الفصل الثامن: مرحلة الفتاة، مئات المليارات. إنشاء_ضد_تحطيم
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
عرف الجميع منذ البداية أنه في النهاية لا فرصة لديه ضدها.
أخذت لحظة فقط.
لم تتخذ أوثينوس حتى خطوة.
الساعة التي حاول فيها كاميجو توما الإندفاع إلى الأمام بقبضته اليمنى، كان الوضع قد تغير حاسمًا.
انفجر شيء أمامه مباشرة.
« ...... !!!؟؟؟»
وَصَلَ الضجيج المتفجر متأخرًا وشعر كاميجو بها في عظامه أكثر من أذنيه. وما إن أدرك، رأى نفسه يطير عاليًا في الهواء ككرة القدم.
لابد أن هذه النتيجة قد ظهرت في رأس أوثينوس.
كل ما استطاعه كاميجو هو أن يُغيّر مسار رحلته ومكان مهبطه بشكلٍ طفيف.
بقي في الهواء بضع ثوان.
من الواضح أن وقته هناك كان طويلاً للغاية بالنسبة لكتلة بحجم الإنسان. ماذا يعني ذلك؟
قبل أن يلتهم الخوف الواقع، ارتطم ظهره بتراب باحة المدرسة.
بدون مبالغة، ارتفعت كمية هائلة من السائل الأحمر الداكن من أعضائه وانفثت من فمه.
كعش
كشش
عانى في تنفسه.
حتى أثناء محاولته سحب الهواء، شعر بشيءٍ يسد الدرب.
«كحح!! كحح كحح!! كحح!!»
وهو مستلقي على ظهره، تدحرج إلى وضعية زحفٍ فغرز إصبعه في حلقه. فَقَدَ دمًا كثير، لكن تأمين قصبته الهوائية جاءت أولاً. سعل الدم الطازج اللزج الذي سَدَّ حلقه وتمكن بطريقة ما من التنفس.
«ما بك؟»
انزلق صوت الفتاة الشقراء إلى أذني كاميجو.
بدا الأمر أبعد بكثير من ذي قبل.
«حسبتك تحب المعارك البسيطة. فلما أراكَ ترجع بدل أن تستمتع؟»
لم تتحرك أوثينوس أبدًا من تلك البقعة.
فقط رفعت رمحها.
هذا كل شئ.
انفتحت حفرة عملاقة في سماء الليل.
بدا وكأنه قمرٌ أسود قاتم.
وشيءٌ ما قد انشق. ألقى كاميجو لمحة عن ذلك العالم الأسود المتساوي الذي رآه من قبل.
لم يُعطى تحذير.
سقط ذلك القمر فقط باتجاه فناء المدرسة ليسحق صبيًا واحدًا.
كشش
كشششه
قفز كاميجو إلى الجانب بكل قوته. لن يقلق بشأن المظاهر. إنما تَدَحرج على طول التراب ليتحرك ولو سنتيمترًا أو مليمترًا بعيدًا عن دوامة الدمار تلك.
اختفت الأصوات.
ظهرت حفرة نصف كروية بعرض عشرة أمتار في الأرض. لم تكن هذه ندبةً خَلّفها انفجار، بل نحتاً للفضاء على شكل وحجم قمرٍ أسود دقيق.
(عليّ الاقتراب.)
سَكَنَ ضوءٌ شرس عينيه.
انتقل من الدفاع إلى الهجوم.
بعد تبديل مسار أفكاره، غيّر اتجاهه بشكل حاد كما لو كان يغير موضع قدميه.
(عليّ أن أجد طريقةً أقترب منها!! إذا وصلتُ إليها مباشرة، فعليها أن تتخلى عن الهجمات الهائلة خوفًا من أن تضرب نفسها! ما لي سوى قبضتي. سواء كنتُ بالهجوم أو الدفاع، لا يمكنني فعل أي شيء دون أن أكبح خوفي وأتحرك إلى...)
«بطيء.»
-لَوي-!!!-.
كان صوت أوثينوس الحلو مصحوبًا بصوت التواء ركبة كاميجو في اتجاه غريب.
كسسهشهه!!
كسسهشهه!!
كاميجو توما استخدم كلتا ساقيه ليندفع إلى الأمام بأقصى سرعة.
كان أمام أوثينوس مباشرة. لحسن حظه، كان لا يزال قطعةً واحدة. فقط خطوة أخرى. وهو يشد قبضته ويدخل في المدى، أطلق نفسًا قصيرًا. حكم على التوقيت، وقلل من توتره الشديد قدر الإمكان، ولم يتردد في وضع كل ثقله وراء الضربة التي استهدفت وجه الفتاة ذاتُ رقعة العين.
ثم اختفت أوثينوس.
الشيء التالي الذي عرفه هو أن الفتاة الشقراء اقتربت منه لدرجة أنهما كادا يتلامسان.
كان الفعل الذي اتخذته بسيطًا جدًا.
الرمح في يدها اليمنى، فاستخدمت يدها اليسرى النحيلة.
بضوضاء صرير مروعة، أمسكت برقبة كاميجو توما ورفعته بلا تردد.
كسسسسسسسسسسسششششششششششششههههههه !!
كسسسسسسسسسسشششششششششهه !!
«هيّا أدرك.»
«إني مدركها.»
نظرات كاميجو توما وأوثينوس تقاطعتا للحظة.
نعم.
لمّا ترى الأمر، وبغض النظر عما فعله كاميجو توما، لن يستطيع الوقوف في وجه إلهٍ سحري مثل أوثينوس. لم تكن هذه مسألة تدريبٍ أو الإتيان بفكرةٍ صحيحة لتغيير الأمور.
على مستوى أكثر جوهرية، لا يستطيع الإنسان هزيمة الإله.
الاحتمال البسيط لهزيمة أوثينوس من خلال القوة وحدها هو أن يصعد كاميجو نفسه إلى مستوى الإله السحري، وإن كان في هذا أملٌ أصلاً. لم يكن ذلك شيئًا يسهل القيام به وما كانت لتسمي نفسها إلهًا إن كان كذلك.
ولذا...
«لم يكن هذا قتالًا متكافئًا،» تأوّه كاميجو بينما كانت رقبته مُعلقة. «إني واثقٌ أنّ هذه المعركة ليست أول مرة. لا أعرف ما إذا كانت هذه العاشرة أم المئة، لكننا كررناها مرارًا وتكرارًا. وفي كل مرة، ربما فَجَّرتيني لقطعٍ في أوّل هجوم. المشكلة الوحيدة الباقية كانت سلامة ذاكرتي. رفضتُ لا شعوريًا قبول الألم والخوف اللذين شعرت بهما، لذلك أعدتُ ترتيب الذكريات في رأسي لتبدو وكأنها قتال يَتّبع مسارًا واحدًا. وهذا ما جعل الأمر يبدو وكأنني كنتُ أُمسِكُ نفسي.»
«هذه إجابة تسوى 50 نقطة.»
«ربما. هل ساحة المدرسة هذه ليست نقطة البداية؟ هل يجب أن أبدأ من العالم الأسود الفارغ الذي استيقظت فيه أول مرة؟»
مئة مرة، ألف مرة، أو حتى عشرة آلاف مرة.
إنما أوثينوس كانت تكرر هذا. في كل مرة، اتخذ كاميجو توما أفعالاً مختلفة قليلاً واتخذ خيارات مختلفة عن سابقها. وما إن يصادف طريقًا مسدودًا، سوف ينكسر. قد يحدث ذلك في معركة مباشرة أو في أحد العوالم التي لا تعد ولا تحصى. إذا قابل الصبي مرة طريقاً مسدودا وانهار، فسيتحقق هدف أوثينوس.
و لكن في نفس الوقت...
«لكنني بالتدريج أدركت شيئًا.»
«ما لدى الإنسان يقوله لإله؟»
«مهما حدث، لن تقتليني،» أعلن كاميجو بينما كانت قبضةٌ تشبه الحبال المتينة تعصر رقبته. «ليس الأمر أنكِ لا تستطيعين. إذا أردت، فيمكنك ذلك في أي وقت. ولكنكِ لم تفعلي. حتى عند قولكِ أنكِ ستفعلين... لابد أن في الأمر شيء. في يدك أن تقتليني وتُنهين هذا، لكن عندك سببًا يمنع ذلك. وإن كان لي أن أخمن...»
«...»
«أود أن أقول إنه شيء مثل النقاط الاضافية.»
لم يقل شيئًا أكثر.
مع ضوضاء مفاجئة من رقبته، غمر وعي كاميجو توما بالسكون مرةً بعد.
كسسسسسسسسسششششششششششششهههههههة!!!!!!
- الجزء 2
والآن لنحكي لكم قصة افتراضية.
لنفترض أنه كان هناك شخص ما يتمتع بقوة رائعة لـ ‹حفظ› و ‹تحميل› بقدر ما يريد تمامًا كلعبة فيديو. لنفترض أن هذا الشخص أصبح محققًا وحاول إيقاف خطة حتمية لإبادة البشرية والتي ستبدأ في غضون أسبوع واحد بالضبط.
الآن، من صاحب الميزة هنا؟ المحقق أم المجرم؟
عادة، قد يحسب الواحد أن المحقق لديه ميزة ساحقة بسبب قوته الغريبة. فمهما فشل من مرات، يمكنه دائمًا المحاولة مرة أخرى، لذلك لن ينتهي الأمر أبدًا حتى يفوز.
لكن هذا ليس بالضرورة كيف سينتهي الأمر.
فآخر الأمر، وبعد محاولاتٍ لا حصر لها، سيكون الإرهاق العقلي للمحقق على مستوى مختلف تمامًا. حتى لو كانت كل محاولة تأخذ أسبوعًا واحدًا فقط، فإن أربع محاولات ستأخذ حوالي شهر، واثنتي عشرة مجموعة من أربعة محاولات ستأخذ سنةً.
ماذا لو استمر لسنوات أو حتى قرون ولم يقدر على وقف الدمار؟
المنافسة المباشرة بين المحقق والمجرم لن تكون مهمة.
بعد دخول قفص الزمن، ألن ينكسر قلب المحقق ويُسحق؟
نعم.
لدى المحقق صاحب قدرة ‹الحفظ› و ‹التحميل› خيارٌ آخر.
عندما يواجه تحديًا كبيرًا جدًا، يمكنه ببساطة إيقاف اللعبة والاستسلام.
في النهاية، هكذا كانت معركة كاميجو توما بالضبط.
يمكن أن تتحكم إله السحر أوثينوس في كل شيء. بدون مبالغة، سيطرت على العالم نفسه. وإذا أرادت، يمكن أن تصدم كل المجرات لقتل كاميجو توما. أو يمكنها أن تكسر الروابط بين الجزيئات التي يتكون منها جسده وتُشتت وجوده ذاته. وإن لم تكن راضية قليلاً عن شيء، فيمكنها أن ترجع بالزمن، وتعيد وضع قضبان القدر التي أدت إلى المستقبل، وتخلق نتيجة دقيقة أرادَتها.
لن يستطيع الفوز بالقتال طبيعيًا.
تمامًا كما قالت فتاة رقعة العين، هناك فرق كبير جدًا بين المواصفات الأساسية للإنسان والإله.
لا يمكن لأي محفزات خارجية من كاميجو توما أو طرف ثالث هزيمة هذا الوحش.
ولكن ماذا لو أوجدت أوثينوس نفسها موقفًا من شأنه أن يسحقها من الداخل.
