الفصل الاول: أطلّ الساحر من فوق البرج — فتاة _ الفينة _ والأخرى.
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
إذا كان برجك الدلو، وولدت بين 20 يناير و 18 فبراير، فسيأتيكَ حظٌ وفيرٌ للغاية في الحب والمال والعمل! مهما عَسُرت ظروفك، فالطِّيب ينتظرك في نهاية الدرب! اذهب واشتري تذكرة يانصيب وسترى! ولكن لا تنجرف في شعبيتك التي اكتشفتها حديثًا مع الجنس الآخر وتواعد اثنان أو حتى ثلاثة، والآن....
«يا رجل...علمتُ أن هذا سيحدث...كنت أدري، ورغم ذلك...»
كان يوم 20 من يوليو، أول أيام عطلة الصيف.
وكان كاميجو توما في حيرة من أمره. كان مَسْكنُهُ في مدينة الأكاديمية شديد الحرارة بسبب تعطل مُكيّفه. يبدو أن البرق ضرب في منتصف الليل وفَجَّر 80% من أجهزته. وشمل ذلك ثلاجته والطعام الذي فسد فيها. وعندما فتح علبته الغذائية الطارئة –كوب ياكيتسوبا– رمى بالخطأ كلَّ المعكرونة في الحوض. وما كان عنده بديل سوى الخروج بحثاً عن طعام، ولكنه داس على بطاقته الائتمانية أثناء بحثه عن محفظته، وكسرها. وبعد ذلك، قرر الغطس مرة أخرى في فراشه ويبكي حتى ينام ليستيقظ على رنين هاتفه. كانت رسالة حُبٍّ صادقة من أستاذته الحبيبة: «صباح الخير يا كاميجو! أنت غبي، لذا تعال وخذ دروسًا تكميلية ♪»
بُثّت الأبراج على التلفزيون مُظهِرةً تقرير الطقس. لطالما ظنّها مجرد توقعات، ولكنهم أخبروا بعيدًا جدًا في المستقبل لدرجة بدا الأمر مُضحِكًا.
«...علمتُ أن هذا هو الحال. علمتُ دائمًا، لكن لا يمكنني تحملها ما لم أقلها بصوت عالٍ...»
لطالما كان التكهن بحظِّهِ الجيد خاطئاً، ولم تكن تمائم الحظ تفيد. كانت هذه ببساطة حياة كاميجو توما. لقد أدار الحظ ظهره له منذما أبصر الدنيا. لربما تعتقد أنه ورثها من نصيب أسرته، لكن أباهُ قد فاز مرةً بالمركز الرابع في اليانصيب (حوالي 100,000 ين)، بينما ربحت أُمّهُ مشروبات مجانية بفوزها بالجائزة الكبرى لآلات البيع عدة مرات. كان ذلك كافياً لجعله يتساءل عما إذا كانوا مرتبطين بالدم. ولكن نظرًا لأنه لم يرث مرض الحب بالأخوات الصغار ولم يكن في طابور خلافةٍ ملكية، فلا داعي للبحث في أنه ليس ابن أبويه.
لَخّصها في حقيقة أنه كان سيء الحظ.
بمعنى، سيء، سيء جدًا لدرجة اِعتقد أنها كانت نكتة سَمِجة. [1]
لكنه لن يعبس لها إلى الأبد.
لم يعتمد كاميجو توما على الحظ، وهذا عزز قدرته على التصرف.
«...حسنا، إذن. مشاكلي الرئيسية الآن هي بطاقتي وثلاجتي».
حك رأسه بتساؤل، ونظر في غرفته. طالما كان دفتره للشيكات البنكية معه، فلن يكون صعبًا أن يجلب بطاقةً جديدة. كانت المشكلة الأكبر هي ثلاجته –على وجه الخصوص؛ إفطاره. بالنسبة للدروس التكميلية لتطوير القدرات الصيفية، سيتناول أدويةً مثل حبوب الميثولين أو إلبراس بالتأكيد، لذا فهو بالطبع لا يريد الذهاب إلى هناك بمعدةٍ خاوية.
فكَّرَ بزيارة المتجر في طريقه إلى المدرسة. خلع قميص نومه وغيّر لباسه الصيفي. نظرًا لأنها عادة الطلاب الأغبياء، كان كاميجو متحمسًا كثيرًا وبدون سبب وجيه تجاه وصول عطلة الصيف أخيرًا مما أبقاه مستيقظًا حتى آخر الليل، والآن يُوجِعه رأسه من قِلّة نومه. اختصار الدروس التي غِبتُ عنها لمدة أربعة أشهر في أسبوع واحد لأمرٌ رائع، كان يجبر التفاؤل على نفسه بهذا التفكير.
وقال وهو يهتف لنفسه، «الأجواء لطيفة جدًا في الخارج، لذا ربما أُخرج الفوتون (بطانية) لأجفّفه.»
فتح الباب الحاجز المؤدي إلى الشرفة. عندما يرجع من فصله لاحقًا، سيكون فراشه منعشًا ومريحًا.
«السماء زرقاء للغاية، ومع ذلك لا أرى الضوء!» من شرفته، كان يرى جانب المبنى المجاور على بعد مترين فقط.
اجتاحه اكتئاب مفاجئ. لقد قالها بنبرة ساطعة ومرحة، لكن فعل ذلك كان له تأثير معاكس تمامًا على مزاجه.
عذّبته عزلته ولم يكن هناك من يدعمه، ومع ذلك كان عليه حمل فوتونه بنفسه. لن يموت بسلام إذا لم يكن فوتونه ناعمًا على الأقل. نزّل نظره إلى قدمه، وشعر بسحقٍ مُزعج بدوس شيءٍ إسفنجي. عندما حقّق في السبب، وجد قطعة من خبز الياكيتسوبا في غلافها الشفاف. كانت تسكن عميقاً في الثلاجة التالفة قبل أن يرميها على الأرض هذا الصباح، لذا فسدت هي كذلك.
«...يا ليتها لا تمطر تحت شمسِ صيفِ اليوم»
بعد أن أعرب عن نذير شؤمٍ تسرب من فمه، التفت كاميجو مرة أخرى إلى باب شُرفته المفتوح ليكتشف أن فوتونًا أبيض كان معلقاً بالفعل فوق الدرابزين (سور).
نعم كان مُعلقًا.
«؟»
على الرغم من أن هذه كانت مساكن للطلاب، فقد أُنشِئت أساسيًا كما شقق الاستوديو، لذلك عاش كاميجو بمفرده. وعندما كان الأمر كذلك، لن يكون هناك أحدٌ غيره ليُعلّق أي فُوَطٍ على شرفته.
وفقط بعد التدقيق والتمحيص؛ أدرك أنه ليس فوتوناً أو فوطةً على الإطلاق.
ما كان معلقًا فوق الدرابزين: فتاة ترتدي ملابس بيضاء.
«هاه؟!»
سقط فوتونه على الأرض بضربة.
كان المشهد محيرًا. لا معنى له. كانت هناك فتاة معلقة من شرفته كما لو كانت متدلية على حبل غسيل معدني، راخية ومُرهقة. غطى جسدها فوق الحاجز عند وركها بحيث تدلت ذراعيها ورجليها مستقيمًا.
كانت...في الرابعة عشرة، ربما الخامسة عشرة؟ بدت أصغر من كاميجو بعام أو عامين وبدت أجنبية، نظرًا لبشرتها الفاتحة وشعرها الأبيض. لا، ليس أبيض. فضي...ربما؟ في كلتا الحالتين، كان طويلاً وغطّى وجهها الخافض عن بصره. على الأرجح وصل إلى خصرها.
أما ملابسها...
«هاه. إنها أُخت حقيقية...لكن ليس ذلك من نوع الأخوات».
عباءة؟ هذه، هذه نفسها التي ترتديها الراهبات والأخوات في الكنائس. يبدو أن ملابسها كانت قطعة واحدة تصل لقدميها. وقبعة موضوعة على رأسها –أو بالأحرى طَرْحَة مصنوعة من قطعة واحدة من القماش. ستجد تناقض مباشر مع السواد الاعتيادي الذي عادة ما تراه في عباءات الراهبات، كان اللون الذي ترتديه الفتاة أبيضَ نقي. خَمَّنَ أن القماش كان حريرًا. علاوة على ذلك، كانت النقاط عليها مطرزة بالذهب. على الرغم من أن التصميم الأساسي كان نموذجيًا لعباءة الراهبة، إلا أن اللون غير العادي غيّر تمامًا انطباعه. بدت وكأنها فنجان شاي مبهرج.
فجأة، ارتعشت أصابع الفتاة الرقيقة.
بدأ رأسها يرتفع مُتَذبْذِباً من اتجاهها المتدلي. شعرها الطويل الغزير انفصل بسلاسة من الجانبين كاشفاً عن وجهها، وكأنها ستارة تُفتح.
ياا...!
للآنسة الصغيرة وجهٌ ظريف نسبيًا. أما كاميجو، الذي ما كان عنده خبرة مع الأجانب، رأى نضارة في بشرتها الشاحبة وخضارة في عينيها. وبرؤية اتساق وجهها كله، بدت وكأنها دمية.
لكن هذا ليس ما أربكه.
أولاً وقبل كل شيء، كانت أجنبية. كان عنده ذات مرة مُعَلِّمة للغة الإنجليزية نصحته بالابتعاد تمامًا عن العالم الواسع لبقية حياته. إذا أتى شخصٌ ما لا يعلم عنه أحد غير الإله وبدأ يثرثر عليه، فسيشتري لحافًا أو أي شيء عشوائي آخر يجده ليُخرج نفسه من الموقف.
«آن...»
شفتا الفتاة الجميلة – وإن كانت جافة قليلاً – افترقت ببطء.
تراجع كاميجو خطوة ثم أخرى. عند هذه النقطة، عاود النظر في خبز الياكيسوبا الذي كان لا يزال على الأرض مُهَمّشاً.
«أنا جائعة»
«.............................................................................»
في تلك اللحظة، تخيّل كاميجو أن دماغه الضعيف استبدل لغتها الأجنبية باليابانية، تمامًا كما يختلق طلاب المدارس الابتدائية الأغبياء كلماتٍ سخيفة لأغاني أجنبية.
«جَوْعانة»
«...»
«أنا جائعة»
«......»
«ألم تسمعني؟ قلت إنني جائعة».
خاطبت الفتاة فضّية الشعر بفارغ الصبر كاميجو المُتصلّب.
هذا ليس جيدًا. من الواضح أن هذا هو نذير الشؤم. كلامها...كلامها يبدو يابانياً تمامًا.
«اغغ، أممم...» حدّق في الفتاة وهي تتدلى في شرفته وسألها، «إذن، آه...هل تقولين إنكِ وقعتِ هنا مُتعبة؟»
«يمكنك أيضًا أن تقول إنني وقعتُ هنا وسأموت جوعًا.»
كانت الفتاة تتحدث اليابانية بطلاقة.
«وسأسعد كثيرًا إن أطعمتني بعضاً مما تملك.»
نظر كاميجو إلى خبز الياكيسوبا المدهوس، ولا يزال تحت قدمه ويصدر أصواتًا اسفنجية. بدا منظره فاسدًا.
لا أعرف ما الذي يجري بحق الجحيم، لكن أفضلُ لي بالتأكيد ألا التورط. ربما أُطعِمُ هذه الطفلة الياكيسوبا الحامضة بالبلاستيك ثم أرميها في مكان ما بعيدًا عن هنا. ما إن تشتم العفن، يجب عليها الهرب. في كيوتو، هناك عُرف يقول أن تقديم الأرز مع الشاي الساخن للضيف يشبه إخباره بالإنقلاع عن منزله.
«شكرًا لك، سأقبل بذلك»
قضمت الفتاة كل شيء بصوت عالي، على الغلاف، وعلى يد مُحسِنُها أيضًا.
وهكذا، بدأ يوم كاميجو مرة أخرى بصرخةٍ وضربة حظٍّ سيء.
- الجزء 2
«أولاً، عليّ تقديم نفسي»
«...آه، أولاً، لماذا كنتِ معلقة هناك–؟»
«اسمي؟ إنه إندِكس.» [2]
«هذا اسم مزيف مهما فكرنا فيه! أنتِ "فهرس"؟ مثل ما في الكتاب؟!»
«كما ترى، أنا عضو في الكنيسة. هذا مهم. أوه، وليست الموجودة في الفاتيكان، ولكن من الكنيسة الأنجليكانية.» [3]
«ما عندي فكرة عما يعنيه أيٌّ من ذلك، وأنت تتجاهلين سؤالي؟!»
«همم، قلتُ لكَ إندِكس...أوه، إذا أردتَ مُسمّاي السحري، فهو دِدِكَتوس 545»
«مرحبًا؟ مرحباااا؟ أي نوع من الفضائيين لتتحدثي بهذا التردد؟» لم يحمل كاميجو صبرًا على سماع هذه الفتاة وأغلق أذنه بخنصره. بدأت تقضم أظافرها. ربما كانت عادة لتوترها؟
ولماذا نجلس بأدب حول طاولتي الزجاجية وكأنها مقابلة عمل؟
كان عليه المغادرة إلى المدرسة قريبًا، أو سيتأخر عن الدروس التكميلية الصيفية. لكن من الواضح أنه لا يستطيع ترك هذه المجنونة في غرفته لِوَحدها. كان أسوأ جزء من ذلك هو أن هذه الفتاة الغامضة ذات الشعر الفضي التي تطلق على نفسها اسم إندِكس بدت وكأنها أُعجِبَت بالمكان حتى أرادت الهجوع على الأرض.
هل كان هذا نِداءً آخر لسوء حظ كاميجو؟ آمَلَ ألا يكون.
«أيضًا، سأمتن لك كثيرًا إذا ملأتني بالطعام»
«ليش؟! ليش أهتم برفع معاييرك؟! أحسن لي أموت ولا أطيح وأُشَغِّل بالخطأ الزر الذي سيُوَجِّهُني لمَسارِ الإندِكس!»
«أمم...أهذه عامية؟ آسفة. لا أظنني فهمتك.»
كانت أجنبية بالطبع. ولم يبدو عليها أنها تفهم ثقافة الأوتاكو اليابانية.
«إذا خرجتُ من هذا الباب بثلاث خطوات، سأموت من قِلة التغذية.»
«...هذه ترهات، كفاكِ كذبًا.»
«ولو صارت، سأتأكد يقيناً من كتابة رسالة بجوار جثتي. وبآخر ذرّةٍ من قوتي سأرسم وجهك.»
«ماذا...؟!»
«وإن أتى أحدٌ لمساعدتي قبل اختفاء بريق عيني، سأخبرهم أنني كنت محتجزة في هذه الغرفة وتعرضت للتعذيب حتى صار كل ما بقيَ مني قشرةً فارغة ...وسأخبرهم أنك أجبرتني على ارتداء أنواعٍ وأنواع من الكوسبلاي البذيئة أيضًا.»
«قلتِ ماذا؟! يبدو أنك تعرفين الكثير عن ثقافة الأوتاكو هنا بعد كل شيء!!»
«؟» أمالت رأسها كما لو كانت قطة ترى نفسها في المرآة لأول مرة.
يا للإزعاج. إنها تلعب دور الغبية. أشعر أنني الوحيد المُلطخ هنا.
ركض كاميجو الى المطبخ وفي عقله قال: سأفعلها! حسنًا، سأفعلها! اختربت محتويات الثلاجة بأي حال، ولم يتبق منها سوى القمامة. حتى لو سمحت لها بأكل هذه الأشياء، فليس وكأنها ستأثر في محفظتي. لا بأس إن سخّنتها. وَضَعَ بقايا ما كان طعامًا في مقلاة وبدأ يطهو شيئًا مُستعجلًا.
الآن بعد أن فكرت في الأمر، من أين أتت بالضبط؟
كان هناك أجانب يعيشون في مدينة الأكاديمية أيضًا، بالطبع. لكنها لم تحمل تلك "الرائحة" الخاصة التي يمتلكها السكان. ومع ذلك، سيكون غريبًا جدًا إن كانت وافدة.
عُرفت المدينة الأكاديمية بأنها "مدينة تضم مئات المدارس"، ولكن كان من الأسهل التفكير فيها على أنها "مدرسة داخلية بحجم المدينة". امتدت عبر ثلث طوكيو، لكن تقسيمًا شبيه بسور الصين العظيم أحاط بها من جميع الاتجاهات في الوقت الحالي. لم يكن صارمًا مثل السجن، لكنه لم يكن مكانًا تدخله بالخطأ وتضيع فيه.
على الأقل، هكذا بدت للعالم الخارجي. في الواقع، أطلقت جامعات الهندسة ثلاثة أقمار صناعية في الفضاء لأغراضٍ بحثية، وكانت "عيونهم" مُنَصّبة باستمرار على المدينة. يُفحَصُ كل المغادرين والداخلين بشكلٍ شامل. وأيُّ شخص يثير الشكوك ولا يتطابق مع سجلات البوابة سوف يُطارد من الـ [أنتي-سكيل] الأساتذة أو من الـ [جدجمنت] الطلابية من جميع المدارس، أيٌّ منهما ستجده في كل مكان في ثوانٍ. ورغم ذلك...
بالأمس، استحضرت فتاة الكهرباء سُحُباً عاصفة. ربما لهذا السبب استطاعت هذه الأخت الإفلات من "عيونهم"،كما فكَّرَ كاميجو.
«أمم، فلماذا كنتِ تتدلين مثل المنشفة في شرفتي؟»
حاول كاميجو مرة أخرى، برش صلصة الصويا الخبيثة في الخضار.
«لم أكن أتدلى، واضح؟»
«إذن ماذا حدث؟ هل هبّت عليك الرياح وألقتكِ هنا أو شيء من هذا القبيل؟»
«...ربما شيء من هذا القبيل.»
كان يمزح فقط. أوقف تحريك المقلاة وعاد إلى الفتاة.
«لقد وقعتُ. حاولت في الواقع القفز من سطحٍ لسطح».
على السطح؟ فكر، وهو ينظر إلى السقف.
كان هذا الحي مليئًا بالمساكن الطلابية الرخيصة. كانت المباني النحيلة المتطابقة المكونة من ثمانية طوابق تصطف بجانب الأخرى. كما يمكن للمرء أن يرى المنظر من الشرفة، كان هناك حوالي مترين بين كل مبنى. من الممكن القفز من سطح لآخر ببداية جري جيدة، ولكن...
«لكن المباني بإرتفاع ثمانية طوابق. خُطوةٌ خطأ وستقعين في الجحيم».
«نعم. تعرف ما يقولون – إنهم لا يضعون شواهد القبور للمُنتحرين،» أعلنت إندِكس. ولم يعرف كاميجو حقًا ما عَنَتهُ بذلك. «ما كان عندي خيار. لم يكن لي مكانٌ آخر أهرب إليه حينها.»
«تهربين؟»
عبس كاميجو عن غير قصد بينما أجابت إندِكس ببساطة، «نعم».
«كنتِ مُطارَدة»
«...»
توقفت يده عن تحريك المقلاة الساخنة.
«كنتُ أقفز بين المباني تمام، ولكن في منتصف قفزة واحدة، أُصِبتُ في الخلف» بدت فتاة الفهرس وكأنها تضحك.
«آسفة. يبدو أنني علقت على سورك أثناء سقوطي».
لم يكن هناك إحراج أو سخرية في صوتها إطلاقاً. ابتسمت له كما لو كان طبيعيًا تمامًا ما تقوله.
« أُصِبتِ...؟»
«نعم؟ أوه، لا تقلق، لستُ مجروحة. هذه الملابس بها حاجزٌ دفاعي».
ما هو "الحاجز الدفاعي"؟ أهو سترة واقية من الرصاص؟
دارت الفتاة لتتباهى بملابسها. من المؤكد أنها لم تكن مصابة. هل أُطلق النار عليها حقًا؟ وجد أنه من المرجح أكثر أن كل ما قالته كان كومة من الأكاذيب وأنصاف حقائق وأوهام.
