-->

الفصل الثالث: مُنَظَّمَةٌ إِجْرامِيَّةٌ غَرْبَانِيَّة.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء 1

واضحٌ أن موغينو ساكيا تنوي شيئا.

وقفت موغينو شيزوري والخادم مُجِنَياما يشزران في بعضهما.

لكن، على فريندا سيفلن أن تعي أن عدو العدو ليس بالضرورة حليف.

كان آيتم فريقا إجراميا محترفا.

أي بمعنى...

(في النهاية، استُئجر الآيتم لقتلي، فمستحيل أن يتنازلوا عن المهمة عَنْ خاطر!!)

خيانة ساكيا للعائلة وطلب القتل من الأكاديمية أمران مختلفان.

بل في الحقيقة، نظرةٌ واحدة لموغينو وعلِمَتْ فريندا أن لا أمل لها.

فهل تصحح اللغط عنها ثم ترجع إليهم؟

أن تُقدّم فريندا دلائل براءتها ليس بضمان أن موغينو لن تشويها بالميلتداونر.

التفاوض مع الآيتم يتطلب تجهيزا مقدما.

「كه」

وليس هذا الميدان مناسبا البتة، فلا تردّد الآن.

ولا أمامها إلا خيار واحد.

ما عساها تصبر.

بينما تتصادم موغينو والخادم مُجِنَياما من قريب، تترقب فريندا إلى المخرج.

فطارَ شعاع من الضوء.

لن تعلم فريندا إن كان الشعاع مصوبا على الخادم الشايب ذو التوكسيدو والمونوكل (نظارة أحادية) أم كان مقصودا عليها.

「إيكك!!」

ما إن خرجت من القصر، وجدت الفناء المريب الفسيح. وكان ليسع إستادا كاملا. فقطعها المكان سهوا قد يهدد برميها بالنار دون غطاء يحميها.

التزمت فريندا بجدران المبنى ودارت حتى وجدت موقف سيارات.

ذلك دل على وجود بوابة خلفية تخرج منها المركبات.

ووجدت في الموقف المزدحم مكانا شاغرا.

أحدٌ غادر بسيارة.

「...」

وبالطبع ليس مع فريندا وقت. تفحصت السيارات الفاخرة التي ملأت المكان فاختارت سيارةً ليست مضادة للرصاص فكسرت الزجاج بكوعها. لم تهتم بقيادتها إنما سرقت جهاز راديو في الداخل وفحصت تردده.

في منظمةٍ تكره المكالمات والرسائل الالكترونية التي تعبر عبر وسيط رقمي أو خادم، ستجد من يحبون مثل هذه. وطبعا لهم تشفير خاص عالي ولكن ليس بالمنيع المطلق.

『كشش. كششش! أوامر جديدة من ساكيا-ساما. يجب على كروسوورد أن يخرج! هذا الأهم!! كل تعبنا سيذهب إن خسرنا مُفاوِضُنا!!』

『عذرا، أنت وحدك في هذا. أما أنا سأذهب إلى الغابة إلى حيث المبنى الآمن!』

(همم)

فريندا ليس لها الوقت لتجلس وتفكر.

فتحت مدخلًا جانبيًا بجوار البوابة الكبيرة المؤدية إلى موقف السيارات الخلفي وخرجت مسرعة.

وسمعت طلق نار.

هل وصلت نيران آل موغينو والمنظمة الخارجية حتى هنا؟

أعملت فريندا جسدها دون أن فرصة للنَفَس.

واستمرت تتحرك.

رصت أسنانها واستمرت تركض.

وهي تلهث تلتقط أنفاسها، تشبثت بعمود كهرباء قريب وانزلقت لتجلس على الرصيف. ثم اعتبرت عرقها المزعج وتنفسها الثقيل دليلاً على أنها لا تزال حية.

أخذت نفسا عميق.

「آاهخ」

نجت بجلدها.

بطريقة ما هربت من قصر الموغينو لكن ما عساها تتوقف في مكانها.

「تبا!! ...في النهاية، موغينو ساكيا محقة. حتى وإن علمت الحقيقة فهذا لن يغير وضعي」

أجبرت جسدها المنهك على الاستقامة.

الآن معها هدفٌ جديد.

لم تهتم أن تكون بطلة، لكنها مع ذلك أوجبت نفسها أن توقف فصيل الساكُيا من قتل الآباء.

فكرت فريدنا في أختها ذات السابعة في المدينة الأكاديمية.

وأصدقاء أختها العاديين.

(ليس أسلوبي، لكن في النهاية، لا أتمنى أن أرى مستقبلا يموت فيه أهل البنت أزومي-تشان وتسلك درب المنتقمة إلى آخر عمرها)

لا يجب على الطفل أن يدخل الظلام.

لهذا الهدف، ستشد فريندا عزمها أقصى ما تستطيع.

(فأين أهجم حتى أسقط خطة ساكيا مرةً واحدة؟ أي، أين يكون أساسها؟)

وجها لوجه، لن يقدر آل موغينو ردع الأكاديمية.

لكن باستهداف الآباء المنتشرين حول العالم، سيكسرون أساس المدينة الأكاديمية.

كانت ساكيا تجسيدٌ للمكر.

فبالتجهيز والإعداد، سيوقعون حتى بالمدينة الأكاديمية.

(لكن ما أقدِرُ على مهاجمة ساكيا بنفسها بدفاعاتها تلك. دون القول أنني لن أقدِرَ على حماية الآباء هذا إن وجدتهم. فماذا في وسعي؟)

أمامها خيار آخر.

قتلُ الآباء في جميع أنحاء البلاد سيكون ما هو إلا قتل عشوائي.

ما العنف وحده إلا عنف.

أما [التهديد الأولي] و[الإعلان اللاحق] فهما ضروريان. فبتقديم المطالب، سيحققون أرباحا طائلة، سواءً بالمال مباشرةً أم لا. أرادوا استخراج أحدث التقنيات من مدينة الأكاديمية وطبعا يهمهم الربح من ذلك، فهذا الخيار الأقرب لطبيعتهم. وإذا أراد المجرمون التفاوض بأمان مع الشخصيات المهمة، فسيحتاجون إلى شخص ذي مهارة متخصصة غير العنف.

المفجرة فريندا آلفت جدا هذا النهج.

(لكن، يهددون الأكاديمية من بين الكل؟ هذا أعظم وأكثر تحديا من تفكيك قنبلة وحشية تهديدية. مثل هذا العمل يحتاج متخصصا)

بمعنى...

「مُفاوِض، سيحتاجون أحدا يتخصص في مثل تلك المخاطر」

فإذا قُتِل المفاوض، فإن خطة ساكيا في قتل الآباء ستنهار. وإذا أخذت فريندا المفاوض رهينةً، قد تتعلم شيئا عن ساكيا يفيدها.

لا علاقة للأمر بالبطولة. لن تخجل فريندا من قول هذا. ومع ذلك، ما عساها تتجاهل الخطر المحيط بالآباء.

إثبات براءتها يأتي إلى حين.

ألم تعزم فريندا في نفسها أنها ستشجع اختها في مهرجان الدَيْهَسي؟ كيف تشجعها إن لم تستطع حماية البيئة الرقيقة التي ستعيشها بنت السبع سنين؟

زائد، قد أخذت تلميحا.

فلتتذكر.

كشش. كششش! أوامر جديدة من ساكيا-ساما. يجب على كروسوورد أن يخرج! هذا الأهم!! كل تعبنا سيذهب إن خسرنا مُفاوِضُنا!!

عذرا، أنت وحدك في هذا. أما أنا سأذهب إلى الغابة إلى حيث المبنى الآمن!

فريندا سيفلن رأت في يدها الراديو الصغير.

غالبا يتغير ترددها وتشفيرها دوريا، ولكنها تظل تعمل في الوقت الحالي.

سوف تستغلها لِتَتَتَبَّعُهم.

(كروسوورد. أنت هدفي التالي)

جاءت بالخطة، والآن نفذت.

فورا.

جمعت قوتها مرة بعد لتوقف جسدها المتزحزح فوق الرصيف.

ومن فجوة الظلام خرج شعاع.

يهلل بقدوم الفجر.

  • الجزء 2

ومن بعدها انبثقت الأشعة.

ولم تكتفي موغينو شيزوري بواحدة.

كان بهو القصر شاسعا ومكشوفا. وحتى إن كان هناك جدار فلا فرق عند الميلتداونر فهي ستخترق كل شيء تطارد هدفها، ومع ذلك.

「!!」

الشايب ببدلة التوكسيدو والمونوكل يربض (ينحني) عند كل شعاع ويركض. وبدل أن يسلك أسرع طريق، ترنح ظله يمينا ويسار. وليست ركضته العادية فقط بل حتى انعطافاته الفجائية خرب توقعات تصويب موغينو.

رنّت صدمة.

قد وصل مجنياما قِبَلَ موغينو شيزوري.

فانقلب بصرها.

ابتداءً، رمى لكمةً مجبرًا خصمته على استخدام يديها لتدافع. وما إن تصلب جسمها حتى أمسك كُمّها وياقتها ليُلَوِّحها. وما تركت الأقدام الأرض حتى صارت الرمية حتمية.

عرف عنه أنه قناص الجبال.

هذا الفن الدفاعي كان مخصصا لدببة الجبال الهائجة بأن تُمسَك من فراءها، لا على البشر.

لو لم تركض كينوهاتا لتوجه ركلة طائرة عليه، لسُحِقَت موغينو بعامودٍ قريب دون تخفيف.

「بقوة تجنبها بتلك الوضعية؟」

「لا تنخدعي بنظارته، كينوهاتا! مُجِنياما قناص محترف. وأقطع لساني لو كان نظره ضعيف!!」

بصوت حاد انتفش السجاد القرمزي. في آخر لحظة، هرب الخادم الشايب بدقة من مدى هجوم كينوهاتا.

وليس هذا بوقت الاسترخاء.

قد اختفى.

الصوت التالي الذي سمعوه كان قرب كينوهاتا. من بين الكل، عاد يستهدف كينوهاتا ساياي، ذات المستوى 4 بقدرة أوفينس آرمر وهي أعظم الآيتم في القتال القريب.

بعد أن استغل الإيحاء بالمصارعة ليرفع حذرها، صَدَمَ بكتفه أعلى جسدها. وإلى هذا الحد كانت كينوهاتا مستوعبة.

أما الباقي كان ضباب.

كل ما علمته كينوهاتا من بعدها أن قدميها انفصلتا عن الأرض بعد اتخاذها الدفاع. المتجهات الحركية والفيزياء عموما كانت جنونية. لابد أن معطى آخر من المعطيات ما يزال مجهولا في الهواء لأنها بدل أن تطير إلى الوراء؛ ارتطم ظهرها بالأرض.

「كخخ، أهـ!! أ-كح-أنت!!」

「اعذريني. ...ليس من شيمي أن أهاجم طِفلة، لكنّي مُدِيرٌ أخدُمُ الدَّمَ. قِيَمي لا مكانَ لها في عملي」

دافعت عن كامل جسدها بقدرتها، ومع ذلك خار عنها كل نَفَس.

لَوْ لا دفاعاتها، لانكسر عمودها الفقري ولاخترق الهجوم قلبها.

أوفينس آرمر كان درعا فائق الثخانة فائق المتانة صُنِع بتجمع النيتروجين في الهواء. أن يخترقه لمافجئة ومصيبة، لكن أن ينجزها مجنياما بيدين عاريتين ودون أن تتضرر كان فوق مستوى البشر.

كمثل من يلوّح يده على نار الشمعة بسرعة لحظية حتى لا تحرقه. تحرك بسرعة لدرجة أن طاقةً لن تصل إلى قبضته.

ولكن حتى لو كان الفهم موجود، كم من إنسان يقدر على فعلها؟

(كح. هذا وحش الوحش أن يتغلب بقوة على إسبر بدون قدرة)

منهارةً وعاجزة، حاولت كينوهاتا مسك ركبة مجنياما بيدٍ أشد من آلات البناء، ولكن الخادم قد اختفى منذ زمن.

بُعده هدد عليه بخطر هجمات المقذوفات - كميلتداونر موغينو شيزوري - ولكن ما بدا عليه الانزعاج.

وجهته إليه موغينو كفها وتاكيتسوبو تدعمها.

يمين، يسار، يمين، يسار.

انبثقت عدة شعاعات، ولا واحدة أنهت القتال. كان واضحا أن لموغينو أفضلية الضربة المميتة، لكن كان الخادم هو من مَلَكَ الساحة.

لم تكن أفعال مجنياما طبيعية.

كغرابة من كان يتحرك على حبل مشدود.

وخرج صرير.

كان صرير أظافر كينوهاتا تخدش الأرضَ تُعيدُ حسابات المسافة بينهم.

ولأنها كانت متفوقة في القتالات، توسع عيناها أوسع وهي تكافح للنَفَس.

ذاك الخادم قال عن نفسه قناص، ومع ذلك مهاراته تخطت ذلك المجال؟

「تمزح؟ كح، ها هو أمام موغينو، أهئ، وهي بقوة ترمي عليه ميلتداونرات في كل مكان!!」

「حتى طلقات الرصاص لن نستطيع مجاراتها بالأعين، ولكن كلهم يقتلون إذا أصابوا. مهما علت قوتها التدميرية فالنتيجة واحدة إن لم تصب」

وصوته بقي ثابتا.

في هذه الحالة، أرهب عدو موجود ليست رابعة الأكاديمية موغينو شيزوري.

بل من وقف مُساوِيًا إن لم يكن أقوى من وحش الأكاديمية؛ الخادم مُجِنَياما.

لم يحمل قوى إسبر.

ولا أسلحةً تسبق الأجيال الحالية.

ولا خدعا يستخدمها.

كل ما امتلكه الآن كان جسدًا من لحمٍ وحركةً بعضلات إنسانٍ يدعمه أكسجينٌ مع كل نَفَسٍ يحرك به الدورة الدموية.

「لاشك أن العجوز ساكيا خرفت،」 بصقت موغينو. 「أتحسب تلك أن تغيّر مسار الخلافة أمام كل الموغينو بالتعاون مع خادمٍ أشيب؟」

「تظنين أنني الوحيد، آنسة شيزوري؟」

「...」

「يُقوّي [الدم] مكانته في الخلافة بتجميع البطاقات ألا وهم [المدراء] الخدم. وأن من يجمع أكثر البطاقات وأقواها يكون رئيس العائلة القادم. وبعد جهد عظيم، صارت ساكيا-ساما تتقدم الموغينو. هذه ليست بثورة غير شرعية، بل حقٌّ وقوةٌ اكتسبتها ساكيا-ساما شرعًا」

خديعة؟ لا، لن يستفيد من قولها شيء.

يبدو أن هناك من المشاركين [المدراء] أكثر مما توقعته موغينو شيزوري.

بما يكفي حتى تُعتبر متمردة.

「موغينو، ننسحب للآن」

「لا تملي علي، تاكيتسوبو!!!」

「ساكيا اختفت」

الـ#4 صمتت.

في مثل هذه الأوقات، تُحسن بنت البدلة الرياضية مراقبة ميدان المعركة.

(أكان يكسب لها الوقت لتهرب بدل الفوز؟)

شعاعٌ واحد من شأنه أن يحرق مجنياما مهما حاول حماية ساكيا. لن يستطيع حمايتها كالدرع. فلضمان سلامتها، شتت انتباه موغينو حتى هربت العمة ساكيا.

حتى قوته الخارقة ما كانت إلا لحماية العائلة.

فيا له من خادم.

وكذلك سلوكه المرتاح أمام سيدته وحش الأكاديمية الـ#4.

「موغينو」

「أدري」

خطواتٌ ثقيلة تقترب.

كثيرة.

خافت موغينو على حال جدها، لكنها لا تعرف أين يقبع في هذه المتاهة الواسعة. وأيضا هي لا تعرف إن كان في القصر أصلا.

حان الوقت.

كينوهاتا ساياي نظرت إلى مجنياما.

كان يفيض بالطاقة. وكادت ترى هالةً كالسراب تنبعث من كتفه صاعدة.

(على هالجنون، ماذا سنفعل؟ وعلى لمعة نظارته، ما أظن هالرجل الخارق يتركنا بقوة نهرب)

「إذن أمامنا شيء واحد」

لم تزعج موغينو نفسها بالهمس.

استعرضت كفها ووجّهت، لكن ليس إلى مجنياما. بل صوبت أعلى منه.

بمعنى...

「جدو في سريره المعتاد؟ أراهن أنه في سابع نومه هذه الساعة」

「الرئيس رجلٌ مشغول. علّه غادر البلاد」

「لكن نموذجه للسكك الحديدية التي يحبها موجودة في غرفته، لا؟ وهو كبير لدرجة لا يستطيع أخذه في كل رحلة」

「على رسلك يا سيدتي شيزوري. تعلم الرئيس أساسيات الديوراما في فرنسا وأخذته أربعين سنة يضيف إلى تحفته. لا تمزحي في هذا. أثق أنه حتى أنتِ يا سيدتي لستِ بهذا الحمق لتُقدمي. تدمير ذلك هو خطٌ لا رجعة فيه. وكوني مدير القصر، سأكون أنا من-」

فخرج شعاع.