ولقد أدلت بتعليقٍ معين قبيل بدء المعركة. ربما لم تدرك نفسها ذلك، لكنها قالت ذلك بالتأكيد.
‹——سئمتُ من سحق أحمقٍ مع العالم.›
لقد سئمت منه.
قد يبدو مثل تعليقٍ متعجرف أو فخور. ولكن بعد أن صعدت أوثينوس إلى أرض إلهٍ حقيقي، لم يكن هناك شيء عادي يمكن أن يلحق بها أي ضرر عقلي أو جسدي. وهناك بالفعل شيء ما جعلها تشعر بهذه الطريقة.
كم تكراراً راكَمَهُ كاميجو قبل أن يدرك ذلك؟
كان الأمر كأن الكوب قد امتلأ بالفعل حتى أسنانه وكان عليه فقط أن ينتظر لحظة وصول التوتر السطحي إلى نهايته.
لم يكن مستوى الضرر الداخلي الذي هَدَّد بسحق كاميجو توما سوى خدش بسيط لذلك الوحش، لكن ماذا لو أنها قد وصلت بالفعل إلى نقطةٍ كان فيها هذا الخدش كافيًا لبدء الانهيار؟
كانت مسألة إصرار.
لم يستطع كاميجو توما انتزاع نصرٍ واحد من قبضتها.
ولكن كان هناك احتمال أن يربح واحدًا بخساراتٍ كافية.
- الجزء 3
سَمِعَت أوثينوس صريرًا يأتي من رأسها وكأنه أتى من هيكلها العظمي.
بدا الأمر وكأن الثعابين الصغيرة كانت تتلوى على جلد وجهها من الداخل.
كان نبض أوعيتها الدموية.
(لابد أن معدل انهاكه أكبر.)
لقد كررا هذا عشرات الآلاف من المرات، ومئات الآلاف من المرات، بل وحتى ملايين المرات.
كل ذلك حتى يفشل هذا الصبي الصغير مرةً واحدة في مكانٍ ما على طول الخط.
(أنا بالطبع صاحبة الاستمرارية الأدق للذكريات، لكنه لا يزال يحتفظ بشظايا من الذكريات. ولو تجاهلنا كمية المعلومات الصافية، فإن الألم والخوف الثابت ضمانٌ على أنه سينكسر أولاً. إنه ليس أكثر من واحدٍ لا يعي مكانه. وكُلّما تمسك بأمل النصر الذي لن يأتيه أبدًا، زادت صدمة اختفائها أمام عينيه. وهناك ينكسر. لقد كان يسير فقط في طريق دماره بإرادته.)
كانت حقيقةً بسيطة لا تتطلب أي تفكير حقيقي.
وحتى لو لم يتطلب الأمر تفكيرًا حقيقيًا، فإن التفكير فيه لن يغير حقيقته.
ومع ذلك...
«لماذا لا تنكسر!؟ هل فقدت البصيرة عما تفعله بعد وصولك حافة الموت مراتٍ ومرات؟ أكيدٌ أنكَ لست شخصًا يُعلن بفخر أنه أحمق!!»
صاحت أوثينوس مهتاجةً.
كان من النادر أن يُغضب الإنسان إلهًا إلى هذا الحد. على أقل تقدير، لم يحدث ذلك مطلقًا في غريملين. كانت المواجهة مع أولِّروس في سارغاسو متقاربة.
يبدو أن الإله السحري رأى الآن أن هذا الصبي مساوٍ أو حتى أكبر من الخصم الآخر.
«لماذا أنكسر الآن؟» في تلك المدرسة الليلية، أجاب كاميجو توما بوقاحة على الإله السحري الذي واجهه. «عليّ فقط أن أتغلب على هذا. وعليكِ فقط أن تكسريني مرةً. هذا يعطيني الأمل في الاستمرار. ربما أقدر على استعادة المكان الذي فقدته. طالما لا تزال لدي فرصة حتى 1٪، فلن أنكسر!!»
«...»
كان هذا الوضع لا يفيد ويفوق رحمة إله.
تمامًا كما عضت حافة شفتها بخفةٍ مغتاظة، تطاير نصف جسد كاميجو توما بعيدًا كشَربَةٍ.
«وأثناء مواكبة هذا، بدأت أفهم جوهر المشكلة. إني لا أهزم وحسب من جانب واحد. طالما أجمع المعلومات في رأسي، سأحلل الموقف ببطء.»
في المعركة التالية، كان هذا كل ما قاله قبل أن يُشَرّح جذعه.
فقط ليقول تلك الجمل القليلة، تجول في العالم الأسود، وعبر عوالم تبدو غير محدودة، وعانى من أشكال لا حصر لها من الألم والخوف واليأس.
كيف عساه تحملها؟
كانت تلك جحائم حَقَّ بكثافة كبيرة تكفي أن تدفع أي شخص عادي إلى الجنون قبل أن يتغلب حتى على إحداها. ووصوله إلى هذه النقطة لم تُحرّره منها. وبعد أن لم يقل شيئًا أكثر من ذلك، هَمَّشتُه أوثينوس وأُجبِرَ على تكرار كل ‹نهايات العالم› اللانهائية التي تغلب عليها سلفاً وبعد تعب.
لن ترى أملاً في ذلك.
إنّ ربط أجزاء من كلماته لتشكيل محادثة لن يغير شيئًا.
على المستوى الأساسي، لم يكن رابحًا.
مُطْلَقاً.
لم يكن لديه أي ضمانات بأن أوثينوس سوف تنكسر إذا كرر هذا عشرات الآلاف أو حتى مئات الملايين من المرات. لم يكن لديه أساس لدعم نظريته. ناهيك عن أن الإنسان والإله لهما مواصفات مختلفة اختلافًا جوهريًا. لم يكن الأمر مختلفًا عن كتابة البيانات على شريط كاسيت قديم وقرص صلب متطور في نفس الوقت ورؤية أيهما سيمتلئ أولاً.
«هذا مثل مرآتين متقابلتين.»
وبعد...
وبعد...!!
«هذا العالم الذي يمكنكِ تغييره بحرية يشبه إنشاء منظر طبيعي لا نهائي بأن نُعِدَّ مرآتين يواجهين بعضهما. وإنّ القول بأن لديك القدرة على المشي بحرية عبر هذا المشهد يبدو وكأنه حلم، ولكن إذا مضيتِ بهذه القدرة ونظرتي للوراء، فإن وجهكِ سيَشحُب. ففي النهاية، سترين مدى العالم نفسه إلى ما لا نهاية. ولن تري شيئًا ليكون بمثابة مَعْلَمٍ. من أين أتيتِ؟ وإلى أين تعودين؟ هنا يبدأ قلقكِ!!»
استَخدَمَت قوةً غير مرئية لتفصل النصف العلوي لهذا الصبي الوقح عن النصف السفلي.
لكن في المعركة التالية، واصل كاميجو توما الحديث وكأن شيئًا لم يكن.
ومع ذلك، هذا لا يعني أنه لم يتذكر. كان يعرف ما حدث، لكنه كبح الذكرى واستمر في الحديث.
«أوثينوس، عندي لكِ سؤالٌ أساسي.»
طَعَنتُه بالرمح. حَطَّمت جمجمته بعقب الرمح. وفي ما بدا وكأنه مزحة، ضربته بمقبض الرمح وكأنها تضرب البيسبول.
لكن ذلك الفتى البشري الوقح عاد واستمر بالكلام.
شعر بالخوف، لكنه استمر متحديًا هذا الإله.
«منذ زمنٍ طويل، قبل أن تحصلي على غونغير، قبل أن تكسبِ مكانتك على قمة غريملين، قبل أن تَمُرّي بالوحش اللااعتيادي المُسَمّى أوليروس، وقبل أن تأخذي الاسم أوثينوس...»
حَطَّمته!!
وسَحَقته!!
ودَمَّرته!!
«هل ارتكبتِ هذا الخطأ؟ هل اكتسبتِ قوة رائعة ومضيتِ للأمام دون أن تفكري في النظر إلى الوراء؟ ونتيجة لذلك، ضيّعتِ طريق العودة؟»
- الجزء 4
لم يكن كاميجو توما خبيرًا في الغرائب، لذلك لم يكن لديه أي وسيلة لمعرفة ذلك، ولكن هذا ما قاله التاريخ:
قيل إنّ الإيمان كان في البداية تركز على إله البرق صاحب المطرقة، لكنه تحول إلى إله الحرب صاحب الرمح في مرحلةٍ ما.
قيل أن إله السحر قد أوفى العقد بالتضحية بجسده عن طريق شنق نفسه من شجرة رماد.
قيل أن الإله الإسكندنافي الذي أصبح أصل الاسم ‹أوثينوس› هو شايبٌ ذو عينٍ واحدة وله لحية ضخمة.
كان كل واحد من هؤلاء "صحيحًا لا لبس فيه".
لم تكن التناقضات العرضية بين الحسابات أكثر من مجرد اختلافات في التفسير بين المجمعين والمُفسرين المختلفين.
ولكن ماذا لو لم يكذب المترجمون السابقون أو يسيئوا الفهم أو التكهن وقاموا فقط بتدوين ما رأوه بصدق ودقة؟
ماذا لو كان هناك شيء يرسم خطًا مستقيمًا يربط كل المعلومات المتقطعة؟
ألم تمتلك متاهة فتاة معينة القوة والطبيعة اللازمتين لتحقيق ذلك؟
- الجزء 5
«هذا من شأنه أن يفسر معظمه.» قال كاميجو توما ببطء.
توقف ذَبحُهُ على يد أوثينوس في مرحلةٍ ما.
«لقد سُحِقتُ في عالمٍ بعد عالم، لكنكِ لم ترفضي أو تأخذي الإماجين بريكر في يدي اليمنى. هذا يعني ما أعتقد أنه يعني.»
كانت إلهًا سحريًا، لذا فإن عمر الإنسان لا ينطبق بالضرورة. تحدث أوليرس كما لو أنه يعرف ما يتحدث عنه، لكنه ما كان بأكثر من إنسان. حتى لو كان يعرف أمرًا أو اثنين عن الآلهة، فربما لم يفهم الحجم الحقيقي لكل شيء.
ببساطة، كان من الممكن أن أوثينوس إلهٌ سحريٌّ منذ وقت طويل، طويلٍ حتى أطول مما تحدث عنه أوليروس.
هل كمنت تلك القوة بداخلها طوال ذلك الوقت؟
هل تخلت عن قوتها في وقتٍ ما؟
«لا أعرف حكاية "المراحل" هذه برمتها، لكن لديكِ القدرة على تغيير شكل العالم بحرية مثل الطين. نتيجة لذلك، نسيتِ تمامًا العالم الذي كنتِ تعيشين فيه في الأصل. حاولتِ بشدة إنشاء عالمٍ يعتمد على المشهد الذي تتذكرينه. وأضفتِ وأزلتِ مرحلة بعد مرحلة... وكان هذا عَمَلَ إلهٍ. ربما كان قريبًا جدًا من الكمال بحيث لا يمكن لأي إنسان أن يرى الفرق. ولكن كإله، لم يكن مصطلح "قريب من الكمال" كافيًا لكِ.»
بعد أن رأت العالم الذي خلقته بقوتها، صَدَّت عنه دون قصد.
بالنظر إلى ذلك، لابد أنها كانت تخشى قوتها. لو أنها قبلتها حقًا بفرحٍ ولا غيره، لما حاولت الصدَّ عنه.
