الفصل الأول: أَزْمَةُ بِنْتُ قَنَابِلِ الطوكيو.
(إعدادات القراءة)
انتقال بين الأجزاء
- الجزء 1
تَجَمَّعت ثلاثُ فتياتٍ في صالة سينما الحي السابع الأكاديمي.
موغينو شيزوري، تاكيتسوبو ريكو، كينوهاتا ساياي.
ثلاثة من الآيتم الرباعي الآن تتلقّين مهمّتهن القادمة من الشاشة الكبيرة الخالية من الوجه.
「فريندا غادرت المدينة؟」 قالت الـ#4 بمرارة.
لماذا قد تفعل؟
لكن "الكبير" على الهاتف لم يبدو مهتمًا بالإجابة على هذا السؤال، وهو المنطقي في الجانب المظلم من المدينة؛ حيث الجميع يؤدي مهاما مشبوهة ويعامل حياة الأصدقاء والأعداء على حد سواء كأشياء يُستغنى عنها.
ليس السؤال لماذا هربت.
في هذا المجال، السؤال الحقيقي هو لماذا لم تهرب أبكر؟
[صوت الهاتف] بثّت صوتاً لا صورة.
『هناك مكافأة، لكن ضعوا في اعتباركم أن هذه المهمة أمر وليست طلب. لدينا تسجيلات من كاميرات مراقبة محطة القطار وعدة شهادات شهود. لا نعلم كيف عبرت الجدار، لكنها شوهدت في شينجوكو؛ مما يجعل من فريندا خائنةً مؤكدة. وإنّي حاليا أستغل نفوذي لأكبح الآخرين في هذا المجال، لكن لن يدوم هذا طويلًا. إذا لم تستغلوا هذا الوقت المحدود وتنهوا المسألة بأنفسكم، فقد يُعتبر كل فرد من الآيتم خائنًا. هكذا هم دومًا. والزمن هو تذكرتكم للنجاة. فكروا بها كلعبة استراتيجية آنية. لذا إن بقيتم مكتوفي الأيدي ولم تفعلوا شيئًا، سيُحكم عليكم جميعًا بالإعدام. تيقنوا من ذلك』
「هِهْ، لطيفةٌ اليوم أنتِ」
『أترينه وقت الهزل؟ كم تذكرةً ثانيةً واحدة أضعتِ بهذه الجملة؟』
الشاشة الكبيرة لم تسخر من تعليق موغينو.
يبدو أنها رأت شيئًا أكثر إزعاجًا من موقعها العالي.
وذلك يلمّح إلى مدى خطورة الوضع.
「موغينو」
「أعلم」
(هل فريندا هربت فعلاً، أم أن أحدهم رتّب الأمر ليبدو كذلك؟ مهما كان الفاعل، أشك في أنني قد أعرف. لم يقدروا على مواجهة آيتم مباشرة، فاستخدموا القوانين لإسقاطنا من بعيد)
『فريندا هي من المستوى صفر، لكن كبار المدينة الأكاديمية يخشون من أن تتسرب تقنيات تطوير الإسبر المتقدمة أو أن تتفشى أسرار الجانب المظلم الكثيرة. وسيفعلون أي شيء لمنع ذلك』
「هممم؟ أعندهم وسيلة حيل مضمونة ليعثروا على فريندا-سان ويوقفوها؟」
『فُريميا سَيفِلُن』
رفعت موغينو حاجبها مندهشة.
لكن [صوت الهاتف] واصلت الكلام دون اكتراث.
『إذا أخذهم القبض على فريندا وقتًا طويلاً، فسوف يستخدمون أختها الصغيرة البريئة ذات السابعة طُعمًا لجذب الهدف الهارب. هكذا هم دومًا』
كان الهواء مشحونًا بالتوتر. وكان للصوت إحساسٌ فعلي. أمِنَ الممكن أن تُصدر قاعة سينما تهتم كثيرًا بنظامها الصوتي صريرًا بفعل الحرارة والرطوبة؟
موغينو شيزوري قد تربّت منذ صغرها على الالتزام بقواعد معيّنة، لذلك لم تكن راضية عن هذا المنعطف في الأحداث.
خرج صوتٌ منخفضٌ وغاضب من تلك الفتاة التي يمكن لنظرتها وحدها أن تُحدث شقوقًا في الهواء.
「مثل هذه النكات تُحطّ بك إلى مستوى صعاليك الأزقة」
『ولهذا أخبرتك أنني ألعب لعبة النفوذ لأؤخر ذلك قدرما استطعت. هكذا أنتن دومًا. أُنفِق عليكن الكثير من تذاكر النفوذ غير الملموسة. وحَسَبَ الكُتيّب! فإذا أضعتم الوقت ولم تحققوا نتائج، فإني بذلك قد أهدرت كل شيء عبثا』
أمالت تاكيتسوبو، فتاة البدلة الرياضية، رأسها محتارة.
「لماذا قد تفعلين كل هذا من أجل فريندا؟」
『لا تُضحكيني. لا أهتم بتلك الفتاة الخطيرة بنت القنابل... لكن ما أختها إلا طفلة بريئة لا علاقة لها بالظلام، أليس كذلك؟ حتى أنا لا أوّد أن أتخيّل طفلة في الصف الأول الابتدائي تُعتقل وتصرخ وهم يجرّبون معها لعبة قطرات الحمض في العين. الفكرة لوحدها تقشعر بدني. لذا أطلب منكم إنهاء الأمر قبل أن تصل الأمور إلى ذلك الحد. وأراهن على من أعرف أنهم قادرون على إنجازها، فهلا ترتقينَ إلى مستوى توقعاتي؟』
「إيه إيه. لكن هل تدركين ما يعنيه أن ترمي الآيتم خارج أسوار المدينة؟ لا أريد أن أسمع شكاوى لاحقًا. خصوصًا وأن قدراتي المصنفة 4 ليست سهلة التحكّم إطلاقًا」
『لكِ مطلق الحرية في فعل ما يلزم لمنع تسرّب المعلومات. لكن، على عكس الوضع في مدينة الأكاديمية، لن يكون هناك من يغطيك تقنيًا أو سياسيًا. وهذا يعني أنه لا شيء سيُخفى. فأجدر لكِ أن تفكري مرتين قبل أن تقتلي أحدًا خارج هدفك. وإن ألقت الشرطة الخارجية القبض عليكِ، فسوف يزوركِ قتلة الظلام قبل أن تصلك وسائل الإعلام فيفضحونك في الأخبار』
「قتلة، هاه؟」
「أولئكِ الأخوات الثلاث لسْنَ مرنات كآيتم ولا يعرفن غير القتل، لذا أُفضّل ألا أعتمد عليهن هنا. على أية حال، هل فهمتن القواعد والتعليمات والضوابط؟ إذن، استمتعوا بتنفيذ حكم الإعدام على صاحبتكن السابقة☆」
- الجزء 2
「يلا يا صغيرة، البكي لن يساعدك في إيجاد تذكرتك. أوه وما هذا؟ يا عيني تذكرة مواصلات متروكة☆」
「يا خالة، نسيتي عصاكِ لمّا سندتيها عالسور هناك، لا؟ ففي النهاية، انتبهي أكثر على أغراضك」
「وااه، ما؟ ولا كلب استطاع أن يهرب منـ- يا ساتر، الآن يركض ناحيتي! جديًا؟ هو هذا من كلاب البودل التي ليست صغيرة بالمرة؟!」
الفتاة التي آل أمرها نصف مطروحة على الأرض، بعدما دهسها كلب ضخم مليء بالحيوية وراح يلعقها من كل جانب، لم تكن سوى فريندا سَيفلن.
طبعًا.
وقد كان نخبة مدينة الأكاديمية يقتربون منها. تعرف هذا جيدًا. وفي أسوأ الأحوال، قد تكون آيتم بقيادة #4 الأكاديمية موغينو شيزوري هي من تلاحقها. لذا من الأفضل أن تفترض أن كل دقيقة وثانية لها ثمنها.
لكن...
「يعني، في النهاية، ما كان ليأتي مستقبلٌ سعيدٌ أيَّ أحدٍ لو أنني تركت الكلب البريء يهجم على مجموعة الأطفال ذوو الحقائب المدرسية」
قالت فريندا هذا ولا تزال جالسة على الأرض، بعدما أعادت حبل الكلب إلى المُسنّ الذي لم يتوقف عن الانحناء شاكرًا.
...فريندا تعرف جيدًا (بفضل حاسة الشم الفائقة التي طوّرتها في الجانب المظلم) أنه ما يفترض أن تضيّع وقتها بهذه الأمور، لكن الناس في شينجوكو، طوكيو، كانوا معدومي الدفاع تَعِسًا. وكانت تعرف أكثر من اللازم (بفضل حاسة الشم الفائقـ......فهمتم الفكرة) أنها لو تجاهلت حتى المشاكل الصغيرة، فقد تكبر وتصير مصيبة، وبصراحة ما استطاعت تجاهلها.