لم تمهله لحظة حتى.

حتى أنها أخرجت لسانها قليلا وهي تطلق بوحشية شعاع ميلتداونر يخترق الجدار ويقسم زاوية غرفةٍ في الطابق الثالث، غرفة كبير العائلة. بحفرةٍ تخطى قطرها مترا من الدمار.

بينما يتلف مجنياما نحو الغرفة مرتعبا، تحرك الآيتم.

لو أنهن وجهن نوايا القتل صوبه، لاستعاد الخادم حواسه فورا.

لذلك أسرعن إلى مدخل القصر.

إلى المخرج هربن.

「حسن، تلك بطاقة أنهيناها. هِهِه، اتضح أن حتى الوحش مجنياما له مخاوف」

「هيه، كأنكِ بقوة خلقتِ شايب وحش لن يتركنا مهما هربنا؟ هذا أرعب!!」

  • الجزء 3

أول موجة انتهت.

موغينو شيزوري وفريندا سيفلن هربتا، لكن ليس هذا المهم.

ظلت ساكيا واثقة داخل سيارة طويلة نحيفة ومقاومة للرصاص يمكنها على الأرجح أن تحمل 20 نفرا.

والسائق لن يسمع ما تقوله وبينهما زجاج ثخين، لكن...

『محترفون من البلد الغريب المدينة الأكاديمية قد هجموا، ولكن رُدِعوا دون أن يقتلوا الهدف. هذا نعتبره إنجاز. قوة الموغينو التي جمعتها صارت تنافس ظلام المدينة الأكاديمية』

وطبعا، لم تكن ساكيا متجهة إلى مخبأ يدل على الموغينو.

مرحلة جديدة بدأت.

من هنا فصاعدا، عليها أن تحذر كذلك من إخوتها في الموغينو. لذا كانت في طريقها إلى فندقٍ جاءت به بموارد خفية ليس لها صلة بالعائلة.

ولا يهم ما كان بعدها.

هل لها بيانات تُتَتَبَّع؟ هذا الأهم في عالمٍ المهام السرية. ما دام لا أحد يعرف بوجودك، فأنت آمن حتى في أفخم الغرف.

「همم، همم♪」

في ركنٍ من جناج المملكة، يشغل الطابق العلوي كله، بُنِيت غرفة إضافية دون علم صاحب الفندق. مع ذلك، لم يكن من الممكن تركيبها في الموقع إلا كساونا بسيطة أو غرفة عازلة للصوت.

「ما أخبار [الإدارة]؟」

سؤال ساكيا أجيب من مجنياما بعد أن عاد إليها من طريق مختلف. وبدا لا مباليا كعادته.

لن تجد فيه طمأنينة أكثر لمن يخطط لسوء.

「خَدَمُ إيكا-ساما وغينسوكي-ساما وغيرهم من يخدمون [الدم] سينضمون إلينا قريبا」

「خير. الآن لن يعيقنا من الدم أحد」

الإدارة هي عنصرٌ أساسٌ في العائلة.

أوغيغومو مسؤول عن أعمال الغزل.

باكياكو بارعٌ في سباقات الأحصنة وفي أشكال أخرى من القمار.

وعلى كل، الإدارة لا تزعج نفسها بالفاصل بين الشرع والممنوع. فلذا أوغيغومو كذلك يدير نظاما يستعبد العمال حيث يُشترى فيه الناس ويُسجنون، ولكن بشكل عصري لا يثير الشبهة تحت مسمى "ديون رقمية" أو "موظفٌ يعمل بساعات عالية ومتوفر له المسكن والمأكل وكل الضروريات". باكياكو يعمل جنبًا إلى جنب مع الجهات الرسمية لتخدير خيول السباق أو لنصب فخاخ بفوائد عالية للمستثمرين المشبوهين والأثرياء الذين لم يعملوا يومًا في حياتهم.

ومن في الإدارة يُطلب منهم استخدام أكثر من مجرد القوة المميتة.

كان على كلٍّ منهم أن يستثمر في أعماله ويوسعها إلى خارج الموغينو. للأموال المباشرة، تأخذ العائلة أموال حبوب القمح الشرعية. أما الإدارة، فقد تورّطت في أعمال غير مشروعة لتتنصّت على ما يقوله الناس في كل قطاع وفي كل صفّ.

「ساكيا-ساما」

مجنياما، الخادم بالتوكسيدو والمنوكل، انحنى بدقة أعلى من باب آلي.

هذا منعطف حاسم في حياتها، لكن مجنياما من كان معها بقي وجهه حازما كما كان.

كم كان مطمئنا هذا؟

هذا وحده أضمنها تفوقا على بنت أختها شيزوري.

「أخيرا اتخذت خطوةً كبيرة」

「وإن استغرقتنا」

「لا رجعة الآن. ساكيا-ساما، ما أمامك إلا الفوز」

هذا انقلاب.

قد تبدو أفعال موغينو ساكيا متسرعة متهورة، لكن الحقيقة أنها لا تملك وقتا تضيعه.

لأن أعظم منافسها، موغينو شيزوري الوحش الرابع من المستوى 5 في المدينة الأكاديمية.

جسمها وحده حَمَلَ أسرار العلوم الخطيرة لتطوير الإسبر. فحصها سيكشف كل شيء. وإذا أعادت إنشاء منها الكثير، قد تعلو الموغينو لتصير أقوى المنظمات إجرامية، اسما ولقبا. تلك الفتاة لم تحتج أن تفعل شيئا، إنما كان عليها أن ترجع إلى العائلة وإلى ورثها المستحق وستحقق العظمة لاسم عائلتها ولكل من كان من دمها.

لو لم يحدث شيء، ستأخذ الوراثة.

سيُنسى جيل ساكيا وإلى شيزوري ستذهب القيادة؛ من الجد إلى الحفيدة.

فكيف عساها تقف مكتوفة؟

「ماذا الآن؟」

「نعم، ماذا الآن」

تبسمت ساكيا على مجنياما المنحني بطاعة.

「سأحفر لي هدفا أمضي فيه」

لم تهتم بوجود الرجل.

لأن الحسناء مدت يدها إلى سحاب ظهرها الرفيع وسحبت فستانها.

وخلعت فستانها الحسن.

ومعه لباسها الداخلي.

ثم تقدمت إلى باب ودخلت الغرفة الصغيرة بحجم 2×2م.

ففجأة اصطدم شيء بجسدها العار.

「قواقع」 「لهذا السبب قالت سايو」 「أخيرا وصلت المليون!!」 「أوميبوشي هو」 「ها هو!!」 「أيويهه」 「من قتله؟」 「طقس كانتوا في الغد سيكون」 「لفترة محدودة، خذوا خصم 50%!」 「التالي هي إكَيبُكُرو. أكرر؛ إكَيبُكُرو」 「هذا المنتج هو كل ما تحتاجه لمكياجك الأساسي」 「شاركني الصلاة」 「ليس فقط العنكبوت أحمر الظهر! عليك أيضًا الحذر من」 「الآن اخلط كل شيء معًا. كأنك تدخل به بعض الهواء」 「للاستعداد لرحلتهم القاسية، ستأتي الطيور المهاجرة」 「احذر خصوصا عند صيد سمك القاروص」 「سر المؤسس هو」 「لن تضطر إلى شرب ماء الصنبور مرة أخرى」 「لقد وصلنا إلى مكان الحادث، لكن المشتبه به غير موجود البتة! سنبدأ البحث في المناطق المحيطة」 「شمالًا」 「أوكنت الخائن؟!」 「قبعة」 「هنا تريد نقل الذهب إلى 63」 「عصر جديد من الرامن」 「آه!」 「1، 2، 3، 4」 「في الفضاء الخارجي الخالي من الجاذبية」

كانت موجة.

طوفان من الأصوات.

في الغرفة مكبرات لا تحصى. كمصاصات الأخطبوب أو كريش الطاووس، امتلئ المكان الضيق بأنماط دائرية متعددة الأحجام. وكلها تشغل أصواتا مختلفة متنوعة.

وفعليا هزت الأصوات جلدها الطري. تلقت كل تلك المعلومات دفعةً، ليس فقط عبر طبلة أذنها، بل عبر جسدها بأكمله. حفّزت الاهتزازات في عظامها دماغها.

وبالطبع لا تحاول البحث عن معاني في الكلام. استخدمت تأثير حفل الكوكتيل. إن حوصر المرء بضوضاء كثيرة بين الناس، سيميل ذهنه إلى الاستماع إلى أهم المواضيع الشادة. بذلك، تطفو المعلومات التي تسعى لها بشدة على السطح حتى وإن صعب عليها تمييزها.

لن تعتبر نفسها ذو كرامة (هبة).

في نظرها أن تكون في أفضل الحالات هو كأن تستسلم عن التفكير.

هي دائما ما تبحث عن الجوع.

تبسمت موغينو ساكيا حينما التقطت كلمة.

「اصطياد، ها؟」

  • الجزء 4

لهثت من شدّة التعب.

العجيب أنّ كينوهاتا ساياي كانت أول من استسلمت وتوقّفت.

「لهث، لهث... لماذا؟ لا أدري المرة كيف أخسر بقوة أمام تاكيتسوبو-سان!」

「كينوهاتا، كنتِ تركضين محبوسة النَفَس، كأنك دخلتِ سباقا قصير. المطلوب كان أن تركضي بكل طاقتك أول الأمر حتى يفقد العدوّ أثرك، ثم تهرولين براحة كما في الماراثون، وإلا أنهكتِ نفسك تمامًا」

لقد بدا الفرق بين خبرتهما في الظلام يتجلى في مثل هذه المواقف.

فتاكيتسوبو، لعدم قدرتها على القتال المباشر، كانت تدرك أنّ الفشل في الاختباء أو الهرب يعني الموت الفوري، ولهذا لم تكن لتتهاون أبدًا في مثل هذه المواقف. أضف إلى ذلك أنّ فتاة البدلة الرياضية اللارياضية كانت من النوع التي تطفو على وجهها في المسبح لفترة مقلقة من الزمن دون حراك.

「أ-المهم، وصلنا. كح، بالقوة هربت وبصعوبة!!」

「كينوهاتا، لنفحص بعضنا نتأكد من الإصابات」

「هاه؟ ويه؟」

「لن تقدري على فحص ظهرك بنفسك، صح؟ عند إجهاد الجسد بشدة يقلّ معه الأوكسجين الواصل إلى الدماغ، قد تتخدر آلامك مؤقتًا، لذا من الأَولى أن نفحص بعضنا لنضمن سلامتنا」

「ءه، به، انتظري! أنقذيني موغينو! من متى بقوة علقت في هذه اللعنة الخيالية أُهاجَمُ في اللحظة التي أظنّ فيها بالأمان!؟」

الساعة لا تزال في حدود الرابعة أو الخامسة فجرًا، ولا أحد في الشوارع، لكنّ الطريق العام أبدًا ليس بالمكان لتتجرد فيه فتاة من ملابسها. ومع ذلك، أنجزت تاكيتسوبو المهمة ببرودٍ ووجهٍ خالٍ من التعبير.

「موغينو، فريندا اختفت」

「هيه! لا تخلعي ملابسي! ولحظة، أما زلنا نلاحقها؟ بقوة واضح أن عائلتك يا موغينو هي الخطر!」

「أيا كان، أظننا سنصادف فريندا إذا واصلنا ملاحقة الْمُوغينو」

لا يهم ما إن كان لديهم سبب لمحاربتها أم لا.

لو شعرت فريندا بالخوف ورمت عليهم قنبلةً، فسيموتون فورًا. بل السؤال الحقيقي: كيف تنظر فريندا إلى الآيتم بعد أن صارت مطاردة منهم؟

هل عدوهم فريندا؟ أم آل موغينو؟

تمتمت موغينو بضجر تحكّ رأسها بعنف،

「تشه... لم نعد نثق بعائلتي، إذن لن نستخدم ذلك الفندق بعد الآن. بما أن مُجِنَياما هو من رتّبه لنا، فالشمطاء ساكيا بالتأكيد تعرف كل شيء عنه」

قد صار الأمر كأنك تعادي كامل مدينة يوكوهاما.

يبدو أنّ عددًا لا بأس به من الخدم والحشم التابعين [للإدارة] قد انضموا إلى تمرد ساكُيا، ولم يعد اسم موغينو شيزوري كافيًا لجعل الجنود يفسحون الطريق.

「...」

『اسمعي يا سيدتي شيزوري』

عاد إلى ذهن موغينو ذكرى قديمة.

قد اكتسبت قدرتها الإسبرية في مدينة الأكاديمية، لكن ذلك الخادم الشايب لطالما كان جزءًا أعمق من ماضيها.

تذكرت يومَ تبعته إلى جبال الشتاء وهي تحمل بندقية قديمة ذات مخزون خشبي (وإن كانا داخل اليابان). كان الهدف حينها صيدَ حيوانٍ ضخم، لكنها الآن تدرك أنّها كان وقتها معلّمًا أكثر منه مرافق.

『تماما كما أن ارتداد البندقية يحدث في الجسد تصلبا، فإنّ كل هجوم يمنح العدو فرصةً مضادة وجيزة. سواء أكان قتالًا قريبًا أم بعيد المدى، فهذه حقيقةٌ ثابتة في كل الميادين عدا القنص』

زفرت موغينو بهدوء بينما تركّز الميلتداونر في كفّها.

(إذن مجنياما صارَ مع العدو. يا له من إزعاج)

اختفى الضوء من راحة يدها.

كانت قدرتها عبارة عن قذيفةٍ فائقة القوة، وربما أثّر تعليم ذلك الخادم الكبير في نفسها بعمقٍ جعل تحكّمها في الإلكترونات يتجلى بهذه الصورة.

لكنّ هجماتها دائمًا ما تمنح العدو فرصةً.

بل إنّ فنون مجنياما القتالية كانت تتفوّق على تقنيات مدينة الأكاديمية. بسهولة.

وغير هذا، هناك ما يقلقها أكثر.

「بما أن فريندا لا تزال طليقة حتى الآن، فالأرجح أنهم سيرسلون فريقًا آخر قريبًا」

「بقوة يعني؟」

「يعني إن لم نتحرك قريبًا فسيحدث أمرٌ داخل المدينة الأكاديمية」

ساد الصمت جميعهم.

كانوا يعرفون نقطة ضعف فريندا منذ البداية.

لكن الآيتم لم تستغل تلك الورقة.

وليس بدافع الرحمة.

بل إذا اعتمدوا على تلك الورقة ثم حدث ما لم يكن، قد يغيّر ذلك تمامًا شرورية فريندا سَيْفِلُن.

وليس في العالم أخطر من شريرٍ ضليع انزلق إلى طريق التدمير الذاتي.

  • الجزء 5

وراء الجدار تقع مدينة الأكاديمية.

أجرى بعض الرجال آخر الفحوصاتهم في مؤخرة شاحنة عمل بلا نوافذ رُكنت عند الرصيف في الليل.

وهو واضحٌ أنّهم اعتادوا فعل هذا.

「هدفنا فُرِميا سيفلن. العمر: 7. الموقع: مسكن طلاب ابتدائية المنطقة 13」

「لماذا نخطفها؟」

「لم يُخبرونا. لكن بالنظر إلى حجم المكافأة ولمن أوكلنا، فلا أظنه مجرد طلب تحرّش」

هؤلاء آرمِي آنت.

وكان عملهم المعتاد تحصيل الديون في الجانب المظلم، لكنّ جني المال من مجرمِين كادوا يخسرون كل شيء أدخلهم في أعمال اختطاف أحيانًا. إذا تطلّب الأمر جعل أحدٍ يدفع ديونه كاملة، فهذه المجموعة ستسحقه بمئات الآلاف من مكائن الضغط حتى يحولونه إلى شظايا ألماسية.

لذلك، لم يكلفوا أنفسهم عناء طلب فدية باهظة من الأنتي-سْكِل. بل كانوا يجنون الربح الفعلي من الحصة التي يحصلون عليها عند تسديد الدين.

الاستقرار هو الأفضل.

ولكن في أحيانٍ قليلة، كانت مواهبهم تُلهم وسيطًا ليوظفهم في مهمات من هذا النوع.

رأوها عملًا جانبيًا مُكسِبًا.

ما السيناريو؟

「الضحية في الصف الأول. ونحن في سبتمبر بعد انتهاء إجازة الصيف بقليل. المسار القياسي سيكون أن نقول إنها دخلت السنة الأولى في تطوير الإسبر واكتشافها أنها من المستوى 0 كانت صدمة كبيرة لها」

「فيأست من المستقبل وهربت؟」

「إذن جهزنا لهذا」

البدايات الدراسية والفصول الجديدة لطالما كانت وقتًا للمشاكل.

اختطاف طفلة في السابعة سيُبرز القضية، لكن يكفي أن يرموا هنا وهناك بعض الأدلة الكاذبة والتبريرات لتُدفَن الحكاية وسط سجلات كثيرة أخرى. كأن يضعوا ورقة حمراء شفافة على السؤال ليُخفوا النص الأحمر.

إضافةً، مدينةٌ فريدة حيث 80% من السكان طلاب تُعد بيئة مغلقة غريبة تجعل مثل هذه الحوادث التي يطالها الأطفال شائعة إلى حد لا يجعلها تبرز.

