الفصل الرابع: دَمٌ بِدَمْ.
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
موغينو شيزوري.
رابعة المستوى 5 من مدينة الأكاديمية، ميلتداونر.
لو عشت مرة في تلك المدينة، واتخذت حتى خطوة واحدة نحو جانبها المظلم، فلعرفت أن عليك ألّا تتحدّاها مطلقًا. ذلك كان قانونًا لا يُمسّ. قبل أن تفكّر حتى في كيف تهزمها، عليك أن تبحث عن طريقة لتتجنّب الصدام مع تلك الوحش. كانت المدينة تعجّ بأسابر قادرين على كسر قوانين نيوتن الفيزيائية، لكن هذا القانون بالذات كان عليهم جميعًا اتباعه.
وهذه الفتيات كنّ أكثر من يعرفن.
ومع ذلك، اخترن بإرادتهنّ الحرة أن يتجاوزن ذلك الحد.
「(في النهاية، أتعرفين ما عليك؟)」
「(إيه، بقوة أعرف)」
「(سنندفع نحو موغينو معًا عند إشارتي. لن تلحق على صدِّ كلِّ هجماتنا، على الأقل ستصل واحدة)」
لم تكن الآيتم مجموعة سهلة المراس لتجلس وتُجري نقاشًا استراتيجيًا طويلًا أمام هدف يمكنه إطلاق مقذوفات قاتلة. فاختصرن المعلومات بطريقة تشبه الشيفرات المختصرة، وتبادلن نواياهن الأساسية فورًا عبر العيون وحركة الأصابع.
وكينوهاتا تلك ذاتُ مستوى 4 متخصصة في الدفاع، فطبعا تمكنت من مواكبة الأمر وإن كانت جديدة على الفريق.
「(الشيء الوحيد الذي يصبّ في صالحنا هو أن قدرة موغينو حيل هجومية، ما يعني أنها بقوة لا تحسن في الدفاع. لا يهم مدى فتك هجماتها، فجسدها مثل أي بشري آخر!! هي بشرية جدًا جدًا عادية سيُغمى عليها لو هزّينا دماغها أو ضغطنا قلبها—)」
جاءت فُجاءة.
لم تستخدم كفّ يدها حتى. أطلقت موغينو شيزوري عاصفة من الأشعة المرعبة من جميع أنحاء جسدها.
لا وقت لديهم ينتظرون الإشارة. قفزت تاكيتسوبو وفريندا نحو كينوهاتا التي تجمّدت من الصدمة، ودفعاها بقوة إلى الأرض.
ما عاد يهمّ أنهنّ من الآيتم.
الهدف الأول لغضب موغينو شيزوري كان ساكُيا وحدها.
لكنها ستستخدم كامل قوتها لتحرق أي مخلوق — حتى أصغر حشرة — يوفّر ملجأ لتلك المرأة أو يقف في الطريق.
الميلتداونر شطرَت مركبة كبيرة من عائلة الموغينو شطرتين.
ولحسن الحظ، كانت شاحنة.
القسم الخلفي بما فيه من منصّة راجمات صواريخ أمريكية انفجر، لكن مقصورة السائق بقيت سليمة.
حتى الأوفينس آرمر ذات المستوى 4 ما كان ليصدّها.
ضربة مباشرة ستعني هلاكًا فوري.
「تبا!!」
「يجب أن نحجب بصر موغينو」
تجنّب الهجوم الأول لا يكفي لنسترخي.
لم تجد فريندا مشكلة في رفع كينوهاتا الصغيرة على كتفها (وربما لأنّها دائمًا تحمل متفجرات وأشياء ثقيلة) ثم اندفعت نحو فيلّةٍ قريبة. وما إن تدحرجن في الداخل حتى مرّ شعاع على ارتفاع متر تقريبًا. شطرَ الجدار السميك العازل للصوت في تلك الفيلّا الفخمة سابقًا. لو لم يلتصقن بالأرض سريعا، لكان كل ما بين الخصر حتى الصدر قد تبخّر.
「وين العدو؟! أقصد المرأة اللي بقوة تشبه موغينو لو استخدمت مكياج لِتَصغر」
「هاه؟ كينوهاتا، أظنك عكستِها」
「في النهاية، ما يهم من الأكبر! يا ساكيا، إن كنتِ ما زلتِ حيّة، فاختبئي في أي مكان!! لو عَثَرَت عليك سترميك بالنار!」
بدأ التراب الداكن يتساقط فوق رؤوسهن وهنّ يتبادلن الصراخ.
آذانهن لم تكن في عافية.
كان عليهن رفع أصواتهن ليسمعن بعضهن وإن كنّ متلاصقات.
ذلك المبنى شبه المتهدّم لن يساعد كثيرًا.
ليس وخصمك #4 المدينة الأكاديمية.
نفق يمتدّ عميقًا داخل الجبل قد لا يوفّر حتى غطاءً فعّالًا أمامها.
خُطّتهم الفورية غير الناضجة كانت تنهار.
ولنقل إنّ هذا قد نزع عنهم الأوهام والتفاؤل، لكنهم سيُقتلون ما لم يُسرعوا في إعادة ترتيب أفكارهم لمواجهة الواقع. لا وقت ليُهدروه في الذعر.
「في النهاية، مستحيل نقترب منها!! فماذا نفعل؟! نرمي قنبلة من بعيد ونُفقدها الوعي بالصدمة!؟」
「ستفجرها قبل أن تصل. وأصلا لو أخرجتِ رأسك لترمي سَتُطلق عليكِ. بل حتى لو عدتِ خلف الغطاء مجددًا فهي ستطلق عبر الغطاء نفسه ما إن تعرف موقعك」
「كفاكِ تمديح بها! في النهاية، عندك فكرة أفضل لهزيمة موغينو!؟」
「...」
「لا؟! ولا أي فكرة!؟ ........مصيبة! أسمع شعاعها لكني لا أراها؟!!」
لم تأتي من اليمين ولا من اليسار.
الصوت المزعج، صوت الانضغاط والتخشخاش، جاء من الأعلى.
من السطح.
موغينو شيزوري لم تكن مدفعًا ثابتًا.
كانت رشيقة بما يكفي لتُسكِتَ نمرًا أبيضَ بكفّ يدها العاري.
『مَــ ــيِّــ ــتـ...』
المصنّفة الـ#4 كانت عنيدة.
عزمت أن تقتل ساكُيا. وستحرق أي مخلوق — حتى أصغر حشرة — يوفّر لها حماية أو يقف في طريقها.
『...لا مـ ـحـ ـالـ ـة—』
فصرخت فريندا وكينوهاتا في الوقت نفسه تقريبًا,
「「ها هي...」」
「...فوقنا!!」
سقطت موغينو بنفسها بسرعة نحو الأرض.
من سطحٍ مكوّن من طابقين. ولو هبطت فوقهن مباشرة، لكسرت عظامهن جميعًا بسهولة.
كان عليهنّ تفادي ذلك. ولو بالتدحرج.
لكن أي فرار طائش سيجعل الميلتداونر تثقبهن ثقبَ الورق.
「تفرّقوا!!」
لم تصرخ تاكيتسوبو بهذا لأنها رأت فرصة للفوز.
بل لأنها رأت أنه الخيار الوحيد لتقليل الخسائر، ألا يجتمعن في نقطة واحدة.
والسبب الوحيد لعدم تقطيعهنّ فورًا هو أن كينوهاتا — وهي ما تزال منبطحة — لطمت الأرض بكفها الصغير قبل لحظة من هبوط موغينو.
كانت 5سم فقط.
لكن الأرض هناك قد غرقت قليلا. وهذا أخطئ توقيت هبوط موغينو فَلَمْ تتمكن من امتصاص قوة السقوط بركبتيها، مما حَرّف انحرافًا بسيطًا في تصويبها.
الأشعة الثانية آتية.
قبيل اللحظة التي صوبت فيها موغينو الضوء المتكدّس في كفّها، فريندا قد رمت متفجّرًا.
وفجّرته.
ما إن لامس الضوءُ المتفجّرَ، انفجارٌ هائل دوّى أمام موغينو، لكن لا حاجة أن تتحقق إن كانت قد نجت.
لو لم تُلقِ فريندا فورًا قنابل صغيرة على الأرض لتفجّر التراب في الهواء —ولو اكتفت بذلك دون أن تنخفض وتحمي نفسها— لنسف الشعاع الثالث رأسها.
「في النهاية، لم تُحدِث حتى خدشًا؟!」
「أخبرتك. القنابل لا تنفع مع موغينو」
「ولمَ تبدين كأنكِ فخورة!؟」
تفرّقن في اتجاهات مختلفة، فريندا وتاكيتسوبو وكينوهاتا كلٌّ تختبئ في مبنى مهجور مختلف.
(تشه. في النهاية، موغينو تعرف كيف تدافع أيضًا. يا لها من أزعج أزعج الناس عدوّ!!)
في الجانب المظلم، كان هذا أعظم مديح قد يأتيك.
الانفجار في جوهره ليس سوى تمدّد للغاز. عندما يتفاعل المتفجّر فإن الغاز يتمدّد فورًا مئات المرات فيشكّل جدارًا كثيفًا من الضغط. المتفجّر ليس أكثر من جسمٍ يتمدّد بسرعة عند تلقيه أقلّ محفّز. حتى الماء — أبعد ما يكون عن النار — يمكن استخدامه لصنع انفجارات بخارية. وحتى النيتروجين السائل سينفجر لو تُرك في درجة حرارة الغرفة.
ومن ناحية أخرى.
إذا بسّطناها أبسط ما يكون؛ لو واجهت الانفجارَ بـ [موجةٍ] ضَغطُها أكبر، فسوف تغلِبُ قوة انفجاره. طالما أنه غاز يتمدّد، فكل الانفجارات ستتصرف مثل الهواء في البالون؛ تتبع المسار الأقل مقاومة.
أسلوب موغينو في القتال يشبه كثيرًا مصارعة الثيران.
هي لا تمتلك درعًا يغطي كامل الجسد مثل كينوهاتا.
ولأن المصنّفة #4 نفسها بلا درع (ولأنها تريد تجنب معركة طويلة تُساق فيها بالخوف وتتوتر حتى أقصاها)، فهي دائما تندفع للأمام، وتصدّ كل شيء بهجومها المميز، ثم تخترق خصمها بضربة لا ترحم عندما تنكسر دفاعاته.
لكن بالطبع، لو اكتفت الأخريات بمراقبة ما ستفعله موغينو، فسيُثقَبن بثقوبٍ لا تُعَد من الميلتداونرات العشوائية. بل قد تتبخّر أجسادهن بالكامل — حتى آخر إصبع في القدم — وهنّ واقفات.
سبعة أمتار. كان تنفّس كينوهاتا ضحلًا غير طبيعي. هذه مسافة كافية لبدء اشتباكٍ بالأيدي، لكن مع موغينو... التوتر كان شديدًا لدرجة أنها شعرت بأن قلبها سيتوقف.
「البحث عن جدار أصلب ما هو إلا تأجيل قوي للمحتوم، ها؟」
「الأفضل أن نقلّل أوراقها أولًا يا كينوهاتا. فكرة أنها إنسانة عادية ليست خطأ. ضربةٌ متينة لفكها ستُربك دماغها وتُفقدها الوعي مثل أي إنسان آخر」
لكن، حتى لو كانت "عادية" في هذا الجانب، غلبها فعليًا في ذلك هو التحدي الحقيقي.
موغينو أدارت رأسها.
(!؟ في النهاية، هاتان لن تقدرا عليها وحدهما!!)
حركة فريندا لم تكن كبيرة.
على بعد عشرة أمتار، دارت ببطء في اتجاه الريح من موغينو. رائحة المتفجرات، الشبيهة بالألعاب النارية، ستثير الجزء من دماغ موغينو الذي صُقّل عبر سنوات من العيش في الجانب المظلم.
ستجذب انتباهها. فحان الوقت لتُظهر فريندا عزمها.
على أنها ربما ستُشطر شطرين بعد لحظة فهي لم تملك خطةً فعليا.
صوتٌ جاء من جهة أخرى.
「فُريندا」
「غبية! منتِ ببطلة!!」
شيءٌ أُلقي نحوها.
زجاجات مستطيلة مخصّصة لمشروب قوي. تحطمت الزجاجات الثقيلة على الأرض، وامتدّت نارٌ لزجة حولها، ودخان أبيض غير طبيعي بدأ يتصاعد.
وبعد اختبار تنفسٍ سريع، أمسكت فريندا أنفاسها فورًا.
طرف لسانها وخدّها الأيمن قد بدآ يفقدان الإحساس.
هذه مصيبة.
(سداسي كلور الإيثان!؟ صحيح أنه نظريا قابل للاشتعال، لكنه في النهاية ليس خيارًا جيدًا لزجاجة حارقة. فلماذا استُخدِم ومن جاء به؟)
『احبسي أنفاسكِ وتعالي!! سداسي كلور الإيثان له تأثير مخدّر خفيف، لكنني لا أعرف مدى فعاليته ضد شيزوري-ساما مع أشعتها الحارة الفائقة. هناك احتمال كبير أن تحرقه قبل أن تستنشقه!!』
شعرت فريندا بالدوار وهي في جهة الريح، ولكن لا شك أن الوضع أسوأ بكثير لموغينو في القِبَل.
عدة أشعة اخترقت دخان المخدّر بينما ربضت فريندا قريبا من الأرض وزحفت نحو مصدر الصوت.
إنها الخادمة صاحبة قنابل المُلوتوف.
أكان اسمها هاناغاي؟
「مم؟ في النهاية، لماذا صرتِ في صفّنا؟!」
「سلالة عائلة الموغينو تتكون كثيرة الأفراد، لكن كان واضحًا لنا جميعا أن المنافسة الأخيرة ستكون بين شيزوري-ساما وساكُيا-ساما. أسوأ احتمال هو أن تُقتلا معًا هنا. نحن نخدم الموغينو كُلًّا، فلن نسمح بخسارة الوريثتين الأقرب للخلافة!!」
دوى هدير دراجة نارية كبيرة.
