الفصل الثاني: جَنُوبًا
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
في الصباح دخل شائبٌ ذو بدلة إيطالية فاخرة محلّ زهورٍ في محطة يوكوهاما.
「هلا هلا بآنستي. تمنيت أن أصنع باقةً من بعض الزهور الموسمية، لكنّي مع الأسف لا أعرف عنها الكثير. فهلّا تخبريني أيُّ زهور زاهرة هذا الموسم وتُوَصّيني بعضها؟」
「مم، نحن في الخريف، لذا فزهور الموسم هي الدانتيل الذهبي والكوشاد والبَلسام، و... ربما الأقحوان؟」
「أقحوان أبيض! ممتاز. وما كان معناه في لغة الزهور؟ الحب الأبدي؟ أم الفراق الأخير؟ حسنٌ، لا بأس. هلّا تختاري لي بعض الزهور المختلفة وتُعدّي منها باقةً جميلة؟ و، تعرفين، رتّبي الألوان وأبديها حسنة ومتناسقة」
وأن الفتاة بالمئزر لم تقترح أشهر الزهور وأغلاها، يُبيّن أنها موظفة جزئية. أعدّت الباقة بتأنٍ يدلّ على قلة خبرتها، لكنّ الشايب راقبها مبتسما هادئا. كجَدٍّ يرقب حفيدته.
「هاك تفضل」
「شكرًا. نعم، هذه باقةٌ تبعث السرور في النفس لمجرد النظر. سررتُ باختياري هذا المحل」
دفع لها إكراميةً سخية ثم ودّعها.
وبعد خروجه من محلّ الزهور، انضمّ إليه خادمان يرتديان بذلتين رسميتين عند جانبيه.
لم تكن وجهتهم بعيدة.
غادروا المحطة الكبيرة، والشايب يرفع الباقة إلى وجهه متمتعًا بعطرها. وبينما يسيرون، أخذ مزيدٌ من الخدم والخادمات ببدل سوداء ينضمون، حتى تجاوز عددهم العشرة.
وصلوا إلى مبنى عاديٍّ متعدد الطوابق.
لكنّ الطابق الأرضي لم يكن يضمّ متجرًا أو مقهى كما هو معتاد، بل أُغلق بأبوابٍ معدنيةٍ سميكة. أما لوحة أسماء الشركات بجانب الباب الزجاجي فكانت فارغةً تمامًا. بدا المبنى كتلةً خرسانيةً تبعث شعورًا خفيًّا بالرفض، كأنها تحذر المارّ العادي من الدخول.
فتح أحد الخدم الباب الزجاجي فدخل الشايب حاملاً الباقة على كتفه.
قد أفسدت هيئتهم المتأنقة كل الجهد المبذول لجعل المكان يبدو عاديًّا.
دخلوا الطابق الأرضي خلف الأبواب المعدنية.
وأدار الشايب معصمه ليلفّ الباقة من على كتفه وقال.
「هل من أخبار عن صكّ الأرض المسروقة؟」
「عثرنا عليه」
「دفاتر حسابات الديون، صورٌ فاضحة، رُخَصٌ منسوخة—لا يهمّ ما تكون. استعيدوا كل ما قد يُستخدم حُجةً لابتزازنا」
「العملية جارية يا سيدي」
「إذن ما بقي سوى التنظيف」
ملأت رائحة التراب المكان.
أُزيل لوحٌ كبير من الأرضية فكشف عن أساس نظام امتصاص الصدمات وعن التربة السوداء تحتها. ورأى الخادم الشايب شيئا مغروسًا في شكل صفوفٍ منتظمة، كما لو كانت رؤوس كرنب.
ولكن ما داعي الكرنب، فهنا كانت رؤوس بشر.
ولا زالوا أحياءً، مصطفّين على هيئة أربعة صفوفٍ بخمسٍ في كل صف، أي عشرين رجلًا. جميعهم رجالٌ ضخام، بوجوهٍ شرسةٍ أوحت للمرء أنه لن يرغب في لقائهم في زقاقٍ ليليٍّ مظلم. ولقد دُفنوا أحياء واقفين.
「أنتم أعضاء نادٍ جامعيٍّ غير رسميٍّ تُقرضون الربا، أليس كذلك؟ بعد كل المصائب والمتاعب، صُدِمتُ حين علمتُ أن هذه لم تكن سوى هوايةٍ لكم」
لم يُتح لهم فرصةَ الصراخ غضبًا.
ما هو بوقت الصراخ.
أولئك الشبان من اعتادوا حب الحياة باتوا الآن يتصببون عرقا يرتشعون. ما عساهم يجرأوا على النطق، حتى والفئران والحشرات تنهش وجوه بعضهم وآذانهم.
「كلهم جاءوا من بلدٍ غَشتهُ الحرب الأهلية」
بدا الشايب الحامل للباقة مستاءً وهو ينظر إليهم من على الحافة.
「ذاك الشائب اكتشف أناسًا لم يفعلوا خطأً واحدًا في حياتهم غير أنهم ببساطة وجدوا أنفسهم ينتمون إلى أقليةٍ عرقية اعتبرتها دولتهم مُجَرّمةً سياسيًا ووجبت إبادتها. حظّهم أنهم استطاعوا الهروب إلى اليابان، ثم انتهت تأشيراتهم. فأواهم الأحمق في ورشته الصغيرة — وإن كان فيها مخاطرة، وذلك يعرضه للاعتقال معَهم. لكن لو طُردوا إلى بلادهم، فَخَتمٌ على أوراقهم هو خَتمٌ بموتهم. أشفَقَ عليهم، فأخذهم وعَمّلهم..... فها أنتم رجعتم عليه بالتهديد والإبتزاز، وسرقتم منه الكثير، وكنتم مرابين إلى أن أخذتم المصنع والأرض. أتراني نسيت شيئا؟」
أمكن للرجال المدفونين تصور ما ستكون عليه النهاية.
الأغلب أنهم لن يفعلوا شيئًا. أُغلق سِجلّهم وانتهت لعبتهم.
...قد يبكي الرجل منهم ويصرخ، لكنّ بعد ثلاثة أو أربعة أيام، إما أن يكون قد تلاشى أثره دون أن يلاحظ أحد، أو أن تكون الفئران والحشرات قد أزالت كل الأنسجة اللينة وبقيت الجماجم خاوية عليهم وهم أحياء.
وأخيرًا...
وعلى غير ما تقتضيه الحكمة، انكسر أحد الضحايا.
「م-ماذا، أتحسب نفسك صالحًا لأنك أنقذت مجموعة مستضعفة؟ لا تتظاهر بالبطولة وأنت مثلنا مجرم!!」
「لا أذكر أنني وصفت نفسي هكذا. ولا تظن أننا من جانب الأخيار. ونحن لا نعين الضعفاء والمتألمين بالمجان」
「أوه」 قال أحد الخدم.
ثم انتزع الرجل الحامل للباقة صندوقًا معدنيًا يشبه في حجمه علبة مناديل من أحد الحراس.
حين دَوَّره بيده كما يُدَوِّرُ سكينًا، تحوّل الصندوق المعدني إلى رشّاشٍ صغيرٍ على شكل T.
「إنما أحاول إنقاذ الناس القادرين على فعل ما لا أستطيعه. كفّارة لعجزي عن أن أكون رجلا مثلهم」
طَه، ط طاخ!!
بعدة طلقاتٍ، تفجرت رؤوس الرجال الذين نخرهم الجرذ وسوس الأذن تنبثق منها حُمرة.
وقُربَ الشايب أمسكَ الخادمُ الشاب جبهته.
ولكن ليس تروّعًا من الموت الحاصل أمام عينيه.
「سيدي!! كنتَ تركتنا نتولّى هذه الأعمال القذرة. ولن يعرف [الدم] شيئًا على ضمانتنا لحمايتهم!!」
「عذرًا، عذرًا. ونادني "بالمدبّر" أو "رئيس العصابة". فهذا الأنسب لشرير」
بعد اعتذارٍ عابر، سلّم الشايب ذو البدلة الإيطالية الرشّاش الصغير إلى الخادم.
「همم، سلاح قوات خاصة روسي؟ وهذا فخمٌ، ولا؟ العصابات أمثالنا ما عليها أن تحمل أكثر من مكائن شيكاغو」
「في هذا الزمن، لا أحد ليصف تلك القطعة الثقيلة الضخمة رشّاشًا بالمعنى المعروف」
نظر الشايب إلى الباقة. ثم خفض بصره نحو الحديقة الملطخة بالبقع الحمراء.
「اشتريتها لقبرهم، لكني الآن أراها ضياعا عليهم」
「معك حق. لنجعلها زينة عند إحدى مزهريات القصر」
غادر الشايب المبنى متعدد المستأجرين يرافقه الخدم والخادمات مودّعين.
وما إن ينظفوا كل شيء، لن يبقى أي أثر.
「قال صاحب المصنع إنه سيفعل أي شيء، ها؟」
「نعم. بكى وتوسّل لخادمٍ مثلي، وقال إنه سيفعل أي شيء من أجل عائلته وموظفيه، ولهؤلاء الشبان」
「فأخبره إذن أنه لن يُسمح له بعد الآن بعيشةٍ غير عيشة سعيدة. واسمع، ذلك رجلٌ تفوّق عليّ بجهده وحده، وأنا رأس الموغينو. فقل له أن يفتخر بقراره. لن أسمح له أن يعيش بؤسًا أو أن يموت ميتة العبث」
「اعتبرني فعلت」
「أن تَجِد شبابًا من بلدٍ محاصرٍ بالحرب الأهلية وتأويهم قبل أن يسبِقك إليهم أحدٌ، هاه؟ ما توقعت أن أخسر هذا الحد. هاهاها! أن يكون هناك أحمقٌ كريمٌ غيري يسبقني في هذا」
هؤلاء من الموغينو.
ليست جماعةً تنزعج من بضعة عشرات من الجثث.
- الجزء 2
انفجر انفجار في شينجوكو، طوكيو.
رفع ذلك أولوية الأمر إلى الشرطة.
المفجر هرب من مدينة الأكاديمية. لم يعد موضوع وجود المفجر أمرا "محتملا"؛ صار تهديدًا حق. لم تعد السياسة والاقتصاد كافيين لتبرير جلوس الشرطة مكتوفة الأيدي بسبب امتيازات مدينة الأكاديمية الإقليمية.
سوباساكا مِتشيو اشتعل بالحماسة.
وهو ضابط شرطة.
كانت هذه فرصة مثالية للتحقيق فعليًا في أمر المدينة الأكاديمية التي تزعم امتيازات إقليمية رغم وجودها داخل إقليم طوكيو. فإذا أمكن استغلال وجود ذلك المفجر "ذريعةً" لطلب فتح تحقيق، فقد يتمكّن من كشف الكثير من الشبهات التمّامة والهامسة حول تلك المدينة. لو ترك هذه الفرصة تفوته، فلن يحصل على أفضل منها. وكذلك، ما عساه يسمح لذلك المفجر أن يهرب فيضر بمدينته.
