤول بهن الأمر باهتمامات غريبة فعلًا — كهذه البنت ويهارو.
「صحيح، لا ينجذب لهذه الأشياء إلا من نُعِمَ فجأة بمالٍ ورزقٍ كثير. وعلى أية حال، ما قضيتنا اليوم؟」
「حسنًا، ما زلتُ أنا من العامة ف...بالنسبة لي، لا يهمني إن كانوا أغنياء أم لا. أحم المهم، بخصوص القضية الحالية، فهي ليست بالأمر الخطير. بل أشبه بعملية سرقة، أو لنقل كمثل نشل حقيبة يد. لكن المزعج أن عدد المهاجمين يقارب العشرة! وهذا لا يُعدّ فعالًا بأي مقياس」
جلست شيراي على كرسي قريب ووضعت حقيبتها الخفيفة عليه، ثم حدّقت في شاشة الحاسوب باهتمام. الخريطة تعرض المنطقة 7، وعلامة X حمراء وضعت عند زاوية طريق رئيسي أمام إحدى المحطات. وفيها أسهمٌ ملوّنة تمتد من ذلك الموقع إلى شوارع مجاورة، تشير إلى المسارات المحتملة للهروب.
نظرت إليها بتشكك، 「لا أراها مشكلةً تعنينا في التدخل」
「هذا الظاهر، ولكن تعالي دقّقي هنا. فبحسب الشهود، قد سرقوا شنطة سفر صغيرة」
「شنطة؟؟؟」
「أوه، ألا تعرفين، شيراي-سان؟ كأنها حقيبة سَفَرٍ متدحرجة، بحجم حقيبة اليد تقريبًا، وفي أسفلها عجلات」 ثم أسرعت الشرح ويهارو، 「أشعر أنها تشبه تلك التي يأخذها مضيفو الطيران أكثر من كونها حقيبة سفر شخص واحد. على كل، الشهود قالوا إن الحقيبة كان عليها بطاقة تعريف」
「إذن، على حقيبة السفر بطاقة تعريف...وما المشكلة في ذلك؟」
「امم، انظري إلى هذا. الروبوتات الشرطية الاسطوانية التقطت صورة لها أيضًا، فإذا كَبَّرناها وفحصنا...」 قالت ويهارو وهي تنقر على الكيبورد فانفتحت نافذة جديدة يظهر فيها رقم البطاقة واسم المُرسِل وعنوان التسليم.
قرأت شيراي العنوان وعبست قليل، 「"مركز دعم الحسابات—مدرسة توكِـوَداي الإعدادية"...ها؟ لم أسمع باسم كهذا من قبل」
「آه، لم تسمعي به؟ التواصل مع [الحديقة المدرسية] صعبٌ أصلًا، فما استطعتُ تأكيدَ أي شيء يتعلق بها. يعني، حتى مع اقتراب مهرجان الدَيْهَسيه، لم يفتحوا هذه المنطقة للعامة ضمن المسابقات」 بدت نبرتها محبطة عند قولها. 「تحقّقتُ من الرقم على البطاقة أيضًا، لكن الأمر غريب. الرقم مُسجّل، نعم، لكن بياناته تقول إن المحتوى عبارة عن "وحدة تبريد ضخمة مخصصة لمنع ارتفاع حرارة حاسوب رئيسي يُدير شبكة من وحدات المعالجة الحسابية." شيء كهذا لا يمكن أن يوضع في حقيبة سفر صغيرة، ولا؟」
「ماذا…؟ قد يكون تهريب بعض القطع المعدنية أمرًا ممكنًا، لكنني لم أسمع من قبل عن أحدٍ يُدخل معدات فعلية إلى [الحديقة المدرسية]」
「إني الآن أُجري تحليلًا لصورة البطاقة نفسها؛ لا أملك دليلًا قاطعًا على أنها أصلية. على الأرجح أنها بطاقة مقلّدة طُبعت لأسباب مجهولة」
「...مهلًا. كل هذا الحديث عن صور الكاميرة والشهود...لماذا لا تسألين التي سُرِقت منه الحقيبة؟ ألن يكون ذلك أسرع؟」
「الشخص المعني غير موجود حاليًا」 أجابت ويهارو بسرعة أدهشت شيراي، ثم أضافت وهي تلوّح بيدها نحو الشاشة، 「يبدو أن الضحية يتولى المطاردة بنفسه، بعيدًا عنّا. انظرني إلى هذه الصورة المجاورة. كان هناك أكثر من عشرة لصوص، ومع ذلك ها هو يتواصل مع طرفٍ آخر ثم ذهب يلاحقهم بمفرده」
نقرت ويهارو على لوحة المفاتيح، فظهرت نافذة جديدة وسط فوضى النوافذ المتراكبة على الشاشة. كانت تحتوي على تسجيل فيديو واضح. بدا في المقطع رجلٌ أنيق المظهر ذو بدلةٍ واقفًا في شارع أمام محطة ما. التفت حوله ثم استخدم جهاز راديو لاسلكي بدل الجَوّال المحمول ليتواصل.
「هنا بالضبط」 قالت ويهارو عندما أوقفت الفيديو فجأة، 「ألاحظتِ غرابة؟」
حدقت شيراي في الصورة الثابتة، لكن لم يلفت نظرها شيء مميز. كانت ملامح وجه الرجل مشوشة قليلًا لأنها أوقفت الصورة في لحظةٍ كان فيها يهزّ رأسه فجأة، فلم تُمَيّزه جيدًا.
「شيراي-سان، أترين كيف أن أزرار بدلة الضحية مفكوكة وياقتهُ مرفوعة قليلًا؟」
「همم...الآن وقد ذكرتِ」 كانت ياقة سترته مرفوعة قليلًا من حركته. وبداخلها لاحظت شيئًا أسود يشبه الحزام أو الحَمّالة.
「سَنُمَيّز الرقم التسلسلي إذا كبرنا الشاشة: L\_Y010021. هذا حزام كتفٍ رسمي من صناعة شركة أسلحة نارية معروفة. إنه من النوع المخصص لإخفاء المسدسات تحت الملابس. تعرفين تلك المشاهد في مسلسلات التحريّات حيث يسحب المحقق مسدسًا من تحت سترته؟ بالضبط هذا هو」 ثم كبّرت صورة الحزام وأظهرت تفاصيله.
تبسم شيراي قليلًا، 「عَلّها مجرد زينة؟」
「ممكن. قد تكون مجرد زينة—وكذلك هذا」 فعلت شيئًا على الحاسوب، فتكبّرت منطقة الصدر في بدلة الرجل، وظهرت مئات الأسهم الرفيعة على الشاشة. كانت الأسهم تشير إلى اختلافات طفيفة في ملمس القماش، لتبدو كأنها برادة حديد تتجمع حول مغناطيس. وقد شكّلت تلك الأسهم محيطًا غامضًا يشبه شكل مسدس. 「هذا كل ما توفّره هذه الصورة... كان من الأفضل لو حصلنا على صور أكثر وضوحًا. فما رأيك، شيراي-سان؟」
فكرت شيراي للحظة. هل كان الرجل يتجنّب الكاميرات عمدًا؟ أم أنه خرج من مجال الكاميرات فقط لأنه كان يطارد اللصوص الهاربين؟
「هف، أشعر أن هذه القضية ستكون صداعًا مزمنًا، كالعادة」
「هاه؟ شيراي-سان، تطورت فيك قدرة تنؤية فجأة الآن؟」
「صمتا. لا أجزم بشأن المسدس بهذه البيانات وحدها، لكن الراديو اللاسلكي...يبدو من النوع الاحترافي الذي رأيناه خلال تدريبات الجدجمنت. مما يعني...فهمت. أرى أن هناك ظروفًا مقلقة. وكوننا لم نتلقَّ بلاغًا رسميًا؛ هذا بحد ذاته أمرٌ غريب」
كان الضحية وحده يُطارِد.
وشنطة السفر الصغيرة تلك كانت لها علاقة ما بمدرسة توكِـوَداي الإعدادية.
والأشياء التي كانت بحوزة ذلك الرجل بدت غير طبيعية.
كانت هذه الحادثة بالتأكيد مختلفة عن الحوادث العادية المعتادة. وإن كان بها مسدسٌ متورط، فذلك سيغيّر مسار القضية بالكامل، وسيجعل الأنتي-سكل تتعامل معها بشكل مختلف تمامًا. عند تلك النقطة، لن يكون للجدجمنت مكانٌ فيها (فليس كل أعضائها في المستوى الرابع مثل شيراي)، لكن علّ وجود شخصٍ على دراية [بالحديقة المدرسية] أو بمدرسة توكِـوَداي قد يُفيد بشكل ما.