مسحت يديها وعباءتها البونشو الخفيفة.
(همم، كل قنابلي والصواعق اختفوا... في النهاية، أحس بنفسي عارية بدونهما)
「تمام」
تحركت فريندا خلف ساتر، ومدّت يدها إلى داخل ملابسها، وأخرجت شيئًا من مكان يصعب وصفه بكلمات.
على الأقل، ما زال لديها جَوَّالها.
في الظروف المناسبة، تقدر فريندا على التحكم في قنبلة أو درون بجوالها. وبما أن ممارسات الجانب المظلم تتضمن معايير خاصة، فلم يكن عليها القلق من تعقب موقعها بواسطتهم. لكن هذا الوضع يتغيّر طبعًا ما إن تبدأُ بثاً أو ترسل أي شيء. مدّت يدها بين الجَوّال وغلافه لتُخرج بضع (أوراق!!) نقدية من فئة عشرة آلاف ين.
هذه كل الأموال التي تملكها.
「في النهاية، آهخ. أيعقل أن الاجتماعية الشريرة الشهيرة قد وصلت إلى هذا الحد؟ عليّ بالتعجّل」
انخفضت كتفاها وهي تعود مشيًا إلى المنطقة الرئيسية.
وكان رجال ونساء بالبدلات الرسمية يحدقون.
لو أنّ الجميع يعرف أن خبيرة متفجرات قد هربت من مدينة الأكاديمية، لكان المكان في حالةٍ من الذعر الآن. لذا من الواضح أن هذا لم يكن السبب.
(أها. فريندا-تشان ببساطة لمّاعة ومتألقة في نظرهم. ففي النهاية، التوزيع العمري خارج المدينة الأكاديمية مختلف. خصوصًا في أيام الأسبوع. عَلّنا نكون في بداية الصباح، لكن أن ترى فتاةً مراهقة حيل ظريفة تتجول بملابس عادية بدل لبس المدرسة لَغَريب)
كل مخرج من محطة شينجوكو الضخمة يؤدي إلى جزء مختلف تمامًا من المدينة. فريندا أرادت تجنب مناطق الترفيه المعروفة بكثرة دوريات الشرطة، فخرجت من المدخل الجنوبي. لكن هذا المدخل يؤدي مباشرة إلى مبنى حكومة طوكيو والمنطقة المليئة بمبانٍ إدارية فخمة. فلموظفي الحكومة المهتمين بالصحة والذين يفضلون المشي للعمل بدل ركوب القطار؛ رؤية فتاة شقراء (تحسب نفسها) ظريفة جدًا تقوم بأعمال تطوعية بملابس غير رسمية في وقت دوام مدرسي، كان مشهدًا غير معتاد.
فعلاً، الحياة خارج المدينة مختلفة.
والسبب الوحيد الذي جعلها لا تُستجوب أو تُقتاد إلى الحجز الوقائي كان شعرها الأشقر وعيناها الزرقاوان اللذان أبداها كالأجنبية (بدون كاف، فأنا أجنبية). على الأرجح لم يكونوا متأكدين إن كانت سائحة عادية أم فتاةً هاربة.
(لَرُبما يكون أصرَفَ لي أن أتصرف كالأجنبية. لا، لحظة. في النهاية، هذا الشيء إنما سيُبرزني أكثر)
كم كان سهلا ادّعاء لغةٍ مكسرة؟ لو بدا عليها أنها تفهم اليابانية أكثر من اللازم، فقد يرون منها أنها تسخر منهم، ولو بدت وكأنها لا تفهم شيئا بالمطلق، فقد ينقلبوا إلى حذرٍ وارتياب.
تنهدت فريندا وتقدّمت إلى حافة الرصيف. اتكأت على جدار زجاجي لمتجر صغير لترتاح عنده برهة. وتفكر: أي محلات تبيع الإسقمري المعلب في الخارج؟ لاحظت أن توزيع الكاميرات الأمنية كان ضعيفًا، لذا تمكنت من الوقوف قريبا جدا من المتجر دون أن تراها الكاميرات. لا روبوتات أمنية جوالة، ولا مراقبة مستمرة بالأقمار الصناعية.
كان بمثابة مَنْفَسٍ للحرية – مؤقتًا على الأقل.
نظرت فريندا إلى ملصق شعار شركة الأمن المثبّت على الجدار الزجاجي.
(حسب هذا، أراهن أن بيانات الكاميرات الأمنية مقسّمة بين شركات الأمن ولا يوجد قاعدة بيانات موحّدة تجمعها كلها. شينجوكو، مدينة الجريمة، ما خيّبت الظن بترك فجوات إلكترونية هائلة أيضًا)
التكنولوجيا داخل مدينة الأكاديمية يُقال إنها متقدمة عن العالم الخارجي بـ20-30 سنة، لكن فريندا قد اعتادت على مستوى تلك التقنية لدرجة أن العالم الخارجي بدا لها كأنه قفزة إلى الماضي.
لوحة على مبنى قريب كانت تشير إلى وجود مقهى إنترنت، لكن فريندا هزّت رأسها.
فهل كان عليها أن تتصل بموغينو والبقية فتشرح لهم وضعها؟
قطعًا لا. بل بالتأكيد كانوا سيتعقّبون الاتصال ويقصفونها من بعيد بميلتداونر موغينو. عدد السنوات التي عملوا فيها معًا لن تعني شيئًا الآن. موغينو والبقية كانوا محترفين. فإن كانت مهمتهم في الجانب المظلم هي ملاحقتها، فلن يترددوا في استخدام العنف. سواء يقتلونها سواء لا؛ فإن ذلك قد حُسم لحظة قبولهم تنفيذ المهمة. فريندا تعرف خير المعرفة أن المراهنة على تليين قلوبهن في اللحظة الأخيرة لَفِكرةٌ ساذجة.
「.......」
وذاك الشيء يتعقبها.
شعرت فريندا بوخزٍ في قفاها، وتفتحت مسام جسدها لتطرد عرقًا باردًا.
ما كان يجب أن تتخيل الأمر بهذه الواقعية.
أخذت نفسًا عميقًا لتُهدئ أعصابها المرتبكة.
الذعر لن يزيدها إلا قيدًا في قراراتها، لكنها بحاجة إلى وقت لتواجه الوضع وتستعيد رباطة جأشها. فقط بتوسيع خياراتها سوف تنجو.
رفعت رأسها.
فرأت أفق المدينة، لكنه كان مرتفعًا جدًا.
فوق ناطحات السحاب رأت جدارا ضخما يرسم خطًا أفقيًا في السماء. ذلك هو الحد الفاصل مع مدينة الأكاديمية.
「والآن إذن」
ومن البديهي أن فريندا لم تهرب ركضًا.
أحدٌ خفيٌّ قد خدّرها وأخرجها من المدينة.
في هذا هي مُتَيقّنة.
لكن شيئا أزعجها.
(لِمَ لَمْ يقتلني وقتها؟)
لو كانت مغشية وعاجزة لساعات، لأمكنه قتلها في أي لحظة. لكنه لم يفعل.
وهذا يعني أن إبقاءها حية يعود عليه بفائدة أكبر من قتلها.
أو قد يُسبب ضررًا أكبر.
يعني أنه رأى مغزى في خلق هذا السيناريو، حيث تكون هي الهاربة والبقية من الآيتم يطاردونها.
(فهل هدفهم تمزيق الآيتم من الداخل بدون مواجهتنا مباشرة؟ أم إنّ الفوضى التي نسببها إنما هي وسيلة لتشتيتنا عن شيء ثاني يُجهّزونه؟)
「......」
موغينو شيزوري، تاكيتسوبو ريكو، وكينوهاتا ساياي.
أولئك الثلاثة لا شك أنهم باتوا قريبين. مهما هربت، في النهاية سيمسكون بها. وقبل ذلك، عليها أن تعثر على من أخرجها من المدينة الأكاديمية وأطَّرها في هذه التهمة، ثم تمسك به وتعرضه على موغينو والبقية عندما يأتون لقتلها.
نجاتها؟
انتقامها من الجاني الحقيقي؟
لا، دوافع البنت الشقراء لم تكن بهذه البساطة.
لا تنسَ أنها أكثر من مجرد خبيرة متفجرات من الجانب المظلم.
رفعت عينيها نحو جدار ناطحة سحاب لتتفقد ساعة رقمية كبيرة بطراز قديم تشبه آلة حاسبة عملاقة.
(اليوم هو 10 من سبتمبر.)
فريندا سيفلن عزمت بصمت دون أن تثير انتباه من حولها.
نعم، كان لديها سبب حقيقي يجعل عودتها إلى مدينة الأكاديمية حيّةً أمرًا غير قابل للنقاش.
وبالتحديد، كان عليها أن تعود قبل صباح يوم 18 سبتمبر.