هناك [باكياكو] على دراجته يحمل رشاشًا ثقيلًا عيار 12.7 مم كأنه رمح. و[أوغيغومو] أيضًا يحمل الننشاكو-شوتغن وهي بندقيتين موصولة بسلسلة قصيرة.
「تشه. لو تركنا شيزوري-ساما على هذه الحال، فستكون ساكُيا-ساما في خطر. استعد يا أوغيغومو. أعرف أنك صَقّلت مهاراتك لتَغلِبَ أحد أسابر المدينة الأكاديمية!!」
「أحقا؟! تريدني أن أواجه ذلك الوحش الأسطوري وجهًا لوجه!؟ هَئهَئ! وكأن أحد أحلامي خرجت إلى الواقع!!」
كانت حالة موغينو ساكُيا مجهولة، لكنها تمزّقت من الداخل حين أطلقت النار على مُجِنَياما في ظهره. وهو من المشكوك جدًا أنها كانت تتصرف بعقلانية البتة.
أفضل خيار لِخَدَمِ وحَشَمِ فصيل ساكُيا ربما هو إخفاء ساكُيا بينما يجذبون كل الانتباه إليهم.
هزّ الهواء هديرٌ يصمّ الآذان.
صوتُ مروحة ضخمة تشق الهواء. شيءٌ هائل مرّ فوق الرؤوس. كانت طائرة نقل أمريكية لا يقل طولها عن 40 مترًا. ومع أشعة الميلتداونر تتطاير، التحليق في هذا المجال الجوي لهو انتحارٌ محض.
ولم تكتفِ بالمرور.
تشكل صفٌّ من المظلات الضخمة يُسقِطون شيئًا. بل أشياءَ كثيرة. أكثر من 300. وكان عددًا يفوق عدد طلاب مدرسة كاملة.
بشرٌ يهبطون.
فيضٌ منهم.
وإن كانت الجبال تختلف عن السهول، كانت الطائرة قريبةٌ حدَّ القلق.
لعلّ كان تقليل مدة الهبوط هدفه تقليل تعرضهم لنيران مضادة للطائرات، لكن ذلك رفع خطر أن يهبط الجند هبوطًا فاشلًا فيكسرون أرجلهم.
ومع ذلك فعلوا.
بصقَت طائرة النقل كل المظلات، وبالكاد عبرت القمة، ثم اختفت خلف الجبل.
「ماذا؟ في النهاية، وصل الفرسان!؟」
「هذا ليس من فصيل ساكُيا」 قالت تاكيتسوبو.
ما كانوا ليكونون. قواتُ ساكُيا وإدارتها كانتا أصلاً منتشرتين في أنحاء الجبل. لن يكون بإمكانها استدعاء هذا العدد من التعزيزات.
فإذن، هل أولئك قواتٌ تابعة لعضو آخر من السلالة؟
「هذا بقوة مستحيل」
「شيزوري-ساما!!」
قالوها.
قالتها الخادمات بوضوح.
「اغفري لنا على تأخرنا وتركك في مثل هذه الشدة」
「لكننا ما نسينا القسم أن نكون معك. مهما كان الحال، لن نتخلى عنك أبدًا!!」
كانوا موجودين.
ظنت موغينو شيزوري نفسها أنها المتوحّدة على القمة، لكن كان هناك خدمٌ في قصر الموغينو يدعمونها سرًّا.
اتّسعت عينا فريندا.
「اعغ، ظهورُهم بأعداد كبيرة الآن لن يعني إلا المزيد من القتلى وهم يُنسفون! هل يظنون حقًا أن موغينو في حالها هذا تميّز بين الصديق والعدو!؟」
「وإن يكن؟」 سألت خادمة كلاسيكية بهدوء بينما تفكّ مشابك حزام المظلة.
علّها لم تكن هادئة بهذا القدر من الداخل.
وكان رشاش الـ7.62 ملم العادي في يدها وحشيًا أكثر من اللازم.
「حين سقط صديقي ضحيةَ [سمكةِ قرشٍ أرضي] مخيف وكنت جامدةً لا أدري ما أفعل، كانت سيدتي الشابة شيزوري هي الوحيدة في العالم من منحتني لكمةً قوية احتجتها ساعتها ثم أنقذتني. رغم أن رعايتي وقتها كان يمكن أن يجرّ عائلة الموغينو بأسرها إلى ذلك الصراع. كان موتي محتمًا في ذلك الوقت. لهذا... لا يهمّني ما سيحدث لهذه الحياة الزائدة التي منحتني إياها!!」
ولم تكن وحدها.
وأكثر وأكثر من الخدم ذوو البدلات والخادمات تكلموا.
「لقد قاتَلَت ودَمَّرَت طائفةً استغلّت حرية الدِين وأعادت إلي أموال جدتي」
「كانت الوحيدة التي صدّقت شهادة أخي المدمن على المخدرات وساعدتني على الإمساك بالمجرم الحقيقي. ولا أنسى أن الثقة التي اكتسبها أخي من ذلك ساعدته على فتح صفحة جديدة」
「سبب؟ ولماذا أحتاج سببًا أصلاً؟ عائلة الموغينو منحت تافهًا مثلي بَيْتاً. فأيّ سبب غير هذا أحتاج كي أفديهم بحياتي؟」
ولم يكن هذا مقصورًا على موغينو شيزوري وحدها.
إدارة فصيل ساكُيا وجُندُها بدأوا انقلابًا متهورًا بأوامر من [السلالة]، ومن المرجح أنهم كانوا يحترمون موغينو ساكُيا بعد أن أنقذت كلّ واحد منهم بشكلٍ ما. ولهذا، عندما حلّت الساعة، سلّموا حياتهم لها. بلا أي اعتبار للأخلاق.
لقد تجمّعت [إدارة] الموغينو واتحدت الآن من أجل ساكُيا وشيزوري.
(هذه بداية. لكن في النهاية، هذا لا يكفي لمواجهة ذلك الظلام القاتم)
صكّت فريندا أسنانها.
مهما امتلكوا من مدراء، إن قدرة موغينو شيزوري الميلتداونر كانت طاغيةً غالبة. حتى الجدار الإسمنتي لن يوقفها، لذا فإن الاستراتيجية المعتادة "اختبئ خلف ساتر حتى يتوقف النار" لن تؤدي إلا إلى إبادة جماعية.
بهذه الوتيرة، كل من تجمّع لإيقاف موغينو شيزوري سيُنسف بأشعة الـ#4 نفسها.
「لن أدع ذلك يحدث」 همست فتاة البدلة الوردية.
انفتحت عينا تاكيتسوبو ريكو بصورة غير طبيعية.
「ذلك الرجل مُجِنَياما استطاع أن يتنبأ بتحركاتها، لذا لن أسمح لأحد أن يقول أنني لا أقدر على فعل الشيء نفسه. ذلك الكهل ليس الوحيد الذي يعرف موغينو」
- الجزء 2
「...」
جلس [سوباساكا ميتشيو] صامتًا ووجهه غاطس في الوسادة الهوائية حتى بعد أن بدأت تنكمش.
كانت سيارته الشرطية غير المميّزة متوقفة بعد أن اصطدمت بجانب الجبل.
دعامية السيارة قد تحطّمت بلا شك. وربما انبعجت حجرة المحرك أيضًا. شكّ في أن السيارة ستعود للعمل إذا دوّر المفتاح. لقد جاء إلى كاناغاوا دونَ إذن، وسيُكشف أمره إن اتصل بشاحنة سحب. ومع ذلك فالسيارة المتحطمة مِلكٌ للمدينة ولم يكن بوسعه تركها هنا والرحيل.
وشريكه الجديد كان جالسًا مذهولًا في المقعد المجاور. ومن حسن حظه أنّه ارتدى حزام الأمان. وإلا لربما طار خارجًا عبر الزجاج الأمامي.
「حتى لو اقتطعوا رواتبنا لن تكفي」
كان سوباساكا ميتشيو قد ضاق ذرعًا بكل شيء منذ ظهور المروحيات الهجومية.
ولا واحدًا من الأطراف المشاركة في القتال استثنائيًّا؛ كلهم يقاتلون في الجو، ثم انطلقت أشعة من الضوء فاخترقتهم جميع.
ما الذي أمل في تحقيقه حينما اندفع إلى هنا مسلّحًا بهراوة وأصفاد فقط؟ التهديد أمامه. في متناول اليد. فماذا؟ لماذا ظن نفسه قادرًا على هزيمة المجرم؟ ولماذا لم يفكر في احتمالية أن يَنقلِبَ حالُهُ ويُطَارِدَهُ المُجرم يَفتِكُ حنجرته بفَكّيهِ فَكَّيْ الوحش؟
ربما ما كان عليه أن يحاول أصلا.
حَملُهُ لشارة الشرطة لم يرفع أكثر من موظفٍ حكومي. علّه كان أجدر به أن يكبح ذاك الشعور الغريب بتحقيق العدالة ويكتفي بأداء قدرٍ من العمل يناسب راتبه.
(بئس حالي ما صرت إليه. أكنتَ لتغضب لو رأيت حالي هذا يا هياموغي؟)
وبينما كان يستسلم للندم، أطلّ أحدٌ من خلال نافذة السائق المحطمة.
كان كهلاً يرتدي بدلة إيطالية فاخرة لا تبدو مناسبة أبدًا للتنزه في الجبال.
「عِمتُما صباحًا」
「؟!」
「أنتما من الشرطة، صحيح؟ كنتُ آمل أن تقدّما لي بعض المساعدة. لحفظ السلم، بالتأكيد」
「م-من أنت؟」
「رئيس عائلة الموغينو」
تجمّد نَفَسُ سوباساكا عند سماعه تلك العبارة الثقيلة.
صفعت الخادمة الشابة الواقفـة بجانب الرجل جبينها. على الأرجح لم يكن هذا الكلام من طباع الطبقة الراقية.
「ما الذي يفعله صاحب قمة الهرم وهو يتجول في الخطوط الأمامية؟ أغبيٌّ أنت؟」 تلفظ سوباساكا مذهولا.
「أنا بأمانٍ تام طالما أكون على بُعد 5 سنتيمترات من العدو ما دام لا يدري عني. والعكس، فإنّ أقوى القلاع تحصينًا يمكن أن تُقصف أو تُقتحم في لحظة إن عرف الناس بوجودي. هكذا كان ظلامنا عرفناه. أن تكون متملّصًا ماهرًا في التخفي؛ تلك هي الورقة الرابحة الكبرى في أيدينا」
ابتسم رجل البدلة الإيطالية بمرارة أمام النظرة المذهولة على وجه سوباساكا.
「وكذلك، لم يكن أحدٌ ليتبعنا لو لم نمنحهم شيئًا يطمحون إليه. ساعدني. علينا أن نُري أولئك المتمردات مدى روعة الرجل البالغ المتحضّر」
「قد ساء الوضع أسوء ما يكون لدرجة صرنا نرى الأضواء من مكاننا. فكيف تصلحه الآن؟」
「وأي خيارٍ غير أن نوقف هذه المأساة تمامًا قبل أن تكبر؟」
لم يتردد الرجل لحظة.
قد ذَكّر الرجلُ سوباساكا بهياموغي.
وبطريقة ما، بدا هذا الرجل "شرطيًا" أكثر من سوباساكا ميتشيو نفسه.
「لا أمانع أن يستهدفوني. منصب [الرئيس] ما هو إلا سلسلة من المخاطر. أعني، سببُ سخطِ رؤوس العائلات الكبار هو لأننا لم نُرِد أن نفرض هذا العرش على الجيل التالي الذي أحببناه. ولكن التضحيات العبث هي ما لا أتحمله. سأجعل هاتين الحمقاوين تدفعان ثمن ما سببتاه من ترويع للناس وفوضى ولكل موتٍ ومأساة بعثروها في الأرجاء. أقسم بذلك قسمًا كوني رئيس الموغينو」
「...」
ما الذي حدث؟
لم يكن هذا الحديث وليد اللحظة. ألربما كان الرجل هذا يقاتل وحده منذ زمنٍ طويلٍ طويل، قبل أن يصبح العالم على هذه الشاكلة.
ثم ابتسم رئيس الموغينو.
ابتسامة مثالية، وذلك بالذات ما أبداها غرائبية.
「كذلك مثلي أنت ترى الأمور، ها يا حضرة الضابط؟ لو أنك رضيت بأن تؤدي من العمل ما يكفي لتكسب قوتك، لما تجاوزت حدود المحافظة وقُدت كل هذا الطريق إلى هنا. أهو الواجب؟ ألِتَحمي الناس الطيبين؟ لا. بل الأمر يعود إلى رغبتك في مواجهة كل ما ترفض تقبّله. أنت ترفض الجريمة اللامعقولة وتريد أن تُدفِعَ أولئك الأشرار ثمن إجرامهم. أليس كذلك؟」
...صحيح.
لكن شيئًا ما أزعج سوباساكا.
نعم...
「أتقول إنّ هناك ما هو أكثر من هذا؟ المروحيات المجنونة والأسابر الهائجون وحدهم يكفون من مصيبة. حتى أنه لدي ما يكفي من القصص لأرويها لأطفالي وأحفادي في المستقبل」
「أنت موظف حكومي وهم من مدينة الأكاديمية. سيُلصقون بك أوامر بالسكوت مُزعجة ولن تتمكن من إخبار أحد بشيء. كنتَ تعرف ذلك ولهذا انتهكت القواعد وجئت إلى هنا」
كان صوت رئيس الموغينو هادئًا وهو يدعو سوباساكا، ببساطة تامة، إلى تدمير حياته المهنية.
ثم انخفض صوته إلى همسة.
「نتكلم عن مدينة الأكاديمية. لن يكتفوا بإرسال بضع مروحيات [ثنائية الجناح]. إن لم نقطع الأمر من جذوره، فستصل التعزيزات」
- الجزء 3
لن تموت.