「إذن، شيراي-سان...بين الجناة والضحية، من نركّز في جمع المعلومات عنه؟」
「كنت لأطلب منكِ التحقيق في الطرفين، لكن إن حَدّتنا الاختيارات، فاعطي الأولوية لأولئك الذين ارتكبوا السرقة」 ردّت شيراي وهي تتراجع خطوة إلى الوراء، 「إذا استعدنا الحقيبة، فإن الضحية سيصل إلينا في النهاية دون أن نطارده بأنفسنا. فهل نعلم إلى أين فرّ الجُناة؟ أعني، قد استغرقني الوصول إلى هنا ثلاثين دقيقة، لذا لا شك أنكِ فقدتِ موقعهم الحالي」
「أخطأتِ يا شيراي-سان」 أعلنت ويهارو ببساطة. 「بعد أن سرقوا الحقيبة، يبدو أنهم دخلوا السوق التجاري تحت الأرض ركضا، دون أي سيارة. أظنهم فعلوا ذلك تجنباً أن تُرصَدَ تحركاتهم عبر الأقمار الصناعية」
「...؟ تجنّبا لمراقبتنا؟ لكن المكان تحت الأرض لا يَخلى من الكاميرات. فالكاميرات في كل مكان في هذه المدينة، والروبوتات الآلية تقوم بدوريات أيضًا」
「صحيح، لكن الهرب في تحت الأرض يظل أسهل من فوقه. دون الرؤية العلوية من الأقمار الصناعية، قد يندمج الجناة وسط الحشود فيخدعوا الكاميرات. وأحيانًا يكون التنقل في الأنفاق أسرع أيضًا. حاليًا، هناك ازدحام على الخطوط الرئيسية في المنطقة — الخط رقم 3 و48 و131 — بسبب خلل كهربائي في إشارات المرور أو شيء من هذا القبيل. أما استخدام السيارات فميؤوس منه تمامًا. الجري تحت الأرض يمنحهم كلًا من السرعة والتخفي」
「أهكذا」 أماءت شيراي برأسها.
كان من المرجح أن الأنتي-سكل بدأت تتحرك بعد أن تلقّت بلاغ ويهارو. لكن أية مركبة بعجلات ستكون الآن عالقة وسط الزحام. ومع أن الخطورة المحتملة قد تكون مرتفعةً إلا أن الإجراءات المعقدة اللازمة للإتيان بمروحية أو معدات خاصة ستستغرق زمنًا. كل تلك التعقيدات تمنع طلب الوحدات أدواتا لأغراض شخصية، لكن كما هو متوقع، لكل منظمة لا بد أن تعاني من جمودٍ في الحركة.
「إف. أرى من الأفضل أن أذهب إلى هناك فورًا」
「هيييهه؟! إن ذهبت وتركتني، فهل أَرُدُّ على الأنتي-سكِل وحدي!」 صرخت ويهارو، منزعجة تمام من الفكرة. 「ويلاه من التعب!」
نظرت إليها شيراي بنظرة فاترة وقالت، 「عنك عنك لا تقلقي. سأذهب وأنظف هذه المتاعب بنفسي حالا」
ثم أخذت حقيبتها من على الكرسي واتجهت نحو المدخل.
ودون أن تلتفت، قالت بنبرة واثقة، 「أونسيتِ من أكون؟ فوق الأرض كانوا أو تحتها — لا فرق معي」
- الجزء 2
شيراي كُروكو هي متنقلة آنية.
لكن هذه ليست بقُدرةٍ مُطْلَقة. فالحد الأقصى للوزن الذي يمكنها نقله كان 130.7 كلم، وأقصى مداها للانتقال — بغض النظر عن وزن الشيء — كان 81.5 م. إضافةً إلى ذلك، لم تكن قادرة على استخدام قدرتها إلا على الأشياء التي تلمسها. وليس بوسعها جَلبُ الأشياء من بعيد.
ولكنها من جهة أخرى لم تجد أي صعوبة في نقل نقطة المرجع الثابتة لتلك القدرة: أي نفسها.
سُمِعَ الهواء وهو يُشَق.
في كل مرة تقفز فيها لثمانين مترا، كانت تحدد وجهتها التالية على بُعد ثمانين مترا أخرى وتقفز من جديد. والناس كانوا يرونها في مكان فإذ بها تختفي فتظهر في مكان آخر. وبالطبع، كان ذلك أسرع بكثير من السير على الأقدام. ولو تُرجِمت إلى سرعة، لكانت تبلغ 288 كيلومترا في الساعة.
(وأنا لا أتحرك في خطٍ مستقيم، بل أنتقل من نقطة إلى أخرى. ولحسن الحظ ما تأثرت مرة بالقصور الذاتي أبدا. وإلا لكان الأمر كارثيًا لو رفرفت تنورتي بمقاومة الهواء.)
كانت تغيّر موطئ قدمها في كل قفزة، متنقلةً من الطرق إلى الدرابزينات إلى أسطح آلات البيع. تعالت من حولها أصوات اندهاش، لكنهم كانوا جميعًا أسابر مثلها. لم يتطور الأمر إلى فوضى حقيقية، ولعلّ زيّها من مدرسة توكِـوَداي إضافة إلى شارة الجدجمنت على ذراعها شفعا لها.
وعلى النقيض من اللصوص الذين كانوا يركضون تحت الأرض، كانت شيراي تحلّق فوق الأرض. غير أن مدخل المجمع التجاري السفلي محدود بعددٍ من النقاط، لذا ما دامت تسيطر عليها بدقة، فلن يتمكنوا من الإفلات منها. وأساسا لو أنها طاردتهم بلا مبالاة إلى داخل المجمع وضغطت عليهم نفسيًا، فقد يُثيرون العنف بين المدنيين هناك. (ولم يُعرف بعد ما إذا كانوا يملكون أسلحة، لكن حتى لو كانوا عُزّل، فإن عشرة أنفار يشكّلون تهديدًا كبيرًا للمدنيين). ومن منظور عقلاني، فعدد مداخل المجمع تحت الأرض محدود، ولو اندلعت الفوضى، سيكون من الأصعب إخلاء المدنيين. لذا كان عليها التعامل مع الأمر بحذر ومن السماء.
إن كانت عازمة على القبض عليهم، فلا بد أن يكون ذلك في موضعٍ قليل فيه الناس، ويكون فوق الأرض.
ثم رنّ جَوّالها.
حَمَلَتهُ شيراي بيدها دون أن تقطع سلسلة انتقالاتها الآنية. انبعث منه صوت طنينيٌ مشوش إذْ كانت تعبر الفضاء لحظيًا، ومع تغيّر مكان استقبال الموجات اللاسلكية باستمرار، حدث خلل في الاتصال.
『شيراي-سان، الجناة — يتحرّكون...خرجوا — من المدخل — A03 لمجمع — أريا سَيل...ويبدو أنهم يتجهون — من نهاية المجمع السفلي إلى المجمع التالي...』
فأجابت عليها بكلمة واحدة، 「أراهم」
ثم أغلقت الخط وأعادت الجَوّال إلى جيبها.
بالقرب من مبنى يشبه مدخل قطار الأنفاق، رصدت شيراي مجموعة يشقّون طريقهم بين زحام من السيارات المصطفة كقطع الطوب. كانت أبواق السيارات تصدح، لكن الرجال ذوو البدلات استمروا في المضي قدمًا دون أن يبالوا. ورأت شيراي أحدهم يجرّ خلفه حقيبة سفر بيضاء ذات عجلات. من الواضح أنهم يحاولون التصرف بسرّية، والآن بدا عليهم نوعٌ من الحرج وهم يعبرون الطريق الرئيسي الواسع ويدخلون زقاقًا ضيقًا.
تأكدت شيراي من أن حقيبتها بيدها بإحكام، ثم انطلقت، وبقوة ملحوظة هذه المرة.
وفي اللحظة التالية، قد وصلت إلى الزقاق بينهم. في وسط الرجال العشرة تقريبًا. تبادلت النظرات مع الرجل الذي يحمل الحقيبة ذات العجلات وتبسّمت له. وقبل أن يُبدي أي رد فعل من المفاجأة، مَرَّ إصبعها على سطح الحقيبة.
فانتقلت.
اختفت، ثم ظهرت عند نهاية الزقاق كأنما تَصُدُّ عنهم الفرار. وكانت تجلس على الحقيبة البيضاء التي قد أخذتها معها عندما عبرت الفضاء.
وضَعَت يدًا على خاصرها ولمست الأخرى الحقيبة قائلة، 「أنا من الجدجمنت. واعذروني، لا أرى حاجة لشرح سبب مجيئي، لا؟」
كان في صوتها مسحة من التعالي، بحسب ما قد يراه السامع.