وهذا يُوفّر مجال أعمالٍ ظلامية تستفيد من هذا الوضع.

「من أوكلنا ليس بالشخص البسيط. هو لا يوظف إلا كبار الكبار في. كأنه من المجلس. برأيك ماذا فعلت عائلة البنت؟」

رغم أن مساكن المنطقة 13 محروسة بشدة، يمكن تعطيل الحمايات بإعادة برمجة نظام الأمن. بتحميل مسدس حقن يعمل بغاز سائل مخدّر سريع التأثير، يمكنهم اغتيال الطفلة دون أن تصدر صرخة واحدة.

「لا تنسوا المادة المضادة في حال زاد المخدّر فعاليته أكثر من اللازم. أطفال السابعة قِصار، خطأٌ في حساب الجرعة قد يقتلها」

「لا يهم لو ماتت طالما أنّ من سوف نهدده لن يعلم」

أثناء حديثه، ارتدى الرجل قناعا كبيرا على شكل رؤوس نمل ليخفي هويته.

انفتح باب مؤخرة الشاحنة وبدأوا بالخروج.

ففجأة، جرفت كتلة ضخمة سوداءَ مُزرَقّة الأول فورًا.

لم يفهموا.

كانت دافئة ولينة... ومع ذلك على النقيض التام من الرِفق.

اختفى الرجل القيادي خارج الشاحنة وتجمّد الباقون داخلها.

وبحيرةٍ تامة لاحظوا رائحة أَلَفوها جدًّا.

رائحة نهر حضري قذر.

بمعنى آخر...

(وحل؟)

كان يملأ أحيانًا الأنهار والبحار، يمنع حتى السفن الكبيرة من المرور، لكنه في الواقع تراكم لمواد عضوية ميتة لا تتحلّل. بعبارة أخرى، كانت جثث ميكروبات.

「ياه، ياه」

وقفت هناك امرأة.

بقناع غاز.

هاناتسويو كوتشيكوسا، المُحوِّلة.

باحثة في علم الأحياء (ترتدي فستانًا محبوكًا به ثقوب كبيرة عديدة) لوّحت بأنابيب اختبار فيها سوائل ملونة.

وبعد عجزه عن مغادرة الشاحنة، أطلق الرجال مسدسات الحقن العاملة بالغاز من الباب الخلفي مذعورين، لكن الكتلة السوداء-المزرّقة تحرّكت بذاتها لحماية تلك الشابة ذات الملبس البسيط من طلقات المخدّر.

محاولة هزيمتها في ميدان السموم والأدوية كان خطأً قاتلاً.

بخلطها ميكروبات لا تزال حية والتحكم بدقّة في إطلاقها للغازات النتنة، استطاعت أن تُحرّك تلك الكتلة المزعجة التي تزن خمسين طنًا من أنهار المدينة بسهولة كأنها إحدى أطرافها.

وبالطبع، هذه التقنية هي واحدة من الطفرات التي وُلدت من رحم الظلام.

الماما الأسطورية لبنتين(؟) نثرت قطيرات سائلة من أنابيبها بصورة منهجية.

「الظاهر أن شَعري بدأ يشيب من أنني غضبت على احتمالية تعرض طفلٍ للأذى. هيهي. حقًا ما كَذِبَ مَن قال أن العائلة تُغيّر☆」

ولم يطال البشر فحسب؛ بل سحق الصوت الرطب للخراب الشاحنة المدرّعة وهشّمها.

  • الجزء 6

تنهدت فريندا وهي تضع الجَوّال على أذنها.

دائمًا كان من المفيد أن تسأل. وصلها تقرير عبر مزيج من كلماتٍ مرمّزة على لوحة الإشعارات المهملة لتفادي تتبّع أطراف خارجية لما قيل.

(قلتُ أن أستعين بالماما هاناتسويو ويبدو أنني أصبت في تجهيز الاحتياط)

من الأساس، رتّبت فريندا نظامًا بحيث إذا لم تتّصل بجَوّال أختها خلال زمن محدد، تُرسل رسالة إلكترونية تطلب وظيفة دفاع عن طريق سلسلة من الوسطاء قبل أن تصل إلى هاناتسويو كوتشيكوسا. وكان الدفع تلقائيًا عند إتمام المهمة أيضًا.

مثل هذا النوع من التأمين يسوى الإعداد في أيام السلم. فقد تتأخر كثيرا إن تحاول لمّ شيءٍ في آخر لحظة بعد وقوع الأزمة.

للآن، أختها بأمان.

لكن هذا لن يدوم. من الأفضل ألا يطول هذا الأمر أكثر من اللازم.

「إذن، والآن」

حوّلت تركيزها.

حتى مع كل تدابيرها المضادة مُفعّلة، كان جوالها مخصّصًا للطوارئ فقط. رغبت في تجنّب استخدامه قدر الإمكان. ولأن آل موغينو جاءت من خارج مدينة الأكاديمية، شكّت في قدرتهم على اعتراض الإشارة، لكن الآيتم جاءوا من داخل المدينة الأكاديمية.

لذا اتجهت فريندا إلى مقهى إنترنت قرب محطة يوكوهاما.

أي معلومات تصدر من أماكن الإقامة والراحة ستصل إلى آل موغينو لا شك عاجلًا أم آجلًا، لكنها لا تزال تستطيع استخدامها إذا استعدتُ أن تُكشف. باختصار، عليها أن تُنجزها بسرعة.

لتجنب الظهور بمظهر المريب، طلبت وجبة الكاري بالأرز المجانية وصودا الشمّام.

(ترف الحصول على قدرٍ غير محدود من الطعام من نقاط البيع — عجيب أنهم لا يقدّمون سمك الإسقمري المعلّب في الخيارات)

ونعيد، كانت هاربة، لتحمد ربها أنها محظوظة لتمكّنها من الأكل أساسًا. دخلت فريندا المقصورة الأقرب إلى مخرج الطوارئ، جلست إلى الحاسوب وشرعت في بحثٍ سريع عن المعلومات.

「كروسوورد، كروسوورد... آه؟ في النهاية، هذا هو؟」

لم تعطي محركات البحث العادية سوى روابطٍ لكثير من الألغاز بجوائز، لكن فحصًا عبر محرك بحثٍ تحت الأرض كشف لها مقالاتٍ أخطر.

ذلك اسم المفاوض الخفي لمنظّمة معينة.

「اختطاف، تهديد، اختلاس، تسميم، التخويف بقنبلة في مطار دولي... ول، ألهذا السبب ألغى رئيس الولايات زيارته إلى اليابان في اللحظة الأخيرة قبل خمس سنوات؟ روعة」

توقّفت فريندا عن أكل الكاري الخفيف.

مع أنّها كانت ترى نفسها من النوع الحقير التي لا تمانع الأكل أثناء مشاهدة بث مباشر لأشخاص يقتتلون في الكلوسيوم.

من ناحيةٍ أخرى، فقد كشَفوا عن أسعار مناقصات بناءٍ مجهولة. لكن بحسب بقية الأمور، لم يكن ذلك بدافع الرغبة في تحقيق العدالة — بل كأنما استُخدم لكي تُدفع الشرطة لتحطيم منظمة إجرامية منافسة.

كانوا عباقرة في مجالٍ واحد.

باللعب بالكلمات واستخدام اللغة سلاح، تلاعبوا بمشاعر الخصم والحليف على حدّ سواء فتحكّموا في الأفراد والمنظّمات، أو حتى مزقوهم. كانوا أشبه بخبراء لعنةٍ خفية، إذ إن المقاومة التي يظنّ كل فردٍ أنها الأفضل كانت تنقلب في النهاية لتعمل ضدّ مصلحة التنظيم كله.

مثلهم من الناس نادرون، لكنهم موجودون.

فـ[الدماغ] الذي يقدّم المشورة لمجلس الإدارة، و[صوت الهاتف] الذي يعمل وسيطًا بين العالمين القانوني واللاقانوني، كانا على الأرجح من هذا النوع.

تمامًا كما هو الحال مع قنابل فريندا، كانت هذه قوّةً تعمل على محورٍ مختلف عن نظام تطوير القدرات الخارقة في مدينة الأكاديمية. فمَن لا يمتلك قدرةً لن يستطيع البقاء إلا إذا امتلك سلاحًا خفيًّا صقله بإتقانٍ بالغ. وذلك الشخص يؤمن بتفوّقه، لكنه يحمل في الوقت نفسه عقدًا متجذّرة داخله.

لن تسمح فريندا لنفسها أن تقف على نفس الساحة معه.

مهما كان.

「آعغ، هذا النوع عادةً ما أفجّره قبل أن ينطق بكلمة، لكن الآن عليَّ أن أمسكه حيًّا؟ من يدري ربما يقتلني في نومي لاحقًا」

(عدد من هذه الحوادث لا يبدو مرتبطًا بآل موغينو... لا، بل الأرجح أن العائلة ضخمة لدرجة أنني لن أرى كل فروعها. إلى أي مدى تمتد جذورها حول العالم؟)

وكما يوحي الاسم كروسوورد (Crossword)، فهذا المُفاوِض كان يقطع أحرفًا مطبوعة من الصحف والمجلات ويلصقها في رسائل تهديد. عادةً ما توفّر هذه الطريقة كمًّا من الأدلة عبر نوع الورق والسكّين والغراء ومكان الإرسال، لكنّه حَسَبَ كل ذلك واستخدمه لصالحه. كأن يكون في يوكوهاما مثلًا، لكنه يضلّل التحقيق باستخدام صحفٍ تُوزَّع في كانساي أو هوكايدو. أو أن يأخذ شعرةً من عدوّه ويمزجها في الغراء ليقود الشرطة إلى اعتقالٍ خاطئٍ يعاقب به آخر.

(يحبّ المجلات الورقية ويكره البريد الإلكتروني، هاه؟ في النهاية، كل هذا القصّ واللصق يبدو متعبًا، لذا عله يكون من النوع الذي يستمتع بالعمل بيديه)

حِرفيٌّ هادئ متخصّص في الجرائم الفكرية.

ولأنها مفجّرة نشطة، كانت فريندا قادرة على شمّ الفوارق الدقيقة بين أمثال هؤلاء.

حتى المواقع التي تجمع المقالات عن الجرائم في العالم السفلي لم تمتلك صورةً واحدة أو اسمًا حقيقيًا لكروسوورد. وفي النهاية، ظلت كل قضايا التهديد التي ارتكبها دون حلّ. ويبدو أنه لم يكن هناك أيّ سجلٍّ عن إداناتٍ سابقة له.

لكنّ فريندا وجدت معلومة مشوقة.

『كروسوورد لا يستخدم سوى الغِراء الصناعي. لم يُسجَّل في أيٍّ من القضايا السابقة أنّه أو أنها استخدمت غراءً طبيعيًا تقليديًا مصنوع من الأرز المهروس』

「همم، فهمت. أتراه يعاني من حساسية طعام حادّة؟」

(في هذا البلد الأرز موجود في كل مكان. حتى عندما تشتري خبز القمح، غالبًا ما يُصنَّع في مصنعٍ يستخدم الأرز أيضًا. لكن إن اختبئ أحدهم في مكانٍ واحدٍ لفترة طويلة، يصعب الحفاظ على الانضباط في الطعام. ...فهل يختار مخبأً في الغابة يا ترى؟ حتى لو فرّ على عجل، فلا بد أن يجمع كميةً لا بأس بها من أدوية الحساسية)

「تحديدًا مضادات الهيستامين للاستخدام اليومي، والإبينفرين للاستخدام الطارئ. في النهاية، سهلٌ أن أعرف هوية كروسوورد بتتبّع أي شخصٍ اشترى كميةً غير طبيعية من هذه الأدوية اليوم」

كان لغراء النشا استخداماتٌ كثيرة خارج القرطاسية — كربط صفحات الكتب السميكة بإحكام، أو تثبيت ورق الجدران. إنه لغمٌ مخفيّ في تفاصيل الحياة اليومية. حتى نشا الكيّ المستخدم لمنع تجعّد القمصان والبلوزات هو في جوهره نفسه.

ومع أن الطوابع الحديثة تستخدم مادةً لاصقةً صناعية، فإنها كانت في الماضي تعتمد على غراء النشا، مما يعني احتمال احتوائها على أرز. حتى مع الحذر الشديد، يبقى احتمال تسرب القليل منه قائمًا. ومن غير المرجّح أنه كان يلعق الطوابع بفاهه في رسائل التهديد، لكن الاحتمال قائم ويجب أخذه بالحسبان.

نظرت فريندا إلى الساعة في زاوية شاشة الحاسوب.

ينفد منها الوقت.

「وي، خسارة إن تركتُ الكاري يبرد」

التقطت الفتاة الشقراء الملعقة الكبيرة وأكملت التهام بقية الكاري بينما تنظّم المعلومات في رأسها.

إنّ مضادات الهيستامين متوافرة في كل مكان تقريبًا، فلن تفيد كثيرًا.

فقررت إجراء بحثٍ أخير: عن مواقع التسوّق المشبوهة على الإنترنت التي تبيع الإبينفرين.

ولا شك أنه اطّلع على نفس المواقع.

  • الجزء 7

إنّ الفنادق وبيوت الضيافة تراقَبُ من قِبَل الشرطة والمنظمات الإجرامية، لكن ثمة أماكن لا تطري بقيت دون مراقبة.

كمبنىً صغيرٍ متعدد المستأجرين.

كان هذا بالذات مكتبًا ارتجاليًا يستخدمه مُشغّلو هواتف مستأجرون من قِبل شركات.

أولئك من ظنّ أنه يتصل بمقر شركة كبيرة ليقدموا شكوى لانصدم لو رأى هذا المشهد.

المبنى النحيل كان رفيعًا كقطعة بطيخة لم تُقَصَّ بالتساوي، ومملوءًا بغرف مؤمّنة، لكن إحدى هذه الغرف الصغيرة احتوت أريكةً وسريرًا فقط. إذا لم تُصدر ضجيجًا، فلن يلحظك أحد. وإذا أردت حمام فاذهب إلى المنتجع الصحي المقابل في الشارع. كان المكان مثاليًا مادمت لا تبالغ في الالتزام بقوانين الفنادق.

「...」

كينوهاتا ساياي تنظر إليه وفمها تشكّل على هيئة مثلثٍ صغير.

ولاحظت صاحبتها بنت البدلة الرياضية نظرتها فقالت.

「لا عليكِ، كينوهاتا. نكمل بعدين」

جلست تاكيتسوبو ريكو على حافة السرير.

وكانت موغينو شيزوري مستلقيةً ورأسها يستند إلى حضن بنت البدلة الوردية.

تاكيتسوبو تنظف أذني موغينو.

ويبدو أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي تفعل فيها ذلك.

「ول」

「هذا فعلا يُهدّئها،」 قالت تاكيتسوبو وهي تُبقي يديها تعملان. 「موغينو، ماذا سنفعل الآن؟」

「مع اتساع فصيل ساكُيا، لا أظنّها قادرة على حماية كل واحدٍ منهم، صح؟ وكونهم من آل موغينو جميعا فهم ليسوا بمدنيين أبرياء، فلا لزوم أن نتمالك أنفسنا. ما إن يُظهروا ثغرة، سننقض ونمزق صفوف جنودهم ونستخرج كل معلومة نـ— كياه!」

「موغينو،」 اختصرت تاكيتسوبو.

كانت موغينو تُسند رأسها على حِجر تاكيتسوبو والأخيرة تنظف أذنها؛ بعصًا صغيرة من الخيزران في أذنها اليمنى.

عميقًا، لكن بتحكّمٍ دقيق.

「هيه...تعمدتِ ألّا نبدأ النقاش حتى جعلتيني في هذا الوضع ها تاكيتسوبو؟」

「لو لم أفعل، لانفجرتِ وبدأتِ ترمين الميلتداونر」

...الفتاة فعلاً تفهم شخصية موغينو. في أي وقتٍ آخر، لكان من الممكن أن تُفجر إحدى زميلاتها في الفريق.

「التدمير الأعمى عبر صفوف العدو إنما سيؤذيك على المدى الطويل. الموغينو عائلتك، لا تنسي」

「هم يسعون وراء دمار مستقبلي وحياتي. لن أنجو إن صرت رقيقة」

「سأجد حلا」

  • الجزء 8

لم يكن رئيس الموغينو متواجدًا في القصر.

قد غادر في مهمةٍ قبيل منتصف الليل.

سيارةٌ مدرعة سوداء مصقولة كانت متوقفة عند رصيف ضواحي المدينة الخضراء.

「أوه، طَلَعَت الشمس. وآنا أصبحت قطة الليل حقا. علي أن أنتبه لصحتي... الخط يكون غامض عبر الإنترنت، لكن بعد أن تمّ تفكيك تلك العصابة الهواة من محتالي الفواتير الكاذبة الذين سببوا المتاعب في المنطقة في لعبة رمي الرصاص بعيار 50، ظننت أن بإمكاني أن أنعم ببعض الراحة والنوم، ثم ظهر هذا」

أخرج شايب العائلة رأسه من السيارة.