وَقَفَت أمام #4 المدينة الأكاديمية ومع ذلك لن تموت.
لم يفصل بينهما سوى قرابة العشرة أمتار من الفراغ. وفتاة البدلة الرياضية الوردية تاكيتسوبو ريكو قَدَّمت يَمينَ جسدها بخفة.
واكتفت أن ترفع كفها.
شعاعٌ مخيف شقّ الهواء بحرارته، لكنه أخطأها. اقترب منها قربًا مرعبًا، لكن الخطأ يظل خطأ.
الخدم والحشم وكينوهاتا وفريندا، كلٌّ يحبس أنفاسه.
أوكانت ترصد التموجات في حقل انتشار AIM؟ لا.
「ما الأمر يا موغينو؟」
「...」
「أنا الآن أصارع ثورًا. مثلكِ تمامًا」
كانت قد مرّرت يدها على بدلتها الرياضية ثم مدّت كفها نحو موغينو شيزوري.
لم تكن تزيل الأوساخ.
بل نقلت [التربة الداكنة] من ثيابها إلى كفها.
أو بدقّة أكبر، [الرمال الحديدية].
اندفعت بضع أشعة أخرى، لكنها كلها أخطأت تاكيتسوبو ريكو.
「أنتِ تُطلقين الإلكترونات كما هي في شكلها، لا جُسَيمًا ولا مَوْجة. هي قوةٌ مرعبة، لكن الميلتداونر تظلّ في آخر الأمر تتلاعب [بالكهرباء]. وهذا يعني أنها تُنشئ مجالًا مغناطيسيًا」
قد جمعت كل تلك البيانات الدقيقة، وعالجتها في ذهنها، وتنبأت بحركة موغينو شيزوري التالية لحظيًا. لهذا السبب لم تتمكن الهجمات القاتلة من القضاء على فتاة البدلة الرياضية.
「...」
أرسلت تاكيتسوبو إشارة بأصابعها وعينيها نحو فريندا. كان بوسعها التواصل مع شريكيتها النخبة هكذا، لكن الأمر لن يجدي مع الخدم الذين تعرّفت عليهم توًّا. والتواصل الشفهي سيكون أبطئ بكثير؛ معرفة الجواب الصحيح لن يفيد إن لم يصل في وقته—بل سيُعرّضهم للانفجار. لذا ربما الأفضل أن يتراجعوا.
لا، لم تكن تاكيتسوبو الوحيدة من تتنبأ بحركات العدو.
「خ」
عندما رأت فرصة، أخرجت علبة صغيرة من جيبها ورمتها. [بلورة الجسد]. تلك المادة الخاصة التي تجعل قدرة الإسبَرِ تنفلت وتهيج بقصد. لكن موغينو شيزوري أطلقت فورًا شعاعًا كثيفًا أحرق العلبة وفجّرها في الهواء.
「(....الآن لن نقدر على إيقافها بجعل قدرتها تنفلت)」
تاكيتسوبو ريكو وموغينو شيزوري.
هاتان الاثنتان تعرفان بعضهما منذ زمن أطول بكثير من معرفتهما كينوهاتا ساياي أو فُريندا سَيْفِلُن. كانتا تعرفان بعضهما بشكل يفوق الحد.
مواجهتهما لم تكن مثيرة بصريًا.
كل شيء كان محصورًا في نظراتهما، أنفاسهما، شدٍّ واسترخاءٍ طفيف في عضلات الرقبة والكتفين، وفي تبديل القدمين ومراكز الثقل.
من تقرأ الأخرى بدقة تزيد حتى بمقدار مليمتر واحد ستكون هي الفائزة.
و.
هذا كان أفضل أسلوب لإنقاذ موغينو شيزوري.
قالت تاكيتسوبو ريكو بصوت خافت وهي تحدق في الـ#4،
「كل قدرة إسبر في مدينة الأكاديمية تتطلب من صاحبها استخدام دماغه ليرى العالم بمنظورٍ ميكانيكيٍّ كمّي. إن أفقدنا موغينو الوعي فستنتهي خطورة الميلتداونر」
「نُفقدها الوعي؟ كيف!؟ حتى لو تسللنا خلفها وأحكمنا الخنق عليها، فنحتاج إلى عشرات الثواني من الضغط على الشريان السباتي كي نَغشيها. بينما هي تحتاج إلى لحظةٍ واحدة لتُنهينا. لو مدّت يدها إلى الخلف وأطلقت شعاع، صرنا بخار!!」
「إذن اتركي الأمر لي」
تلى ذلك عدة دويّات انفجارية.
سببها البارود. الخادم الشاب الذي يمتطي دراجة نارية كبيرة أطلق الرشاش الثقيل في خصره، لكن ليس صوب موغينو نفسها.
انفجر شيء، وتطايرت بقاياه عاليًا في الهواء.
كان خطًا كهربائيًا عالي الجهد.
حيث اصطف عدد من أبراج الطاقة على منحدر الجبل في مواقع مدروسة حتى لا تُفسد المنظر العام. وعلى الأرجح كانت المنطقة الحارة تحتوي على محطة طاقة حرارية أرضية ومرافق مرتبطة بها إلى جانب منتجعات الينابيع الساخنة.
ولا مجال للمقارنة بين هذا وبين مقبس كهرباء منزلي. فخطوط الكهرباء التي تحمل أكثر من ستين ألف فولت التفّت حول موغينو شيزوري كأسراب من الأفاعي. كانت مدمّرة بالقدر نفسه الذي تكون عليه خطوط القطارات الكهربائية.
「هذا سيكفي」
انفجر شيء صاخب.
لم تنطق موغينو شيزوري بكلمة.
ليس هذا مجرد صاعق كهربائي. الخطوط عالية الجهد تلك تحمل أكثر من ستين ألف فولت. كان من المفترض ألا يُغمى عليها وحسب. بل أن يُمحى جسدها تمامًا. ومع ذلك، وقفت الـ#4 هناك صامتة.
「م—ما؟!」 تمتم باكياكو مذهولا، وقد اتسعت عيناه. 「ل—ولا خدش حتى!!」
「قد قلت، ميلتداونر موغينو تحرق الأشياء عبر التلاعب بالإلكترونات في شكلها كما هي، لا في شكل جُسَيم ولا مَوْجة」
「ب—بقوة تقصدين...؟」
「هي قادرة على التحكم بالكهرباء، لذا لن تفلح معها هجمات الكهرباء」
وَمَضَ ضوءٌ مخيف.
لم يكن مجرد شعاع ميلتداونر هذه المرة.
اهتزّت الأرض تحت أقدامهم برعشة مزعجة تنذر بقدوم زلزال خفيف.
「م—ما هذا؟! في النهاية، ضربُ المنحدر ألن يُسبب انهيارًا أرضي؟」
「لا يبدو الأمر كضغط من تحت الأرض. ولا يشبه زلزالًا اصطناعيًا. بل كأنه... نشاطٌ بركاني؟」
「...」
ساد الصمت بينهم.
ألم تكن هذه منطقة ينابيع حارة؟ هذا يعني احتمال وجود نشاط بركاني، لكن لماذا تَذكُر تاكيتسوبو هذا الآن؟
「قُدرة موغينو لو بَسّطناها هي قدرة على التحكم بالكهرباء」
「لا تقولي...」
「إن كانت تستطيع أيضًا التأثير في الظواهر الطبيعية المرتبطة بالكهرباء، فربما تقدر—على سبيل المثال—توليد قوة مغناطيسية كافية لجرّ الحمم البركانية من أعماق الأرض」
ومع صوت غليان، انشقّت الأرض اللينة، وانطلقت منها مادة شبيهة بالدخان نحو الأعلى.
وأحاط ضوء يشبه وميض الكاميرة بجسد موغينو.
كان الرماد البركاني الدقيق يتصادم في الهواء مولِّدًا كميات هائلة من الكهرباء الساكنة. ولأن تشبه تلك الومضاتُ البرقَ إلى هذا الحد، فلا بد أن الجهد (الفولت) قد بلغ قرابة المليار.
وتلك العاصفة الكهربائية عزّزت قوة موغينو شيزوري.
「تمزحين؟!! ما هذا؟! مُنـ—منذ متى بوسع موغينو أن تمتص الكهرباء لترفع قوتها هذا الحد؟!」
「إنها #4 مدينة الأكاديمية. قد بلغت قمة مجالها في المستوى 5 بقوةٍ غاشمة تَحكُمُ الكهرباءَ دون أن تُعَرّفُه مَوْجةً أو جُسَيما. أحسبتِ حقًا أن كل ما تقدر عليه هو إطلاق المقذوفات؟」
لكن ذلك ليس أكثر ما شغل بال فريندا سيفلن.
「في النهاية، ما مدى هذا؟」
「...」
ليس وأن تاكيتسوبو تجهل الجواب.
بل صمتت... لأن أسوأ إجابة ممكنة خطرت ببالها.
「ماذا لو لم يقتصر الأمر على هذا المكان؟ في النهاية، إن استطاعت إطلاق تفاعلٍ متسلسل عبر عدة براكين نشطة، فقد تُسبب ثورانًا هائلا متزامنا لجبل فوجي وكل البراكين النشطة الأخرى في كانتو!!」
- الجزء 4
كان المحقق سوباساكا وزعيم العصابة على المنحدر على مسافة قصيرة.
ابتسم رجل البدلة الإيطالية أمام نافذة السائق للسيارة المحطمة.
「بالمناسبة، ماذا تعرف الشرطة عن آل موغينو؟」
「اءء...」
「هَهَه. لا تريد أن تقول أمام رب العائلة؟ هُوَ واجبك العام أن تحقق في المجرمين، فلا تخجل. على الأقل، أنا متأكد أنك تعرف عن شركة إنتاج الحبوب التي تُشبِع 1.4 مليار معدة حول العالم. عائلة موغينو متورطة في كل مجال يتعلق بالغذاء」
「نعم، أعرف ذلك. وهذا هو السبب في تمكنكم من تغطية العالم بمطارات ومدارس للرماية تُسمونها "مزارع" في الأوراق الرسمية. وكيف تطورون المخدرات في مختبراتكم الغذائية. وللأسف، ما هذه إلا شائعات أكثر غموضًا من قصة كوشيساكي أونا، فلا توجد أدلة فعليـ—」
「كما ترى، الموغينو استخدمت الغذاء ذريعةً لتزوّر الأوراق الرسمية وتطلق بعض الأقمار الصناعية دون علم الحكومة اليابانية. على الورق، هي أقمار صناعية لدعم الزراعة ومراقبة الطقس مملوكة لشركةٍ واجهة، لكن في الحقيقة، تُستخدم للاتصالات لتُسهل علينا تحريك قواتنا بكفاءة」
اعترف بالحقيقة الصادمة وكأنها لا شيء.
إن كان هذا صحيحًا، فهل يعني ذلك أنهم يمتلكون جيشًا؟
لكن حتى ذلك لم يكن الموضوع الأساسي.
「واحدةً واحدة، بدأنا نفقد السيطرة على تلك الأقمار الصناعية الإجرامية باهظة الثمن ذات الاسم موغينو. ولا يبدو أن في أجزاءها مشكلةً ولا في الاتصالات. هذا يعني أن "شيئًا ما" قد التصق بسطح القمر بعد أن تسلل في صمت الفضاء」
「تمهل، أتُلمّح إلى...؟」
「إنها مركبات مناورات مدارية. أو قل OMV، نعم. كأنها حيلة حاكتها المدينة الأكاديمية، لا؟ هذه أقمار صناعية مزودة بالليزر، لكنهم لم يطلقوا أي من وحداتهم الطاقة الكبيرة والثقيلة. فهذه تحمل الحد الأدنى من العتاد. ولذا يرسلون مسبارًا بذراع رفيع يبدو وكأنه لعبة حتى يلتصق بقمر صناعي آخر، ويسرق منه الكهرباء، ثم يستعد لتشغيل الليزر. وأنا على يقين أن كل من [هيكوبوشي] و [أوريهيمي] مليئان بهذه "المسابير العاملة". هذا سيقلل تكاليف الإطلاق إلى ربما أقل من ألف جزء من قمر صناعي عسكري استراتيجي. وبعد استخدام الليزر، سينسل المسبار ويتنكر على هيئة حطام حتى يحترق في الغلاف الجوي، لذا مهما ظننت أو اشتبهت، فلن يبقى دليل مادي حاسم」
ولا يمكن أن يتوضح أكثر مَنْ سوف تستهدف المدينة الأكاديمية على الأرض.
هم يريدون إنهاء هذه الحادثة بالكامل في أسرع وقت ممكن.
لذا سيهطلون قريبًا مطرًا متوهجًا على كامل المنطقة الجبلية. لن يبقى شيء البتة. فقط سجلات ناقصة للدمار الغريب والكامل، مثل حدث تُنقسكا. والقطع الباقية ستكون بعيدة جدًا عن الحقيقة بحيث ستبدو أشبه بقصة أشباح أكثر من حقيقة.
「إنهم يتخذون إجراءات جريئة. أتصور أن تدمير مروحيتهم الحلوة كانت الشرارة، لكنني ما توقعت أن يتخلوا عن الرقم 4. والآن يبدو أن حفيدتي العزيزة تعرضت للرفض. وبما أن الموتى لا يَروُون الحكايات، فمن المرجح أن يُلقى لَومُ الهجوم الليزري الوحشي على قوتها الإسبر التي ثارت」
「لن أدع ذلك يحدث. قد يكون المكان منتجعًا مهجورًا في الجبال، لكن ما تزال هناك بعض المنازل المأهولة!」
استحضر سوباساكا صديقه من الطفولة الذي ذهب إلى مدينة الأكاديمية ولم يعد.
هياموغي.
حتى الآن، كان سوباساكا يظن أنه اختفى في ظلال التاريخ كضحية مسكينة.
كان يظن أن هياموغي قد سُحق قبل أن يُسبب أي متاعب للمدينة.