وردة فعل الرجال جاءت فورية. كلٌّ منهم مدّ يده إلى جيب صدر بدلته وأخرج مسدسًا أسود، وجميعها من نفس الطراز. مجرّد رؤيتها لهم كان كافيًا ليبثّ في نفسها ثقلًا كبيرًا.
(تبًا، ما كانوا لصوصا عاديين! متى تحوّل هذا إلى فيلم جواسيس؟!)
انخفضت شيراي خلف الحقيبة مستعملةً إياها كدرع، لكنهم بدوا واثقين. أصابعهم لم تتردد على الزناد — فقد نووا التصويب بدقة إلى أي جزء من جسدها يظهر من خلف "درعها". خرج من حنجرتها صوت خافت وغير طبيعي. قدرتها على الانتقال الآني لم تكن دقيقة بما يكفي لصرف كل رصاصة واحدةً واحدة.
انطلقت نيران اللهب من الفوهات العشر.
لكن شيراي كانت قد عبرت الفضاء بخطوة واحدة تسبقهم. هدفت للظهور خلف أبعد رجل في الوراء.
اختفت شيراي كُروكو مع الحقيبة ذات العجلات. وتركت فقط حقيبتها الخفيفة تطفو في الهواء، قبل أن تسقط بعد لحظة على الأرض.
ظهر الارتباك على وجوه الرجال، فهدفهم اختفى فجأة. في الأثناء، أمسكت شيراي بالحقيبة الكبيرة بكلتا يديها، ووجهت بها ضربة قوية للغاية إلى آخر رجل في الخلف.
「غه...!」 فتأوّه.
باقي اللصوص استداروا في الوقت نفسه. لمست شيراي أحدهم ونقّلته. غيّرت مكانه فورًا—لكن ببضعة سنتيمترات فقط، حيث قلبت جسده بالكامل حتى سقط على رأسه.
وما انتهى أن الرجال الثمانية استداروا يصوبون خلفهم، بينما رجلٌ منهم التفت يُصَوّب إليهم.
وصار اللصوص الآن يوجهون أسلحتهم إلى بعضهم كمثل المواجهات المكسيكية.
「ءهـ」
الرجل الذي انقلب على رأسه ثم قام؛ أبعد سلاحه عن زملائه، وهنا وجّهت شيراي ركلة إسقاطية إلى ظهره. فسقط اللصوص جميعًا أرضًا كأحجار الدومينو. ثم رفعت الحقيبة البيضاء بكل قوتها وراحت تضرب بها معصم كل رجل يحمل سلاحًا. وتوالت الصرخات القصيرة. ثم رفعت تنورتها بضع سنتيمترات مُظهرةً سهامًا معلقةً على فخذيها، فلمستها وانتقلت السهام إلى أكمام وملابس الرجال الساقطين تُثَـــبِّــتُهم... فما كانوا بقادرين على الهرب — ولا حتى على الحركة. كأنهم عالقون في خيوط عنكبوت. ولو حاولوا استخدام أسلحتهم، لكان عليهم أن يطلقوا النار عبر أجساد رفاقهم المتراكمة. ونتيجة لذلك، وعلى أن بأيديهم أسلحة قاتلة، ما عسى أي واحد منهم سوى انتظار وعيهه يتلاشى، عاجزًا تمامًا عن المقاومة.
「حسنًا، ما كان بأمرٍ يُذكر. وحقيقةً، كان أسهل مما أحب،」 قالت مُزدرية، ولم تتلقى أي رد.
راحت تركل الرجال بأصابع قدميها لتتأكد من غشيانهم جميعًا، ثم كبّلتهم بأصفاد الجدجمنت غير المعدنية. نفدت منها الأربعة الأولى، فاستخدمت سلكًا مرتخيًا كان على الأرض. وعلى ضغط معاصمهم، لم يستفق منهم أحدٌ.
وبعد اتصالٍ سريعٍ بوحدة الأنتي-سكِل، ألقت شيراي نظرة على عتادهم.
نظرت إلى اسم طراز المسدسات التي يحملونها وأرقامها، لكنها لم تفهم شيئًا منها. هي تعلم فقط أنها تختلف تمامًا عن تلك التي تُستخدم خلال تدريبات الجدجمنت. فعادةً ما تُصنع الأسلحة في مدينة الأكاديمية من مواد غير معدنية، مما يجعلها خفيفة للغاية. لكن مسدسات هؤلاء الرجال كانت كتلًا من الفولاذ. على جوانبها أرقام وحروف إنجليزية منقوشة. تساءلت للحظة إن كانت تلك الأرقام هي أرقام الطراز الرسمية، ثم توقفت عند هذا الحد. لم تكن تملك الكثير من المعرفة التقنية فيما يخص الأسلحة — فالأنتي-سكِل الذين يعتمدون على الأسلحة النارية حكاية، أما هي في الجدجمنت فكانت تقاتل باستخدام قدرتها.
وغير ذلك، لم تعثر على أي بطاقات تعريف أو هويات بحوزة رجال البدلات. بدا وكأنهم تعمدوا إزالتها. نظرت إلى وجه أحدهم وهو على الأرض ملقى، ثم أطلقت نقرة امتعاض خفيفة بلسانها، تشه.
「...أسنان من ذهب؟」 تمتمت وهي تنظر إلى فم الرجل المغشي.
في المدينة الأكاديمية موادٌ أفضل من الذهب لهذا الغرض. وما عاد أحدٌ يستخدم الأسنان الذهبية هنا هذه الأيام.
عثرت في جيوب سراويلهم جَوَّالات محمولة بلا أرقام مسجلة، وكانت قديمة الطراز أيضًا. ما عادت المدينة الأكاديمية تبيع مثل هذه الأجهزة.
قيل إن مستوى التقنية داخل المدينة الأكاديمية يسبق العالم الخارجي بعشرين أو ثلاثين سنة. وهذا يشمل الإلكترونيات بطبيعة الحال، لكن حتى الأشياء الصغيرة التي لا تبدو متعلقة "بالتكنولوجيا" قد تكون مختلفة هنا.
(لَهُم قدر من التدريب، نظرا إلى كيفية حملهم للأسلحة، لكنهم انخدعوا تمامًا بقدرتي، على الأرجح كانت هذه أول مرة لهم...ربما لا علاقة لهم بالأسابر أصلًا، وهم مجرد محترفين من العالم الخارجي.)
「...」
والآن، إلى الحقيبة ذات العجلات. أولئك القادمون من خارج المدينة تسللوا إلى مدينة الأكاديمية فقط من أجل الوصول إليها. نظرت إليها مجددًا.
كانت كبيرة. مستطيلة الشكل كغيرها من حقائب السفر. لو أن شيراي انكمشت على نفسها، لعلها تدخل فيها. كانت بيضاء، وسطحها من مادة خاصة لامعة صُنِعت، وكأنها مغطاة بالشمع أو مثل هذا.
وضعت يدها على الأقفال — على عبث.
「مقفلة...ولكن متوقع」
لكنها حين أعادت النظر إليها، لاحظت أن القفل كان معقدًا للغاية. كان هناك قفلان ميكانيكيان، وآخر إلكتروني، بل وقفل مغناطيسي كذلك — يُقال إن عدد أنماطه الممكنة لا نهائي تقريبًا.
「طيب، لا شيء من هذا يفرق أمام قدرتي」
كانت قدرتها الانتقال الآني. لم يكن بإمكانها نقل شيءٍ ما لم تلمسه، فما تقدر على إخراج غرض من داخل صندوق. لكن، إذا نقلت الصندوق نفسه دون الداخل، فبذلك ستحصل على محتوياته.
لم تكن قادرة على نقل "صناديق" ثقيلة للغاية كصناديق خزائن البنوك، لكن حقيبة سفر كهذه ليست بالصعبة. مدت يدها اليمنى إلى الحقيبة بلا مبالاة، ثم وضعت أصابعها على سطحها.
(همم؟)
ثم لاحظت.
هذه الحقيبة لم تكن تحتوي على أي فجوات ظاهرية تقريبًا. كان هناك ما يشبه الحشوة المطاطية محشورًا في مواضع متعددة منها، وكأن الغرض منها جعلها مقاومة للماء. كل الفتحات فيها كانت مغلقة موصدة مختومة.
(لحظة... هل الشيء الموجود داخلها حساسٌ للضوء؟ كتصويرٍ فيلمي؟... لا بد أنه شيءٌ دقيق للغاية. آهخ، وها أنا قد استخدمتها لضرب أولئك الرجال حتى أغشيتهم. أرى أن تأجيل فتحها سيكون الخيار الأفضل. وسأترك الأمر لزميلة مصوّرة أفكار أو طالِعة لتفحصها أولا.)