(أخيرًا جائتني الذريعة التي أحتاجها لألاحق المدينة الأكاديمية)
لم يحب كيف أن هذه الفرصة سقطت إلى حجره بدل أن تكون إنجازًا حققه بنفسه، لكنه لم يكن غبيا يرميها لسببٍ كهذا.
في طفولته صادقَ سوباساكا ميتشيو صبيًّا آخر.
وكل الناس كانوا ينادون ذلك الصبي هِياموغي.
وكان اسمه العائلي واحدًا من أكثر الأسماء شيوعًا في البلاد، وكان دائم الصحبة لسوباساكا. وكانا مُقرّبين.
عندما انتقلا من الابتدائية إلى الإعدادية، ذهب هِياموغي إلى المدينة الأكاديمية.
ابتسم وقال إنه سيكبر ليصبح ضابط شرطة الإسبر.
وأنهما معًا سيحلان أصعب القضايا.
「...」
ذهب إلى المدينة الأكاديمية ولم يعد.
لم يعرف سوباساكا إن كان حيًا أم ميتًا، لكنه يعلم أن هِياموغي لم "يتخرج" بسلام. سمع شائعات بأن هِياموغي قد خضع لتجارب سريرية في أبحاثٍ غريبة، لكن الشائعات شائعات. لم يعثر على أي أثر للحقيقة.
وبقي سوباساكا.
هو وحده كبر، وأصبح محققًا شرطيًا، وبقي وحيدًا في العالم الذي كانا يحلمان به.
(لن أتركهم يفلتون من العقاب. وليس هياموغي فحسب. سأترصد أكثر أسرار المدينة الأكاديمية ظلمةً وأكشفها إلى العالم)
لكن الصوت القادم من جَوّاله كان قاسيا.
استسلم لعادةٍ البالغين الشيّنة في اليابان. تمنى فورًا لو أنّه لم يرد على المكالمة.
『ارجع يا سوباساكا』
「لماذا يا رئيس؟! قد جمعت تقارير شهود عن فتاة شقراء يبدو أنّها تشبه من نبحث عنه. بصراحة، استصعبت رسم قبعتها الفرنسية وعباءتها وشعرها الأشقر من كثر بروزها، لكن! يبدو أنها كانت تسأل الناس أيُّ قطار يذهب إلى يوكوهاما. إن لم تكن تعرف المدينة، فمن المحتمل أنها ركبت القطار البطيء، لذا لم يفت الأوان بعد أن نلحقها!!」
『وأين يتجه ذلك القطار؟』
تلعثمت كلمات سوباساكا.
مستحيل...
『عبر حدود المحافظة حيث مَدخلُ كاناغاوا. هذا يعني أنه يندرج تحت اختصاص دائرة شرطة أخرى. نحن معنيون في طوكيو، وما عادت هذه مهمتنا』
「لا يعقل... أيعني هذا أن نطلب دعم شرطة المحافظة تلك」
『موضوعنا المفجر. سيكون حادثًا كبيرًا إذا صُنِّفَت قضيةً واسعة النطاق وأُنشئت دائرة تحقيق مشتركة. فلا تتصرف وحدك』
تجمّد الوقت.
كان على الشرطة أن تقاتل من أجل حماية القانون، ولكن قوانينهم تُعيقه الآن.
شريكُه الجديد واقفا متوترا يشاهد صياح سوباساكا بكل ما أوتي من قوة.
- الجزء 3
「يم، يم☆」
حملت فريندا سيفلن كعكة مطرزة بخارية صينية أمام صدرها وأخذت تقضمها، بابتسامة عريضة. المنتَج الخريفي الحلو للغاية كان على ما يبدو من كعكة بطاطا حلوة مطبوخة على البخار.
في يوكوهاما بمحافظة كاناغاوا. وبالتحديد في الحي الصيني.
كانت عائلة موغينو متورطة بلا ريب في هذا الحادث، لكن فريندا لم تكن ناوية المواجهة مع منظمة دولية تضم أكثر من مئة ألف نفر.
من الذي يتخذ القرارات وبأي طريقة؟
عليها أن تحصل على حقائق ملموسة، لا فكرة عامة عن منظومة هائلة. يجب أن تعرف بالضبط مَن في ذلك الصندوق الأسود قد هاجمها. وبعد أن تعرف، ستصبح المواجهة مع فرد واحد. لا حاجة لها لمحاربة مئات الآلاف من الناس.
(إذا كانت عائلة موغينو تعمل بمنطق الربح والخسارة، فستتراجع سريعًا عندما تعلم أن مواجهتي تُكَبَّدُ بالخسائر فقط. وأيا كان من في [الدم] أو [الإدارة] يقف وراء هذا، ما إن تتزايد الخسائر، سيُعزل عن العائلة!)
هدف فريندا هو تعقب الشرير، لكن الآن صار الأمر يتجاوز إثبات براءتها.
ما كانت لتقول إنّ سائق الشاحنة كان إنسانًا صالحًا بالكامل. ولكن باعتبارها ضَحيتهُ، كانت فريندا الوحيدة القادرة على منحه الغفران. وقد سُلب منها هذا الحق حين قتله الشرير. دون حتى أن يسأل أولاً.
تذكرت فريندا صورة العائلة بجانب مقعد السائق.
لِقتل إنسانٍ عادي ثمنٌ. وأيا كان فاعلها، فسوف تتأكد من أنه سيدفعه.
ولن تسمح بأن تنتهي الحكاية بحديثٍ فارغ عن أن القضية التي تقع داخل صندوقٍ أسودٍ كبيرٍ ومعقّد يمنعها من معرفة مَن في عائلة موغينو نفّذ ذلك الهجوم.
سَتُحَدّده، قطعا.
「...」
لهذا جاءت إلى يوكوهاما.
يقع قصر آل موغينو في أرقى عقارات هذه المدينة.
(طيّب، إن كنتُ سأواجه عائلة موغينو حقا، فعلي أولا أن أُجَهّز قاعدة. في النهاية، هذا ما تفعله الشرطة والمنظمات السرية. لمراقبة الهاربين لديهم شبكة تتابع الفنادق وإنترنت كافيهات، لذا سأحتاج إلى مكان لا تلتقطه تفتيشاتهم)
「عليّ أستأجر غرفة مشبوهة لا تتبع فيها شروط القانون. أو أذهب أبعد من ذلك」
من أكشاك الطريق إلى البارات والمطاعم الفخمة، تفاوتت جودة وحجم الأماكن. وكان لسردين صيني رخيص لا يختلف كثيرًا عن مطعم الوجبات الجاهزة قد شغّل تلفازَه على صوت مرتفع لدرجة أن فريندا كانت تسمع المذيع المعروف ذو النظارات الشمسية وهو يطرح على الضيف كلّ أنواع الأسئلة حتى من خارج المكان.
آنت الساعة.
عند الظهيرة، والشمس في كبد السماء، قرّر شابٌ بلطجي مَلول أن يتغيب عن عمله وأخذ يعتدي ضربًا على رجل فقير في زقاق الشارع، وأكملت فريندا وجبتها الخريفية الثانية (كعكة بطاطا مع زبدة) بابتسامة وهي تركل بقوة ساقه حتى كسرت عظمته السميكة. كلّ من في الجانب المظلم يرسُم [خطّ] الاحتراف والهواة، لكن فريندا كانت ترى أن أيّا مَن يخالف القانون عمدًا يقع على جانبها من الخط. حقًا، عليه أن يشكرها أنها لم تكسر ركبته.
(أولا، أُبطئه بعد أن أكسر له ساقه الداعمة التي لا يستطيع حمايتها بيديه. في النهاية، هذا كله ما علّمتني إيّاه موغينو... والآن سيُوجَّه كل ذلك ضدي. مخيف)
صرخ البلطجي وبدأ يزحف مبتعدًا، لكن فريندا لم تكلف نفسها حتى أن تتابعه.
نظر الفقير إليها من مكانه على زقاق الطريق.
「أ-أنقذتِني. ولكن هل ستكونين بخير؟ ربما تورطتِ بسببي」
「في النهاية، تعلم أنني لستُ متطوعة ساعية للسلام عادية، ها؟」
「نعم، أعلم. ومع ذلك، أنقذتني. أشكرك. لكنك فتاة غريبة. أعلم أن لديك دوافعك، لكن قلّةٌ من الفتيات الصغيرات يردن أن يقضين الليل في صندوق كرتون على زقاق الطريق」
- الجزء 4
على خلاف الشرطة، لا مانِعَ يَمنعُ الأشرار. لذا أخَذَت الآيتم شهاداتٍ ومعلوماتٍ متفرقة من الشهود حتى تشق طريقها نحو يوكوهاما.
وإلى أجواهن تسللت موسيقى كلاسيكية هادئة،
وكانت أداءً حيًّا لا تسجيلًا.
تتنوع وجوه مدينة يوكوهاما؛ من الميناء والحيّ الصيني وحيّ الإلكترونيات الصغير المليء بمحالّ الحواسيب وغيرها.
وكانت موغينو وتاكيتسوبو وكينوهاتا يعقدن اجتماعًا تخطيطيًّا في الطابق الأعلى من فندق فاخر يطل على الواجهة البحرية. ذلك الطابق العلوي كان مطعمًا فرنسيًّا ذو خمس نجوم، تُحجز فيه المقاعد مُقّدَمًا قبل سنتين كاملتين. نفوذهنّ داخل المدينة الأكاديمية لا يمتد إلى هنا، لكن ذلك لم يكن يهمّهنّ.
فهذه المرة استخدمن نوعًا آخر من القوة.
لم ترتاح موغينو لمدى تكلّف المطعم وفخامته، لكنها...
「هذا ما يحدث دائمًا عندما أترك مُجِنَياما يتولى الترتيبات... مستودع في الميناء أو خلف متجر صغير يكفي تمامًا مَخبأً للأشرار لو سألتِني」
「بقوة على غير العادة، مو مسموح لنا بالقتل. يعني، غير فريندا-سان، فهي الهدف」
「وَ؟」
「أظن أن مُجِنَياما-سان أحسنَ الاختيار. هِنا بقوة لن نتورّط في المشاكل مع المقيمين، مثل ما في الفنادق الرخيصة إلّي تفصل الغرف ألواح خشبية」
「اغ」 ثم تأوهت موغينو ولزمت الصمت.
وبالطبع، ما كان كبير الخدم الشايب قلقًا من احتمال تأذي موغينو، بل كان يخشى أن تُقدم على تهوّر بقتل أحمقٍ.