لأن...
「في ذلك اليوم، كل مدارس المدينة تشارك في مهرجان الدَيهَسي الرياضي. أختي في الصف الأول الابتدائي، وتلك ستكون أول مرة لها. في النهاية، أيُّ أختٍ كبيرة تحترم نفسها مستحيل أن تفوّت يوما كهذا!」
- الجزء 3
موغينو وتاكيتسوبو وكينوهاتا من الآيتم عبروا الجدار ودخلوا شينجوكو، طوكيو.
عادةً، يتطلب الأمر إجراءات طويلة مليئة بالأوراق الرسمية وحقن جهاز نانو تتبعي، لكنهن تخطين كل ذلك. وهذا يُظهر مدى خطورة الوضع. بل وأكثر، لم يكن من مصلحة أحد ترك سجل رسمي لأي نشاط من أنشطة الجانب المظلم.
「تاكيتسوبو-سان، بقوة ظنّيت أن متتعبك الـAIM يتعقب أي إنسان أينما كان في العالم」
「أنا لا أُسَجِّلُ مجالات انتشار AIM زميلاتي في الفريق」 أجابت تاكيتسوبو دون تعبير.
من المثير للإعجاب أنها ما تزال تلتزم بهذه القاعدة، رغم أن ذلك منعهن من معرفة الهوية الحقيقية لهَنانو تشوبي. ونعيد القول، القوانين والأنظمة التي وُضعت لحماية الأرواح والممتلكات لا تعمل على الجانب المظلم، لذا ربما السر في البقاء حيًا هناك هو أن تلتزم بشؤونك فقط. استسلامك لجنون الارتياب سيجعلك شريرًا هشا ولا أكثر.
ومن هذا المنطلق...
「فلو أن فريندا هربت بنفسها، فمن الغريب أنها تركت أختها خلفها... وكنتُ لأتوقع منها أن تهرب من مدينة الأكاديمية ومعها أختها، حتى لو أجبرت الفتاة بيدها」
كانت موغينو حذرة بشأن هذه الأمور.
لذا، رغم أن التهديد كان موجهًا إلى الآيتم كُلّه، إلا أنها لم تكن قلقة جدًا بعد.
「هذا إن كانت فريندا-سان حيل تتصرف كعادتها. لكن لن تتنبأي أبداً بما سيفعله الناس إن كانوا بقوة محاصرين」
「بل علينا فقط التنبؤ بالخيارات التي ستتخذها سواء مذنبة أو بريئة. حينها سوف نسبقها ونقبض عليها」
تاكيتسوبو كانت دقيقة ومباشرة، على نظراتها الشاردة.
ليس الأمر متعلقًا بقوتها وحسب. كانت الأفضل في التتبع.
وفي الجانب المظلم، إن مهارات التتبع أهمُّ حتى من القوة العنيفة.
عليك أن تكتشف الشذوذ، وتتبع آثاره بدقة، فتجد هدفك أينما كان في هذا العالم الواسع.
كلبٌ مطارد عسكري من هذا النوع يمكن أن يؤثر مباشرة على حياة ومستقبل الآخرين.
「ما خطوة فريندا التالية، سواء كانت حقيقية أم مجرد خدعة لإرباكنا؟」
تاكيتسوبو ريكو كانت كما عهدوها.
تحدثت حديث العَرّافة.
「تُثبت براءتها، أظن؟」
- الجزء 4
عمل سوباساكا ميتشيو محققاً في القسم الأول من قسم التحقيقات في شرطة العاصمة طوكيو.
والسبب الوحيد لكونه أول من تلقى الإشعار بالذهاب إلى المكتب الرئيسي في كاسوميغاسيكي هو أنه كان يعمل طوال الليل.
「إصحَ يا مبتدئ. يقولون أن مفجرًا هرب من مدينة الأكاديمية. وأكثر المناطق اكتظاظًا خارج البوابة الشرقية هي شينجوكو!」
「هذه ورطة. ولكن إن كنا نتكلم عن مفجّر، أليس هذا عمل الأمن العام؟ ما دخلنا نحن القسم الأول؟」
وقبل أن يكمل حديثه عن اختصاص الأقسام، صفعه سوباساكا على رأسه.
「أي قسم من الأمن العام بالضبط؟ قسم "دعنا نوقف تملّقنا للمُعَلّمين ونحاول أن نعمل شيئا فعلي مع مدينة الأكاديمية"؟ ألا تدري أن المدينة واقعة في نصف طوكيو، لكنهم يستخدمون حصانتهم لأن يمنعون الشرطة من الدخول مهما صار داخل أسوارهم. أقول لك حان الوقت أن نوقف هذا الهراء. وإني أسمع كلاما يقال عن أطفال يموتون هناك، ولا نعرف حتى عددهم بدقة. فكيف يكون ذلك صواب؟ إذا قبضنا على ذلك المفجّر وطبقنا عليه القانون، فلا أشك أننا سوف نكشف عن جرائم أخرى وراءه. وإذا لعبناها صح، قد نحصل على فرصة لنطالب بتحقيق شامل في مدينة الأكاديمية!」
هل كانت مدينة الأكاديمية تحاول تقليل مسؤوليتها بإعطاء أقل قدر من المعلومات قبل أن تبدأ الأطراف الخارجية بالتدخل؟ لكن مع مرور الوقت، حتى هذه المعلومات البسيطة ستُقمع وتُمحى بسبب تضارب المصالح والحقوق.
البيانات لوحدها بدت واهنة.
ومن المحتمل أن تختفي في أي لحظة. سوباساكا أمسك فأرة الحاسوب، وبدأت طابعة الليزر في المكتب تطبع مجموعة من الأوراق.
「من يعلم متى يأتون ويصادروها، فاحفظها كلها وأنت معك الفرصة، يا مبتدئ!!」
「هِـــــــــه؟ لا تورطني في هذه. والآن دعنا نرى نرى.......」
الاسم: سري
الصورة: سرية
العمر: سري
العنوان: سري
المدرسة: سرية
■■■■■,■■■■■■■■■■■t■■.■■■■■■■■■■■■■■■■■.
■■■■■■■■.■■■■■■■■■i■■■,■■■■■■■■.■■■■■■■.
■■■■■,■■■■■■,■■■■■.■■t■■■■■■■■■■■■■■■■■.
■■■■■■■■■■.■■■■■■■■■■s■■■■■■■■■■■■■.
「........」
تجمّد المحقق وهو ينظر إلى الأوراق.
أتسمين هذا مشاركة معلومات يا مدينة الأكاديمية؟! تقريبًا كل شيء مُشَطّب!!
فسأله المبتدئ بتردد.
「ما-ما نفعل بشأن هذا؟」
「~~~! نكمل البحث عن المفجّر طبعًا! هذه ليست المدينة الأكاديمية! هذه مدينتنا نحن!!」
- الجزء 5
التاسعة صباحا.
ازدحام الصباح المعتاد للطلاب قد انتهى، لكن ما يهم الآيتم؟ وموظف متجر صغير يُحدّق فيهن وهو يحاول مرارًا وتكرارًا جعل جهاز الكاشير يقرأ الباركود، لكن نظرةً من موغينو أغلقت عليه الباب لأي سؤال محتمل. يا له من عالم مريح وسهل.
وبعد الخروج من المتجر، تَفَطَّرت الفتيات.
「شذا؟ تغليف أرز السلمون هذا لا يفتح مهما شدّيت!」
「موغينو، اقرأي التعليمات. يفترض أن تبدأي بسحب الشريط الرفيع المار على التغليف」
「هذا ما أفعلـ—آهخ، تبًا! والآن الأعشاب كلها اختربت!!」
حتى هنا، كانت الفروقات بين داخل وخارج المدينة الأكاديمية واضحة.
فالتكنولوجيا لا تصل إلى الكمال من أول مرة. يجب أن تُستخدم من قبل عدد كبير من الناس حتى تُكتشف فيها عيوبٌ تحتاج إلى حلول. أما أن يسرقوا التكنولوجيا، فتلك حالة استثنائية ولن تفلح معهم—لأن الذين سرقوها غالبًا ما يفتقرون للخبرة في التعامل مع مشاكلها القادمة.
「لنراجع القواعد والإرشادات والأنظمة」
لم تستطع موغينو إهدار سمك السلمون المشوي، فكسرت كرة الأرز لاستخراجها من البلاستيك —المنصهرة جزئيًا— وأكلتها. وتبيّن انزعاجها واضحًا على وجهها.
「لن يأتينا أي دعم من الكبار هذه المرة. يعني سواء قَتلنا أو دَمّرنا، فلن يُتستر على شيء فتكون جريمة. وإذا أمسكتنا شرطة الخارج، فسيأتينا قاتلٌ مأجور من الجانب المظلم يُسلل نفسه إلى زنزانتنا. علينا أن نوزن الأمور. القاعدة #1: لا عنف إذا لم تسوى المخاطرة」
أمالت كينوهاتا رأسها وهي تفك التغليف عن كرة أرز الأوكوا بالكستناء الجديدة بدقة وأناقة.