رجلٌ يرتدي بدلة إيطالية فاخرة شَمَّ الهواء الصباحي القارس، وزفَرَ نفسًا أبيض، وحدَّق في شمس الصباح بلا تركيزٍ فعلي.

انحنت الخادمة كاغيو باحترامٍ إلى جانبه. كانت قد رُقيت لتوّها من [الجنود] إلى [الإدارة]. يعني أنّها مديرةً جديدة — ومن النادر أن يُسمح لمثل هذا المنصب بالحديث مباشرةً إلى رئيس العائلة.

وكان سبب ذلك واضحًا.

「ما زلنا لا نستطيع الوصول إلى ساكُيا-ساما. بدأنا ننادي بالأسماء، لكننا لا نعرف بعد كم من [الإدارة] انقلبوا. والأسوأ أن من استجاب بطاعة قد يكون عميلا مُتخفّيا」

「واضح」

「شوهدت شيزوري-ساما، لكننا لا نعلم وجهتها. وفقًا للجنود الحاضرين، لم تبدُ عازمة على الانضمام إلى ساكيا-ساما. هربت بعدما خادعت المدير مُجِنَياما... وحقيقة أنه لم يأتِنا منها أي معلومات سابقا يشير أن فصيل ساكيا كان يراقبها ويحجب عنها أي معلومة تصل إلى العائلة」

「...واضح」

عَدَدُ الخدم والحشم الذين لاحظوا نظرته الهابطة كان قليلاً ملحوظ. كل البطاقات الرابحة المعروفة "بالقدامى" أو "المخضرمين" اختفت. حتى مُجِنَياما، الذي كان في دور الرباط الذي يربط الإدارة كلها، ترك جانب الرئيس واختفى.

وهذا يفسّر لماذا لم يصل وجود شيزوري في يوكوهاما إلى أذنيه.

لم تُكشف خيانتهم بالصُدفة. في هذه المرحلة، علمه بأي شيء لن يفيد. فإن ساكُيا أكشفت نواياها بوضوح.

كمّ من [الإدارة] انتسب إليك يظهر مباشرة قوتك في شجرة الدم.

وهذا وحده يبيّن مدى تمرد موغينو ساكيا. ولعله يكون سببًا طبيعيًا للقلق لِمَن اُستُهدِفَ عرشه.

لكن الأمر يتخطى ذلك.

「مجنياما تجمد في مكانه طويلا حتى هربت شيزوري. يا مصيبتي، لا أتخيل إلا سببا واحد، لقد دمرت الديوراما، صحيح؟」

لقد قضى أربعين عامًا يصنعه. للرجل أشياء يقدّرها أكثر من حياته. أشياءٌ كثيرة.

تراخت كتفا رجل البدلة الإيطالية وانحنى مستندًا ثقله إلى مقبض المجرفة الطاعنة في الأرض.

وفي تلك الأرض كان رجالٌ مُرهبون مجرمون مدفونين واقفين حتى تبرز رؤوسهم.

وكان واضحًا لمن تنتمي صفوف الرؤوس تلك.

هؤلاء كانوا جنود التنظيم الخصم الذين استدرجتهم فُريندا سَيْفِلُن إلى تبادل إطلاق نار مع آل موغينو. ويبدو أنّهم عاملون في تضخيم الميزانيات.

تكلّم الرئيس بهدوء.

「من تحسبون أنفسكم لتزيدوا عليّ عبئًا في الخامسة صباحًا؟ إيه، ولا أظنها كانت ليلةً حلوةً لكم أيضًا، لكن تظل حقيقة أنّكم رميتم الرصاص نحو قصري. فادفعوا بذلك ثمنا」

「سنعطيك المال. نعلم كيف يكون عالم المجرمين الكبار. العنف تجارتنا ونعرف قيمتها. وسنضيف حتى قيمةً إضافية حتى تخرج الموغينو بربح فائض. ما رأيُـ—」

「ساتو-سان كان خارجًا يتنزه」

لم يكن لدى رجال التنظيم الإجرامي أدنى فكرة عن من يكون هذا الساتو، فصمتوا.

لكن اتضح لهم أنهم فَهِموا الموقف خطأً.

「زوجا سوزوكي كانا يهرولان كعادتهما في الصباح. وطالب البعثة يامادا-كن كان يوزع الصحف. يابيه-سان الخباز كان يستريح بعد تجهيزاته الصباحية، فخرج من مخبزه ليزور محل الوجبات القريبة، متعةٌ صغيرة يدلل بها نفسه كل صباح. لأنه مؤخرًا اكتشف أن مدير المحل كيمورا-سان كان يتشارك معه الهوايات」

الرئيس يعرفهم جميعًا.

وليس ليبحث عن مصادر جديدة لأموال تنظيمه.

بل كان يهمّهم.

「أما أنتم، أما خفتم على غيركم من الرصاص؟ ولو قليل؟ مجرمونَ كبارٌ أنتم فينبغي أن تعلموا كم تُؤلم الطَلَقات」

「ل-لم نسمع بأي أحد أصيب」

「ما إذا أصيب الناس أم لا ليس هو المهم」

سَرَت قشعريرة في الجو.

آل موغينو لم تضع وزنًا كبيرًا للأرباح غير الشرعية.

هم يجنون كل ما يحتاجون إليه من أموال من عملهم النظامي في إنتاج الحبوب الذي يملأ بطون 1.4 مليار إنسان. وبدون القلق على المال، أمكنهم التمسك بمبادئهم بصورة أكثر ثباتًا ودون المساس بها.

إذا لم يكونوا بأمسّ الحاجة إلى المال، فلماذا يدعمون جرائم مثل تهريب الأسلحة وتهريب البشر؟

لكي يسمعوا أصواتَ كل الناس من مختلف الأعمال والطبقات.

مثل القديسة [مريم المجدلية] التي تحمي بائعات الهوى ومن دونهن مكانة، أو مثل ملك الجحيم [إينما] الذي رأى كل خطايا الفرد وحاسبها بالعدل.

「بل أُحَدّثُك عن أساس فِعلك،」 قال وراء مظلة عظيمة لا تفرق بين خيرٍ وشر. 「فعل إطلاق النار بحد ذاته يغرس الخوف في هذه المنطقة. أنتم تستعملون السلاح لمآرب تفيدكم وترتكبون الجرم بلا اكتراث فتدفعون الناس العوام للهرب. قد جعلتم منطقة يوكوهاما بأكملها على أعصابها. السيد ساتو والسيد سوزوكي وغيرهم لم يرتكبوا ذنبا. ومع ذلك فهم خائفون، مترددون من الخروج في الصباح الباكر، وحُرِموا ظُلمًا من بعض الخيارات التي يستحقونها في حياتهم. ألا ترى هذا ذنبًا لا يُغتفر؟」

「عن ماذا تهذي؟ لا شيء من ذلك يغيّر أننا كلنا مجرمون!」

「لا بأس. إنما أنا أحاول أن أساعد أولئك الرائعين الذين يستطيعونَ ما لا أستطيع」

أجاب فورًا.

لم يصرخ ولم يسخر.

ملك آل موغينو تجاوز مرحلة الغضب منذ زمنٍ بعيد.

「لأنكم لا تبدون مدركين، فلنضع تعريفات. كل الناس الذين يعيشون حياةً عادية في العالم العادي هم أناسٌ رائعون يستحقون احترامنا. نحن لن نكون مثلهم، فعلينا أن نفهم ذلك على مستوى أعمق من أيٍّ كان. ولهذا لن أسمح لكم بإيذاء هؤلاء الذين تفوّقوا علي. لن أسمح」

إحساسًا بشيء ما، تراجعَت الخادمة الشابة إلى الخلف حتى لا يُسحب منها مسدّسها.

فرفع بدلًا من ذلك الشايبُ المِجرفة بكلتا يديه ودكّ كل رأسٍ تباعا.

واحدًا واحدا على طول الصف.

هذا زاد من يأس ورعب كل رأسٍ ينتظر.

الرجل التالي في الطابور شزر بحقد، لكنّها لم تكن موجّهة إلى الرئيس.

بل إلى الخادمة.

سُحق المجرمون بلا حقٍ في موتٍ سريعٍ رحيم.

انتهى كل شيء.

بدأت الخادمة تَمُدّ منديلها مترددةً. كان الرجل غارقا تمامًا بالدم. منديل واحد لن يصنع فارقًا.

تجاهل رئيس الموغينو الدم وهو يغرز المجرفة الثقيلة في الأرض مرةً أخرى.

「قلتِ إن أحدًا أطلق صواريخ الكروز دون إذني؟」

「نعم. رصدنا إقلاع طائرة ذات أجنحة متغيرة من الجزيرة النائية. تلك الروسية رباعية المقاعد ليست مصممة على التخفّي، وهذا مقلق. نفترض أنّها أُطلقت من فصيل ساكُيا-ساما」

「وشيزوري كانت تستخدم قدرتها من المدينة الأكاديمية على كل شيء」

「نعم. المدمرة الذرية أو الميلتداونر، كما يسمونها. وبحثت أنها صارت الرابعة من المستوى 5 في مدينة الأكاديمية」

المصائب توالت على الاستقرار الإقليمي.

من كان المسؤول الأكبر عن جعل يوكوهاما على أعصابها؟

الجواب واضح.

「ساكُيا بدأت ثم شيزوري ردّت. إذن من بين المرشحين الآخرين، لينتظر [هوريكا] و[جينسوكي] ليريا ما سيحدث. وطبعا، أرجّح أن أولئك الأطفال الماكرين لن يسعوا إلى القمة بأنفسهم. الأرجح أن يقفوا إلى جانب الفائز المحتمل ثم يحوّلونه إلى حاكمٍ دمية」

مجرد أنّ أحد أفراد شجرة الدم لم يتصرّف الآن لا يعني أنّه مسالم.

هم ينظرون إلى الخريطة ويرصّون قطعهم بطريقتهم.

ابتسم رئيس العائلة ابتسامةً مُرّة وهو ملطّخ بالدماء حتى الرقبة من حوالي عشرة إلى اثني عشر شخصًا.

「أخشى لما سيكون عليه مصير الموغينو」

  • الجزء 9

تحررت موغينو من تنظيف الأذن.

بدأت تاكيتسوبو ريكو الحديث في المكتب الارتجالي الذي يستخدمونه مخبأً.

「بين فريندا وساكُيا، ساكيا ستكون الأسهل في العثور. والاثنان ستتصادمان بلا تدخلنا، لذا سنعثر عليهما إذا طاردنا واحدة」

「لكن كيف بقوة نتّبعها؟ حتى لو معها أفضلية، فهي بدأت انقلاب. بالنسبة لي أرى هذا يضعها في موقف حساس」

كان لتاكيتسوبو إجابة على سؤال كينوهاتا.

قد قالت بنت البدلة الرياضية إنها ستتوصل إلى حل.

「ساكيا ليست شخصًا يثق بالآخرين. ليس من ذكاء، بل لأن الذي يستفيد من خيانة الآخرين سيفترض دائما أن الجميع مثله. وهذا يَحُدُّهُم من الانفتاح لأي أحد. كلعنة تربطهم」

「وَ؟」 سألت موغينو منفعلة.

「ساكُيا ستراقب حلفاءها أكثر من أعدائها」

نقرت بنت البدلة الوردية شيئا بإصبعها.

انزلقت آلة بحجم ممحاة على الطاولة الزجاجية.

「جهاز تنصت؟」 قالت كينوهاتا مستاءة.

「كان على الجزء الداخلي من طوق لباس الخادمة. وبالطبع تأكدتُ أنه لم يعد يعمل،」 قالت تاكيتسوبو. 「داخل مدينة الأكاديمية، سيكون من الأقل لفتا للانتباه أن نضع جهاز التنصت على جوالاتهم، حينها سيعيد الضحية شحنها بنفسه. لكن هنا هم يستخدمون أجهزة مستقلة」

جهاز التنصت هو جهاز يلتقط الأصوات المحيطة عبر ميكروفون ثم يرسل البيانات. طالما تعرف التردد، يمكنك تتبع مصدر الإشارة بجهاز اتصال لاسلكي أو راديو رخيص.

بدت كينوهاتا مترددة.

「خدم فصيل ساكيا لا يعرفون بقوة عن هذا؟」

「بالطبع سيعرفون. واحد أو اثنان ممكن، لكن إخفاؤه عن جميع جنودها غير ممكن. وإذا كانت هذه الأجهزة تسجل الصوت طوال الوقت، فكم ستستمر البطاريات؟ وماذا لو غُسلت الملابس والجهاز لا يزال ملتصقًا بها؟ إنها مثل كاميرات الجسد المستخدمة للإيقاع بضباط الأنتي-سْكِل الفاسدين. هم يعلمون أنهم مراقبون」

الآيتم سيستخدم كل ما هو متاح.

إشارة جهاز التنصت لم تكن قوية، لكن يمكنهم التقاط الإشارة الضعيفة إذا زادوا حجم الأنتينا (الهوائي).

「ما أكبر أنتينا في منطقة يوكوهاما؟ برج الأنتينا الكبير فوق شركة الهواتف تلك؟ أم سنهاجم ونستولي على ناطحة السحاب المعلمية؟」

「لا حاجة. قرب محطة يوكوهاما توجد منطقة إلكترونيات صغيرة، صح؟ التردد هناك ليس مختلفًا كثيرًا عن بث AM الإذاعي، هناك سيمكننا لف بعض أسلاك النحاس فنصنع أنتينا مسطحة بقطر خمسة أمتار」

  • الجزء 10

بكير هذا الصباح، لم يكن أحدٌ موجود. لذا هاجمت فريندا المستودع المادي لمتجر إلكتروني مشبوه يبيع عددًا من المنتجات الطبية الغريبة.

كانت صيدلية كبيرة.

وطبعا لم تكن كل المجموعة جزءًا من العالم اللاقانوني. فيها صيدلانيٌّ مأجور يربح بعض المال الإضافي على الجانب. لكنها لم تكن تستهدفه.

「أُوناكا إيتشيجو. همم، اسمه الكانجي سهل」

ابتسمت فريندا بمرارة على الورقة المطبوعة في يدها.

كانت الصور من كاميرات المراقبة خارج مدينة الأكاديمية متبلوَّرة، لكنها تمتلك صورة وجهه. لم يمض سوى بضع ساعات منذ اختفائه، لذلك لم يكن عليها القلق بشأن تغييره لوجهه عبر الجراحة التجميلية. كما عند السقوط وجرح الركبة، قد يستغرق شفاء جرح صغير عدة أيام. على عكس الدراما التلفزيونية، تتطلب الجراحة على الوجه بأكمله جدولا زمنيا طويلا قبل إزالة الضمادات.

عرفت عن مخبأ الغابة بفضل اعتراضِ تبادلٍ إذاعي.

ليس كل كاناغاوا مدنًا كبيرة أو وجهات سياحية. معظمها مرتبطة بالساحل، لكن أكثر من ثلث مساحتها تغطيها الجبال والغابات.

إنّ مناطق المنتجعات التي فشل إعادة تطويرها في حالة مأساوية. عند شراء منزل، كان الناس عادةً يحصلون على قرض من البنك ويقضون حياتهم كلها في سداده. لكن في هذه الأماكن، كان الكثير من العقارات تُباع بأقل من مليون ين. وحتى مع هذه الأسعار المنخفضة، بقيت المناطق خالية من السكان. لم تكن هناك متاجر قريبة، وتغطية الجَوَّالات الخلوية ضعيفة في أفضل الأحوال وسط الجبال. الحياة هناك غير مريحة إلى أقصى حد، لكنه المكان المناسب للناس المريبين أن يحصلوا على مخبأ مؤقت.

لذا حان وقت التحرك.

「أوف. في النهاية، يا لحظي أن ثقافة طلب التوصيلة موجودة في اليابان」

「لا تفعلي! هذا خطير! بنت مراهقة تنادي السيارات وسط الشارع مجنونة أنتِ؟!! ماذا كنتِ لتفعلين لو لم أوصلك؟!」

والآن هي في طريقها إلى وجهتها بمساعدة سائق شاحنة قلِق.

...ذكرها رجل الشاحنة هذا بالسائق الذي قتل في انفجار شينجوكو—طوكيو، لكن هذا عبث. حاولت أن تطرد الفكرة من ذهنها.

ولم تستطع.

(اللعنة)

شزرت في وجهها السخيف المنعكس من نافذة باب الراكب. كانت من أهل ظلام المدينة الأكاديمية. قد شهدت العديد من الأرواح الميؤوس إنقاذها.

اتسعت عينا السائق عندما وصلا إلى وجهتها.

كان الهواء رطبًا. وكانت أصوات الصراصير والجنادب بالكاد تصم الآذان.

حتى في أوائل سبتمبر، لم تبدأ تحول أشجار الجبال أوراقها إلى الأحمر بعد.