فعُلّية القوم اعتادت التنقّل بسيارات يقودها خدم مخصوصون بدل اسقلال القطار، وأكل الطعام في المطاعم الراقية بلباس رسمي بدل المطاعم الشعبية. وكان ذلك تجنّباً لأي احتكاك مع من يعتبرونهم "واطنين" [1]، كأن يُتَّهَموا اتهامات تحرش كاذبة من نساءٍ ما كانوا ليلمسوهنّ حتى لو دُفع لهم المال، أو سكارى يتمنون لو يُلقى بهم سريعًا في زنزانة تحفظهم وتمنحهم مأكلاً. ...مع أن موغينو كانت ترى أن المنحرفين الأصل هم في الحقيقة مِن أبناءِ تلك الطبقة الراقية نفسها.
حين رأت كينوهاتا الطبق يوضَع أمامها، ارتدت قليلا إلى الخلف وعبست تنظر إلى الطعام من زوايا. كان ثلاثي الأبعاد، مغطّى بما يشبه الشعاب المرجانية في رقّتها وتعقيدها.
「عجيب كيف بقوة نأكل هذا؟」
「ماذا، لَم تأكلي شطيرة من قبل؟」
ردّت موغينو ببرود ترفع شطيرتها وتبدأ بالأكل كأنها أكلة طبيعية.
ودلّت الأصوات المقرمشة التي تصدرها على أن ذلك الشيء الرقيق من معكرونة مقلية. كل أطباق الخريف كانت لتبكي حسرةً بدأً من المأكولات البحرية وحتى الفَقعِ (الكمأة).
「إيرل ساندويش كان بريطاني، يِييع ماذا تفيعله السندويتشات في مطعم فرنسي؟ حيل مريب」
「كينوهاتا ترى حتى فرنسا فيها المعكرونة والأرز بالكاري، ما تدرين؟ المسألة ليست الأصالة [2]، المهم أن الطعم حلو」
في الظهيرة.
في شينجوكو – طوكيو، أُقيمت عدة نقاط تفتيش بسبب حادثة الهارب والانفجار، لكن ما إن عبرن حدود المحافظة حتى عمّ الهدوء. إلا أن ذلك الهدوء لن يدوم إذْ أنشأت الشرطة مقرّ تحقيق مشترك.
الساعة تدق.
فماذا اتخذت فريندا سيفلن الخطوة التالية؟
كانت تاكيتسوبو، التي ما زالت ترتدي بدلة الرياضة حتى وهي جالسة في مطعم فرنسي فاخر، هي من فتحت باب النقاشٍ،
「أتساءل ما سبب مجيء فريندا إلى يوكوهاما」
「لو كانت تنوي الهروب من البلاد، لكانت ناريتا أو هانَيدة أوضح الخيارات، ولَقُبِضَ عليها فورًا. لذا ربما اختارت يوكوهاما لتستقل سفينة شحن وتبحر ببطء عبر البحر」
「إن كانت على ذلك، فسوف تضطر إلى الاعتماد عَلَيـ"ـهِمْ"」
ردّت تاكيتسوبو وهي تحرّك الشطيرة في طبقها وتلعق صلصة برتقالية تشبه صلصة الكركند عن إصبعها، رفعت نظرها لتوضح مقصدها،
「آل موغينو」
「...」
ومجددا صمتت موغينو شيزوري.
كانت قوة تلك العائلة هي ما مكّن الآيتم من استخدام هذا المطعم الفاخر في الطابق الأعلى من الفندق دون حجز مسبق. ولو لم ترسل موغينو رسالة عبر الساقي، لكان الطاهي نفسه قد جاء ليُحييها رافعا قبعته بكلتا يديه. وهذا ليس شيئا تتمناه أثناء مناقشة عمل غير قانوني.
رفعت كينوهاتا شطيرتها بتردد بكلتا يديها تقول،
「آل موغينو، ها؟ وهي منظومة عنف في العالم الخارجي، لا؟ وهم حيل أهلك يا موغينو؟ بالدم؟」
「مَه، وعلى الأغلب سأرث الورث كله في النهاية. حتى لو أغضب ذلك أبناء الموغينو الآخرين لأنّ جدي تخطّى جيل أَبَوَي واختارني أنا」
「هذا يوضّح مدى قوة ارتباط موغينتنا بالعائلة. لا أظن أن فريندا تهرب إلى يوكوهاما وهي تعلم أن الآيتم تلاحقها」 قالت تاكيتسوبو بوجه خالٍ من التعابير. 「حتى لو جمعت المال واستعدّت سرًّا، فموغينو ستكون على علم بكل شيء. وإن خططت للهرب بحرًا، فهناك العديد من الموانئ الأخرى」
وإن لم يكن ذلك هدفها، فيوكوهاما مدينة غير مناسبة أبدًا للهروب من موغينو شيزوري. وكأنما فريندا تعمّدت إدخال رأسها في قلب شبكة مطاردتها.
بل كأنّ...
「يبدو لي موضوع آل موغينو هذا حَيل مهم. كأنها لا تريد القرب منهم، لكنها مع ذلك تتعامل معهم. ولو كان هذا الأمر، فهذا بقوة مريب في نظري」
- الجزء 5
يومٌ مشمسٌ آخر في المدينة الأكاديمية.
على أنّ أشعة الشمس كانت أحرَّ مما يُتوقّع في فصل الخريف.
ظهرت شائعات تقول إن الظروف الجوية تُعَدَّلُ اصطناعيًّا حول الفعاليات الكبرى، لكنّ الحقيقة بقيت غامضة.
في مدرسة ابتدائية في الحي الثالث عشر، تغيّر الجدول المعتاد وخرج الطلاب إلى ساحة المدرسة. الأولاد والبنات يرتدون ملابس الرياضة الصيفية ذات الأكمام القصيرة. وكانت فريميا تتمنى لو استطاعت ارتداء السراويل القصيرة مثل الأولاد، لكن لسببٍ ما كانت الفتيات هنا يرتدين سراويل بلومر للرياضة.
وكل ذلك لأننا في سبتمبر.
وقت اقتراب مهرجان الدَيْهَسِي، أيْ ببساطة إنه مهرجان رياضي ضخم تشارك فيه جميع مدارس المدينة الأكاديمية.
هو الموسم الذي يتوّج فيه العَدَّاء عرشه.
أما بالنسبة لتلاميذ الصف الأول الابتدائي، فهو حدث كبير لدرجة أنه يشبه الحروب الصغيرة في عيونهم.
「لا نرضى إلا بالمركز الأول! هيّا أزومي، أرينا حماسك في تدريب اليوم! سنهزم كل المدارس الأخرى ونقف على منصة الفائزين!」
「فريميا-تشان، أليس من المقرر أن تُقسَّم مدرستنا في مهرجان الدَيهسي؟ مثل أنّ، كل صف سيكون ضمن فريق بلون مختلف، لا؟」
تساءلت صديقتها أزومي، وهي فتاة ترتدي نظارات وتميل رأسها بتردد، لكن فريميا ذات السبع سنين المشتعلة حماسًا في ملابسها الرياضية لم تكن تصغي.
「طالما أنه سباق، فلن أتهاون حتى لو كنا من نفس المدرسة! أنتِ أيضًا عَدُوّي يا أزومي!!」
「هييه؟ لا أريد أنافسك」
عندها، كوّنت المعلمة بيديها ما يشبه مكبّر الصوت وصرخت عبر الساحة. 「يا أولآد، اليوم نبدأ تعلّم أساسيات رقصة البطريق فلاب-فلاب!」
「؟」
「قد يكون من الصعب أن تتعلموا من الفيديو وحده، لكن ما إن تتقنوا حركات القدمين فلن تتعثروا بعد ذلك! لذا سنؤجل حركات الأذرع لاحقا. والآن، سأعرض لكم فيديو المثال، ركّزوا على الشاشة!」
「أول شيء، كيف يقرّرون الفائز فيها؟」
「الكل يفوز بالمركز الأول!」
- الجزء 6
اقتيدت فريندا سيفلن إلى حديقة ضخمة.
وكما قال المشرّد...
「بيتي هنا والحمامات والمغاسل هناك. وتذكّري دائمًا أن تُبقي في بالك طريقين للخروج على الأقل تحسّبًا للطوارئ. إن حدث شيء، سأحاول أن أؤمّن لكِ طريق الهرب أولًا، لكن لا أضمن لك」
「في النهاية، هذا كافي」
لقد وجدت منزلها الجديد—منزلًا من الكرتون الياباني. ولم يكن لعبة أطفال كما تخيّلت؛ إذ وُظِّفت فيه حِيَلٌ صغيرة عديدة لضمان عدم وجود أي فراغات.
「تبغين هذا؟」
「في النهاية، ما هذا؟」
「يعسر علي أن هذا كل ما أُقِدّمه، لكني أرى أن طفلة صغيرة مثلك لن ترتاح دون وسيلة للحصول على المعلومات」
ناولها جهازًا صغيرًا بحجم الكفّ موصولًا بسماعات سلكية. كأنه مشغّل موسيقى... لكنه كان راديوًا محمولًا. لا يُسجل تسجيلا، ولا يلتقط سوى البث الإذاعي على الموجة المتوسطة (AM). وفي المدينة الأكاديمية، لم يعد حتى العجائز المهووسون بسباقات الخيول يستخدمون مثل هذه الأجهزة. على الأرجح كان معروضًا بسعرٍ مخفّض جدًا في أحد متاجر الإلكترونيات، ومع ذلك، لم يكن الحصول عليه سهلًا على رجل بلا مأوى.
أعزّت تعبه حقًا.
...وخاصة وهي مطارَدة من قبل الشرطة والمدينة الأكاديمية وآل موغينو.
「عطني إحدى السماعتين」
تشاركا سماعات الأذن السلكية، واستمعا معًا إلى بثّ إذاعي متقطّع مليء بالخشخشة. وبينما كانت فريندا تضغط الأزرار لتبدّل التردد...
『وأخيرًا حان الوقت! الساعات الثلاث المقبلة سيقدّمها الثنائي الشهير الذان احتفلا بعامهما الثامن معًا!』
『لدينا معلومات جديدة عن الانفجار الذي وقع في شينجوكو – طوكيو. أعلنت الشرطة أن الحادث قد يكون هجومًا متعمّدًا وليس مجرد حادث عرضي』
『وإذا اتصلتم خلال نصف ساعة من هذا البث، ستحصلون على سعرٍ أفضل!』
ومن إحدى المحطات خرجت أخبار مشوقة (وليس البرنامج الذي يبيع طقم فراش فاخر)، لكن الرجل كان يُنصت أيضًا، فتماهلت فريندا وتظاهرت بعدم الاكتراث، واستمرت في تقليب القنوات حتى استقرّت على برنامج موسيقي.
تعجب الرجل.
「حسبتك تحبين الموسيقى الغربية」
「عطيتني تصنيف كامل واعتبرته نوع واحد؟」
على الأقل ليتَهُ حدَّد بلدًا واحدا بَدَلَ قارة؟
استمعا معًا لأغاني المغني الآيدول هيتوتسوي هاجيمي، ثم ناداهُ صوتٌ من الخارج. صديقٌ على ما يبدو.
