-->

الفصل الثاني: صانِعُ المُعجزات يُهدي الموت. — الحافة _ السّابِعة.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء 1

وحلّ الليل. زمجرت صفارات شاحنات الإطفاء وسيارات الشرطة عبر الطريق الرئيسي قبل مُرورِها.

بدت المنطقة حول مسكن الطلاب بالكاد مهجورة، ولكن بسماع الإنذارات ورش رشاشات المياه انجذبت الحشود والمتفرجون سريعًا إلى مكان الحدث.

بعدما عطَّل جهاز التتبع –طرحة الراهبة– في شقته، حَمَلها كاميجو وخرج بها. كان بإمكانه تركها شغّالة وثم يرميها في مكان عشوائي ليُربِك مُطارديه، لكنّ الفتاة أصرت بعناد على أن يأخذها.

دخل زقاقاً ونقر بلسانه «تشه». لا يزال يحتضن إندكس المغمورة بالدم في ذراعيه. كانت الأرض قذرة، ولن يسمح لها بلمسها بجرحها هذا مفتوحًا.

كما أنه لا يقدر على مناداة الإسعاف لها.

عمومًا، كانت المدينة الأكاديمية لا تُفضّل الغرباء. ولهذا السبب كانت المدينة محاطة بجدار وتحت مراقبة مستمرة من ثلاثة أقمار صناعية مخصصة. حتى شاحنات البقالة تحتاج إلى هوية مُحددة وإلا ستُرفَض.

إندكس ما عندها هوية. إذا أخذها للمستشفى، فسينتشر خبر وجودها كالنار في الهشيم.

وزيادة على الطين بلّة، كانا يواجهان منظمة بأكملها.

لو تعرضا لهجمات أو محاولات اغتيال في المستشفى، فسينتشر الضرر لمن حَوَليهم وفوق ذلك إنِدكس لا تستطيع حماية نفسها.

«...لكن لا أستطيع ترككِ هنا هكذا.»

«أنا... بخير... تمام؟ لو استطعت فقط... إيقاف النزيف...» كان صوت إندكس ضعيفًا وخاليًا من نبرتها الميكانيكية حينما قدَّمت درس الرموز الرونية.

حتى كاميجو نفسه كان يعلم أنها تكذب. جرحها تجاوز بكثير مقدرة الضمادات على تغطيتها. كان كاميحو معتادًا على معارك الشوارع، وعادةً ما يُسعِف نفسه حتى لا يضطر لإخبار أحد، لكنه لم يعرف ما يفعل عند مواجهة مثل هذه المصيبة.

في هذه اللحظة، تبقى له أملٌ وحيد.

لم يستطع أن يصدق ذلك، لكنه لم يحمل خيارًا غيرها.

«مهلًا، مهلًا! تسمعيني؟» لطم كاميجو خفيفًا خدّها. «أما عندكِ نوع من التعويذة السحرية لتُشفيكِ في كُتبكِ الـ 103,000 تلك؟» السِّحر كما ظنّه، كان مجموعة من التعاويذ الهجومية والشفائية مثلما هو الحال في ألعاب الأدوار RPG.

إندكس نفسها كانت تفتقر إلى القوة السحرية، لذا لم تستطع استخدامها. ولكن إن عاوَنها كاميجو، الإسبر الذي يتعامل مع الخوارق، فلربما...

كان تنفسها ضحلًا، على الأرجح نتيجة لفقدانها الدم أكثر من ألم. حركت شفتيها الباهتتين وردَّت.

«...توجد، ولكن...»

ابتهج للحظة، ولكن بهجتهُ توقفت فجأة عند كلمة "لكن".

«لن تستطيع... تنفيذها.» أخرجت نفسًا. «حتى لو علمتك الطريقة... وأدّيتها بكمال...ستُعيق...قوتك.»

نظر كاميجو إلى يده اليمنى، وخارت منه الكلمات.

الإماجين بريكر... لقد قضى على لهيب ستيل، ولذا قد يلغي سحر الشفاء كذلك. «تبا! مرة أخرى... هذه اليد اللعينة...!!»