「أحقًا تنزلين عند مدينة الأعشاب المهجورة هذه؟ ما الذي تبتغينه هنا أصلاً؟」

「هَهَهَه. جدي يعيش هنا بعد تقاعده. البيوت هنا رخيصة، وهل تعلم أن هنا ينبوعٌ حارٌ قريب؟ المكان روعة، لكن الفوضى فيه تتراكم ما لم أزره بين الحين والآخر」

「إذن جدك هذا يحب اليابان ها」

「بل قل يحب تاريخ اليابان العسكري. يبدو أنه عايش العديد من المحاربين اليابانيين المشهورين هنا. تعبت وأنا أستمع لأحاديثه عنهم، لذا لم ألقي بالا بأسماء أحد غير تاكيدا شينغن」

「أوه، محاربو فترة سينغوكو؟ أظن هذا نوعا ما يختلف عن عشيرة ميناموتو أو شيزوكو جوزن. لكن ربما له علاقة بقلعة أوداوارا أو قلعة تسوكوي؟」

「اسأله لتعرف」

ابتسمت فريندا واستمرت تسرد الأكاذيب.

لو ظن أنها خرجت إلى الجبال لتقتل نفسها، عله يوقفها... ومثل هذا الرجل الطيب سيقصر عمره كثيرا إذا تورط في عبثها.

لم تكن مسؤولة عن تفجير شينجوكو.

لكنها سئمت من ذلك الشعور وكرهته.

لوحت بيدها مودعةً الشاحنة، وبعد أن تأكدت من ابتعادها تمامًا، أشرعت في عملها.

(في النهاية، سأُنهي هذا هنا)

دخلت المدينة المهجورة المملوءة بالأعشاب.

كان هذا أيضًا طريقًا يؤدي إلى مدينة الأكاديمية، لكن المناظر تختلف تمامًا عن طريق البوابة الشرقية مرورًا بشينجوكو. هنا، بالقرب من البوابة الجنوبية، كل شيء كان جبالًا وخضرة.

والجو أبرد من يوكوهاما، لكن ربما لم يكن من الارتفاع، بل من غياب تأثير جزيرة الحرارة الناتجة عن الخرسانة والإسفلت.

(بصراحة. في النهاية، من الصعب تصديق أن مدينة الأكاديمية تقع على الجانب الآخر من هذا الجدار)

كانت المناظر الطبيعية مناسبة لمصنع أشباه الموصلات... أو ربما تكون منطقة الينابيع الساخنة غير مناسبة بسبب المعادن الزائدة في المياه؟

أشارت لوحة الطريق الصدئة إلى أن هذا هو طريق ضريح الينابيع الساخنة. قبل أن تفسر العلوم كيفية عمل الينابيع الحارة، ربما كانت مرتبطة بعبادة الجبال.

(تلك الأجواء التقليدية حلوة. صدق من قال أنها أفضل للصحة)

مكانٌ يعبد في الجبل. أي أن هذا مكانٌ للزهد والاعتكاف. البحث سيرًا سيضنكها تعبا على الأرجح.

طريق الجبل غالبا يأخذ مسارًا متعرِّجًا صعودًا على المنحدر، لكن مدرجات قد حُفرت في المنحدر لتُهيّئ سطحا مستوًا للناس المهتمة بنُزُل الينابيع الحارة والفندق وغير ذلك... أو على الأقل ما بقي من آثار تلك الأماكن. كانت المدرجات منتظمة، لكن ارتفاعات المباني اختلفت، فامتدَّ بعضها إلى أعلى من بعض المدرجات.

「لا حياة هنا. في النهاية، لا يمكن لمثل هذا المكان أن يُهجر بالمرة」

بعد أن لاحظت بوابة متداعية لمجمع تسوّق مياه الينابيع الحارة، تركت فريندا الطريق الجبلي المتعرِّج.

ظنت أنها تبالغ في التفكير، لكن الطريق الطويل وحيد المسار لهو أمرٌ مخيف بالنسبة لمفجّرة محترفة. كان المكان المثالي للأسلاك المفخخة وأجهزة الاستشعار وغيرها من الفخاخ. تسلّلت بجانب متجر تذكارات مهجور ومشت عبر حديقة مليئة بالأعشاب حتى وجدت درجًا شديد الانحدار يصعد جدارًا استناديًا خرسانيًا يُثبت المنحدر المُتدرج في مكانه.

لم تكن قد وجدت فخًا بعد، لكن هذا ليس سببًا لتستريح.

في حقل ألغام، خطوة آمنة واحدة لا تضمن أن تالية ستكون مثلها.

لم ترَ أي كتابات جدارية على الجدران ولا أحدًا نائمًا على جانب الطريق. ربما لأن الناس لا يزالون يعيشون هنا، وإن كانوا قِلّة.

إلى جانب أشجار الصنوبر، كان في المنطقة نبات الكستناء والشاي أيضًا. هل زرعها أحد في حديقته، أم حملت الحيوانات بذورها إلى هنا؟

الحيوانات.

「...」

لمّا خرجت فريندا إلى الطريق الجبلي مرة أخرى، انحنت ونظرت إلى حاجز السلامة الصدئ المتداعي.

رأَت فروًا.

بدت الخصلة كفراء كلب بري لكن أكثف. هل انتُزعت بعد مرور الحيوان؟

「أغغ. في النهاية، كأني سمعت أن عندهم في البلد دببة ما-هي-ظريفة؟」

من ناحية، حيوانٌ بريٌّ مثل ذاك كان ليُفعّل أي فخٍ متفجّرٍ مُفصّلٍ وحساس. لم تدري فريندا أترتاح أم ترى ذلك تهديدًا.

لا تعرف إن كانت طيور البلبل أم الزرزور؛ إذ سمعت صرخات بريّة تمر في الهواء.

وضعت يديها على الحاجز الصدئ ونظرت للمنظر أدناها. رصدت خطًا مستقيمًا مقطوعًا من وسط الغابة الكثيفة. لابد وأن سكة حديد جبلية كانت تمر من هناك يومًا. وبدا أن هناك طريقًا آخر كذلك.

تسلّقت الجبل ببطءٍ ولكن بثبات.

سئمت من المنظر.

لكنها تعلم أن النهاية ستكون صراعًا. فلا عساها تُجهد ساقيها قبل الوصول.

الارتفاع الفعلي إلى وجهتها لم يكن حتى 500 متر. كان أعلى على المنحدر، لكنه لم يقربها إلى القمّة.

「هفف」

لسببٍ ما، وجدت حاجزًا شبيهًا بحواجز معابر السكك الحديدية في منتصف الطريق. القطب المعدني صدئٌ ومكسور، واللوحة سقطت على الأرض.

سينيك هايتس.

「في النهاية، أظن هذا هو المكان」

لم يكن كما كان من قبل.

هل احددّت حواسها أكثر بعد المشي طويلا دون أن تصادف أحدا؟

لا تستطيع أن تحدد ماهية الاختلاف بالضبط، لكنها أحسّت "بانتظامٍ" غير طبيعي في هذا المشهد. كان شعورًا لا يوصف من الخطأ، كأن الحشائش المترامية قد مُشِّطَت لتبدو مرتَّبة.

هذا دليل على أن في المكان إنسانا عاملا.

في أيام ازدهار المنتجع يكون مكانًا مرغوبا، لكن الآن نمت الأعشاب حتى ارتفاع خصر فريندا. بدل النُزُل والفنادق، اصطفت فِلَلٌ من طابقين أو ثلاثة غير منتظمة. هل كانت كلها من منازل الفخامة الثانية التي تستمد مياهها مباشرة من الينبوع؟ قد يكون الحاجز السابق دلّ على أن هذا كان مجمعًا مُسَوَّرًا. وانظر الآن. ذكّرها هذا بالقول الياباني أن كل مزدهرٍ أجلُهُ يومٍ يَخبو فيه.

مخبأ الغابة الذي يستخدمه كروسوورد أُوناكا إيتشيجو —مُفاوض عائلة موغينو— كانت فيلا.

الفيلا من الخشب كانت بحجم مبنى مدرسة.

حذرًا، اقتربت فريندا ببطءٍ ومن جهة الريح.

(على أي حال، عليّ أن أقبض على مُفاوض موغينو ساكُيا. ثم تبدأ هجمتي المضادّة!)

بينما ترتّب خطتها في رأسها، اقتربت فريندا سَيْفِلُن من الفيلا الضخمة في مدينةٍ أشباح نسيتها الأيام.

وبعدها بلحظة...

طووووءُووخ!! حدث انفجار.

لم تكن فريندا قريبةً من موقع الانفجار، لكن جسدها الصغير طُرِح أرضًا. لو لم تكن تعرف كيف تسقط بأمان، لربما كُسرت إحدى أطرافها.

أكثر من نصف الفيلا الأشبه بالقصر تدمرت.

وظهر للعيان من بعيد شكل المبنى مقطوعا.

(ما الـ...!؟) فريندا كانت مفجّرة محترفة. قد تحقّقت مسبقًا أنّه لا توجد متفجرات في المكان. ومع ذلك.

صوت شيءٍ يضرب الهواء ويشطره مرّ من فوقها. دار في الهواء ثمّ صوب أنفه نحوها.

لم تصدق عينيها.

كانت مروحية هجومية مُسيَّرة عن بُعد تابعة لمدينة الأكاديمية.

ثنائية الجناح... تبًا. في النهاية، بذلك تخطت مدينة الأكاديمية الخطوط الآن!!」

  • الجزء 11

اتسعت عينا سوباساكا ميشيو بعدما دخل كاناغاوا دون إذن.

「أبحقكم ما هذا؟!」

حلّ تشكيل من مروحيات ثنائية الجناح تحلق بسرعة فوق سيارته.

مروحية هجومية واحدة ستكفي من مصيبة، لكن هذا سربٌ كامل.

وحتى الآن كانت رشاشاتهم تغرِّد بشرائطٍ ضوئية من السماء، وامتدت الأجنحة على الجانبين كأنها أذرع لإطلاق قذائف دبّابة تمزّق الأرض وتنفجر.

...أهذه اليابان؟

ستحتج شرطة كاناغاوا لدى مدينة الأكاديمية، لكن المدينة لا شك ستصد.

أم ربما سيزيدون ويطلبون إرسال مقاتلات من القاعدة الجوية؟

قد يفضي ذلك إلى إقلاع مقاتلات، لكن هذه المدينة المهجورة لا تزال مصنفة منطقةً حَضَرِيّة. إطلاق ذخيرة حية على قوة مجهولة كهذه أمرٌ غير وارد. مدينتهم مدينةٌ غريبة تتباهى بأن افتقارها لخبرة القتال دليلٌ على مدى سلامهم.

لم تحاول المروحيات إخفاء ما تفعله. لم يكن هذا هجومًا متهورًا عشوائيًا. ولعل مدينة الأكاديمية قد جهزت القوانين والمعاهدات لصالحها.

مدينة الأكاديمية هي مقرّ كل ميدان علمي، فلِمَ لا يكون لديها بالطبع جيشٌ من المحامين من الطراز الأول أيضًا. التنافس مع مدينة الأكاديمية في ميدان الأذكياء لهو خطأ.

「لم يفت الأوان بعد لترجع!」 صاح شريك سوباساكا الجديد. 「هذه ليست مهمة الشرطة!!」

「إن لم يعجبك فاخرج وارجع يا مبتدئ」

「إذا تُركت في هذه الجبال وحيدا، سَتُمزّقني الطلقات الطائشة!!」

「إذن استعد. علينا أن نكون في الموقع. أمام أعيننا جريمةٌ تُرتكب. لا أعرف إلى من أو ماذا ترمي تلك المروحيات، لكن إذا استسلمت الشرطة، فالقانون سيموت في هذا البلد!!」

  • الجزء 12

اختبأت فريندا سيفلن فورًا خلف جذع شجرة قريب أكبر منها حجمًا بكثير.

حتى تلك الحماية ستُمزّق ومعها الفتاة لو استهدفتها مروحية هجومية.

(ماذا عليّ؟ أنسحب؟ فكري. هذا المنطقي، لكن في النهاية ماذا سيحل بي إذا رحلت دون أن أقبض على كروسوورد؟ إذا واصلت اتباع "المنطق" هربا من الخطر، فإنما سوف تتضاءل فرصي أكثر!)

كانت فريندا في حالة ذعر، ثم لاحظت حركةً ما بين الأنقاض البعيدة.

في الجزء المقطوع من الفيلا نصف المدمرة، رأت الطابق الثاني.

وهناك رجلٌ.

كان لا يزال حيا.

في هذه اللحظة، لم تكترث لمدى إصابته.

(أُوناكا إتشيجو. إن كان حيًا، فعلي أن أقبض عليه!!)

في ساحة الحرب المهنية، الجشع طريق سريع إلى الموت. تلك قاعدة لا تُنتهك، لكن فريندا نجت بشكل أو بآخر من القتل الفوري.

سمعت دوّار مكينة أخرى.

لا بد أن لآل موغينو مروحية هجومية سرية خاصة بها. ولربما فككوا الأسلحة الجوية، وحشدوا القطع في حاويات شحن منفصلة، وأعادوا تجميعها داخل اليابان.

(مروحية روسية كبيرة؟)

غيّر هذا من أولويات [ثنائية الأجنحة].

من هجوم أرضي إلى قتال جوي.

(يا ويلي. في النهاية، ذلك الشيء أبدا لا يملك فرصة ضد ثنائية الأجنحة!!)

أبقت فريندا عينها على السماء أثناء جريها نحو الأنقاض المشتعلة.

كانت تلك من أكثر المروحيات الهجومية شهرةً في العالم، لكنها مع ذلك أدنى من طرازات المدينة الأكاديمية المتطورة. علاوةً، كان للمروحية الروسية الكبيرة مكان شحن لثمانيّة جنود إلى جانب تسليحها المباشر. مقارنةً بمروحية مُصمَّمة للهجوم خصيصًا، فإنّ لباطنها حجم شاحنة صغيرة.

تحرّكت [ثنائية الأجنحة] أسرع، وحدّدت الأعداء أسرع، وهاجمت أسرع. ولم تترك أي فجوات.

حتى أن للوحش محركات نفّاثة ثانوية. أمكنها أداء مناورة جانبية حادة في الطوارئ بل وحتى حلقة كاملة رغم كونها مروحية، حرفيا كالمقاتلة الجوية. المواصفات الأساسية بين موديلَي المروحيتين تختلفان في الجذر.

بينما تراقب فريندا، انطلق صاروخ جو-جو من مروحية آل موغينو فتم تفاديه بسهولة. وليس الأمر بمجرد سرعة؛ بل لا بدّ أنه كان يُصدِر أشعةً تحت حمراء، أو موجاتٍ كهرومغناطيسية، أو شيئًا آخر غير مرئي يُربك نظامَ التتبّع في الصاروخ.

ثم دوت انفجارات.

عصف أُفقي من النار قطع الهواء في هجوم مضاد ومزّق المروحية الكبيرة.

دوّارها الرئيسي ذو الخمس شفرات دار عبثا بينما سقط الجسم المشتعل. كقطعة نيزك. ومن كل الأماكن، سقط مباشرة نحو فريندا وهي تركض في الأرض.

「وي!!」

تجمّد قلبها. ليس في وسعها شيء.

ثم كان انفجارٌ آخر.

أطلقت [ثنائية الأجنحة] مدفعها عيار 120 ملم لتفجّر المروحية الساقطة. واضحٌ أن ذلك كان تدميرًا مفرطًا، ولكن يبدو أنّ البرنامج استمرّ في الهجوم لأنّ الإشارةَ المعدنية التي حُدِّدت له كهدف كانت تُعدّ “ما تزال طائرة” ما دامت تواصل الانزلاق في الهواء لمدةٍ معيّنة.

وقبيل أن تنهال قطع معدنية حارقة كالمطر، زحفت فريندا إلى داخل مدخل الفيلا وإلى القاعة الرئيسية.

ونكرر، لم يكن مثل ذلك الغطاء يفيد كثيرا. فالتدمير الأولي ترك فقط الجدار الأمامي قائمًا، أمّا الجهة الخلفية المنسوفة فكانت تنفتح مباشرةً على الحشائش في الخارج.

تملأ أمطارٌ حادة الفضاء على الجانب الآخر من الحائط.

كان تسلّق تلك السلالم المتداعية مرعبًا لفريندا، لكنها ليست في موقع يسمح لها أن تكون طَلّابة.

عند وصولها إلى الطابق الثاني رأت رجلا ملفوفًا في نفسه من شدة الخوف.

أذاك هو؟

كروسوورد — أُوناكا إتشيجو، مفاوض فصيل موغينو ساكيا.

كان حجر الأساس في خطة قتل الوالد.

انهار السقف، فأصبح الممر كهيكلٍ مكشوف، وكان شيءٌ يحدّق إليها من السماء المفتوحة على وسعها. صوّبت [ثنائية الأجنحة] هدفها مرة أخرى.

「؟!」

(إن لم أقبض عليه حيًا، فلن أستطيع التحكم بساكيا!!)

كان عليها أن تجعل ساكيا تخاف من خسارته. فلو ماتت الرهينة، فلن تتردّد من بعده.

بل إنها ستعطي الضوء الأخضر وتبدأ مذبحة متهورة.

لا وقت للشُكى.

انطلقت فريندا راكضة.

اندفعت نحو الرجل المتجمّد من الصدمة ثم ضربت الجدار وراءه لتفتح فتحة في مبنى الفيلا وتدخل في الهواء الخارج.

وفتح مدفع عيار 120 ملم نيرانه.

ملأ الطابق الثاني لهيبٌ متفجر.