ثم سمعت فريندا صوتًا ثقيلًا أشبه بسحب كتلة خرسانية على الأرض. هل كان ذلك موقد شيشيرين صغيرًا وضعوه فوق الأرضية الإسمنتية؟ على أي حال، لم يبدُ أنهم يستخدمون فحم البينشو-تان الفاخر، بل كانوا على الأرجح يحرقون نفايات قابلة للاشتعال وقودا.
تقدّمت فريندا قليلًا وسألت الرجل الثاني، مترددة إن كان عليها أن تُعرّف بنفسها أم لا.
「في النهاية، هذه سمكة؟」
「في هذا الموسم، كل الناس تبحث عن السلمون والتونة، لكن هذا يعني أن الأسماك الصغيرة تُباع بثمنٍ بخس. تواريخ انتهاء الصلاحية هي كابوس بائع السمك!」
「اعغ... ما بدأت بذكر أسماء الأسماك حتى أبدأ في النهاية أشتهي الإسقمري....」
「؟」
ومع ذلك، كانت متأكدة أنهم لم يستخرجوا السمك من القمامة؛ ففي يومٍ صيفي كهذا سيفسد بسرعة. هؤلاء الرجال لا يملكون مالًا ولا تأمينًا صحيًا، لذا كانوا يعتنون بصحتهم بقدرٍ يفوق توقع المرء. هل من الممكن أنهم اشتروا السمك خصيصًا للاحتفال ببداية حياة فريندا المشردة؟ وإن كانت كل عملة معدنية يمتلكونها تعني لهم أضعاف قيمتها للعامل العادي؟
「سمعت أنك أنقذتِ حياة تاك-سان. لو لم تكوني طفلة، لجلبتُ المشاريب واحتفلنا」
「في النهاية، يبدو أنني سأدين لكم بالفضل هكذا」
「طبعًا! تاك-سان لن يبقى مدينًا لطفلة. على الكبار أن يظهروا بمظهر المسؤولين، إي؟」
ابتسمت فريندا وقبلت لطفهم.
لقد قدّرت كرمهم حقًا. ولو جعلهم ذلك أكثر لفتًا للأنظار.
- الجزء 7
لم يكن الفجر بعد.
「نَّه...」
جلست فريندا متربعة، رفعت ذراعيها، ومدّت ظهرها داخل خيمة مؤقتة مصنوعة من صناديق كرتونية. وحتى في تمددها لم تصل يداها إلى السقف. ترتيب الصناديق وَفّر قدرًا معقولًا من المساحة، يبدو أن ذلك الرجل المشرد كان ممتنًا جدًا لفضلها عليه.
كانت فريندا سيفلن تعمل في الجانب المظلم. لذا كان عليها أن تضبط أوقات نومها بحيث تكون في أفضل حالاتها في ساعات لا يكون فيها معظم الناس مستيقظين بعد.
خرجت من بيتها الكرتوني.
كان في الحديقة عدد من المرافق، منها العديد من الخدمات غير المأهولة مثل آلات بيع المشروبات والخبز، والخزائن، ومحل غسيل الملابس. (لكن كيف تُدار مثل هذه الأعمال في أرض عامة؟)
تعرقت بعد النوم.
「في النهاية، لا أحد هنا」
نظرت فريندا داخل مدخل المغسلة فوجدت أن مغاسل العالم الخارجي تحتوي فعلًا على صفوف من الغسالات فقط. ربما ظنوا أنه لا يوجد ما يُسرَق هنا، إذ لم يكن في السقف حتى الحد الأدنى من الكاميرات الأمنية كما في الأكاديمية.
الساعة قد تجاوزت الثالثة فجرًا بقليل، ولا أحد في الجوار.
「طيب」
ولحسن الحظ، كان لا يزال معها بعض النقود الاحتياطية. أما الغسيل؟ هذا للفتاة مسألة حياة أو موت! (من جد). خلعت لباسها الوحيد كاملا وألقت بكل قطعة في الغسالة. وما عادت تحتاج حتى إلى ملابسها الداخلية الآن. بعد أن ضغطت الزر لتبدأ الغسالة بالدوران، عبست وهي تنظر إلى المؤقت. اختارت الوضع السريع الأغلى، ومع ذلك أشار العداد إلى أن الغسيل سينتهي بعد ستين دقيقة.
(وي... في النهاية، يبدو أنني لن أملك حتى ملابس داخلية إلى أن ينتهي الغسيل)
وقفت عارية تحت الضوء الفلوري الساطع، نَعسُها وشُرودُها على ملابسها الداخلية وهي تدور داخل الغسالة ربما كان لأنها استيقظت توًّا.
وبعد لحظة، خطرت لها فكرة رائعة.
هي عارية أصلا ولا فائدة من تضييع الوقت، فلِمَ لا تستحم في انتظارها.
أوّل النهار، علّمها الرجال المشردون طريقة إعداد حمام ماء بدرجة أربعين مئوية. بعد تسخين الماء إلى مئة درجة في قِدر بموقد محمول، صبّته في دلو معدني وأضافت إليه ماءً باردًا وفق النسبة التي أخبروها. يا لروعة هذا العالم الخارجي أن تغيب عنه أجهزة الإنذار الإلزامية.
(نعم، ها هو... في النهاية، ما نقصني إلا الحمام لأفيق تمامًا)
بدأت تغسل جسدها بمنشفة مبللة، مبتدئةً من ذراعها اليمنى، وتركت الإبطين والعنق أخيرا.
أما رأسها فاحتاج إلى دلو كامل — عشرة لترات — من الماء. استخدمت عبوة شامبو مخصصة للرحلات يمكن استعمالها مرة واحدة. أي شيء تجده في المتاجر الرخيصة.
(في النهاية، أليس متوسط ما يُستهلك لملء حوض استحمام نحو 200 إلى 300 لتر؟ بهذا أوفّر قدرًا كبيرًا من الماء)
ومع بدء عقلها بالعمل مجددًا، عادت إليها تدريجيًا قدرتها على الشعور بالخجل.
......
لحظة.
صدق؟ أبقى عارية لستين دقيقة كاملة؟
احمرّ وجه الفتاة بصمت حتى صار كالجمر.
「هآاه؟ لحظة... في النهاية، هاه؟!」
وإن كنتُ ما أزال نصف نائمة، كيف خطر لي أن أتصرف وكأني في شقتنا المخبأ الفاخر؟ أنا في الخارج!! وأنا بنتٌ ذات بشرة ناعمة! أغبية أنا أختبر شجاعتي العبثية بتجربة مروّعة مثل أن أخلع ثيابي وأدخل مصعدًا فارغا في منتصف الليل دون مهرب؟!
(عجّلي، عجلي عجلي عجلي! في النهاية، عجّليييييييي!!)
بدأت الدقائق والثواني تزحف فتزحف.
وأخيرًا، أصدرت الغسالة صوتًا مختلفًا. كأنه مجفف شعر عملاق؟ لا شك أنها دخلت مرحلة التجفيف.
أخيرا ستنتهي؟
لا — أطلقت غرائزها الحادة التي صَقَلَها العملُ في الجانب المظلم صَفّارات إنذار.
كانت خافتة، لكنها سمعت خطوات قادمة.
والفاصل بين الخطوات كان واسعًا... يُبَيّن أن القادم رجلٌ بالغ بخطوات طويلة.
(لحظة، لحظة، لحظة!؟)
بـــــيــــــب، سمعت صفيرًا.
وانتهى الغسيل والتجفيف أخيرًا.
أسرعت فريندا تفتح الغسالة وتسحب ملابسها.
لكن الحَمّالة انزلقت من يدها وعلى الأرض سقطت، لكنها الآن تجاهلتها.
ما دامت ارتدت فستانها القصير، فستنجو من الموقف. ما هي إلا حركةٌ بسيطة تفعلها كل يوم.
「آغغ؟! ر-رأسي وذراعاي... لماذا لا يدخلان!؟」
ألأن بشرتها لا تزال رطبة؟
وكلما ازدادت ذعرًا، صارت أقل قدرة على إدخال ذراعيها في الأكمام. ورأسها عالق داخل الفستان. أي فتحة من الفتحات الثلاث يُفترض أن تدخل منها يديها؟ بدأ الذعر يستوطن! كيف تاهت الفتاة داخل فستانها المفضل القصير؟ كهريرة علق رأسها في علبة مناديل.
وفي لحظتها، الرجل المشرد الذي أنقذَتهُ فريندا (بحسابٍ مقصود) البارحة، أطلَّ من المدخل.
وعلى وجهه حيرة.
「أوه؟ ما الذي تفعلينه هذه الساعة؟」
「إيييءء؟! هاهاها☆ في النهاية، لا شيء... آهخ، بالكاد نجوت...」
「؟」
في اللحظة الأخيرة تمامًا، أسدلت على نفسها عباءتها الرقيقة (البونشو) التي ترتديها دائمًا فوق ثيابها، وأمسكت ببقية ملابسها تغطي بها ما يمكن. وجهها لا يزال متورّدًا بشدة (تبدو كدمية تيرو تيرو بوزو أو كأختها عندما تغيّر ملابسها إلى لباس السباحة المدرسي). حاولت أن تضحك لتُخفي ارتباكها، رغم أنها تخلّت عن محاولة ارتداء الفستان القصير الذي ما زال يمسك بشرتها الرطبة، بينما كان سروالها الداخلي المخطّط عالقًا حول كاحلها الأيمن.
- الجزء 8
الواجهة البحرية.
في الرابعة والنصف فجرًا، نغزت برودة البحر بحِدّة كالشفرة. علّ أن مياهه كانت مزيجًا من بحر الليل المميت وبحر الصيف الذي يدفع الناس إلى ملابس السباحة.
إن نويت الهجوم على أحد في جنح الظلام، فلا يُفضّل أن تهجم في منتصف الليل.
بل الأنسب هو أن تهجم في وقتٍ يرتبط بالوظائف الحيوية للجسم، مثل الفجر حين يبلغ النعاس أقصاه، أو في أوقات الطعام.
لم تستطع فريندا أن تسير بخط مستقيم نحو وجهتها.
ففي طريق الوصول إلى الهدف كاميراتٌ وكاميرات. ولسببٍ ما، كانت كاميرات الأمن المنزلية موجّهة نحو الطريق، لا نحو الأبواب أو المرائب. وبما أنها ليست كاميرات أمن عامة، فإن هذا يُعدّ من قبيل زرع كاميرات خفية. أخذت فريندا تتسلّل متجاوزةً طبقاتٍ من شبكات الدفاع، متراكبةً كحلقات جذع شجرة.
وفي التكنولوجيا الخالصة، فإن حياة فريندا في المدينة الأكاديمية تمنحها تفوّقًا واضحًا.
بعد أن اجتازت العقبة بسهولة، تسلّقت إلى منصة سُلَّم طوارئ مثبتٍ على جدار مبنى متعدّد الطوابق قريب.
ومن تلك النقطة الآمنة، خارج مجال رؤية الكاميرات، راقبت المبنى المهتمّة به.
آل موغينو.