「ما نفعل لو أن فريندا-سان بقوة هجمت علينا هجوما مضاد يائس بقنابلها؟」
「نشم ريحة الخطر أولاً. ثم أَحرِقُ المكان كله بالميلتداونر قبل أن تفعل أي شيء」
الهدف كان تقليل الأضرار لأدنى حد.
لكن أحدًا لم يقل أن الضرر يجب يكون صفر. فإن ازدادت الأمور تعقيدًا، فالحل الوحيد هو محو كل شيء بعنفٍ "يسوى المخاطرة".
إذن...
「لفريندا، هذا هو الخط النهائي. سنفكر أن نقبض عليها حَيّةً إذا لم تستخدم أيَّ قنبلة، لكن لو رأيناها تفجّر حتى واحدة في العالم الخارجي، تتغير أولوياتنا」
「هيه، لو معي الفرصة، أقول أن نفجرها وننتهي」
「(معكِ يا موغينو، صعب وبقوة أميّز بين مزحك وجدّك)」
في الجانب المظلم، القاعدة كانت أقتل الجميع لأن أي خيار آخر غالبًا سيجلب معه وجع الرأس. فبصراحة، هن الآن يتصرفن بليونة غير معتادة.
وطبعًا، ما من واحدة منهن تعرف كيف ستختتم الحكاية.
「موغينو. الآن نجمع المعلومات، فهل كان عليكِ أن تأكلي كُرة الأرز؟」
「يعني بالنهاية وبكل الأحوال كنا سنطلب لاتيه زايد الحلاوة، صح؟」
وفي النهاية اختاروا "لاتيه مون بلان" الموسمي الخريفي.
فتيات آيتم ما كُنّ شرطة ولا من الأنتي-سكِل، فطرقهن في جمع المعلومات ما كانت تعتمد على التحقيق المباشر مع الناس. فلهن، كله يتعلق بالاستماع.
وفي كافيه رخيص من سلسلةٍ معروفة.
「ألا يزرعون نفس المحاصيل على مدار العام؟ في بيوت بلاستيكية وكذا؟」
「الوضع حيل أسوأ من ذلك. هذه مصنوعة من بودرة بطعم الكستناء. على عكس كُرات الأرز التي فيها أشياء فعلية، لن يمكنك إثبات أن أيًا ما كان في السائل حقيقي」
قائمة المقهى تتغيّر حسب أذواق الناس، لا حسب حالة المحصول الفعلية. حتى لو انتهى أغسطس وجائنا سبتمبر، فالصيف يظل صيفًا. والحصاد لن يتبدل فجأة.
تاكيتسوبو كانت تلعب بشوكة صغيرة مع قطعة أوهاجي على الطريقة الغربية جاءت مع الطلب.
「موغينو، حبوب الأزوكي تُزرع في الخريف بعد، ولا؟」
「لا تخلطي حَلَىٰ الأكل بحَلَىٰ الشراب. وإلا تخدر لسانك من شِدّة الحلاوة」
بعدما حددوا الكافيه الذي يرتاده العاملون بدوام جزئي الذين كانوا يوزعون منشورات في الصباح، جلست الآيتم على طاولة وبدأن يستمعن للحوارات حولهن. هذا المكان كان نقطة تجمّع للمعلومات من أنحاء المدينة. وكان الناس يتمشّون ذهابا وإيابا في الممرات الضيقة، يدّعون أنهم يأخذون مناديل مبللة أو عود شرب. وبين مشوار وآخر...
「تلك البيريه [1] الصغيرة...」
「من جد حيل ما بال تلك البنت الشقراء؟」
لا وقت ليضيعوه، فبدأوا يُوجّهون الحوارات بهَمَساتهم.
بتحفيز ذاكرة الناس، لم يكن صعبًا أن تجعلهم يتكلمون عن أي موضوعٍ تريد ولن يلاحظوا.
وقد كُنّ بالطبع مُهتمّات لأي علامةٍ أو موقف رأوه العاملون هذا الصباح.
وما احتجن أن ينتظرن نصف ساعة حتى.
بنت شقراء بعيون زرقاء كانت تمشي وسط زحمة هذا الصباح لكنها لم تذهب لأي مدرسة.
كانت أجنبية، لكنها طَلِقة في اليابانية. ولم يبدو عليها أنها سائحة.
كأنني رأيتها تعثر على تذكرة مواصلات لطالب في الابتدائية، وأخذت تفكر في أمر غرض ضائع لامرأة مسنّة، وتصارعت مع كلب بودل ضخم......
تنهدت موغينو بإحباط بعد عودتها إلى الطاولة.
「ما هذا الغباء؟ ما تفعل تلك الحمقاء وحياتها مهددة؟」
「هكذا هي فريندا」 قالت فتاة البدلة الرياضية، بلا تعبير كما كانت.
وميّلت كينوهاتا رأسها جانبًا، تتساءل.
「لا يبدو أنها متوترة، فهل يمكن أنها حيل بريئة؟」
「أيٌّ من تلك الأقاويل نعتبرها دليلا حق؟ لا تنخدعي بالانطباعات يا كينوهاتا. لن نغفل احتمال أنها قد تفعل كل هذا عن قصد لتُضللنا」
نظرت كينوهاتا إليها، ووجدت تاكيتسوبو في حالتها المعتادة، بلا تعبير. كالعادة. عادةً كانت لتبدو غير مركزة، لكن عيونها لم تهتزّ قبل أو بعد ما اكتشفت هذا.
يبدو أن الوحيدة المتعاطفة مع فريندا كانت كينوهاتا ساياي.
(هل ذي عادة حيل سيئة لعشاق الأفلام؟)
لم يكن واضحًا إذا كانت فريندا مذنبةً أم لا.
لكن سواء كانت جادة في ذلك أو تحاول إيجاد طريقة لخداع مطاردينها، ما كان صعبًا التنبؤ بما ستفعله تالياً.
فكرت موغينو للحظة.
「لتثبت براءتها. ...يعني أنها ستبقى في مكانها. حاليًا، لن نقلق من أن تركب طائرة وتهرب خارج البلاد. تاكيتسوبو」
「نه」
أشارت فتاة البدلة الرياضية بإصبع واحد.
هي خبيرتهم في التتبع.
الآن، كم كان بإمكانهم تضييق الخناق على فريندا؟
「بما أننا ما ضيقنا الخناق كثيرا، يجب أن نبدأ من مكان يتيح لنا رؤيةً بانورامية للمدينة كلها. فهيّا نطّلع من فوق」
- الجزء 6
وبالطبع، استخدمت فريندا سيفلن أسلحتـ"ـها" بكل براعة.
في العاشرة صباحًا، مركزُ تسوقٍ مكتظ بمحلات الأدوات والبستنة وغيرها من المتاجر المتخصصة قد فتح أبوابه.
ذلك المكان كان كالجنة لهذه المفجرة المحترفة.
「هفف، جدًا سهلة شراء هذه المكونات الخطيرة من المتاجر العادية. وإني أعشق هذا الغياب التام لأي دفاعات، ربما كان نتيجة عدم تطور الجريمة هنا كثيرًا؟」
خرجت الفتاة الشقراء من أحد المتاجر وهي تحمل أكياسًا كبيرة في كلتا يديها.
فريندا سيفلن كانت مفجرة محترفة، وهذا يعني أيضًا أنها متمكنة في جميع المواد الكيميائية ذات التفاعلات المتفجرة.
تقليد أساليب التحقيق الجنائي الخاصة بآنتي-سكِل مدينة الأكاديمية لم يكن تحديًا بالنسبة لها.
「حسنٌ」
كانت فريندا قد استيقظت على مقعد في رصيف محطة، لكنها شكّكت في أن أحدًا ربما قد يحمل فتاة مغشية وسط زحام ساعات الذروة ثم يترك الجميلة الشقراء المتألقة هناك. كان الناس ليرتابون.
مما يعني...
(لا بد أنها كانت قبل أول قطار، وبعد آخر دورية لموظف المحطة. فمن الذي يمكنه الدخول بحرية ويحمل أمتعة كبيرة قبل افتتاح المحطة؟)
「عامل توصيل أو شحن، ربما؟ كسائق شاحنة مثلا؟」
فهل كانت فريندا ممددة هناك لساعات على مقعد المحطة المظلم قبل أن تستيقظ؟ وسط كل الركاب وموظفي المحطة في واحدة من أكثر المحطات ازدحامًا في اليابان؟ يا لقلب طوكيو الميت.
「أغغ. في النهاية، آمل أن البرد لم يُصِبني」
وهذا بالذات كان مصدر قلق لها، لأنها هاربة ولا تستطيع المخاطرة بزيارة طبيب.