لكن فجأة، رأت شريطًا ملتصقًا بجانبها، كما لو كان يثبت غطائها. كانت تلك هي البطاقة التي رأتها من قبل. طباعتها متقنة للغاية وتذكّرها بأوراق النقود. من المحتمل أن هناك شريحة إلكترونية مدمجة داخلها أيضًا.
كان ما كُتب عليها مطابقًا لما عرضته ويهارو عليها في وقت سابق. لم يكن بالإمكان التمييز بدقّة دون تمريرها عبر جهاز خاص، لكن على الأقل، لم يبدو أي شيء فيها غريبًا في عينيها.
(ما هذا الرمز...؟)
نظرت شيراي مرة أخرى إلى جانب الحقيبة. وجدت رمزا محفورا مباشرة على هيكلها، غير متعلق بالبطاقة. رمزًا بسيطًا، يتألف من بضع أشكال مستطيلة متداخلة داخل دائرة. شعرت كأنها رأته من قبل، لكنها لم تتذكّر بالضبط أين.
وقررت أن تنسى الأمر.
「أترك ما لا أفهمه لغيري」
أخرجت جَوّالها من جيب تنورتها، ثم سحبت الجزء النحيف الذي يشبه لفافة من الأنبوب الصغير. التقطت بالكاميرة صورةً كاملة للحقيبة والبطاقة والرمز المحفور ثم أرسلتها في رسالة إلى ويهارو مرفقة بـ "انظري، من فضلك".
وكما توقّعت، جاء الرد بعد مئة وعشرين ثانية بالضبط. ضغطت شيراي زر الرد قبل أن تصل نغمة الرنين إلى نوتتها الثانية.
『شيراي-سان، معكِ ويهارو. أنهيتِ المهمة، لذا لديّ تقرير لكِ وإني أطالب بجائزة!』
「أعطيني التقرير، وأرفض مطالبتك،」 أجابت بهدوء، رغم أنها كانت مذهولة في داخلها من سرعة ويهارو في التحليل — لكنها لم تُظهر ذلك في صوتها. لعل الفتاة الأخرى تملك صلاحيات الدخول إلى [بنك المدينة]، لكن سرعة استجابتها كانت مذهلة عجيبة.
『سَمَّوْها مطالبات لأننا نُطالب بها! ماهٍ، أيا يكن، سأبدأ بالتقرير. تلك الحقيبة الخاصة... قيمةٌ مميزة. إنها مُحكمة الإغلاق، وتحجب كل أنواع الأشعة الكونية. أترين كيف يلمع سطحها؟』
نظرت شيراي إلى سطح الحقيبة. كان أشبه بما يُغطى بالشمع، يعكس الضوء بوضوح، حتى أنها رأت وجهها منعكسًا عليه.
『تبدو وكأنها من نفس المواد الممتازة التي تُستخدم في بدلات رواد الفضاء أو على السطح الخارجي لمكوكات الفضاء. ومن الواضح، بالنظر إلى التقنية المستخدمة في صناعته، أنه من صنع مدينة الأكاديمية』
「مهلا، أشعة كونية...؟ لأي غرض؟」
『كما يُقال. لا تحتاجين إلى حماية كثيرة من الأشعة الكونية وأنتِ على سطح الأرض. على أنني لا أجزم شيئا، فطبقة الأوزون لم تكن في أفضل حالاتها مؤخرًا』
(وهذا يعني... الفضاء الخارجي، إذن...أوكانوا ينوون استخدام هذه الحقيبة في عملٍ من أعمال الفضاء خارج المركبات؟)
أثار هذا التطور المفاجئ القلق في نفسها.
『التالي هو بطاقة التعريف... أوه، لكن قبل ذلك... شيراي-سان، أطلبك بلطب. ضعي جَوّالك إلى وضع RWS والتقطي صورة جديدة للبطاقة. وركزي على المربع الأحمر على الجانب الأيمن خاصة』
「ماذا؟ وضع RWS؟」
『هو الوضع الذي يستخدم لقراءة البيانات الإلكترونية من شرائح IC وما شابه! اعتبريه مثل وضع الطيران في كل الجَوّالات. وأنا من أضفت هذه الشريحة التوسعية لكِ، ألا تذكرين؟! لم تقرئي دليل الاستخدام أبدًا، أقرأتِ؟!』
「أعرف كيف أستخدم الجَوّال عموما، فما حاجة قراءة التفاصيل الصغيرة في الدليل...」
『إف منكِ! طيب طيب، أولا، افتحي الإعدادات...』
اتبعت شيراي تعليمات ويهارو حتى وصلت إلى شاشة لم ترها من قبل في الجوال. ثم التقطت صورة جديدة للبطاقة. وأرفقتها في رسالة وأرسلتها إلى ويهارو.
『أوه، ها نحن! حصلت عليها! أمهليني لأرى ما سيقوله المسح... نعم، وجدَ شيئًا」 ثم تحوّلت نبرة ويهارو إلى الجدية. 「البطاقة نفسها أصلية، ومن المؤكد أنها صادرة من مدينة الأكاديمية』
「أصلية... إذن، كانت متجهة إلى [الحديقة المدرسية] كما ظننا؟」
『بلى』
بدأت شيراي تفكّر. لم يكن هناك أي مبنى في مدرسة توكِـوَداي الإعدادية يُدعى "منشأة دعم الحسابات". وبحكم طبيعة الأمور، إن كان عنوان التسليم المكتوب على بطاقة الطرد غير موجود أصلًا، فما الجدوى من تسليمه؟ هذا يعني أن هذه الرسالة قد تكون شيفرة ما — رسالة مُشفّرة لها معنى عند شخص معين.
『انتهى أيضًا تحليل بيانات شريحة الـ IC. إنها تُكمل نوع الشيفرة البسيطة المطبوعة على البطاقة. تحتوي على رقم إطار مكوك فضاء ورقم جدول عمل في الفضاء الخارجي. كلاهما تابع لمدينة الأكاديمية. وتطابق هذه البيانات سجلات المنطقة 23. الأوضاع بدأت تأخذ طابع الخطر بالتزايد!』
「المنطقة 23... تلك منطقة المطارات ومواقع إطلاق لأبحاث وتطوير الطيران والفضاء؛ ولا توجد في المدينة أماكن أخرى تمتلك مثل هذه المرافق. والطلاب ممنوعون من دخولها」
『نعم. وما الرمز الموجود على الحقيبة؟ ذاك الذي يحتوي على مربعات داخل دائرة؟ إنه شعار المنطقة 23. يشبه إلى حد كبير شعار مدرسة』
تنهدت شيراي تنهدا. تساءلت في نفسها لماذا لم تلاحظ هذا سابقًا، لكنها عرفت أنها لن تتذكر شعار مرفق لا علاقة له بالطلاب. علّها كانت قد لمحته من قبل في الأخبار خلال إطلاقات مكوكات الفضاء أو ما شابه.
『المرسل على البطاقة أيضًا هو المنطقة 23. كل شيء هناك سري للغاية، لذا بالطبع لن نجد تفاصيل حساسة مكتوبة عليها』
ثم نظرت شيراي إلى الحقيبة مرة أخرى. التاريخ مطابقٌ لتاريخ عودة مكوك الأكاديمية إلى الأرض. والمرسل هو المنطقة 23 — مطار وموقع إطلاق يحتكر منطقة مدرسية كاملة لأبحاث الطيران والفضاء.
(من ذا الذي كان من المفترض أن تُسلَّمَ لهُ هذه الحقيبة في المنطقة 23؟ ومن هم هؤلاء الذين سرقوها منهم؟)
أما الآن، قررت أن تكتفي بشكر ويهارو. 「شكرًا لكِ. سأفكر في الأمر بينما أتعامل مع الحقيبة وهؤلاء الرجال」
『آه! كما قلتُ وأسلفت، أطلب مكافأة! كجلسة شاي أنيقة مع آنسة مخملية مثلك! وليس الشاي فقط! يجب أن تكون الأجواء عامرة بالأناقة التي تخلقها السيدات الأصيلات!!』
بدت نبرتها متوترة. لكن شيراي أغلقت الخط على أي حال.
كأنها لفافة تُلَف، شاهدت الجوال النحيف الغريب وهو يُلف مرة أخرى داخل الأسطوانة التي تحمله. ثم أعادته إلى جيبها وبدأت تفكر في الأمر أكثر.
للأسف، لم تملك شيراي الكثير من المعرفة عن تقنيات الفضاء أو الأحداث المتعلقة به.
حتى عندما فكرت بعمق، لم تستذكر سوى جدول الإطلاق المستمر للصواريخ والمكوكات من قبل منظمات حول العالم، بدءًا بمدينة الأكاديمية.