ذلك قصرهم. وبالطبع، على الورق كان مسجَّلًا رسميًا باسم شركة وهمية.
「نَّهَه...」
وضعت فريندا يديها على عمودٍ معدني يربط بين طوابق سُلَّم الطوارئ.
ثم لفّت ساقيها حوله وشدّت بمابضها (خلف الركبة) لتدور حوله في حركةٍ حلزونية. لم يُبدِ القصر أي إشارة إلى ملاحظتها وهي تؤدي رقصة عمودٍ مقلوبة، مما أكّد أن هذا المكان فعلا خارج نطاق المراقبة.
「ئتَّ-ته-ته」
وهي تمسك قبعتها بيدٍ كي لا تسقط، واصلت فريندا سيفلن المراقبة وهي مقلوبة.
كانت تلك الأرض الساحلية الثمينة أغلى من البلاتين بالسنتيمتر المربّع، ومع ذلك بدا الفناء الأمامي داخل السور العالي واسعًا بما يكفي لإقامة مباراة كرة قدم رسمية. بدا القصر نفسه غريبًا في نظر أجنبية مثل فريندا. فقد كان نتاجًا لعصرَي الميجي والتايشو، بتصميمٍ يجمع بين الطابعَين الياباني والغربي. ولم يكن متناظرًا وفق المعايير المعتادة إذ أنه قُسِّم إلى عدّة مبانٍ متّصلة بممراتٍ مغلقة، مما جعله أشبه بمتاهة ضخمة.
لكن غير ذلك، فهناك أمر مريب في أن يكون منزل أحدٍ أكبر من مدرسة.
كان من ثلاث طوابق... أو أربع، أو ربما أكثر؟ بدا لها أن ارتفاع الغرف يختلف، وهذا صَعَّب عليها أن تحدد عدد الطوابق حسب عدد النوافذ.
(أعع، أليس الساحل هذا مكوَّن من أراض مستصلحة؟ في النهاية، الحفاظ على قصرٍ قديمٍ كهذا يعني رفض التعاون مع مشاريع التطوير العمراني على المستوى الوطني)
وقد يتجاوز الأمر حدود الدولة نفسها. فكيف نجا هذا القصر وحده من القصف أثناء الحرب؟ إن ذلك يُظهر قوةً هائلة، لكن ما يرعب حقا أن لا أحد تكلم عنه بالمطلق.
كانت يوكوهاما، مثلها مثل هاكوداتِه وكوبِه، من المدن التي شاركت في فتح البلاد على العالم الخارجي. لذلك لم يكن القصر الغربي ذو الطابع الأجنبي غريبًا تمامًا عن المكان، ومع ذلك كان هناك شيء غير مريح في أن يعيش زعيم منظمةٍ إجرامية غير قانونية في العلن هكذا. فهم يستطيعون خرق القانون علنًا دون أن يُعتقلوا. لا يفرّون ولا يختبئون. لأنهم ببساطة لا يحتاجون إلى ذلك. وهذا ما يُبرز قوتهم المنظمية الإجرامية.
الحراس بلبس السواد كانوا مدرَّبين تدريبًا عاليًا.
هي 4:30 صباحًا.
لم يحدث شيءٌ في اليوم السابق، ولا الذي قبله، ومع ذلك لم يتثاءب أحدٌ منهم في هذا الوقت المبكر.
(لو اندفعتُ عبر البوابة الأمامية، ليتحول جسدي إلى غربالٍ من الرصاص. وتسلق الجدار ليس بأفضل منه خيار. ولكن إن كان المدخل محروسًا بتلك الصرامة، فلا بد أن من يدخلون ويخرجون قد ابتكروا مدخلًا خلفيًا سريًا لتجنّب الإجراءات المزعجة)
「ها هو. أخفوه بين شجيراتٍ خضراء، لكن هناك فتحة مربعة في الجدار السميك」
لكن ما الدافع الذي يجعل جنود القصر يريدون الدخول والخروج دون التبليغ؟ هل من متجر أو سوقٌ مخفَّض الأسعار قريب؟
يبدو أن فريندا لن تزحف عبر المجاري النتنة هذه المرة.
والآن حان وقت التحرك.
انتصبت من وضعها المقلوب بعد رقصة العمود، ووضعت قدميها على منصة سُلَّم الطوارئ، ثم هبطت بهدوءٍ وسرعة نحو الأرض.
اتبعت مسارًا يتجنب كاميرات المراقبة حتى وصلت إلى الجدار العالي لعائلة الموغينو، وأزاحت الشجيرات الخضراء، وانزلقت عبر الفتحة المربعة.
لم يكن مهمًا كم عدد الحراس المنتشرين، طالما استغلت نقطةً عمياء كهذه.
وصارت أخيرًا في الداخل.
لكنها أحسّت بنظرةٍ تترصّدها.
كضغطٍ حادٍّ يخترق الهواء.
كانت لا تزال في الفناء الأمامي الواسع. لم تطأ قدماها بعدُ القصرَ المتاهة.
لم تكن تلك الفتاة(المرأة؟) موجودة عندما تفقدت المكان قبل قليل.
فهل صادف أن مرّ أحد الحراس في اللحظة نفسها؟ أم أنهم توقّعوا المكان الذي ستتجسس منه فريندا، فكمنوا في النقطة العمياء ينتظرونها؟
「في النهاية، استدرجتموني؟」
「هذا الفخ ما كان لينجح إلا على محترفة. فافخري بنفسك يا فُريندا سَيْفِلُن」
وجدت فريندا نفسها أمام خادمة ترتدي تنورة طويلة.
لكن تلك التنورة الطويلة كان بها شقان واسعان على الجانبين. كما بدت بغرابة أثقل. مَدّت الخادمة يدها داخل أحد الشقين وسحبت زجاجة نبيذٍ مملوءة بخليطٍ من البنزين والمنظفات وغيرهما. وكانت الزجاجة الفارغة في الأصل من أفخر أنواع النبيذ الفرنسي.
「أهذا يعني، مم، في النهاية...」
「لأصدق القول معك، لا أحبذ فكرة الرقص القطبي وبتنورة قصيرة فوق ذلك. وإنكِ فضحت ذاتك بتلك الرقصة يا فتاة」
رأت كل شيء.
وأن يُقال لها ذلك مباشرةً وبكل جدية جعل الموقف محرجًا للغاية.
تحركت الخادمة. أخذت بيدها عود ثقاب قديم من النوع الذي يُشعل بضربه على نعل الحذاء فأشعلت الصحيفة الإنجليزية المحشوة في فوهة زجاجة المولوتوف.
أوكان سلاحها قويًا إلى درجة لا تسمح لها بالقتال داخل القصر؟
حدّقت فريندا في الخادمة الكعّوبة (المنهّدة)، التي تبدو في عمر طالبة سينباي في الثانوية، وابتسمت ابتسامةً خفيفة.
「يبدو أن لآل موغينو ذوقًا غربيًا في كل شيء. أوصارت الخادمة بقنابل المولوتوفِ نموذجَ الجمال في نظرهم؟」
قنبلة المولوتوف مزيجٌ من النار ومادة قابلة للاشتعال.
وهذه الخادمة كانت قد توقعت مسبقًا أفعال فريندا وانتظرتها.
لاحظت فريندا وجود جهازٍ إلكتروني لا يتناسب مع مظهر الخادمة الكلاسيكي.
「في النهاية، هذا مشغّل موسيقى؟」
「الأنواع الصينية حسنة. رخيصة إي، وتُشترى بالجُملة. لا يهمني نقاء الصوت أو سهولة الاستخدام. أجمل ما فيها هو سهولة تفكيكها وإعادة توظيفها」
يبدو أن هذه كانت خبيرة متفجرات تعمل ضمن طاقم آل موغينو.
وهذا يعني أنها هي من استغلّت ضعف سائق الشاحنة لتغريه بالانحراف نحو الجريمة، ثم قتلته لاحقًا بقنبلةٍ قافزة يُتحكم بها عن بُعد لَمّا صارَ عبئًا عليها.
توتر الجو وتكهرب.
تمتمت فريندا بصوتٍ غاضبٍ يقطر كراهيةً.
「أيا القذرة. في النهاية، لقب المُفجّرة شرفٌ لا تستحقينه」
「تلوّي عذابًا وتفحّمي يا مجرمة. هذه نار لا تخمدها مطفأة حريق」
ما بقي أمام فريندا إلا خيار واحد.
اختفى اللهيب الذي التهم الصحيفة الإنجليزية.
「ما-!؟」
تغيرت ملامح الخادمة فورًا.
هناك طرقٌ متعددة لصنع قنابل المولوتوف، ولكن الأنواع التي تعتمد على اللهب في الاشتعال ينقضي خطرها إن انطفأ ذلك اللهب قبل إلقائها.
ولطالما وُجدت حول العالم طرقٌ لإطفاء الشموع من مسافة بعيدة. كانت خدعةً شائعة بين السحرة، وطريقةً كلاسيكية لطوائف الدجل التي تدّعي صنع المعجزات.
استغلت فريندا لحظة الجمود القصيرة التي أصابت خصمتها من الصدمة.
وبالفعل، قد بدأت بالركض.
إلى الأمام.
نحو الخادمة.
「أوكانت من الرطوبة؟ أم أنني قطعت الأكسجين بغازٍ عديم اللون؟ في النهاية، هل حسبتِ أنني سأكشف لكِ سر الخدعة يا مدلّلة؟! خبراء التفجير أيضًا خبراء في تأمين الموقع والوقت المناسب للتحرك في ساحة المعركة!!」
「كَه.」
「لقد بحثتِ عن هويتي قبل أن تنصبي هذا الفخ لي، ها؟ هَهَه... غبية أنتِ؟ في النهاية، أن تتحديني في مجالي لهو الانتحار بعينه!」
أعقب صرخة فريندا انفجارٌ مدوٍّ.
لكن لم تكن فعلتها.
بل من شيءٍ آخر.
هل وقعت خبيرة المتفجرات في فخها؟
اتسعت عيناها من الدهشة، وقفزت بصعوبةٍ لتفلت من مدى الانفجار القاتل.
وللإنصاف، لم يكن من السهل توقع ما حدث.
فما انفجر لم يكن قنبلةً مزروعة، ولا قنبلة يدوية، ولا صاروخًا كتفيًا، ولا أيًّا من ألعاب العصابات والمتمردين المعتادة. لقد شق طريقه عبر السماء المظلمة، وانزلق بين ناطحات السحاب، واندفع نحوها بدقةٍ قاتلة.
بمعنى آخر...
「صاروخ كروز؟ في النهاية، كذلك يهاجمونني من البحر!؟」
- الجزء 9
ارتعشت بينما كانت تستحم بماءٍ ساخن.
خرجت موغينو شيزوري من الحمّام الذي كان واسعًا مزعجًا في استخدامه، ولفّت جسدها بملاءة سريرٍ بيضاء دون أن تكلّف نفسها عناء تجفيف شعرها. ثم تقدّمت نحو النافذة التي كانت تغطي جدارًا كاملًا من الزجاج السميك.