لكن...
على أقل تقدير، كانت بالفعل مُعلقة في شرفته في الطابق السابع.
افتراضيًا، إذا كان كل ما تقوله هذه الفتاة صحيحًا...
إذن من جرحها؟
فكّر كاميجو.
لقد فكر في مقدار التصميم الذي يتطلبه للقفز عبر أسطح المباني المكونة من ثمانية طوابق. ومن حسن الحظ أن شرفةً في الطابق السابع أوقفت سقوطها. ما الذي قصدته من ادعائها بأنها "انهارت"؟
«كنتُ مُطارَدة» قالت.
حاولَ تخيُّل مغزى الابتسامة على وجهها عند قولِها ذلك.
لم يعرف الظروف التي وقعت فيها إندِكس، ولم يفهم الكثير مما كانت تقوله. حتى لو شرحت له كل شيء من البداية إلى النهاية، فالغالب أنه لن يفهم نصفه. والغالب أيضًا أنه لن يكلف نفسه عناء فهم نصف ذلك.
لكن شيئًا واحدًا كان صحيحًا.
كانت مُعَلّقة على شرفته في الطابق السابع. لو اتخذت خطوة واحدة خطأ، لكان من الممكن أن تصطدم بالرصيف. صدمت الحقيقة المميتة لهذا الواقع كاميجو كثيرًا حتى شَعَرَ بضيق صدره.
«طعام»
وفجأة طَلَعت إندِكس من خلفه. يمكنها تحدث اليابانية، لكن...لا تعرف استخدام عيدان الطعام؟ كانت تُمسكها مثل الملعقة، ونظرتها مثبتة بحماس على محتويات المقلاة.
لم تكن المقارنة بين تعبيرها وتعبير قطةٍ أُخِذت لتوها من صندوقٍ ورقي تحت المطر بعيدةً عن الواقع.
«.....................................................................أخخ»
طَبَخَ شيئاً (سامًّا) نباتياً مقلياً مُكَوّن من السماد في المقلاة.
همم. عندما نظر إلى الفتاة الجائعة قِبَلَ عينيه، شَعَر أن الملاك كاميجو (يقترن عادة بالشيطان كاميجو) يتلوى في عذاب داخله.
«آه، آه! ل-ولكن، كما تعلمين، إذا كنتِ جائعة، بدلاً من أكل بقايا طعام، ما رأيكِ لو ذهبنا إلى مطعم عائلي أو نطلب توصيل وجبات سريعة أو شيء كهذا!»
«لا أستطيع انتظار كل هذا الوقت.»
«...آررغ، آخ!»
«وإلى جانب ذلك، لا يبدو مقززًا على الإطلاق. طهوته لي دون مقابل. لذا لا يمكن أن يكون سيئًا.»
هذه المرة ابتسمت أوسع وأكثر إشراقًا، بطريقة تليق براهبة حقيقية.
أشْعَرَت معدة كاميجو بالانتفاخ. تجاهلته إندِكس، وأخذت عيدان تناول الطعام في قبضتها وأغرقت محتويات المقلاة في فمها.
قضم قضم.
«أترى؟ ليس سيئا على الإطلاق»
«.....آه، حقاً؟»
مضغ مضغ.
«أسْتَطْعِمُ أنك أضفت قليلًا من الحموضة لتُقوّيني. أحسنت.»
«إيكك! حامِض؟!»
التهام التهام.
«نعم. لكن لا بأس بالحموضة معي. شكرًا. أتدري، أنت مثل الأخ الأكبر».
ابتسمت. وكانت تأكل بشراهة لدرجة أن برعم الفاصوليا علق في خدها.
«...اهه...وواااااااااهه!»
فهواب!! انتزع المقلاة من يديها بسرعة تفوق سرعة الصوت، وصار تعبير إندِكس هو صورة خيبة الأمل ذاتها. وقدَّم كاميجو لنفسه نذرًا. سأكون الوحيد الذي يذهب إلى الجحيم بهذا.
«هل كنتَ جائعًا أيضًا؟»
«...هاه؟»
«إذا لم تكن، فأعتقد أنه يجب أن توقف ألاعيبك وتدعني آكلها.»
قضمت إندِكس أطراف أعوادها وشاهدته بعيون عابسة. وكان لكاميجو نوع من الخيال.
قال له الإله: "عليك أن تتحمل المسؤولية وتأكل هذا".
لم يكن حظه السيء المشكلة هذه المرة. لقد جلب هذا بالكامل على نفسه.
- الجزء 3
ابتسم كاميجو توما، وفمه مليء بالقمامة المقلية.
أكلت الفتاة قطعة بسكويت وبدت غير راضية. وهي تُمسِك البسكويت بكلتا يديها وتقضمه بشراهة، ذكّرته بسنجابٍ ظريف.
«...لذا، قلتِ إنكِ مطاردة. من يطاردك؟»
بعد أن عاد إلى رشده في أعقاب الزيارة المقدسة، طرح كاميجو هذا السؤال بإعتبارها المسألة الأساسية الموجودة.
لقد التقى بها منذ ثلاثين دقيقة فقط وبالتأكيد لم تكن لديه نية للغوص في أعماق الجحيم معها. لكن ربما لم يكن من الممكن نسيان الأمر برمته.
إذن، في النهاية، أنا منافق. محتال. أريد أن أقول إنني فعلت شيئًا فقط لأُخفّف على ضميري، لكنني لا أقدر على تَوَلّي امرها.
« نعم...،» ردت بتهور إلى حد ما. «أتساءل من؟ ربما [الروزيكروشِن] أو [سِتلا ماتوطِنَ] [4]...أعتقد أنها منظمة من هذا القبيل، لكنني لا أعرف اسمها، لأنهُمْ ليسوا منظمةً تَضَعُ قيمةً كبيرة في المُسمّى.»
«"هُمْ"؟»
خطى كاميجو بحذر. هذا يعني أنه جماعة مُعَيّنة كانت تطاردها.
«نعم،» أجابت إندِكس بهدوء على الرغم من وضعها، وأكملت.
«مجتمع السحرة».
..............................................................................................
«فهمت. سحرة، هاه...؟ جديًا؟! أنتِ مجنونة!»
«آه، إيه، ماذا؟ أمم، ألم يكن هذا هو المصطلح الصحيح في اليابانية؟ السحر، مثل الشعوذة. ماجيك كابال. (عُصبة سحرية)».
«...» لم تزِدهُ كلمة "كابال" الإنجليزية سوى أكثر ارتباكًا «ماذا؟ أهذه عبادة جديدة تجبرك على الإيمان بمؤسسِها وإلا "ستُعاقب إلهيًا"؟ وتستخدم حمض LSD لغسل دماغك؟ سيكون ذلك خطيرًا بأكثر من طريقة...»
«...أنت تسخر مني، صح؟»
«اخخ»
«...أنت تسخر مني، صح؟»
«...أنا آسف. لا أقدر. لا يمكنني مواكبة قصة "السحرة" هذه بِرُمَّتها. أعرف كل أنواع القدرات غير الطبيعية، مثل القدرة على الحركة والاستبصار، لكن لا يمكنني التعامل مع قِصّة "السَّحرة" هذه.»
«...؟» مالت إندِكس رأسها الصغير في حيرة من أمرها.
واستنتجت أنَّ شخصًا يؤمن بمطلق العِلم كان ليرفض بالطبع ما قالته صراحةً؛ مدعياً أنه لا يوجد شيء غير قابل للتفسير في هذا العالم.
ومع ذلك، فإن قوة خارقة للطبيعة تسكن يد كاميجو اليمنى.
كانت تُسمى الإماجين بريكر (مُحطمة الأوهام)، وبغض النظر عن القوة الخارقة للطبيعة التي كان يواجهها، فإن الإماجين بريكر ستُبَدّدُها. يمكنها نفي حتى المعجزات.
«القدرات الخارقة للطبيعة ليست شائعة هنا في المدينة الأكاديمية. يمكن لأي شخص فتح "دوائر" و "تطويرها" عن طريق حقن الإسبرين في دماغك، ووضع أقطاب كهربائية على رأسك، وتشغيل بعض الإيقاعات في سماعات الرأس. إذا أمكن شرح كل جانب من جوانب شيء ما علميًا، فمن الواضح أن الجميع سيتقبله حقيقةً بديهية، أليس كذلك؟»
«...لا أفهمها حقًا»
«من الواضح! واضح جدًا، جدًا جدًا ! واضحة ضرب ثلاثة تربيع إثنين بوضوحٍ تام!»
«...همم، ماذا عن السِّحر؟ السِّحر واضح أيضًا!!»
أظهرت إندِكس عدوانية، كما لو أن شخصًا ما أخبرها للتو أن قطتها الأليفة كانت غبية.
«أمم...حسنًا، على سبيل المثال، تعرفين جانكِن، صح؟ مهلا، هل يلعبونها الناس خارج اليابان؟»
«...أعتقد أنها تسمى بحجرة ورقة مقص من حيثُ أتيت، أجل أعرفها»
«حسنًا، إذن لنقل أنني لعبت جولة جانكِن وخسرت عشر مرات متتالية. هل تعتقدين أن هناك سببًا لذلك؟»
«...همم»
«لا يوجد ، صحيح؟ ولكن من طبيعة البشر أن يعتقدوا في أن هناك سببًا وراء ذلك،» أوضح كاميجو مُتملمِلاً «سيبدأون في التفكير أنه من المستحيل أن تخسرها عشر مرات متتالية وأنه لابد أن تكون هناك قواعد خفية تعمل ضدك. ما تظنينه سيحدث لهكذا أشخاص إذا أضفنا علم التنجيم والعرافة في هذا المزيج؟»
«...مثل، إذا كنت مصابًا بالسرطان، فأنت غير محظوظ، لذا يجب عليك الابتعاد عن المنافسة؟»
«بالضبط. هنا، هذا ما تعنيه كلمة [غوامض] حقًا. في اللحظة التي نبدأ فيها في التفكير في وجود قوى خفية مثل [الحظ] أو [النصيب] بجدية، ستُخطئ عقولنا في المصادفات البسيطة على انه قدرٌ محتوم. ليس سوى وهمًا.»
أظهرت إندِكس إنزعاجًا لحظيًا شبه قِططي قبل أن تقول:
«...إذن فأنت لا ترفض كلامي دون التفكير فيه أولًا.»
«أجل. لا أستطيع أن تقبل كل هذه الحكاية الخيالية البالية على وجه التحديد لأنني فكرت في الأمر بجدية. أنا لا أؤمن بالمشعوذات مثل تلك الموجودة في الكتب المصورة. لن يُطَوّر أحد دماغه إذا أمكنه استخدام نقاط طاقة أو إحياء أحدٍ ما من الموت. حتى أنني لم أستطع تصديق أي من تلك الأشياء الخفية. لا علاقة لها بالواقع أو بالعِلم».
تبدو القدرات الخارقة للطبيعة "غامضة" فقط لأن أدمغة البشر قاصرة.
كان من المنطقي تفسيرها بالعِلم هنا.
«...لكن السِّحر حقيقي»
أعلنت إندِكس تصريحها، انخفضت زوايا فمها في ارتباك مُقلق. كان هذا البيان على الأرجح ركيزة قناعاتها، على عكس الإماجين بريكر لكاميجو.
«حسنًا، أياً يكن. ولكن لماذا طاردكِ هؤلاء–»
«السِّحر حقيقي»
«...»
«السِّحر حقيقي!»
يبدو أنها تريد اعترافي بذلك مهما حدث.
«ل- ولكن ما هو السحر بحق السماء؟ هل يمكنك رمي الكرات النارية من يديك؟ هل يمكنك فعل ذلك دون المرور بمناهج الإسبر؟ إذا أمكنك، فلماذا لا تريني؟ عندها قد أكون قادرًا على تصديقك».
«ما عندي أي قوة سحرية، لذلك لا يمكنني استخدامها»
«...»
تبدو كواحدة من أولئك الأسابر الفشلة الذين يزعمون أنهم لا يقدرون على ثني الملاعق عندما تجتمع الكاميرات حولهم لأنها تشتتههم.
لكن كان صحيحًا أن مشاعره بشأن هذه المسألة كانت مُعقدة.
على الرغم من قوله أن السحر كان غير قابل للتصديق وأن السحر لا يمكن أن يكون موجودًا، فإن الحقيقة هي أنه لا يعرف شيئًا تقريبًا عن الإماجين بريكر في يُمناه. كيف يعمل؟ ما نوع المبادئ التي استند إليها؟ لم يستطع حتى برنامج مسح النظام في المدينة الاكاديمية، وهو البرنامج الأكثر تطورًا في العالم لتطوير القدرات الخارقة للطبيعة، أن يرى حقيقة الإماجين بريكر. لهذا السبب حَمَل وصمة العجز، بتنصنيفهِ مستوى 0.
لقد كانت قوة امتلكها منذ ولادته، وليست قوة حصل عليها بالمنهج العلمي.
لقد ادعى أن التصوّف [5] كان غير واقعي، لكنه هو نفسه حَمَل شيئًا من [الغرائب] الذي يتحدى به قواعد الواقع.
ومع ذلك، لم يستطع أن يقول لنفسه شيئًا لا معنى له مثل، «حسنًا، هناك الكثير من الأشياء الغامضة في العالم، لذلك لن يكون غريبًا إذا كان السحر موجودًا!»
«...السحر حقيقي»
تنهد كاميجو.
«تمام. لو كان السحر موجودًا...»
«لو؟»
«لو كان موجودًا،» تابعَ متجاهلاً «لماذا يُلاحقك الناس؟ هل لها علاقة بتلك الملابس أو شيء من هذا القبيل؟»
كان يشير، بالطبع، إلى عباءتها المفرطة، وهي محبوكة بالحرير الأبيض والتطريز الذهبي. كان يقصد باستفساره عما إذا كان ذلك بطريقة ما «بدافع ديني».
«...لأنني الفِهْرِس، أرشيف الكتب المحرمة»
«هاه؟»
«أحمِلُ 103,000 جريموار [6]. هؤلاء الناس في الغالب يريدونها».
.............................................................................
«خرجت هذه المحادثة عن المنطق توًا مرة أخرى»
«هَيي، كيف عندما أشرح شيئًا ما تتلاشى حيويتك دفعةً واحدة؟ هل لديك اضطراب قلة الانتباه؟»
«أمم، أحاول تنظيم أفكاري، لكنني لا أفهم حقًا ما هو الجريموار. هي كتب، أليس كذلك؟ مثل معجم؟»
«نعم. كتاب إيبون، المفتاح الأصغر لسُلَيْمان، عديم الاسم، طوائف الغول، كتاب الموتى... هؤلاء البعض المشهورين. إن نيكرونوميكون مشهور حقًا أيضًا، وأظن أن له الكثير من النسخ المُقَلّدة والمُزَوّرة كذلك».
«حسنًا، ما في الكتاب لا يهم»
ابتلع رغبته في تسميتهم هراءًا أعجمي، وسأل:
«إذن، هذه الكتب البالغ عددها 103,000...أين هي؟»
لن يتزحزح عن هذا مطلقًا. كانت مِئة ألف كتاب كافية لاحتلال مكتبة بأكملها.
«هل هذا يعني أنّ معكِ مفتاح مستودع أو شيء من هذا القبيل؟»
«لا» هزت إندِكس رأسها نافية. «عندي كل الكتب المِئة وثلاثة آلاف هنا معي، ولا واحد منهم ناقص، واضح؟»
هاه؟ عبس مُتسائلاً «ألا يمكن للأغبياء رؤيتهم أو شيء كهذا؟»
«حتى الأغبياء يقدرون على رؤيتها. ولكن ما الهدف إذا أمكنك قرائتها وقتما تشاء؟»
علقت كلمات إندِكس في الهواء بينهما. حسَّ كاميجو أنها كانت تستهبل عليه. وسَّع نظره حول المكان، لكنه لم يرى كتابًا واحدًا متعفناً أو أي شيء آخر – فقط مجلات الألعاب والمانجا، وواجباته المدرسية الصيفية المنهارة في زاوية الغرفة.
«...آكك!» كان يستمع بصبر حتى الآن. لكنه لم يستطع تحمل المزيد، وخرجت الكلمات من حلقه.
إن قصة "مُطارَدة من قبل أحدٍ ما" قد تكون وهمًا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فقد كانت تتنقل بين المباني المكونة من ثمانية طوابق دون سبب وجيه. وبعد ذلك أخطأت الخطى وانتهى بها الأمر متدلية فوق شرفتي...لن أتمكن من مواكبة شخص مثلها.
«...من الغريب حقًا أن تؤمن بقدرات خارقة ولكن ليس بالسِّحر» عبست إندِكس مرة أخرى، منزعجة. «هل القدرات الخارقة للطبيعة مدهشة حقًا؟ إن امتلاك نوع من القوة الخاصة لا يجعل معاملة الناس كالأوساخ أمرًا جيدًا، كما تعلم».
.....
«حسنا، غلبتني في هذه» تنهد لنفسه. «صحيح. أنتِ على حق. من الخطأ الاعتقاد بأن وجود خدعة مضحكة يمنحك الحق في التكبر على الآخرين».
سقط بصره على يده اليمنى.
لا يمكن أن تنتج لهبًا ولا كهرباء. لا يمكن أن يلمع أو يصدر أصواتًا عالية أو يثير أنماطًا غريبة على معصمه.
ومع ذلك، يمكن ليده اليمنى أن تبطل أي وكل القوى غير الطبيعية – بغض النظر عمّا إذا كانت القوة المعنية جيدة أو شريرة، وحتى لو كانت معجزة إلهية كما نسمعها في الأساطير.
«بالنسبة للناس الذين يعيشون هنا، فإن امتلاك القدرة هو جزء من شخصيتهم؛ إنه داعمهم المعنوي. لذلك سيكون لطيفاً منكِ التغاضي عن هذا الجزء. في النهاية، أظنني كذلك واحد من هؤلاء الناس.»
«هذا صحيح، أيها الغبي. همف. حتى لو لم تعبث بداخل رأسك، لا تزال قادرًا على ثني الملاعق بيديك».
«...»
«همف. وما العظيم في رجل اصطناعي تخلى عن عالم الطبيعة؟ همف.»
«هل تمانعين إذا سددتُ فمكِ وكِبرُكِ معه؟»
«لن أخضع للترهيب!» نظرت إليه إندِكس كقطةٍ غاضبة «إ-إلى جانب ذلك، تستمر في قول ’قِوى قِوى‘، فما الذي تقدر عليه بالضبط يا سيد؟»
«...ارر، حسنًا، يمكنني...»
تردد لحظة واحدة.
لم تأتي فرص شرح الإماجين بريكر في كثير من الأحيان. وحقيقة أنه كان يتفاعل فقط مع [قوى غير طبيعية] استلزم فهمًا للقوى [غير الطبيعية] و [الخارقة] أولاً.
«حسنًا، كما ترين، يدي اليمنى...أوه، بالمناسبة، لم أحصل عليها بالمخدرات الإسبرية؛ أنا طبيعي منذ الولادة.»
«أه.»
«إذا لامس شيءٌ ما يدي...إذا كانت قوة غير طبيعية، حتى لو كانت مثل انفجار نووي، أو مدفع ريلغن كهربائي، أو حتى معجزة، فستُلغى.»
«ها؟»
«...انتظري، ما ردة الفعل هذه؟ تبدين كما لو أن شخصًا ما أظهر لك صخرة وُصِفت على أنها سِحْرُ حظٍّ سعيد على شاشة التلفزيون.»
«حسنًا، هِه، لقد سمعتُ تواً أنه يمكن لأحدٍ تبديد المعجزات وهو لا يعرف حتى اسم الإله»
والمثير للدهشة أن إندِكس ابتسمت في وجهه وألصقت إصبعها الخنصر في أذنها.