لكن ذلك لم يكن الاحتمال الوحيد.
لعلّ هياموغي نفسه قد أصبح وحشًا استثنائيًا مثل تلك التي هناك.
فماذا لو كان الأمر كذلك؟
أفيكون عندئذٍ ميئوسًا من الخلاص؟
الجواب كان لا.
「إذن تلك... الرقم 4، قُلت؟ إن كانت إسبرة، فهذا يعني أنها مراهقة في المتوسطة أو الثانوية، صحيح؟! أنا ضابط شرطة. اخترت هذا الطريق بنفسي! لن أسمح لها بالموت بسبب هراء الكبار السخيف هذا!!」
「...نعم」
ابتسم الرجل الكبير.
بابتسامةٍ مثالية كما كانت دائمًا، لكن ثمة اختلافًا خافتًا هذه المرة.
لا بد أن ذلك قد لامس شيئًا في قلبه.
「بهذا اتفقنا، إذن أود الانتقال إلى التفاصيل، لكن... هل في يدك أن تستخدم سُلطة شرطة اليابان لتوقف المدينة الأكاديمية فورًا؟」
「...」
「كما ظننت. حتى قوة عائلة الموغينو لن تستطيع ذلك. لن نفوز. لذا أرغب في أن نتعاون معًا لنتجاوز تهديد الليزر الطفيلي ذاك. معي؟」
「لن أساعد منظمة إجرامية، لكن ماذا كنتَ تأمل أن يفعل محقق شرطة مثلي؟」
「كل ما عليك أن ترفع رأسك عاليًا وتؤدي واجبك」
قالها وكأنها لا تُكلِّف شيئًا.
عائلة موغينو تمتلك نحو مئة ألف جندي حول العالم. ورئيس تلك العصابة العالمية كان يتحدث الآن.
مبتسمًا.
「اقبض عليّ」
- الجزء 5
ضربة واحدة فقط تكفيهم.
ضربة واحدة مباشرة ستطيح بالوحش المُسَمّى موغينو شيزوري وتسقطه أرضًا.
دفع الخدم بقوة مدفعًا مضادًا للطائرات لم يكن له سوى عجَلَتَين من أجل ضبط زاويته.
كان العيار مذهلًا، 8.8 سم.
يبدو أن السلاح كان تحفةً من تُحف رئيس العائلة العسكرية. الإبقاء عليه صالحًا للاستخدام يُعَد مخالفة خطيرة للقانون.
「على هذا القرب، سنستغني عن إجراءات التحضير. استعدوا لتحميل القذيفة الأولى! استخدموا رأسًا حربيًا مُتفجّرا—يسبب جدارًا ترابي. فالشظايا المتناثرة ستصطدم بشيزوري-ساما وتفقدها الوعي!!!」
المدفع المضاد للطائرات كان مغطى بالكامل بدروع سميكة، لكنها صُممت في الأصل لصد قذائف العدو عند مهاجمة هدف أرضي ولحماية طاقم المدفع إن انفجرت قذيفة أسرع مما هو متوقع. بمعنى آخر، كانت سميكة بما يكفي لاحتواء الانفجار ذاته.
「آآآآااااااااهه!! ت-تهرّبوا!!」
لكنها لم تفيد.
شَطَرَ هجومٌ حارقٌ الدرعَ قطريًا، وبعد لحظة، انفجرت القذيفة التي لا تزال داخل المدفع.
لو لم يقفز الخدم إلى الأرض قبل الثانية الأخيرة لَتَفَجَّروا معها.
「يا أغبياء!! في النهاية، مواجهة موغينو مباشرة في الهجوم أو الدفاع لهو انتحار! ما تحتاجونه هو الحركة!! استمروا في الحركة... واستمروا في التفادي!!!」
ما إن صرخت فريندا، قُطِعت القذيفة الثقيلة المعلقة على مروحية نقل أمريكية بالميلتداونر.
وعندما حاولت المروحية الهروب على عجل، تبعها هجومٌ لاحق.
اشتبكت النيران فجأة في الغابة الجبلية.
لو لم تهرب المروحية إلى الجانب الآخر من الجبل الحاد لانفجرت أيضًا.
لمحت فريندا شيئًا جَفَّف حلقها.
ذلك الدانتيل المزخرف كان من فستان ساكُيا.
كانت في حالة ذهول بينما بعض الخادمات يجرونها بعيدًا.
هل رميها النار على مُجِنَياما قد فعل ذلك بها؟ كم من الحب والكراهية دارَ في داخلها؟
كان الأمر أقرب إلى تحفيز للجنود منه إلى إنقاذ ساكيا.
ولكن مع هذا، انتهى كل شيء بمجرد أن تلاحظ موغينو شيزوري. فسوف تخترق وابل من الميلتداونرات أي درع كان أمامها.
وقت التحرك حان.
「أووووووووووووووووووه!!」
كان الخادم [باكياكو] يحافظ على حركة دراجته النارية الكبيرة بينما يُوَجّه رشاشه الثقيل نحو موغينو شيزوري. لم يُصِب أيَّ ضربات مباشرة. الضوء في يدها دار مكوّنًا درعًا ضخمًا متوهجًا. لكن بدون وابل الرصاص، سترجع موغينو حُرّة في التحرك. وبدون ذلك، الخدم والخادمات الذين يحمون ساكُيا كانوا ليتبخرون منذ زمن.
الهجوم الحقيقي كان قادمًا من شخص آخر.
كان [أوغيغومو] يطلق النار مرارًا ببندقتي الننشاكو. ارتفع شيء يشبه الدخان الأبيض من حيث أصابت الرصاصات. ولم يبدو أنه استخدم رصاصات غير قاتلة مصنوعة من الملح أو الطحين.
تأوّه الخادم الشاب.
「ح-حتى أول أكسيد الكربون لم ينفع!؟」
「آعغ، يا مبتدئ المتفجرات! هذا يكون سامًّا فقط بسبب نقص الاحتراق! إذا أحرقتها أشعة موغينو تمامًا وبالكامل، سيتحول إلى ثاني أكسيد الكربون غير الضار!!」
دوّى ارتطامٌ خافتٌ تَقّ!!
بينما يحمل رشاشه الثقيل على وركه ويرش رصاصات عيار 12.7 مم، جُرَّ باكياكو ودراجته جانبًا وانهارا. لقد استخدمت موغينو شيزوري جسدها بالكامل كزنبرك لتصطدم بالدراجة النارية. صدمتها بساقيها من اللحم والدم.
صعدت فوقه ورفعت كلتا يديها.
انضغط الضوء بين يديها حتى أطلق وهجًا شريرًا.
「تشه. يليل حيل منها!!」
ركلت كينوهاتا ساياي صخرة قريبة، التقطتها في الهواء، ثم رمتها ككرة بيسبول.
اصطدمت بمنبع الضوء قبيل إطلاقه وانفجرت.
يبدو أن قوتها هي الشيء الوحيد الذي لا تستطيع موغينو إيقافها. وبعد أن قُذفت عن الخادم، نهضت موغينو بصمت.
حدقت في كينوهاتا، تنظر إليها عَدُوًّا.
「أه」
انحبس نَفَسُ كينوهاتا.
واضحٌ أن موغينو قد ثبتت عينيها عليها. وبحكم خبرتها المحترفة في الجانب المظلم، أدركت أنه لا نجاة لها من الهجوم التالي.
توقعات تاكيتسوبو ريكو لم تكن كافية.
「أحسنت يا فتاة في كسب الوقت!」 صاحت خادمة المُلوتوف. 「فَجِّر!!」
انشقت الأرض.
بدأ الشق من نقطةٍ ثم تفرّع كشبكة العنكبوت، مثل زجاج نافذة اخترقتها رصاصة.
على مدى عدة كيلومترات تحطَّم ميدان المعركة. وفي غضون ثوانٍ قليلة فقط امتدت خنادق بعمق مترين أو ثلاثة على شكل شبكة عنكبوتية مكوّنةً تصميمًا غريبًا من خطوط مستقيمة لا حصر لها تتشعب في مختلف الاتجاهات. بمعنى آخر، صارت متاهة محفورة تحت الأرض بعدة أمتار.
أصبح بإمكانهم الآن الهرب إلى ما دون الـ0م—أي إلى باطن الأرض.
لوّحت خادمة المُلوتوف، هاناغاي، بيدها نحوهم وتصرخ.
「أسرعوا!!」
كان أفضل من لا شيء.
قفزت فريندا والآخرون برؤوسهم إلى داخل الفتحة الأرضية، متفادين بالكاد الأشعة القاتلة.
「بقوة كيف قدرتِ على هذا؟」
「أما لاحظتِ كيف أن كل فيلا في هذا المنتجع الحار تستجلب مياه الينابيع مع أنه لا يوجد نهر لتصريف تلك المياه؟」
كانت خادمة المُلوتوف قريبة، فأجابت مطيعة.
وبما أنهم منظمة إجرامية، فقد كان بعض الخدم والخادمات يدخنون سعيا للنيكوتين أو يتناقلون زجاجة صغيرة من البراندي بينهم. وبغض النظر عن تأثير ذلك على وعيهم، فإن الرائحة وحدها تكفي لفضح وجودهم—ومع ذلك تجاهلوا هذه الحقيقة تمامًا.
جلست فريندا في الخندق المرتجل ونظرت إلى السماء. كانت تموت شوقًا لعلبة إسقمري.
「آه. في النهاية، هذا كان مجرى تصريف لماء الينابيع」
「لقد بنوا قنوات مائية خاصة تحت الأرض حتى يتخلصوا من المياه. وكانت ممتدة كشبكة عنكبوت. لم أحتج أن أزعج نفسي حتى بتفجيرٍ ممتدٍ يتطلب زرع متفجرات لمسافات طويلة. كل ما فعلته هو أنني أدخلت بعض مسحوق الفحم تحت الأرض ونفخته بمروحة. لا بد أن الطول الكلي يزيد عن 100 كيلومتر، وبعد ذلك كان علي فقط تفجير أحد تلك الانفجارات الغبارية التي يعشقها محبو التفجيرات」
「همم؟ بقوة ليه ما يستخدمون المجاري العادية؟」
「كينوهاتا. في مياه الينابيع الكثير من المواد الذائبة المفيدة، لذا إرسالها إلى شبكة الصرف الصحي سيُقصر عمر البنية التحتية. تحتاجين إلى نظام تصريف خاص لمياه الينابيع مصنوع من مواد لا تتدهور」
مرَّ شعاع رهيب فوق رؤوسهم، قاطعًا أي حديثٍ إضافي.
وسكت الجميع.
「...」
لقد فرّوا من منطقة الموت الفوري في السطح المكشوف، لكن الجدران هنا لم تكن سوى تراب. إن بقوا في المكان نفسه طويلًا فسوف يُرصَدون فتخترقهم الميلتداونر. لكن مجرد وجود عائق يحجب رؤية موغينو شيزوري لهو مفيدٌ للغاية.
همست فريندا بسؤال وهي تتحرك باستمرار عبر الخنادق المتفرعة حتى لا تصير هدفًا ثابتًا.
「(في النهاية، ماذا نفعل؟)」
「(إن تراجعنا، تقتلنا موغينو بأشعتها. أفضل فرصة لنا هي أن نقترب دون أن تنتبه.)」
لحسن الحظ كانت الأرض مغطاة بشبكة من الخنادق بعمق مترين إلى ثلاثة. فلابد أنّ هناك مسارًا يؤدي مباشرةً إلى موقع موغينو.
إن انتظروا طويلًا، قد تقفز موغينو بنفسها إلى داخل الخنادق. ثم أُطلِقت عدة أشعة متتالية بسرعة.
لسببٍ ما، كانت هجمات الميلتداونر موجهة نحو السماء وليس نحو الأرض.
وتلتها عدة انفجارات.
「ذلك كان... صاروخًا مجنَّحًا (كروز) أطلقته قاذفة. جسد شيزوري-ساما ليس أصلب من جسد إنسانٍ عادي، لذا أمامَ نصف طنّ من المتفجرات يسقط عليها دفعةً وراء دفعة، أرى أنها مضطرة أن تعطي الأولوية لتلك」 همست خادمة المُلوتوف هاناغاي وهي رابضة داخل الخندق الترابي.
كانت تلك الأسلحة التكتيكية مخصصة للإطلاق من خارج نطاق الاعتراض لمسح حصون أو أساطيل كاملة، لكن إطلاق عدة منها هنا لن يشتري لهم سوى بعض الوقت.
(صواريخ كروز لن تفلح وموغينو قادرة على إحراق الغازات أو الجراثيم لتُعطّلها. إف. في النهاية، أتلك الفتاة الوحش لوحدها قادرة على إيقاف كل الأسلحة؟!)
حبست فريندا والآخرون أنفاسهم بينما يتقدمون داخل الخنادق المستقيمة.
لو لاحظتهم موغينو لانتهى كل شيء. في الحقيقة، نتيجة هجوم مفاجئ تعتمد غالبًا على ما يفعله العدو نفسه.
سألت الفتاة الشقراء، بصوت منخفض.
「يا خادمة المُلوتوف، في النهاية، ماذا عندك؟」
「ربما أفجّر انفجارًا ارتجاجيًا حتى أُفقِدَ وعي شيزوري-ساما؟ إذا أصابت موجة صادمة—بلا شظايا—جمجمتها عن قرب، سَيُصيبها ارتجاج」
「في النهاية، إما ذلك أو نستخدم اهتزازات عنيفة تدمر خلايا الدم الحمراء وتمنع الدم من حمل الأكسجين، نسبب بذلك فقرًا دماغي」
تبادلت المفجّرتان نظرة تفاهم.
إن استخدمتا طريقتين مختلفتين، فالهجوم المتزامن سيكون الأكثر فاعلية.
صواريخ كروز تشكل تهديدًا، لكن تلك ليست بورقة رابحة تمتلكها قوة غير عسكرية. صعوبة الحصول عليها تعني أن مخزونها محدود. حتى آل موغينو العظيمة لا يمكنها إطلاقها إلى الأبد.