「مجددًا يُحدثون الضجة...」
تمتمت بضيقٍ وهي تنظر من جناحها الفاخر في فندقٍ راقٍ تابعٍ لمنظمةٍ غير مشروعة نحو الفوضى التي تعمّ العالم في الأسفل.
لم تكن تلك فريندا.
...فالفتاة الشقراء لم ترَ نقطة الإطلاق، وظنّت أنها من غواصةٍ قديمة الطراز، غير أن ذلك لم يكن صحيحًا. كان صاروخًا جوّالًا (كروز) من طراز ALCM، أي إنه أُطلق من قاذفةٍ استراتيجية يبلغ طولها خمسين مترًا باتجاه هدفٍ أرضي، بدقةٍ قاتلة.
كان مداه يبلغ 2500 كيلومتر. أي إنه لم يكن بحاجةٍ للطيران عبر شيبا من المحيط الهادئ فحسب، بل كان يمكن إطلاقه من هوكايدو أو أوكيناوا ليصيب هدفه مباشرة.
ووحدها كانت آل موغينو القادرة على تنفيذُ عملٍ بهذه اللامعقولية.
اقتربت تاكيتسوبو بصمتٍ من خلف موغينو وهي تجفف شعرها بمجففٍ كهربائي وتميل رأسها.
「تلك لم تكن فريندا، صح؟ هل يمكن لعائلة موغينو أن تفلت من الأمر حقًا؟」
「لقد هدّدوا جميع شركات الاتصالات والأمن الكبرى، لذلك لن تكون هناك سجلات رقمية، لا من كاميرات المراقبة ولا غيرها. حتى لو رآه مليون إنسان، سيُسجَّل في التقارير على أنها رواياتٌ مشوشة لشهودٍ مذعورين. يمكن لمحامٍ بارع أن يستخدم مصطلح الهلع الجماعي لتفنيدها كلها. من دون أدلة مادية كالفيديوهات الواضحة، يسهل الإفلات من المساءلة. فقط احذفي كل تسجيلٍ يمكن أن يشكّل دليلًا قويًا، وسيتبقى مقاطع جوالات مهتزة يمكن الادعاء بسهولة أنها مزيفة」
ومع ذلك، كان ردّ فعل آل موغينو يثير قلق موغينو نفسها.
صحيحٌ أنهم يستطيعون النجاة بمثل هذا الفعل في يوكوهاما، لكن ليس إلى الأبد. كم ورقةً رابحة جمعوها على مدى سنواتٍ طويلة وأحرقوها بهذه العملية الواحدة؟
كان ردّ الفعل بهذه الدرجة من المبالغة يوحي وكأنهم يعرفون مسبقًا مدى خطورة فريندا سيفلن.
(هل الأمر مجرد هجومٍ شنّته فريندا عليهم؟ أم أن آل موغينو ارتكبت شيئًا فظيعًا استدعى منهم هذا الإفراط في الرد؟)
「إذن هذا يعني أن فريندا جاءت فعلًا إلى يوكوهاما من أجل عائلتك يا موغينو؟」
「هذا ما أريد معرفته」
- الجزء 10
「فُلكانو إلى تايفون. لا عليكم من التصويب — استمروا في القصف. طالما تحاصرون مخرجها، سأنهيها بقنينة مولوتوف!」
「اللعنة!!」
انتفضت فريندا عندما سمعت خادمة المولوتوف تتحدث إلى أحدٍ ما في مكان ما.
ذلك الصاروخ الجوّال لن يكون الأخير.
لديهم وسيلة هجوم فعّالة، ويمكنهم تكرارها مرارًا. وعلى قدر ما تبدو الأرض فسيحة، فهم ما زالوا يقذفون صواريخ في أراضيهم، لذا لا بد أن تصويبهم دقيق.
ثانيةً وستأتي غيرها.
لكن الأسلحة التكتيكية الانسيابية لم تمزق فريندا أشلاءً.
「ولكن في النهاية، هل تظنين أن هذه فكرة جيدة؟」
「ولكِ وقت لتدردشي؟」
「أوه، أنا واثقة. لأنكِ أَنْتِ من على وشك أن تنفجر بصاروخ من طراز الموغينو」
「؟」
「لن تطلقوا على إحداثيات خريطة عندما يكون هدفكم وهو قادر على الحركة. هذا يعني أن التوجيه النهائي يجب أن يستند إلى شيء آخر للتتبع، لكنه لا يمكن أن يكون ليزرًا أو نظام تحديد المواقع. فهل يكون المولوتوف؟ لإن كوكتيل البنزين غير النقي لن ينتج دخانًا أسود بهذه الدرجة」
「اكتشفتِ الأمر إذن」
「النفثالين. تمييز هدف القصف بقنبلة دخان أمر بديهي، لكن أراهن أنكِ ابتكرتِ شيئًا ولم تقتصري على اللون فقط. هل يتتبع الصاروخ آثار مركب كيميائي؟ بمعنى آخر، بالطَعم أو الرائحة؟ ومجددا أسألك هل تظنينها فكرة جيدة؟ في النهاية، النفثالين لا يُستخدم فقط لصنع دخانٍ أسود؛ هو مركب شائع يُستخدم في مبيدات الحشرات والبلاستيك」
「تشه!!」
「أنا من ظلام المدينة الأكاديمية. فهل تحسبين أنني أنخدع بحيلةٍ سحرية مبنية على معرفةٍ علمية؟! وهاهاها. أستطيع التحكم باتجاه الرياح. قد تظنين أنك تنتجين مركبًا كيميائيًا غير مرئي سرًا، لكن في النهاية أنتِ من سوف تكتسين به يا حمقاء!!」
فانفجر انفجار.
كأن صاعقة ضربت قريبًا.
انشقّت شجرةٌ ضخمة في الفناء إلى نصفين واشتعلت فيها النار وانتشرت أجزاؤها في كل اتجاه.
لم يصب ذلك فريندا أو خادمة المولوتوف مباشرة، لكن هذا أثبت أن الصاروخ المبرمج لم يصِب هدفه.
قد يصيب أيًا منهما في المرة القادمة.
بادرت فريندا إلى التحرك قبل أن تستعيد الخادمة نفسها من الهلع.
وطبعًا، النجاة بعد جولةٍ أو جولتين من هذا لا يكفي للاطمئنان.
ستأتي المزيد من الصواريخ الجوالة. إن لم تفرّ إلى مكانٍ آمن، فستُذبح.
وذلك يعني...
(في النهاية، يكفي تضييع الوقت لإغضاب تلك الخادمة الغبية الخطيرة! علي أن أدخل القصر بأسرع وقت!! فهو لن يروق لهم أن يفجروا بيتهم بأيديهم!!)
「أووه، يا عمري ما هذا؟☆」
علّقت فريندا بفرح وهي تلتقط مسدّسًا عيار 9 ملم. في فوضى انفجارات الصواريخ الجوالة، لا بدّ أن أحد حرس آل موغينو أسقطه.
وثم سمعت هدير محرك.
(ذاك V12 فخم، لكن المحرك يئنّ من حمل الدروع المضادة للرصاص السميكة والثقيلة. لم أسمع صوت سيارة عادية بهذا الشكل قط. في النهاية، لاشك أنها هي سيارة الشرير التي سمعت عنها في الحي الصيني في النهار!!)
ربما كان تأثير الكوكتيل، ذلك الميل النفسي الذي يجعل الناس يلتقطون الأصوات التي تهمّهم فقط، لكن شرير الجانب المظلم يعرف كيف يصغي لمحادثاتٍ متعددة أثناء مروره بين الحشود الساكنة.
بعض الناس وُظِّف على أساس "الكم قبل الكيف" حتى يكملوا العدد المطلوب، سواء قانونيا أو لا.
بعبارةٍ أخرى، المرتزقة الذين يُوزّعون المنشورات أو يعملون في النقل.
「!」
وجّهت فريندا المسدّس نحو البوابة الأمامية المفتوحة بدلًا من قصر آل موغينو.
بدأت تطلق النار على سيارةٍ سوداء مضادةٍ للرصاص تخصّ منظمةً إجراميةً أخرى وصادف مرورها بالقرب.
بغضّ النظر عمّن ضغط على زنادها، فهذا مسدّس عائد لحرس الموغينو.
ابتسمت الفتاة الشقراء الشريرة قبل أن تقذف المسدّس جانبًا.
「واه هاهاها. استمتعوا بحرب العصابات☆」
「تبا، تعالي!!」
شحبت وجه خادمة المولوتوف وصرخت في فريندا مذعورةً، لكن فريندا انخفضت حين اندلع إطلاق نارٍ من اتجاهٍ آخر. كانت السيارة المضادة للرصاص المُستهدفة تردّ بإطلاق نارٍ متواصل منذ الوهلة الأولى.
اندلعت معركة نارية.
إذن هذه القاعدة تفلَحُ حتى خارج المدينة الأكاديمية. ويلهم آل موغينو.
(وَل. هل سيدّعون أنه مجرد رشّاش عادي على شكل T صغير؟ بمخزن، منظار نقطة، ماسورة طويلة، ومسكة أمامية. بكل تلك التعديلات، لا يكاد يختلف عن بندقية هجومية. لقد عدّلوا الآلية لتطلق رصاصات بندقية عيار 5.56 ملم.)
سَمِعَت فريندا أن خِدعًا من هذا النوع تُستخدم للتملّص من القانون في ثقافة السلاح الأصلية في أمريكا. ولماذا تزعجون أنفسكم بذلك في اليابان حيث حيازة ذَخيرةٍ واحدة ممنوعة، لم تفهم فريندا.
كانت المنظمة الغريمة تتدرع بسيارتها المضادة للرصاص أثناء إطلاقها ما بدا وأنه رشّاش إيطالي الصنع. الشركة المصنِّعة شهيرة بمسدّساتها، لكن قلّة هم من يعرفون أنها تصنع أيضًا رشّاشات.
استغلت فريندا انهيار نظام الحراسة الاعتيادي لتنتقل من الفناء الواسع إلى مدخل القصر المتاهة.
دوى خلفها طلقٌ ناري.
「كَه」
ركضت الخائفة فريندا تنظر وراءها.
بينما كان السلاح الناري سلاح مقذوفًا، اندفع خادم شابّ من البوابة الأمامية وقفز فوق الحاجز ليصل إلى مجموعة العدو. كان جزءًا من جهاز الإدارة. وبمزیدٍ من إطلاق النار، تشرّحت ظلال جماعة العدو وتجزّأت.
مع ذلك القصف الشامل بزاوية 360 درجة، قد تنطلق رصاصة طائشة نحو فريندا في أي لحظة.
(في النهاية، ما ذلك؟ أوكان يحمل بندقيتين مرتبطتين بسلسلة كالننشاكو؟! ذ-ذَ-ذا جنوني، ومخيف!! وقد قضى عليهم لوحده!)