عمال التوصيل كانوا في موضع شبهة خاصة وأنه مسموح لهم قانونيًا بالدخول والخروج من مدينة الأكاديمية. الشحن الجوي يزيد من التكاليف كثيرا، ومدينة الأكاديمية لا تطل على البحر، لذا كانت الشاحنات خيارًا أكثر ربحية.
لا بد أنه كان سائِقَ شاحنةٍ يَعملُ في كلٍّ من مدينة الأكاديمية ومحطة شينجوكو.
وليس لأمثالهم الكثيرين.
فيها مخاطرة، ولكن بعد إتمام استعداداتها، عادت فريندا إلى محطة شينجوكو الضخمة. لكنها بدل الدخول تجولت في محيطها.
إنّ محطة شينجوكو تتمتع بفوارق ارتفاع قاسية، إذ أنها بُنيت على منحدر، مما جعل المخارج الموجودة على مستوى الأرض تختلف فيما بينها بثلاثة طوابق أحيانًا.
في الجانب السفلي، قرب منحدرٍ حلزوني، وجدت فريندا صفًا من الأبواب المعدنية المُغلقة التي كانت تدل على مدخل تفريغ الشحنات.
「ها نحن هنا」
وبما أنها تُركت على رصيف المحطة قبل أول قطار، فلا بد أن ذلك حدث في حوالي الرابعة فجرا. ولم تظن أن الشاحنة التي أخذتها من مدينة الأكاديمية ما تزال في المحطة.
لكن الآثار ستبقى.
「في النهاية، هل أبدأ بآثار الإطارات وانبعاثات العادم؟」
وهي تكلم نفسها، بدأت فريندا بسرعة في خلط عدة مواد كيميائية باستخدام ملاعق القياس الكبيرة والصغيرة وأكواب القياس الأخرى التي اشترتها من متجر تخفيضات. لم تصهر أو تحرق أي شيء، لذا لم تكن بحاجة إلى قناع خاص أو نظارات.
بعد أن سكبت السائل في زجاجة رش فارغة، بدأت ترشه على الإسفلت.
「بينقو☆」
ظهرت أزواج من آثار الإطارات السميكة، يُفترض أنها لشاحنات، بلون أبيض مزرق. ونقوش الإطارات كأنها نوعًا من التكنولوجيا. يبدو أن سائق الشاحنة قد استبدل إطاراته التالفة في مدينة الأكاديمية، لأن أحد الأثرين كان يحتوي على نقشٍ عالي التقنية صارخ.
(لابد أن العدو على الأرجح تزوّد بالوقود في مدينة الأكاديمية، كنتُ أخطط أن أتتبع آثار غازات العادم العالقة على الإسفلت، لكن في النهاية، يا لحظي أن الواقع سَهّل دربي)
وهذا سيكون دليلها الآن.
وبالطبع، لو استمرت في رش الرذاذ على طول تلك الآثار، لنفد منها الكاشف سريعًا. ناهيك عن أن المشي وسط الطريق وهي تحدق في الأرض سيجلب لها الانتباه. لذا قررت تتبع النقاط المتفرقة فقط. كل ما كانت تريده هو تعقب الشاحنة الهاربة، لذا لم تكن بحاجة سوى لعملية رش سريعة عند التقاطعات. قَدَّرتها بناءً على المسافة بين الإطارات، لكن مثل تلك الشاحنة الكبيرة ستكون مجبرة على الالتزام بالطرق الرئيسية.
اتبعت فريندا إشارات المرور واستخدمت ممرات المشاة، بينما تصوب زجاجة الرش نحو الأرض دون أن تنحني أو تتوقف. أما عن مدى تأثير زجاجة الرش؟ فالأرض تملك شيئًا صغيرًا غير معروف يسمونه الجاذبية، لذا ما دامت ترش الرذاذ، فسيسقط على الأرض من نفسه. ثم ما إن تصل إلى الجانب الآخر من الشارع، ستنظر الفتاة خلفها وتتفقد النتيجة.
ثم...
على أنها كانت تمضي على ما يرام...
شعرت فريندا بقشعريرة مزعجة تسري على طول ظهرها.
ورأت نفسها تتردد فجأة في أن تخطو خطوة أخرى.
زفواه!!!
فإذ بشعاعٍ مرهب مستقيم يندفع، مذيبًا معه ومُحرقًا الإسفلت المتين.
أصاب الأرض مباشرة قِبَلَ فريندا.
ذلك هو ميلتداونر #4 المدينة الأكاديمية، موغينو شيزوري.
حتى بتقدير متواضع، خمنت فريندا أن مصدر الضوء على بعد أكثر من 3000م.
وقد أُطلق الانفجار مائلا من الأعلى.
إما أن موغينو كانت على قمة ناطحة سحاب، أو أنها استأجرت مروحية.
「!!؟」
للحظة، لم تكن فريندا نفسها متأكدة من كيف تفادت هذا الهجوم.
(في النهاية، كأنّ هناك ظِلاً غريبا ظهر لبرهة على اللافتة الكبيرة فوق سطح ذلك المبنى البعيد؟ من أحدٍ واقف أمامها؟ لا شك أنني عبقرية لأنني لاحظت ذلك!!)
رَفعُ المعنويات بهذا الشكل يمكن أن يمنح المرء قدرًا مفاجئًا من القوة في حالات الطوارئ.
وعند استخدامه صحيحا، قد يمنعك من الجمود والموت ثابتًا.
وفي نفسها تشجعت فريندا بينما ترسل نظراتها بسرعة في محيطها القريب، لكنها لم ترَ أي إشارة على هجوم قريبٍ من كينوهاتا.
فهل هذا فقط هجوم قناص؟
أوحى ذلك بأن الهجوم لم يكن مخططًا له، وإنما جاء من رصدهم المفاجئ لفريندا. الفرص غير المتوقعة تشبه الارتجال على خشبة المسرح — سباقٌ ضد الوقوع في الأخطاء.
ومع ذلك، ميلتداونر لا يحتاج لسحب ترباس أو إعادة تلقيم. لو بقيت فريندا في العراء واقفة، فلسوف تُهدر المعجزة التي مُنحت إياها. إن لم تتصرف حالا، فالهجوم التالي سيأتي خلال أقل من ثانيتين.
(أقرب إشارة هي حمراء. في النهاية، عندها لا تتحرك السيارات!!)
انطلقت ومضات ضوئية مشرقة أخرى، لكنها لم تكن من موغينو.
فريندا أطلقت بعض ومضات المغنيسيوم للتشتيت.
(حتى لو لم تملك قنابل صوتية احترافية، فإن المغنيسيوم تجده في كل مكان. مثل تلك التي تُستخدم في لافتات أعمدة الكهرباء. في النهاية، يُستخدم المغنيسيوم لتقوية الأسلاك المصنوعة من سبائك الزنك أو الألمنيوم)
ومع ذلك، اخترق شعاعٌ من الإلكترونات الإسفلت على بُعد أقل من خمسة أمتار من فريندا. لا وقت لديها للتردد. قفزت عمليًا نحو الفراغ بين مبنيين.
「لكن لا يمكنني تجاهل آثار الإطارات. الاختباء وحده لا يكفي. في النهاية، عليّ أن أطل برأسي أحيانًا لرش الكاشف على الطريق」
ومن حسن الحظ، كانت قد كشفت عن عدة نقاط في المسار.
اعتمدت على استنتاجاتها من تلك النقاط وتقدّمت نحو النقطة التالية. وكانت تريد إنهاء تتبع هذا الأثر بأسرع وقت ممكن.