كان عليه الإتصال بأحدٍ ما. ربما بأوغامي، أو فتاة البيري بيري ميساكا ميكوتو. تبادرت وجوه ناس لن يُمانعوا التعامل مع هكذا مشكلة في ذهنه.

«...؟» صمتت إندكس للحظة، وأكملت. «أه لا... هذا ليس مقصدي.»

«؟»

«ليست خطأ يُمناك... بل لأنك إسبر،» شرحت، وارتعش جسدها رغم الحر الشديد كما لو كانت في جبل شتوي. «السِّحر... ليس مقصورًا على الأسابر أمثالك... السِّحر... تقنياته وطقوسه مخصصة لأولئك الذين لا يمتلكون هبة... ويبتغون رغم ذلك تحقيق ما يُمكن للموهوبين تحقيقه.»

صارع رغبته في أن يصرخ: لماذا تعطيني درسًا الآن؟!

«أفهمت...؟ دوائر من لديهم الموهبة... ومن ليس لديهم... مختلفة. لا يُمكن للموهوب... استخدام نظام أُنشئ لأولئك الذين لا يملكون الموهبة...»

«ما...؟» كان حائرًا. الأسابر أمثاله يكتسبون قدراتهم الخارقة عن طريق فتح دوائر أدمغتهم بالأدوية والتحفيز الكهربائي. جسمهم كان فعلًا مُختلفًا عن باقي البشر.

لكنه لم يستطع أن يصدق ذلك. لا، لم يشأ تصديقها.

هناك 2.3 مليون شخص يعيشون في مدينة الأكاديمية، وكل واحد منهم يتخذ منهجًا لتطوير قدراته. حتى لو لم يبدو أحدهم كذلك، وحتى لو لم يستطع لَوْي الشوكة بعدما أتعب دماغه حدَّ الانفجار، وحتى لو كان أضعف الأسابر، فهو لا زال مبنيًا مختلفًا عن الناس العاديين.

بعبارةٍ أخرى، لم يكن هناك شخص واحد في المدينة قادرًا على تطبيق السِّحر الذي يُمكن للمرء تعلمه.

كانت هناك طريقة لإنقاذ الفتاة، ورغم ذلك لن يقدر أحد مساعدتها.

«سحقا...» كشر كاميجو أسنانه كالوحش. «هذا جنون. ما من حل! ما هذا؟! ولماذا حدث لكِ هذا...؟!»

كانت إندكس ترتعش بشدة.

وأكثر فكرةٍ أرّقتهُ هي أنها سَتَدْفَعُ ثَمَنَ عَجْزِهِ.

«ما فائدة الموهبة إذن؟» تَفَوَّه. ولم أقدر حتى على إنقاذ فتاةٍ وحيدةٍ تُعان.

ولكنه لم يقدر أن يأتي بشيءٍ آخر. لن يستطيع أي من الطلاب البالغ عددهم 2،300،000 الساكنين في هذه المدينة استخدام السِّحر – كان بين الإثنين تعارضٌ جَوْهري.

«...؟»

وفي كربه هذا، أدرك كاميجو فجأة أنه كان ينظر للأمر بشكل خاطئ.

الطلاب؟

«مهلاً، قلتِ أن العاديين "عديمي الموهبة" يمكنهم أداء السِّحر، صح؟»

«...ها؟ نعم.»

«وليس هناك شرط، مثل وجوب أن يكون للمستخدم موهبة سحرية خاصة، أليس كذلك؟»

«نعم، بهذا تمام... إن أعددناها صحيحًا، فحتى تلميذ في المدرسة المتوسطة... سيكون قادرًا...» فكرت إندكس لحظة. «...ورغم ذلك، إذا أخطأت في الخطوات، ستُتلف دوائر دماغك وأعصابك كلها... لكنني فهرس الكتب المِئة وثلاثة آلاف، لذا لا مشكلة.»

ابتسم.

كذئبٍ يستعد للعواء، نظر إلى القمر.

كان صحيحًا أن 2.3 مليون طالب الساكنين في مدينة الأكاديمية كانوا جميعًا يخضعون لتطوير قدراتهم الخارقة.