«(...تبًا . ي-يا للمزعجة. لا أصدق كم هو مزعج أن تسخر منك فتاة سحرية مزيفة تدّعي أن السّحر حقيقي ولكن لا يمكنها حتى إظهار أي شيء.)»
كان يغمغم في نفسه، لكن تذمره أذهلها على الفور:
«أنا - أنا لستُ مزيفة! السحر موجود حقًا!»
« إذن أريني شيئًا، يا فتاة الهالوين الكاذبة! سأنفيها بيدي اليمنى، وبعد ذلك ستصدقين أن الإماجين بريكر حقيقي! ما رأيك يا فتاة الفانتازيا؟»
«حسنًا، سأريك!» رفعت إندِكس يديها، ودخان على ما يبدو على وشك أن يتدفق من أذنيها، وصرخت، «هذه! ملابسي! هذا هو أقوى درع مقدس يمكن أن تراه، الكنيسة السائرة!» أكدت إندِكس اسم عباءتها الشبيهة بفنجان الشاي بأذرع ممدودة.
«ما هي الكنيسة السائرة بحق الجحيم؟! تتحدثين بالهراء مجددًا ! توقفي عن رمي ثرثرة لا معنى لها مثل الدرع المقدس وفهرس الكتب المحرمة، يا حمقاء! هل تعرفين حتى ماذا تعني كلمة شرح؟ من المفترض أن تُبسّطيها للذين لم يفهمونها. ألا تعين ذلك حتى؟!»
«هااه–؟! كلامٌ يخرج من شخصٍ لا يحاول حتى أن يفهم!» لَوّحت إندِكس ذراعيها بشراسة «سأريك دليلًا! اذهب واجلب سكينًا من المطبخ واطعنّي فيه!»
«حسنًا، لما لا؟!...مهلاً، أتحاولين الإيقاع بي؟!»
«أوه، إذن تحسبُني أمزح!» كانت أكتاف إندِكس تتأرجح لأعلى ولأسفل تزامناً مع تنفسها الخشن. «هذه كنيسة على شكل ملابس، مع كل العناصر الأساسية للكنيسة محشورة في الداخل. حياكة القماش والتطريز الزخرفي...كل ذلك محسوب! سكين بسيط لن يؤذيني حتى، مفهوم؟»
«لن يؤذيك...مهلاً، على أي كوكب قد يقول أحمقٌ «طبعًا، سأطعنك» هااه!! سيكون ذلك تحولاً جديدًا ملحوظاً في جرائم الأحداث».
«لقد سئمتُ منكَ ومن سخريتك...هذا القماش هو نسخة مثالية من كفن تورين، لَبَسَهُ القديس الذي طُعِن برمح لونجينوس، لذا فإن قوته تكمن في الطبقة البابَويّة، مفهوم؟ بمصطلحاتك...نعم، سيكون مثل الملجأ. يمكنه صد أي هجوم، جسديًا كان أو سحريًا، ويتفادى أو يمتصه تمامًا... قبلًا، قلتُ أنني أُصِبت في ظهري، وسقطت، ووقعت على شرفتك، أليس كذلك؟ لو لم أكن أرتدي الكنيسة السائرة، لوجدتَ ثقبًا بداخلي. ألا تفهم ذلك حتى؟»
اخرسي، يا معتوهة.
نظر كاميجو، ومقياس عاطفته تجاه إندِكس يتناقص سريعًا، إليها بعيون ضيقة.
«...هاه. لذلك، بعبارة أخرى، إذا كانت تنورتك الصغيرة هي حقًا عبارة عن قوة غير طبيعية، فيجب أن تنفجر إلى قطع صغيرة إذا لمستها بيدي اليمنى، أليس كذلك؟»
« إذا كانت قوتك حقيقية! هَهَهَه!»
حسنا إذا! مَدّ كاميجو يُمناه وأمسك كتف إندِكس بقوة.
شَعَرَ كما لو كان يمسك سحابة. كان الملمس غريبًا، مثل إسفنجة ناعمة تمتص الضغط.
«لحظة...هاه؟»
الآن بعد أن هدأ قليلاً، راجع السيناريو.
من الناحية النظرية...إذا كان ما تقوله إندِكس صحيحًا –رغم أنه لا زال يعتقد بكذبها– فماذا سيحدث لو أن كنيستها السائرة بُنِيَت باستخدام وسائل خارقة للطبيعة؟
إذا كانت يده تمحو كل الخوارق، ألن تُتلف ملابسها؟
«هاااااااااااااااااااااااااااهه—» صرخ كاميجو بشكل انعكاسي على هاجس مفاجئ لديه على أنه على وشك الصعود فجأة بضع خطوات على الدرج البالغين. لكن...
...
...
...؟
« —آآآآاااهه ... إيه؟»
لم يحدث شيء. لاشيء على الاطلاق.
ماذا بحق الجحيم يا فتاة؟ لا تخيفيني هكذا! كان تفكيره، على الرغم من أنه في الواقع حَسَّ بخيبة أمل بعض الشيء على مستوى ما.
«اترى، انظر! إماجين بريكر؟ هذا لا شيء! طالع، ما صار شيء، همم همم~~»
ابتسمت منتصرة، ووضعت يديها على وركيها، ونفخت صدرها.
في اللحظة التالية، مثل شريط مُفكك على صندوق الهدايا، سقطت جميع ملابس إندِكس.
تفككت جميع الخيوط التي كانت تُخَيّط ثوب رهبانتها معًا، وصارت كلها قطعًا من القماش.
ولكن قطعة واحدة بَقَت. كانت الطرحة التي تستريح فوق رأسها معزولة عن بقية المجموعة. بَقت حيث كانت لتبدو وحيدة على نحوٍ حزين.
ما زالت تبتسم بفخر ويديها على وركيها وصدرها منتفخ، تجمدت إندِكس.
ببساطة، كانت عارية تمامًا.
- الجزء 4
يبدو أن هذه الفتاة التي تدعى إندِكس كانت لديها عادة عض الناس عندما تغضب.
«آه...عضضتيني في كل مكان. ما أنتِ، بعوضة المخيم الصيفي؟»
«...»
لم تُعطِهِ إجابة.
كانت إندِكس عارية كيوم مَوْلِدِها داخل البطانية المُخْفية لعرائها، جلست على الأرض على ركبتيها. كانت منشغلة بوضع دبابيس الأمان في نسيج عباءتها في محاولة (غير مجدية) لإعادة ملابسها بطريقة ما إلى حالة يمكن ارتداؤها.
هالة من العذاب القادم بتأثير <دووههن> الصوتي سيطرت على الغرفة.
ليس وكأن مسخدم ستاند جديد قد ظهر امامهم.
«...أمم، يا أميرة؟ قد تكون وقاحةً مني، لكن لدي قميص بأزرار وسروال يمكنكِ ارتدائهما.»
«...»
نظرت إليه بعيون تشبه الثعبان.
«...امم، يا أميرة؟»
ناداها كاميجو من جديد محاولاً معرفة طبيعة شخصيتها الحقيقية.
«...ماذا؟»
«كنتُ المخطئ هنا مئة بالمئة... صح؟»
طار منبهٌ في وجهه ردًا.
«إييهه!» وأعطى كاميجو صرخةً تفاعلاً للوسادة العملاقة المنطلقة نحوه.
ولجعل الأمور أكثر سخافة، حلّق في طريقه أيضًا تدفقٌ مستمر لأجهزة ألعاب الفيديو وبعض أشرطتها وراديو صغير.
«هل ستُدردش معي عفويًا بعد ذلك؟!»
«آه، لا! لقد كان الحدث مثيرًا للقلق بالنسبة لهذا الرجل العجوز أيضًا. ولكن، آاه، يا للشباب!»
«توقف عن السخرية مني... غرررررر!!»
«حسنًا، حسنًا، أعتذر! جهاز الفيديو ذاك مُستأجر، لذا توقفي عن قضمه وكأنه منديل، يا غبية!»
انحنى وغرس رأسه في الأرض بطريقة كوميدية.
على الرغم من ذلك، فإن رؤية فتاة عارية لأول مرة أشعرت قلبه بالضغط حدَّ الموت.
ومع ذلك، كان كاميجو توما من النوع الذي لا يظهر ذلك على وجهه مثل البالغ.
...أو هذا ما كان يعتقده، على أي حال. ولكن إذا نظر كاميجو توما في المرآة، لأندهش جدًا مما رآه.
«انتهيت،» تمتمت إندِكس بنبرة منتصرة. نشرت عباءتها البيضاء النقية بعد ان استعادت ما يمكن من شكلها الأصلي من خلال جهدها الشاق الجهنمي.
وتألقت العشرات من دبابيس الأمان الذهبية على عباءة الراهبة المُنْقَذة.
«....................................................................................*عرق*»
«أممم، هل سترتدينه؟»
«.................................................................................*صمت*»
«هل سترتدين تلك العذراء الحديدية؟»
«....................................................................................*تنهد*»
«في اليابانية، نُسَمّيها سرير الإبر.»
«...اغغغ، غغغغرررر !!»
«حسنا، حسنا، فهمت!!» دفن رأسه في الأرض واعتذر بكامل قوته. كان تعبير إندِكس كالطفل الذي تعرض للتنمر، وكانت تقضم حاليًا عبر كابل طاقة تلفزيونه. أهي قطة شقية؟
«سأرتديه! ففي الآخر أنا راهبة!» قالتها مع صرخة لم يفهمها حقًا. لولت نفسها تحت البطانية وبدأت تتمعج مثل اليرقة لتلبس. الشيء الوحيد المرئي خارج البطانية كان وجهها، الذي كان شديد الاحمرار لدرجة بدا وكأنه قد ينفجر.
«...آاه. بطريقة ما، هذا يذكرني بحصص السباحة.»
«...لماذا تشاهد؟ على الأقل انظر للحائط خلفك».
«وهل يهم الامر؟ مقارنة بما حدث سابقًا، فإن تغيير الملابس ليس أمرًا مثيرًا على الإطلاق.»
«.............................................................................................................................................................................................»
توقفت حركات إندِكس، ولكن عندما بدا أن كاميجو لم يلاحظ، استسلمت وكمشت نفسها أكثر داخل البطانية مرتديةً ملابسها. سقطت قلنسوتها على الأرض لكنها لم تنتبه، ربما غلبها التركيز.
سيطر جَوٌ غريب ومُحرج على الغرفة شبيه بالصمت في المصعد.
بدأ عقل كاميجو يبتعد أكثر عن الواقع، ولكن بعد ذلك ظهر مصطلح "الدروس التكميلية" في ذهنه.
«اخخ! هذا صحيح، عندي دروس تكميلية!» ثم نظر ساعة هاتفه الخلوي. «لنرى، أمم...عفوًا، يجب أن أذهب إلى المدرسة الآن. ماذا ستفعلين؟ إذا اردتِ، يمكنك المكوث هنا، سأعطيكِ المفتاح».
كان خيار "طردها" قد اختفى تمامًا عنه.
نظرًا لأن عباءتها [الكنيسة السائرة] قد تفاعلت مع [الإماجين بريكر]، لم يكن هناك شك في أنها كانت مرتبطة بطريقة ما مع قِوى غير طبيعية. هذا يعني أنّ ليس كل ما قالته كذب.
على سبيل المثال - أن السحرة لاحقوها وسقطت من سطح أحد المباني.
على سبيل المثال - أنها ما زالت تواصل لعبة الحياة أو الموت حتى بعد ذلك.
وعلى سبيل المثال - أن السحرة من روايات الخيال كانوا يركضون في جميع أنحاء مدينةٍ علميةٍ حيث ترسخت نظريات القوى الخارقة.
وحتى لو لم تكن هذه الأشياء صحيحة، فهو لم يرغب في التخلي عن إندِكس هكذا. رغم انه رغب في منحها بعض المساحة.
«...حسناً. سأذهب الآن.»
ضربت الأرض واقفة بعد إعلانها الدرامي بذاهبها. مرت بجانب كاميجو مثل الشبح. لا يبدو أنها لاحظت أن قلنسوتها لا تزال على الأرض. إذا التقطها بلا مبالاة، فمن المحتمل أن يفتتها أيضًا.
«آاه، امم...»
«همم؟ أوه لا، لم تفهم ذلك.» عادت إندِكس إلى الوراء لتنظر إليه. «لو بقيتُ أطول هنا، فمن المحتمل أن يأتوا ورائي. لا تريد من غرفتك أن تنفجر، أليس كذلك؟»
طرحها غير المتردد ترك كاميجو في حيرةً من أمره.
سارت ببطء عبر الباب الذي كان مدخل مسكنه. طاردها كاميجو مذعورًا. فحص محفظته، ظنًا أنه ربما يمكنه فعل شيء ما. لم يبق لديه سوى 320 يناً. على الرغم من ذلك، اندفع بقوة عند الباب محاولاً ابقاء إندِكس هنا. لسوء حظه أثناء خروجه، ارتطم إصبعه الخنصر بسرعة ماخ بإطار الباب.
«بِيَه... مَه! مغغيااااااههه!!»
صرخ صرخةً هائجة وشد إصبعه رجله بيديه. عادت إندِكس إلى الوراء مذهولةً. وبينما كان يتلوى من الألم الشديد، انزلق هاتفه الخلوي من جيبه. آاه. قبل أن يتمكن من إيقافها، ارتطمت بالأرض وأحدثت شاشتها المصنوعة من الكريستال السائل ضوضاء صاخبة، وحينها عَلِم أنها أصيبت بجرحٍ مميت.
«آه، لا...! يا له من حظٍ سيء!»
«ليست مسألة حظ. ربما انتَ أخرقٌ لا أكثر.» ضاحكةً إندِكس. «ولكن إذا كان الإماجين بريكر هذا حقًا موجود، فأعتقد أنه لا يمكنك فعل الكثير حيال ذلك.»
«...ماذا تقصدين؟»
«نعم. حسنًا، قد لا تصدق أي قصص عن عالم الغرائب الذي أتيتُ منه ولكن...» ابتسمت له وأردفت، «هل تعرف عن الحماية الإلهية أو خيط القدر الأحمر؟ إذا كانت مثل هذه الأشياء موجودة، أفلن تلغيها يدك اليمنى أيضًا؟» ثم هزت إندِكس ثوبها المغطى بدبابيس الأمان من جانب لآخر وأكملت، «ففي الآخر، القوة في هذه الكنيسة السائرة هي قوة العناية الإلهية – بركة إلهية –.»
«تمهلي لحظة. ما نسميه الحظ الجيد والسيء هي مجرد مسائل تتعلق بالاحتمالات والإحصاءات. ما تتحدثين عنه لا يمكن–»
في تلك اللحظة بالذات، لامس إصبعه مقبض الباب وتعرض لصدمة كهربائية رائعة. ماذا؟! انطلقت حدة حواسه، انقبض جسده، وتشنجت عضلة ساقه اليمنى فجأةً من تحركه الغريب.
تركه الألم عاجزًا لمدة ستمائة ثانية تقريبًا.
«................................................................معذرةً، ايتها الأخت»
«نعم؟»
«.................................................................من فضلك اشرحي.»
«حسنًا، هذا ليس تفسيرًا كبيرًا،» صرحت إندِكس بنبرة واقعية، «ولكن إذا كانت القصة حول يدك اليمنى صحيحة، فأعتقد أنه بمجرد امتلاكك لها، فإنها تمحو قوة الحظ كليًا.»
«...................................................................أتعنين ما أظنه؟»
«فحقيقة أن يدك اليمنى تلامس الهواء تسبب لك مزيدًا ومزيدًا من سوء الحظ♪»
«غياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااههه !! يا لحظّي السسسيييييييييييييييييءء!!»
لم يؤمن كاميجو في الواقع بالغرائب، لكن الأمور تختلف عندما تتعلق بمفهوم سوء الحظ. على أي حال، لم يسر أي شيء بسلاسةٍ معه مما عزز انطباعًا عميقًا بأن الكون بأكمله تآمر عليه بالسوء.
وفي هذه الأثناء نظرت إليه راهبة بيضاء نقية بابتسامة الأم العذراء.
كان الناس ليصفونها بالابتسامة المغرية.
«الحظ السيء، هاه. حقيقة أنك ولدت بهذه القوة في المقام الأول كان حظًا سيئًا بحد ذاته، ألا توافقني؟♪»
جلب دفء ابتسامتها الدموع في كاميجو. ولكنه بعد ذلك خطر له أخيرًا إلى أي مدى ابتعدوا بالفعل عن المحادثة التي كان ينويها.
«لا، انتظري! إلى أين على وجه الأرض تخططين الذهاب؟ لا أعلم ما المصيبة التي أدخلتِ نفسك فيها، ولكن إن كان هناك من يطاردك، ألا يجب أن تختبئي في مسكني؟»
«لا، لأنني إن كنت هنا، فسيأتي العدو هنا أيضًا.»
«وكيف تعرفين ذلك؟ إذا بقيتِ في غرفتي ولم تحاولي جذب الانتباه، فلن تكون هناك مشكلة، صح؟»
«ليس صحيحًا» قرصت إندِكس ملابسها. «تستخدم كنيستي السائرة القوة السحرية. حسنًا، سمَّتها الكنيسة "بالقوة الإلهية"، لكنها كلها نفس المانا على أي حال. ببساطة، يبدو أن الأعداء يتعقبون القوة السحرية.»
«إذن لماذا بحق الجحيم ترتدين جهاز التعقب هذا ؟!»
«لأنها تمتلك قدرات دفاعية مطلقة، واضح؟ ولكنَّ يُمناك حطمتها لأشلاء...»
«...»
«إلى أشلاء...»
«أنا آسف، زين؟ آسف، لذا توقفي عن النظر إلي والدموع في عينيك هكذا! ولكن إذا حطمتُها بالإماجين بريكر، ألا يعني ذلك أنها لم تعد ترسل بعد الآن؟»
«حتى لو لم يحدث ذلك، فهُم في الغالب رصدوا دمارها. كما قلتُ آنفاً، القدرة الدفاعية للكنيسة السائرة من الطبقة البابوية. إنها في الأساس مثل القلعة. لو كنتُ العدو وتلقيت نبأً عن دمار القلعة، فسأتجه إليها مباشرة على عُجل.»
«انتظري لحظة. إذن هذا سببٌ آخر لـ ألا أترككِ. ما زلتُ لا أؤمن بالغرائب، لكن... كيف يمكنني تركك وأنا أعرف أن أحدًا ما بعدكِ؟» [7]
أعطته نظرة فارغة ومذهولة.
هو حقًا، حقًا، يرى تعبير وجه فتاة عادية لا أكثر.
«...حسنًا، إذن، هل تعتزِمُ مُرافقتي إلى أعماق الجحيم؟»
ابتسمت بلطف.
كانت تلك الابتسامة مليئة بالألم لدرجة أنها سلبت كاميجو كلماته.
استخدمت إندِكس كلمات لطيفة لتخبره ضمنيًا: «لا تأتي معي».
«سأكون بخير؛ فأنا لستُ وحيدة. إذا لجأتُ إلى الكنيسة، فسيُوفرون لي المأوى.»
«...همم. وأين هذه الكنيسة؟»
«في لندن».
«هذا بعيد جدًا! فقط إلى أي مدى تخططين للهرب؟!»
«هاه؟ أوه، كل شيء على ما يرام. أعتقد أن هناك حفنة من الأبرشيات في هذا البلد».
رؤية إندِكس واقفة هناك وعباءتها المرقطة بدبابيس الأمان ترفرف في النسيم أعطت انطباعًا بإمرأة تعرضت للضرب من زوجٍ يسيء معاملتها.
«كنيسة، هاه...أعتقد أنه قد توجد كنيسة هنا في هذه المدينة.»