ستكون معجزة إن اقتربوا من موقع الـ#4.
كم سلاحًا تكتيكيًا—وربما استراتيجيًا—يُهدر في هذه اللحظات فقط لتأتيهم هذه الفرصة الواحدة؟
أخرجت فريندا و هاناغاي كل منهما عبوة ناسفة من تحت التنورة.
「ثلاثة...」
فريندا خائفة.
كانت كذلك، لكن ما الذعر إلا مُضيّعٌ الفرصة.
「اثنان」
ابتلعت فريندا ريقها، وغرزت أصابع قدميها في جدار التراب الطري بجانب خادمة المُلوتوف، واستعدت للقفز من الخندق الذي عمقه متران إلى ثلاثة.
لم يفصلهم عن موغينو سوى بضعة أمتار.
「واحد」
طار شيء فوق الرؤوس.
قبل أن يلقوا أي شيء.
تألقت أشعة الشمس وهي تعكس ظِلَّ... بطاقة؟ لا، أوكان شبه موصل من قلب مروحية هجومية بلا طيار من طراز [ثنائية الجناح]؟
「انتبهوا،」 حذّرت تاكيتسوبو ريكو.
صدم شعاع ميلتداونر اللوحة الدائرية المتطايرة بقوة.
ومن البطاقة تَفَرَّع الشعاع وتشتت في كل الاتجاهات مثل ضوء كرة الديسكو.
بعد أن أصاب شبه الموصل في الهواء، هطلت عاصفة من الضوء.
"انفجار هوائي"، هو ما جاء إلى ذهن فريندا.
الاختباء في الخندق لم يعد مجديًا الآن.
「آآآآآآاااااااااااااااااااااهه!!؟」
صرخت ودفعت بجسدها تتدحرج.
سَرَ ألَمٌ شديدٌ عبر خدها الأيمن.
انسكبت بضع قطرات من التراب المذاب إلى برتقالي متوهج وربما تطايرت عليها.
ميلتداونر.
ضربة مباشرة منها كانت لتقطع الفتاة الشقراء نصفين ولن تشعر بأي ألم. وما كان بالهجوم الذي يمكن تفاديه بردة فعل سريعة.
لكن ما عسى فريندا أن تفرح لنجاتها.
ارتفع مستوى التهديد.
「تَ-تَشَتَّتَ الشُعاع!؟」
نعم.
زادت كثافة الأشعة المملوءة في الفضاء فوق رؤوسهم بسرعة. كلُّ من يقف على السطح سيُفنى كاملا دون أي مجال للتفادي. حتى صواريخ كروز القادمة من السماء لن تستطيع التسلل خلال هذا الوابل.
كانت هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها موغينو ذلك الانفجار الجوي للهجوم على الخندق العميق من الأعلى، فهل استصعب عليها التصويب؟
لكنها ستُضبط القِيَم المختلفة في الرميات القادمة. فهي تستطيع إسقاط الصواريخ المجنحة بدقة متناهية، ولن يأخذها الأمر طويلًا.
كان على فريندا والآخرين إعادة التفكير.
الآن، صار جزء من جدران الأرضية والخندق المستقيم برتقاليًا ومغليًا. كانت تلك البقع صغيرة الحجم مثل البرك الآن، لكن إذا أطلقت موغينو مزيدًا من الأشعة، سيتحول كامل الأرض الآمنة على شكل المتاهة إلى خندق متوهج مليء بالزجاج المصهور.
「ثنائية الجناح،」 قالت فتاة البدلة.
رغم الوضع، وضعت تاكيتسوبو ريكو يديها على حافة الخندق المستقيم وأخرجت رأسها لتلقي نظرة نحو الأدغال القريبة بدلا من السماء.
「ذلك الشبه موصل الخاص بإحدى المروحيات الهجومية المحطمة تَسَبَّب صُدفةً في نوع من التفاعل مع كهرباء ميلتداونر لموغينو」
「ت-ت-تمزحين صح؟ كيف لشَيْ مثل هذا بقوة يكون في صالحها؟」
「ليست صدفة. قوة موغينو يُمكن أن تستخدم لأكثر من مجرد الهجوم. أظنها مرة قالت أنها كانت تساعد في البحث والتطوير لذكاء اصطناعي جديد وحواسيب كمومية. في النهاية، إذا كانت [دوائر هول الكمومية] المتكاملة كبيرة الحجم المستخدمة في [ثنائية الجناح] من منتجات موغينو الجديدة، فليس من المستغرب أن تتداخل مع بعض!!」
كان سبعة المستوى 5 يُستَخدَمون في البحث لكسب ثروات هائلة في مجالات متعددة.
وتلك نظرة مشمئزة وحقيقية على كيفية عمل مدينة الأكاديمية.
استخدمها بشكل صحيح، ولربما تؤثر على قدرة الـ#4 الإسبرية، لكن البيانات المتوفرة كانت قليلة شحيحة. ولم تُظهر تَوجيهًا كافيا لإعادة الأشعة إليها.
هل سيُخترقون بأشعة مستقيمة، أم يُثقب جسدهم بعاصفة الأشعة التشتتية؟
عندما يَترُك لك خيارات الموت فقط، فما لك أن توصفهُ وصفَ "السلاح" بالمعنى التقليدي. إنما هم اكتشفوا بطاقةً أخرى تُضاف إلى مجموعة موغينو القاسية والوحشية.
انحنت تاكيتسوبو إلى أسفل مرة أخرى في الخندق المتضرر وهمست بلا تعبير.
「لكن هذا لا يمكن أن يكون ممتعًا لموغينو أيضًا」
「في النهاية، هل فاتتني تفصيلة مفاجأة سارة؟ تَو الوقت مبكر على زيارة ماما نويل أم فستان قصير」
「هل نسيتِ يا فريندا؟ موغينو تستخدم ميلتداونر فائِقَ فائِقَ القوة بطريقة لم تخطط لها حتى」
「بقوة ما تقصـ-」
توقفت كينوهاتا.
بعد أن سمعت صريرا.
مثل قطرات ماء على مقلاة ساخنة. كانت تلك حروقًا. جسد موغينو شيزوري نفسه لا يمكنه تحمل الشعاع السميك الذي تطلقه.
بهذا المعدل، ستتقشر بشرتها، وسيغلي لحمها وعظمها، وقد تحرق قوتها نفسها.
「...」
سكت الجميع.
إذا كان كل ما يريدونه هو هزيمة موغينو شيزوري، فقد يكون عدم فعل أي شيء خيارًا. من له أن يحدد كم من الخدم سيُقتل في العملية؟ لكن الأمر سينتهي بعد أن تحترق موغينو بالكامل قبل أن يموت آخرهم.
رفعت فريندا الموحلة رأسها نحو السماء.
لسبب ما، كانت تبتسم.
「آهخ. في النهاية، كل هذا التعب لأجلها」
「لكن عيوبها هي حَلَى مُوغينو،」 أضافت تاكيتسوبو.
مع ذلك، لم يكن هذا هو السبيل الذي اختاره آيتم للفوز.
ماذا يعني الفوز؟
بعد تفكيرٍ قليل، أضافوا شرطَ فوزٍ جديد.
صارت معركتهم ضد الوحش المنيع محددًّا بالزمن.
- الجزء 6
لم يكن بالإمكان هزيمة موغينو شيزوري بالوسائل العادية.
كانت الأرض تهتز غير منتظمة. ويبدو أن كل هذا قد شكّل صدمةً للبُركان النشط في منطقة الينابيع الحارة.
كانت خطة مدينة الأكاديمية لحلّ هذه المشكلة هي نسف كامل المنطقة الجبلية بأشعة الليزر تُطلق من مدارٍ صناعي.
ومع ذلك...
「أ-أهذا وقتها؟」
「افعلها وكفى!!」
كانت السيارة الشرطية غير المعلَّمة قد اصطدمت بمنحدر الجبل، لكنّ جهاز الاتصال اللاسلكي فيها لا يزال يعمل.
ضغط المحقّق سوباساكا على الزر وأمسك بالميكروفون.
「أطلب الدعم من شرطة مُحافظة كاناغاوا!! لقد ألقيتُ القبض على رئيس الموغينو متلبسًا! أخيرًا سَنُصفي الحساب معه. أريد نقله من هنا قبل أن تستعيده قواته. أحتاج إلى دعم حالًا!!」
لكن ماذا سيحقّقه هذا؟
ما كان سوباساكا ميتشيو يعرف ماذا يفعل غير التمسّك بالميكروفون، بينما بدا رجل البدلة الإيطالية مستمتعًا بما يجري.
「هذا يفي الغرض」
「يفي ماذا؟」
「هناك وغدٌ نذلٌ منحرف يعشق مراقبة المجتمع البشري من برجه العاجي العلمي... وهو على وشك أن ينضم إلى الحفلة」
وقد تبيّن صدق نبوءة هذا التعليق العابر.
فقد جاءَ صوتٌ من جهاز الشرطة اللاسلكي، لصاحبٍ من الواضح أنه ليس من الشرطة.
『أوتدرك ما تفعل؟』
علِقَ الصنّار.
والمواجهة مع اسمٍ أكبر بكثير قد ابتدأت.
「هوه؟ وكيف لمُرَبٍّ نبيلٍ شهمٍ مثلكَ أن يَهتمَّ بمصير مجرمٍ قذر؟ إنّ آل موغينو شركة إنتاج حبوب غذائية تُطعم 1.4 مليار بطن حول العالم، ولكننا فشلنا في إيجاد موطئ قدم داخل مدينة الأكاديمية بفضل منشآتكم الزراعية ولحومكم المستنسخة. لذلك، سواء مِتُّ أم عشتُ فليس ذلك من شأنك يا سيادة رئيس مجلس الإدارة」
『...』
لم يكن هذا سكرتيرًا ولا ذكاءً اصطناعيًّا ولا حتى أحد أعضاء مجلس الإدارة الاثني عشر.
لقد تدخّل شخصيًّا.
لقد حدث الأمر في اللحظة الأخيرة تمامًا، ومع ذلك لم يسع سوباساكا إلا أن اعتبر نفسه محظوظًا.
ويا له من حظّ مقيت.
لكنه في مهنته "عامِلٌ" ضروري، وإلّا فالموت الوحشي ينتظرك.
「ولكن مع الإمعان، لعل الأمر يخصك فعلًا. فإن أصابعنا نحن تمتدّ إلى كل ما يتعلق بالغذاء. مثلًا، قطاع الحلويات: الكريب والفطائر — ومثلها مثلها. أفسَتَجِدُ نفسك في مشكلةٍ حتى في تلك المجالات؟」
أيُمازحه هذا الكهل؟ اتّسعت عينا سوباساكا، لكن ما فاجأه أكثر هو أنّ الردّ من الجهاز اللاسلكي جاء جادًّا تمامًا.
『إذن كانت مقصودةً منكم』
「هذا صحيح يا كبير العلوم. وخذ مثالاً آخر، الشعير والقمح」
ابتسم رجل البدلة الإيطالية.
ثم سادَ الصقيع في الجو.
「لا يُهدَرُ الطعام. حتى الطفل يعلم أنّ هذا ذنب. والشعير مكوّنٌ أساسٌ في صناعة المالت」
『...』
「المالت يشتهر بأنه أساس الجعة، لكن استخداماته لا تقف عند ذلك. لكن أحسبك تعلم بذلك، لا؟ المالت مُصنّعٌ كيميائي طبيعي. وهو عنصرٌ بالغ الأهمية لإجراء التعديلات الدقيقة اللازمة في الأوساط الزرعية لصناعة الأجار والجيلاتين」
الزراعة الميكروبية طريقةٌ تمكّن البشر من تنمية كائنات حيّة لأجل مصالحهم.
تلك المواد جزءٌ لا ينفصم عن صناعات الغذاء والصحة.
「الأغار النباتي والجيلاتين الحيواني... أليست هذه أطعمة؟ أوه؟ وأليس الجلوكوز والملح عنصرين ضروريَّين في الأبحاث البيولوجية؟ إيه، انظر في هذا. يبدو أن التشابهات في مجال عملنا أكثر مما ظننتُ」
『مدينة الأكاديمية قادرة على إنتاج وتنمية جميع أشكال الطعام داخل منشآتنا الزراعية الضخمة. وبكميات كبيرة』
「هاهاها. ربما، لكن سعر الوحدة يختلف اختلافًا كبيرًا تبعًا لكونها مخصّصة للطعام أم للأبحاث. فمواد الأبحاث تُحافظ دائمًا على سعر بخس لأنها لا تحتاج لقيمة مضافة. فكم تمثّل تلك الكمية من إجمالي إنتاجكم؟ إذا وجّهتم كل ذلك إلى مختبراتكم، ستبدأ أعمال الغذاء في مدينة الأكاديمية بالانهيار واحدة تلو الأخرى. قد تغطّون ذلك بالأوراق والبيانات، لكن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها」
كانت مدينة الأكاديمية تتمتّع بالاكتفاء الذاتي بنسبة تقارب 100% بفضل منشآتها الزراعية ولحومها المستنسخة.
هذا الحد صحيح.
ولكن...
「مدينة الأكاديمية مهووسة جدًا بنسبة الاكتفاء الذاتي على الورق. الناس لا يأكلون الأرقام. التركيز الزائد على ذلك يؤخّركم عن ضمان وجود طعام حقيقي على الموائد. ضربكم بمكوّنات أخرى سيكون مزعجًا حتى أنني سأشفِقُ على أُناسِكُم، لذا سأكتفي الآن بذكر القمح والشعير. الغراء، الأدوات الفنية، المنتجات المختمرة مثل البنسلين والستربتومايسين، واللوازم التقنية العالية للمختبرات. في الواقع، ألستم في مدينة الأكاديمية تعتمدون اعتمادًا كبيرًا على المالت والأغار؟」
بالطبع، كانت مدينة الأكاديمية تتلقى الدعم من جهات دولية حول العالم — ما يُعرف بـ"المؤسسات التعاونية" — لذا لا يمكن لآل موغينو تلويثهم بشكل مباشر كهذا.