لكن، من ناحية أخرى، الذين يُطَوِّرون تلك القدرات – الأساتذة – ينبغي أن يكونوا ببساطة بشرًا عاديين.

«...أستاذتي لا يمكن أن تكون نائمة في هذا التوقيت.»

ظهر وجه أستاذة في عقل كاميجو توما.

أستاذة صفّه: عزباء، بطول 135 سم، والتي ستبدو ظريفة لو ارتدت حقيبة مدرسية ابتدائية حمراء، على الرغم من أنها بالغة.

تسوكويومي كوموي.



استخدم هاتفًا عمومي ليتصل بأوغامي ليسأله أين تعيش الأستاذة كوموي. (وكان هاتفه، بالطبع، قد تدمَّر هذا الصباح. وبأي حال، لماذا يعرف أوغامي مكان إقامة أستاذتهم؟ في الغالب كان مترصدًا.) بعدها، انطلق حاملًا إندكس الخاملة على ظهره.

«ها هنا...»

كان على مسافة خمسة عشر دقيقة سيرًا من الزقاق.

على الرغم من أن الأستاذة كوموي تبدو وكأنها في الثانية عشرة من عمرها، إلا أن مكانها كان شقة خشبية مكونة من طابقين تبدو قديمة لدرجة أنها بدت ناجية من قنابل قصف طوكيو. بعدما لاحظ الغسالة الآلية في الخارج جوار الطريق، افترض أنها لا تمتلك حمامًا عاديًا، وربما افتقرت لدش داخلي.

عادةً، كان كاميجو ليقط قطّات (نكات) على هذا المكان لعشر دقائق وأكثر، ولكنه لم يكن في مزاج الهزل حاليًا.

صعد السلم المعدني الرديء الذي كان يصرخ تحت وزنه وفحص لوحات الأسماء على الأبواب واحدة تلو الأخرى. سار إلى المدخل الأبعد على الطابق الثاني ووجد أخيرًا اسم "تسوكويومي كوموي" مكتوبًا بالهيراغانا.

دينغ دونغ، دينغ دونغ. رنّ الجرس مرتين ثم حاول بكل قوته أن يركل الباب.

وبصوت طع! اصطدمت قدم كاميجو بالإطار مما أنتج ضجيجًا هائلًا.

ومع ذلك لم يتحرك الباب حتى قليلًا. صرخ إبهام قدمه مُحتجّاً. «~~~ !!» كان حظه العفن مخلصًا حتى الآن.

«نعم، نعم، بابي صُعبٌ لبائعي الصحف! لذا تمهل سأفتحه الآن، مفهوووم؟»

كان أحسن لي أنتظر، فكّر والدموع تمليه. فتحت الباب وظهرت الأستاذة كوموي مرتديةً بيجامة أرنبية فضفاضة. وكان وجهها مسترخيًا. ربما لم تستطع أن ترى الجرح على ظهر إندكس من مكانها.

«واه، كاميجو-تشان! هل صرت تُوَزّع الصحف؟»

«أين تجدين في هذا العالم صبيًا صحفيًا يحمل راهبة على ظهره وقت عمله؟» سأل كاميجو بسخطٍ. «عندي مشكلة صغيرة هنا، لذا سأدخل. عذرًا!»

«لحظة لحظة لحظة لحظة!»

حاول العبور من جانب الأستاذة كوموي، لكنها حاولت بجنون صدّه.

«عليكَ، أه، عليك البقاء خارجًا. حسنًا، ما أعنيه، ليس وكأنك ستجد هنالك فوضى كبيرة أو أن علب البيرة الفارغة منتشرة على الأرض أو أن جبالًا من السجائر تغطي المكان أو أي شيء من هذا القبيل!»

«أستاذة!»

«ماذا؟»

«...جربي تعيدين هذه النكتة بعدما ترين ما أحمله على ظهري.»

«ما كانت نكتة... انتظر، غيااه!!»

«والآن لاحظتي؟!»

«لم أستطع رؤية إصابتها بسبب ضخامتك يا كاميجو-تشان!»