اِستحضر مفهوم [الكنيسة] صورًا لمكان حفل زفاف ضخم، لكن كنائس اليابان كانت، وبصراحة، مملة. لم تكن ثقافة الصليب متينة هنا على الإطلاق. وبالنظر إلى أنها أمة معرضة للزلازل، لم يكن هناك الكثير من المباني ذات التاريخ الطويل التي لا تزال قائمة. الكنيسة التي رأاها كاميجو من نافذة القطار ربما كانت منزلًا جاهزاً بصليبٍ أعلاه...ومن ناحية أخرى، بدت فكرة أنها كانت كنيسةً فخمة خاطئة أيضًا.
«أوه، ولكن ليست أيَّ كنيسة. يجب أن تكون الكنيسة الأنجليكانية، بما انني انتمي اليها.»
«؟؟؟»
«أمم، هناك الكثير من المذاهب المسيحية المختلفة،» قالت إندِكس بإبتسامة ساخرة. «أولاً، هناك الكاثوليكية المتمثلة في الطريقة القديمة، والبروتستانتية الممثلة للطريقة الجديدة. وحتى الطريقة القديمة التي أنا جزء منها تنقسم إلى الكاثوليكية الرومانية [8] المُتَمحْوِرة في الفاتيكان، والأرثوذكسية الروسية [9] المُتمركزة في روسيا، والبروتستانتية الإنجليزية التي مقرها في كاتدرائية القديس جورج. وغيرها المزيد أيضًا.»
«... ماذا سيحدث إذا ذهبتِ إلى الكنيسة الخطأ صدفةً؟»
«سأُطرد بالطبع،» قالت إندكس والسخرية لم تفارق بسمتها. «الأرثوذكس الروس والبروتستانت الإنجليز لا يوجدون بشكل حقيقي إلا في بلدانهما الأصلية، على أي حال. كنائس البروتستانت الإنجليز في اليابان نادرة.»
لم يكن اتجاه المحادثة جيدًا.
«...»
هل ربما كانت إندِكس تزور كنيسةً بعد كنيسة قبل أن تنهار جوعًا؟ ماذا كانت تشعر به وهي تفر هاربة وتُطرد من كل كنيسة ذهبت إليها؟
«لا تشغل بالك. ستكون الأمور بخير ما ان اجد كنيسة من النوع البريطاني.»
«...»
فكر كاميجو للحظة في القوة التي في يده اليمنى، ثم ناداها، «هَيي!...لو كنتِ في أي وقت مضى في مشكلة، فلا تترددي في زيارتي مرة أخرى.»
كان هذا كل ما يمكنه قوله.
على الرغم من كونه الرجل الذي يمكن أن يقتل حتى الإله.
«تمام. لو جِعت فسأُعاود الزيارة.»
كانت ابتسامتها مثل عباد الشمس، ومثالية لدرجة أن كاميجو لم يستطع نطق كلمة أخرى.
مرّ روبوت تنظيف جوار إندِكس، متحولًا عن مساره لتجنبها.
«هياه؟!»
مُسِحت ابتسامتها المثالية من على وجهها في لحظة. ارتعدت، ثم سقطت للخلف، كما لو أن ساقها تشنجت فجأة. بضربة قوية ومؤلمة، اصطدم رأسها بالجدار.
«~~~! ما هذا الشيء الغريب؟!» صرخت إندِكس متناسيةً ألم رأسها.
«لا تشيري إلى ذلك وتسميه غريبًا. إنه مجرد روبوت تنظيف.»
تنهد كاميجو.
كان حجمه وشكله مشابهين لأسطوانة الزيت. كان له عجلات صغيرة مثبتة في الأسفل، وممسحة دائرية، بدا وكأنه مكنسة كهربائية صناعية. كما التصقت كاميرات عليه حتى يتجنب الأشخاص والعقبات، لكن هذا جعله العدو اللدود لفتيات التنورات القصيرة في كل مكان.
«...أوه. سمعتُ أن اليابان لديها تكنولوجيا لا مثيل لها، لكنك تعيش حقًا في عصر الأغاثيون الميكانيكية، أليس كذلك؟» [10]
«أمم، مرحبًا؟» كان كاميجو خائفًا بعض الشيء من مدى تعجب إندكس بالعالم. «هذه مدينة الأكاديمية. لدينا مثلها وغيرها في كل مكان.»
«مدينة الأكاديمية؟»
«نعم. في الأساس، كانت المناطق الغربية من طوكيو تتطور بشكل أبطأ من بقية المناطق، لذلك اشترى شخص ما كل هذه الأرض وبنى هذه المدينة. لدينا العشرات من الجامعات والمئات من المدارس الابتدائية، كلها مزدحمة معًا. إنها مدينة مدارس.» تنهد كاميجو. «ثمانين في المئة من سكان المدينة طلاب، والمباني التي تشبه الشقق كلها مساكن للطلاب.»
رغم ذلك، على جانبها السفلي، استلزمت المدينة تنمية القدرات لطلابها.
«لهذا السبب تبدو المدينة غريبة جداً. جميعها كانت في الأصل تجارب مختبرية جامعية، بدءًا من جمع القمامة بشكل تلقائي، ومروراً بمولدات الطاقة التي تعمل بالرياح، وصولاً إلى ذلك الروبوت المنظف، وهي موجودة في جميع أنحاء المدينة. تقدمت تقنيتنا بحوالي عشرين عامًا عن بقية العالم.»
«همم.» حدقت إندِكس باهتمام في روبوت التنظيف. «فهل هذا يعني أن جميع المباني هنا تابعة للمدينة الأكاديمية؟»
«نعم...أعني، إذا كنتِ تبحثين عن شيء تابع لكنيسة انجليزية، فقد يكون من الأفضل مغادرة المدينة. ربما تكون جميع الكنائس الموجودة هنا مجرد أماكن تذهب إليها للتعرف على اللاهوت وعلم النفس اليونغي.»
«همم.» أومأت اندكس برأسها، وتذكرت أخيرًا أن رأسها كان يعاني من ألم شديد من ضربها في الجدار. «آاه؟! آاه، انتظر؟ أين ذهبت قلنسوتي؟!»
«ماذا، أدركتِ الآن؟ لقد أسقطتها سابقًا.»
«هياه؟»
بكلمة "سابقًا"، كان يقصد الوقت الذي كانت تُغَيّر داخل البطانية، ولكن يبدو أن إندِكس أخطأت وظنّت انه سقط عند تعثرها إلى الوراء بسبب اصطدامها بروبوت التنظيف. بدأت تنظر حولها على الأرض وظهرت علامة استفهام فوق رأسها.
«آه، فهمت! عند هذا الأغاثيون الكهربائي!»
بعد أن أساءت فهمه تمامًا، اندفعت لمطاردة روبوت التنظيف الذي اختفى بالفعل بالقرب من الزاوية.
«...آاهه. ذهبت.»
نظر إلى الباب. وَجَد طرحة إندكس لا تزال هناك. نظر مرة أخرى إلى آخر الردهة، لكن الفتاة لم تعد في الأفق. من المؤكد أن فراقهم لم يكن مُبكيًا ودراميًا.
تبدو من النوع التي ستنجو من نهاية العالم، كما فكّر لسببٍ ما.
- الجزء 5
«تمام! طبعت أستاذتكم الظريفة أوراقاً مُهِمّة لكم، وسنستخدمها في الفصول التكميلية، مفهوووم؟»
حتى بعد قضاءه فصلًا دراسيًا كاملًا في هذه الغرفة، لا يزال كاميجو غير قادر على تصديق ذلك.
عندما وقفت تسوكويومي كوموي أستاذة الصف 7 – السنة 1 خلف المكتب؛ كان كل ما يمكنك رؤيته هو رأسها. بلغ ارتفاعها 135 سم، واشتهرت بأنها غير قادرة على اجتياز متطلبات السلامة على الأفعوانية، وانها كانت احدى عجائب المدرسة السبع. واينما نظرت إليها، ستجدها فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا، وتتوقع أن ترى عليها قبعة أمان صفراء، وحقيبة ظهر حمراء زاهية، وصوت سوبرانو [11] قياسي.
«إذا أردتم الحديث، فلن أوقفكم، ولكن عليكم حقًا الاستماع إلى ما أقوله! لقد عَمِلت أستاذتكم بجد لصناعة هذا الاختبار، لذلك إذا كان أدائكم سيئًا، فستعاقبون بلعب لعبة الاستبصار من وراء جدار!»
«أستاذة كوموي، أتقولين أنه يجب علينا لعبُ البوكر وأعيننا معصوبة؟ هذا خاص بمنهج الاستبصار! أنا، كاميجو توما، أخاف ان نبقى هنا طوال الليل محاولين الفوز عشر مرات متتالية حينما لا نستطيع حتى رؤية أيدينا!»
«أوه، ولكنك يا كاميجو-تشان لا تملك ما يكفي من نقاط التطوير، لذلك سيتعين عليك لعب لعبة الاستبصار مهما حصل، أليس كذلك؟»
آغغ! خانت الكلمات كاميجو عندما واجه ابتسامتها الأعمالية.
«...همم. فهمت، يبدو أن كوموي-تشان تراك ظريفًا فوق طاقتها يا كامي-يان.»
أتى هذا من ممثل أوغامي بيرس [12] (رجل) الذي يجلس بجانبه. لم يفهم كاميجو مقصده.
«قد تبدو وكأنها تقضي وقتًا ممتعًا وهي تحاول الوصول إلى السبورة، لكن ألا تشعر بالشر الخالص المتدفق منها؟»
«ولَوْ؟ ما العيب في أن توبخك أستاذةٌ ظريفة لفشلك في الاختبار؟ عن نفسي فلن أمانع البتة. اسمع، نقاطك عالية جدًا يا صاح بجعلك لطفلة صغيرة مثل هذه تُوَبّخك جسديًا!»
«كنت أدري انك لوليكون... ولكن مازوخي كذلك؟ جديًا؟؟»
«آهاها! أنا لا أحب الفتيات الصغيرات (لولي) فحسب، بل أعشقهن حقًا!»
أتأكل الأخضر واليابس أنت؟! كاد كاميجو أن يصرخها تقريبا.
«أنتما هناك! إن سمعت كلمة أخرى، فسأضعكما تحت عقاب بيضة كولومبوس، مفهوووم؟»
"بيضة كولومبوس" وكما في الاسم تمامًا. كان عليه أن يوازن بيضة رأسًا على عقب على مكتبه دون أي دعم. حتى الطلاب المتخصصين في الحركية النفسية اضطروا إلى بذل عقولهم على شفا الانفجار لجعل البيضة تبقى ثابتة، لأنهم إذا استخدموا الكثير من القوة الحركية النفسية، فسوف تنكسر البيضة. مستوى الصعوبة: جنوني. إذا لم تنجح، فستُعتقل حتى الصباح.
حدق كاميجو وأوغامي بيرس في تسوكويومي كوموي متناسين كيف يتنفس الانسان.
«مفهوووم؟»
كانت البسمة على وجهها مرعبة للغاية.
على الرغم من أن الأستاذة كوموي كانت تحب أن تُدعى "ظريفة"، إلا أنها احتقرت أن يُقال عنها "صغيرة".
ومع ذلك، لا يبدو أنها تهتم كثيرًا بأن ينظر إليها الطلاب باستخفاف. لقد كان أمرًا لا مفر منه نوعًا ما في هذه المدينة الأكاديمية. مع 80 في المئة سكانها طلابًا، كانت تُعتبر نيفرلاند [13] الحقيقية. وحتى بالمقارنة مع المدارس العادية، عومل هؤلاء [المعلمون] بقسوة. علاوة على ذلك، استندت [قيمة] الطالب إلى كل من مستواه الأكاديمية وقدرته الخارقة.
المُعلم هو الشخص الذي [يُطوّر] الطلاب، والمعلمين أنفسهم يفتقرون إلى هذه القدرات الخارقة. يمكن لبعض المعلمين مثل أساتذة الرياضة ومستشاري التوجيه هنا أن يهزموا حتى طلاب المستوى 3 الوحوش بقبضة واحدة مُدَرَّبة تدريبًا كاملاً. بدوا وكأنهم وحدة أجنبية مُدَربة. لكن سيكون من القسوة أن نتوقع شيئًا كهذا من الأستاذة كوموي، معلمة الكيمياء.
«...هَيي، كامي-يان.»
«ماذا تريد؟»
«ألن يثيرك إذا وبختك الأستاذة كوموي؟»
«فقط أنت يا معتوه! اخرس! لم أوقظ أي قدرة نفسية او حركية، لذلك قد اضطر الى لعبها طوال عطلة الصيف! لن أضيع وقتي باللعب مع البيض. وما بال لَكنةِ الكانساي المزيفة هذه؟ اتركها!»
«...م-م-مم- لا تسميها مزيفة! أنا حقا من أوساكا يا صاح!»
«اخرس، أيها الثرثار الريفي زارع الأرز. فقط اخرس. وأوقف تعليقاتك الغبية!»
«ن- نحن لا نزرع الأرز! آه، آآههه! أنا بالتأكيد أحب التاكوياكي!»
«توقف عن إجبار نفسك! هل ستأكل الأرز مع التاكوياكي لتقنعني؟ فقط لتتقمص الشخصية؟»
«ما الذي تتحدث عنه؟ حتى ناس أوساكا لا يأكلون التاكوياكي حصرًا طوال الوقت»
«...»
«لا يفعلون، أليس كذلك؟ لا أعتقد أنهم يفعلون... إيه، انتظر. ربما... لا، مستحيل... لكن... هاه؟ أيهما؟!»
«انكسرت شخصيتك، أيها الكانساي المزيف.» تنهد كاميجو ونظر للنافذة.
شعر بوجوب بقاءه مع إندِكس بدلًا من تضييع وقته في الدروس التكميلية.
من المؤكد أن العباءة التي كانت ترتديها، الكنيسة السائرة، قد تفاعلت مع يده اليمنى (رغم أن كلمة "تفاعل" ربما لا توفي حقها)، لكنها لا تكفي لجعله يؤمن بالسحر في حد ذاته. في الغالب، معظم ما قالته كان كذبًا، وحتى لو لم تكن تكذب عمدًا، فربما كانت تخلط بين الغوامض والظواهر الطبيعية البسيطة.
رغم ذلك...
أعتقد أن السمكة التي تهرب تبدو دائمًا ضخمة، هاه؟
تنهد مجددًا. كان سيُقَيَّد بالسلاسل في هذا الفصل الشبيه بالساونا لعدم وجود مكيف هواء. كان ينبغي أن يعطي خيال السيوف والسحر فرصة بدلاً من هذا. حتى أنه حصل على بطلة ظريفة أُلقِيَت على شرفته. (تردد في وصفها بالظريفة).
«...»
لقد تذكر الطرحة التي نستها إندِكس في غرفته.
في النهاية، لم يُعِدها. ليس الامر وكأنه لا يستطيع إعادتها. حتى لو فقد أثرها، فمن المحتمل أنه كان ليتمكن من العثور عليها بسرعة لو انه حاول. وحتى لو لم يعثر عليها الآن، فكان سيمشي في جميع أنحاء المدينة حاملًا الطرحة في يده.
عندما فكر في الأمر، شعر أنه ربما يريد الاحتفاظ بنوعٍ من الاتصال. ربما ستعود ذات يوم لاستعادة ما نسته.
الفتاة ذات الرداء الأبيض التي أكرمته بابتسامة مثالية...
رغب في ترك اتصال وراءه.
شعر أنها ستختفي كالوهم إذا لم يفعلها، وهذه الفكرة ارعبته.
...أوه، أهذه هي؟
بعد التفكير في الأمر بطريقة شاعرية، ادرك كاميجو الأمر أخيرًا.
لقد أدرك أنه لا يكره الفتاة التي سقطت على شرفته. لقد أحبها لدرجة أن فكرة عدم رؤيتها مرة أخرى تركته يشعر بوخزة خفيفة من الندم.
«...آه، اللعنة.»
تشه. لو كان يعلم أنه سيشعر بهذه الطريقة، لحاول إيقافها.
الآن بعد التفكير بالأمر، أتساءل ما الذي قصدته بقولها انها تحمل 103,000 كتاب سحري؟
قالت إندكس أن العصبة السحرية (هل كلمة العصبة هنا تعني شيئًا مثل الجمعية أو الشركة؟) كانوا يلاحقونها على ما يبدو لأنهم أرادوا الحصول على تلك الكتب الـ 103,000 السحرية. وكان جليًا أن إندِكس كانت تهرب مع تلك الكتب الكثيرة بحوزتها.
وما كانت تحمله لم يكن مفتاحًا لمستودع ضخم مليء بالكتب أو خريطة الكنز أو أي شيء آخر.
عندما سأل كاميجو عن مكانهم جميعًا، قالت إندِكس: هنا. لكن على حد علمه، لم يكن هناك كتاب واحد ظاهر. إلى جانب ذلك، لم تكن غرفته كبيرة بما يكفي لاستيعاب 103,000 كتاب في المقام الأول.
...أتساءل عن ماذا كان كل ذلك؟
مال رأسه قليلًا مستغربًا. تفاعلت عباءتها –الكنيسة السائرة– مع الإماجين بريكر، لذا لم يكن كل ما قلته وهمًا تامًا، ولكن...
«أستاذة! كاميجو-كن يبحلق بفتيات التنس خارج النافذة وما ينتبه لدروسك،» أعلن أوغامي بلهجة الكانساي المُزيفة. تفاعل كاميجو بـ «ها؟» وعاد قطار أفكاره إلى الفصل الدراسي.
«...»
كانت الأستاذة كوموي صامتة.
بدت وكأنها في حالة صدمة شديدة عندما اكتشفت أن كاميجو توما لم يكن منتبهًا بالكامل في شرحها. كان تعبيرها مشابهًا لطفلة تبلغ من العمر اثنتي عشرة عامًا في الشتاء تكتشف هوية بابا نويل الحقيقية.
وبمجرد أن وصلت هذه الفكرة إلى ذهنه، اخترقت كاميجو توما نظراتٍ عدائية من زملائه الذين رغبوا في حماية حقوق تلك "الطفلة" الانسانية.
على الرغم من حقيقة أن هذه كانت دروس تكميلية صيفية فقط، انتهى الأمر بكاميجو مُعتقلًا حتى نهاية فترة الدراسة في المدرسة.
«...آخ من حظيَّ السيء.» تمتم الصبي المنحوس وهو يحدق في عنفات الرياح ثلاثية الشفرات المتلألئة في ضوء المغيب. كان أي نوع من الحياة الليلية ممنوعًا تمامًا، لذلك اختفت الحافلات والقطارات في المدينة الأكاديمية مع نهاية اليوم الدراسي.
بعد أن فاتته الحافلة الأخيرة، سارَ في شوارع منطقة التسوق شديدة الحرارة. مرَّ به روبوت أمن. بدا أيضًا وكأنه برميل اسطواني مثبت عليه عجلات؛ كان عبارة عن كاميرة أمنية مُتحركة. لقد كانوا في الأصل نسخًا مُطَوّرة من الروبوتات المصاحبة للكلاب، ولكن نظرًا لأنهم على ما يبدو كانوا يجذبون الكثير من الاهتمام من الأطفال حتى لم يقدروا على القيام بوظائفهم بفعالية، فقد تغيّر تصميم كل روبوت عامل في المدينة إلى نفس تصميم الأسطوانة القياسية.
«آاه، ها أنت هناك. يا كلب! تمهل... توقف! يا هذا، أتحدث إليك! توقف!»
بينما كان كاميجو، المحروق من حرارة الصيف، يحدق في روبوت الشرطة بطيء الحركة، لم يستوعب في البداية أن الصوت كان موجهًا إليه. كان باله مشغولاً بـ أتساءل أين انتهى الأمر بإندِكس بعد أن انتهت من مطاردة روبوت التنظيف ذاك.