「قد يكون...من المبالغة ربط هذا بذاك. ولكن...هف. بعد كل هذا، ما زلت لا أعرف حتى إن كان يجب عليّ فتح هذه الحقيبة أم لا.」 تنهدت وجلست على الحقيبة. كان رجال البدلات لغزًا، وكذلك الذي كان يحمل هذه الحقيبة في الأصل. 「على أي حال، ليست مهمتي التفكير في الأمر أكثر」
وبعد أن توصلت إلى هذا الاستنتاج المتردد، انتظرت وصول الأنتي-سكِل. كانوا متأخرين بعض الشيء بسبب سوء حالة الطرق، لكن شيراي لم تشتكِ — فهم لا يمتلكون قدرات، فلا لوم عليهم.
ثم رنّ الجَوّال فجأة.
نظرت إلى الشاشة الصغيرة ورأت اسم [ميساكا ميكوتو] مكتوبًا. استدارت بسرعة نحو الرجال الذين لا يزالون مغشيين، لكنها أرادت تجنّب أن يسمعوا مكالمتها ويبدأوا بإثارة المشاكل. كان مغادرة المكان لأمر شخصي مشكلة بحد ذاتها، لكنها رغم شعورها ببعض التردد، رفعت يدها إلى فمها كأنها تخبر سرًا، وضغطت على زر القبول.
『ألو، كُروكو؟...الإشارة عندي ضعيفة شوي. أين أنتِ الآن؟』
「مم، آء، أونيه-ساما...لا أستطيع قول مكاني بالضبط」
『هاه؟ أوه، فهمت. لا زلتِ في المهمة...آسفة عالإزعاج』
「لا لا، عادي. ماذا أردتِ؟」
『لا، إن كنتِ مشغولة، فلا تقلقي. زميلاتي الصغار قالوا أنه علينا أن نستعد لتفتيشٍ مفاجئ من مديرة السكن، فكنت أريدك تخبي أشيائك لو تقدرين』
「؟؟؟ أونيه-ساما، ألم ترجعي إلى السكن بعد؟」
『مم، لا. سأسأل غيرك. أتمانعين لو نَظّفَتْ أغراضك؟』
「مه؟ ما قلتِ؟! أ-أونيه-ساما، أتطلبين مساعدة فتاةٍ أخرى؟! رجاءً، انتظري، أونيه-ساما! سأعود للسكن بأسرع وقت، لذا رجاءً امنحيني شرف مديحك وأحضانك!!」
『...لماذا أضمك على هذا؟ وألستِ مشغولة؟ يقولون إن المطر سيهطل حوالي منتصف الليل، فإذا خفت من ذلك، أنهي عملك وارجعي بسرعة. سلام!』
وأغلقت المكالمة.
حدّقت شيراي في الجوال لحظات كما لو تُركت وحيدة. رنّ في ذهنها صوت خافت للحزن والخيبة—
فإذ بها فجأة تسمع حفيف خطوات.
(آااه. انهمكت في القتال ونسيت أن أضع شريط ممنوع المرور،) كما فكرت بتعبٍ.
جلست شيراي على حقيبة السفر وتفكرت بلا مبالاة.
ثم بعد لحظة.
اختفى الإحساس بدعم وزنها على الحقيبة. انزلقت فجأة بعيدًا. مدت يدها فلم تجد شيئًا. الحقيبة التي كانت جالسة عليها لم تكن حتى ضمن متناول يدها.
كما لو أنها اختفت تمامًا.
كما لو أنها انتقلت آنيا.
(انتقالٌ...آني...)
ظل عقل شيراي كُروكو مشوشًا بعض الشيء بعد الحدث غير المتوقع. هي تعلم أن شيئًا يحدث حولها في هذه اللحظة، لكن أفكارها لم تلحق وتواكب. وعندما أدركت أخيرًا أنها في خطر...
شعرت بشيء يخترق كتفها الأيمن وهي مستلقية على الأرض ووجهها للأعلى.
「غه...!」
كان الألم حارقًا. شعرت بشيء يتمزق داخلها. لم يكن الألم يسمع بأذنيها — الصوت الحاد مَرَّ مباشرة عبر كامل جسدها.
نظرت فرأت قطعة معدنية مدببة مخترقة نسيج بلوزتها ذات الأكمام القصيرة وتغرق في جلدها. كان طرفها كالأسلاك السميكة ومُلتفًا كالزنبرك، ومقبضها مصنوع من مادة بيضاء تشبه الخزف.
(فتاحة النبيذ؟!)
أجبرت شيراي كُروكو عقلها على الهدوء — فقد كادَ الألم يسيطر — فانتقلت آنياً. حركت جسدها فقط بضعة سنتيمترات، ودوّرت جسدها الملقى بزاوية تسعين درجة. ونتيجة لذلك، صارت على قدميها.
سمع صوت سائل ثقيل يُرَشّ على الأرض.
راقبتها عينان تملؤهما المرح.
نظرت شيراي كُروكو مرة أخرى إلى مدخل الزقاق.
إلى حيث كانت فتاة.
كانت أطول منها بقليل، وشعرها مربوط في جدائل طويلة من الخلف. ترتدي زيًا مدرسيًا، لكنه شتوي. ولم ترتدي معطفها الأزرق طويل الأكمام كما يجب؛ بل ارتدته على كتفيها دون أن تدخل ذراعيها في الأكمام، وأزراره كلها مفكوكة. ولم تكن ترتدي قميصًا تحته. كان صدرها عاريًا، ملفوفًا فقط بقطعة داخلية تشبه الضمادات بلون زهري فاتح. كما كانت ترتدي حزامًا عند خصرها، لكنه ليس حفاظًا على التنورة، بل مجرد زينة. الحزام مصنوعٌ من صفائح معدنية مترابطة وليس من الجلد. وعليه حَلَقة مفاتيح معلّقةٌ بها أسطوانة معدنية سوداء بطول حوالي أربعين سنتيمترا وقطرها ثلاثة سنتيمترات. بدت الأسطوانة ككشاف عسكري قد تراه مع الشرطة.
توقعت شيراي نوعا ما أنها طالبة في المرحلة الثانوية. لم تستطع الاعتماد على مظهرها الخارجي لتحديد عمرها، لكن طالبات الثانوية عادة ما يظهرن أكبر سنًا في أعين طالبات الإعدادية. وكان في تلك الفتاة انطباعٌ يوحي أنهما متشابهتان.
وبجانب الفتاة الحقيبة البيضاء.
تلك التي كانت شيراي جالسة عليها قبل لحظات.
「إذن فهُوَ انتقالٌ آني!! لكن...」
ألَمَسَت الفتاة الحقيبة؟ أم ربما انتقلت فورًا خلفها ثم عادت بها؟ مهما كانت...
(إذا كان هذا مجرد انتقال آني، ففي الأمر خطب.)
غرقت شيراي في التفكير، ثم انتفضت حين سمعت ضحكة الفتاة.
「كهكه، أدركتِ؟ لا عجب ولا أتوقع أقل من هذا لإسبرة لها قدرةٌ كقدرتي. ولكني أختلف عن نوعك بعض الشيء」
عبست شيراي. قدرة مشابهة. لكنها مختلفة بعض الشيء.
「قدرتي — مُوڤ پوينت. على عكس قدرتك الرثة، فانتقالاتي لا تحتاج إلى لمسة مني. رائعة ها؟」 قالتها بصوت بارد لا مبالٍ... نظرت الفتاة إلى الرجال في البدلات على الأرض خلف شيراي. 「هؤلاء تَفَهةٌ عديمي الجدوى. لهذا كلفتهم بمهمة عشوائية بسيطة كحمل الحقيبة. لكن ما توقعت أن يكونوا تافهين لدرجة يعجزون حتى في فعل ذلك」
تفهة. كلفتهم. مهمة عشوائية. أشارت تلك الكلمات لشيراي أن هذه الفتاة مرتبطة بطريقة ما بهؤلاء الرجال.
رفعت صوتها بحذر. 「فهل تعتدين عليّ وأنتِ تعرفين لِمَن أنتمي؟」
كانت الشارة على ذراعها، شارة الجدجمنت، ملطخةً بالدماء من جرح كتفها وصارت إلى السواد أقرب.
「نعم. وهذا بالضبط سبب هدوئي يا بنت الجدجمنت شيراي كُروكو-سان. لو لم أعرفك، لما كشفت عن أوراقي بسهولة」
لم تعرف شيراي ما بداخل الحقيبة، ولا ما الذي تريده هذه الفتاة بالضبط. لكنها فهمت شيئًا واحدًا؛ هذه الفتاة، وهي تنظر إلى حالتها الجريحة وتضحك، لم تنوي تركها تذهب إلى بيتها بسلام.