كانت الأستاذة كوموي قلقة، ومرتبكة من مشهد الدم غير المتوقع.

دفعها كاميجو جانبًا ودخل الشقة.

بدت الغرفة كغرفة شايب أرعن مُدمن على سباقات الخيول. فيها العديد من علب الجعة المقلوبة متناثرة في جميع أنحاء حصير التاتامي القديم، ورأى هنا وهناك جبالًا من أعقاب السجائر مكدسة في طفّاياتٍ فضية. وما بدا وكأنه نكتة، وَجَدَ في منتصف الغرفة طاولة شاي التي عادةً ما يُحب الآباء السكارى قلْبَها.

«...اه، نعم... ما كنتِ تمزحين....»

«قد يبدو غريبًا لي أن أسأل، ولكن هل تكره المدخّنات؟»

هذا مو موضوعنا! فكر كاميجو وهو يتمعن أستاذة صفّه التي تبدو في الثانية عشرة من عمرها. أزاح علب الجعة المنتشرة على الأرض في صَوْبٍ واحد ووسع المكان.

كان قلقًا من وضع إندِكس على حصير التاتامي القذر، ولكن ما كان عنده وقت ليجد فوتون.

وضع إندكس على بطنها بحيث لا يلامس جرحها المفتوح الأرض المتسخة.

جعل القماش الممزق من الصعب رؤية الجرح مباشرة، لكن اللون الأحمر الغامق انتشر منه كزيت خام.

«عـ-علينا الاتصال بسيارة إسعاف، عندي هاتف هناك.»

وهي ترتجف بشدة، أشارت الأستاذة كوموي إلى زاوية الغرفة. ولسببٍ ما كانت تحتفظ بهاتفٍ دوار أسود.

‹«...قوتي الحيوية... ماناي [1]... تتلاشى مع فقدان الدم.»›

اجتمع على صوتها الأستاذة كوموي وكاميجو.

ما زالت مستلقية على الأرض مادَّة أطرافها على حصير التاتامي، ووجهها مستند على جانب. كدمية مكسورة، بدت عيناها المفتوحة أبرد من ضوء القمر الأزرق الفاتح وأهدأ من ترس الساعة.

نظرت إليهما بتأنٍ وهدوءٍ تام، هدوء أكثر من أن تكون عليه أعين أيّ إنسان.

‹«...تحذير. قراءة من الفصل الثاني، البيت السادس. وصل تصريف المانا بفقدان الدم مستواتٍ حرجة. إيقاظ السكرتير التلقائي جبراً ؛ [قلم يوحنا]... إذا استمرت الحالة كما هي، بحسب التوقيت العالمي المعروض على الساعة الكبيرة في لندن، ستنخفض مستويات طاقتي الحيوية تحت الأدنى خلال حوالي خمسة عشرة دقيقة، وسأموت. يرجى اتباع التعليمات التي سأُقدِّمُها واتخاذ التدابير اللازمة.»›

نظرت الأستاذة كوموي، وقلبها في حلقها، إلى وجه إندِكس.

أه نعم، هذه هي ردّة الفعل الطبيعية، كما فكر كاميجو وهو يراها ثاني مرة، ولكنه طبعًا لم يعتد صوتها.

«والآن...» فحص وجه أستاذته غارقًا في الفكر.

لو طلب منها فجأة شيئًا مثل "أرجوكِ، استخدمي السِّحر!" في هذا الموقف، فستُجيب عليه "يا كاميجو، هذه حالة طوارئ. ما هو وقت التظاهر وكأننا فتيات الشوجو السحريات! أستاذتك كبيرة جدًا لهذه الأمور!"

فكيف عساه يشرح الوضع؟

«همم. أستاذة، أستاذة، سأختصرها بما أنها حالة طوارئ. لازم أخبرك بسر، لذا تعالي واقتربي.»

«طيّب.»

أشار كاميجو لها بالمجيء كما لو كان ينادي جروًا. وبالفعل اقتربت مخلصة.

آسف، همس كاميجو معتذرًا لإندِكس.

بحركة سريعة واحدة، كشف الجرح الرهيب المخفي تحت ملابسها الممزقة.