«في حقبةٍ لاحقة، أردتِ الرمح وأردتِ تغيير العالم. ذلك لابد لأنّ قلقكِ قد عاد. كنتِ قلقة من أن عالمكِ المفترض المصنوع تمامًا لم يكن مثاليًا إطلاقاً. أردتِ أن تعملي أكثر على اللوحة الفنية التي قدمتِها للعامة. لا أعرف ما الذي فعلتِهِ لتستعيدي القوة بعد أن تركتِها، ولكن لا بد أن شيئًا ما قد حدث لأولّيرُس الذي يعرف كل شيء ليكرهك كثيرًا. ...كنتِ تتوقين إلى العالم التالي لأنكِ أردتِ إضافة طبقةٍ أخرى من الطلاء إلى اللوحة القماشية. وهذا من شأنه أن يفسر صراعك الداخلي.»
«...»
«نعم، الصراع الداخلي. لقد وزنتِ A و B على الموازين فما عدتِ قادرة على تحديد أيهما. كان لكِ خيار آخر يُنافس قيمته قيمة العالم الجديد. أليس هذا صحيحًا؟»
دفع كاميجو توما بقبضته اليمنى إلى الأمام.
وجه الإماجين بريكر للأمام.
فَكّر في معناها الأصلي.
«وفقًا لأولّيروس، يُعد الإماجين بريكر بمثابة تراكم لآمال جميع السحرة. قال إنها النقطة المرجعية لإعادة العالم إلى طبيعته بعد أن تُحرفه رغباتهم. لا أعرف ما إذا كان هذا هو أصله الحقيقي، لكن يمكن استخدامه على ذلك النحو. ويمكنكِ القول أن هذه هي البطاقة الأخرى التي لكِ أن تلعبينها. إنها تُمثّل العالم الأصلي. بدلاً من إضافة طبقة أخرى من الطلاء، يمكنك استخدام هذا مثل سكين اللوح لتُقشري الطبقات السابقة ببطء.»
العالم الأصلي والعالم التالي.
إذا كانت أفعال الإله كاملة، فقد لا يكون هناك أي فرق بين الاثنين.
من وجهة نظر الإنسان، ما كان بممكنٍ رؤية اختلاف.
لكن هذا الإله السحري كان كاملاً للغاية.
وبأي حال...
«حتى لو كانت نفس النتيجة، لا يمكنكِ التخلص من أملك الأول والمثالي في العودة إلى عالمك الأصلي عن طريق إزالة جميع المراحل التي وضعتِها! بالطبع لا تستطيعين. يعتقد ستة مليارات شخص على وجه الأرض حقًا أنّ هذا هو نفس المكان كما الحال دائمًا، لكنكِ وحدك تعلمين أنه تغيّر. سيكون أملك الثاني في إنشاء عالم الديوراما مختلفًا عن المكان الموجود في رأسك، لذلك لم تقدري على التخلص من الخيار الآخر!! لأمكنكِ بسهولةٍ أن تُضيفي مرحلة جديدة وتهربي إلى عالمٍ جديد، لكنك لم تقدري على أن تتخلي عن أملك الأول بالعودة إلى عالمك الأصلي!! لهذا السبب واصلتِ إعادة ضبط كل شيء واستمررتِ في التوافق مع أنانيتي حتى ولو قتلتِني عشرة آلاف أو ربما مئة مليون مرة الآن!!»
في هذه الحالة، كانت هذه معركة فردية.
كانت معركة مسموح بها لكاميجو توما ولا أحد غيره.
إماجين بريكر ضد غونغير.
العالم الأصلي ضد العالم التالي.
المعركة بين هاتين البطاقتين ستقرر حرفيًا مصير العالم.
ولكن كان هناك شيء واحد يستحق أن نضعه في الاعتبار.
كان كاميجو توما بلا شك واقفاً على هذا المسرح العظيم، لكنه لم يكن أكثر من مجرد إنسان. على مسرح الآلهة، كان دوره صغيرًا كشجرة أو عشب خلال مهرجان الفنون المدرسي.
«لابد أنكِ قادرة عليها.»
بعبارة أخرى، كانت هذه معركة لمعرفة البطاقة التي سيختارها إله السحر أوثينوس. أو ربما كان العرض النهائي لإقناع هذه الفتاة شقراء الشعر خضراء العينين بالبطاقة التي يجب أن تختارها.
«لا أعرف كيف أستخدم هذا الشيء. وربما لن يعرف حتى السحرة المحترفون الذين انغمسوا تمامًا في هذا المجال من السحر. لكن لابد أنك قادرة عليها. أنت تقفين في ذروة السحر! لقد صعدتِ إلى مكانةٍ بلقب الإله! لابد أن لكِ فكرة عن كيفية إصلاح العالم باستخدام هذه النقطة المرجعية!!»
إذا فكر المرء في الأمر، كان هذا هو الشكل المناسب للعلاقة بين الإنسان والإله.
أغنية.
رقص.
تمارين.
دعاء.
توسل.
قربان.
نسك.
لم يحارب الإنسان الآلهة. تفاوض الإنسان مع الآلهة للتغلب على الأزمات مثل الكوارث والأوبئة.
لا يستطيع الإنسان هزيمة إله.
لكنه قد يقدر على تغيير مسار الإله قليلاً ليتماشى بشكل وثيق مع ما هو مناسب للبشرية.
«دعينا نسلك حتى أدنى طريق ممكن للوراء.» تَلَفّظ كاميجو وهو يشد قبضته اليمنى بقوة. «لن أقول أنه من أجل الجميع. قد رفضتُ كل الابتسامات التي رأيتها هنا ولقد عزمتُ العودة إلى مكاني الأصلي حتى لو فصلت نفسي تمامًا عن كلّ من أعرفه. حتى أخذني الأمر عقودًا لأتصالح معهم تمامًا، فلقد تخليتُ عن الهروب من الألم. لن أترك نفسي مذعورةً لمجرد أنني أواجه إلهًا! سأفعل كل ما يتطلبه الأمر لاختيار بطاقتي!!»
«أتحسبني حقًا أفعل كل هذا إن كان ذلك سينجح؟»
صَرَّ الرمح قليلاً في قبضة أوثينوس.
أظهر وجهها أنها خطت بعمق في تلك الأرض.
«لم تنجح. جربتها ولم تنجح!! حتى ومع سكين اللوح لأقشر الطلاء، وحتى عندما قَشرتها لطبقاتٍ رقيقة للغاية، لم أرضى بالنتيجة. لم يعد هناك مسار مناسب يقود إلى ما كانت عليه الأمور. ما العمر إلا بمُتقدمٍ. إذا كان ما أردته غائباً عن عيني، فإن خياري الوحيد هو أن أنشئ العالم التالي!!»
«يجب أن تفهمي، أوثينوس.»
«أفهم ماذا؟ ألِطفل البشر حقُّ الكلام وكأنه يعي ما في ذهن الإله؟ رأسك الصغير لن يفهم حتى ذَرّة من التجربة والخطأ التي صُرِفت للوصول إلى هذه النقطة، فلا تحسب نفسك تغلبني بسهولة حتى الخاتمة!!»
«هذا ليس مقصدي.» هز كاميجو رأسه ببطء. «إنها ليست مسألة قدرة أو نظرية. إني مُتأكدٌ أنكِ تعرفين ما الذي أتوق إليه. لقد تجولنا في نفس هذه المتاهة السوداء بالضبط! لذلك يجب أن تفهمي!! العودة تعني فقدان كل شيء وكراهية الجميع، ولكنها تعني أيضًا أن تكوني قادرة في النهاية على الابتسام معهم مرة أخرى! يجب أن تعرفي فقط مقدار ما يمكنك التخلي عنه من أجل لا شيء أكثر من ذلك!!»
«...»
يبدو أن هذه الكلمات كَفَت لإسكات أوثينوس.
ولو للحظة فقط.
ولو للحظة واحدة.
«كل ما بقي هو اختبار التحمل. لنكررها مليارات أو حتى تريليونات المرات. سأعود إلى العالم الأصلي. لن أنتقل إلى العالم التالي. قد يكون العالم الأصلي في نظري مختلفًا عن العالم الأصلي في بالك، لكنني سأفرضه بغض النظر. هل تفهمين يا أوثينوس؟ أقول لكِ أنني سأحقق حلمي حتى لو تحطم حلمك!!»
«حسنًا إذن...»
«لذا هيّا بالجدية يا أوثينوس. كفي عن اللعب وهيّا أريني كل ما عندكِ كإله. لن أنقذ أحدًا. أنا أقاتل من أجل نفسي. نحن الوحيدان هنا، لذلك لا أحد ينقذني إلا نفسي!!»
«في النهاية، هذه ليست معركةً بيني وبينك. بل هي معركة لي لاتخذ قراري. في هذه الحالة عليّ أن أرمي التردد. ولأقضينّ على الأحمق هذا الذي يحسب فشلي إنجازه!!»
- الجزء 6
توقف عن العد.
حتى حقيقة أنه توقف عن العد تركت عقله.
«...»
كاميجو توما لم يفز ولو مرة.
انسحق وتقطَّع وتحطَّم وانحرق وتفجَّر وتمزّق أشلاءَ.
لطالما تهشَّم لحم فتى الثانوية هذا بدقة. كلما ضعف ضوء الحياة في عينيه كلهب شمعة وبدأت روحه تنادي الموت، ترتفع موجة طفيفة في قلب أوثينوس.
استسلمي وامضي قدمًا.
لم يفت أوان العودة بعد.
أمكنها فقط اتخاذ خيار، وعُرِضَ لها خياران.
بعد أدنى تردد، ستُلَوِّح أوثينوس برمحها وتعيد كل شيء إلى البداية قبل أن يختفي هذا الضوء تمامًا من قطع اللحم المتطايرة في الهواء. لقد أعادت كل شيء إلى تلك المتاهة السوداء التي رأتها كريهةً مقيتة.
لم تفكر في حسم أمرها مرةً وتنهي كل ذلك. كما أنها لم تفكر في التخلص من ترددها عندما واجهت اختياراتها المتفرقة.
لكن...
استسلمت أوثينوس تدريجيًا. مالَت مشاعرها في اتجاهٍ واحد. قادتهم إلى ذلك المسار. لا يهم إذا كانت تخدع نفسها. كان أقرب لإيحاءٍ ذاتي. بمجرد أن تتخذ منعطفًا حادًا في النهاية، ستظل عالقة في ذلك المسار مهما ندمت عليه لاحقًا.
بعد أن أنهت 10,031 مذبحةً، تلقت إجابتها.
لم تبتسم حتى.
سوف تنهيها هنا. سوف تُنهي حلمها.
بمجرد انتهاء الحلم، ستبقى الحقيقة فقط. بعد أن تخلت عن أملها الأول، ستخلق العالم التالي بسرعة وتعود إلى الحياة اليومية العادية. لم يفهم أحدٌ غيرها قيمة هذه المعركة، وستنتهي أخيرًا. لم يتبقَ لها شيء سوى أن تقنع نفسها بأن هذا كان الخيار الأفضل. خلاف ذلك، قد يرجع هذا الضنك مرة أخرى.
على الأرجح، ستموت حواسها.
لم تعد السماء الزرقاء من فوق والغابة الخضراء من حول تُحَرِّكُ قلبها، ولكن في المقابل، يمكنها إنهاء القتال ثم تعيش حياةً سلمية.