ولكنَّ...
「إذن فهل تعتمدون على المناطق الكبرى المنتجة للحبوب، مثل فرنسا وأستراليا؟ تظنون أنكم بخير بفضل تلك المؤسسات التعاونية؟ ...هيّا عنك. نحن الموغينو. هل اعتقدتم حقًّا أن أحدًا يمكنه التفوّق علينا في مجال القمح؟ نحن نسيطر على 1.4 مليار معدة في العالم، ولدينا على الأقل نفوذٌ على طاولات عشاء الناس جميعًا. إذا مارَسَت أقوى شركة حبوب في العالم الضغط، فلن يهمّ كونكم مدينة الأكاديمية أو امتلاككم لمؤسسات تعاونية. أتُراكم تجدون أي قمح أو شعير؟ ولو حبّة واحدة؟」
بَدَا الهواء يشتد.
حَبَس سوباساكا أنفاسه وهو يصغي فحسب، بينما بدا رئيس الموغينو مستمتعًا.
أوكان من أولئك الذين يحوّلون الإثارة إلى قوة؟
「ستكون في مصيبة إن فقدت المالت وغيره من المكوّنات، أليس كذلك؟ وكذلك الأغار والجيلاتين. وكذلك السكر والملح. سيصيب الشلل تطوير الأسابر البشر لديكم ومعظم أيّ بحث يحمل كلمة "حيوي" فيه. ولكن إذا اعتُقِلَ رئيس الموغينو واتُهم بأنه زعيم عصابة، فسيغرق اقتصاد الغذاء العالمي في فوضى. وقد ينتهي الأمر بشبكة إمداد القمح والشعير إلى أزمة أيضًا. أزمة كبرى」
ولنكرر؛ لم تكن مدينة الأكاديمية وآل موغينو تتاجران مباشرةً فيما بينهما.
لكنّ إمدادات الغذاء ليست مسألة بسيطة. فإذا لم تتوفر كمية كافية من الغذاء في منطقة ما، فقد يتسبب ذلك في سلسلة من النقائص المتتابعة. وعندما يُتوقع حدوث نقص، يبدأ الناس بتخزين الطعام وبيعه بأرباح مضاعفة. وسينتهي الأمر بتلك الفوضى إلى ابتلاع مدينة الأكاديمية ومؤسساتها التعاونية، فتتفاقم هي بنفسها بالفوضى.
لذا حتى دون علاقة مباشرة، كانت هناك طرق لممارسة الضغط على مدينة الأكاديمية.
لكن الأمر يتطلب الفعل.
لم يكن الأمر يتعلّق بجودة الأسلحة ولا بعدد الجنود. كان هذا هو الورقة الرابحة الأولى والأخيرة المتاحة لآل موغينو بوصفها شركة عالمية لإنتاج الحبوب. كان هذا شكلًا جديدًا من استخدامِ الطعامِ استخدامِ السلاح.
「أتريدني أن أهرب؟」 سأل رئيس الموغينو.
وتابع زعيم العصابة كلامه مع الحبل ملتفٍّ حول عنقه.
「إذن فكّر وتمعن」
ولكن...
...
...
...
توقّفت تيارات الهواء بوضوح. حتى سوباساكا استطاع أن يشعر بالتوتّر العظيم.
لا بد أنّ هذه كانت مقامرة لعائلة الموغينو.
رهان ضخم يضع حياته وثروته على المحك.
إنما تمكنوا من البقاء كل هذا الوقت رغم شبهاتهم الواضحة لأن تلك الشركة المنتجة للحبوب التي تُشبع 1.4 مليار معدة كانت ذات قيمة كبرى للجهات التي تحكم العالم.
والتهديد بطبيعة الحال يفرض إعادة حسابٍ للمخاطر والعوائد.
إذا قرّر حاكم مدينة الأكاديمية أن المدينة لا تحتاج آل موغينو، فسيكون العقاب سريعًا. فالسلاح الليزري، المثبَّت طفيليًّا على قمرٍ صناعي تابعٍ لجهة أخرى، سيُطلق موتًا متوهجًا ويخلق حفرة عملاقة في جبال كاناغاوا. كل ما بناه رئيس موغينو، والعدالة والمنطق اللذان يؤمن بهما سوباساكا، ستتبعثر كأوراقٍ في مهبّ الريح.
ومما لا حاجة لذكره، إنّ مدينة الأكاديمية قادرة.
إذا عادَيْتها، فسيُفكَّك كيانك من الداخل والخارج.
وليس في هذا أي مبالغة.
فالسبب وراء فشل الشرطة وقوّات الدفاع الذاتي اليابانية وسائر الأنظمة الأساسية التي يعرفها حتى الأطفال في القيام بواجبها هو أنّ "أحدا" رأى أن المخاطرة أكبر من الفائدة. كان قرارًا قاسيًا باردا، لكنه — من منظور "الصواب والخطأ" — كان على الأرجح محسوبًا بدقة.
لكن هذا الرجل اختار أن يخوض المخاطرة.
واجه قائد المدينة مباشرة دون خدع.
كانت هذه فعلًا مقامرة من النوع الذي لا يمكن للحكومات أو الجهات الرسمية خوضها. اقتناص فرصة هجومية مع تعريض الحياة للموت؛ هذا مجال زعماء العصابات المظلمين.
الخمسة ثوانٍ التي مرّت كانت مؤلمةً مُحنقة.
فهل كانت طويلةً أم قصيرة لرئيس مجلس مدينة الأكاديمية؟
ثم جاءهم الجواب.
『لِــيَــكُن』
كلمةٌ توجز.
بهذا، خيّم الصمت على لاسلكي الشرطة.
حرّك سوباساكا نظرات مرعوبة بين الجهاز ووجه رئيس الموغينو.
「هـ-هيه. ماذا يعني ذلك؟ فسّرها بنعم أو لا!!」
「دعني أخبرك بقاعدة من قواعد العالم المظلم. إن كنت تنوي القتلَ، فلا تكلّف نفسك بالكلام أصلًا. جثةٌ كريهة لا تستحق الحديث، شدّ زنادك بصمت وأنهي. (أنا أعرف لأنني فعلتها كثيرا من المرات)」
أفيعني هذا أنهم نجوا بالكاد؟
بجلد لُثّتهم؟
「هذا نجاحٌ مرةٌ في العمر. فهو الآن بات مدركا لوجود خلل في سلسلة الإمداد العالمية وسيعمل قريبًا على إعادة صياغة طرقها وسدّ ثغراتها. مع حملة علاقات عامة طبعًا. لقد حرقتُ ورقة آل موغينو الرابحة — المطالبة بالامتثال. وحاكِمُ مدينة الأكاديمية ليس لطيفًا كفاية أن يتغاضى عن هذه الإهانة مرة أخرى」
لكن، وإن كانت مرة، إلا أنهم تجاوزوا المحنة.
ما عاد عليهم القلق من الخطر القادم من فوق.
لكن هذا لا يعني أن الأمر انتهى.
「لقد أُعِدّ المسرح. فإياكم والموت الآن يا حمقى」
- الجزء 7
الرصاص لا ينفع.
ورمي قنبلة دون تفكير إنما ستطيّرُها موجة الانفجار والصّدمة.
والمخدّر مثل [سداسي الكلور الإيثان] أو السمّ مثل [أول أكسيد الكربون] يفقد فاعليته بفعل الحرارة.
لكن هذا لا يعني أنهم بلا خيارات.
「موجة الصدمة لن تصلها على الأرجح. إن لم تنفجر القنبلة على بُعد متر أو مترين أمام الهدف، فلن تهزّ جمجمتها بما يكفي لإفقادها الوعي، وأي شيء نرميه بسرعة اليد سيتم إسقاطه قبل أن يقترب」
「لا بأس، افعليها حتى ولو، يا خادمة المُلوتوف!! إذا هززنا جسدها بموجات صدمة عدّة انفجارات، فسيُتلَف عددٌ من كريّات دمها الحمراء ولن يصل الأكسجين إلى دماغها!!」
تقدّمت فريندا وكينوهاتا إلى الأمام.
كان بإمكان تاكيتسوبو توقع تحرّكات موغينو إلى حدٍّ ما، لكن فريق آيتم وحده يستطيع التواصل السريع بالعيون والأصابع. وسيحتاج أفراد الموغينو وقتًا أطول لفك الشيفرة، ممّا يرفع احتمالية أن يَسقطوا صرعى بالانفجارات.
「أنتنَّ يا ربّات البيوت الظريفات قدّمن الدعم من الخلف. استمررنَ برمي القنابل فوق رؤوسنا. ونحن سنجذب انتباه موغينو في الخط الأمامي ونحوّل أشعتها إلى مكان آخر!!」
「نحن نُخاطر بأرواحنا أيضًا. حتى مع الأوفينس آرمر، بقوة سأموت إذا أصابتني واحدة رمياتها!」
شعاع هائل مرعب اندفع من الأمام مباشرة.
في هذه المرحلة، معظم الأغطية لم تعد سوى عائق للرؤية والحركة. قاومت فريندا رغبتها في الفرار للخلف وقفزت بسرعة يمينًا أو يسارًا وفق تعليمات تاكيتسوبو.
مجرد تفادي ضربة واحدة كانت معجزة بحد ذاته.
لكن نجمة العرض الآن تاكيتسوبو تكلّمت،
「فريندا」
「ماذا ماذا، تاكيتسوبو؟!」
「لا أظننا نصمد طويلًا حتى ندمر عدد كاف من كريّات دم موغينو」
「خه. في النهاية من قال إن تلك كانت خطتنا؟!」
معظمه خداع، لكنه لم يكن خاليًا تمامًا من الحقيقة.
كانت تاكيتسوبو دقيقة دائمًا كمستشعِرة الفريق، ومع ذلك بدأ رأس موغينو يهتزّ وكأنه يناقض تنبؤها. بل إنّها وضعت يدها اليسرى الخالية على جانب رأسها.
「هبوط الضغط الانتصابي」
مثل هذا الاسم قد يبدو اسم مرضٍ معقّد.
لكنه في الحقيقة مجرّد شعور بالدوار عند الوقوف.
「في النهاية، أنتِ أيضًا تضغطين على نفسك بقوى فوق بشرية. دورتكِ الدموية لن تبقى طبيعية للأبد!!」
وفي اللحظة القصيرة التي توقفت فيها هجمات الميلتداونر، أخرجت خادمة المُلوتوف جسدها من الخندق ورمت عبوة انفجارية انفجرت قرب موغينو تمامًا.
قنبلة صدمية.
هذا السلاح غير القاتل يهزّ الدماغ بموجة الصدمة عوضًا عن شظايا الإصابة.
لكن فتاة البدلة الرياضية تاكيتسوبو صرخت بصوت حاد.
「فريندا تجنبي!!」
أمسك أحدهم ياقة فريندا من الجانب قبل أن تتفاعل. استخدمت ذراع كينوهاتا النحيلة قوة تعزيز الأوفينس آرمر لتُدَوّرها ككرة هدم.
اخترق شعاعٌ نَفْسَ النقطةِ التي كانت فريندا تقف فيها قبيل لحظة.
لكنها لم تشعر بالنجاة.
كينوهاتا تقريبا كانت بسوء موغينو. حواسها يُفترض أنها لحالة إنسان عادي على الرغم من قدرتها الخارقة، فكيف لها أن تملك مثل تلك ردة الفعل؟
ضغطت فريندا أسنانها.
إن تدمير خلايا الدم الحمراء بموجات الصدمة لم يكن سريعاً كفاية. ولا انخفاض ضغط الدم الانتصابي ولا قنبلة الارتجاج كانا كافيين لجعل موغينو تفقد وعيها.
إذا لم يكن أي من ذلك فعّالاً، فهم حقاً وفعلياً بلا أي خيارات.
تحدّثت الخادمة التي تحمل زجاجات المُلوتوف كما لو أنها تيأس أمام هلاكها القادم. كانت قد تعلّمت أسلوب عصابات الغرب كما يُفترض، لكنها أظهرت جانباً يابانياً بشكل غريب هنا.
「شيزوري-ساما هي المستوى الخامس رقم 4 في مدينة الأكاديمية. إنها حرفياً منتج العلم والتكنولوجيا. ربما كان من الخطأ محاولة تحدّيها باستخدام متفجّرات رخيصة مصنوعة من الأسمدة الكيميائية」
أسمدة كيميائية؟
حدّقت فريندا سَيْفِلُن بعينيها واسعتين وهي تتمتم لنفسها،
「لا، لا يمكن، ولكن في النهاية... لحظة」
「ماذا يا فريندا؟」
لا وقت لديها لتجيب على سؤال تاكيتسوبو.
كانت مشغولة للغاية بإجراء كمية هائلة من الحسابات في رأسها.
「لا أضمنها، لكن هذا قد ينجح. يا خادمة المُلوتوف!! أحتاج لمساعدة آل موغينو أيضًا!!」
「أيّ مساعدة؟」
「في النهاية، إسبرتنا هذه يمكنها جمع النيتروجين من الهواء!!」
لا وقت.
ذلك الوحش لن يمنحهم فرصة لعقد جلسة استراتيجية مطوّلة.
الخادمة كانت أيضًا محترفة.
عندما ركلت فريندا هوائيًا مكافئا (يُفترض أنه للتلفزيون الفضائي) كان قد سقط على الأرض من سطح أحد الفلل أو شرفاتها، وبدا على هاناغاي أنها فهمت. فأومأت برأسها.
「...」
كما تحرّكت موغينو شيزوري ببطء أيضًا.
هل كانت قلقة من إصابة نفسها بالدوار مجددًا؟ لم تكن بحاجة إلى الركض أو القفز. كل ما عليها فعله هو توجيه راحة يدها اليمنى إليهم ببطء من بعيد.