عدو.
نعم، لم تكن فتاةً تجلس أمامها، بل كانت عدوا.
「قه!!」
وسعت شيراي قدميها. تسبب الارتداد في تحريك تنورتها القصيرة. وكشفت فخذاها عن أحزمة جلدية ملتفة حولهما، محملة بعشرات السهام المعدنية — تمامًا كحزام المسدس في الأفلام الغربية. هذه أوراقها الرابحة. سهام قاتلة يمكنها أن تنقلها فورًا إلى هدفها فتصيبه.
لكن الفتاة سبقت شيراي.
مدت يدها النحيلة داخل المعطف الأزرق الذي يتدلى من كتفيها وسحبت كَشّافًا عسكريًا معلقًا على حزامها المعدني في نَفَسٍ واحد. دارت به في يدها كالعصا، ثم لوّحته قليلاً فوق رأس شيراي، كما لو تشير إليها.
فحدَث تغيير.
الرجال الذين أسقطتهم شيراي واعتقلتهم اختفوا وظهروا فجأة أمام الفتاة. أخذتْ الرجال العشرة المغشيين في الهواء وتدرعت بهم.
ولكن...
「لن ينفعك!!」
أطلقت شيراي السهام المعدنية نحو فخذيها على أية حال. عبرت السهام العديدة الفضاء بلا صوت، متجاهلة المسافة الخطية بينها وبين الهدف — أي مرت مباشرة عبر الرجال — فظهرت فجأة حيث كانت الفتاة تقف. كانت تصوب نحو كتفيها وساقيها، حاذرةً ألا تصيب المفاصل.
تنقلها الآني لا تحرك الأشياء في خط مستقيم، بل من نقطة إلى أخرى. فلتضع من الرهائن بينهما كما تشاء؛ فلا فرق مع شيراي كُروكو. وعندما تظهر السهام فجأة داخل جسد الفتاة، ستخترق لحمها الطري من الداخل. الهجوم لا يعتمد على نوع الجسم، فالانتقال يُظهِرُ الجسم المنقول فيتراكب على الجسم الذي أُرسل إليه.
لذا، سيكون من الغريب لو لم تخترق هجماتها جسد الفتاة.
ومع ذلك...
「إخ،」 تمتمت بلا قصد.
بعد أن استسلم الرجال في الهواء لقوة الجاذبية وانهاروا في كل مكان...
لم تكن الفتاة موجودة حيث يفترض.
بل تراجعت خطوات قليلة وجلست الآن على الحقيبة، وتقاطعت ساقاها بأناقة. قد ركلتها إلى الخلف أثناء جلوسها فتزحلقت الحقيبة على الأرض بالعجلة.
علقت كل السهام التي أطلقتها شيراي في الهواء لحظةً، ثم سقطت كلها على الأرض — تمامًا كما الرجال الغُشاة.
الانتقال الآني هو حركة بين نقاط. إذا عينت الإحداثيات بشكل خاطئ قليلًا، فلن تصيب الهجمات الهدف. لم يكن الرجال درعا يصدون الهجوم، بل تشويشا لإدراك شيراي.
الفتاة، وساقاها ما تزال متقاطعتين، حركت الكَشّاف في يدها. أشارت به نحو إحدى السهام الساقطة، ثم رفعتها كأنها تصطاد بصنارة صيد.
اختفت إحدى السهام من الأرض — ثم ظهرت مرة أخرى في يد الفتاة.
(ها هي—!!)
قذفت الفتاة السهم المعدني في حركة جانبية نحو شيراي المشغولة بالتحضير للدفاع. لم تستخدم الانتقال الآني (أو موڤ پوينت كما سَمّتها). كانت السهام تسير على مسار خطي ثلاثي الأبعاد. لكنها مصوبة بدقة نحو وسط جسد شيراي.
لم تستطع تفاديها جانبًا من ضيق الزقاق.
لديها دائمًا خيار الانتقال عبر الجدار إلى داخل مبنى للهروب، لكنها لم تستطع استخدامه بتهور — فهي لا تعرف كيف يبدو الداخل. فإذا أرسلت نفسها إلى إحداثيات متداخلة مع شخص آخر عن طريق الخطأ، فتلك كارثةٌ عظيمة.
وكذلك لا جدوى من التراجع. السهم يتجه نحوها مباشرة.
لذلك، اختارت الانتقال الآني إلى الأمام. اختفت فجأة أمام الفتاة ووجدت نفسها وراء السهم المنطلق. قبضت يدها لتشكل قبضة. نَوَت الرد بهجوم مضاد — هجوم مضاد فور تفادي هجومٍ سيُطَيّر عدوها بعيدًا. لكن قبل أن تتمكن...
صَدمها سهم معدني في جانبها من الخلف.
「...آه...؟!」
شعرت شيراي برعشة تتصاعد من جوهر جسدها. فقدت بسرعة القدرة على التحمل، وشعرت بأن قوتها كلها تفرغ منها. ارتخت ساقاها فسقطت على الأرض.
وبشكل غريب، بدا المشهد الآن وكأنها تتوسل عند قدمي الفتاة الجالسة على الحقيبة.
「قد أخبرتك،」 قالت وهي تبتسم، وأعادت تقاطع ساقيها. 「قدرتي موڤ پوينت لا تحتاج أن ألمس الشيء كما تفعلين」
سمعت شيراي كُروكو نبرة الاستهزاء في صوتها — لكنها لم تستطع رفع رأسها.
كان المنطق.
أولا، رمت الفتاة سهمًا معدنيًا بيدها. ثم، وكما تفادت شيراي السهم، استخدمت الأخرى موڤ پوينت على السهم المنطلق ليرجع فيظهر داخل ظهر شيراي.
قُلِبَ السهم المعدني بزاوية 180 درجة دون أن يفقد زخمه وغرز أعمق في بطن شيراي ثم توقف أخيرًا. وخدخَشَ خدخشة مرعبةً سمعته في أعماقها.
تبع ذلك صوت انقسام الهواء مُتتاليًا.
ثم رأت اليد الخالية للفتاة تحمل الآن كل السهام المعدنية التي أسقطتها شيراي.
「يا لنحسك. أنتِ من توكِوَداي ها؟ لعل ميساكا ميكوتو في أشد توترها الآن، لكني ما حسبت أنها فتاة تجر أصحابها وزميلاتها إلى شؤونها. هِئ، ولا أحسبها استطاعت أن توقف تلك التجربة بنفسها أيضا، فلربما لم تعد تهتم」
تلك الكلمات كانت صدمة شديدة لجسد شِيراي كُروكو.
لم تكن رجفة ألم تجتاح جسدها شبه اللاوعي، بل نوعا مختلفا من الرعشة.
「ما...قلتِ؟」 شدت عنقها. رفعت رأسها. عضت أسنانها، واستجمعت كل قوتها تنظر للأعلى كأنها تستجير بالسماء من الأرض تحتها. 「لماذا... ذكرتِ اسم أونيه-ساما؟」
قررت الفتاة أن تمازحها وتجيب—كأنما تحتقرها لدرجة لا تستحق الحذر، فأي تهديد قد يظهر من جريحة. بدا أنها تستلذ بمنظر إحباط شيراي، تبحث عن متعةٍ عبثية على حساب تجاهل أكثر الخطوات منطقية. 「أوه؟」 ولا تزال الفتاة جالسة متقاطعة الساقين، تضع يدها على فمها مُزدرية. 「ما عرفتِ؟ هئهئ، ولكن لا أظنك بيدقاً لها جاهل... فإن ريلڠنَ توكِوَداي ليست بتلك الفتاة التي تفعل」
مجددا، لم تُجِب.
قد طرحت شيراي السؤال بآخر رمق من قوتها، وكل ما تلقت كان نصًّا مُعادًا يُرضيها وحدها.
「ألم تظني أن هذه القضية كانت مريحةً سهلةً عليكِ؟ أي كيف أن العقيم ذا الذي سرق هذه ركض في الزحام كأنه هدف لذلك؟ أفلم تخمني سبب انقطاع الكهرباء في إشارات المرور؟ لا أحسبك تجهلين نوع القوى التي تمتلكها نجمة توكِوَداي تلكِ」
شزرت شيراي كُروكو، وإن لم تستطع رفع رأسها.
شزرت في الحقيبة المجهولة والعدو المُهيمنِ فوقها.