ما كان لها مصلحةٌ في القيمة أو اكتساب أي شيء.
قاتلت بحثًا عن معنى.
وهكذا...
(تنتهي هنا.)
بعد انتصاراتها العديدة، خَفّت الحرارة بداخلها.
كانت الأجزاء اللينة قد مُزِّقت، فتصلب قلبها.
تحولت تدريجيًا إلى شيء يشبه نظامًا.
(ترددي يتلاشى، أستطيع قول هذا. إني أرى الطريق الذي يجب أن أسلكه لأبَسِّط أفكاري. الآن في وسعي أن أتخلى عن هذا الحلم الأحمق وأكسب الواقع في المقابل.)
اختفى تذبذب عينيها. تثبتت بؤبؤتها. صارت شيئًا تعكس الضوء فقط.
وفي المقابل، حصلت على نصر حقيقي.
لم يطرأ أي تغيير على كاميجو توما. رغم كل حديثه، لم يحمل خطةً لتغيير هذا الوضع. كان يأمل فقط في إضعاف أوثينوس نفسها.
ما إن فهمت ذلك، أوثينوس هدأت حقًا.
أدركت أن الحلم الذي آمنت به لم يكن أكثر من هذا.
ولذا...
ولكن...
ظهر صداع شديد فجأة من أعماق رأسها.
«ماذا...؟»
بدون قصد، توقفت عن الحركة.
بعد ذبحه عدة مرات فقط، كانت قد تخلت تمامًا عن أملها الأول.
هجومٌ قاطع خفي أُطلِقَ عابرًا جانب كاميجو توما مباشرة ونسف مبنى المدرسة الخرساني المسلح خلفه إربًا إربا.
لم يستدر حتى لينظر.
كان يحدق فقط مباشرة في أوثينوس.
حدق في عدوه.
حدّق في ذلك الإله السحري.
حدق في وجه أوثينوس الملتوي من الألم.
«أخيراً.»
انزلقت الكلمة من زاوية فم الصبي.
الهجوم الأول قد فات. لم يكن كاميجو ينزف. ومع ذلك، لم يكن يبدو حاله حسنًا. كان هذا هو ثمن ذبحه من طرفٍ واحد مرات أكثر مما يستطيع أن يكلف نفسه عناء العد. لو كُشِفَت قلوب الناس، لرأينا قلب كاميجو ممزق.
«أخيرًا... يبدو أنني قد أفوز.»
لكنه ما زال يقول ذلك وهو يواجه مباشرة الفتاة شقراء الشعر ذاتُ رقعة العين.
«لا...تستخف. أتقول أنني توقفتُ من تعبٍ من هذه المعارك المتكررة؟»
«لستُ ذاك النوع من الإسبر، لذلك لا أستطيع أن أرى ما بداخل قلوب الناس. هذا يعني أن عليكِ أن تقرري بنفسك. أنا لست الوحيد الذي يكاد يستسلم. قد لا أبدو جيدًا، لكنكِ تبدين أسوأ.»
عبست أوثينوس قليلا.
لكن ليس من كلام كاميجو. كان ذلك بسبب شعور رأسها وكأنه على وشك إحداث ضوضاء صريرية.
«حتى لو شعرتُ بالضيق أيضًا، فمواصفاتنا تختلف اختلافًا جوهريًا! لو تعرضنا لنفس الألم لحُرِق رأسك أولاً!! إذن...ما هذا؟!»
«ألا تعرفين الجواب؟ حسبتُكِ إلهًا.»
«أم أنك تقول أنك تعاني من نفس الألم بالضبط ولكنك تتظاهر بالعافية؟ لا، ذلك مستحيل. لا للإنسان أن يُخادع وهو يواجه ألمًا يقهر إله. إن كان نفس الألم يصيبك، لتغيّر شكل رأسك منذ زمن!!»
بسماع ذلك، ابتسم كاميجو توما.
لقد قمع بشدة جوهر جسده الذي هَدَّد بترنُّحِه إذا فقد التركيز.
«مخطئة أنتِ يا أوثينوس.»
«ماذا؟»
«لقد قضينا أنا وأنتِ نفس الوقت بالضبط في نفس المكان بالضبط. قد يبدو من الطبيعي أن نعتقد أننا عانينا من نفس الضرر بالضبط، لكننا لسنا كذلك.»
لم تفهم كلامه.
لكنها شككت في أنه مجرد هراء. لقد أظهر الاختلاف الواضح في الضرر العقلي نَفْسَه.
«قد يرى الإله هذا تشبيهًا شائعًا جدًا، لكنه مماثل لما في لعبة فيديو يا أوثينوس.»
«عن ماذا تتحدث؟»
«عندما يتحدى لاعبٌ ضعيف زعيمًا قويًا للغاية ثم يُهزم، لن يشعر بالملل. سيعجز عن الفوز ويشتكي أكيد، لكن من الممتع تجربة كل أنواع الأشياء ضد خصمٍ لا يُهزم لأجل تحليل نمط هجومه. قد لا يحفظ أي بيانات، لكنه سيشعر أنه انجز شيئًا. ليس ذلك فحسب، بل إن قتال عدو خارج نطاقه قد يبدو أنه ذو معنى في حد ذاته. فيقول "إنه صادف زعيمًا نادرًا لم يره أحد من قبل" فيصنع من ذلك حديثا مشوقا.»
«...»
«لكن ماذا عن العكس؟ إذا قاتل لاعب بطولي عالمي أعداءً ضعفاء للغاية مرارًا وتكرارًا، فمن الواضح أيهما سيمل. لن يستمر تركيزه حتى نصف ساعة. لن يكون إلا عملاً. لا مجال للتجربة والخطأ ولا ربح ولو بقليل من نقاط الخبرة أو المال. ولا معنى في محاربة أعداءٍ أقل بكثير من مرتبته. وحتى إن القول بأنه فاز على عدو ضعيف في نظر الجميع يُفسد من الحديث.»
ربما وقفا في نفس المرحلة، لكن أدوارهما كانت مختلفة تمامًا.
رأى الضعيف معنى في تحديه المتهور. سئم القوي من مواكبة ذلك.
في النهاية، لم يكن هناك معيار واضح لمدى استنزاف عقل المرء.
كان الأمر كله يعتمد على حالة القلب.
«لقد كررنا هذا مرات لا تحصى. شاركنا نفس الأحداث بالضبط. مشينا عبر هذه المتاهة الجهنمية معًا... لكنها مختلفة لكلينا. لم نكن في نفس الوضع. تعبنا بسرعاتٍ مختلفة تماما!! وهذا الإختلاف يغلب اختلاف المواصفات وسيُصيبُكِ أولاً! لا يمكننا تكرارها مرة أخرى، أوثينوس. إذا لم أستطع إيقافك هنا، فسوف تنهارين من الداخل!!»
كان سكينًا خفي.
لم يتمكن كاميجو توما من إيصال قبضته إلى أوثينوس ولو مرةً، لكنه نجح في العثور على سلاح يمكن أن يتسبب بسهولة في جرح مميت. لقد وجد المواد التي يحتاجها لمفاوضاته مع الإله السحري.
«حسنا إذن.» كان صوتها منخفضًا، كالوحش الهادر. «لأستسلم هنا.»
«...»
«سأترك أملي الأول في العالم الأصلي وأسلم نفسي لأملي الثاني في العالم التالي. إذا لم أستطع تأجيلها أكثر، فلي أن أتخلى عن حياتك هنا. فهذه بالفعل فرصة جيدة. وأنتَ تعرف ما يعنيه هذا، أليس كذلك؟»
أظهرت نبرة صوتها أن هناك شيئًا واحدًا لا تستطيع قبوله قبل كل شيء.
لكن ليس من الصداع النابض بعمق في رأسها.
ولا حالة قلبها الغامضة.
بل من هذا الإنسان الظان أنه يقف فوقها.
«لن أعود. لن أكرر. لن أُحاصَرَ من ترددي. لأتخلى عن كل شيء وأمضي قدمًا. ...ما إن أقتلك هذه المرة، لن توجد مرة أخرى أيها الإنسان. لن تستطيع الفوز. لم تفز ولو مرة. ولذا الهجوم القادم سيودي بحياتك!!»
لم تحتج أوثينوس حتى إلى الإنتقال من تلك البقعة.
كان عليها فقط رفع الرمح برفق.
انفجار غير مرئي سيحطم على الفور جسد كاميجو توما إلى أشلاء.
ولقد قامت بنفس هذا الهجوم مرات لا تحصى. فعلت ذلك مرات عديدة لدرجة أنها ما عادت تُميّز بين ذكرياتها عن فعلها في الماضي ورؤيتها لما يحدث في المستقبل. كانت نتيجةً معروفة. لم يكن التدمير المثالي في ذهنها أكثر من تقليدٍ للماضي، لذا لا فرصة للفشل. النتائج الفعلية من آلاف أو عشرات الآلاف من المرات السابقة ضمنت النتيجة الحالية.
مع ذلك...
في اللحظة التالية، أفلَتَ كاميجو بدقة من الانفجار الخفي بالقفز جانبًا.
- الجزء 7
(ده...!!)
الألم الشديد الذي أصاب كامل جسد كاميجو توما جَهَّمَه.
لقد نجا بطريقة ما من المنطقة المميتة، لكن الانفجار أصابه في الجو.
اصطدم بالأرض الترابية بعد أن رُمِيَ إلى أبعد من نقطة هبوطه المتوقعة. دفعه زخمه الزائد إلى أن يتدحرج أكثر.
ومع ذلك، تَحَمَّل.
«...»
أدارت أوثينوس عينها نحو هدفها ورفعت رمحها ثانيةً.
أرسلت جدار انفجارات بلا فجوات نحو كاميجو توما. كانت هناك انفجاراتٌ كثيرة بَدَت وكأنها تمتزج مع بعضها البعض.
لم يرفع يده اليمنى.
بدل ذلك، حَوَّل جسده إلى الجانب كأنه يشق طريقه عبر زحمة الناس في القطار وتقدم قليلاً إلى الأمام.
هذا كل شئ.
انزلق جسد الصبي الصغير بمهارة عبر جدار آلاف أو عشرات الآلاف من الانفجارات.
«ماذا؟»
لم تتطابق النتيجة مع نظرية أوثينوس، لذلك تحدثت بصوت عالٍ مع تعبير محير.
«ماذا حدث!؟ لستَ قادرًا على مواكبتي بمواصفات!!»
«لا، لا أستطيع. وهذه المعارك المتكررة لم تزد جسدي قوة. كما أنني لم أفتح قوةً خفية في الإماجين بريكر أو أي شيء من هذا القبيل. ما زلت كما أنا. ولم أصبح أي شيء آخر.»
«إذن...!!»
كان وميض النجوم في السماء ينذر الشؤم.
كلٌّ منها تحول إلى رمحٍ حاد من الضوء فسقطت كالمطر.
لكن...
«فكيف لك النجاة!؟»
«هل نسيتي يا أوثينوس؟ أم أنكِ رأيتها تشبيهًا واهيًا لدرجة أنك تجاهلتِها؟ من الممتع تجربة كل أنواع الأشياء ضد خصمٍ لا يهزم عادة لأجل أن أحلل نمط هجومه. قد لا أترك أي بيانات أو حفظ، لكن تعطيني شعور انجاز شيء!!»
«لا تعني...»