«ياااه!» ارتعدت الأستاذة كوموي. توَقّع ذلك أيضًا.

على الرغم من أنه من أزال القماش، إلا أنه انصدم من شدة الإصابة. كان الخط مستقيمًا بالقرب من خصرها، بدقةٍ كما لو نحتها أحد ما بمسطرة ومقص. تحت السائل الدموي، انكشفت عضلات وردية اللون ودهون صفراء، وأعمق منهما، وَجَدَ كاميجو ما ظنّه شيئًا صلبًا أبيضَ – عمودها الفقري.

كان الجرح يتحول تدريجيًا للأزرق الفاتح، كشَفَتي شخصٍ خرج من حمام السباحة بعد فترةٍ طويلة.

آه... داخ كاميجو من منظر الدماء الكثير ونزّل ببطء القماش المنقوع.

عندما وصَّل القماش بالجرح، لم تظهر إندكس أيَّ تأثر. وكانت عينيها كالجليد.

«أستاذة.»

«إيه؟ نعم؟!»

«سأذهب الآن وأنادي الإسعاف. وبينما أنا في الخارج، استمعي لهذه الفتاة، ونفذي كل ما تطلبه رجاء. فقط لا تسمحي لها بالوقوع مغشية. فكما ترين، هذه الفتاة من طائفة دينية. اعتمد عليك.»

كان إبلاغها بوضع الفتاة الحالي هو كل ما تحتاجه الأستاذة كوموي – فإن ذكر السِّحر سيُشتّتُها كليًا. وبأيِّ حال، ما همَّهُ لم يعد أن تتعامل أستاذته مع الجرح جيِّدًا، بل الحفاظ على إندِكس في حالةٍ واعية مهما حدث.

ولا زال وجه الأستاذة كوموي شاحبًا، وأماءت إيجابًا بجدية مكثفة.

...المشكلة الوحيدة هي كيف سيُضَيّع وقته خارج الغرفة.

إذا اتصل بسيارة إسعاف قبل اكتمال السِّحر، سيتوقف العلاج. هذا يعني أنه لا يستطيع مناداة الإسعاف.

لكن هذا تركه بدون سببٍ مبرر. فليس عليه الرحيل، ويمكنه دائمًا استخدام الهاتف الأسود في الغرفة، وطلب 117، والتظاهر بطلب الإسعاف.

المشكلة كانت في شيءٍ آخر.

«هَي، إندِكس،» همس كاميجو بلطف. «أهناك ما يمكنني فعله؟»

‹«...لا يمكن. في هذا الوضع، يُفَضّلُ أن تُخلي المنطقة حالًا.»›

انقبضت يُمنى كاميجو عن غير قصد حتى آلمته جرّاء إجابتها الشفافة تمامًا والمباشرة.

ليس هناك شيء في وسعه.

وجوده فقط كان كافيًا لإبطال السِّحر الشافي.

«...طيب، أستاذة. سأذهب وأبحث عن هاتفٍ عام.»

«أه... ماذا؟ لكن يا كاميجو-تشان، عندي هاتف...»

لم يكترث لها وغادر الغرفة.

رص كاميجو أسنانه محبطًا من عجزه على المساعدة.

انطلق كاميجو ليركض في الشوارع المظلمة.

رغم كونه الرجل الذي يمكنه حتى قتل الإله، إلا أن يده اليمنى لم تتمكن من حماية شخص واحد.



‹«...ما هو الوقت القياسي الياباني الحالي؟ أوَدُّ أيضًا معرفة التاريخ.»›

«نحن في 20 من يوليو، الثامنة والنصف مساءً، لكن لماذا؟»

توقفت إندكس للحظة.

‹«...لم تنظري إلى الساعة، فهل أنتِ متأكدة؟»›

«ما عندي ساعة هنا في المقام الأول. لهذه الأستاذة الظريفة ساعةٌ داخلية عقاربُها مَوْزونةٌ بالثانية، لذا ما عليك!»