「ما... فعلتِ...」 شفتيها الجافتان تلاصقتا؛ حركتهما على أية حال، وسعلت الكلمات كأن الدم ينزف معها. مرهم الشفاه الذي استعارته من ميكوتو أعاد إليها إحساسًا لزجًا غريب. 「...وما تقو...لين؟」
「البقايا—آه، محال أن تعرفي بسماع الكلمة وحدها. وقول "سيليكون كوروندوم" سيكون صعبًا أيضًا، هِا؟」 أجابت الفتاة، بسرور، تُقعقع السهام المعدنية ببعض في يدها، 「لنرى. أظن لو ذكرتُ لكِ بقايا "المخطط الشجري" لفهمتِ. ذاك الحاسوب الخارق قد تحطم، ونُسي — ومع ذلك قد بقيت بقايا هائلة داخل [وحدة الحوسبة المركزية] من [السيليكون-كوروندوم] في ذلك الحاسوب العملاق」
صُدمت شيراي كُروكو. 「هذا... مستحيل. أليس...حاليا في...مدار الأقمار الصناعية...؟」
كان الأمر غريبًا جدًا لدرجة أنها لم تستطع إدراك ما إذا كان حقيقيًا. [المخطط الشجري]، أرقى آلة محاكاة في العالم وفخر المدينة الأكاديمية، كان محفوظا بأمان في الفضاء على متن قمر صناعي. حتى لو أردت فعل شيء له، فلن تقدر على لمسه طالما كنت مرتبطا بالأرض. إضافةً إلى ذلك لو حدثت حادثة (أو دُمِّرَ)، لكانت أخباره انتشرت واسعا في النشرات الإخبارية.
ومع ذلك.
الحقيبة التي جلست عليها الفتاة مُصممة للاستخدام في الأعمال الخارجية في الفضاء.
وعليها بطاقة اليوم الذي عادت فيه مكوك مدينة الأكاديمية إلى الأرض.
والوكالات في أنحاء العالم حاليًا تتنافس في تقدم الفضاء.
ترددت أفكار شيراي. أخرجت الفتاة صورة من جيب تنورتها ورمتها نحوها، تدور كالقرص الطائر (فريسبي). فسقطت أمامها.
「ملحق لتقرير المدينة الأكاديمية عن تدميرهِ. نادر، ولا؟」
الصورة تظهر الأرض العملاقة مقابل خلفية الفضاء السوداء العميقة. في مقدمة كوكب الأرض الأزرق المائل بانحناءاته يعوم حُطَامُ متناثر لقمر صناعي. ظِلٌّ لقمرٍ صناعي رأته من قبل في الأخبار والكتيبات.
「هذا...هــٰذا...」
وهي تحدق دَهِشةً خَرِسة، اختفت الصورة، منتقلةً آنيا إلى بين سبابةِ وَوُسطَى الفتاة. استخدمت موڤ پوينت أو أيا كانت لتحصل عليها.
「قد دُمر [المخطط الشجري] منذ فترة طويلة. لهذا السبب، الكل يريد حِصةً من بقايا القمر الصناعي المحطم الطافي هناك في الفضاء.」 بدت الفتاة وكأنها رأت شيئًا في تعبير شيراي. 「يا للمسكينة ميساكا ميكوتو تعاني. قد فجر أحدٌ ما [المخطط الشجري] لأجلها، فأنهى كابوسها — لكنهم الآن قالوا إنهم سيعيدون إصلاحه. فإذا حدث، سيعاد تنفيذ التجربة. ولذا، إيه، أتفهمُ إلى حدٍّ ما شعورها وحاجتها في أن تكافح بشدة ضد هذا」
عندما ذُكر ذلك الاسم من فم الفتاة، اشتدت عضلات بطن شيراي.
ميساكا ميكوتو.
(ما بها تَذكُرها باستمرار؟)
ما كان لشيراي وسيلة لتعرف السبب. لم تستطع استيعاب حتى ذرة من هذا الوضع. ثم وجهت الفتاة شزرةً أحَدَّ نحوها. فهذا أكثر من كافٍ لتفعل أمام عدو خطير ذكر اسمها.
「هِئ هِئ. عجبا عجب! إذن كنتِ جاهلة. من وجهك أعرف أنكِ لا تعرفين شيئًا عن التجربة. لكن لا شك أنكِ لمحتِ أجزاءً منها. فمثلا...نعم، أتتذكرين قبل بضعة أسابيع عندما وقع انفجارٌ رهيبٌ غامض في ساحة تبديل القطارات؟ ذلك أوقفَ كل قطارٍ في المدينة لفترة. كانت فوضى. وإني أتذكر أنني اندهشت كثيرا من كيف استطعتم إعادة جدولة القطارات إلى وضعها الطبيعي في أقل من أسبوع」
تحدثت الفتاة بوِدٍّ؛ ولم تستطع شيراي الرد. وكان في رأسها توتر يغلي، لكنها لم تفهم بعد ما قصدته الفتاة.
「حتى الآن لم تفهمي؟ قد قلت الكثير. الواحد والعشرين من أغسطس. أيوقظ هذا التاريخ شيئا في نفسك؟」
كانت الفتاة تسأل وتسأل، لكن ما هذا إلا رقمُ تاريخ. وما كانت شيراي تتذكره بوضوح. وأصلا لم يكن اليوم 21 من الشهر الماضي يومًا مميزًا أو شيء.
(ماذا كانت تقول وتهذي...؟ يا لغبائي أن أبحث عن منطقٍ في حديثي معها.)
رغم شكوكها، بدت كلمات الفتاة وكأنها تحمل نوعًا من النمط المنطقي.
「آهٍ. قد وصلتِ إلى نفقٍ لدرجة لا أمانع أن أكون صديقةً لك بسرور」
ما كان لشيراي القوة للرد. كانت شفتيها جافتين ممزقتين، وطعم الدم ينقط في فمها.
لكنها فهمت أمرين.
أولاً، عليها إيقاف هذه الفتاة هنا والآن.
ثانيًا، لن تسمح بتسليم محتويات الحقيبة لأي أحد.
بيدٍ واحدة، أزالت السهام المعدنية القليلة الباقية على حزامها حول فخذها تحت التنورة. كانت فقط اثنتين. قبضت عليهما بشدة حتى كادت تسحقهما، ثم وكأنها تشجع نفسها رفعت رأسها نحو السماء وأطلقت صرخة عبثية.
لم تنهض الفتاة من على الحقيبة. لا تزال ساقاها متقاطعتين بأناقة أمامها، تلعب بالسهام المعدنية المقعقعة في يدها. ثم حركت الكَشَّاف العسكري — الذي يمكن أن يستخدم أيضًا كعصا شرطة — ودَوَّرتهُ، راسمةً حلقة من الضوء في الهواء. ثم نظرت إلى الضعيفة التي تتلوى وتكافح عند قدميها بازدراء حنون.
وكانت لحظةٌ من الصمت.
ومرَّ صوت محرك سيارة عند مخرج الزقاق من الطريق الرئيسي.
اتخذت الفتاتان ذلك إشارةً للتحرك.
ولا حاجة لأكثر من ثانية واحدة لتحديد النتيجة.
طارت أكوام من الإبر المعدنية عبر الهواء، تنثر قطرات دم عذراءٍ نقي. ومعها جاءت صرخة.
وبصوت رطب لملابس متسخة تسقط، كانت شيراي كُروكو على الأرض.
هب النسيم. ولم يتبعها هجومٌ قاسم. غادرت الفتاة الأخرى الزقاق، تاركة ضابطة الجدجمنت على الأرض مدعوسة.
تخطو بخطوات خفيفة سَرورة، ولم تبالي باستخدام موڤ پوينت.
ومعها الحقيبة.
(أ-أونيه-ساما...)
في إحباطها، صَرَّت أسنانها واعتذرت في داخلها. خارت عنها القوة وعجزت عن جمعها لتجهر بأفكارها.
هي تعرف ما عليها — وما أهدافها.
ومع ذلك ها كانت شيراي كُروكو الغِرّة تعجز عن تحقيق أي منها.
- ما بين السطور 2
في المستشفى حمام به حوض استحمام مخصص للمرضى المقيمين.
استندت معلمة التربية البدنية يوميكاوا آيهو، ذات الزي الرياضي الأخضر، بظهرها على باب الحمام. كانت الجمال بعينه لدرجة أن لبسها الزي الرياضي بدا هدرًا وحرام. وبرز كاعبها أي صدرها من القميص البسيط يجذب كل ناظر. وحقيقة أنها لم تُدرك قيمة هذا السلاح إطلاقا جعلها تبدو أكثر عرضة للخطر وبلا حماية.
(يا الغبية كِكيو، دائما ما تعطيني أغرب مشاكل!)
تنهدت مستذكرة وجه صديقتها القديمة، الباحثة التي كانت في المستشفى حاليًا. وخلال المرة الوحيدة التي سُمح ليوميكاوا فيها برؤيتها، قالت لها الباحثة "اعتني بالطفلين". ثم فقدت الطالبة وعيها مباشرة بعد طلبها، تاركة يوميكاوا بدون تفاصيل ولا خيار للرفض.