«حتى لو لم أرتقي بمستواي كما هو الحال في لعبة الـ RPG وحتى لو لم يكن هناك أي تغيير في قوتي الجسدية أو قدرتي الخارقة، فقد كنت أُحَلِّلُكِ طوال هذا الوقت. بينما كنتِ تقتليني مرارًا وتكرارًا، قمتُ تدريجيًا بحفظ أنماط قتالك!! فام عدتُ مضطرًا للتفكير بعد الآن. بتُ أتحرك على الحدس!! وكان لدي الكثير من الفرص لفعلها. فبعد كل شيء، لقد بقيتِ معي حتى توقفتُ عن العد تمامًا!!»
كان هذا مشابهًا لألعاب التصويب القديمة. الطريق إلى المستوى التالي كان يعتمد أكثر على اللاعب الواقعي الذي يحسن مهاراته أكثر من اعتماده على معايير السفينة داخل اللعبة.
في إعدادٍ صعبٍ بدا وحشيًا للوهلة الأولى، قد يبدو من المستحيل غلبه. ولكن بعد اللعب مرات كافية، سيبدأ المرء يلاحظ سماتاً محددة لتحركات وابل رصاص العدو. بعد بناء موطئ قدم شيئًا فشيئًا، يمكن للاعب هزيمة الزعيم بحركات آلية تقريبًا ثم يتقدم إلى المرحلة التالية.
«هل تقصد أنك استغللتَ كل تلك القتلات؟»
«لسوء الحظ، حقًا عجزتُ عن هزيمتك. ما تهاونت. أعطيتُك كل ما لدي حقاً وما زلت أموت في النهاية. لكنني لم أترك نفسي تُقتل دون سبب. اخترتُ عن قصد كيفية موتي لأختبر كل أنواع الأشياء. في الموتِ تعلمت. قد يكون الأمر مختلفًا بالنسبة للآلهة النقية، ولكن هذه هي الطريقة التي عمل بها الترفيه البشري المتواضع.»
ربما لم يكن هناك معنى لذلك.
ربما لم يكتسب أي شيء سوى شعور الرضا.
لكن...
«أنا فتى العادي من المدرسة الثانوية تجدينه في أي مكان. ربما في يدي اليمنى قوةٌ خاصة، لكن هذا لا يكفي بأن أسمى خبيرًا. حتى لو تهرب بنجاح من هجوم الإله هنا، فأنا ما زلت أنا. إذا حاربتُ ساحرًا عاديًا، قد أخسر عادةً. فمواصفاتي ليست أعلى من ذلك.»
حتى أثناء حديث كاميجو، طاردته دوامة من الانفجارات.
لكن الدمار لم يستطع لحاقه.
كان ينزلق حتى في أدنى فجوة ويغلب توقعات أوثينوس بشأن مكان انقاله التالي. بطريقة أو بأخرى، كان بالكاد يمنع جسده من الانفجار.
«لكني جمعت نمطك. حتى لو كنت لأخسر عادةً أمام ساحر آخر، يمكنني أن أتسلل من الشقوق ضدك!! تَدّعين أن لكِ قوة إله، لكنكِ إله سحري قامَ من مكانة الإنسان. ربما ترينه وقحًا يا إله، ولكنكِ بطريقة ما سهلة التوقع. فيكِ رغباتٌ تميلُ للعداء. طالما أعثر بشكلٍ منهجي على أدلة لفهم تلك الرغبات، فلن يصعب علي التعامل معها!!»
لم يكن كاميجو توما خبيرًا في السحر الشائع على الجانب الآخر من الكوكب.
ولكن دون أن يعرف ذلك، فقد أشار إلى خاصية مشتركة للآلهة المتعددة، الآلهة مثل التي في اليونانية والإسكندنافية.
الآلهة المتعددة لها عواطف. ولم تقتصر تلك المشاعر على الإيجابية مثل الحب أو العدالة، كذلك أظهروا الجانب السلبي مثل الخوف والغيرة.
عندما جُمِعت آراء جميع الآلهة، خلقت نظامًا واحدًا مَرِنًا. طالما أن هذا النظام قادهم في النهاية إلى الطريق الصحيح، فكل شيء تمام.
كانت تلك الوجودات تُعرف بالآلهة، لكن فيهم شكوكاً وإخفاقات كأي شخص آخر.
ولذا...
«على الأرجح، أنتِ لستِ مطلقة.»
وصلت الآلهة إلى الإجابة المثالية عندما تجتمع في مجموعةٍ واحدة.
بسد فجوات نقاط الضعف لبعضهم البعض، قاموا بإنشاء نظام دفاع قوي لا يُغلَبُ من أيّ عدو.
كانت تلك إحدى سمات أساطير تعدد الآلهة.
إذا تَجَلَّى العمود المركزي لتلك الآلهة فقط بدون عالم السماء أو الآلهة الأخرى، فلا شيء يقول أنها تستطيع ممارسة القوة الكاملة.
«حتى لو أنكِ أكملتِ نفسك كـ "أوثينوس"، فهذا لا يعني أنكِ مطلقة!!»
«...»
كان يخمن بعد تخمين.
لم يُعلّمه أحدٌ شيئًا من هذا. لم يقرأ أبدًا أي كتب حول هذا الموضوع. كانت هذه الإجابة التقريبية قد غرقت في ذهنه بعد كل ما مَرَّ به. لكن هذه الطريقة أعطت أوثينوس إحساسًا هادئًا بالخطر أكبر مما لو أنه ثَقَّف نفسه بجدٍّ في هذا الباب.
لم تكن ردة فعلها تفاجئاً.
لم يُحتوى هذا على معرفة سطحية. بل قد غرق فيها لدرجة أنه عَبَّر عنها بأفعاله. قد وصل إلى مستوى مهارة قابلة للاستخدام.
وكانت الأساطير الإسكندنافية نظامًا عملاقًا مبنيًا حول المعارك.
وَقَفَت أوثينوس على قمة هذا النظام، لذلك كان من الطبيعي لها أن تركز أكثر على التجربة القذرة التي استوعِبت من خلال القتال أكثر من التركيز على النظريات النقية التي توضع على مكتب.
ولن تشكل فرقاً إذا كانت تلك التجربة في جانب العدو.
«فهمت.»
قطع الرمح صوتًا في الهواء وهي تُأرجِحُهُ قليلاً.
لم تكن هذه علامة على هجوم.
حركت الرمح ببطء لتثبته بكلتا يديها.
«لقد سئمتُ من علاقتي المؤسفة بأولّيروس، لكنني حسبتُ أن ذاك هو أقصى معارضةٍ قَدَّمها هذا العالم.»
«...؟»
«ولكن، أرى أن الوقت الذي قضيتُه معك قد تجاوز ذاك الإرتباط. تخيّل أن هذا المكان قد خَلَقَ أحدًا ‹يفهمني› أكثر منه. يبدو أن العالم رأى لَذَّةً في رمي الصعوبات عليّ!!»
كان صراخها زناد.
كاميجو توما وأوثينوس كلاهما تحرك لحظتها.
وانتهت بعد خطوة.
اندلعت دوامةٌ من الدمار.
توقف الوقت.
انضغط الفضاء.
وما عاد للمفاهيم القياسية للزمان والمكان أيُّ معنى.
تم تسمية رمح ‹رأس الإله الإسكندنافي› بـ غونغير. صُنِعَ مقبضه من خشب شجرة الدردار، مثل شجرة العالم، وطرفه الحاد من الذهب، وله قوة هائلة بسبب الأحرف الرونية المنحوتة من قبل ديفرجر شخصيًا في القاعدة المملوكة من قبل ‹رأس الإله›.
كان لها بعض الخصائص المختلفة.
1. صُنِعَ الرمح ليُرمى.
2. سوف يصيب الرمح هدفه دائمًا ما إن يُرمى.
3. لن يُدَمَّرَ الرمح أو يُسقَط في منتصف الرحلة.
4. سيعود الرمح دائمًا إلى يد صاحبه بعد اختراق الهدف.
يبدو أن العودة إلى مالكها كانت قدرة مهمة نسبيًا للمقذوفات. على سبيل المثال، لم يمتلك كو تشولَين Cú Chulainn من رمح الأساطير السلتية هذه القدرة وقد قُتِلَ في النهاية عندما ألقِيَ رمحه عليه. قيل أن كل من ‹ميولنير› لإله البرق ثور في الأساطير الإسكندنافية و‹فراغراتش› لإله النور في الأساطير السلتية يتمتعان بهذه القدرة.
كان من الممكن أن تكون خصائص هذه الأسلحة تهدف إلى جعلها "أسلحة رائعة فقط الآلهة الخاصة مسموحٌ لها باستخدامها ولا يمكن لأي إنسان صنعها بالمطلق".
وحتى مع كل هذه الخصائص، فإن رمح ‹رأس الإله الإسكندنافي› له خاصية أخرى تضعه بخطوة واضحة فوق أسلحة الآلهة الأخرى.
5. سوف يدمر هذا الرمح رموز القوة البشرية.
جاء ذلك عندما كسر غونغير السيف الأسطوري الذي كان يستخدمه والد سيجورد البطل. عند الضرورة، سيأخذ ‹رأس الإله الإسكندنافي› القوة من البشر، مما يعني موتهم قد جاء، ويضيف روحهم إلى جيش الآلهة.
لا يستطيع الإنسان هزيمة إله.
كان لخاطر الإله الأولوية على كل شيء في عالم الإنسان، وسيتصرف العالم وفقًا لذلك.
لا توجد خاصية أخرى أشعرت بقوة أكبر مثل قوة الإله.
فبدلاً من إظهار القوة التدميرية البسيطة عن طريق إبعاد جبل أو تبخير البحر، فإنه أشارت بصراحة إلى أسبقية الإله.
بعبارة أخرى،
اللحظة التي يترك فيها ‹الرمح› يدي أوثينوس،
هي اللحظة التي ينفجر فيها العالم إلى أشلاء.
عاد الوقت.
شعر كاميجو مرة أخرى بالفضاء ينتشر حَوْله.
عندما رُمِيَ الرمح بقوة هائلة، تَهَشَّم "العالم السعيد" إلى أشلاء كما لو أن الفضاء نفسه تَمَزَّق. عندما اقتربت شظيةٌ من العالم بقوّةِ موجةٍ مُستعرة، اتخذت شكل رمحٍ عملاق. تَحَطَّمَت جدران كل ‹المراحل›، وتحولت إلى دوامة من الأسلحة الفتاكة تشبه شظايا الزجاج الحادة، واقتربت من هدفها التافه كما لو نَوَت ابتلاعه كاملاً.
كل شيء تمزق.
المتاهة السوداء، التي استنفدت كل إمكانياتها، أظهرت نفسها.
كان لإله السحر أوثينوس قدرةٌ على الخلق، لذا فعليًا لم تكن تدمر أي شيء. ربما كان هذا تغييرًا حدث بإضافة مرحلةٍ جديدة فوق العالم. ومع ذلك، كان من الواضح بشكلٍ صارخ ما سينتج عن المشهد أمام عيني كاميجو. كان هذا هو نفس الإشارة إلى التدمير الكامل لقصر فخم على أنه "خلق كومة من الأنقاض". كان هذا بلا شك سيلاً من الدمار.
عبارة "لِخاطِرِ عالم الإنسان" لم تسوى شيئًا.
كان للدمار الذي قام به الإله الأولوية.
كان تأثيره الأعظم هو أن يجعل أيَّ إنسانٍ مقاوم يستسلم ما إن يراه.