استدار أخيرًا. ماذا تريد هذه؟
كانت فتاة بدت وكأنها في المدرسة الإعدادية. أخذ شعرها البني المُلامس لكتفيها لمعانًا محمرًا في توهج الغروب. رُسِمَ وجهها بظلٍ أحمر أكثر إشراقًا. كانت ترتدي تنورة رمادية ذات مثنيات وبلوزة بأكمام قصيرة وسترة صيفية. أخيرًا، أدار وجهه نحوها.
«...أوه، إنها فتاة الإعدادية بيري بيري [14] مرة أخرى،» قال كاميجو، مشيرًا إلى صوت الفرقعة الكهربائية التي كانت تُطلقها.
«لا تدعُني بيري بيري! لدي اسم، وأنت تعرفه: ميساكا ميكوتو! تذكّره! كُنتَ تناديني بيري بيري منذ لقائنا أول مرة!»
منذ لقائنا أول مرة؟ فكر كاميجو مرة أخرى.
آه، صحيح. لقد تورطتُ مع مجموعة من الجانحين في أول مرةٍ تقابلنا فيها أيضًا. في البداية، ظنّهم فقط مجموعة معاتيه يحاولون سرقتها، وقرر مساعدتها. (كان يعتقد، في أفضل السيناريوهات، أن تدخله هذا ربما يُكسبه تذكرة ليزور قصر التنين تحت الماء مثل أوراشيما تاروه.) بدلاً من ذلك، لسبب ما، غضبت الفتاة وصرخت في وجه «انقلع من هنا! توقف عن حشر أنفك في معارك الآخرين!» وصعقته البيري بيري بكهربائها! عند هذه النقطة، قام كاميجو، بالطبع، بصد هجومها الكهربائي بيده اليمنى مما أثار حيرتها «...هاه؟ ماذا، كيف لم ينجح ذلك؟ إذن ما رأيك بهذا! هاه؟» كانت النتيجة النهائية لهذا اللقاء الأولي هو علاقتهما الحالية.
«...هاه؟ ما هذا؟ يا أمي، أنا لست حزينًا، لكن دموعي تنهمر.»
«هاه؟ ما بك تُهَلْوِس...؟»
كان كاميجو مرهقًا من الدروس التكميلية، لذلك قرر أن يتجاهل بيري بيري.
«كانت الفتاة التي تحدق في كاميجو المسكين والمنهك هي فتاة الريلغن. بدت خائبة الأمل لخسارتها معركة الأمس. ومنذاك الحين، كانت تتعقبه يومًا بعد يوم محاوِلةً تحديه دون تعب أو كلل.»
«...إلى من تروي؟»
«إنها عنيدة وتكره الخسارة، لكنها في أعماقها تشعر بالوحدة بسهولة وهي عضو في نادي الحيوانات في مدرستها.»
«توقف عن اختلاق قصة غريبة عني!!» صرخت ميساكا ميكوتو وهي تُلوّح بذراعيها. لفتت حركتها انتباه المشاة القريبين. كان هذا متفهمًا. كان لباسها الصيفي الذي يبدو طبيعيًا تمامًا في الواقع هو لبس مدرسة توكي-واداي الإعدادية، وهي واحدة من أرقى خمس مدارس تميّزاً في المدينة الأكاديمية ومن النخبة. يمكن ملاحظة آنسات توكيواداي العريقات بسهولة حتى في حشود ساعة الذروة، لذلك إذا بدأت إحداهن تتصرف مثل الشقية أو جالسة على أرصفة القطار أو تعبث بهاتفها الخلوي، فسيصاب أي شخص بالصدمة.
«ما الأمر يا بيري بيري؟ انتظري، نحن في العشرين من يوليو، بداية العطلة الصيفية. إذن لماذا ترتدين زيّك؟ هل عندكِ دروس تكميلية ايضًا؟»
«اغغ... اخ- اخرس.»
«هل أتيتِ لرؤية الأرنب اللطيف في حظيرة الحيوانات في مدرستك؟»
«لقد أخبرتك أن تترك قصتك الغريبة الدرامية! على أي حال، سأهزمك شرّ هزيمة اليوم لدرجة أنك سترتعش مثل ضفدع موصول ببطارية سيارة، لذا اكتب وصيتك الأخيرة واستعد يا معتوه!»
«لا.»
«ولم لا؟!»
«لأنني لست عضوًا في نادي الحيوانات.»
«غرر...يا ابن الـ...!!»
داست تلميذة الإعدادية بقوة على بلاط الطريق.
في لحظة، أحدثت جميع الهواتف المُجاورة صوت فرقعة متزامن لا يُصدق. انقطع البث السلكي في المركز التجاري بصوت بززز، وصرخت روبوتات الأمنية التي كانت تتجول في كل مكان بأصوات تحذير.
جاء صوت طقطقة كهرباء ساكنة من غِرة فتاة البيري بيري الإعدادية.
تلك الفتاة من المستوى 5 التي يمكنها استخدام مدفعٍ كهرومغناطيسي (ريلغن) فقط بجسدها ابتسمت بحيث كانت أنيابها مكشوفة كالوحش.
«همف. ما رأيك؟ هل قَلَبَ ذلك مفتاحًا في دماغك الجبان؟...ها!»
في محاولة محمومة لتغطية فمها، حاوَل كاميجو اخراس ميساكا ميكوتو الهادئة بيديه. («اصمتي!») همس بغضب. («ارجوكِ، أغلقي فمك وكوني هادئة! كل الناس الذين أحرقتِ هواتفهم تواً يبحثون عن شخص ما لقتله الآن!! لو عرفونا، فسيطلبون تعويضًا عن الضرر! وأنا لا أريد حتى التفكير في تكلفة كل معدات البث تلك!!»)
بسبب لقائه الأخير مع تلك الراهبة فضّية الشعر، صلّى كاميجو بكل قوته إلى الإله الذي لا يتذكره عادة إلا في الكريسماس.
لابد أن صلّاته قد شقت طريقها إلى السماء لأنه لم يقترب أحد من كاميجو وميكوتو.
شكرًا للإله، فكر كاميجو وتنهد بارتياح. (وهو لا يزال مستمرًا بخنق ميكوتو).
«...رسالة. رسالة. الخطأ رقم واحد - صفر - صفر - اثنان - ثلاثة - واحد - YF. تم اكتشاف موجات كهرومغناطيسية هجومية تنتهك قوانين الراديو. تم تأكيد وجود خلل في النظام. نظرًا لأن هذا من الممكن أن يكون إرهابًا إلكترونيًا، فيرجى الامتناع عن استخدام أي أجهزة إلكترونية.»
استدار كل من الإماجين بريكر والريلغن في ذعر.
كانت الحاوية الأسطوانية تتزحلق على ممر المشاة وهي تنفث الدخان وتثرثر بكلمات غير مفهومة.
بعد لحظة، أصدر الروبوت التابع للشرطة صفارة إنذار صاخبة كانت مسموعة لكلِّ من في الجوار.
بالطبع، ركضا.
فرّا عبر الأزقة وركلًا دلوًا بلاستيكيًا قذرًا وأخافا القطط السوداء أثناء هربهما. لحظة لحظة. لماذا أركض؟ لم أفعل شيئًا خاطئًا فلماذا أركض معها؟
أوه، صحيح. قد سمع ذات مرة في برنامج متنوع أن الروبوت الأمني الواحد يكلف 1.2 مليون ين.
«آغغ...أنا وحظّيَّ السَّيّء...لمذا اتورط دائمًا في المشاكل مع واحدة مثلها؟»
«ماذا تقصد بـ "واحدة مثلها"؟! لدي اسم وهو ميساكا ميكوتو!»
توقف كلاهما أخيرًا في زقاقٍ عميق، عميق جدًا صعبٌ الوصول إليه. كانت المساحة الخاوية مربعة كما لو أن أحد المباني قد هُدم. بدا وكأنه مكان مثالي لملعب كرة سلة الشوارع.
«اخرسي يا بيري بيري! كنتِ من استدعى البرق اللعين ليلة أمس وحرقتِ كلَّ ما عندي من إلكترونيات! ولا يزال عندك وجه للحديث بعد كل هذا؟!»
«هذا خطأك لأنك أزعجتني!»
«هذا غير منطقي! علاوة على ذلك، ما لمستُكِ حتى يا معتوهة!»
بعد ذلك...استخدم كاميجو يده اليمنى لصد كل هجوم رمته عليه ميكوتو. لم يكن فقط مدفعها الكهرومغناطيسي (الريلغن). لقد استخدمت سيفًا سوطيًا مصنوعًا من نشارة حديد ممغنطة، وموجات كهرومغناطيسية قوية تهدف إلى تعطيل أعضائه الداخلية، حتى أنها أسقطت صاعقة حقيقية من السماء هجومًا نهائياً.
لكن ولا واحدة منها صمدت أمام كاميجو توما.
طالما كانت قوة خارقة للطبيعة، يمكن لكاميجو توما أن ينفيها.
«انتِ ترهقين نفسكِ بمهاجمتي! لا تستخدمي قوتك كثيرًا ثم تلوميني عندما تنفذ قدرتك على التحمل يا بيري بيري!»
اغغ~~ تأوهت ميكوتو وكشرت أسنانها بأقصى ما تستطيع. «لا تستهزئ بي! هذه لا تُحسب! لم أتلق أي ضربة على الإطلاق، لذا هذا يجعلنا متعادلين!!»
«...حسنًا، آخ، حسنًا. انتِ الفائزة يا بيري بيري. ضربك لن يصلح مكيفي، مهما يكن.»
«غاه...! ا-انتظر ثانية! خذها بجدية أكبر!!» صرخت عليه وذراعاها تُلَوّحان بغضب.
تنهد الفتى.
«إذن، تقولين أنكِ تريدين مني الجدّية؟»
هئ... اختنقت ميكوتو بكلماتها.
شكّل كاميجو قبضةً بيده اليمنى وكرر سؤاله. مجرد هذه الحركة جعلتها تتعرق عرقًا ثقيلًا غير مرحب به. تجمدت، غير قادرة على التراجع خطوة.
كانت الحقيقة أنه لم يكن لديها أدنى فكرة عن طبيعة قوته الحقيقية. في نظرها، كان تهديدًا مجهولاً حيث اِحتفظ بكل أوراقه الرابحة بعيدًا عن البصر مثل لعبة البوكر.
كان من المنطقي لها أن تتوتر، لأن كاميجو صدّ كل هجوم كانت تلقيه لأكثر من ساعتين حتى الآن ولا زال سليمًا دون أيّ خدوش. وفكَّرت المرعوبة: إذا كان جادًا هنا، فماذا سيحدث لي؟
لكنه ببساطة تنهد واستدار.
ارتخت الخيوط الخفية التي كانت تربط جسدها أخيرًا. ترنحت خطوة ثم أخرى.
«...وما سأدعوه غير حظيَّ السيء؟» صُدِمَ كاميجو من ردة فعلها. «الأجهزة في مسكني كلها معطلة. وهذا الصباح كان علي أن أتعامل مع ساحرة مزيفة، والآن هذه الإسبرة الكهربائية...»
«ساحرة؟ ما تقول؟»
«...» فكّر للحظة واحدة. «...أجل، ما أقول حقًا؟»
لو كانت ميكوتو على طبيعتها، لردت عليه قائلة: أمجنون أنت أم معتوه؟ هل رأسك معطوب مثل قوتك أم ماذا؟! ثم تلقي عليه وابلًا من الصواعق. لكنها اليوم كانت متوترة، وكانت كل نظرة يُلقيها تُرهبها. لقد كانت مجرد خدعة لخداعها، لكنه شعر بالسوء لمدى فعاليتها.
ولكن ما بال ترهات السحرة هذه على كل حال؟
تذكر كاميجو قليلاً ما حدث صباح هذا اليوم. ظهرت الكلمة عرضًا عدة مرات عندما كان مع الراهبة فضية الشعر ذات الرداء الأبيض. ولكن الآن بعد أن كان بعيدًا عنها، بدا الأمر سرياليًا.
تساءل لماذا لم يشعر بهذه الطريقة عندما كانت إندِكس موجودة؟
هل كان هناك شيء غامض بها جعل الأمر يبدو أكثر قابلية للتصديق؟
«...مهلاً، ما الذي أفكر فيه بحق السماء؟»
تمتم كاميجو دون أن ينتبه إلى بيري بيري، أو ميساكا ميكوتو، التي كانت في هذه اللحظة ترتجف من الخوف مثل الجرو.
قطع بالفعل علاقته بإندِكس. في هذا العالم الفسيح، كان لقاء شخص ما بالصدفة للمرة الثانية دون سبب أقرب إلى المستحيل. لذا لا جدوى من التساؤل عن السحرة.
لكنه ما زال لا يستطيع نسيانها.
لقد تركت قلنسوتها البيضاء النقية التي كانت ترتديها على رأسها في غرفته.
وشق هذا الاتصال الأخير طريقه ثاقبًا قلبه، مما أزعجه.
بصراحة لم يفهم لماذا شعر بهذه الطريقة.
على الرغم من كونه الرجل الذي يمكن أن يقتل حتى الإله.
- الجزء 6
في هذه الأيام، لن تكفي 320 ين حتى لشراء وجبة كبيرة من طبق غيودون. [15]
«............................................................................وسط، هاه؟»
لن تفهم الفتيات اللواتي يأكلن صناديق البينتو الصغير بسعادة، ولكن بالنسبة للأولاد المراهقين، والتي تفوح منهم رائحة العرق، لم تكن أطباق الغيودون متوسطة الحجم أكثر من مجرد وجبة خفيفة.
بعد ابعاده فتاة البيري بيري، ميساكا ميكوتو، استمتع "بوجبته الخفيفة" في محل غيودون رخيص. مع بقاء ثلاثين ينًا (بعد الضريبة) في محفظته، عاد إلى سكنه الطلابي مع ظلال المساء تغمره تدريجيًا.
بدا المكان مهجورًا.
كان هذا هو اليوم الأول من العطلة الصيفية، لذلك ربما كان الجميع في الخارج يستمتعون.
من نظرة، بدت العمارة وكأنها مبنى سكني نمطي مكون من غرفة واحدة لكل شقة. كان هناك خط من الأبواب المكدسة بإحكام على المسار المستقيم على طول جدار المبنى المربع، يحرسها درابزين معدني على طول الممر. نظرًا لأن هذا كان مهجعًا للأولاد فقط، لم تكن هناك أغطية بلاستيكية على الدرابزين "لمنع التنورة القصيرة من الظهور للعالم" في الطوابق العلوية.
امتدت مباني سكن الطلاب بعيدًا عن الطريق. يمكنه رؤية مداخل المبنى على الجوانب وكانت الشرفات (بلكونات) الفردية تُبطن بين الفجوات بين المباني.
المداخل بها أقفال آلية هذه الأيام، لكن المسافة بين المباني المجاورة كانت مترين فقط. سيكون من السهل التسلل إلى مبنى آخر إذا قفزت عبر الأسطح كما فعلت إندِكس هذا الصباح.
فكّ كاميجو القفل، وتجاوز غرفة الخزانة المعروفة باسم غرفة مدير السكن، وركب المصعد. كان للمصعد جو فريد من نوعه. كان أكثر ضيقةً واتساخًا من المصاعد المستخدمة في مواقع البناء. وكان الزر «R» الذي يشير إلى السقف مغلقًا بلوحة معدنية صغيرة لمنع روميو وجولييت من الولوج الى السطح ليلةً بعد ليلة.
رنّ المصعد رنّةً تشبه صوت المايكروويف وتوقف في الطابق السابع.
انفتح الباب بـ صَرير. واضطر كاميجو لمساعدة المصعد ليفتحه بقوة، ثم خرج إلى الممر. كان ارتفاعه سبعة طوابق، لكنه لم يكن يبدو وكأنه مبنى شاهق الارتفاع. بدا الجو حارًا ورطبًا بلا داع، ربما بسبب قُرب المبنى المجاور.
«همم؟»
عندها لاحظ كاميجو. على الطرف الآخر من الممر المستقيم أمام باب مسكنه، كانت هناك ثلاثة روبوتات تنظيف. ثلاثة كان مشهدًا غير عادي. لم يكن هناك سوى خمسة روبوتات تنظيف مخصصة لهذا المبنى في المقام الأول. كان كل منهم يتحرك ذهابًا وإيابًا بحركات قصيرة وسريعة، لذلك اِعتقد أنه لا بد من وجود فوضى سيئة وكبيرة هناك.
...لسبب ما، انتابه نذيرُ شؤمٍ شديد.
كان لتلك الروبوتات ذات الشكل الأسطواني قوة تدميرية كافية لتمزيق قطع العلكة الملتصقة بالأرض على الطرق الرئيسية. فقط ما الذي احتاج ثلاثة منهم للتعامل معه؟ ارتجف كاميجو من فكرة أن جاره [تسوتشيميكادو موتوهارو] ربما كان في حالة سُكر بينما كان يتصرف مثل الجانح المنحرف من أجل أن يفقد عذريته وانتهى به الأمر بالتقيؤ بكمية هائلة أمام باب كاميجو بدلاً من عمود الهاتف.
«بحق السماء ما الذي حدث...؟»
لدى الناس دافع غريب إلى حد ما لمشاهدة الكوارث.
بأخذه عدة خطوات إلى الأمام، رأى المصدر أخيرًا.
سقطت الفتاة الغامضة إندِكس على الأرض من الجوع.
«...........................................................................آه»
لم يستطع رؤية جسدها بالكامل خلف الروبوتات، ولكن من الواضح أن أحدًا يرتدي زي راهبة بيضاء ومغطى بدبابيس أمان لامعة قد انهار على وجهه هناك.
لم تجفل، على الرغم من أن الروبوتات الثلاثة كانت تصدمها بضربات إيقاعية. طك طك طك. كان المشهد يتسم بجو من المأساة، كما لو كانت غربان المدينة تنهش جثتها. ولكن تبرمجت روبوتات التنظيف لتجنب البشر والعقبات الأخرى. ولا حتى الروبوتات تعاملها كما لو كانت بشرًا؟ ما كان ذلك كله؟
«...كيف اصفها يا ترى؟ إنه حظٌ سيء.» تمتم كاميجو بشيء اعتاد قوله. لو أنه فحص تعابير وجهه في المرآة، لكان مندهشًا. كان يبتسم في الواقع.
كان هناك شيء بداخله "معلقًا" بها. حتى لو لم يكن يؤمن بالسحر والغرائب، يمكنه تفسير الموقف على أنه طائفة مشبوهة تطارد فتاة وحيدة.
حقيقة أنها ظهرت مرة أخرى كما لو لم يحدث لها شيء (؟) جعلته سعيدًا.
حتى لو وضع كل ذلك جانباً، كان سعيدًا فقط لأنهما التقيا مرة أخرى لسبب ما.
ثم تذكر كاميجو الشيء الوحيد الذي نستهُ – قلنسوتها البيضاء التي لم يعده إليها بعد. الغريب أنه صار يفكر فيها على أنها جالبة حظ سعيد.
«يا فتاة! ماذا تفعلين على الأرض هناك؟» نادى وهو يركض نحوها متسائلاً لماذا شعر وكأنه تلميذ في المدرسة الابتدائية متحمس في الليلة السابقة لرحلة ميدانية. ذكّرته كل خطوة قام بها بالتوقع الذي شعر به عند ذهابه إلى متجر ألعاب في اليوم الذي كان من المقرر إطلاق بعض الألعاب الـ RPG الجديدة من صناعة الاستوديوهات الضخمة.
إندِكس لم تنتبه له حتى الآن.
خنق كاميجو توما ابتسامته على ردّة فعلها (كما هي طباعُ إندِكس).
عندها فقط أدرك أن إندِكس كانت منهارة في بركة من الدماء.
«...أه...؟»
لم تكن الصدمة أول ما شعر به، بل الاستغراب.
لم يلاحظ ذلك أبكر نظرًا لحشد الروبوتات التي كانت تغطيها، لكن ظهرها كان ممزقًا بقطعٍ أفقي بالقرب من خصرها. بدا الجرح وكأنه من صنع سيف، كما لو تم استخدام مسطرة وقلم قاطع للورق لنحت خط مستقيم على الورق المقوى. كان شعرها الفضي الواصل حتى خصرها مصبوغًا بالقرمزي.