‹«...»›

«ما له داعي تشكّين حتى. وبالمناسبة، سمعتُ أن الفرسان يمتلكون ساعاتٍ داخلية مضبوطة بدقة أعشار الثانية. إذا نظّمتي عادات تناول الطعام وممارسة التمارين بدقة، حينها ستُحققين ذلك،» شرحت الأستاذة كوموي بكل واقعية. وعلى الرغم من أنها لم تكن إسبرة، إلا أنها بالتأكيد كانت من سكان مدينة الأكاديمية. امتلك الجميع هنا فهمًا فريدًا للعلوم والطب مقارنة بالعالم الخارجي.

فيما كانت إندِكس ما زالت مستلقية على الأرض، حركت عينيها فقط ونظرت إلى ما وراء النافذة.

‹«...بالنظر إلى مواقع النجوم وزاوية القمر... موقع سيريوس يتطابق مع الوقت بدقةٍ تُقَدَّرُ بـ 0.038 . سأُأكِّدُ الآن. الوقت القياسي الياباني الحالي هو العشرون من يوليو في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً، أليس كذلك؟»›

«نعم. وبالضبط، بعد ثلاثة وخمسين ثانية من ذلك... تمهلي! لا يجب عليك الوقوف!!»

استقامت إندِكس مُعَرِّضة جسدها المحطم للخطر أكثر. وحاولت الأستاذة كوموي المصدومة والمذعورة دفعها إلى الأرض مرة أخرى، لكن نظرةً واحدة من إندِكس أوقفتها في مكانها.

لم تكن نظرةً مخيفة أو حادة.

اختفى كل أثر من العاطفة من عينيها كإطفاء مفتاح الضوء.

كانت بلا حياة تمامًا، كما لو أن روحها غادرت جسدها.

‹«لا يهم. يُمكن تجديدها.»› توجهت إندكس نحو الطاولة في مركز الغرفة. ‹«...نحن في نهاية برج السرطان لمنتصف الليل، من الثامنة مساءً إلى منتصف الليل. الاتجاه الرئيسي هو الغرب. تحت حماية الأنداين، وسيكون دور الملاك هو الكَرُوب...»› [2]

«يييك!» ارتعدت الأستاذة كوموي بفزعٍ وصدى في أنحاء الغرفة.

بدأت إندكس في رسم دائرةٍ سحريةٍ ما على الطاولة المركزية بإصبعها المغمور بالدم. حتى لو لم تعرف الأستاذة كوموي ما كانت دائرة السِّحر، أمكنها الاستنباط بأنها شيء ديني. كان قلبها مغمورًا حتى عجزت عن النطق. وحدّقت بالسيجيل [3] مذهولةً.

داخل دائرة الدم، التي امتدت عبر الطاولة بأكملها، رأت نجمةً خماسية.

ومع ذلك، كانت محاطة بكلمات متصلة بشكل متقارب بلغةٍ تنتمي لبلدٍ آخر. بدت هذه الكلمات نفسها التي تتلفّظُها إندِكس حاليًا. لقد طلبت التوقيت والموقع الحالي للنجوم لأن الكلمات المكتوبة تعتمد على الوقت والموسم.

حركاتها أثناء استحضارها لهكذا سِحر لم تظهر أدنى علامة على هشاشة شخص يعاني من إصابة خطيرة.

بدا أن تركيزها قد حَجَبَ شعورها بالألم حتى الآن.

صوت هادئ لتسرب الدم من ظهرها أرعب الأستاذة كوموي.

«م-مم-م-ماا هذا؟!»

‹«سحر»› أجابت إندكس جوفاء، وبعد توقفٍ أكملت. «من هذه النقطة، سأستعير يديكِ وجسمك. إذا قمتِ بما وجَّهتُك إليه، فلن تُصيب أحدٌ مصيبة، ولن تواجهي شرَّ أحدٍ.»

«ما تقولينه؟! تعالي اقعدي على الأرض وانتظري الإسعاف! أمم، ضمادات! أين الضمادات؟! مع شرخٍ بهذه الشدة، يجب أن نوقف تدفق الدم بربط المنطقة قُرب الشرايين—»

‹«لا يمكن لهذا المستوى من العلاج أن يوقف تسرب دمي كليًا. لا أفهم تمامًا معنى كلمة "إسعاف"، ولكن هل يُمكن لهكذا شيء أن يوقف جرحي كاملًا في خمسة عشر دقيقة ويُعيد جسدي بالكمية اللازمة من المانا؟»›

«...»