وَفَّر ذلك شعورًا ساحقًا بالعجز لدرجة أن حتى البطل المتمرس سوف يسقط على ركبتيه وينهي التحدي.
على الأرجح، ما عسى لأحدٍ الهرب من هذا الرمح عند مهاجمته وجهًا. مهما كان شكل الدفاع أو المراوغة التي أدّوها، فلا أمل لهم في النجاة. وقد أُعطِيَ هذا الهجوم معيار "لا يمكن لأي إنسان أن يعارضه". ما لم يترك المرء أرض الإنسان، سيتحطم إلى أشلاء. حتى ‹فياما اليمين› أو ‹أولّيروس› لن يقدرا شيئا عند مواجهته.
ومن المستحيل لطالب المدرسة الثانوية العادي التغلب عليه.
حتى مع وجود قوة خاصة في يده اليمنى، فإنه سيتحطم إلى أشلاء قبل أن يستخدمها.
لكن...
(ألم تستمعي يا أوثينوس؟)
فكر كاميجو توما في نفسه وهو يحدق بصمت في طرف الرمح العملاق الذي أُنشِئَ بالتضحية بالعالم أسره.
(لستُ شخصًا مميزًا، وقد أخسر عادةً لساحرٍ محترف، ولست بأكثر من طالب في المدرسة الثانوية.)
في لحظة إطلاق الرمح، التوى وجه أوثينوس قليلاً.
لا بد أنها رأت النظرة على وجه الصبي.
نعم.
كان كاميجو توما يبتسم قليلاً.
«لكن الآن، يمكنني غلبك!!!!»
كان الإجراء الذي اتخذه بسيطًا.
شد قبضته اليمنى بإحكام واستخدم وزن جسمه كاملاً لدفعها إلى الأمام.
لن يتمكن أحد من مواكبة سرعتها الهائلة. كان ممكناً أن تتحطم أجسادهم إلى أشلاء قبل أن يأملوا حتى في تتبع طرف الرمح بأعينهم.
لكن التجارب التي اكتسبها قادت تحركاته بدقة.
اكتسب هجومًا أكيدًا من شأنه أن يعمل على إله السحر أوثينوس ولا أحد غيرها.
غطست قبضة كاميجو توما اليمنى نحو نقطة واحدة لن يصلها أيُّ شخصٍ آخر.
وصلت قبضته إلى الحافة الحادة لغونغير.
في لحظتها، اختفى كل صوت من العالم.
اختفى العالم اللطيف وصُبغ كل شيء بالسواد.
عندما ضربت قبضة كاميجو توما اليمنى، انحرف الرمح بحدة إلى أعلى.
عندما رفعت أوثينوس يدها، استدار الرمح بشكل معقد وبدأ يعود إلى يدها عبر السماء السوداء.
لكنه لم يكمل العمل.
تحطم الرمح في الجو وتفكك تمامًا قبل أن يعود إلى أوثينوس مثل الكيد المرتد (بوميرانج).
«...»
قبضة كاميجو لم تفلت من أذى.
كان إصبعه الأوسط وبنصره لقبضته المشدودة بإحكام ملتويةً بزاوية غريبة واضحة.
ومع ذلك، ابتسم الصبي.
رغم خوره وتعبه، ابتسم.
«انتهت...» أمكنه أن يشعر أن هذا هو الحال. «أنهيتُها... ولن يمكنكِ... الهروب من حلمي...»
لم تستطع أوثينوس أن تعيد الوضع إلى البداية.
كان الضرر الذي أصاب عقلها يقترب من أقصاه. إذا كررت المعركة مرة أخرى، فدمارها الداخل دمار. وكلما كررت المعركة، زادت تراكمات خبرة كاميجو. إذا تركته يتحداها مرة أخرى، فمآلها الخسارة أمام كاميجو المُزداد مهارةً بالتدريج. تمامًا مثل لاعب لعبة التصويب، حدَّد مستوى خبرته مدى خطورة العقبة.
لهذا السبب لم تستطع الهروب.
كان بإمكانها فقط رؤية الحقيقة البسيطة التي فقدتها.
«هل...»
تمتمت أوثينوس مذهولة.
يمكن سماع صوت شقوق صغيرة تدخل شيئًا.
«هل حسبتَ حقًا أن هذا ما يكفي لإنهاءها؟»
من المحتمل أن الصوت أتى من خلف رقعة العين التي ارتدتها.
حتى بالنظر من الخارج، أمكن لكاميجو أن يقول أن شيئًا ما ينبض بالداخل.
«إنما كان غونغير وسيلة لتوجيه قوتي نحو النجاح بنسبة 100٪. لكن ‹تعويذة الجنية› التي استخدمها أولّيروس عليّ في النهاية أعطتني إمكانية أخرى كإله سحري: فشل بنسبة 100٪. هذا الاحتمال يعني أن كل أفعالي سوف تأتي بنتائج عكسية. لكن إذا علمت بفشلي في كل مرة، فسوف أحقق النصر دائمًا باختيار عكس انطباعي الأولي تمامًا. ...حتى بدون الرمح، فإن الإله السحري لا يزال إلهًا سحريًا!! هذا لم ينته ولو من قريب حتى!!!!!!»
«ربما لا...»
شعر كاميجو بشيء كالقشعريرة تجري على ظهره.
شعر بشيء يتجمع في قبضة يده اليمنى المكسورة.
يبدو أن تدمير تلك القبضة أو قطعها كان بمثابة نوع من الزناد. شعر في جلده أن شيئًا ما على وشك الانبثاق.
«لكنني غالبًا سأهزمك.»
«...!!»
كان هذا مختلفًا عن ثقته السابقة التي لم تحمل أساسًا.
في اعتراضه وتدميره الرمح، قَلَبَ كاميجو توما الأوضاع أمام أسطورة.
«حتى لو خسرتُ أمام أحدٍ آخر، سوف أهزمك. مواصفاتنا لم تعد مهمة، أوثينوس. تَجاوَزَتْ خبرتي نقطةً معينة. حتى لو كنتُ معصوب العينين وأمسك بوحدة التحكم خلف ظهري، فلن أفوت ما أمامي.»
«........................................................................ ................................ تمام،» تمتمت أوثينوس بهدوء.
بعد لحظة، ملأ صوت تحطم الزجاج المنطقة.
بدا رمحٌ من الضوء وكأنه يطعن وسط ظهرها فيخترق صدرها.
لم يعرف كاميجو التفاصيل. لم يعلم أن هذه كانت ‹تعويذة الجنية› السرية التي عمل ‹أولّيروس› و‹فياما اليمين› معًا لمهاجمتها بها.
لم يعرف كيف استغله هذا الإله السحري ليمنحه كامل إمكانياته السلبية.
«لقد ارتفعتَ عاليًا فقط من فشلي كإله. في هذه الحالة، سأصحح هذا الفشل هنا. ولقد حان الوقت لأعلمك مكانك ولأسحقنك إلى أعماق الأرض أيها الإنسان!!»
انتشرت شقوق الضوء من وسط صدرها إلى كامل جسدها.
ولم يبقَ محصورًا داخل جسدها.
بعد أن دَمَّر هجوم الرمح كل شيء، بقي العالم الأسود فقط. الشقوق التي انتشرت من ظهر أوثينوس أكلت في ذلك العالم بأسره. انتشر رمزٌ غريبٌ إلى ما كأنه لا نهاية. لم تشبه لا أجنحة ولا زهرة.
هل امتدت قوتها إلى أبعد مناطق العالم؟
هل كان العالم في النهاية جزءًا منها؟
جلب غونغير أرضًا إيجابية. وكان الموقف المعاكس أرضًا سلبية. حتى عندما رأى كاميجو توما الإمكانية الأخرى لإله سحري، ابتسم وشد يمينه.
وتحدث مرة أخرى.
«نعم، هذا تمامٌ لي.»
«...ماذا؟»
«ما تتحملينه ليس خفيفًا لدرجة أقنعكِ بالكلمات. أعي ذلك الآن. لذلك دعينا لا نتراجع. لا يهمني إذا كان ميؤوسًا منه أو جهنميًا. لا متعة إذا لم نُعطي كل قطرة أخيرة.»
كان ذلك بمثابة الزناد.
في الواقع، من المحتمل أن الصبي قد فهم أن كلماته ستثير غضب الإله السحري.
فاستجابت أوثينوس.
كانت غاضبة للغاية لدرجة أنه سمع صوت أنيابها تقضم حافة شفتها.
عندما ذاقت الدم، اتخذ الإله السحري حركته.
أوثينوس، أو ‹رأس الإله الإسكندنافي› الذي أصبح أصل الاسم، قد ترك وراءه العديد من الأساطير المختلفة بصفته مركز النظام المُشَكِّل للأساطير. لم يستخدم هذا الإله بالضرورة سلاحًا واحدًا فقط، وكانت هناك سجلات عن هزيمة هذا الإله لأعداء مختلفين بشفرات مختلفة.
وكان هناك سلاح واحد مرتبط بشكل خاص بأوثينوس بدلاً من أودين.
كان يُعرف ببساطة باسم النشّابية.
لم يعرف أحدٌ اسمه الرسمي، ناهيك عن كيفية إنتاجه. لم يترك هذا السلاح الوهمي سوى وصفًا لقوته التدميرية المخيفة في النصوص. كان رمز ‹الإله الرأس› غامضًا جدًا بحيث لا يمكن تسميته بأسطورة وغالبًا تغطت حقيقته بضباب الزمن.
قيل أن النشّابية يمكن أن تحمل في نفس الوقت عشرة أسهم في شكل مروحة.
قيل أن إطلاق هذه النشّابية يمكن أن تقضي على أي جيش.
يمكن سماع صرير العالم بأسره.
نظر كاميجو إلى الأعلى قليلاً.
رأى الرمز المزعج ينفجر من ظهر أوثينوس مخترقًا ويمنح لون الضوء للعالم الأسود الذي يغطيه. سمع صوت صريرها يجمع قوة هائلة.
في النهاية، كان العالم هو نَشّابيتُها.
وسرعان ما أدرك كاميجو توما أنّ عشر قطع من الدمار قد أمطرت من القبة السماوية أعلاه.
- الجزء 8
بماذا يُقارن هذا بالضبط؟
ربما يكون مدفعٌ كهرومغناطيسي طويل للغاية يستهدف أحدًا ما على سطح الكوكب من بعد تسارعه الأبدي باستخدام خطوط إرشادية مستقيمة تمتد من أحد طرفي الكون إلى الطرف الآخر. [1]
ربما يكون سلاح التفرد هذا الذي خلق دمارًا لا تفسره الفيزياء النيوتونية عن طريق العبث المباشر مع أصغر الجسيمات التي تتعامل مع الكتلة والحركة مثل البوزونات وجسيم هيغز.
على الأرجحية، كان التعبير عنها بالكلمات عبثياً.
حتى لو جمع المرء كل ما هو بممكنٍ التعبير عنه بالكلمات، فمن غير المحتمل أن يتمكن المرء من وصف هذه النشابية.
ببساطةٍ، ضَرَبَت.
«...!!!؟؟؟»
قفز كاميجو توما إلى الجانب بكل قوته.
...الطلقة الأولى سقطت رأسيًا من السماء.