- الجزء 7
「موغينو」
「واحدة بعد!」
「القواعد المعتادة لا تنطبق هنا. أشعتك الضوئية القوية ورقة رابحة، لكنّها ملفتة. حتى عشر ثواني طويلة جدًا. إن لم تقتلي الهدف خلال هذه المدة، فانسحبي فورًا」
「أتُراكِ معها، ولا؟」
「أيضا، فريندا لم تقتل أحد حتى الآن. أشعر أنها لم تتجاوز ذلك الخط بعد」
「"تشعرين"، ها؟!」
「موغينو، أكنتِ نويتِ قتلها قبل قليل؟」
「.......تشُكّين في؟」
「هذا يعني أن فريندا لا شك حَسّت بنية القتل من محترفة. لم تكن مجرد تهديدات فارغة كما تفعلها شلّة الصعاليك والجانحين. المحترف يقتل بهدوء، في عملٍ مُخَطَّط. ولو استمرت فريندا هكذا، فسوف تُقتَل. هي تعي ذلك، لكنها مع ذلك لم ترد بمثله」
「...」
「لا تنسي إنها خبيرة متفجرات. علّ معداتها أُخِذت منها، لكنَّ بمعرفتها، تستطيع صنع صاروخ بدائي غير موجّه من قطع موجودة في المدينة. ولو كانت جادة وما همّتها الأضرار الجانبية، فإن فرق الـ3000م لن يعني لها شيئا. فهي تقدر على إسقاط المبنى كله لو تريد」
「أُخِذَت منها؟ كأنكِ تبنين كل هذا على خيال أنَّ أحدًا جاء وخطفها من المدينة وسرق أغراضها. آهخ، لا تقولي إنك صرتِ بجانب الهدف!؟ فعلاً، لمحتُ أن فريندا تصلّبت قبل إطلاقي. فهل أوقفتِني في مكان مكشوف عمدا؟」
「طيب طيب طيب، حيل كفاية منكما! إذا بدأتي تصرخين هكذا، فإن [صوت الهاتف] بالتأكيد ستغضب. وذي المرة ليست معنا البِنية التحتية المعتادة للتغطية. انظري، الناس بدأوا يتجمّعون عند أماكن الضربات، فانسي ولا مجال لأن نكرر هذه الضربات الحَيل عشوائية. بسرعة ننسحب」
「أقلتِ لتوّك أن تصويبي عشوائي أيا الهزيلة الغِرّة؟」
「هووه؟ كلام حيل كبير من قناصة خبصت في أول رمية. ربما أن إحساسك تبلّد من ذي الأفخاذ الجِد طرية؟」
「موغينو، اصبري. سيغضبون منكِ إذا قتلتي أحدا غير الهدف」
「آهخ من كل شيء مسدود في وجهي! حتى زميلة الفريق ممنوعٌ عليّ قتلها؟!!」
- الجزء 8
يبدو أنها نجت.
تنهدت فريندا بهدوء.
(في النهاية، أتمنى أنها لا تترصد فرصةً لتقتلني على رَوِية وراحة لها)
وبينما تكون الفتاة مُطارَدة فعلا، تبدأ الخطوط بين التفاؤل والمنطق والمبالغة في التفكير تتلاشى. في الجانب المظلم، كان من الشائع أن تجد نفسك عاجزًا عن الثقة بأفكارك.
وعلى عكس ما يتصوره الناس، شينجوكو لم تكن فقط كابوكي-تشو من طرف لطرف. عند الخروج من المحطة من الجهة الجنوبية، تجد قدرا مفاجئا من المساحات الخضراء (وإن كانت حديقة مُعتنى بها صناعيًا). رأت فريندا عددًا من مباني الشركات الكبيرة والفنادق، مرّت بجانب مبنى حكومة طوكيو الشهير، واستمرت في المشي حتى انخفضت ارتفاعات المباني انخفاضا واضحا.
وقد وصلت إلى مبنى معيّن.
تجمّعت عدة سيارات أجرة حول مطعم وجبات يومية متسخ. هل كانت كل تلك البقع بقع دهون؟ رأت أيضًا عدد من الشاحنات الكبيرة إلى جانب سيارات الأجرة. لفريندا، شينجوكو كانت دائمًا عبارة عن ناطحات سحاب، لذا هذا المطعم المكوّن من طابق واحد بدا غريبا وسط المكان. هل كان ذلك نتيجة هوس قوي لكن في غير محله؟ قائمة الطعام الموضوعة في الخارج كانت عن نودلز صينية باردة مشطوبة بخطين عريضين ومكتوب مكانها "رامِن" بخط يدوي. علّ ذلك بسبب تغيّر الفصول.
المكان بأكمله كان قذرًا، رغم أنه مطعم. الجو العام فيه سيجعل المرء يتردد قبل الدخول.
يبدو أن المطعم لم يهتم أبدًا بعدد النجوم التي حصل عليها في مواقع التقييم.
كان يشبه سمكة استوائية في حوض مغلق... لا، ذلك التشبيه نظيفٌ جدًا. بل أشبه بسُلَحْفاة عاشت لعقود في حوض ممتلئ بالطحالب ونادرًا ما يُنظّف.
「روعة، مثل هذه المطاعم الغامضة تسمع عنها في أساطير المدن. ...في النهاية، هل مطاعم الوجبات اليومية هذه لذيذة أصلا؟」
فريندا لم تظن أن الهدف سيهرب مباشرة إلى الطريق السريع.
حتى لو لم يُذكر شيء في الأخبار أو الإنترنت بعد، فلا بد أن معلومة "المفجرة الهاربة" قد وصلت لقسم التحقيق الأول والأمن العام — لكن في تقرير خاضع لتحرير صارم بالطبع.
السائق كان ليكون مسترخيًا في مطعم قريبًا من موقع الحادث لأنه كان بانتظار إزالة الحواجز الأمنية التابعة للشرطة.
لكن فريندا لم تكن تنوي الانتظار حتى تهدأ الأمور. صحيح أنها وقعت في فخ والآن تُطارَد، لكن الأزمة أحيانًا يمكن أن تُستَغل.
وبحسب آثار الإطارات التي أظهرها الكاشف الكيميائي...
(هذه هي الشاحنة التي خطفتني. وأرى صورة عائلية عند مقعد السائق وآثار الأقدام تؤدي إلى داخل المطعم. لكن وفي النهاية، السائق سوف يرجع إلى هنا بنفسه)
وللحيطة، استخدمت فريندا بعض الغبار المصنوع من برادة رقائق الألمنيوم لتفحص الباب، فوجدت بصمات أصابع. قديمة وجديدة. ما يعني أنها ليست خدعة مرتجلة في اللحظة الأخيرة.
「هذا يؤكدها. والآن، وقت التجهيز」
أخرجت فريندا من تحت عباءتها البونشو زجاجة بخاخ غير تلك التي تحتوي على الكاشف الكيميائي. هذه كانت تحمل علامة سميكة مرسومة بالأحمر حول عنق الزجاجة.
انفتح الباب المنزلق للمطعم المتّسخ.
فخرج كهلٌ (رجل في منتصف العمر) يبدو تمامًا كسائق شاحنة وتوجه نحو الشاحنة الكبيرة وضغط على زر في مفاتيحه لفتح الباب.
وفي لحظتها، اقتربت فريندا بصمت من خلف ساتر.
لاحظ السائق وجودها في المرآة الجانبية الكبيرة واستدار بسرعة، لكنها أعدت لذلك.
「أوكيييه، في النهاية خذ لك بخّة من النعناع والفلفل الحار والخل☆」
「غوااااااه!؟」
تلقي الكوكتيل فائق الإزعاج مباشرة في عينيه أسقط الكهل على مؤخرته.
تخصص فريندا كان كل المواد الكيميائية ذات التفاعلات المتفجّرة. ولكنها لم تقل يومًا إن القنابل هي سلاحها الوحيد.
ولو فجّرته إلى أشلاء، فلن يجيب عن أسئلتها، صح؟
(ألعاب كهذه تكون أفيد إذا اقترنت بقنبلة فخ. في النهاية، عندما يأتي فريق لتفكيك القنابل ويفكون البراغي بعناية ويزيلوا غطاء القنبلة، ستنبعث كل أنواع المساحيق المزعجة بصمت وتعمي أعينهم الحساسة☆)
「هيه، في النهاية لا تفرك عيونك وإلا زدت الطين بلّة. إنما ستتورم جفونك أكثر. فأنصحك ألا تقاوم وتتفضل معي إلى الخلف」
「آخ، م-ما الذي فعلتيه؟ ل-لا أستطيع الرؤية!؟」
「أنا من يحق لها هذا السؤال」
بتنهد مُحبط، أمسكت فريندا السائق من ياقة قميصه وسحبته إلى خلف الشاحنة الكبيرة. حجمه الأكبر جعل المهمة متعبة قليلا.
(أفعل كل هذا ولا أحد يلاحظ أو يتدخل. أنا لا أطالب بروبوتات البراميل تلك، لكن في النهاية، العالم بدون كاميرات ولا درون سهل جدًا لدرجةٍ تُخوّف.)
وما إن تصل إلى نقطة عمياء داخل المدينة، يبدأ عملها.
وقت الاستجواب، حيث تنسل المعلومات كما ينسل الماء من الجرة إذا أُميلت.
「في النهاية، أعندك فكرة عن لما قد تفعل قاطنة في المدينة الأكاديمية هذا بك؟」
「ءهـ...」
ارتعشت كتفا السائق.
هذا يعني نعم.
「سائق شاحنة محترف يدخل بوابات المدينة الأكاديمية بكل سهولة. لكن ليس عندك أي سبب لتفعل ما فعلت. ...فمن وظّفك؟ وهل دفع لك؟ قل لي كل شيء تعرفه」
「ل-لا أقدر」
「أعطيتك بخة من رذاذ دموع موسوم بـ "آمن". أما الأصلي فأقوى 20 مرة، ورشة منه واحدة ستجعلك أعمى طوال العمر. ففي النهاية، أما زلت تنوي المقاومة؟」
「انتظري، لا! إلا عيني! أنا سائق!!」
الدفاعات النفسية للبشر كانت أضعف أمام أنواع الألم التي تختلف عن الضرب والركل المباشر.