كانت محقة. لو طلبت كوموي سيارة إسعاف الآن، ستستغرق عشر دقائق للوصول هنا. وإعادتها إلى المستشفى ستستغرق ضِعف ذلك، ولن تتعافى فور وصولها. لم تفهم حقًا ما عَنتهُ الفتاة بمصطلح الخيال "مانا"، ولكن لا شك في أن إغلاق الجرح فقط لن يُعيد عافيتها.

حتى لو خيّطت الجرح فورًا بإبرة، أفلن تفقد الفتاة الشاحبة كل قوتها وتموت قبل أن تستعيد حَيَويّتها؟

‹«هيّا، من فضلك.»› قالت الفتاة الفضية ولم ترمش جفناً.

تدفق خطٌّ رفيع من اللعاب مُشَوَّبٌ بالدم من زاوية فمها.

على الرغم من أن لهجتها كانت معتدلة أكثر من مُرهبة، إلا أن هدوئها الكامل أبدت الفتاة أكثر رُعبًا. كان كمشاهدة آلة مكسورة تتحرك وهي غير مدركة تمامًا لدمارها. حسَّت بأن جرح إندكس يزداد سوءًا مع كل حركة تقوم بها.

...يبدو أنه إن عاندتُ معها، فستتدهور حالتها أكثر... وتنهدت الأستاذة كوموي مُسْتسْلِمة. ولم تتوقع عيناها أن ترى السِّحر طبعًا. ولكنّ كاميجو أوضح تمامًا أنه يجب عليها إبقاء الفتاة مستيقظة.

الشيء الوحيد الذي تقدر عليه الآن هو ألا تثيرها بأي شكل من الأشكال وأن تأمُل في عودة كاميجو مع سيارة إسعاف في أقرب وقتٍ ممكن ومعه الفريق الطبي بخبرتهم وبإسعافاتهم.

«فما علي؟ الأستاذة ليست فتاة شوجو سحرية.»

‹«أشكرك على تعاونك. أولاً، أعطِني ذاك، ذاك… ما ذاك الشيء الأسود؟»›

«؟ أوه، هذه بطاقة ذاكرة للعبة فيديو!»

‹«؟؟؟… حسنًا، سيَفي غرضه. بأي حال، من فضلك، ضعي ذلك الشيء الأسود في وسط الطاولة.»›

«عمليًا، هي طاولة شاي، ولكن على أي حال.»

بتوجيهات، وضعت الأستاذة كوموي بطاقة الذاكرة وسط الطاولة. وبعد ذلك، حَوَّطت بها علبة أقلام ميكانيكية، وعلبة شوكولاتة فارغة، وكتابين صغيرين واقفين على أطرافهما. أخيرًا، وضعت دُميتين زوجين صغيرين قِبال بعض.

ما هذا؟ تساءلت الأستاذة كوموي. لكن إندِكس بدت صورةً من الجدية، على الرغم من أنها لا تزال تبدو على وشك الانهيار في أي لحظة.

«ما هذا؟» سألت الأستاذة بدهشة. «قلتِ سحرًا، لكن... ألسنا نلعب بالدمى؟»

عندما نظرت الأستاذة كوموي بعناية أكبر إلى الصورة الشاملة، بدا وكأنه نموذج ديوراما [4] صغير لهذه الغرفة. بطاقة الذاكرة مثَّلت الطاولة، والكتابين الواقفين على أطرافهما كانا رفوف كتبها وخزانتها، ووُضِعَت الدُمْيَتَيْن الموضوعَيْن قِبال بعضهما بدقة كما وقفت الأستاذة والفتاة المصابة في الغرفة. بعد ذلك، تناثرت كريات الزجاج حول الطاولة بشكل مثالي مع العلب الفارغة على الأرض.

‹«لا تهُم المُكَوِّنات.