احتفظت بالقوة التدميرية اللازمة لمحو كوكب أو كوكبين بسهولة، لكنها تجاوزت نقطة إنشاء شيءٍ مثل فوهة بركان. لم يكن هذا مختلفًا عن رصاصة بندقية قنصٍ أطلقت بسرعة ابتدائية تخترق الزجاج دون أن تكسره. تم إطلاق السهم بسرعة كبيرة لدرجة أنه اخترق الأرض السوداء دون انتظار انتشار الصدمة.
ورغم ذلك، ركض كاميجو.
كانت المسافة بينه وبين أوثينوس قريبة ولكن بعيدة. أشعرت وكأنها جدار لانهائي.
...بدت الطلقة الثانية وكأنها تمسح الأرض حيث أنها أُطلِقَت خلفه وقطريًا إلى اليسار.
رَبَضَ كاميجو لأسفل فمرَّ السهم من فوق رأسه واجتاح العالم. كان مساره مائلًا إلى الأسفل قليلاً وخلق واديًا عملاقًا في ذلك العالم المصبوغ بالسواد.
لم تتحرك أوثينوس من مكانها.
كان عليها وكاميجو أن يكونا المثل. كلاهما كان يبذل كل قوته لهزيمة خصمه.
...انفجرت الطلقتان الثالثة والرابعة على الأرض.
طعنا على بُعد أمتار قليلة على جانبي كاميجو. كانا فخا. لو أنه تحرك بتهور حتى خطوة للتهرب، لتهمَّش قطعًا.
وكلما زادت عدد الإجراءات الزائدة التي اتخذها، ابتعد أكثر عن نصره.
شحذ حواسه كإبرة وتصور نفسه يمتد إلى الأمام ويثقب أوثينوس بتلك الإبرة.
...الطلقة الخامسة جاءت من أمامه مباشرة.
تم بالفعل إغلاق تحركاته إلى اليسار واليمين والآن رَمَت أوثينوس ضربةً مستقيمة. لأول مرة، حَرَّك كاميجو يده اليمنى. ولكن ليس في تأثير مباشر يُقصد به التدمير. رفع يده من الأسفل، وتتبع يده على طول سطح السهم، وحَوَّل (غيّر) مساره إلى أعلى.
ركض إلى الأمام مستقيمًا.
هدد خوفه وحذره بزعزعة هذا الفعل البسيط.
...كشطت الطلقات السادسة والسابعة أكتاف أوثينوس.
أُطلِقَ السهمان من خلفها واصطدما في الجو قبل أن يصلا إليه. مع ضوضاء متفجرة هائلة، تغير مسار السهمين بشكل معقد. تَهَرَّب الصبي من أحدهما عن طريق خفض أعلى جسده ثم قَفَزَ فوق الآخرى بقفزة كبيرة.
تكريس نفسه للتهرب كان عبثيًا.
هَدَّدَ مساره بالتذبذب، لكنه استخدم قوة إرادته ليحافظ بيئسٍ على مساره.
...تجاوزت الطلقة الثامنة قيود البُعدِ الثالث.
شَعَرَ كاميجو بشعلة كهرباء ساكنة على عموده الفقري فأرجح رأسه على الفور إلى الجانب بأقصى ما يستطيع. بعد لحظة، انقسم الفضاء فجأة وهاجم سهمٌ العالم.
ركز على مساره.
ظهر الطريق الذي يبلغ طوله عدة أمتار إلى أوثينوس بوضوح في رأسه.
...تجاهلت الطلقة التاسعة مفهوم الأرقام.
الأسهم التي سقطت من فوق لوّنت سماء الليل كالألعاب النارية ولمعت مثل النجوم التي تغطي السماء. كل واحدة منها كان قاتلاً، لكن كاميجو لم يتجمد. مهما هطلت هذه الأمطار، دائمًا وَجَدَ مكاناً آمن يخطو فيه.
سيصل إليها.
نظر إلى وجه أوثينوس وشد قبضته اليمنى أكثر من ذي قبل.
...والطلقة العاشرة...
(أراني أصِلُ إليها.)
صرّ كاميجو أسنانه.
انتقل بحدة نحوها.
(سأصل إليها مهما كان الأمر! لا يهم من أين يأتي السهم الأخير! فيني أن ألكمها بعد أن أتهرب من السهم أو حتى قبل أن تتطلقه. وفي كلتا الحالتين، سأنهيها!!)
«أوثينوس!!»
في اللحظة التي صرخ فيها، كان واثقًا من انتصاره.
توقف عن التفكير في الطلقة العاشرة تمامًا. وهذا بسبب أنه توصل إلى فكرة إنهاء هذا قبل أن تُطلِقه.
لكن خطأه كان مفهومًا.
اقتربت الطلقة الأخيرة مباشرة من خلف إله السحر أوثينوس.
وهي لم تتحرك خطوة واحدة.
بعبارة أخرى، اخترق السهم مباشرةً أوثينوس دون تردد.
اخترق السهم الأخير جسد الفتاة بالكامل وانطلق نحو كاميجو من النقطة العمياء أمامه مباشرة.
«...آه.»
توقف الزمن.
كان بطيئًا جدًا في الرد.
بحلول الوقت الذي سمع فيه صوتًا باهتًا، كان السهم الأخير قد امتص صدره واستهدف قلبه بدقة.
لم يكن هذا شيئًا مثل ثقبٍ أو كسرٍ.
في لحظة الاصطدام، تحطم جسد كاميجو توما إلى أشلاء من الصدر إلى أسفله. بينما كان قلبه يتلوى في الجو، أمسكه طرف السهم ودفعه إلى أبعد نقطة في ذلك العالم.
كل ما بقي في هذا المكان هو ذراعي الصبي وكتفيه ورأسه.
على هذا المستوى، ما مسمى لهذا إلا الرفات.
دار "جسد" كاميجو مرتين على الأقل في الهواء فأمسكته أوثينوس بيدٍ واحدة.
من المفترض أنها أصيبت بنفس الضرر بالضبط، ولكن ما بقي إلا خدشٌ واحد على بشرتها الناعمة. لقد حدث الدمار، لكن الجروح تعافت على الفور كأنك تشاهد تدمير الجيلاتين بفيديو معكوس.
تحدثت أوثينوس بضوء بارد في عينها.
«انتهى.»
«... اللعنة. ربما...»
لقد خسر كاميجو مرارًا وتكرارًا واستخدم هذه الخسائر لتحليل أنماط قتال أوثينوس. لهذا السبب تمكن من محاربة هذا الإله السحري. ومع ذلك، كان ذلك فقط أوثينوس عندما استخدمت الرمح. كانت تلك أوثينوس مع إمكانياتها الإيجابية. لم يكن قادرًا على تتبع أفعالها بدقة بمجرد أن فتحت احتمالاتها السلبية التي أتت من ‹تعويذة الجنية›. لهذا السبب أخطأ في النهاية.
ما عاد يشعر بأي ألم. تدمرت أعضائه وحتى قلبه قد ذهب. كان من الغريب أنه لا زال واعيًا. قد سمع شائعات قاسية عن رؤوس مجرمين تومض بعد أن قُطِعت رؤوسهم بمقصلة، أو أشخاص يحادثون الشهود بعد أن تمزقوا إرباً من صدمة قطار. ومع ذلك، لم يتخيل أبدًا أنه سيختبرها بنفسه يومًا ما.
كان هذا ببساطة خطأ حتى الدم ترك رأسه.
كان وهمًا طفيفًا حتى الموت أدركه.
«فبأي حال، ربما ما امتلكت أيَّ فرصة للفوز.»
«كأن الوقت فاتك على إدراكها.»
«لولاكِ، لكان النصر الذي عزمته دائمًا بعيد المنال.»
«...»
نعم.
لم يكن هدف كاميجو توما الانتقام منها لأخذها العالم منه. ولم يكن يحارب أوثينوس ليثبت أنه أقوى من إلهٍ سحري.
لو أنه قتلها، فلن يكسب شيئًا.
ومن شأن ذلك أن يترك له مستقبلاً قاتمًا من الوحدة في هذا العالم شديد السواد.
كان الإماجين بريكر نقطة العالم المرجعية، لذا يمكنه استعادة كل شيء.
لكنه لم يستطع أن يفتح الباب على العالم في أحلامه.
ضيّقت أوثينوس عينها قليلاً.
«إن كنت تعرف، فلماذا تتحداني؟»
«حسبتُ أنني أصِلُ إليك.» حرك الصبي شفتيه ببطء وهو ممسك بذراعها. «لم يكن لدي أيُّ دليل البتة، لذلك كان القتال المميت هو خياري الوحيد الباقي. لكن... الركض وحده لن يحل أيَّ شيء. رغبا في أن تَصِلَكِ كلماتي وأن أحرك فيك شيئًا، وظننتُ أن خياري الوحيد هو أن أقف أمامك رغم الخطر.»
«ولكن ها أنت الآن. خاوٍ وما بقي لك شيء. لقد خسرت ببساطة. والعالم الذي تتمناه لن يأتي مرة أخرى.»
«...لا بأس.»
لم يعد كاميجو يرمش بعد الآن.
بدا أنه يفقد تدريجيًا القوة التي يحتاجها لتشكيل التعبيرات.
«كانت تلك رغبتي الشخصية الأنانية. فشلها لن يحزن أحدًا سواي... لا بأس بذلك. العالم لم يفشل. لا أحد يعرف عن هذه الخسارة. هذا المكان بلا جريمة ولا دَيْن ولا قلوب محطمة. الذين أردتُ حمايتهم لن يذرفوا الدمع.»
في النهاية، ما الذي أراده هذا الصبي حقًا؟
على الأرجح، حتى كاميجو توما لم يعرف.
قد حوصر في مواقف سخيفة، وتصرف العالم بأسره كما لو أنه خانهم، وحتى أن أثره قد تلاشى في الخلفية. لقد أزاح الخيار الذي لا يحمل سوى السلام والابتسامات وكان يتوق إلى عالمه الأصلي على الرغم من علمه أنه خطأ.
هل أراد حقًا تدميرها؟
هل أراد حقًا حمايتها؟
كان من الغريب أن يفكر في الأمر بهدوء. فقط شخصٌ بارد القلب رأى العالم بعيون باردة أمكنه فعلها. كان هذا لأنه اهتم كثيرًا بكل شيء أراد حمايته، كونه عاجزاً عن السماح به، مُتمنيًا استعادته، راغبًا بمشاهدته يذهب، وادًّا التخلي عنه، تواقاً أن يجعله مِلكَهُ ولو لمرة.
كان كل هذا متناقضًا ولم يعد بإمكان رأس الإنسان الهزيل العثور على إجابة.
كانت أفكاره في حالةٍ من الفوضى عظيمة لدرجة أنه لم يتمكن من الهرب إلا إلى القتال.
ربما أراد أحدًا يعطيه الجواب.
ولعلّ تلك الإجابة هي إنقاذ العالم بأسره.
ولعلّ تلك الإجابة هي موته.
«...هل لي أن أطلب شيئًا واحدًا؟»
«ما لي سببٌ لألبي رغبتك.»
«بخيلةٌ أنتِ بالنسبة لإله.» قال كاميجو بشفاهه كسولة.
توقعت أوثينوس منه أن يطلب سعادة العالم الذي أحب.
لكنها أخطأت.
هذا ما قاله:
«استفيدي من هذا.»
«...؟»
«يدي اليمنى. كنتُ قادرًا على استخدامها فقط في المعارك، لكن لابد أنكِ تعرفين طريقةً أفضل لاستخدامها. يمكنك استخدامها كنقطة مرجعية للعالم كما ذكر أوليروس.»