حقًا لا وقت لهم.
「كينوهاتا، فعّلي الأوفينس آرمر. إلى أقصاه!!」
「مهما دافعت بقوة عن نفسي، إصابة مباشرة من الميلتداونر سَتُمحيني!」
「كينوهاتا」
وبتشجيع لطيف من تاكيتسوبو، أعبست ذات المستوى 4 الصغيرة شفتيها وأطاعت.
بدأ الهواء يدور من حولها.
أوفينس آرمر كينوهاتا ساياي يَجمع النيتروجين فقط من الهواء المحيط ويضغطه إلى درجة قصوى بحيث يحمي جسدها بالكامل.
النيتروجين يشكل أكثر من 70% من الهواء. والنيتروجين ذاته غاز غير سام، غير قابل للاشتعال، ومستقر.
لكن لا تخطئ الظن. لا توجد مادة في العالم مُطلَقَةُ الأمان.
نعم...
「المركّبات النيتروجينية هي مكوّنٌ متفجّر نموذجي」
بالطبع، جَمعُ كل النيتروجين في الهواء لن يكفي لِصُنع متفجّر، لكن فريندا كانت خبيرة متفجّرات محترفة. المعرفة والمهارات التي تعلمتها في مدينة الأكاديمية علّمتها طرقاً لا تُحصى لتحويل النيتروجين إلى مركّب خطير. وعلى الرغم من ثروتهم الهائلة، فإن عائلة موغينو كانت تتعمّد استخدام متفجّرات رخيصة كـ"توقيع" يُترك في مسرح الجريمة. وذلك يعني أنهم يمتلكون الكثير من الأدوات لصنع مركّبات نيتروجينية.
هذا كان شديد الخطورة.
كان عملاً حساساً للغاية لدرجة أن فريندا كانت عادةً ستحتاج ما لا يقل عن نصف يوم للعمل عليه.
كانت مهتمّة بالمركّب، لا بالنيتروجين وحده. وهذا يعني أنها تحتاج إلى مكوّنات أخرى.
على سبيل المثال، ستحتاج كمية كبيرة من الكبريت.
ومع ذلك، لم يكن بإمكانها تخصيص الوقت والجهد اللازمين لصنع متفجّر نترات الأمونيوم.
لكنها تعرف متفجّراً يمكنها صنعه بشكل مباشر أكثر من النيتروجين والكبريت.
(رباعي كبريتيد رباعي نيتريد – تسخينه أو حتى مجرد صدمة سيجعله بلورًا خطيراً ينفجر!!)
「في النهاية، من الجيد أننا في منطقة ينابيع ساخنة بعيدة عن المدينة. وتصريف مياه الينابيع كشف الكثير منه للهواء الطلق」
قوة الأيدي العاملة لدى عائلة الموغينو زادت معدل الإنتاج كثيراً.
فقد جمعوا بين أحدث تكنولوجيا مدينة الأكاديمية وتقاليد آل موغينو.
ثم فرضوا كل ذلك متوكلين على الحظّ.
「في النهاية، أستطيع جمع المتفجّرات بلا نهاية من كل أنحاء العالم طالما كينوهاتا معي!!」
وما إن اشتعل، حتى انضغط العالم.
في تلك اللحظة.
ما أطلقته فريندا وكينوهاتا وتاكيتسوبو وهنّ يمسكن بأيدي بعضهن قد كان أقرب إلى قذيفة مدفعية منه إلى قنبلة.
عادة، ينفجر التفجير في شكل كرة في كل اتجاه، لكن ذلك الشكل يمكن تعديله. باستخدام ما يُعرف بالمتفجّر الاتجاهي. فعلى سبيل المثال، إذا وُزِّعَ المتفجّر بشكل رقيق على الجانب الداخلي لشيء يشبه مرآة مقعّرة أو هوائي قطع مكافئ، فإن الانفجار سيركّز على النقطة الأمامية، مولّداً قوة تفجيرية تكفي لاختراق باب سيارة مصفّحة من مسافة تفوق 100 متر.
وعلاوة على ذلك، إذا احتوى المتفجّر المقعّر على جزيئات معدنية مثل رمال حديدية...
فإنه سيصبح شظية متشكّلة ذاتيا.
كمثل نوعٍ خاصٍ من الرؤوس الحربية المصمّمة لاختراق الدروع المركّبة السميكة للدبابات.
لقد استجابت.
لهجوم لا بدّ أنه تجاوز حاجز الصوت بكثير. وقد جعلت ذلك يبدو طبيعيًا. موغينو شيزوري كانت تهديدًا حقيقيًا. على وجه التحديد، فقد انطلق الشعاع القاتل مباشرة نحوهن قبل أن تتمكّن حتى من تحريك يدها المرفوعة لتصويب كفّها بعناية.
لكن.
لسبب ما، حتى الميلتداونر لم تتمكن من تبخير الشظية المتشكّلة ذاتيا. وبدلاً من ذلك، شُطرت من المنتصف وتناثرت في كل الاتجاهات. لم تفقد قوتها. تلك الأشعة الصغيرة المتناثرة من الضوء شقّت طريقها عبر الفلل المحيطة وأعمدة الإنارة.
وهذا يعني أن السلاح الطائر كان يخفي سرّاً.
الطلاء الذي شَكَّلَ المقذوف كان شبه موصّل مأخوذ من [ثنائية الجناح].
وذلك سَبّب انتشارًا وتشتت.
تلك المادّة الجديدة قد صُنعت باستخدام الأبحاث التي أُجريت على موغينو شيزوري نفسها.
نعم.
الثلاثة وحدهن لم يكنّ كافيات.
فقط كل الآيتم الأربع معاً استطعن إنجاز هذا!!
(في النهاية، لقد فرضنا الأمر بالقوة!! وأنا واثقة أنكِ أكبر من أن يدمرَكِ شيء تافه كهذا، موغينو!!!)
طووووه!!
انفجر. لقد قاتلت موغينو بكل قوّتها، وبالفعل لم يصل المقذوف إلى النهاية. فقد انصهر وتبخّر تماماً قبل أن يصل إلى أنف موغينو شيزوري. الرياح العاتية التي تسبّب بها انفجار المقذوف دارت حولها. ويبدو أن شفرة الفراغ قد جرحت خدّها الأيمن بجرح سطحي، وهذا كل شيء.
أُبطِلَ بالميلتداونر.
حتى هذا قد يكون إنجازاً يُذكر، لكن لن يسمحن لأنفسهن بالرضا.
هنا يوجد خياران فقط: 0 أو 100.
إذا لم ينتصرن، فكل شيء بلا معنى.
「...」
تحرّكت شفاه موغينو شيزوري.
لا يكفي.
قد يكون هذا ما كانت تحاول قوله.
لكن فريندا سَيْفِلُن هي التي ابتسمت.
「هل نسيـتِ يا موغينو؟」
موغينو نفسها هي من جعلت هذه الفتاة الموهوبة تنضمّ إلى آيتم بعد أن أدركت مهارتها.
وتحدّثت خبيرة المتفجّرات.
「في النهاية، إذا أُزيل النيتروجين الذي يشكّل أكثر من 70% من الهواء بالقوّة، فإن تركيز الأكسجين والهيدروجين سيرتفع بسرعة!!」
انفجر شيءٌ أمام موغينو شيزوري مباشرة.
لقد صار الهواء نفسه قنبلة.
موجة صدمية هائلة ضغطت الهواء بسرعة 300 م/ث، واهتزّ جمجمة المصنفة الرقم 4 بعنف.
ثم الصمت.
لا، لم يكن صمتاً حقاً. فالانفجار الهائل كان قد أصاب فريندا بالصمم المؤقّت.
في البداية كانَ طنينٌ حاد، ثم عادت الأصوات إليها تدريجيًا.
وخلال الثواني القليلة التي احتاجتها حاسّتها السمعية لتعود إلى طبيعتها، كانت واقفة أمام موغينو مكشوفة تمامًا دون أن تُقتل.
نعم.
موغينو شيزوري ترنّحت نحو اليمين.
وهذه المرّة...
「فُزنـ...」
「ليس بعد」
انقطع احتفال فريندا بصرخة من تاكيتسوبو ريكو.
لم يُمنحن حتى لحظة واحدة.
تلك الفتاة ذات البدلة الرياضية كانت دائمًا تبدو شارِدة، لكنها دائمًا تُصيب.
「فـ-في النهاية...」
انحبس نَفَسُ فريندا سيفلن.
في قلبها خللٌ ما.
الخوف الشديد منعها من التحكم بجسدها.
「بعد ذلك، بعد كل ذلك... ما زلنا لا نستطيع ردعها؟!」
ترنّحت موغينو إلى الجانب، لكنها لم تسقط. أمسكت نفسها. كان مركز ثقلها ما يزال غير مستقر وهي تشزر بالفتيات الأخريات.
لم تنكسر بعد.
حتى من تلك المسافة، رفعت الفتاة المُحترقة يدها اليمنى.
كما لو كانت تُوَدّع.
وانتهى الأمر في لحظة.
الغريب أن الضحك بدأ يعلو داخل فريندا.
(هاها، إذن في النهاية، هي ترغب أن تأخذنا معها إلى القبر؟)
لقد نفد حظ فريندا.
أو هكذا اعتقدت.
لكن.
ليس بعد.
خلف موغينو.
شخصٌ لم يستطع حتى النهوض عن الأرض رفع يده اليمنى الدامية بتعبٍ يُمسك بلطف طَرَفَ سترتها.
ولم يكن فريندا وبقية الآيتم، ولا الخادمة بزجاجات المُلوتوف، ولا الخادم المسلّح بالرشاش وحدهم من كانوا يقاتلون هنا.
كان هناك شخص آخر.
ما يزال.
「بحقك...」
هذا الآخر هو من أوقفها.
كان كبير الخدم الشايب، مُجِنَياما.
لقد أُطلِقَ النار عليه في ظهره.
وكان مصابًا بجراح بالغة تمنعه من الوقوف.
اضطر لغرس أظافره في التراب ليزحف نحوها.
「كم من المتاعب عَيّشتِني」
بالنسبة لموغينو شيزوري، لا بدّ أن تلك العبارة كانت أكثر إيلامًا بكثير من قدرة مستوى 4 أو من قنبلة متطوّرة.
ذلك الشايب ببدلته الرسمية ونظارته الأحادية ما يزال حيّاً.
ذلك الجواب الصغير وحده أوقف وحش مدينة الأكاديمية الرقم 4 للحظة قصيرة.
حاولت أن تلتفت نحوه.
وتاليا، ألقت كل من فريندا و هاناغاي متفجّرات وفجّرتاها فوق رأس موغينو شيزوري.
إحداهما دمّرت خلايا الدم الحمراء في جسدها.
والأخرى هزّت جمجمتها مسبّبة ارتجاجًا.
لقد تلقّت إصابة كاملة من كليهما، وأخيرًا أُسقطت على الأرض الترابية.
- الجزء 8
في أعالي الجبال، رجلٌ مسنٌّ يرتدي بدلةً إيطالية فاخرة يحدّق عاليًا عاليًا في السماء.
「عجبًا. لا أرى مطرًا قاتلًا قادمًا من مدار الأقمار الصناعية، أرى أن الأمر انتهى」
「أوتحسب حقاً أنني أتركك؟」 جاء صوت منخفض يسأل.
حدّق سوباساكا بغضب نحو ملك عالم الجريمة وهو ما يزال في مقعد السائق داخل السيارة المحطّمة.
كم بدا هذا سخيفًا من وجهة نظر الحاكم الذي يشاهد كل ذلك من أعالي عرشه.
「أنا شرطي. علّي أكون نكرةً لا تساوي شيئاً في نظرك، لكنني ما أزال موظفًا حكوميًا أتقاضى أجري من ضرائب الناس. لن أخون كل أولئك الذين يؤمنون بالسلام. عليّ أن أقاتل كل ما يهدد حياتهم العادية. الفوز في تلك المعركة من عدمه لم يكن السبب الذي أدخلني مجال المحقق」
「...」
تذكّر. هذا ما كان هياموغي ليفعله.
أكّد في نفسه ذلك، بل كان جازمًا.
「ما كانت تلك المعركة قبل قليل؟ ستأتي تُهَمٌ تستند إلى قوانين تحظر أشياء أخطر بكثير من الأسلحة العادية. لا حاجة لأن أبذل جهدًا لجمع الأدلة اللازمة للإيقاع بعائلة الموغينو. ما شهدته بأم عيني يكفي لإجراء اعتقال」
「نعم، على الأرجح」
ابتسم المسنّ ابتسامة صغيرة.
وجاءت الكلمة التالية بسرعة تكاد تفوق التوقع.
「لكنني لا أريد لرجل مثلك أن يموت」
توترٌ واضحٌ ملأ الجو. بالنسبة لرأس عائلة موغينو، لم يكن هذا تهديدًا عبث. فَهُم في الجبال، حيث لا شهود ولا كاميرات. قتل بضعة أفراد وإخفاء جثثهم لأسهل عليه من أي شيء.
ابتسم رجل البدلة الإيطالية بمرارة.
「لا تقلق. ألم أقل إنني لا أريدك أن تموت؟ إن موظفًا حكوميًا لا تغويه ما تقدّمه مدينة الأكاديمية من منافع وقادرٌ فعلاً على توجيه غضبه نحو الظلم لَوَزنُهُ يُساوي ذهبًا لو تدري. لقد يئستُ منذ زمن بعيد كل إيماني بالمؤسسات العامة وقدرتها على الإنجاز، لكنك لست مثلهم. فعلت شيئًا أنا أعجز عنه」
بل بدا كأنه يستمتع بقوله.
وهو ما جعل الأمر أشدّ رعبًا.
「وعندما أقول إنني لا أريدك أن تموت، لا أضيف إليها عبارة "إن أمكن" أو "مع الأسف". بل إن ترك رجلٍ مثلك يموت هنا سيشوّه سمعتي」
「؟」
صدر صوتٌ معدني من الرجل.