وكانت أشد وأقوى إن تركت خيالهم يشتغل.
فريندا تعرف أنه لا يراها، لكنها ظلت محافظة على تعبير وجهها حياديًا.
لأنها هكذا فعلياً شعرت:
(إف، أكره هذا. في النهاية، ليس من طبعي أن أعذب هاوي مكسور)
لكن أحيانًا، كان حتما لا مفر.
موغينو رمتها بالميلتداونر قبل وقت قصير. ويبدو أن الآيتم فعلاً أُطلِقوا من مدينة الأكاديمية وهن الآن يطاردن فريندا ويتتبعنها.
وما كان واضحًا كم كان قرب تلك الفتيات المدمرات منها.
لكن الساعة تدق.
لو أطلقت موغينو.... قنصا ثانيا؟ قذيفة؟ أيا كان اسمها فإنها قد تصيب السائق بالخطأ.
فكان عليها أن تكون الوحش هنا.
نعم، الوحش مثل الأُوني الياباني الذي خوّف أختها الصغيرة ذات السبعة سنين لدرجة أرقت لياليها واضطرت الأخت الكبيرة أن تسهر معها على محادثة صوتية في لعبة مجانية. ووفقًا لكلام أختها فإن ذاك الوحش الغريب يُهزم بحبوب الصويا المحمصة ورؤوس الأسماك. هذا الجزء كان مقلقا بعض الشيء، لكن الأُوني الحقيقي بالتأكيد يفعل أشياء بشعة جدًا.
「في النهاية، مادة الهيستامين ممتازة لتورم الجفون. هي المادة التي تسبب الحكة والألم في حالات الحساسية، ولنا أن تسخرجها بسهولة من القمامة الفاسدة. وأكيد هناك مواد خام كثيرة خلف المطعم. بإدخال إحداها جسمك، سأستطيع رفع التورم لأي درجة أريد. فهل تبتغي حقا تجربة ألمٍ أقوى بعدّة مرات؟ أنبدأ بـ100 ضعف حَرّاقة؟」
「ل-لم أحتاج المال」
「فهل هددوك؟ بصورة التقطوها منك وأنت تخون ربما؟」
「لن أخون امرأتي أبدًا!!」
「إذن كيف تفسر حالك الآن، سيد مجرم؟」
صرخ السائق في المحبطة فريندا.
وبدا عليه اليأس قليلاً.
「احتجتُ الوقت. الوقت! عملُ سائق الشاحنة يُكسب المال فقط. ونحن ننفق أغلب وقتنا في العمل. على الأقل أكثر من نصف السنة. لدينا المال في البنوك، ولكننا لا نجد الوقت أن نأخذ أهالينا في إجازة أو حتى إلى الحديقة! من يعيش هذه العيشة طويلا بالتأكيد سيُأثر هذا على عقله!!」
ومع ذلك لم يستقل.
كان يعلم جيدًا أن حياته ستكون فارغة إذا ذهب عمله.
「...فعقدتُ صفقة」
「أي صفقة؟」
「إذا أنجزتُ هذه المهمة، فسيتفاوضون مع الشركة. لا أحد يسمعنا نحن السائقون، لكن أولئك الخبراء يعرفون كيف "يتحدثون" فوق الطاولة وتحتها」
ثم قاطعه شيء.
كان جسما مستديرا بحجم كرة السلة تقريبًا.
وعند النظر عن كثب، أدركت فريندا أن جوانب الكرة الكبيرة انزاحت للخلف لتصبح عجلات.
كان الشكل الكروي يدعم نفسه بعجلتين أسفله فَيَدور بأن يحرّك العجلتين في اتجاهين متعاكسين.
ولكنه فعل شيئًا آخر لا يُفسر بالعجلات.
بغياب أي شيء حوله، قفز الشكل الكروي فجأة بمقدار 3 أمتار.
وإنها خبرة فريندا المحترفة في التفجيرات من جعلتها تدرك فورًا ما يعنيه ذلك.
「تبا، هيّا تحت الشاحنة!!」
「؟」
انفجرت الكرة من الداخل مفجرةً مُخرِجة 800 صنارة صيد حادة بأقصى فعالية.
وامتد الانفجار عبر كل شيء حولها.
- الجزء 9
كان الانفجار واضحًا حتى من بعيد.
سحابةٌ غبارية.
صياحٌ وصرخات.
وحتى أنّ سطح الإسفلت اهتز قليلاً.
『تنبيه زلزالي. تم اكتشاف زلزال بقوة شيندو واحد في شينجوكو، طوكيو』
لا بد أن جهاز قياس الزلازل الآلي قد تم تفعيله بالخطأ لأن تنبيهًا غريبا مر عبر شاشة خارجية كانت تعرض إعلانات.
تجهمت موغينو شيزوري ونقرت لسانها.
「الحمقاء...」
「تخطت الخطوط،」 قالت فتاة البدلة الرياضية.
كانت تاكيتسوبو تحمي فريندا نسبيًا، ولكن هذا الإعلان يعني أنها حرفيا تحولت إلى الجانب الآخر.
- الجزء 10
إنّ محترف المتفجرات يعلم أكثر من مجرد زرع القنابل.
فإن تطلبت المواقف، كان بإمكانهم تعطيل القنابل أو تحديد منطقة آمنة للهروب من الانفجار.
「خ...」
(في النهاية، كانت تلك قنبلة قفز عن بُعد تستخدم النوابض لتقذف نفسها إلى الأعلى)
تأوهت فريندا تحت الشاحنة الكبيرة.
سمعت شيئًا يسقط في كل مكان على الأرض. كانت صنارات الأسماك الشائكة قد استُخدمت لجعل الانفجار أكثر فتكًا. تفرقت عديدها في جميع الاتجاهات الـ360 بقوة أكبر من مسدس، ولكن لحسن حظ فريندا، قد هطلت من الأعلى. وهذا يعني أن سقفًا صلبًا كان أكثر من كافي ليبقيها آمنة.
شدت الفتاة الشقراء شيئًا بيدها اليمنى.
بدا خفيفًا جدًا.
كان السائق أكبر بكثير منها. حاولت سحبه تحت الشاحنة معها، ولكن انفجرت القنبلة أولاً. وبفضل ذلك، بقي نصفه السفلي بارزًا من تحت الشاحنة. فتدمر ذلك الجزء من جسده بالانفجار. كانت النتيجة تذكرها بسرب من الأسماك القاتلة. بعد أن اخترقت العشرات من صنارات الصيد جسده فمزقته بسرعات أكبر من الرصاصة، اختفى لحمه وعظمه بكل بساطة.
ولم يكن هجومٌ آخر.
(أذلك الهجوم لإسكاته، وليس قتلي؟ في النهاية، جريئون هم لمعاقبتهم هاويًا كاد يخونهم بعد أن ورّطوه حتى لا يُوَلِّثوا أيديهم)
على الأقل، مات فورا.
ثم اقتربت فريندا لتغلق عينيه المفتوحتين قبل أن تزحف خارجة من تحت الشاحنة.
وإنّ العالم خارجًا في حالة مروعة.
انقلبت سيارات الأجرة المعدنية وتدمرت، وقد شغلت الهزة منبهها التي استمرت تضجج ضجيجا لا فائدة منه. قُطعت العديد من الأشجار على جوانب الطريق. وكان المطعم على مسافة معقولة، ولكن حتى بابه المنزلق قد تم تدميره. لم يخرج أحد من المطعم على كل الضوضاء، علّه من خوف من قدوم انفجار آخر.
ومع ذلك، ستصل الشرطة قريبًا.
لم تستطع فريندا البقاء هنا طويلاً، لكن رؤية موقع الانفجار أثارت عقلها.
「إيه إيه」
في كل من التهكير وصناعة القنابل، كانت الجريمة الأولى التي ابتكرها أحدٌ تُنسخ ثم تُعدّل ثم تُدمج مع تقنيات أخرى. مهما تَعَقّد جهاز التفجير، فإن الاختراع الشرير لن يلبث حتى ينتشر في جميع أنحاء العالم.
ولمن سلك هذا الطريق، اقتدرت فريندا على استخلاص بعض المعلومات من القطع الصغيرة التي خلّفها الانفجار.
(فإذن استخدموا مشغل موسيقى رخيص مع ساعة وكلمة مرور رقمية، وبالشرارات أشعلوها. في النهاية، إن قطع سلك ملون لا يكفي. وتعطيله يتطلب علمًا بالبرمجة أيضًا)
ربما كان جهاز التفجير هذا نسخة من شخص آخر. لا حاجة للسؤال عن من. فهذا بدا مألوفًا للغاية. إنّ الشرير الخفي أراد أن يؤطّر فريندا، فأن يعتمد هذا على أحد تفجيراتها السابقة كان قرارا ذكيا.