وعلى ما يبدو قد أُسنِدَ إليها رعاية ثنائي فريد من نوعه من الأسابر.
والآن كانت تسمع أصوات الطفلين من الجهة الأخرى من الباب — وهما في حوض الاستحمام.
「رُشّي-رُشّي-رُشّي رُشّي، تقول ميساكا وميساكا تركل الركلات في حوض الاستحمام الضيق. يااه أَتُرى هذا نوعٌ من الترفيه الداخلي مُصمم للأجسام الصغيرة، تستفسر ميساكا وميساكا تستكشف الاحتمالات الجديدة」
「خرا، لا ترشي الماء على وجهي! ولا تسبحي في ذا الحوض الملعون!!」
「آه لو تقدر تستخدم انعكاسك، تقول ميساكا وميساكا تنظر إليك مُشفِقة. بس بس تَرى، اتضح أن حتى أقوى الأسابر يبكي على دخول الشامبو في عينيه، هييييه؟ تقول ميساكا وميساكا مندهشة」
「ما فقدتُ انعكاسي. إنما لا يمكنني التصرف به كما أشاء، كل هذا لأنني أستخدم شبكتك لأجري الحسابات. ولو استخدمته الآن هنا، سيرتد كل الماء عن جلدي ولن يكون قدومى إلى هنا ذو جدوى...وبعد، أنا لا أبكي، الشامبو في عيني لا يؤلمني! عَلّها تكون أوّل مرة يدخل فيها هذا الشيء اللعين إلى عيني لكني لا أهتم!」
「رُشي-رُشي-رُشي رُشِّي!」
「يوميكاااااااااواااااااا!! لماذا؟! لماذا أتحمل هذه الملعونة الصغيرة تخبط في الماء طوال اليوم؟!」
(يليل، والآن يُكلّمانني.)
رفعت يوميكاوا حاجبيها. 「لا بآااس! فمن الخطير أن نترك طفلة في الحوض دون مراقبة. ولربما قد تغرق، فَهِــۤـمت؟」
「فلماذا أنا؟! تعالي محلي」
「لا بآااس! لو لعبت مع طفلة مشاكسة مثلها، لتبللت تمامًا، فَهَـــۤـمت؟ كذلك، يجب أن تغسل نفسك جيدًا الآن بعد أن استطعت أخيرًا أن تستحم، زيــــۤــن؟」
「هراء...!! لماذا يحيطني باستمرار أناس يفتقرون إلى القدرة الذهنية على الاستماع؟!」
「لا عليك لا عليك، تقول ميساكا وميساكا تواسيك. ميساكا تفهم أن هذا محرجٌ لك، لكن كما ترى، ميساكا مجهزة بعتادٍ أسطوري يدعى منشفة الاستحمام. تركيزك المفرط على الأمر سيُصعب عليك، كما تقول ميساكا وميساكا تقدم لك نصيحة حياتية」
「نعم نعم، صحيح. هاك، ابلعي رشة ماء على وجهك كشكر」
「بعففف؟! تقول ميساكا وميساكا تسقط من الهجوم المفاجئ! وقحٌ أنتَ — قد خاطرّتَ بحياتك لتدافع عن ميساكا ميساكا في نهاية الصيف، تقول ميساكا ووجه ميساكا يَشحُب!」
「هاه؟... مهلا لحظة!」
「كنت لطيفًا جدًا مع ميساكا عندما كاد الفيروس يدمرها، فلماذا لؤمت هكذا الآن مع ميساكا — أسئمت ميساكا؟! تسألك ميساكا وميساكا ترتجف من هذا الاحتمال!」
「...ءهـ؟ ما قلتِ توا؟...الفيروس؟」
「أحا، تقول ميساكا وميساكا تضع يدها على فمها」
「لا تقولي "أحا" وتتهربين يا شقية! كيف تتذكرين ما حدث في ذلك اليوم؟!」
「أمم، تقول ميساكا وميساكا تلمس خدها بالسبابة وكذا」
「كان من المفترض أن تفقدي كل ذكرياتك عندما انتشلت ذلك الفيروس اللعين من دماغك!」
「ميساكا تشارك ذكرياتها مع كل الميساكات في الشبكة، من #10032 إلى #20000، تقول ميساكا بصراحة」
「...أه」
「بشكل عام، أعتقد أنه إذا فقدت ميساكا واحدة ذاكرتها، فلا بأس، لأنها تملك نسخة احتياطية، قالت ميساكا وميساكا تخرج لسانها بظرافة. هذه ليست ذكريات ميساكا الأصلية، لكن يمكنها استعادتها بامتصاص الذكريات من ميساكات أخريات، تقول ميساكا وميساكا تقوم بحركات يائسة في معركة وحيدة تهدف لتهدئة غضبك وكذا」
「حسنًا... إذن ماذا؟ أتذكرين أيضا ما الذي صرخت به في ذلك اليوم.........—؟」
「"نعم، قتلتُ عشرة آلاف من تلك الأخوات. لكن هذا أبدًا ليس بسببٍ لأترك العشرة آلاف الأخريات تموت. أعلم نفاق قولي. وأعلم شِدّة الكلمات التي أنطقها الآن! لكنك مخطئ! قد نكون نحن تجسيدًا للقمامة البشرية، لكن مهما كانت أسبابك، محال بأي شكل وكان أن تجعل من المقبول قتل هذه الشقية!!" تقول ميساكا وميساكا تسترجع الذكرى والدموع في عينيها」
「أيا...الشقية الملعونة... سأقتلك...!!」
「لا بآااس! وأصلا صديقتي تركت علي مسؤوليتها، فلا تضغط عليّ بمزيد من العمل، واضح؟」 قالت يوميكاوا من وراء الباب، تستمع إلى الاثنين يتبادلان رشق الماء ثم يتفاوضان.
قال لها الطبيب أبو وجه الضفدع إنهما قد يكونان صعبي المراس، لكن لا قلق عليهما.
بهذا المعدل، ما بدا أن وجودها معهما ذو حاجة بعد الآن. فحان وقت العودة إلى عملها.
تنهدت يوميكاوا وسحبت ظهرها عن الباب. 「رسالةٌ لكما. هذه الآنسة الطيبة عليها الذهاب إلى عملها في الأنتي-سكِل، فلا تحرقا المكان أثناء غيابها، وآااضح؟ أحسنوا الأدب يا أطفال وسأحضر لكما تذكارًا أو اثنين」
「طــــۤــيّــــــۤــــب! تقول ميساكا وميساكا ترش رشات كبيرة من الماء بهجومها الخارق رشرشات الرشاش المائي」
متجاهلة الرد 「يــــــــــــا كــــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــبـــــــــــــــــــة」، حملت يوميكاوا حقيبة الرياضة الكبيرة عند قدميها وخرجت من المستشفى.
وكان في عينيها لمعان حاد.
حقيبتها ثقيلة ومليئة بمعدات الأنتي-سكِل المعتادة.
بعد أن غادرت يوميكاوا وأنفق الاثنان كل ما تبقى من مياه الاستحمام الثمينة في الحرب، توصلا إلى معاهدة سلام.
「هراء. ما عاد الماء يصل إلى حِجري حتى...」
「حتى أنّ ميساكا بالكاد تستطيع الرش الآن، تقول ميساكا وميساكا تُميّل رأسها تتساءل لو أمكنها تغيير النتيجة لو كانت أذكى كفاية」
「كُـ ـفّـ ـي. عـ ـن. الـ ـرش. فأنا مجروح لو نسيتِ!!」
「أصلا أصلا، شعرك نما بسرعة مجنونة، لذا لم يعد بالإمكان رؤية ندبة العملية، قالت ميساكا متعجبة. مهلًا، هل سيكون ذلك مخالفًا للقوانين إذا قمنا بتحفيز تجدد أنسجة جسدك ابتداءً من مستوى متجه الإشارة الكهربائية؟ تسأل ميساكا وعيناها تتوهجان بأسرار الجسم البشري الرائعة」
「أقول لك، الشقوق في جمجمتي لم تلتئم بعد!!」
「رُشّي-رُشّي، بُقّي-بُقّي، طِقّي-طِقّي!」
「...」
「لو عرفت يوميكاوا كم من ماء أضعناه الآن، ستكون غاضبة، تقول ميساكا مُتذكِّرة وميساكا ترتجف. لكن ربما لن تعود إلى المستشفى اليوم، قالت ميساكا وهي متفائلة.」
「هِه؟ سمعت شي عن ذلك؟」
「يعنــــۤــــي، ليس من يوميكاوا، قالت ميساكا وميساكا...」
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)