هل استلم شيئًا من الخادمة الشابّة بجانبه؟ أدرك سوباساكا أن رجل البدلة الإيطالية صار يحمل باقة زهور. مَدّها باتجاه سوباساكا، لكن يده ما تزال ممسكة بها بقوة.
ولكن ما كان ذلك الصوت المعدني؟
ذلك الصوت الهادئ لكن الصلب شدّ على قلب سوباساكا.
「هدية من شرير」
ازداد ثقل وجود الباقة أكثر فأكثر.
كانت تُخفي شيئا.
ابتسم حاكم الموغينو.
「أمنحك تذكرة البقاء. مكافأةٌ واحدة وتحذيرٌ واحد. فافهمها وَعِيْ إن كنتَ تقدر」
- الجزء 9
حُيِّد أعظمُ تهديد، موغينو شيزوري.
لم يبدو أن ساكُيا على وشك أن تستيقظ من جديد لتجمع خدمها.
كانت الآن تُسحب من خندق على يد خادمٍ شاب، لكن الشريرة المزعجة لم تُظهر أي علامة على الاستيقاظ.
في الواقع...
「م-ماذا نفعل مع موغينو؟ حتى لو قيدناها بالأصفاد وحَيْل لففناها بالحبال، أخاف أنها تحرقنا مرة ثانية وتُجن」
「تذكرين أن خادمة المولوتوف كانت تحمل سداسي كلور الإيثان؟ المخدر. في النهاية، لِمَ لا نُنوِّمها بذلك حتى نعود إلى مدينة الأكاديمية؟」
على طاري، أكان هذا هو ما أغفى فريندا عندما نُقلت لأول مرة من مدينة الأكاديمية؟ من سائق الشاحنة ذاكَ. فإن كان، فذلك الدواء مسؤول عن الكثير.
وأثناء مناقشتهم...
「كلكم أحياء؟」
اقترب رجلٌ منهم.
يتجول يمشي لا مباليًا.
كان الرجل المسن يرتدي بدلة إيطالية فاخرة ويحمل باقة من الزهور.
تغير الجو. بسبب الخدم والخادمات. جميعهم – نعم، حتى أولئك الذين وقفوا مع ساكُيا وشاركوا في الانقلاب – ركعوا وحَنُوا رؤوسهم. وكأنهم كنّوا له احترامًا شديدًا لدرجة أنهم اعتبروا من الخطأ حتى النظر إليه دون إذن.
ويغلب الظن أن يكون هذا التصرف نابعا من تقديرٍ وإمتنان.
أما الخادمة الشابة التي لم تفارق جانبه حتى أثناء الفوضى بقيت بجانبه حتى الآن. كان كل هذا صراعًا على الخلافة في عائلة موغينو، لكن الولاءات داخل الخدم بدا أنها قد أعيد ترتيبها.
ابتسم الرجل المسن واقترب من الآيتم.
「أوه، لا تخافوا بشأن مدينة الأكاديمية. لن تطير [ثنائية الجناح] بعد الآن في هذا الطريق، ولا خطرَ من أشعة الليزر من الأقمار الصناعية أيضًا. لقد تحدثت وحللتُ كل تلك المشاكل」
كلماتٌ لا مبالية.
ثم نظر إلى مكان آخر ورفع صوته.
「شيءٌ آخر! من الذي سحب الـ8.8 سم من مجموعتي ثم فجّره؟! لا عليكم، لست غاضبًا. لكن كلنا سنخوض في مناقشات مؤلمة هذه الليلة!!」
تصلبت فريندا.
أشعة الليزر من الأقمار الصناعية؟ هذا شيء لم تكن فتيات الجانب المظلم على علم به حتى. ألم تكن موغينو التهديد الوحيد؟
مفجرة المدينة الأكاديمية ابتلعت ريقها.
「في النهاية...من أنت؟」
「أعليّ القول؟」
كان هذا الجواب كافيًا.
لماذا يُظهر جميع الخدم هنا طاعةً مطلقة له؟ ولماذا هم مترددون جدًا في كسر الصمت حتى أن الجرحى لم يئنوا ولو مرةً؟
عندما جمعت كل ذلك معًا، ليس هناك أدنى شك في هوية الرجل.
「في النهاية، موغينو ما تشبه جدها البتة البتة」
「بفف!! اءء، عائلتنا اشتُهِرَت بجمال نسائها. وأنا جدهم، فمن المؤسف نوعا ما أنها لم ترث الكثير مني، لكن عله الأفضل لها أنها لم ترث مظهري الجلف」
هز رجل البدلة الإيطالية كتفيه.
خلع البدلة بطريقة أفضل حتى مما ستفعل شقراءُ الشعرِ زرقاءُ العينينِ فريندا.
「أعتذر عن وقاحة بناتنا تجاهك. وأنا مدين لك. الآن، آل موغينو ستُغنيكِ وتُثريك أيَّ ثراء تبتغين، لكن... مم، أشعر أن هذا ليس ما تريدينه. لا فائدة من مناقشة المال مع شخص يعرف الثراء」
「في النهاية، كأنك اختلست اسم الماركة من ثوبي؟ لا تتطلع إلى جسد بنت مراهقة من رأسها حتى أخمص قدمها وأنت تعتذر يا قذر」
「كَهَهَهَه」
ألن تنكر ذلك حتى يا شهواني؟ طالع، حتى تلك الخادمة الشابة تنظر إليك مُزدرية.
「أرى أن شيزوري نامت، وساكُيا كذلك」
「هَيه. في النهاية، لا توقظهما. إنّ شمّا كربونات الأمونيوم الآن ستخرج مخالبهما مرة أخرى」
「عانيتِ الكثير هَهَه. أعتذر عن قططي」
مع ذلك، دخلت نبرة التعب في صوته.
「تقتلون على من ستصبح الوريث، ها؟ لا يهمني إلى من ستؤول إليه الخلافة، لكني لن أوافق حتى أشهد على جائزةٍ أكبر من جائزتي. اعتقدت أنني أوضحت ذلك لتنينتي ونمرتي الحُلوَتين」
ظل صوته لا مباليا.
لكن ربط شظايا المعلومات جعل المعنى واضحًا.
كان هذا الرجل هو الذي نجح في عقد صفقة مباشرة مع مدينة الأكاديمية.
لقد استسلم كبار المدينة لتهديده.
وأيٌّ مَن يريد حقًا أن يسيطر على آل موغينو عليه أن يحقق شيئًا أعظم من ذلك.
على الأرجح، حتى الآيتم لن يقدر على ذلك.
أوضح كبار المدينة الأكاديمية أنهم مستعدون للتخلص من #4 المستوى 5 إذا لزم الأمر. هذا يعني أن الموهبة التي يمتلكها سبعة أفراد لن تُغنيهم شيء. لقد وزنوا المخاطر والتكاليف وقرروا أنه ليس من المجدي إبقاؤها.
「ما-ماذا فعلت؟」 سألت فريندا.
「تعرفين أنني لن أعطي إجابة. أسرارُ العالم السفلي عادة ما تُحفَظ أسرارا」
كان حقًا رئيس الموغينو.
ولم يبدو أن مكانته ستتزعزع قريبًا.
الخادمة الشابة التي بقيت بجانبه طوال الانقلاب ترددت قبل أن تتكلم.
「إ-إذن هل انتهى كل شيء؟ هذا جيد」
「لا، ليس بعد」
تجمد الجو.
كلا، بل هو من طغى على الجو.
تحدث رئيس العائلة بسرعة.
ولم يترك باقة الزهور من يده أبدًا.
「الديون تُسَدَّد. خاصة في عالمنا」
ولا أحدًا هنا غافلًا عن معنى كلامه.
على كلا الجانبين.
كان هناك شخصٌ واحد فشلت فريندا في إنقاذه.
「كان هناك انفجار في شينجوكو. كان سائق الشاحنة مواطنًا عاديًا، حتى لو هُدد من قبل شرير. فمن فعلها؟ من المسؤول؟」
「أنا،」 هاناغاي قالت.
「إيه،」
طاخ!! خرج انفجار البارود صاخبًا.
كانت باقة الزهور تخفي بندقية مزدوجة البرميل. وقد تم تقصير المقبض والبراميل قدر الإمكان.
انهارت خادمة المُلوتوف إلى الخلف وسقطت سقوط خشبة.
حدثت بلمحة سريعة.
ولم يتحرك أحدٌ حتى.
لم يرمش رئيس المُوغينو طرف عينه.
「لا مشاعر ولا أحاسيس...وهذا ما يكون عليه الموت البشري. فلا تفرضي ذلك على إنسان، فهل تقدرين؟」
عمّ الصمت.
كان في الهواء رائحة تشبه الألعاب النارية.
كان رئيس الموغينو يقود مئات الآلاف من الجنود حول العالم.
ربما رأى مشاهد كهذه لا حصر لها.
وقوفه على الخط الأمامي بنفسه بدلًا من القيادة من أعماق القصر قد يكون لمنعه من التعامل مع الموت البشري بتجرد عملي.
و...
「...كح...」
صدر صوت.
نَفَس.
بدت خادمة المُلوتوف وكأنها تحاول يائسًة ملء رئتيها بالأكسجين وهي ترتجف على الأرض.
أسند رئيس العائلة الباقة ذات رائحة دخان البارود على كتفه.
「استخدمتُ رصاصات فارغة. لكن حتى ذلك سيُحدِث ألمًا حقيقيًا في قلبك. إنَّ الموت لمخيف. بالطبع يكون. لكن آل موغينو تتعامل مع الموت لأن هذا اللجوء الأخير يكونُ ضروريًا أحيانًا. ولا تفهمي خطأ. مهما كان لك نفوذ وأوراق رابحة في مجموعتك، فإن قيمة الحياة البشرية لا تتغير. فلا تلعبي ببساطة تلك الورقة متى ما رغبتِ. الآن ينبغي أنكِ شعرتِ ولو قليلًا بما يعنيه أن يتوقف قلبك عبثًا على يد شخص آخر. أليس كذلك، هاناغاي؟」
لم تكن الخادمة سوى منفذةٍ للأوامر.
وبطريقة ما، كان ذلك هو ما يفترض [بالإدارة] الخادمة [للدم] أن تفعل.
الطرف المسؤول حقًا هو من استخدم أداته استخدامًا خاطئًا.
أعلن رئيس العائلة ذلك بينما يحدّق نحو المرأة ذات الفستان المغشية والتي يقف الخدم والخادمات في مواقع لحمايتها.
「خذوا ساكُيا معكم. سأُقدّر بدقة مقدار المتاعب التي تسببت بها للعالم وأعاقبها. وذلك وفقًا لقواعد الموغينو الراسخة منذ عهد البونمي كايكا」
اكتفى مُجِنَياما بالمشاهدة.
وقد بدا على وجهه مظهر التابع الوفي الذي يرى قلعة سيدته تنهار.
بعد أن عانى من الحيرة أكثر مما قد يتخيله أي شخص، أقسم كبير الخدم الشايب المرتدي بدلة السهرة والنظارة الأحادية على نفسه أنه سيواصل القتال إلى جانب موغينو ساكُيا. لقد انحرف تبعًا لما رآه الصواب، فكيف يشعر الآن وهو يرى بقية الخدم والخادمات يحملونها بعيدًا؟
خادمة المُلوتوف هاناغاي قد نالت الغفران، ولعل المبدأ نفسه قد يشمله أيضًا.
لَكِنَّهُ، متناسيًا إصابته، بدا منكمشا على نفسه ينحني نحو رئيس العائلة وبصوت مرتجف تحدث.
「لا أطلب سوى أن أقضي آخر لحظتي بجانب سيدتي ساكُيا」
「ماذا؟ لا. بل اذهب إلى المستشفى. تلك الإصابة من رصاصة 9 ملم. لقد أُطلقت عليك من الخلف والطلقة ما تزال داخل جسدك」
「لكن هذا ليس بعقاب أستحقه جراء ما اقترفته!!」
「أوه؟ تحسب أنني لستُ غاضبًا منكِ يا لعّوب النساء؟」
ابتسم الشايب وهو ينحني يَدنو بوجهه. بلا أي تعبير.
「(إن جعلتَ حفيدتي العزيزة تبكي مرة أخرى، لأكسرن عظامك الـ206 كلها وأسمعك تصرخ 206 مرة قبل أن أقتلك. وسأُعُدّ الصرخات واحدةً واحدة)」
「...」
「هذا كلام رئيس الموغينو. كلماتي لها وزن أكبر من تهديدات الموت التي يرمي بها سكير في الشارع. وإنكَ تدرك ذلك، ها مُجِنياما؟」
- الجزء 10
وعلى مسافة غير بعيدة، داخل سيارة شرطة بلا علامات كانت قد تحطمت، استعاد الشريك الجديد وعيه أخيرًا في المقعد الجانبي.
「آآااهخ... هَه؟ سينباي، ألم تكن ذاهبًا للقبض على عائلة الموغينو؟」
「لقد أخذوك رهينة」
وليس بالرصاص.
داخل الباقة شيء آخر ملفوف.
ولم تكن مجرد صحيفة إنجليزية مستعملة للزينة.
ما كانت الوثيقة شيئًا كنتَ لتعثر عليه عند البحث في قاعدة بيانات الشرطة.
كانت وثيقة وفاة.
تُظهر بوضوح مصير ذلك الفتى المبتسم الذي كان يُعرف سابقًا باسم هياموغي.
وهذه المرة، بلا تعتيم أو حجب.
احتوت الوثيقة على كل المعلومات اللازمة لمعرفة من فعل ماذا.
(لكن سيستغرق الأمر وقتًا طويلًا لجرّ هذه القضية إلى المحكمة حيث تسري قوانيننا)
لعل رئيس الموغينو قد آثَرَ العيشَ في ذاك العالم ليُعالِجَ ما سُتِرَ من مصائِبَ دَفَنَها أراذِلُ الخَلقِ.

اختر اسم وأكتب شيء جميل :)