تمكّنت فريندا والرجل بالكاد من السقوط إلى قاعة الطعام الهائلة في الطابق الأول، محطمين الطاولة الطويلة الباقية أثناء ارتطامهم بالأرض.

「خ... لا تمُت أمامي!!」

أمسكت بذراعه.

كان الإحساس الرطب بالطبع دمًا.

ورغم ذلك، قد أنجدت فريندا سيفلن للتو المفاوض بالكاد.

سحبته إلى جانب الجدار الباقي وتجنّبت خط نارٍ من رشّاش تلقائي عيار 20 ملم.

البقاء هنا لن يجدي.

تحتاج درعًا أمتن. الطلقات بذاتها مصيبة، لكن انفجارًا يمكن أن يملأ الفراغ ويلتف خلف الجدران. التفتت فريندا إلى جهة منحدر الجبل خلف الجدار المتداعي. في هذا الصباح الباكر أمكنها أن ترى شروق الشمس البرتقالي أيضًا.

「ما؟ لماذا تساعدينني؟ هل تمنحينني فرصة للتكفير عن خطاياي؟」

「أع، كل تبن. إن لم ترد أن تموت، فاذهب إلى نفق الجبل!! في النهاية، هناك سنهرب من قصف ثنائية الأجنحة!!」

مع إسقاط المروحية الروسية الكبيرة، صارت كل مروحيات [ثنائية الأجنحة] الباقية تركز على الأرض من جديد. الأولوية القصوى ستكون أُوناكا إتشيجو — كروسوورد، لكن فريندا قد تتفجر معه بسهولة وهي تسنده بكتفها.

تأنّ الرجل وتقيأ دمًا.

「اتركيني...」

「يكفي تذمّر」

「أنا ميّت ميّت. أيا كان ما تأملينه مني؛ لن أفيدك. فاتركيني」

「لا أفعلها حبا لوجهك! اخرس واهرب!!」

كان واضحًا أنّه أطول وأثقل من فريندا، وكان مُنهكًا وعلى شفير الموت. حتى الجري لعشرين مترًا وهو يتكئ على كتفها كان محفوفًا بالمخاطر.

ومع ذلك، استطاعا الغوص معًا داخل النفق.

اندلع انفجار قوي قربهما. بدا أن مدفع 120 ملم قد اصطدم بواجهة الجبل الصخرية.

غطّى رنينٌ شديد سمعها لفترة وجيزة.

لكنّ ذلك أثبت أنها ما تزال حيّة.

تجهمت ووضعَت يدها على جدار النفق لتنهض مجدّدًات. أمسكت حقيبة إسعافات متصلة بالجدار، فتحتها، وأخرجت المعقّم والضمادات.

أغضبها الرجل، لكنّها لم تستطع ترك كروسوورد يموت من فقدان الدم.

علها تأخرت كثيرا، لكن عليها أن تبذل قصارى جهدها لوقف النزيف. هذه المعركة متاحة لها فقط لأنها ما تزال على قيد الحياة. ومع ذلك فقد حرصت على وضع المعقّم وربط الضماد بألمٍٍ قدر ما تستطيع.

「اغغ! ارفقي بي..」

「تظن أنك في موقف يسمح لك بالطلب؟ فكّر قبل أن تتكلم المرّة القادمة. في النهاية، أنا لست أختك الكبيرة!!」

لكن فريندا سَيْفِلُن لم تستطع أن تنغمس في فرحة البقاء.

شعرت بنذير.

「...」

زحف شعور بارد على طول عمودها الفقري. شيء في الهواء تغيّر. أو هكذا بدا لها على الأقل.

「مه؟ لماذا أنت—」

「أص」

مدّت يدها لتسكت أُوُناكا إتشيجو.

بهدوء، ألقت فريندا نظرةً إلى الخارج من النفق.

وسحبت رأسها بسرعة إلى الداخل وأنفاسها تخنق.

ليس هذا بالمشهد الذي تمنته.

موغينو شيزوري والآيتم.

موغينو ساكُيا وآل موغينو.

انهمر عرقٌ بارد من جبين فريندا.

كلهم معا وحوش. لقد خاطرت بحياتها توّاً لتقبض على رجل قد يكون مفتاح إيقاف قتل الآباء في البلاد. لو تورّطت في قتال آخر هنا، فلربما يُقتل المفاوض—المفتاح لكل شيء.

اتكأ الرجل الملطّخ دمًا إلى الحائط وجلس على الأرض وهو يلهث وسأل.

لم يكن يريد الجلوس؛ فلم يعد قادرًا على الوقوف أكثر.

「م-ماذا ستفعلين؟」

「سنتوغّل أعمق داخل النفق. اسمع. أحتاجك أن تساعدني في إيقاف قتل الآباء. لا تجرؤ على الموت قبل أن ننجز ذلك. في النهاية لو مت، سأنعشك ثم أقتلك بطريقة أكثر إيلامًا بنفسي!!」

  • الجزء 13

وبالطبع.

لم تكن موغينو شيزوري وموغينو ساكيا تستمعان برحلة وديّة إلى أعماق الجبال معًا.

بدأ قتالهما في الطريق.

「كما توقعت، أكلتِ الطعم وخرجت من بحرك نتنة قذرة. غبية أنتِ كغباء إيكا. يا جماعة، امسكوا هذه السمكة قبل أن تقطع الخيط」

المرأة ترتدي فستانًا فخمًا من قصة مصوّرة.

تبسمت موغينو ساكيا.

ليس هذا وقت الغرورية. رفعت شيزوري صوتها.

「كينوهاتا!! ركزي على الذين يحملون سكاكين ويتحركون بطريقة كريهة!! واتركي لي أُحرق كل الصف الثاني البعيدين واللذين يعتمدون على البنادق!!」

「بقوة حاضر」

مع صوتٍ ماصخٍ "دَكّ!!"، ارتفع رأس كينوهاتا بسرعة.

كانت حركتها كأنما تلقّى وجهها لكمة علوية، لكن جسدها كله كان محميًا بحاجزٍ سميك من النيتروجين.

تبع ذلك صوت كالسّوُوش.

「صلبة أنتِ يا صغيرة. خرطوش من عيار 12 من تلك المسافة لا يكفي لإسقاطك؟ أرى أن أساليبنا هنا لا تنطبق على أطفال مدينة الأكاديمية」

「هذا بقوة يُشرفني」

「لكن خرطوشة ثقيلة كانت لتخترقك. صحيح أن لديكِ قوة خارقة، لكن اختصاصك فنون قتال، لا؟ قاتلتُ أحدًا مثلك من قبل. عليّ فقط أن أتذكر المرة التي واجهت فيها نمرًا ودبًا بنيًّا مغطّين بدروع مضادة للرصاص」

كان الرجل يحمل شوتغن ننتشاكو؛ عبارة عن بندقيتين قصيرتين مربوطتين معا بسلسلة. أكانوا ينادونه أوغيغومو؟

البنادق الشوتغن التي يحبّها الجيش الأمريكي تُحدث أقصى قدرٍ من الضرر عند ملامستها جسدَ الخصم فتطلق النار. والننتشاكو هنا ليست فيضًا من القوة البدنية فحسب، بل في خلق مسارات غريبة ومتقلبة يصعب على العدوّ توقعها، فتخترق دفاعاته بالمفاجأة وحدها. قد يبدو الأمر سخيفًا للوهلة الأولى، لكن مزيج شوتغن قريب المدى والفنون القتالية القديمة قد يكون فعّالًا مدهشا.

「فلنستمتع ها يا فتاة؟ قوتكم العظيمة من مدينة الأكاديمية ليست أرقّ من باب سيارة مضادة للرصاص!!」

الشوتغن هو أٌقوى أسلحة القتال القريب، وهو يغطي جميع الاتجاهات بـ360 درجة.

كل ما على أوغيغومو فعله هو الاقتراب من عدوه، عندها يكون لا يقهر.

إلا أنّ...

「بالمناسبة، هالبلدة المهجورة ما هي حيل مهجورة، ها؟」

「؟」

「هذا يعني أن خطوط الطاقة والغاز والمياه لا تزال فعّالة. ونحن في عمق الجبل، لن يستخدموا غاز المدينة الممتد عبر الأنابيب. بل سيستخدمون صهاريج بروبان ضخمة تُنقل بالشاحنات، عرفت ما أرمي إليه؟」

「غوه!؟」

عندما استخدمت كينوهاتا أوفينس آرمر لتركل بخفة كما تركل كرة قدم، تحرّك الشوتغن الأمريكي ردًّا تفاعليًا. الحماقة أطلقت انفجارًا قويًا عن طريق الخطأ.

دوى محرك دراجة نارية ضخمة عبر الجبال.

وذاك الذي يمسك رشاشه الثقيل كما يمسك الفارس رمحه؛ تحدث باكياكو بنبرة استياء.

「لا تقتل نفسك قبل أن أكون شريكك يا أوغيغومو. سأنقص نقطتين منك」

「عيار 12.7... بقوة سأستهدفه أولا!!」

「كينوهاتا، ماذا أفعل؟」 سألت تاكيتسوبو.

「ادخلي أي مبنى وابقي! إذا احتجتك بقوة في أي شي سأتصل!!」

صاحت بذلك كينوهاتا ثم قفزت من الجدار الحاجز شبه العمودي القريب وارتقت إلى الطبقة التالية.

ما لم تكن دراجة نارية مُخصّصة للطرقات الوعرة فمعظم الدراجات ليست خيارًا حسنا للتضاريس الجبلية الوعرة. فالقيادة عبر الحدائق المليئة بالأعشاب وعبر العشب الكثيف تُسبب تشابك أوراق الشجر في العجلات والسلاسل. ولا يمكِنُه صعود الجدران الخرسانية الحاجزة لمنع انهيار الصخور وغيرها في الجبل، لذا عليه استخدام الطريق الجبلي المتعرِّج للتنقل بين الطبقات.

وبالتالي، كل من يقدر على التنقّل مباشرةً فوق الطبقات سيختصر الكثير.

ولكينوهاتا الأفضلية.

استمر على هذا المنوال ومن المؤكد أنه سيرتكب خطأ جسيم.

(ذا الرشاش الثقيل تهديد أكبر من تعزيز ضررٍ بمقدار 2000×، لكني أستطيع الهجوم عليه متى شئت طالما أنّ تحركاته مقيدة ضيقة. سأركز بقوة على البقاء خلف أي غطاء ألقاه وأتنقّل على الأسطح إلى أن أجد موقع هجوم مناسـ—)

جاءت من الجانب.

دون إنذار، اندفعت العجلة الأمامية للدراجة الكبيرة نحو كينوهاتا.

قد صعد الطريق الجبلي المتعرج أبكر من المتوقع بكثير!

「مه—؟」

لم تتح لها فرصة أن تتفاجئ.

بصوت خافت دَكَّ، طُرح جسد كينوهاتا الصغير على الإسفلت. صدمتها الدراجة الكبيرة. تدحرجت للخلف وقفزت ثم أخيراً أخذت تتصرف بتأنٍ تتهرّب. زأر رشاش باكياكو الثقيل ومزّق الإسفلت يطارد كينوهاتا.

تركت الأوفينس آرمر يحميها بينما اخترقت نافذة نُزُل قريب واندفعت عميقًا داخل المبنى المهجور.

نظرت من نافذة الطابق الثاني وفكرت.

(تشه! إيه. إذن بقوة هذا هو)

الطريق الجبلي يلتف ذهابًا وإيابًا، لكن الجدران الخرسانية الاحتياطية امتلكت سلالم شديدة الانحدار، وكان الفندق الطويل يرتفع أعلى من الطبقة التالية. وهناك طرق بديلة كافية يمكن للدراجة الكبيرة أن تستخدمها كاختصار.

كينوهاتا سمعت زئير المحرك.

قريبًا.

لعل باكياكو سبقها داخل نفس النُزُل العتيق. لا يزال على دراجته الكبيرة.

مع الأوفينس آرمر، طلقات الشوتغن عن قرب قد يُرجع كينوهاتا قليلًا فقط، لكن الرشاش الثقيل أمره يختلف. قد تستعين بكامل قوتها لتوقف طلقة واحدة، لكن قد لا تقدر إن أصابتها عدة طلقات على التتابع. والأهم، إن زلت قدرتها، فسيُفنى جسدها اللحم والعظم.

(هل أكسر النوافذ لأنثر شظايا الزجاج؟ لا، لا أعرف عنه ما يكفي. لو كانت إطارات تلك الدراجات ممتلئة ببلاستيك بدل الهواء كما في السيارات المصفحة فبقوة لن أستطيع ثقبها!!)

صوت طقطقة جاء من الدرج.

التفتت كينوهاتا نحوه بشؤم ونذير فأضاءت مصابيح أمامية ساطعة وجهها.

باكياكو.

مديرٌ من آل موغينو.

تحدث الشاب الخادم وهو لا يزال راكبًا الدراجة الكبيرة.

「لا كره عندي عليك، لكنكِ جانبتي شيزوري-ساما، وهذا يجعلك عدو ساكيا-ساما. ولكني أشكرك. بخدمة شيزوري-ساما، خدمتِ آل موغينو، فلا أستنقص ذلك منكِ」

「جريء أنت لتقول ذلك وأنت بقوة تحاول قتل موغينو يا متمرد!」

「لن أعذر نفسي. هكذا أظهر حبي للعائلة」

عوى محرك الدراجة. اندفعت كتلة المعدن ذات العجلتين إلى الأمام، واستُهدِفَت كينوهاتا الصغيرة بالرشّاش الثقيل.

حتى الأوفينس آرمر لم يكن ليوقف تلك القوة المدمرة.

「استعدي」

「وووو...انتهى،」 قال صوت متثاقل.

كانت تاكيتسوبو ريكو.

مَدَّت سلكًا أفقيًا مصنوعًا من لفِّ عدة أسلاك فولاذية رقيقة معًا على ارتفاع مستوى الوجه تقريبًا.

التفت جسد باكياكو حول محوره ورأسه صارَ نقطة ارتكاز. واصلت الدراجة المضيّ قُدُماً بينما تسمر الجسم في مكانه ثم سقط على الأرض. قد أمسَك فخَّ السلك القاتل بعُنقِه. وبالطبع لم تكن تمسك السلك بيدها مباشرة؛ بل كان ملفوفًا حول شيءٍ يشبه بكرةً كبيرة.

「م-من وين بقوة جئتي بهذا؟」

「منها الكثير هناك. قاعة الولائم في النُّزُل بها خشبةُ مسرح صغيرة، فالأوتار تُستعمل لرفع وخفض الستار」

ومضاتٌ عدة أضاءت خارج النافذة.

تلك ميلتداونرُ موغينو.

لم تكن بحاجة فعليا إلى تدمير الخدم. بصهر إسفلت طريق الجبل أو الجدار الخرساني الاحتياطي؛ سيُجبر الصفّ الأول من الجنود المطاردين على الفرار أمام الأنهار البرتقالية. بدلاً من سيناريو يؤدي فيه المجازفة بحياتهم إلى موت الطرفين، جعلت من مواجهتها كدفع رأسك داخل فرن ذائب. ويبدو أن حتى جنود آل موغينو ليسوا متهورين لتلك الدرجة.

حدَّقت كينوهاتا من نافذة النُّزُل.

「تنهد. بقوة لا يمكننا العودة إلى موغينو وسط كل هذا」

「إن وصلنا إلى الهدف أولا وانتظرنا، ستلحقنا سريعًا」

وهكذا قرّرت كينوهاتا وتاكيتسوبو تسلّق الجبل قبل موغينو.

وبتوجيهات من فتاة البدلة الوردية، قضت كينوهاتا بصمت على القناصة ورماة السهام المختبئين في الشجيرات على طول الطريق.

「لكن ما الذي يفعله فصيل ساكيا في عمق الجبال هنا؟」

「من يدري. ألديهم مخبأ؟」

تتبّع الآيتم الإشارات المنبعثة من أجهزة التنصّت التي تستخدمها ساكيا للحفاظ على ولاء جنودها حتى وصلوا إلى هنا. عندما تكون الإحداثيات كل ما يحتاجون إليه، لا حاجة لفكّ تشفير الإشارة، فهكذا وصلوا دون معرفة الخطة الكاملة.

「ويفترض بقوة أن تكون فريندا-سان هنا أيضًا، لكن لأي حاجة جاءت؟」

「أعيد، ربما هنا مخبأهم」

تسلّقوا الطريق الجبلي المتعرّج حتى القمة.

كانت الفتاة الوردية بارعة حقًا في اختبارات التحمل هذه. بقيت جامدة المحيا رغم أنها لم تُقوَّى جسديًا مثل كينوهاتا.

وصلوا إلى ما بدا كمجموعة من الفِلَلِ الفاخرة... أو ما بقي منها. لو لم تكن فريندا هنا، فمن المحتمل أن تعثر عليها موغينو أو ساكيا أثناء الصعود. وما يعنيه ذلك بشأن سلامتها يبقى أقل يقينًا.