«قد أخبرتك أنه ما لي سببٌ أن أحقق أمنيتك. انتهت المعركة وستموت قريبًا. لن يثني عليك أحد إذا أنشأتُ لكَ عالمًا مصغرًا أناني، لذلك لا معنى له.»
«ليس هذا ما قصدته.» هز كاميجو رأسه ببطء بينما كانت أوثينوس تحتجزه. «المعركة انتهت، فلا بأس. استخدمي هذا واسترجعي عالمك. استعيدي أملك الأول.»
«...»
«أترين أن هذا ليس ضروريًا لأنكِ قادرة على إنشاء عالمٍ متطابق من الألف إلى الياء؟ أتحسبين الأمر مماثل للعودة إلى عالمك الأصلي لأنه لا يمكن لأحد معرفة الفرق؟ ...هذا خطأ يا أوثينوس. حتى لو لم يعرف أيُّ أحدٍ آخر وكان العالم مليئًا بالابتسامات، فلن تكون إلا مأساةً طالما أنكِ وحدك من تعرفين.»
تحدث وكأنه يعرف ما كان يتحدث عنه.
استمر هذا المجرم العظيم في أنانيته حتى بعد موازنة سعادة البشرية جمعاء بحياته. هذا هو السبب في أنه كان قادرًا على قولها.
قُدِّمَ أوثينوس أملها الأول والثاني. هل ستعود إلى عالمها الأصلي أم تصنع العالم التالي؟ حتى لو كانت النتيجة هي نفسها، إلا أن العملية مختلفة. كان الماس الطبيعي ضد الماس الاصطناعي. هذا الاختلاف الضئيل سيمنحها دائمًا نفس الشعور بالاغتراب الذي شعر به كاميجو توما عندما تُرِكَ خارج هذا العالم المليء بالسلام والابتسامات.
كانت أوثينوس منتصرة العصر.
وعلى عكس كاميجو، فإن أنانيتها ستجلب السعادة لعصرٍ لاحق. حتى لو تم إنشاء تلك الحقبة من حكمها وأفعالها التعسفية، فإن النتيجة الفعلية تكمن في عيني الصبي: إله. أمكنه أن يراها تتصرف بطريقة مثالية تكفي أن تُسَمَّى على هذا النحو.
وما إن قَبِلَ الموت، وأزال كل ندمه، وراقبها بعناية مرة أخرى، أمكنه القول.
إذا ترك كل شيء لها، فسيستمر العالم على ما يرام.
ولن يلبث قبل أن يموت. ومعه تختفي أنانيته من العالم.
لذا...
«لدي تحدٍ لك يا أوثينوس.»
تحدث الخاسر بهدوء.
والغريب أن مواقفهم تذكرنا بمنح ‹ميمير› الحكمة ‹لرأس الإله الإسكندنافي›. حتى بعد أن قُطِعَت رأسه بسبب مخططات الآلهة والعمالقة، استمر ميمير في تقديم النصح إلى ‹رأس الإله› كصديق.
تَفَجَّر أكثر من ثمانين بالمئة من هذا الجسد وفقد قلبه، لكن ذراع الصبي اليمنى تحركت ببطء كلعبة الساعة المكسورة. مَدَّ ذراعه نحو أوثينوس التي لا تزال تحمل ما تبقى من جسده.
بدا وكأنه يحاول ضرب خدها.
أو ربما، على الرغم من كونه الخاسر، كان يأخذ بإبهامه ليمسح دموع طفلةٍ.
ومع ذلك، ما كان ينبغي على المنتصر ذي القلب البارد أن يذرع أي دمع ليُمحى.
يجب ألا يكون هناك شيء سوى بقع الدم القذرة.
«كوني أنانية إذا رغبتِ. انسي الخير والشر. ولا تهم أسبابك. ربما أزعجكِ شيءٌ ما أو أقبح منظرك. فقط تصرفي كما ترين. فلقد أظهرتِ لي أن القيام بذلك سيؤدي إلى ابتسام الجميع. لذا افعلي ما يحلو لك. ...ما الذي أردتِ فعله منذ البداية؟ ما لم تحققي ذلك، ستصبحين ما كنتِ عليه: طفلة ضائعة بائسة تسحقها العالم السعيد.»
هذا كل شئ.
سَبُلَت ذراع كاميجو توما لأسفل وتوقفت جفناه.
«...»
وقفت إله السحر أوثينوس وحدها في عالم السواد القاتم.
الصبي الذي حملته في ذراعها النحيلة ما عاد يتكلم. ربما ترك بعض الدم في رأسه، لكنه لم يحمل ما يكفيه من قوة ليُفكر. فَقَدَ معظم أعضائه، بما فيهم قلبه، لذلك كان من الصواب تصنيفه ميتاً. ربما كانت بعض خلاياه لا تزال تعمل، لكن الصبي راح. كانت هذه هي الحقيقة.
ولن يلبث طويلا حتى تنتقل قوة الإماجين بريكر وتسكن شيئاً آخر.
يمكن أن يكون شخصًا أو كائنًا. إذا أزالت كل شيء من العالم، فلربما تتدفق هذه القوة إلى أوثينوس نفسها. لم يكن الأمر مختلفًا عن لعب لعبة الخادمة العجوز ضد خصمٍ لديه بطاقةٌ واحدة فقط. حتى لو كنت تعلم أن البطاقة كانت الجوكر، فعليك أن تأخذها.
لقد فازت.
ودفنت عدوها الأخير.
لم يبقَ أحد يعترضها.
لكن...
«أوه،» تمتمت أوثينوس في ذلك العالم الوحيد.
إذا أرادت عالمًا حيويًا، يمكنها أن تفرقع أصابعها فتخلق عالمًا من السلام والابتسامات، لكنها وقفت بمفردها.
كان هذا هو أعمق جزء من الجحيم الذي كان كاميجو توما يخشاه أكثر من غيره.
في مقابل هزيمته، ذَكَّر أوثينوس بمكانها.
لم تكن مهتمة بما يمكنها خلقه.
كان عليها أن تعود إلى عالمها الأصلي مهما حدث.
لكن ما الذي جعلها تفكر هكذا؟
أين أخفت ما أرادت فعله أصلاً؟
على سبيل المثال، كان هناك وقتٌ تمنت فيه شيئًا لا يتغير عندما وقفت أمام مجموعة الخدوش التي اختفت في ليلة.
على سبيل المثال، كان هناك وقتٌ فكرت فيه عدالةً وسلامًا في عالمٍ لا شيء فيه سوى ابتساماتٍ كريهة.
على سبيل المثال، كان هناك وقتٌ حققت فيه تلك المواجهة الواضحة بين تفردَين فقط في عالمٍ ملتوي.
كانت العودة إلى عالمها الأصلي وسيلةً لتحقيق غاية، وليست غاية في حد ذاتها. لماذا أرادت العودة؟ ما الذي حَسِبتْهُ تُحققه بهذا النصر؟ كما ظنت، كشفت الإجابة عن نفسها.
كان هذا طريقًا سلكه أحدٌ ذات مرة.
لهذا السبب قدر هذا الصبي على الحديث وكأنه يعرف ما الذي يتحدث عنه.
عندما فَكّرَت بالأمر، بدا واضحًا.
لقد كانت أوثينوس نفسها هي التي خلقت هذا الجحيم.
«هل أردتُ منه أن يفهم؟» تحدثت ببطء وكأنه تزفر. «هل أردتُ أحدًا يفهمني؟»
كان هذا على عكس علاقتها بأوليروس. فلِذاكَ نفس النوع من القوة لكنه كان مجرد عدو.
وكان هذا عكس علاقتها بغريملين. فَهُم تشاركوا الأهداف ولا أكثر وارتبطوا معها بالخوف.
لم تهتم بمجموعةٍ مبتسمة اجتمعت معًا خوفًا من قوتها العظيمة مثل ذاك التحالف الدولي.
في هذا العالم الذي كان دائمًا بعيد المنال قليلاً، أرادت أحدًا يفهم جروح العزلة هذه ويساعد في تهدئتها.
لم تجد مثل هذا الشخص في العالم المتغير، لذلك أَمَلَت في مثل هذا الشخص في عالمها الأصلي.
أرادت العودة إلى هناك مهما حدث. كانت مسافرةً ضائعة في أرضٍ بعيدة لِسانُها أجنبي وتريد العودة إلى وطنها. كانت تعتقد أنها ستجد الدفء هناك بمجرد وصولها.
لكن...
«مثل هذا، أكان موجود؟»
حاولت أوثينوس أن تتذكر تلك الحقبة البعيدة.
ربما كان سبب صعوبتها هو جدار الوقت السميك هذا. أو ربما لأنه كان عليها أن تتذكر الألم لتصل إلى الإجابة.
أينما ذهبت، كانت طاغيةً مرهوبة تنشر الموت والعنف باستمرار.
حتى في كتب التاريخ الممجدة التي لا نهاية لها والتي كتبها الفائزون، كانت فظيعةً لدرجة أنها عُرِفت بإله الحرب وغيرها من الألقاب المماثلة.
لذا...
« ‹متفهم›، أمثل هذا المخلوق كان موجودًا حقًا في ‹العالم الأصلي›؟»
لم تحمل إجابة على هذا السؤال.
كان الصبي الذي حَمَلتهُ قد توقف عن العمل.
ومع ذلك، ربما كان هذا ما أرادت الحصول عليه ولو عنى ذلك دمار العالم الحالي.
لقد سافرت في رحلةٍ أبدية لإمكانية الحصول عليها، لكنها دمرتها بيديها.
لهذا كانت وحدها.
لقد كان لا مفر منه.
هذا الفتى لم يملك خطةً مفصلة أو فرصةً للفوز.
لكن من المؤكد أن هذا الفتى هو الذي أعطاها هذا الإحساس بالخسارة.
بعبارة أخرى...
«كان...هجومًا قاسيًا بحق.»
حَمَلَت الآن النقطة المرجعية لليد اليمنى اللازمة لإصلاح العالم. وامتلكت قوة ومعرفة الإله السحري الذي احتاجته لاستخدامها بفعالية.
كان عليها فقط أن تلوح بيدها.
انخفضت احتمالات النجاح إلى 50/50، لكن لا يزال لديها الحق في مواجهة التحدي.
ومع ذلك، بينما استخدم كلاهما مصطلح "العالم الأصلي"، كان الذي في عقل كاميجو توما والآخر في عقل أوثينوس مختلفين بعض الشيء.
حتى لو كان الاختلاف طفيفًا لدرجة لن يلاحظها أحدٌ في العالم، فقد عذّبها بشكل رهيب.
كان عليها أن تتخذ قرارها.
في أي عالم ستستخدم هذه الفرصة الوحيدة؟
عالمها؟
عالم كاميجو توما؟
أمكنها أن تختار واحدًا فقط.
ترددت كلمات الصبي في عقلها.
قال ما يلي:
ماذا أردتِ فعله منذ البداية؟
هذا حسمها لها.
لم تكن العودة إلى عالمها الأصلي سوى وسيلةً لتحقق غاية.
ماذا لو لم تستطع العثور عليه حتى لو بحثت في كل زاوية وركن في العالم الأصلي الذي وُلدت ونشأت فيه؟
ماذا لو كان موجوداً في عالمٍ أصلي وُلِد وترعرع فيه وَلَدٌ مُعَيّن؟
ولقد ضاقت خياراتها إلى واحد.
تعليقات (1)
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)