للحظة، لم يستوعب كاميجو أنه كان دمًا بشريًا.
الفجوة في الواقع بين هذه اللحظة واللحظة التي سبقتها مباشرة جعلت كاميجو في حالة ذهول. أحمر، أحمر غامق...أهو كاتشب؟ قبل أن تنهار من الجوع، لا بد أنها استخدمت آخر قوتها لشرب بعض الكاتشب. استدعى صورًا سعيدة في ذهنه محاولًا الابتسام.
حاول أن يبتسم، لكنه لم يستطع.
بالطبع لا.
استمرت روبوتات التنظيف الثلاثة في التحرك ذهابًا وإيابًا أثناء إصدارها أصوات الارتطام. طك طك طك. بكل هذه الفوضى على الأرض، كانوا يحاولون استخدام مسّحاتهم لوقف انتشار البركة القرمزية. اللون الأحمر الزلق الذي يخرج من جسم إندِكس...كان الأمر كما لو كانوا يستخدمون قطعة قماش متسخة لإيقاف الجرح. كان الأمر كما لو كانوا يمتصون كل شيء داخل جسمها.
«ت...توقفوا، توقفوا حالاً! اللعنة!!»
أخيرًا، تكيفت عيون كاميجو مع الواقع أمامه. حاول الامساك بالروبوتات المتجمعة بجنون حول إندِكس المصابة بجروح خطيرة. صُمِّمَت لتكون ثقيلة جدًا لمنع السرقات، ولديها قدر كبير من القدرة الحصانية أيضًا، لذا لم يكن ابعادها مهمة سهلة.
بالطبع، كانت الروبوتات تقوم فقط بتنظيف "الفوضى" المتوسعة عبر الأرضية، وتجنبوا بجد أي اتصال مباشر مع إندِكس. لكن في ذهن كاميجو، كانوا عبارة عن نمل أبيض يتغذى حول جرح متقيِّح.
على الرغم من الأدرينالين الذي يغذيه، عرف كاميجو أن روبوتًا واحدًا كان ثقيلًا وقويًا للغاية بالنسبة له لإبعاده، ناهيك عن ثلاثة منهم. إذا ركز على أحدهم، سيذهب الآخران لتنظيف "الفوضى".
لم يستطع حتى زحزحت هذه الدمى الغبية.
على الرغم من كونه الرجل الذي يمكنه أن يقتل حتى الإله.
كانت إندِكس صامتة.
كانت شفاهها الساكنة أرجوانية من فقدان الدم. سواء كانت تتنفس أم لا، كان أمرًا غير معلوم.
«اللعنة، اللعنة!!» صاح كاميجو عاجزًا. «بحق الجحيم؟ ما هذا؟! من اللعين الذي فعل بك هذا، تبا؟!»
«همم؟ ستكون هذه فِعلتُنا نحن السَّحرة.»
الصوت الذي خلفه لم يكن صوت إندِكس.
أدار كاميجو جسده بالكامل نحو المصعد كما لو كان يوشك أن يخرج شخص ما... لكنه لم يكن في المصعد... بدا أن الشخص قد خرج من سلم الطوارئ.
كان طول الرجل القوقازي مترين تقريبًا، لكن وجهه بدا أصغر من وجه كاميجو.
ربما كان عمره... في حدود الرابعة عشر او الخامسة عشر، في نفس عمر إندِكس. كان طوله سمة من سمات الأجانب. بدت ملابسه وكأنها شيء قد يرتديه الكاهن: ثوب اسود غامق. ومع ذلك، لن يكون هناك أحدٌ في هذا العالم قد يسمي هذا الرجل "بالأب". [16]
ربما لأنه كان واقفا في اتجاه الريح اشتم كاميجو نفحة من عطر حلو للغاية وأكثر من اللازم، رغم أن الرجل كان على بعد أكثر من خمسة عشر مترا. كان شعره الملامس لكتفه مصبوغًا باللون الأحمر مثل غروب الشمس، وكانت الحلقات الفضية مصطفة على كل من أصابعه العشرة مثل المفاصل النحاسية. تتدلت الأقراط المبهرجة من أذنيه؛ يُمكن رؤية حزام هاتف خليوي من جيبه؛ وسيجارة مشتعلة في زاوية فمه؛ وفوق كل ذلك، نُقِش وشمٌ شبيه بالرمز الشريطي (الباركود) أسفل جفنه الأيمن السفلي.
لا يبدو مصطلح الجانح ولا الكاهن يفيان حق هذا الرجل.
لكن من الواضح أن الرجل الواقف في الممشى انبعثت منه هالة غير طبيعية.
شعر كاميجو أن القواعد الطبيعية التي تحكم الحياة لم تعد سائدة. كما لو أن مجموعة جديدة تمامًا من القوانين الفيزيائية ترسخت، شعر بمخالب جليدية تطفو في الهواء من حوله.
لم يتلبسه أي من الخوف أو الغضب في هذا الموقف.
بل كان التردد مرة أخرى. تردد وعدم ارتياح. شعر كما لو أن محفظته سُرقت في بلد أجنبي حيث لا يتحدث لغتها. كان ذلك النوع من العزلة اليائسة يعتريه. استحوذت المجسات الجليدية العائمة في الهواء قلبه. عندها فهم ما رآه.
كان هذا ساحرًا.
كان هذا العالم الآن بيئة غير طبيعية – عالم يؤكد وجود السَّحرة.
يمكنه معرفة ذلك بلمحة.
ما زال لا يؤمن بالسِّحر.
لكن من الواضح أن هذا الشخص كان وجودًا خارج عالمه – العالم الذي يُطبق فيه الحس السليم.
«همم؟ مم، مم، همم. لقد تحول هذا بالتأكيد إلى عرضٍ كبير.» نظر الساحر حوله، ولَوَى السيجارة في زاوية فمه. «سمعتُ أن كانزاكي جرحتها، لكن... حسنًا، اِعتقدتُ أن الأمور على ما يرام لأنه لم يكن هناك أي أثر للدم، ولكن...»
لاحظ الساحر أن روبوتات التنظيف تتجمع خلف كاميجو توما.
ربما قُطِعَت إندِكس في مكانٍ آخر واستمرت في الهرب بحياتها. وعندما وصلت إلى هنا، كانت قوتها قد خارت. وفي هذه الأثناء، كانت الروبوتات تمسح بقايا دمها الطازج على الأرض.
«لكن لماذا...؟»
«همم؟ أوه، أتقصد لما عادت إلى هنا؟ من يعرف؟ ربما نست شيئا. الآن بعد التفكير في الأمر، ألم تكن ترتدي طرحة عندما طاردناها في الأمس؟ أتساءل ان سقطت منها يا ترى؟»
قال الساحر أمام كاميجو أنها "عادت".
بعبارة أخرى، كان يتبع إندِكس طوال اليوم. وعرف أنها نست طرحة رداءها، الكنيسة السائرة.
ذكرت إندِكس شيئًا عن إمكانية تتبعهم للقوة السحرية المنبعثة منها.
لذلك استطاع السحرة تتبعها بالبحث عن القوة الغريبة داخل رداءها. كان كاميجو متأكدًا تمامًا من أنها أخبرته أيضًا أنهم سيعرفون أن الكنيسة السائرة دُمِّرت وأن إشاراتها قُطِعت.
لكن لابد أن إندِكس فهمت ما يعنيه ذلك أيضًا.
كانت تعرف كل ذلك، لكنها رغم ذلك اعتمدت على القوة الدفاعية لكنيستها السائرة.
ولماذا عادت بحق السماء؟ لماذا احتاجت إلى استعادة قطعة واحدة من زيها المحطم والغير فعال؟ إذا كانت يدي اليمنى قد جعلت الكنيسة السائرة بأكملها عديمة الفائدة، فلن يخدم غطاء رأسها شيئًا.
...حسنًا، هل أنت على استعداد لمرافقتي الى أعماق الجحيم؟
فجأة، ارتبط كل شيء.
تذكر كاميجو أنه لم يلمس آخر قطعة من الكنيسة السائرة. بعبارة أخرى، لا تزال هناك قوة سحرية بداخل قلنسوتها. أدركت إندِكس أن السحرة سيستخدمونها للعثور عليها.
لذا فقد كانت تخاطر بعودتها إلى هنا.
«...يا غبية.»
لم تكن بحاجة إلى القيام بذلك. لقد كان ذنبه بالكامل تدميره للكنيسة السائرة، وقد احتفظ بقلنسوتها في غرفته متعمدًا نوعًا ما. لم يكن لديها واجب أو التزام أو سلطة لحماية حياته.
لكنها لم ترضى إلا بالعودة.
أُجبِرَت على العودة لأجل كاميجو توما، وهو غريب تمامًا لم تعرفه إلا لثلاثين دقيقة.
لقد خاطَرت بحياتها حتى لا يتورط في معركتها مع السحرة.
«...أيتها الغبية!!»
لم تتحرك إندِكس بوصةً واحدة. أخنقه سكونها لسببٍ ما.
كانت قد أخبرته أن سبب سوء حظه هو يده اليمنى.
كان ومن دون وعي يمحو حتى القوى الغريبة المريبة مثل الحماية الإلهية وخيط القدر الأحمر.
لو لم يلمسها بيده اليمنى مُتحدّيًا، ولَوْلا تدميره للكنيسة السائرة، لما عادت.
لا، مهما يكن. لا حاجة لأعذار من هذا القبيل.
مهما كانت يده اليمنى أو لم تكن، وسواء تحطمت الكنيسة السائرة أم لا، فلم يكن عليها العودة من الأساس.
لو لم يرغب كاميجو بنوعٍ من الاتصال معها...
لو كان قد أعاد لها قلنسوتها بشكل صحيح فقط ما ان أُتيحت له الفرصة...
«همم؟ همم ممم؟ أوه، لا تنظر إلي هكذا.» نفث الساحر سيجارة مرة أخرى. «لم أكن الشخص الذي قطعها، وأنا متأكد من أن كانزاكي لم تقصد إنزافها كثيرًا. يعلم الجميع بالطبع عن دفاع الكنيسة السائرة المطلق. ما كان يجب أن يسبب خدشًا لها...يا رجل، كيف بحق الرب انتهى بها الأمر محطمة؟ لم يُحيَى تنين القديس جورج بعد، لذلك من المستحيل هدم حاجز من الطبقة البابوية.»
توقفت كلماته، كما لو كان يتمتم في نفسه، واختفت ابتسامته.
لكن ذلك كان للحظة فقط. بدأ يهز سيجارته مرة أخرى على الفور، كما لو أنه تذكر فجأة ان يبتسم.
«لماذا... لماذا؟» تلعثم كاميجو دون تفكير ودون انتظار إجابة. «لماذا؟ أنا لا أؤمن بالسحر أو الحكايات الخرافية، ولا أستطيع أن أفهمكم أيها السحرة. لكن ألا تعرف الفرق بين الخير والشر؟ أليس هنالك سحرة يحمون شيئًا أو شخصًا ما...؟»
لم يكن لديه الحق في قول ذلك. لم يكن سوى مخادع.
سَمَحَ لإندِكس بالذهاب وحيدة، وعاد هو إلى حياته اليومية.
لكن عليه قول هذا، مهما حدث:
«جميعكم تتنمرون على فتاةٍ صغيرة. تطاردونها، وتجعلونها تنزف هكذا... أيمكنكم حقًا الادعاء بأنكم تتمتعون بأي حسٍّ بالعدالة، أيها الغبي؟!»
«قلتُ لك بالفعل انني لست الشخص الذي جعلها تنزف؛ كانت كانزاكي.» قاطعه الساحر بوضوح، ولم يتأثر بكلمات كاميجو على الإطلاق. «على أي حال، سألتقط ما أتيت من أجله، ملطخةً كانت أم غير ذلك.»
«التقاط؟» لم يفهم كاميجو.
«مم؟ حسنا أرى ذلك. ظننتُ أن كل شيء تسرب بما أنك تعرف ما هو الساحر. ربما كان هذا الشيء خائفًا من إشراكك في كل هذا.» زفر الساحر الدخان من صدره. «هذا صحيح، أنا هنا لالتقاط ذلك. لأكون أكثر دقة، أنا لست هنا من أجل ذلك ولكن لأجل الـ 103,000 كتاب سحري التي يمتلكها ذلك الشيء.»
...مرة أخرى مع الـ 103,000 كتاب سحري.
«فهمت، فهمت! من المحتمل أنك لا تفهم، لأن الجانب الديني ضعيف جدًا في هذا البلد،» أوضح الساحر، وقد بدت لهجته ملولة رغم الابتسامة على وجهه. «[فهرس الكتب المحظورة] [17] إنها قائمة بالكتب الشريرة والمقيتة التي نشرتها الكنيسة والتي من شأنها أن تُلطخ روحك لو لمحتها لمحة. حتى لو أرسلت الكنيسة خبرًا يُفيد بأن مثل هذه الكتب الخطيرة صارت علنية، فإن أحد المجلدات الخسيسة يمكن أن ينتهي بها المطاف في أيدي معتوهٍ ما لا يعرف خطرها. وهكذا اصبح ذلك الشيء بوتقة معرفة سامة تحتوي على 103,000 كتاب سحري. آه، تريد الحذر؟ لواحدٍ مثلك يعيش في بلد ذي آراء دينية واهنة، فإن مجرد النظر إلى أحدها سيصيبك بالشلل مدى الحياة.»
سمع كاميجو خطبة الساحر، لكن إندِكس لم تحمل كتابًا واحدًا حتى. ولو كان لديها، لكان قادرًا على رؤيتها تحت عباءتها. بعد كل شيء، فقد رأى كل شبرٍ من جسدها. شخصٌ يحمل مئة وثلاثة آلاف كتاب لن يكون قادرًا على المشي على أي حال. كانت مئة ألف كتاب كافية لملء مكتبة بأكملها وزيادة.
«توقف عن العبث معي! أين هذه الكتب بحق الجحيم إذن، هاه؟!»
«إنهم هناك. في رأس ذلك الشيء، في ذاكرته.» أجاب الساحر بسلاسة، كما لو كان يصرح بما هو بديهي. «أسمعت يومًا بالذاكرة المثالية؟ على ما يبدو، إنها قدرة تتيح لك حفظ أي شيء فور رؤيته. وتسمى أيضًا بالذاكرة الصورية. مثل ماسحة ضوئية بشرية.» ابتسم الساحر والملل في نبرته لا زال. «نحن لا نتحدث عن سحرنا الخفي أو قدراتك العلمية الخارقة هنا، إنها مجرد سِمة من سِماتِها الطبيعية. لقد زارت أماكن عدة في جميع أنحاء العالم مثل المتحف البريطاني ومتحف اللوفر ومكتبة أبوستوليكا فاتيكانا وأطلال باتاليبوترا و شاتو دي كومبيين وأكاديمية جبل القديس مايكل و "سَرَقت" كُتب سحرية مُحكَمَة هناك فقط بعينيها. إنها مكتبة من الكتب السحرية.»
لم يكن هناك من طريقة يمكن لكامجيو أن يصدقها.
لم يستطع أن يؤمن بهذه [الكتب السحرية] أو بأمر [الذاكرة المثالية] هذه.
لكن لم يكن مهمًا ما إذا كانت صحيحة أم لا. ما رآه أمامه كان شخصًا مستعد ليقطع ظهر فتاة فقط لأنه كان مؤمناً أن ذلك صحيح.
«حسنٌ، لا تملك الفتاة نفسها قدرة لصقل قوتها السحرية بأي حال، لذا فهي غير ضارة.» هز الساحر السيجارة في زاوية فمه بفرح. «ولكن بما أن هذه السدادة كانت جاهزة، فلا بد أن للكنيسة مخاوف....حسنًا، أنا ساحر، لذا لا علاقة لي بأي من هذا. على أي حال، تلك الكتب المئة وثلاثة آلاف لهي خطر. لذا قبل أن تقع في أيدي شخص سيستخدمها، جئت هنا لتأمينها.»
«تأمينـ...ـها؟»
اندهش كاميجو. مع منظره القرمزي هذا... ما الذي تفوه به هذا الرجل تواً؟
«هذا صحيح. صحيح. تأمينها. بحِسِّها السليم وقلبها الرؤوف، فمن المحتمل أنها لن تكون قادرة على الوقوف في وجه التعذيب والتخدير. التفكير في تسليم جسد فتاة لأشخاص يفعلون مثل تلك الفعلة يكسر قلبك، صحيح؟»
«...»
كان كل ما في جسد كاميجو يرتجف.
لم يكن مجرد غضب. كانت قشعريرة تندلع على ذراعيه. كان الرجل الذي ينظر إليه يعتقد حقًا أنه كان على حق. كانت طريقته في الحياة لا تشوبها شائبة، فلم يقدر على رؤية أخطائه أبدًا. لقد جعل كاميجو يقشعر كما لو أنه نزل في حوض استحمام مليء بآلاف البزاقات، وانتشرت قشعريرة في جسده كله.
جاءت عبارة "طائفة من المجانين" إلى ذهنه.
كان هذا الساحر يطارد الناس بدافع إيمانٍ أعمى، دون أي أساس أو منطقٍ وراءه. عندما فكر كاميجو في ذلك، انقطعت أعصابه.
«أيها...أيها الوغد اللعين!!»
شعرت يُمناه بتصاعد حرارة شديد، وأصدرت صوت سحقٍ كما لو كان صداها يتذبذب مع غضبه.
تحركت ساقيه، التي كانت ملصوقةً بالأرض آنفاً، بشكل أسرع مما كان يتصور. انطلق جسده البليد المصنوع من لحم ودم على الساحر كالرصاصة. قَبَضَ قبضته اليمنى بقوة حتى بدا كما لو أن نيته كانت سحق أصابعه في قبضته.
كانت يده اليمنى عديمة الفائدة. لا يمكنها هزيمة جانحٍ واحد، أو أن ترفع درجات اختباره، أو تجعله مشهورًا لدى الفتيات.
لكن يده اليمنى قد تكون مفيدة أيضاً. بعد كل شيء، يمكنه استخدامها لضرب اللعين المُغتر الواقف أمامه.
«اعتقد ان هذا سيكون الجزء الذي أقدم فيه نفسي بإسم ستَيْل ماغنوس، لكنني أفترض أنني يجب أن أطلق على نفسي فورتيس 931 في هذه المرحلة.» لوى فمه عرضا، ورقصت سيجارته مع كل حركة. تمتم بشيء لنفسه قبل أن يعلن لكاميجو كمن يقدم قطته السوداء الرائعة بتفاخر. «هذا هو اسمي السحري. غير معتاد على سماع ذلك؟ على ما يبدو، علينا نحن السحرة ألا نكشف عن أسمائنا الحقيقية عندما نستخدم السِّحر. إنه تقليدُ قديم، وأنا نفسي لا أفهمها حقًا.»
فَصَلهُم خمسة عشر مترا.
قطع كاميجو توما نصف تلك المسافة بثلاث خطوات فقط.
«سيكون معنى فورتيس شيئًا مثل "القوي" في اليابانية. لكن أصل الكلمة لا يهم. المهم أنني استخدمت هذا الاسم لتقديم نفسي. بالنسبة للسحرة، فهو ليس مجرد اسم سحري وحسب ولكنه...»
واصل كاميجو توما ركضه في الممر بخطوتين أخريتين.
ظل الساحر يبتسم رغم ذلك، وكأنه يشير إلى أن خصمه لم يكن مقتدرًا على محو ابتسامته المتعجرفة.
«...اسم القتل»
أزال الساحر ستَيْل ماغنوس السيجارة من فمه، وألقى بها جانبًا بأصابعه.
طارت أفقيًا وانزلقت من وراء الدرابزين المعدني وضربت جدار المبنى المجاور.