「(بقوة وين فريندا-سان؟)」

「(ساكيا هنا، فلابد أن تكون فريندا قريبة)」

لم تكن لتكون في مكانٍ واضح. حياة تلك المفجّرة على المحك. وبالأحرى، يبدو أن وصول فريندا الآن سيكون أكثر أمانًا لهاتين طالما لم يكن أحدٌ من الموغينو موجود — وخصوصا لا شيزوري ولا ساكيا.

「لو كانت هناك فرصة لإنجاح هذا، علينا بقوة أن نجد فريندا-سان قبلما تمطرنا الشلالات الدموية. تاكيتسوبو-سان، برأيك أين نبدأ البحث؟」

「تمهلي كينوهاتا」

سمعا شيئًا يقطع الهواء.

مروحية هجومية [ثنائية الجناح] تابعة لمدينة الأكاديمية.

تشكيلٌ كاملٌ منها.

「تبا!!」

ما إن دفعت كينوهاتا تاكيتسوبو المندهشة خلف صخرة قريبة حتى دوت سلسلة انفجارات قوية.

بدا أن أسلحة مدينة الأكاديمية المُسيّرة تقصف شيئًا ما، شيئًا قريبًا.

كان الصوت مدمرًا لدرجة أنه بدا أن مجرد الاستماع قد يقتلهم، لكن هدفه ليسوا هم.

「يُلاحقون فريندا؟」

「كيف بقوة أعرف!!؟」

ولم تتوقف الكارثة عند ذلك.

شعاعٌ من الضوء انطلق.

ثم شعاع ثانٍ وثالث.

شيءٌ يقترب. امتدّت نظرة القتل البشرية بوضوح عبر المباني المهجورة شبه الخالية.

「تلك موغينو」

「تاكيتسوبو-سان، اختبئي في أي مكان. ودائمًا اتركي طريق هروب في بالك وبقوة كوني مستعدة للهرب في أي لحظة. معك 60 ثانية」

「انتظري، كينوهاتا」

「الغبية ترمي الأشعة القاتلة باستمرار، لكن بقوة لم تحسم شيء بعد. هذا يعني أن موغينو تعاني! سأجذب أكبر قدر ممكن من الانتباه، لكن هذا يعني أنني لن أركز على حمايتك وأنا أقاتل!!」

  • الجزء 14

ألقت اللكمات والركلات.

لكن قُبيل لحظة الاصطدام الأقصى، ضرب الشايب معصمها أو دفع ساقها ليمتص قوة الضربة. كانت تمزج بين فنون الدفاع عن النفس العادية وانفجارات مفاجئة من الميلتداونر في كَفّيها، لكن الخادم الشايب ذو بدلة التوكسيدو والمُنوكل إنما اكتفى يُحرك رأسه متهربًا بسهولة.

مُجِنَياما.

وكان يلوح بشيء يشبه العصا.

بندقية قنص دقيقة.

لم تكن مخصصة لتُستخدم كسلاح لضرب الخصم، لكن بنادق القنص مصنوعة لتتحمل ارتدادها، ما منح مجنياما دقة على مستوى تنافسي وسلاحًا للقتال القذر في الوقت نفسه. كان حذرًا للغاية ليتأكد من أن الضربات لا تنقل اهتزازات قوية جدًا إلى ماسورة البندقية أو آلياتها، تمامًا مثل قناص جبلي مجبر على التعامل مع أدواته بخشونة.

「قد صقلت مهاراتك إلى هذا الحد، فهل هذا الانقلاب السخيف أفضل ما توصلت إليه؟ لأي غرض تعيش حياتك يا مجنياما؟」

「سواء كان "سخيفًا" أم لا، فليس لخادم متواضع مثلي قولٌ فيه. الحكم يرجع إلى ساكيا-ساما التي ستقف قريبًا على قمة الموغينو」

「إياك وأن تشتكي من صعوبة حياة مديرٍ لا يستطيع اختيار من يخدم من الدم. لقد تركتني وانحزت إلى ساكيا. لقد خنت العائلة بإرادتك」

「أعلم أن لا شيء أقوله سـ-」

قرشش!!

موغينو شيزوري رمت عليه انفجار ميلتداونر في منتصف الحديث.

وفي الوقت نفسه، سقط شيء مباشرة كالصاعقة.

كينوهاتا ساياي.

هبطت مع قرقرشة خافتة غريبة لاويةً الأرضية الإسفلتية تحتها.

وعلى ذلك، لم يحدث أكثر.

كان يجب أن يكون هذا الهجوم المفاجئ بقدرة إسبر مدينة الأكاديمية أمرًا لا يمكن تفاديه لأي إنسان خارج المدينة، لكن حتى ذلك لم يصل إلى مجنياما. قفز للخلف مسبقًا، وانزلقت أخمص قدميه على شكل S متعرجة أثناء ذلك.

هرب منها.

「شكاوى شيزوري-ساما اليومية عن أسابر الأكاديمية أخبرتني بكل ما أحتاج معرفته. أعلم أن لكل واحد منكم بطاقة رابحة واحدة وأعرف كيف تفكرون لتستفيدوا أقصى استفادة من تلك البطاقة. وبالتالي، مثل هذه المفاجأة كانت ضمن توقعاتي تمامًا」

「خ」

بعيدًا عن ذلك، لم يكن هناك الكثير من الناس القادرين على مواجهة ثنائي مستوى 5 ومستوى 4 مع الحفاظ على السيطرة وحماية ساكيا.

「ما كان عليكِ أن تأتي يا شيزوري-ساما. أعطيتك وقتًا أكثر من كافِ. فإن لم تجدي بعد طريقة لقتلي، فليكن」

ظل هادئًا وهو يحدق في رابعة المدينة الأكاديمية.

مُجِنَياما لم يكن عاري السلاح.

في يديه بندقية قنص طويلة كالرمح. تغيرت الأمور منذ كانوا في قصر الموغينو، ولم يعد شكله المرح موجود.

「مُجِنَياما يرجع إلى عائلة قناصين من الجبال. ...لم أتخيل أبدًا أنكم ستحاربونه في مكان كهذا. أسأتم التقدير. لا تتخيلين مدى التفوق الذي منحتموه إيانا」

ووراءه، همست موغينو ساكيا بوضوحٍ مُستمتعة.

كان الخادم الشايب يخدم ويحمي ساكيا حاليًا، وليس شيزوري.

「مُجِنَياما، عجل واقتلها. احمي سلالة أسيادك مهما كان. هيهي. مع إعداد كهذا، حتى أنت ستضطر أن تميل إلى الجد، لا؟ لن تحميني ما لم قتل شيزوري」

لم تكن الفتاة حتى تنظر إلى الشرير الحقيقي ساكيا.

إنما حدقت الـ#4 في الخادم الشايب.

「مُجِنَياما،」 تمتمت بغضب.

「لي أسبابٌ تمنعني من التخلي عن ساكيا-ساما. لكنها، مع ذلك، أسباب شخصية سخيفة لا تستحق أن أنقلها لك، شيزوري-ساما」

「هذا ليس تمردا منك. هذه رغبة ساكيا الأنانية!!」

「سَمِّها ما تريدين، ولكني لن ترك ساكيا-ساما وحدها. لا أستطيع. اعتبري هذا أيضًا مصير مدير يخدم السلالة، فتخلي عني وانسي أمري يا شيزوري-ساما」

تشنج الجو تحت وطأة التوتر.

تسللت عضلات مُجِنَياما بهدوء تحت بدلة السهرة الفاخرة. تحركت حزم الألياف العضلية بإحكام وهو يدخل وضعًا مخصصًا للقتل.

كان هذا الشكل المثالي لأقوى مفترس في العالم، متفوقًا حتى على الأسد والقرش الأبيض العظيم.

بمعنى آخر، الإنسان.

「استعدي. قد تكونين ابنتًا شرعيةً في السلالة، لكنك فشلتِ في جمع الإدارة، وبالتالي أنت عدوٌ لنا. أدعو أن يؤسس هذا الصراع أساسًا لازدهار أكبر لآل الموغينو」

حتى نظارته المونوكل لم ترتجف.

لقد سجل درجة مثالية 100 كمدير يخدم الموغينو.

ويا لسخرية القدر أن يتحول ولاءه للعائلة إلى تهديدٍ لوريثها.

  • الجزء 15

موغينو شيزوري وكينوهاتا ساياي. حتى في مدينة الأكاديمية، حيث يكون تطوّر الأسابر مألوفًا، كانتا تحتلان مراكز متقدمة بين الرتب في المستوى 5 والمستوى 4.

ولكنه لم يكترث.

مُجِنَياما تقدّم.

ثم اختفى فجأة.

ربما سمح عمدًا لعيني موغينو أن تعتادا على حركته قبل أن ينقض بأقصى سرعته.

ما عساها تؤكد.

تشتت اللون الأبيض في رؤيتها.

حدث ذلك لها، لكنها لم تستطع أن تميّز ما الذي حدث لها بالضبط.

أضربها؟

تزعزع دماغها بشدّة، لكن حتى هذا كان بمثابة رحمة من مُجِنَياما.

فقط لمرة.

لو استطاع أن يتسلل خلف دفاعاتها ويصدم بندقيته على أنفها، لكان بمقدوره بنفس السهولة أن يسحق عينيها أو ينتزع حلقها.

(ليس الأمر عني أنا وحسب. هل انسلَّ من عيني كينوهاتا في الوقت نفسه؟!)

「تشه!؟」

「وبالمثل، على سبيل المثال، الحركة الصحيحة قد تُنتج بهجوم قبضةٍ أو مرفقٍ أو كتفٍ؛ ولكلٍ منها مدى وقوة مختلفان تمامًا. عليكِ دائما أن تحفظي في جعبتك خيارين على الأقل، وإذا أمكن ثلاثة، حتى لا يتوقع العدو أفعالك. كنت أظن أنني درّبتك على هذا منذ الصغر」

في هذه اللحظة، لم يكن بمقدور موغينو التراجع.

ممسكة بجسر أنفها المضروب، تراجعت خطوة ومَدّت كفًا آخر إلى الأمام.

انفجر شعاع.

ميلتداونر، #4 المستوى 5 في المدينة الأكاديمية.

عندما تنهد الخادم الشايب ذو بدلة التوكسيدو والمنوكل، بدا في تنهّده طيف من الشفقة.

الخادم مجنياما لم يحاول صد الهجوم. اكتفى بتنحيّة جانبية عن الطلقة القاتلة وسار نحوهما.

يمين، يمين، يسار، يمين، يسار، يسار.

「ت-تمزح؟ إذن لم تكن مراوغاته كلها مصادفة. فعلاً هو يتفادى بقوة أشعة موغينو على طرف!!」

「تثبتين يدكِ لتصويبها؟ بسيطة لدرجة كدت أحسبها خدعة يا سيدتي شيزوري. لا قيمة لهجومك مهما علت من قوة إن كانت متوقعة」

وبالطبع لم يمتلك مجنياما القدرة على التنبؤ بالمستقبل أو قراءة العقول. على الأرجح يتنبأ بمقصد موغينو من المسافة بينهما وبالإشارات التي تبديها، لكن هذه لم تكن المشكلة الأهم.

مُدَرب.

منذ الصغر.

هذا الخادم الشايب اعتنى بموغينو شيزوري منذ أبعد ما تتذكر. تلك المدة كانت أعظم سلاح في يده. ربما عرف هوس هذه الوحش وتفصيلاتها أفضل مما تعرف هي نفسها. هذا لا يُنتزع بين عشية وضحاها. قد تحاول تغيير تلك الغرائز، لكن لا يمكنها أن تخفيها بقصدٍ في الحال.

وإنَّ مُجِنَياما يقترب.

ضربة مباشرة هنا ستكون قاتلة.

كلهم يعرفون هذا. إنه إنسان عادي لم يخضع لتطويرٍ إسبري، ومع ذلك سحق كينوهاتا ساياي بسهولة وهي معزَّزة بالأوفينس آرمر ذات المستوى 4. حقًا بإمكانه أن يقتل دبًا أو أسدًا بيديه العاريتين. كلُّ الآيتم اعتقد بذلك وإن لم يشهدوا. مثل هذه الهجمات ليست مما يحتمله الإنسان.

وهو الحق.

تكلّم مُجِنَياما وهو يتجوّل تحت صفّ من أشجار الكرز.

「أهذا كل ما لديك، سيدتي شيزوري؟」

لكنها لم تستطع إصابته.

الأشعة كانت تمر دائمًا بجانب الخادم بصفير.

هجوم مُوغينو شيزوري القاتل لم يُرعش مجنياما!!

「فإن كان، فأنت لم تعودي تهديدًا إطلاقا. حتى مع قدرتك الخارقة التي اكتسبتِها في مدينة الأكاديمية」

「ماه؟ أيتردّد مديرُ بيت المُوغينو في ساعة القتل؟ جلبت العار」

「لم أتردد ولم أكن ألعب」

احتكّ معدنٌ بمعدن مسموعًا.

「عائلة مُجِنَياما ليست من العباقرة. لذا، دائمًا ما نؤكد الطلقة قبل رميها. بالطلقة الأولى نكشِفُ كل الأخطاء الصغيرة التي أدخلها الواقع」

كان ذلك صوت سحب ذراع زناد القناصة وتعبئة الطلقة الأولى.

همس قناص الجبل في نفسه.

「شيزوري-ساما، لعبتنا الصغيرة هذه سمحت لي أن أقيس مدى تحركك بدقّة. تعديلي الآن اكتمل، لذا المرة القادمة ستكون طلقة قاتلة」

  • الجزء 16

وهناك من كان يراقب كل هذا.

فُريندا سَيْفِلُن تنتظر قرب مدخل النفق.

「تمزحون؟ في النهاية، موغينو من بين كل الناس محاصرة؟ معها تاكيتسوبو وكينوهاتا وهي تكافح أمام شائبٍ واحد؟ في النهاية، يبدو أن الآيتم ميئوس أمرهم دون نجمتهم الحقيقية — فريندا-تشان」

الأمور لم تكن على ما يرام.

لكن لسبب ما، لم تتحرّك فريندا بعد.

كانت مختبئة داخل نفق. لو شقّت الجبل وخرجت من الطرف الآخر، لأمكنها الهرب.

والسبب واضح.

「هي المصنفة الـ#4. محالٌ أن تسمح لهزيمة مثل هذه، صح؟ لكن تحركات الشايب بالتأكيد تفوق الإنسان. احذري يا موغينو! آه، ستخسر. آااه」

كانت أعينها.

كان فيها نفس نظرة الأخت الكبيرة وهي تطارد أختها ذات السابعة بكاميرة فيديو.

فجوة المهارة ضد مُجِنَياما كانت كبيرة إلى هذا الحد.

مهما يكن، ما عساها تدع هذا يحدث.

ميزة الآيتم كانت في القوى الإسبرية من مدينة الأكاديمية. تلك القوى اللا اعتيادية كانت تتقهقر أمام الأعداد الساحقة لآل مُوغينو. ففي الأخير، لم يكونوا سوى ثلاثة. إذا لم تكن الميلتداونر والأوفينس آرمر كافيتين، فسيُسحقون بغلبة العدد.

لا تنسى.

طلقة واحدة تكفي لقتل إنسان. التطوير الإسبري لن يغيّر من الطبيعة البيولوجية للجسم.

حان وقت التفكير بحرص.

(ما الذي أستطيعه الآن؟ أنا في نفق، قد آتي بنترات البوتاسيوم من قنبلة الدخان، وهناك مطهر كحولي في حقيبة الإسعافات الأولية، وربما أستطيع فصل الصوديوم من مادة مزيل الجليد. أم أن أدوات الطوارئ تتضمّن مولّدًا صغيرًا؟ إن كان هناك أي بنزين أو ديزل متبقٍ في الخزان فالتلاعب به سيكون أسرع!)

تأوه أُوناكا إتشِجو الجريح.

「هيه، ماذا تفعلين؟ ألن تهربي؟」

「في النهاية، سيحيط بي فصيل ساكُيا ويقتلني إذا هُزمت مُوغينو هنا. حتى الهروب عبر النفق سيبقيني على قيد الحياة ليوم أو يومين فقط قبل أن تنفد أماكن الاختباء. لذا لن أدعهم يقتلون مُوغينو!!」

  • الجزء 17

كان مُجِنَياما قناصًا.

أولا، أطلق بدقة رصاصة عبر خزان الوقود الإضافي لمروحية هجومية بلا طيار من طراز [ثنائية الجناح] تحلّق فوقهم، ما تسبب في انفجار وقود داخلها. هبت موجة صدمة على المنطقة بأسرها كأنها سقف معلّق. جفنت مُوغينو و تأخّرت نصف خطوة بينما سحب مجنياما ذراع الزناد ليفتح باب الفراغ؛ ثم عشّق (أعاد تحميل) الطلقة التالية.

「غه!!」

بانفجار، انطلقت كينوهاتا إلى الخلف.

تقدمت لتدرء الضربة عن مُوغينو.

أدركت أن الـ#4 ستُصاب لو لم تفعل.

حتى مع الأوفينس آرمر، كانت ضربة خطيرة. رصاصة قناص عيار 7.62 مم تزن تقريبًا ضعف وزن رصاصة بندقية هجومية عادية. وبقصد تغيير مركز الثقل إلى الخلف، تنحني رصاصة الصيد الكبيرة بزاوية 90 درجة عند الاصطدام، مطلقة كل طاقتها الحركية على عمق 5 سم داخل الهدف. تدحرجت كينوهاتا على الأرض وكحّت.