اشتدّ هدير المحرك.
ومن ذاك أكان فارسًا يحمل رمحًا؟ لا.
خادمٌ آخر قفز على دراجة نارية هائلة وهو يحمل رشّاشة ثقيلة أمريكية نموذجية عيار 12.7 مم تقلّص ارتدادها بنسبة 60% مقارنةً بالآثار القديمة المستخدمة قبل قرن تقريبًا. كان يقود الدراجة بذراع واحدة، فمن المحتمل أن يكون قد غيّر نظام الدفع إلى الأوتوماتيكي.
العيار كان .50.
وهذه رشّاشة عيار .50 للمركبات، لا مسدّس .50 . كمية البارود مختلفة تمامًا، فإطلاق مثل هذا السلاح من سطح الأرض يكفي لإسقاط مروحية هجومية متوسطة.
「تأخرتَ كثيرًا، يا شريك! مواهاها! الآن لنرَ من يقتل أكثر، باكياكو!!」
「أوغيكُمو. القتل ليس لعبة」
انضمّ إلى عاصفة إطلاقات الشوتغن القريبة قطع رصاص 12.7 مم القادرة على اختراق شاحنات الشرطة المدرعة. عند هذه النقطة، لم تعد السيارة السوداء المضادة للرصاص توفر حماية.
إحدى مشكلات المنظمات الإجرامية هي افتقادها لمعاييرٍ للمعدات كما لدى الشرطة أو الجيش. لذا لم يكن من الغريب أن ترى هذه التحويرات الانتحارية في استخدام البنادق أو القنابل.
(على ما يبدو أن الناس الذين يبقون في الخطوط الأمامية يتطوّرون بطرقٍ غريبة خارج المدينة الأكاديمية أيضًا، تبًا. أتمنى حقًا أن أتجنّب مواجهة مباشرة مع أيٍ منهم)
كانت رصاصات العدو مصيبةً بحد ذاتها، لكن نيران الصديق تزيد الطين بلّة. لذلك، ومع تحطّم نظام الحراسة، اندفعت فريندا عبر الباب الأمامي الواسع إلى داخل القصر.
(لن يطول ذلك مع وجود الصواريخ الكروز. في النهاية، ستُهزم المنظمة المنافسة. يجب أن أنهي "رحلة البحث" قبل ذلك.)
「أء」
لم ينتهِ الأمر بمجرد دخول فريندا المبنى. إذ تسمع خطوات.
انكمشت خلف درعٍ غربي معروض في البهو.
وحبست النَفَسْ.
مرّ خادم وخادمة شابان من دون أن يلحظاها، يندفعان إلى الخارج.
「تبًا، هاناغاي. أوكان عليها أن تطلق الـ ALCM. كنا نحفظها. آمل أنها أخذت الإذن من [الدم]」
「الإبقاء عليها لَهدرٌ لِأموال الصيانة، أليس من الأفضل أن نطلقها متى أتيحت الفرصة؟」
(إذن العائلة ليست كتلةً واحدة. هل يعني هذا وجود جماعة تريد أن تلوّح بالمسؤولية ضدي وجماعة أخرى غير مهتمة بي؟ في النهاية، لا أُحب أن أقتل من ليسوا مع الشرير وأُزيد فقط عدد كارهيني)
وبالمناسبة، تلك الخادمة في الخارج تُدعى هاناغاي. وجدت فريندا الأسماء اليابانية صعبة الفهم لأنّها لا تُؤخذ من ملوكٍ سابقين أو قديسين، لكن على الأرجح كان ذلك اسم عائلة. رأت أنه لا يضُرّ أن تتذكّره.
كان القصر مقسّمًا إلى مبانٍ متعددة تربطها ممرّات. ولم يكن المكان متناظرًا حتى، لذا لم تكن فريندا لتتفاجأ بوجود سلالم وممرّات غير طبيعية في الداخل. الآن، أين سيُخَبّئ الشرير المتوارِي ضمن آل موغينو أسرارَه؟
لن يرغب في إبقائها بعيدًا جدًا، لكنه لن يُريد أن يُرَى وهو يحملها أيضًا.
ولن يكون قلقا من لصوص الخارج فحسب؛ بل أراد أيضًا أن يمنع باقي أهل البيت أن يعرفوا أمرها.
「همم」
(خزنةٌ ثقيلة، ربما؟)
اختارت فريندا الاعتماد على أنفها الظلامي في هذا.
الخزنة المعقّدة والثقيلة لن تُبنى في الطوابق العليا. بطبيعة الحال، سيزيد وزنها على وزن شاحنةٍ كبيرة وقد تخترق الأرضية. هذا يوحي بوجودها في القبو، لكنهم لن يستطيعون تشويه قواعد وأساسات ذلك القصر العملاق لحفر ما يشاؤون في الأرض. سينهار القصر كله لو فعلوا.
أما مسارات الكهرباء والغاز والمياه فتمثل إشكالية، وكل الإضافات الغريبة قد حوّلت وحرفت مركز ثقل المبنى إلى حدٍّ ما.
بناءً على الظروف، ليس من الأماكن إلا عدد محدود يمكن أن تُوضَع فيها خزنة عملاقة.
فأين تضع المتفجرات لتُسْقِطَ البناء؟ لم يكن على فريندا إلا أن تفكّر بالعكس. أنف خبيرة المتفجرات يمكنها بسرعة تحديد المواقع الصالحة للاستخدام.
حرّكت خزانةً من الكتب بالطابق الأول ونزلت السلالم المخفية خلفها.
「وجدتها」
اكتشفت بابًا سميكًا يشبه باب خزائن البنوك، لكنها فتحته بسهولة عن طريق تشغيل مثقاب خاص ببطء لعمل ثقب ثم إذابة أعواد التنغستن الاثني عشر بداخله باستخدام حمض. شراء النسخة الصناعية سيكون مكلفًا، لكن لك أن تخفض السعر كثيرًا بتعديل منتجات المتاجر الرخيصة. بدمج محركٍ كبير مأخوذ من عصّارةٍ كهربائية مع منظّم سرعة، ستحقق الكثير بمجرد التحكم في معدل الدوران. ثم يكفي أن تعدل الرأس الذي سيُضغط على الفولاذ. أما الحمض؟ فهو مكوّنٌ يدخل في صناعة متفجرٍ شائع. أيُّ مُفَجّرٍ خبيرٍ يمكنه صنعه من مواد منزلية يومية.
وجدت فريندا مساحةً أكبر من صفّ دراسي في المدرسة.
لوحات فنية، سبائك ذهب، مجوهرات، أسلحة، وأكثر. لكن فريندا لم تهتم بأيّ من ذلك.
أرادت مستندات.
صف من الخزائن الإضافية الموّقَدة تصطف على جانب واحد من الخزنة. كانت تعلم أن لأهل موغينو بضعة عشرات من الأعضاء. فهل كانت هذه خزانة مخصّصة لكل واحدٍ منهم؟
الأقفال كانت لعبة مقارنةً بقفل باب الخزنة، لكن فريندا لاحظت شيئًا آخر.
ارتعشت حاسة أنفها المُفجّرة.
「حمض؟ في النهاية، هل سَتُذاب المستندات بالداخل لو فُتِح القفل بالقوة؟」
تنهدت فريندا وقالت وهي تُخرج مفكًا رخيصًا.
ياليل من الإزعاج، لكن يمكنها تحييده إنْ تُفككه كما لو تَفصل خيوط قنبلة. كان الحمض مخزنًا في خزانٍ واحدٍ توزّعه أنابيب رفيعة إلى كل خزنة، لذا كل ما عليها فعله هو إزالة الخزان.
「هم، هم، ههم☆」
لم تستطع تمييز الخزانة التي تريدها، فاستعانت بالرافعة لتفتح كلَّ بابٍ مقفل على التوالي ثم سحبت المستندات في الداخل.
صكّ أرضٍ، قائمة أسماء، صور لما بدا أنه اجتماع سري بين اثنين، قرص فلاش... عثرت على الكثير من الأشياء المشبوهة، لكنها لم تهتم بأيٍّ منها.
「أهذا هو؟」
فُريندا سَيْفِلُن.
وجدت مستندًا يحمل اسمها.
(وهذا ليس بالتنسيق العادي... ففي النهاية، لا يبدو كأنه تقرير بسيط. في النص بعض حِيَل التلاعب العاطفي)
ولمثل هذه التقنيات وجود.
ما قد يبدو للوهلة الأولى كأعمدة ألوان في رسمٍ بيانيٍّ مُلوَّنٌ بالأحمر الدافئ أو الأصفر ليُبدي الكاتِبُ المقالةَ أكبر، أو نقطة ضعف يريد الكاتب تجنّب الأسئلة حولها تُكتب في فقرةٍ واحدةٍ طويلةٍ بخطٍ صغير — كلاهما ليس كَذِبًا صريحًا، ولهم أن يقولوا بعد ذلك إن من أخطأ في تأويل الكلام هو الملام.
لن يَخدِعوا أعداءهم فحسب، بل حلفاءهم أيضًا إذا استلزم الأمر. لن يخجلوا من ذلك، حتى في ظروف خطيرة تؤثر على حياة مرؤوسيهم ومستقبلهم.
كانت شخصيّة الشرير الخفي ظاهرةً فوق الصفحات.
(في النهاية، يبدو هذا كمسوّدة خطة مشروع تهدف لجعل العديد من شركائهم يعتقدون أن هذه معركة منتصرة. ومن حسن الحظ أن هذه النسخة تحتوي بياناتٍ خام قبل أن تتغير)
إن بقينا مكتوفي الأيدي، سنفقد فرصتنا.
علينا أن نغيّر خطّ الخلافة بجِدٍّ.
آيتِمُ موغينو شيزوري توفر بضعة خيارات مختلفة، لكننا سنستخدم فُريندا سَيْفِلُن ذات المستوى 0.
لا أود ولا أتمنى التعامل مع أحد أسابر المدينة الأكاديمية. على هذا، ستكون فتاة القنابل سهلة التنبؤ.
آل موغينو نشطة في شينجوكو - طوكيو، وفي يوكوهاما - كاناغاوا.
يجب ألا نقتل تلك المفجرة من مدينة الأكاديمية. من الضروري أن تعمل من تلقاء نفسها وتزعج تجارتنا.
بهذا سنتمسك بموقفنا "ضحايا".
وهذا سيساعدنا على إجبار موغينو شيزوري على تحمّل المسؤولية فنُسقِطُها من الخلافة.
ولأنها مستوى 0، ستكون الفتاة المفجرة سهلة في التعامل. وإذا فقدنا السيطرة عليها، سنتجاهل الخسائر البشرية ونستخدم الأعداد الغالبة لقتلها.
ابتسمت فريندا ابتسامةً مرة عند تحذير آخر المستند.
وهذا صحيح.
لكنهم لم يكونوا على دراية بمدى صعوبة بقاء صفرية المستوى على قيد الحياة في الجانب المظلم حيث لا يلعب أحد بنزاهة وتكثر القوى الغريبة الإسبرية. ولا يدرون بكم كانت تبدع فريندا في النجاة من أغرب المواقف.