رَسم خط برتقالي مسار السيجارة كصورة لاحقة وتطاير الشرر عندما اصطدمت بالحائط.
«كيناز (نيران)» [18]
بينما كان ستَيل يتحدث، انفجرت الصورة اللاحقة البرتقالية فجأة بصوت عالٍ.
صار الخط المستقيم سيفا ملتهبا وكأن أحدهم شغَّل خرطوم حريق مملوء بالبنزين.
كان بإمكان كاميجو سماع الطلاء على الجدران وهو يغلي ويتغير لونه. بدا الأمر وكأنها صورة تُحرق بولاعة.
لم يلمس السيف حتى، لكن كاميجو شعر كما لو أن مجرد النظر إليه سيحرق عينيه. توقف تلقائيًا وغطى وجهه بكلتا يديه.
كانت ساقاه لا تتحركان. كان الأمر كما لو سُمِّروا بمطرقةٍ على الأرض بقوة.
عانى كاميجو من الشك.
يمكن للاماجين بريكر مسح أي قوة غير طبيعية بلمسة واحدة. وحتى مدفعية الريلغن، للفتاة بيري بيري ميساكا ميكوتو، بقوتها ذي المستوى 5 القادرة على تدمير مخبأ نووي كامل بطلقة واحدة لم تكن استثناءً.
رغم ذلك...
لم يرى كاميجو أبدًا قوة خارقة إلى جانب تلك التي يمتلكها أسابر المدينة.
ماذا عن السِّحر؟
هل ستعمل يده اليمنى ضد قوى غريبة ومجهولة تُعرف بالسِّحر؟
«... بوريساز ناوبـيـز غيبو! (هدية الألم للعملاق!)» ضحك الساحر برؤيته يدي كاميجو تغطي وجهه.
وبينما ضحك، أرجح الساحر سيف اللهب المشتعل أفقيًا في جانب كاميجو توما.
في اللحظة التي لمسته فيها، فقد شكله وانفجر في كل الاتجاهات كبركان ثائر.
واندلعت موجات من الحرارة، وومضات من الضوء، والضوضاء المتفجرة، والدخان الأسود في كل اتجاه من حوله.
«ربما بالغت؟» حك ستَيل رأسه أمام مشهد القصف. فحص المنطقة المحيطة بحثًا عن المارة ولم يجدهم. ربما كان معظم الطلاب الذين عاشوا في هذا السكن في الخارج يستمتعون باليوم الأول من العطلة الصيفية، ولكن إذا كان لا يزال هناك أي منعزلين بلا أصدقاء، فستصبح الأمور معقدة.
غطى ستار الدخان الأسود والنار بصر ستَيل.
لكنه لم يكن بحاجة إلى عناء التحقق لمعرفة ما حدث. بإمكان هجومه الجهنمي الاحتراق حتى 3000 درجة مئوية. على ما يبدو، أيُّ شيء فوق 2000 درجة سيُسيل جلد الإنسان بدلاً من الاحتراق، لذلك ربما أصبح الفتى عبارة عن كتلة سميكة من الرواسب الملتصقة بالجدار مثل العلكة تمامًا كما حصل للدرابزين المعدني الذي ذاب مثل الحلوى المنصهرة.
زفر دخانًا، مدركًا أن قراره بقتل الصبي حتى لا يقترب من إندِكس له ما يبرره. لو استخدم إندِكس الجريحة درعًا، لأصبحت الأمور مقيتةً بعض الشيء.
...لكنه لن يستطيع اخذ إندِكس بهذه البيئة.
تنهد ستَيل. لم يكن قادرًا على عبور الرواق المليء باللهب لاستعادتها. لو كان هناك سلالم طارئة على الجانب الآخر من الرواق، فيمكنه الوصول إليها، لكن إذا ذابت في النيران أثناء تجواله، فلن يكون الأمر مضحكًا.
مال رأسه، محاولًا معرفة كيفية المضي قدمًا. تحدث مرة أخرى كما لو كان يستطيع أن يرى من خلال الدخان. «عمل رائع. مبروك، لكني آسف لخسارتك. إذا كان هذا كل ما لديك، فلن تتمكن من الفوز حتى لو حاولت ألف مرة.»
«من لن يستطيع الفوز ألف مرة؟»
تجمد الساحر في مكانه مرعوبًا من الصوت الخارج من نار الجحيم.
مع هدير هائل، تبدد ستار الدخان والحريق الذي يحجب المنطقة فجأة.
كان الأمر كما لو أن إعصارًا قد ظهر فجأة في وسط الحريق ونهب كل شيء بعيدًا.
ووقف كاميجو توما وسطه.
كان الدرابزين سائلاً مثل الحلوى، وكان الطلاء على الأرض والجدران متقشرًا، وتساقطت قطرات من مصابيح الفلورسنت المعلقة على السقف بعد أن ذابت من الحرارة. وفي عين الجحيم، وقف الصبي هناك سالمًا تمامًا.
«... سحقًا، بالطبع. ما الذي كنت خائفًا منه؟»
نطق كاميجو بالكلمات من زاوية فمه، وبدا عليه الملل.
«...كانت هذه هي اليد اليمنى التي دمرت كنيسة إندِكس السائرة.»
بصراحة لم يفهم أي شيء عن السحر.
لم يفهم آلية الشيء أو ما كان يحدث إذا لم يستطع رؤيته. حتى لو شرحه أحدهم له من البداية إلى النهاية، فمن المحتمل أنه لن يفهم نصفه على أي حال.
ربما كان غبيًا، لكنه كان يعرف شيئًا واحدًا.
في النهاية، كانت مجرد قوة أخرى غير طبيعية.
لم تنطفئ النيران القرمزية التي طردها تمامًا.
دائرة أنيقة من اللهب لا تزال ترقص حول كاميجو توما وكانت تستهدفه، ولكن...
«انقلعي.»
بهذا الأمر، صفع كاميجو ألسنة اللهب البالغة 3000 درجة مئوية. مُحيى الكثير منهم في وقت واحد، كنفخ شموع عيد ميلاد على كعكة بنَفَسٍ واحد.
قاس كاميجو حجم الساحر أمامه.
كان الساحر مرتبكًا في هذا التحول غير المتوقع للأحداث، مثل أيّ إنسان.
أوه، هذا "الشيء" كان إنسانًا.
إذا ضُرب، فإنه سيشعر بالألم، وإذا قُطِع بسكين X-Acto أبو مئة ين، فسينزف دمًا أحمر. كان مجرد إنسان.
ذهبت رجفة ركبتي كاميجو، ولم يعد جسده متجمدًا.
لقد حرك أطرافه كما كان يفعل دائمًا.
تحركت!
«...ها-؟»
من ناحية أخرى، تراجع ستَيل امام الظاهرة الغير قابلة للتفسير التي شهدها.
بالنظر إلى البيئة المحيطة به، لم يكن هنالك سببٌ لأن يُخطئ هجومه. إذن، هل كان جسم الصبي قويًا بما يكفي لتحمل درجات حرارة تزيد عن 3000 درجة مئوية؟ لا، لن يكون حتى بشرًا حينها.
لم يهتم كاميجو توما بارتباك ستَيل.
وتقدم ببطء خطوة بخطوة، وشد قبضته اليمنى الساخنة كالصخرة.
«اللعنة!!»
لَوّح ستَيل بذراعه أفقياً. ظهر سيف مشتعل آخر، تمامًا كالأول، وضرب كاميجو بقوة متفجرة.
انفجر اللهب والدخان الأسود في كل مكان.
ولكن عندما تبدد النار والكبريت، كان الصبي لا يزال قائمًا. مرة أخرى.
...هل يمكن...أنه يستخدم السحر؟
نظر ستَيل في احتمالية هذا لكنه استبعدها على الفور. لن يكون هنالك أيُّ ساحرٍ في بلدٍ أحمق يعتقد أُناسه أن عيد الميلاد هو يوم للمواعدة.
وايضًا...إلى جانب ذلك، إذا انضمت إندِكس التي لم تكن لديها قوة سحرية إلى ساحر، فلن تحتاج إلى الفرار. كان هذا هو مدى خطورة ما حَفِظته.
كان امتلاك 103,000 كتاب سحري يختلف اختلافًا جوهريًا عن امتلاك شيء مثل صاروخ نووي.
الكائنات الحية تموت؛ التفاحة المعلقة تسقط؛ واحد زائد واحد يساوي اثنين... كانت هذه قوانين مصونة. ولكن هناك من يقدر على كسرها، وإعادة كتابتها، وانشائها جديدًا. 1+1 سيصير 3، والتفاح سيسقط لأعلى، والموتى سيُبعثون.
أطلق السحرة على هؤلاء مسمى "إله سحري".
ليس شيطانًا من الجحيم، بل ساحرًا اقتحم نطاق الإله. [19]
لكنه لم يستطع أن يشعر بأي قوة سحرية من الصبي قِبَله.
بصفته ساحرًا، كان بإمكانه الإخبار بلمحة. هذا الطفل لم يَحمِل رائحة شخص من عالم ستَيل.
إذن لماذا؟
«!!»
كما لو كان ينكر الإحساس البارد الذي أصاب عموده الفقري، اِستحضر سيفًا ملتهبًا ثالثًا وأرجحه في كاميجو.
هذه المرة، لم يكن هناك حتى انفجار.
في اللحظة التي لمس كاميجو النصل الناري بيده اليمنى، تحطم كل شيء مثل الزجاج وذاب في الفراغ واختفى. لقد فعل ذلك بطريقة عرضية مثل ضرب ذبابة.
لقد دمرت يده اليمنى العارية، بدون أي تحسينات سحرية، شفرة ستَيل الملتهبة البالغة 3000 درجة مئوية.
«...أه.»
فجأة، فجأةً حقًا، ظهر شيء ما في الجزء الخلفي من عقل ستَيل ماغنوس.
كانت عباءة إندِكس الكنيسة السائرة من الطبقة البابوية، مما يعني أنها كانت مطلقة. تتنافس قوة حاجزها الدفاعي مع تلك الموجودة في كاتدرائيات لندن. طالما لم يُبعث التنين الأسطوري للقديس جورج مرة أخرى، كان تدميرها مستحيلًا تمامًا.
لكن كانزاكي قطّعت إندِكس. هذا يعني أن الكنيسة السائرة تحطمت بشكل لا لبس فيه.
لكن من؟ وكيف؟
«...........................................................................................»
كان كاميجو توما أمامه.
إذا اتخذ خطوة أخرى، يمكنه أن يلكم الساحر.
«MTWOTFFTO. (عسى عالم الأسس الخمسة يكن واحدًا.)
IIGOIIOF. (إنها البداية العظيمة، وهي الشعلة الأصيلة).»
اندلع عرق غير سار في جميع أنحاء جسم ستَيل. لأن الكائن الحي أمامه، مرتديًا الزي المدرسي الصيفي، بدا بشريًا. شعر بشيء آخر ملفوف في جسد الصبي، وراء الدم واللحم. شعر ستَيل بعموده الفقري يهتز.
«IIBOLAIIAOE. (وُلد من الحَياة، وهو الحَكَمُ على الشر).
IIMHAIIBOD. (إنها سعادةٌ مُعتدِلة، وهي لعنة الموت.)
IINFIIMS (سُمّيَت النار، وهي سيفي.)
ICRMMBGP! (أدعوك إلى الواقع، وامضغ جسدي طلبًا لقوةٍ عظيمة!)»
تمدد صدر ملابس ستَيل فجأة مثل البالون، وانفجرت أزراره وبرز ما في الداخل.
وبينما التهم اللهب الأكسجين بزئير، قفزت كرة عملاقة من اللهب من ملابسه. لم تكن مجرد كرة من نار.
كان للنيران القرمزية المشتعلة شيء أسود ويقطر مثل زيت الوقود في جوهرها. وكانت على هيئة إنسان.
كان داخل تلك النيران المتوهجة نواة من الصفار السميك القتّام الشبيه بالنفط، وكانت صورتها على شكل رجل. بدا وكأنها إنسان مغطى بزيت أسود خانق، مثل طائر سقط ضحية لانسكاب زيت. احترق بلا انقطاع.
كان اسمه إنوكينتوس، مَلِكُ صَيْدِ السَّاحِرات – ومعنى اسمه: الموت المحقق.
نشر العملاق المشتعل الحامل للقب الموت المحقق ذراعيه وهاجم كاميجو توما مثل الرصاصة.
«وانقلعي أنتِ ايضًا.»
دوووو-!!!
تفجَّر بعيدًا.
لَوّح كاميجو توما بظهر يده منزعجًا كمن يُمشط شبكة عنكبوت، وسحق كاميجو توما الورقة الرابحة الأخيرة للساحر. انتشر الشكل البشري الغارق بالزيت للعملاق المشتعل في جميع الاتجاهات، مثل بالون مائي ثُقِبَ بإبرة.
«...؟»
وحينها، قرر كاميجو ألا يتخذ آخر خطوةً للأمام. لأنه لن يكون هناك منطق في فعلها.
فَقَدْ كان الساحر ستَيل، الذي قُضِيَ على ورقته الأخيرة، يبتسم. وهذا جعل كاميجو يتردد في اتخاذ تلك الخطوة النهائية بلا مبالاة.
وفجأة سمع صوت تحرك سائل لزج قادم من كل اتجاه.
«...ما–؟!»
أخذ خطوةً إلى الوراء، مرعوبًا. أعاد الرذاذ الأسود تكوين نفسه في الجو ليأخذ شكلًا بشريًا مرة أخرى.
لو اتخذ تلك الخطوة الأخيرة، لطَوَّقته النيران كاملًا بالتأكيد.
كان كاميجو مرتبكًا. وإذا كان ما يعرفه عن الإماجين بريكر صحيحًا، فيمكنه تدمير حتى المعجزات الإلهية بضربة واحدة. طالما كان هجوم هذا الساحر قوةً غير طبيعية، كان يجب أن يكون قادرًا على إبطالها تمامًا بلمسة واحدة.
داخل اللهب، تلوّى الشكل الزيتي السميك وتغيّر شكله وتحول إلى صورةٍ ظلية لشخصٍ يُمسك سيفًا بكلتا يديه.
لا، لم يكن سيفاً. كان صليبًا عملاقًا يزيد ارتفاعه عن مترين، بدا وكأنه يُمكن أن يُصلب رجلٌ بالغ عليه.
لَوّح الشيطان الصليب في حركة قوسٍ كبير، وأسقطه على رأس كاميجو مثل الفأس.
«...!!»
رفع كاميجو يده اليمنى على الفور لتقلي الضربة. بعد كل شيء، كان مجرد طالبٍ في الثانوية. كان يفتقر إلى المهارات القتالية لرؤية هجوم كهذا قادمًا وتجنبه.
اصطدم الصليب بيده اليمنى بصوت تحطمٍ معدني عملاق.
هذه المرة، لم تختف. بدلاً من ذلك، شعر كاميجو بمقاومة طفيفة لقبضته كما لو كان يعصر كرة مطاطية. استخدم العدو كلتا يديه، لكن كاميجو كان بإمكانه استخدام واحدة فقط. مليمترًا بعد مليمتر، اقترب الصليب المشتعل من وجهه.
في وسط ذُعره، لاحظ كاميجو بالكاد أمرًا. كانت كُتلة النار هذه، إنوكينتوس مَلِكُ صَيْدِ السّاحِرات، تتفاعل بالتأكيد مع الإماجين بريكر. ولكن ما إن تتدمر، تُحيي نفسها من جديد. ربما لم تكن الفترة الفاصلة بين الدمار والإحياء أكثر من مِئة الثانية.
حُبِسَت يده اليمنى.
إذا حررها ولو للحظة، فسيصير رمادًا على الفور.
‹«...الرون.»›
سمع كاميجو توما شيئًا.
لم يستطع أن يستدر لينظر خلفه بسبب الأزمة التي كانت أمامه، لكنه تعرّف على الصوت فورًا.
‹«هذه الأحرف الأربعة والعشرون المستخدمة للإشارة إلى الألغاز والأسرار اُستُخدِمت لُغةً سحرية من قبل القبائل الجرمانية منذ القرن الثاني ووُجِدَت في جذور اللغة الإنجليزية القديمة.»›
كان يعلم أن هذا الصوت يرجع لإندِكس، لكنه لم يصدق.
«ما...؟» كيف لها أن تتحدث بهدوء شديد وجسدها مغمور بالدماء؟
‹«مهاجمة ملك صيد الساحرت لن يرجع لك بتأثير. في الجدران والأرضية والسقف، طالما ظلت تلك الأختام الرونية المنقوشة المحيطة بنا سليمة، فسيولد من جديد إلى ما لا نهاية.»›
كان كاميجو توما بالكاد قادرًا على إيقاف تقدم الصليب من خلال دعم معصمه الأيمن بيُسراه.
ببطء شديد أدار رأسه.
كانت الفتاة المنعزلة لا تزال منسدحة حيث سقطت. لكنه لم يستطع تسمية هذا بإندِكس. كانت عيناها مثل الآلة، خالية تمامًا من العاطفة.
مع كل كلمة قالتها، تسرب الدم من الجرح في ظهرها.
لم تلقي بالًا لذلك، كنظامٍ أُنشئ وغرضه الوحيد شرح السحر.
«أ- أنتِ إندِكس...أليس كذلك؟»
‹«نعم. أنا مكتبة الجريموار التي تنتمي إلى [نِسِسَريوس]، كنيسة الشرور الضرورية، الأبرشية الصفرية للكنيسة البروتستانتية الإنجليزية. اسمي الرسمي هو فهرس الكتب المحظورة، ولكن يمكنك دعوتي إندِكس للاختصار.»›
شَعَرَ كاميجو بقشعريرة هائلة من تصرفات فهرس الكتب المحظورة. وكان ذلك كافيًا لجعله ينسى أمر إنوكينتوس، من كان يحاول قتله حاليًا.
‹«وبانتهائي من المقدمة، سأعود إلى توضيحي للسحر الروني... ببساطة، فإنه يمكن تشبيهه بانعكاس القمر في بركة الماء ليلًا... مهما قطّعت سطح الماء بالسيف، فسيبقى القمر باقيًا غير متأثر. إذا رغبت في قطع القمر المنعكس على سطح الماء، فيجب عليك أولاً توجيه النصل نحو القمر الحقيقي الذي يطفو في سماء الليل.»›
اكتمل درس إندِكس، وتذكر كاميجو أخيرًا إنوكينتوس، العدو قِبَلَه.
أتقول أن ما وقف أمامه لم يكن الشكل الحقيقي للقوة الخارقة؟ إذن فقد كان الأمر أشبه بتدمير صورة وليس أساسها. ما لم يدمر القوة الخارقة الفعلية التي تُظهِرُ عملاق اللهب، فسيستمر في الإحياء إلى الأبد. أكان هذا قصدُها؟
في هذه المرحلة، ما زال كاميجو لا يصدق ما كانت تقوله.
على الرغم من أنه وصل إلى هذا الحد، إلا أن حسه السليم لا يزال يصرخ بأن السحر ليس حقيقيًا.
وعلى أي حال، مع حصر إنوكينتوس ليُمناه وتثبيت جسده، لم يكن بإمكانه تجربة تكتيك مختلف وإن أراد ذلك، وسيكون طلب المساعدة من إندِكس الملطخة بالدماء صعبًا.
«من الرماد إلى الرماد...»
جَفل. خلف الإله العملاق المشتعل، أظهر ستَيل سيفًا آخر في يده اليمنى.
«...والغبار إلى الغبار...»
امتد سيفٌ ثانٍ ملتهبٌ بالأبيض المزرق من يساره.
«...الصليبُ الدامي القرمزي!» [20]
صرخ الساحر خاطيًا للأمام، وتوازت سيوفه المشتعلة من اليمين واليسار مخترقةً العملاق كالمقص. وقف كاميجو عاجزًا عن الدفاع بيده اليمنى مشغولةً بملك صيد الساحرات.