نقرت مُوغينو لسانها وأطلقت ميلتداونر، لكن الخادم الشايب ذو بدلة التوكسيدو والمُنوكل اكتفى بخطوة جانبية. سحب ذراع السلاح بهدوء وعشّق طلقة أخرى.

التالية ستحسمها.

قبلت مُوغينو شيزوري هذه الحقيقة.

لكن انفجارًا مفاجئًا قلب سير الأحداث إلى فوضى.

「في النهاية، شدّي نفسك يا موغينو!!」

ذلك الصوت مألوف.

لابد أن فريندا سَيْفلن، البنت الشقراء ذات العيون الزرقاء، قد ألقت قنبلة محلية الصنع.

وإن كانت مطاردة.

كأنها لم تستطع الصبر أكثر.

تجنّب مجنياما الإصابة المباشرة، لكنه مع ذلك ارتعش وتجمّد للحظة. نعم، ذلك الخادم الشايب الذي بدا منيعًا قد تفاعل فعلًا مع هذا الهجوم غير المتوقع تمامًا. غياب ثغراته التام سابقًا كان نتيجة فهمه الكامل لمُوغينو شيزوري.

لأنه هو من علّمها القتال والبقاء داخل عائلة الموغينو.

(أوه! في هذه الحالة!!)

لم تدع مُوغينو شيزوري الخوف ينتصر، وفعلا تقدمت.

صوبت إلى ناحية الأذن.

ففي النهاية، كانت قد أسقطت نمرًا أبيض بكفٍّ واحدٍ في الكُلوسيوم. حدث ذلك في مدينة العلوم، لذا بالطبع هو منطقي أن تنجح.

هزّت أذنه الداخلية لتخلخل توازنه.

(إذا أردت أن أُقحم هجومًا، فعليّ أولًا أن أكسر دفاعاته!!)

لم تستطع الوصول تمامًا. كانت أصابعها على بعد عشرة سنتيمترات من فوهة بندقية القنّاص.

لكن حدث ارتطام.

ليس من مرفقها أو قبضتها.

بل بفعل امتداد الكارديجان الرخو الذي ترتديه.

「دائما احفظ في جعبتك خيارين على الأقل، وإذا أمكن ثلاثة، هاا؟!」

「نه!؟」

تعالت ضربة مسموعة وعنيفة في الهواء.

بحركة خاطفة صحيحة، يمكن لأي نسيج أن يتحول إلى سوط.

اللحظة التي ارتجف فيها، تقدمت مُوغينو خطوة أخرى نحو مُجِنَياما. انخفضت ودفعَت بفوهة بندقيته الطويلة بيدها اليمنى أثناء تحركها.

لم تكلف نفسها محاولة سحب السلاح كما في لعبة شد الحبل.

ذوّبت وفجّرت منتصف البندقية بالميلتداونر.

توقع مجنياما منها أن تشدّه ففاجأه ذلك واهتزّ مُرتبكًا.

زيادة الخيارات ليست الطريقة الوحيدة لاكتساب الأفضلية.

ولك أيضًا أن تقيّد خياراتك بنفسك لتجعل خصمك يهلك نفسه.

وحقيقةٌ أساسية وهدفٌ في كل أشكال الفن أنَّ المعلومات أصعب في الإزالة منها في الإضافة. قد تكفي الإضافة للوصول إلى مستوى الكفاءة، لكن من تعلّم إزالة الزوائد ونال اعتراف الآخرين بذلك فقط يُدعى أستاذًا في مجاله.

「سيدتي شيزوري. ما علّمتكِ هذا قط」

「لا. هذا أسلوبي تعلّمته بنفسي!!」

وذلك منع حتى مجنياما من مواكبة أفكارها.

تلاقت نظراتهما.

لكن مُوغينو نجحت في أن تتصرف أسرع لحظةً قبل أن يستعيد مجنياما توازنه ويرد الضربة.

انفجر زئير.

صوت قبضتها وهي تصيب عظم خدّ الخادم الشايب بدقّة.

لم تعتمد على ميلتداونر السهلة والقاتلة.

لقد تعلّمت أكثر من مجرد قوتها الإسبرية.

هذه هي الخبرة والعنف التي صقلتها المصنفة 4 في مدينة العلوم بقسوة بعد أن غادرت ملاذ الموغينو ودخلت المدينة الأكاديمية حيث لم يكن الخادم مُجِنَياما يراقبها.

لم تستخدم سوى يديها العاريتين.

وهذا ما فاق حتى الخادم مجنياما في آخرِ آخرِ اللحظة الأخيرة.

「أحسنتِ. لقد كبرت يا سيدتي شيزوري」

وسقط.

ببطء.

حملت كلماته رضًا تامًا.

كما كانت دائمًا.

نظر إليها بعيون رجل يراقب حفيدته.

يا ليت لو أمكنه أن يصف كل شيء بكذبة — بتمثيلية سخيفة.

لكان ذلك أسهل على النفس.

وإن ملامح مُوغينو شيزوري هي التي تجهمت.

「أتمزح؟」

مسكت بطوق بدلة التوكسيدو.

وأجبرته على الوقوف.

أمكنها أن تقتله في أي لحظة بميلتداونر.

ومع ذلك، كانت هي المرتجفة والمحبوسة.

وتدفقت الكلمات.

「علّمتني كيف أمسك القلم، كيف آكل بالعيدان، وكيف أركب الدراجة」

وكأنها تتكلم بشفةٍ تعضها.

لكن صوتها سرعان ما علا لصرخة مهزوزة.

ومن داخلها كانت مهزوزة.

للخونة الموت.

لكنها لم تستطع.

ليس مع مجنياما. هذا الشايب كان دائمًا قطعةً من أساس شخصيتها.

كان حضورًا ثابتًا لا يتزعزع في حياتها. كشجرة كبيرة. كان رجلاً مسنًا يرتدي مونوكلاً منذ أول يوم عرفته.

「حتى بعد دخولي المدينة الأكاديمية، كنت تبقى على اتصال معي حتى أحفظ جدول الضرب. كان هذا الحال دائمًا في كل شيء! أتمزح معي يا ملعون؟ لماذا انقلبت عدوي!؟」

「...」

لماذا؟

ظلَّ مُجِنَياما صامتًا في وجه ذلك السؤال الواضح.

كان يقول مرارًا إن له أسبابًا لعدم خيانة ساكيا.

هل كان الأمر حقًا مسألة ولاء كما قال؟ أم أنه مدين لها شخصيًا بإنقاذه أو إنقاذ عائلته؟

لكن.

فما يفيد؟

كان أجدر به أن يلجأ إليها قبل أن تتراكم عليه الفوائد ويصعب عليه الرفض.

كان مديرًا يخدم آل موغينو.

وموغينو شيزوري كانت جزءًا من السلالة.

لا الجنود ولا الإدارة كانوا مجرد بيادق تضحية بسيطة. حمايتهم واجب السلالة — واجبهم الملزم نُبلاً.

لأن الإدارة خاطرَت بحياتها في أداء الأعمال القذرة، كان على السلالة أن تُخاطر بمستقبلها لحمايتها. هذه قاعدة مقدسة لا تُنتهك. تلك المقايضة هي ما سمح لهم بحكم العالم كوحدة واحدة. كانت هذه القاعدة التي يجب على أي من يريد أن يرث قيادة الموغينو أن يتعلّمها أولًا وقبل كل شيء.

ومع ذلك، لم يأتِ مجنياما إليها.

خاف أن يورطها.

لم يسمح لها أن تؤدي واجبها.

ونتيجة لذلك، اضطر أن يهاجم شيزوري بأمر من ساكُيا والآن وضع الحبل حول عنقه بنفسه.

ومع ذلك، لم يصرِّح بكلمة شكوى واحدة.

لم يكن بحاجة أن يرى أكثر من عضها شفتها.

「حقّاً...」 همس الخادم الشايب ذو المنوكل، مغمضًا عينيه ببطء.

كان على وجهه ملامح جد يرى نمو حفيدته حتى في خضم صراع رهيب بين اثنين من السلالة.

「مثل هذا اللين...لن يتيح لكِ أن ترثي المُوغينو التي تملأ بطون 1.4 مليار نفرٍ حول العالم...」

انشقّ الهواء اللطيف.

بصوت انفجار.

صوت انفجار متفجر ضئيل.

لكن الصوت لم يأتِ من فريندا. حتى الفتاة الشقراء اتسعت عيناها دهشة.

نَصِفُ هذا، بأدق الدقة، أنه طلقة مسدس.

تمايل الخادم مجنياما إلى الجانب ثم سقط على الأرض بطريقة غير طبيعية.

خلفه وقفت ساكيا.

تمسك مسدسًا ذا طلقتين صغيرًا بما يكفي ليختبئ في كف اليد. لن تكون دقته سوى حتى مدى خمسة أمتار تقريبًا، لذا لم يكن معدًا لخوض قتال رماية حقيقي. علّه كان مسدس اغتيال مخفّى داخل الكم.

「لمن تصطف يا خادم؟」

وراء دخان المسدس، ارتجف صوتها، كصوت طفل ضائع.

ألم تكونا عمّة وبنتُ أخ؟

مهما تكن أساليب مقاومة الشيخوخة التي استخدمتها، بدت مُوغينو ساكيا في الثلاثين على الأقصى، لكن عمرها الفعلي لم يكن معلومًا. وإنَّ بذلها الجهد دَلَّ على أنه كان ضروريًا.

ولربما كانت في موقفٍ مشابهٍ لشيزوري.

لقد خدم مجنياما آل مُوغينو طويلًا. لذلك، تمامًا كما علّم مُوغينو شيزوري ركوب الدراجة وساعدها على حفظ جدول الضرب، علّهُ كان أيضًا مصاحبًا جانب ساكيا في الطفولة.

ولكن مجنياما قد ترك يدها في آخر آخر الأمر.

ابتسامته وُجِّهت نحو شيزوري، لا نحو ساكيا.

لذا.

「يا... مَلْـ....ـعُووووووووووووووووووونااااااااااااااااااااااااااـة!!!」

اندلع شعاع ضوئيٌّ هائجٌ مُرهب.

  • الجزء 18

وقعت فجأة.

فريندا سيفلن هي من دفعَت مُوغينو ساكيا جانبًا.

بعد أن أخطأ الهدف، شقّ شعاع الميلتداونر طريقه عبر منطقة الفلل المهجورة.

وانضمت تاكيتسوبو وكينوهاتا.

ليس إلى مُوغينو شيزوري، بل إلى الفتاة الشقراء الهاربة.

「أحسنت العمل يا فريندا」

「لكن ما موقعك هنا بأي حال؟ لأنني مستعدة بقوة أن أرميك بلكمة أوفينس آرمر لو تطلب الوضع!!」

مع أنهم حصلوا على إذن خاص لمطاردة فريندا، قد يتفكك الآيتم لو قتلوا أي شخص لا علاقة له بفريندا خارج المدينة الأكاديمية. وحتى لو لم يتحرك أحد مباشرةً لإحداث ذلك، فهناك الكثير من القوى في [الجانب المظلم] التي ربما تراقب؛ آملةً أن يحدث ذلك.

「أهذا وقت الجدال؟ في النهاية، أتظنان أن مُوغينو تمنحنا وقت للدردشة؟ سنتفحم في لحظة إن لم ننتبه!!」

هدف فريندا كان العودة إلى مدينة الأكاديمية واستعادة حياتها الاعتيادية. أرادت أن تستمتع بالحياة في الجانب المظلم بينما تخفي ذلك الجانب وتتابع جهود أختها الصغيرة ذات السبع سنين في مهرجان الدَيهسي بكاميرة في يدها. كان هدفًا أنانيًا، لكن لتحقيقه كان عليها أن تثبت أنها لم تهرب عمدًا خارج الجدار وأنها لا تريد أن تُمحى من الآيتم.

هذا يعني أنه لا يجوز لها أن تدع مُوغينو شيزوري ترتكب مذبحة جماعية خارج مدينة الأكاديمية، ولا يجوز لها أن تدع ساكيا، العقل المدبّر وراء الحادثة كلها، تموت. أن تجبر الشرير أن "يعترف بكل شيء" كان أفضل خيار أمامها.

لا بد أنهم مبرمجون لعدم الشعور بالخوف؛ حيث حاولت مروحيات [ثنائية الجناح] بعنجهية مهاجمة مُوغينو شيزوري في حالتها الراهنة، فإحداها وراء الأخرى سقطت في دورها.

ولا حاجة أن نقول ما سيحل بالجسم البشري إن أصابته إحدى تلك الأشعة.

لا يمكنهم أن يقتلوا خارج مدينة الأكاديمية.

ولا عساهم ترك مُوغينو شيزوري على هذه الحال.

تاكيتسوبو ريكو، كينوهاتا ساياي، وفريندا سيفلن صاروا فريقًا من جديد.

ولديهم هدفٌ واحد.

لن يتركوا زميلتهم تموت. سينقذونها هنا.

وللقيام بذلك...

يجب أن نهزم #4 المدينة الأكاديمية، مُوغينو شيزوري!!

  • ما بين السطور 2

إما أن تنكسي رأسك أو تصبري على البلاء.

تلك خياراتك الوحيدة في الطفولة.

في عائلة المُوغينو، كانت مُسَلَّمةً مُحَتّمة أنّ السلالة ستدخل في صراع.

فلا تظهري هشاشةً وضعفا.

لأن بقية العائلة ستسغل ذلك بنشاطٍ يستهدفونك فيضربونك.

لذا اعتادت مُوغينو ساكيا دائمًا أن تخرج من المنزل وتذهب إلى مكان خالٍ وترتعش وحدها.

لم تكوّن صداقات في المدرسة وحتى المعلمون كانوا يراقبونها بقلق من بعيد، لا يقتربون. لم تُعامل كغيرها. لأنها وُلدت في عائلة المُوغينو. لم يتسرّب الجوهر الحقيقي لتلك العائلة، لكن كل من يعيش في العالم الصادق كان يلحظ ببساطة وسهولة أنها لا تنتمي.

ولطالما كان رب العائلة يقيمها، وأن الكبار قد أصيبوا بخيبة أمل منها منذ البكر، وأُجبرت على التنافس مع الإخوة والأخوات والأقارب من جيلها مع علمها أن لا فرصة للفوز. في ذلك العالم الظلّي بدا أن الجميع يتلذذون بسرور مظلم في تمزيق أضعفهم.

كيف تجد في هذا حُبًّا؟

لم تعرف موغينو ساكيا السَكِينة. أينما ذهبت كانت تعلم أنها ستُستنزف قليلًا فقليلًا، ولم تكن هناك فرصة للتعافي. القلب في صدرها الصغير سيستمر في الانقسام حتى لا يبقى منه ذرة. كانت تعرف ذلك، لكن ما عسى الفتاة العاجزة أن تفعل.

لم يأتِ أحد لينقذها. ولم تتوقع أن يأتي أحد. عندما يرى الشرطة أو معلموها جسدها الممزق والمجروح، فلن يكتفوا إلا بنقرة على اللسان مغتظة "تشه" ثم يلتفتوا بعيدًا.

لكن ثم.

خلال كل ذلك.

「يا ويحي. أهنا جئتِ، ساكيا-ساما؟」

جاءها صوتٌ واحدٌ رحيم.

كلما اختفت ساكيا، كان هو دائمًا أول من يجدها. ليس أباها، ولا إخوتها، ولا أي أصدقاءها أو معلموها. بل كان الخادم في بدلة التوكسيدو والمنوكل هو أول من وجدها.

مجنياما كان مجنياما منذ زمن طويل حتى قبل ولادة ساكيا.

بدا ثابتًا لا يتغير، كشجرة مقدسة في ضريح شِنتو.

عندما تبكي ساكيا وتُثقلها مشاعر ضعفها، جاء يمسح رأسها ويكلمها.

بصبر.

كلما احتاجت ومهما طالت.

「اسمعي. القوة تتخذ أشكالًا عديدة. إيكا-ساما لها شكل قوتها، لكن لكِ أيضًا شكل قوتك. لم تدركيه بعد. إذا مُنحتِ الفرصة، ستصبحين أقوى من أي أحد」

「...أقوى حتى من الرئيس؟」

「نعم」

「أقوى منك؟」

「بالطبع」

「لاااء، لا أحد يغلبك」

ابتسم مجنياما بلطف.

ولما تذكر الماضي، لم يكن ذلك بسبب ما قالتْه الصبيّة الصغيرة أكثر من لأن تلك التي لم تكن تعرف إلا أن تُنكِّس رأسها أو تصبر مُكرهة قد كشفت له أخيرًا ابتسامةً محرجة.

سألت مُوغينو ساكيا سؤالا وهما عائدان إلى القصر، يدا بيد.

بتردد.

「هيه، مُجِنَياما؟」

「نعم؟」

「لا شيء يستطيع إيقاف القتال بين الإخوة. والصراع على الإدارة سيزداد احتدامًا...فهل تبقى معي حتى النهاية؟」

「هذا كان دومًا هدفي」

وهكذا.

ورغم ذلك.

تعليقات (0)