هناك فارق تكنلوجي لا بأس به بين مدينة الأكاديمية والعالم الخارجي، ولكن كان للشرير مثالٌ يعمل عليه؛ فقد أُخِذت معدات فريندا منها قبل أن تستفيق على رصيف محطة شينجوكو.
「في النهاية، قنبلة القفز عن بُعد هي لعبة من لعب المدينة الأكاديمية... وأشك في أن يملكوا مثل هذا في العالم الخارجي حتى الآن」
وعلى العكس، كان التفجير رخيصًا وبائسًا. كان عبارة عن قمامة رخيصة مصنوعة من سماد كيميائي. داخل مدينة الأكاديمية، كانت هناك العديد من المتفجرات أشدَّ وأقوى وأسهل صنعا ويمكن أن تتجاوز مستشعرات مركبات النيتروجين. كان هذا بالتأكيد شيئًا حُصل عليه في العالم الخارجي.
ولكنه ليس بالمضحك.
(لا شك أنهم قادرون على شراء أي متفجرات فاخرة يريدون. لكن بدل ذلك، صنعوا خاصتهم من مواد يومية، وهو كأنك تترك بطاقة تعريفية لآثار واضحة)
كان هذا مركبًا مصنوعًا من سماد كيميائي تجاري، وليس من عنصر نقي. مهما كانت دقة معالجته، فإن عمليات الخلط والاستخراج ستترك بعض الشوائب. ومن توزيع هذه الشوائب سترى خصائص مميزة صغيرة. عادةً ما توفر هذه الأدلة المميتة لفريق الطب الشرعي، مثل المكان الذي أشتُرِيَت منه المكونات، لكنهم بدلاً من ذلك تركوا وراءهم بطاقة تعريفية خفية.
بدلاً من إخفاء جريمتهم، يعرضونها لاستخدام الخوف سلاحا. وبدلاً من تأمين سلامتهم بالفرار من الشرطة والقضاء، يستخدمون اليأس لمنع التحقيق كما يجب أن يكون. كانت هناك منظمة خارجية تحوّل الخوف والعنف إلى منتج.
احذر، قالوا.
إذا أخطأت في تصنيف هذا أنه تفجير عادي واستمررت في التحقيق، فحتى ضابط شرطة سينتهي حاله نائما مع الأسماك.
「...」
مركب مصنوع من سماد كيميائي.
إنّ فريندا سيفلن تعرف مجموعة تفضل تلك الطريقة.
لم يكن لديها سوى معلومات غير مباشرة من الإنترنت لأنها نادرًا ما تغادر مدينة الأكاديمية، لكن المشارك المجهول قد صمت بعد ذلك، لذا كانت المعلومات على الأرجح صحيحة. على الأرجح أن الأحمق الذي ترك ذلك يتسرب عن غير قصد مر بالكثير وفي النهاية اضطر إلى تبني هوية جديدة تمامًا. في الواقع، إنَّ الاحتمالات كبيرة أنّه اضطر إلى الفرار من دولة جزيرية صغيرة مثل اليابان من أجل سلامته.
كان العدو منظمة خارجية.
وهو آلة عنفٍ معقدةٍ غَربانية. [2]
「في النهاية، إنها فِعلة آل موغينو」
- ما بين السطور 1
مقرهم الرئيسي في يوكوهاما.
إلى جانب المدن كوبِه ويوكوسوكا وهاكوداتِه، كانت تلك المدينة نقطة تواصل حاسمة خلال فترة [بونمَيْ كايكا].
المنظمات الإجرامية عادة(؟) ما تُنشَأُ على تفاعل اهتزاز الاستقرار الاجتماعي. فمثلا، إذا انهار الاقتصاد الوطني، تنتشر عصابات النصب والمُرابِيّون. وإذا أمست إمدادات الطعام غير مستقرة، تزدهر الأسواق السوداء ومعها المجرمون. من هذا المنطلق، كان هذا أيضًا حدثًا كبيرًا كافيًا ليُسجل في كتب التاريخ.
بعبارة أخرى، البونمَيْ كايكا.
نهاية العزلة في اليابان.
لم تكن العملية كلها مشرقة ومبهجة. وحدها الغربنة من أُشيد بها، وإن التقاليد اليابانية الأصيلة قد بيعت بخَردة. بينما يُرحّبون بالثقافة الغربية على الجبهة التكنولوجية، كانوا كذلك ينفرون من تسلح الناس بالأفكار التقليدية عن الذكورة والأنوثة اليابانية. ومنها، نشأت منظمةٌ حَتمًا كان وجودها لتحتضن إحباطات وشكاوى الناس.
ولهذا السبب، آل موغينو ليست منظمة إجرامية بحتة.
إنما انتهزوا فرصة البونمَي كايكا ليمتصوا كل جزء من الثقافة الغربية، بلسان الشره. ومن الحظ، شمل ذلك أيضًا نظامًا من العنف الذي عبر البحر ليصل إلى اليابان.
لذا فهم لا يضعون لافتة أمام مكاتبهم. مهما كانت القوة التي يجمعونها، فإنهم ينأون بأنفسهم ويخفونها تحت السطح. آل موغينو هي شركة لإنتاج الحبوب تتحكم في بطون 1.4 مليار نفرٍ حول العالم، لكن اسمهم لن يُدرج في أي قائمة من قوائم التنفيذيين في الشركات.
كارهون للقتال كانوا، ويفضلون التموّه بين الناس.
هم شركة.
وما العنف إلا أحدُ أدواتهم للتفاوض الكثيرة، وهم في العديد من المناطق والفئات. ولا تنسى أنه، مهما كان ما يقوله الآخرون عنهم، فإن آل موغينو تحمي أرزاق وابتسامات 1.4 مليار إنسان.
آل موغينو لا تتعمد خرق القانون. بل الأدق أن نقول إنهم لا يعتبرون القانون حتى. فلو كان القانون يقع ضمن حدود قواعدهم غير القابلة للانتهاك، فإنهم يطيعونه. ولكن إن تعارض مع هذه القواعد، فلسوف يخالفونه ولن يفكروا فيه. لهذا السبب، فإن آل موغينو مستعدة للقتل، لكنها أيضًا ترسل كميات هائلة من الطعام إلى الخارج لإطعام الأطفال الجائعين.
لذا، إذا ركزت فقط على العنف، فلن تفهم الصورة الكاملة لآل موغينو.
ومصطلحان يجب ألا يُنسيا عند مناقشة هذا النظام الواسع من العنف: الدم والإدارة.
[الدم] هم الذين ورثوا اسم الموغينو. وعادةً ما كانوا لا يشاركون دورًا في الأنشطة الإجرامية.
الربى والزنا والقمار والتهديد والعنف والخطف والقتل.
تلك الأنشطة تُديرها [الإدارة]... أي الخدم الذين لم يكونوا من الدم قربة.
تُحدد قوة وتأثير فرد معين من [الدم] داخل آل الموغينو بناءً على كم يملك من [إداريٍّ] قويٍّ ومربحٍ يَخدُمُه. وهذا يفوق التسلسل الهرمي العائلي التقليدي الذي يضع الابن أو الابنة الكبرى في القمة.
تراها كلعبة شوجي. جميعهم يجتمعون ويحاولون أخذ قطع اللعب من بعضهم البعض. وفي حالات نادرة، تَرى أحد [الدم] المغرور ينغمس في تلك اللعبة لدرجة يترك نفسه تُقتل أثناء نومه.
كان عدد الأفراد الذين يحملون [دم] الموغينو في عروقهم قرابة بضعة عشرات.
أما عدد [الإداريين] فكان يُقدر بالمئات أو حتى الآلاف.
وبمجموعهم، بما في ذلك أولئك الذين في الخارج، تجاوز عدد جنودهم بسهولة المئة ألف.
لذا فإن المفهوم البسيط لآل موغينو ظاهريًا يحتوي في الواقع على العديد من الخطط والمصالح، وحتى وجهات نظر أخلاقية مختلفة، لذا لم يكن بالإمكان رؤيتهم كُتلةً واحدة. كان [للدم] حقّهم الشرعي في وراثة العائلة دائمًا في صراع على أوراق التاروت التي كانت تمثل [الإدارة]، وغالبًا ما كان ذلك يظهر في شكل عنف جسدي.
كانت آل موغينو مشبوهة، لكن لم يكن من الواضح ما إذا كان الهجوم على فريندا هي إرادةٌ من العائلة بأكملها، أو إذا كان أحد أفراد [الدم] أو [الإدارة] قد تمرد أو حتى خان العائلة.
「في النهاية، تبقى حقيقة أن عائلة موغينو كشرت أنيابها عليّ」
عليها أن تحقق في هذا.
الحصول على صورة دقيقة عن عدوك هي أول خطوة أساسية لأي أحدٍ يحارب في الجانب المظلم.
「لكن من تراهُ في العائلة له اليد في هذه؟」
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)