أوه تبـ - لازم أركض!!
قبل أن يتمكن كاميجو من الصراخ، اصطدم السيفان الناريان مع العملاق الجهنمي وأشعلاه مثل القنبلة، وغرق كاميجو في الحريق.
- الجزء 7
تلاشى الحريق والدخان ليكشفا عن منظرٍ جهنمي.
ما تبقى من الدرابزين المعدني قد تم سحقه كالبسكويت، وحتى بلاط الأرضيات قد ذاب كدبس السكر. وكان الطلاء المتقشر على الجدران قد تحول إلى رماد كاشفًا عن الخرسانة الموجودة تحته.
لم يكن الصبي في مرمى العيان.
لكن ستَيل سمع صوت خطوات ركض تحته.
«...إنوكينتوس.» همس الساحر واتخذ اللهب المتقطع مرة أخرى شكلاً بشريًا وقفز فوق الدرابزين سعيًا وراء الخطى.
بشكل ذاتي، كان ستَيل منبهرًا، ولكنه لم يكن شيئاً عظيمًا. قبل الانفجار بقليل، قسمت سيوفه العملاق المشتعل قسمةً دقيقة، وحرّر كاميجو يُمناه لحظتها، وألقى بنفسه فوق الدرابزين.
عندما سقط، من المحتمل أن الصبي قد أمسك بدرابزين الطابق التالي أسفلهم ورمى نفسه إلى الممر. لقد فعل ذلك بدون أيّ نوعٍ من شبكة أمان، فعلها بقوة الإرادة المطلقة. اعتبر ستَيل ذلك تهورًا.
«لكن، مم...»
ابتسم الساحر لنفسه. كشفت فهرس مكتبة الـ 103,000 كتاب عن ضعف أحرفه الرونية. كما قالت، كان سحره الروني مدفوعًا بسلسلة من الأختام المنقوشة. إذا أُزيلت تلك الأختام، فإن أي سحر مستمد منها مهما كانت قوته سيُقضى عليه فورًا.
«وإن يكن؟» طمأن الساحر نفسه مسترخيًا. «لن يمكنك ذلك. لن يمكنك تدمير كل الأحرف الرونية التي نقشتها في هذا المبنى.»
«ظننت...! ظننتني...! ظننتني ميتًا حقًا!!»
كان قلب كاميجو لا يزال يدقدق محاولًا الخروج من صدره بعد سقوطه الحر من الطابق السابع دون حبل حياة.
انطلق بسرعة عبر الممر المستقيم وناظر حوله. لم يثق بالكامل في تقييم إندِكس. في هذه المرحلة، كان اهتمامه الشاغل هو الهرب من جحيم الإنوكينتوس وإعادة لمِّ نفسه.
لكن أمام الواقع الذي يواجهه، لم يستطع إلا أن يصرخ، «اللعنة! ما الذي يجري بحق الجحيم؟!»
لم تكن المشكلة أنه لم يعرف أين نقشت الأحرف الرونية في المسكن الكبير. في الواقع، لقد وجد بعضها: على الأرض، وعلى الأبواب، وعلى طفايات الحريق. عُلّقت قصاصات الورق بحجم بطاقات الائتمان في كل مكانٍ نظر إليه، تمامًا كما في حكاية هويتشي عديم الأذن.
لم يرغب في تذكر تعبيرها الشبيه بالدمى، لكن وفقًا لإندِكس، كان السحر مثل حقل تداخل، وكانت تلك الأحرف الرونية الورقية عبارة عن "هوائيات" تنبعث منها إشارات التداخل....أظن؟ هل يمكنني حتى إزالتهم جميعًا؟ فهناك، تقريبًا، الآلاف من "الهوائيات" الورقية في كل مكان.
قعقعة! سَمِع صوت هدير مدوي من الأكسجين يُمتص بينما نزل اللهب البشري فوق السور المعدني (الدربازين).
«سحقا!»
إذا قبض عليه مرة أخرى، فلن يكون قادرًا على كبحه. اندفع كاميجو على الفور إلى سلم الطوارئ بجانب الممر. حتى هناك، بينما كان يقفز أكثر فأكثر أسفل الدرج، المزيد من الأحرف الرونية أو أيًا كانت تُرى معلقة في الزوايا والشقوق على الدرج والسقف – كانت عبارة عن قِطعٍ ورقية بها رموز مشبوهة ملصوقة بكل مكان بشريطٍ من السيلوفان.
من الواضح أنهم طُبعوا بالجُملة [21] على آلة نسخ.
وكيف لمثل هذه الخردة أن تعمل حتى؟! صرخ كاميجو في قلبه بغضب. بالنظر إلى الأمر بشكل أوسع، أدرك أنه لا يزال من الممكن قراءة الحظ باستخدام بطاقات التاروت المجانية التي تأتي مع مانجات الشوجو، وكان من الممكن بالتأكيد إنتاج نسخ من الكتاب المقدس بكميات كبيرة في الطابعة.
كل هذه الغوامض تعتمد على الغش، هذا غير عادل...
أراد كاميجو البكاء. كان هناك عشرات الآلاف من هذه النقوش الرونية معلقة في جميع أنحاء المبنى. هل سيمكنه حقًا العثور على كل واحدة؟ حتى لو حاول، ألن يُعلق ستَيل المزيد منها لتحل محل القديم؟
وقطع حبل أفكاره عندما نزل إنوكينتوس في الدرج ليلحقه.
«اللعنة!»
استسلم عن نزول الدرج وخرج إلى ردهة الطابق التالي. عندما اصطدم عملاق اللهب بالأرض، تناثرت النيران في كل مكان، واندفع للأمام مُطارِدًا.
كان الممر مستقيمًا. وبسرعته العادية، لن يقدر كاميجو على تضييع إنوكينتوس.
«...هه!» نظر كاميجو إلى مدخل سلم الطوارئ. أخبرته لوحة الجدار أن هذا هو الطابق الثاني.
بزئيرٍ مدوي! اندفع إنوكينتوس مباشرة ليقيد يده اليمنى.
«أ-أوووااهههه!!!»
لم يستخدم كاميجو يُمناه، ولم يتراجع أكثر. بل قفز من درابزين الطابق الثاني بكل ما لديه.
عندما سقط، أدرك أن الأسفلت وحفنة من الدراجات كانت تنتظره في الأسفل.
«آغغ، وووآآآآآآههههه!!»
بالكاد تمكن من الهبوط بين دراجتين، ولكنه سقط على الأسفلت الصلب أيضًا. كان قد حاول ثني ساقيه لامتصاص الصدمة، ولكن انتهى به الأمر بسماع طقطقةٍ في كاحليه. لم يشعر بكسرٍ – رغم سقوطه من طابقين – ولكن كان هناك بالتأكيد بعض الأضرار.
زئير! أطلقت النيران الماصة للأكسجين هديرًا هائلًا آخر.
«؟!» تدحرج كاميجو جانباً، ضاربًا الدراجات، لكن لم يحدث شيء آخر.
...؟ نظر للأعلى مُستغربًا.
كان إنوكينتوس، ملك صيد الساحرات، ممسكًا بدرابزين الطابق الثاني. راقبه عن كثب، ولا يزال يزئر. كان الأمر أشبه بحاجز خفي يسد طريقه، ويمنعه من ملاحقته.
يبدو أن الأحرف الرونية معلقة في المسكن فقط. سيتمكن كاميجو من الهروب من سحر ستَيل بتركه للمبنى.
الآن بعد أن اكتشف القاعدة الكامنة وراء ذلك، شعر وكأنه حصل على فهم جانبٍ من جوانب النظام الخفي للسحر. تمامًا مثل القدرات الخارقة التي ألُفَ بها، كان للسحر قوانينٌ تحكمه. لم يكن الأمر مثل مواجهة سحرة مجانين في ألعاب تقمص الأدوار (RPG) الذين يمكنهم فعل ما يريدون بتعويذةٍ واحدة.
تنهد كاميجو.
الآن بعد أن اختفى الخطر المباشر عن حياته، خارت القوة جسده وسقط أرضاً. لم يكن هذا خوفًا - ما استقر عليه كان أشبه بالخمول. حتى أنه بدأ يفكر، إذا هربت فقط هكذا فسأكون بأمان، صحيح؟
«نعم! الأنتي-سكيل...» تمتم كاميجو في نفسه. لماذا لم يخطروا بباله من قبل؟ كان الأنتي-سكيل لمدينة الأكاديمية فريقًا خاصًا لمكافحة الأسابر. ألن يكون الاتصال بهم أفضل من قتل نفسه؟
بحث في جيوبه لكنه تذكر أنه داس على هاتفه الخلوي هذا الصباح.
وبدلاً من ذلك، فتش الشارع أمام مسكنه للعثور على هاتف عمومي.
ليس بدافع الهرب.
ليس بدافع الهرب.
—حسنًا، هل أنت على استعداد لمرافقتي الى أعماق الجحيم؟
مرة أخرى اخترقت كلماتها قلبه كالسهم.
لم يرتكب أي خطأ. لم يرتكب أي خطأ، ورغم ذلك...
لم يرغب في مرافقة غريبة لم يعرفها سوى لثلاثين دقيقة إلى أعماق الجحيم، ولو عادت من أجله تحت نفس الظروف.
«اللعنة، هذا صحيح... إذا لم أرد مرافقتك إلى أعماق الجحيم...» ابتسم كاميجو «فعليّ إذن إخراجك من هناك!»
لقد حان الوقت لتصديقها.
لم يهتم بالقواعد التي تحكم السِّحر. ولم يحتج إلى معرفة ما الذي يجري خلف الستار. فبعد كل شيء، هل اِحتاجَ فعلًا إلى كتيب الهاتف لإرسال رسالةٍ نصية؟
«...حسنًا، ليست بذاك التعقيد ما إن تفهمها.»
كان يعرف ما عليه، وما بقي سوى أن يُجربها.
حتى لو انتهى الأمر بالفشل، فقد كان أفضل من عدم القيام بأي شيء.
هديــر! سقط الحاجز المعدني المحطم بلَوْنه البُرتقالي المُتَوهّج صَوْبه. وتدحرج الفتى جانبًا مذعورًا.
كان قد أخذ بعزمه. ولكن لإنقاذ إندِكس، عليه إيجاد حلٍّ لعملاق اللهب ذاك أولًا. كانت المشكلة المطروحة هي معرفة ما يجب فعله بشأن عشرات الآلاف من النقوش الرونية.
هل يمكنه فعليًا إزالة كل قصاصة من الورق المعلقة في جميع أنحاء المبنى؟
«...يا رجل، من الغريب أن إنذار الحريق لا يشتغل مع كل ذلك الدخان.»
تمتم كاميجو لنفسه عن غير قصد. وفجأةً، توقف.
إنذار الحريق؟
انطلقت أجهزة إنذار الحريق المثبتة في كامل المبنى دفعة واحدة.
«؟!» نظر ستَيل إلى السقف وسط عاصفة صفارات الإنذار.
بدأت الرشاشات العلوية برش أمطارٍ من صنع إنسان دون تضييع ثانية واحدة. لَقَد حَرَصَ الساحر على تسجيل أمرٍ في إنوكينتوس يخبره بعدم لمس أي مستشعرات أمنية، لأن الأمور كانت لتصبح أكثر تعقيدًا إذا نُودِيَ بقسم الإطفاء. وهذا يعني أنها قد تكون فِعلة كاميجو توما.
هل كان يحاول إخماد نيران مَلِكِ صيد الساحرات؟
«...» كانت فكرةً سخيفة تثير الضحك. ولكن بتنفيذها، أصبح ستَيل غارقًا بالنقع. ظنَّ الساحر أن صدغه قد ينفجر غضبًا لأنه تبلل لمثل هذه الفكرة الغبية.
حدق بكراهية سامة في إنذار الحريق الأحمر الساطع على الحائط.
كان إطفائهم بسيطًا، ولكن من هنا، ربما لم يستطع فعل أي شيء. كان معظم سكان المسكن بالخارج يستمتعون بإجازتهم الصيفية، لكن قد تصير الأمور مزعجة لو أتى رجال الإطفاء.
«...مم.»
قيّم ستَيل محيطه وقرر أخذ إندِكس والخروج. كان هدفه استعادتها، ولم تكن هناك حاجة للإصرار على إبادة كاميجو.
إلى جانب ذلك، من المحتمل أن الصبي صار كومة من الرماد الأبيض والأسود من لهيب إنوكينتوس ما إن وصل رجال الإطفاء إلى مكان الحادث.
...أتساءل ما إذا اخترب المصعد.
سَمِع أن المصاعد مصممة لتغلق في حالات الطوارئ. جعله الاحتمال عابسًا. كان في الطابق السابع، ولم تكن لديه الرغبة في حمل جسدٍ أعرج لأسفل سبع طوابق من السلالم. حتى لو كانت مجرد فتاة صغيرة، فسيكون ذلك مرهقًا.
لذلك شعر بالارتياح عندما سمع رنّـةً مثل صوت المايكروويف خلفه.
لكنه سرعان ما عاد إلى رشده.
من يكون؟ من سيكون في المصعد؟
لقد تحقق بالفعل من أن المسكن مهجور بخروج سكانه لقضاء عطلة صيفية. فمن كان هذا بحق السماء؟ علاوة على ذلك، ما الذي قد يُحفز شخصًا على استخدام المصعد الآن من بين جميع الأوقات؟
فُتحت أبواب المصعد القمامي بأصواتٍ صدئة. وسُمِع صدى وقع قدم واحد على الأرض المبللة.
استدار ستَيل ببطء.
لم يستطع أن يفهم سبب ارتعاش أحشائه من الخوف.
هناك، في نهاية الرواق، وقف كاميجو توما.
...ماذا؟ ماذا حدث لإنوكينتوس؟ لقد وضعته على الوضع التلقائي ليطارد هذا الصبي.
طاردت الأفكار بعضها بعضًا داخل عقل ستَيل الفوضوي. عمل إنوكينتوس كطائرة مقاتلة تحمل حمولة صواريخ متطورة. بمجرد ربطها بالهدف، ستكون الإصابة حتمية؛ مهما كان المكان الذي يحاول الهدف الهرب أو الاختباء فيه، فإن العملاق الذي تبلغ حرارته 3000 درجة سوف يٌذَوّب أي شيء في طريقه مُخترقاً، سواء كان جدارًا بسيطًا أو لوحًا معدنيًا. لم تكن هناك من طريقة يمكن للهدف الفرار بالركض وحده.
ومع ذلك، هناك وقف كاميجو توما.
بجرأةٍ وقف هناك. غير متزعزع، ومنيع، وجديرٌ بالمواجهة. والأهم، كان الخصم المُقَدَّر.
«بالتفكير في ذلك، ألم تُعَلّق هذه الأشياء الرونية في جميع الجدران والأرضيات؟» قالها كاميجو تحت المطر الصناعي. «...يا رجل، كدتَ تغلبني حقًا. أنت مذهلٌ بعملك هذا، أتدري؟ ولو نحتّهم بسكين، لكنتُ في ورطة. لك حق التباهي بذلك.»
رفع ذراعه اليمنى وأشار فوق رأسه بسبابته.
أشار على السقف. على المرشات.
«...لا! ولا في الأحلام! لن يُخمد جحيم الـ 3000 درجة بهذه السهولة!»
«يا غبي! ليست النار – بل تلك الأشياء الغبية التي علقتها في جميع أنحاء المسكن، يا معتوه!»
حاول ستَيل فهمها. طُبِعت عشرات الآلاف من الأحرف الرونية التي زرعها حول المسكن على أوراق منسوخة.
الورق يذوب في الماء. حتى رياض أطفال يعرفون ذلك.
وإذا غمرت المياه المبنى، فلن يهم عدد الأحرف الرونية التي نقشها وإن كانت بالآلاف. لن تحتاج إلى الركض طول المبنى لإزالتهم جميعًا. سيكون عليك فقط ضغط زر واحد، وستُدمر كل ورقة أخيرة.
اِلتَوَت عضلات وجه الساحر لا إراديًا.
«إنوكينتوس!»
في اللحظة التالية، زحف عملاق اللهب إلى الممر خلف كاميجو، مُذَوّباً باب المصعد كما لو كان مصنوعًا من كعكة الزنجبيل.
مع كل قطرة مطر، كان جسده الناري يصدر هسهسةً بتبخُّرِ المياه – كان صوت تنهد الوحش.
«ها ها ها ها. آها-ها-ها-ها-ها! مدهش! أنت حقا عبقري تكتيكي! لكنك تفتقر إلى الخبرة. ورق النسخ ليس كورق الحمام. إنها ليست ضعيفة بما يكفي لتذوب بقليل من الماء!»
نشر الساحر ذراعيه وانفجر ضاحكًا ثم صرخ، «اقتله!»
أنزل إنوكينتوس، ملك صيد الساحرات، ذراعه مثل المطرقة.
«انقلع.»
كان هذا كل ما قاله. ولم يكلف كاميجو عناء الالتفاف
بُب. مدَّ الصبي يده اليمنى للوراء لامسًا عملاق النار. مصحوبًا بصوت فكاهيٍّ للغاية، انفجر الوحش في كل اتجاه
«ما—؟!»
تخطى قلب ستَيل ماغنوس نبضةً.
راحَ إنوكينتوس، ولم يُحيى. غطت النقط المتساقطة السوداء الجدران والأرضية والسقف، ولم تفعل أكثر من التشنج قليلاً.
«هذ-هذا... مستحيل. كيف...؟ كيف! لم تُدَمّر كل روناتي بعد...!»
«وماذا عن حِبرها؟»
بدا الأمر كما لو أن كلمات كاميجو توما وصلت إلى أذنيه بعد خمس سنوات.
«حتى لو لم تُتلف أوراق النسخ، سيبدأ الحبر في الاختفاء ما إن يضربه الماء، أليس كذلك؟» أوضح كاميجو بهدوء. «...ولكن يبدو أنها لم تدمرها جميعًا بعد.»
استمرت شظايا إنوكينتوس في التلوي
تبددت النقط السوداء، بقايا إنوكينتوس، الواحدة تلو الأخرى مع كل رذاذ من المطر الاصطناعي من الرشاشات بنفس الطريقة التي أُزيل بها الحبر من على الأوراق المعلقة حول المبنى
تلاشت حتى آخرهم واختفت في النهاية
«إنـ...ـوكينتوس...إنوكينتوس!» صاح الساحر، كمن يصرخ على شخص أغلق المكالمة بالفعل.
«حسنا، والآن.»
تسبب بيان كاميجو في ارتعاش جسد الساحر بالكامل
خطت قدميه خطوةً تجاهه.
«إيـ...ـنو...كينتوس...». قال الساحر... ولم يلقى إجابة
خطى كاميجو خطوة أخرى
«إنوكينتوس...إنوكينتوس، إنوكينتوس!» صات الساحر، وصمت العالم
انطلق كاميجو توما نحوه مثل القذيفة
«آه...من الرماد للرماد، والغبار للغبار، الصليبُ الدامي القرمزي!» عَوَى الساحر. ولم يَظهر العملاق المشتعل ولا السيف الدامي.
أخيرًا أغلقت أقدام كاميجو توما الفجوة. واتخذ خطوةً أخرى...
...وقبض يُمناه.
بيده اليمنى العادية تمامًا. اليد التي كانت عديمة الفائدة ضد أي شيء سوى القوى الخارقة. اليد اليمنى العاجزة عن ردح جانحٍ واحد، أو رفع درجات امتحانه، أو جعله محبوبًا لدى الفتيات.
لكن يده اليمنى كانت مناسبة للغاية.
كانت مثالية لضرب هذا الوغد اللعين المُغتر الواقف أمامه.
سقطت قبضة كاميجو في وجه الساحر.
دار جسد الساحر كمروحية من الخيزران، واصطدمت مؤخرة رأسه ببقايا الدرابزين المعدني.
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)