وطبعا لن تشتكي من استخفافهم بها.
فذلك أفضل بكثير من أن يكون لديهم فهمٌ دقيق للتهديد.
(لكن هذا انتحار. في النهاية، ماذا تأمل عائلة موغينو أن تحقق بضرب المدينة الأكاديمية؟ آه، ها هو مستندٌ آخر)
آل موغينو تزن دومًا الإيجابيات والسلبيات.
في صراعٍ على الخلافة، ستكون الإنجازات الظاهرة والمساهمات ضرورية.
وسنمُدّ يدنا إلى مدينة الأكاديمية.
حربٌ شاملة بين آل موغينو والمدينة الأكاديمية ستكون كارثةً علينا، لكن يظل في الأكاديمية ربحٌ. تحديدًا، ربحٌ يختصّ بالأطفال وذويهم.
قد يكون الأطفال بأمانٍ داخل أسوار المدينة، لكن الآباء المبعثرين في أنحاء البلاد يختلفون.
لنا أن نهدد الناس العاديين ليصيروا بيادقَ تضحيةٍ تهاجم الآباء بينما نظلّ نحن في مأمنٍ تامّ. ومع تزايد خوفهم وسخطهم، سيقاطع الآباء المدينة بأبنائهم. ومن ثم تنهار أعمال التعليم في المدينة.
أو يكفي أن نهدّد بفعل ذلك.
إذا تمكّنّا من تهديد مدينة الأكاديمية بنجاح، سنحصل على وصولٍ إلى مختلف التقنيات المتقدمة المرتبطة بتطوير الأسابر. وهذا بدوره سيجلب مجدًا لا ينتهي لآل موغينو.
النصر بلا دماء سيكون مثاليًا، لكننا سنجري عروضًا توضيحية إن لزم الأمر.
ولدينا قائمةٌ "بالعملاء" الذين سقطوا مرارًا في فخّ الفواتير المزورة وعمليات الاحتيال بالتحويل البنكي. فبأن نقطعهم عن المعلومات الموثوقة وندفعهم إلى الحافة، سنتحكم عن بعد فيهم.
لا نحتاج إلا اختيار أحد أولئك القتلة القابلين للاستبدال.
أترك هذه المهمة لـ هَنَقاي.
فالعنصر(آيتم) قد تم توصيله.
باستعمال ساعي دراجة نارية أو ما شابه لتسليم القنبلة المزيّفة إلى البيدق القابل للاستبدال، يمكننا تأطير فريندا سيفلن وتصفية شيزوري بأن نحملها المسؤولية.
「...」
مصيبة.
حدس فريندا الظلامي قَرَع فيها ناقوس الخطر.
امتلاك كل المعلومات لن يضعكَ دائمًا في موقعٍ متفوّق.
「هجوم على المدينة الأكاديمية وإسقاط موغينو من الخلافة؟ صحيحٌ أنّ بإمكانهم تحقيق ذلك بتلفيق الجريمة إلى الحلوة الظريفة فريندا-تشان، لكن في النهاية، هل يعني هذا أن لآل موغينو خائنًا لا يرضى عن وضع سباق الخلافة الحالي؟」
كانت هذه خطة عالية المخاطر وعالية العائد للشرير.
معرفة هذا وحدها كانت سببًا كافياً لأن يُقتل المرء.
(لكن قد أستطيع إقناع موغينو باستخدام هذا. ويكفي أن أتحرر من مطاردة الآيتم للآن!)
طبعًا ستحملُ معها الوثائق الأصلية، لكن ذلك لم يكن كافيًا. للحيطة، التقطت صورًا لكل صفحة بجوالها.
بعد إتمام ذلك العمل البسيط، وضعَت فريندا المستندات في جيبها وانطلقَت من القبو إلى بهو المدخل.
「ياه ياه」
سَمِعَت صوتًا. صوت امرأةٍ راقيةٍ بالغة. وما أدركت فريندا الخطر حتى ظهرت المرأة بالفعل ولم يتبقَ لديها وقتٌ للتصرف. لا عودة الآن.
「يا ليتك واصلتِ الهرب في الشوارع حتى تمسكك الشرطة، لكانَت مدينة الأكاديمية أرسلت قاتلاً لتسكتكِ نيابةً عنا. لم أتوقّع أنكِ ستندفعين مباشرة إلى قصر آل موغينو وحدك」
(لا تبدين قلقة!! في النهاية، هل توقع حركتي وغلبوني؟!)
كانت امرأةً حسناء فتنة. ما استطاعت فريندا أن تُحدد عدد تقنيات مقاومة الشيخوخة التي استُخدمت، لكن مظهرها يوحي بامرأة في الثلاثين تقريبًا أو تصغر بقليل. ولكنَّ جمالها كان مصطنعا المرة. فلهذه الملكة العنيفة شعرٌ كستنائي طويل ملفلف وترتدي فستانًا قصصيًا. ويدها النحيلة تعبث بكيسيرو طويل ورفيع (غليون ياباني).
「في النهاية، أرى الشبه العائلي فيكِ. ومع ذلك سأُتفاجأ لو كنتِ أمّ موغينو」
「من تقصدين هي أختي الصغرى. آهخ، يا ليت إيكا أحسنت تربية ابنتها، لما حدث أيٌّ من هذا」
إذن فهذه المرأة عَمّة موغينو شيزوري؟
عائلة الموغينو.
لكن أن تكتفي بوصف "العائلة" فيه إجحاف، هم سلالةٌ عريقة صَمَدَت لأجيالٍ مُتفوّقة. أمام منظمة إجرامية ترتبط بالدم، ما كانت فريندا لتجرؤ حتى على التكهن بمدى تعقد شجرة عائلتهم.
ثم تقدّم كهلٌ يرتدي بدلة توكسيدو ليصد سيدته.
「ساكُيا-ساما، أرجو أن تبقي خلفي」
موغينو ساكُيا.
ذلك الاسم كان على الخزانة التي وُجدت بها الوثائق.
ثم ظهر خادم شايبٌ يرتدي بدلة توكسيدو قديمة وذو نظارة أحادية.
「مُجِنَياما. بما أن مدينة الأكاديمية تبدو عاجزة عن تنظيف فوضاهم، فلنلعب ورقة العنف بأنفسنا. أتركُ الباقي لك」
「أنا قناص. القتال القريب ليس مجالي」
「...」
غطّى عرقٌ بارد ظهر الفتاة الشقراء.
فريندا مُفجّرة، لكنّها قادرة على خوض أشكالٍ أخرى من القتال.
ومع ذلك، هذا ما جعل مُجِنَياما يبدو خطيرًا خطيرا. مجرد وقوفها أمامه كان كافيًا لتدرك أنها يجب أن تتجنّب مواجهته وجها.
「ولذلك، لا أثق بقدرتي على قتلك دون أن أوقع بكِ ألمًا وخوفا. فاغفري لي إن عانيتِ」
(مستحيل أقاتل هذا الرجل! هل من مخرج؟!)
فطارَ شعاعٌ سميك.
تحطّم الجدار من الخارج. ليس تهشيمًا أو تكسّرًا، بل انصهارًا.
رَابِعَةُ المدينة الأكاديمية، ميلتداونر.
وبجانبها فتاتان، تقدّمت الفتاة التي تجري في عروقها دماء الموغينو إلى خطّ الجبهة.
「ماذا تحسبين نفسك فاعلة يا شمطاء؟」
ذلك السؤال الوحيد غيّر الجو كله.
توجّهت كل الأنظار الآن نحوها.
كانت هذه الفتاة سببًا في أن تبني موغينو ساكُيا خطّتها بحذر في الخفاء.
وكان كل شيء في تصرّفاتها يشير إلى أن موغينو شيزوري هي الوارثة الحقيقية، مهما تواجد من أعضاء آخرين في السلالة.
ألقت موغينتنا نظرة إلى شايب البدلة السوداء والنظارة الأحادية الواقف بجوار ساكُيا.
「مُجِنَياما...」
「لي أسبابي. ولن أبرر تحابيَّ إلى ساكُيا-ساما في هذا الوقت」
وفقط هذا.
ربما لم يلحظ حتى زميلتاها في الآيتم، تاكيتسوبو وكينوهاتا، مقدار المشاعر التي حملها هذا التبادل القصير.
ودون أن تلفظ شيئا على الخائنة الوضيعة أمامها.
شزرت موغينو شيزوري في الملكة العنيفة التي كانت تمسك الكيزيرو الطويل النحيل.
وتكلّمت.
「يبدو أن جَدّي ما يزال حَيًّا ليعيش مئة عامٍ أخرى. فبدء حرب الخلافة الآن إنما سيُجهِدُك. وهم جنودكِ من سيموتون، لا أنتِ」
「أوه؟ واثقة أيضا؟ لا تعلمين أبدًا ما المفاجآت التي يخبئها لك القدر」
「بمعنى آخر، أنت تعلمين الإجابة بالفعل. تعلمين بالضبط متى سيفارق ذلك المسن حياته "فجأة"」
ابتسامةٌ هزيلة كانت كلّ ما ردّت به ساكُيا.
هزّت كتفيها وكأنها تتجاهل الاتّهام الفاضح.
هذه حركة انقلاب من قبل موغينو ساكُيا. حرب أهلية هادفة فيها لتهديد حياة رأس العائلة الحالي بشكلٍ محسوب، ولتلطيخ الوارث الذي سيخلف، ووضع نفسها على رأس ذلك التنظيم العنيف الذي يضم أكثر من مئة ألف فرد.
وبالطبع، لم يكن ذلك وحده دليلًا كافيًا على نواياها القاتلة.
عرفت فريندا خُلاصة الخطة، لكنها لم تعثر على أي مستند يخطط لقتل رأس العائلة. في عالمٍ تصبح فيه الخديعة قاعدة، يكون الدليل الحاسم ضروريًا، لكنها لم تكن تمتلكه.
وبما أن ساكُيا كانت تعرف كلّ الأجوبة بنفسها، فقد كانت مستعدة للكشف عن الأوراق التي لا يمكن أن تُدِينها.
「وهاكِ سؤال: ماذا أفعل؟ لا يمكنكِ إثبات شيء. حتى لو ذهبتِ إلى الرأس الآن، فلن يستمع منكِ وأنتِ لا تملكين سوى شكٍّ. ويا لها من حقيقةٍ مزعجةٍ لكِ. إذن يا شيزوري. ليس لديك وسيلة الرد. فماذا تنوين الآن وقد عرفتِ الحقيقة دون الدليل؟」
「...」
「نظف الفوضى يا مُجِنَياما. إنهم رفقاء فُريندا سَيْفِلُن الذين أزعجوا أعمال آل موغينو في طوكيو وكاناغاوا. وهذا يجعلهم أعداءً للعائلة」


اختر اسم وأكتب شيء جميل :)