‹«إنه مثلما تُكبِّر العدسة المُكبرة بغض النظر عن ما إن كانت زجاجًا أم بلاستيك... إذا كان شكل الجسم ووظيفته مُقربين، يمكن إتمامُ المراسم.»› تمتمت إندكس والعرق يغطيها. ‹«على أيِّ حال، أطلب تنفيذ تعليماتي بدقة متناهية. وفي حالة فشلك في الحفاظ على الترتيب الصحيح، قد تتعطل أعصابك ودوائر مخك.»›

«؟؟؟»

‹«أقصد أنه في حالة الفشل، سيُفرَمُ جسدك لحمًا وستموتين نتيجةً لذلك. يرجى الحذر.»›

هئئ!!، شهقت الأستاذة كوموي مُرتعبة. تجاهلتها إندِكس واستمرت.

‹«سنصنعُ معبدًا ليهبط فيه ملاك. يُرجى الترتيل من بعدي.»›

ما خرج من فمها بعد ذلك كانت أصوات، وليست كلمات.

حاولت الأستاذة كوموي تقليد نبرتها كما لو كان لحناً دون الاهتمام بمعناها.

وبعد ذلك...

«ييك؟!»

فجأةً، بدأت الدُمْيَتان على الطاولة بالـ "غناء" أيضًا. حتى أن أحدهما قلَّد صوت "ييك" في نفس التوقيت. تذبذبت الدمية؛ وكأن صوتها ينقله خيطٌ إلى كوب من الورق.

السبب الوحيد الذي جعل الأستاذة كوموي لا تفقد تمامًا أعصابها وتهرب من الغرفة هو أنها كانت مُقيمة في المدينة الأكاديمية، الموطن الشهير لأكثر من 2.3 مليون حيث كان 80% من قاطنيها أسابر (أصحاب القوى الخارقة).

وكان العيش في هذه المدينة ليجعل أي شخصٍ عادي يُجن جنونه.

«اكتمل الربط»، جاء صوتُ إندِكس مُضاعفاً، مرةً من فمها ومرةً من الدمية. «ارتبط المعبد الذي أُنشئ على الطاولة بهذه الغرفة. أساسيًا، أيُّ ما يحدث داخل هذه الغرفة سيحدث على الطاولة، والعكس ينطبق كذلك.»

هزت إندِكس بخفة أحد أرجل الطاولة. وفي الوقت عَيْنه، اهتزت الشقة بأكملها بصرير عالٍ، مما أرعش رجلي الأستاذة كوموي. وحينئذ، لاحظت أن الهواء الراكد داخل شقتها صار نقيًا ونظيفًا كصباح الغابة.

لم ترَ أي شيء يشبه ملاكًا في أي مكان. بالمقابل، شعرت بتواجد وجودٍ خفي. لحقتها قشعريرة في كامل جسدها. وحسَّت كما لو أنَّ آلاف العيون تراقبها من كل زاوية.

فجأة، صاحت إندكس: ‹«الآن، تخيلي ملاكًا ذهبيًا بجسدٍ طفولي! ملاكٌ جميل بزوجٍ من الأجنحة!»›

تعريف المجال النشط كان عنصرًا حاسمًا في السِّحر.

على سبيل المثال، إذا ألقى أحد حصاة في المحيط، فلن تنتج تأثيرات كبيرة. ومع ذلك، إذا أسقط حصاة في دلو من الماء، فإنها ستسبب موجاتٍ كبيرة وقوية. وكان السِّحر مثلها. أولاً، وَجَبَ تحديد مجالٍ مُعَيّن لعزل المنطقة التي ستُشَوَّهُ بالسِّحر.

وسيكون الحارس إلهًا مؤقتاً موضوع داخل هذا العالم الصغير المُحدد مسبقًا.

إذا استطاعوا تصوّر حارسًا محددًا، وتثبيته، والتحكم فيه كما شاءوا، فسيكون من الأسهل إجراء تلاعبات غامضة داخل حَيِّـزٍ مُحَدَّد.

إندِكس تخطت التفسيرات. ووجدت الأستاذة كوموي نفسها عاجزة على تصور ملاك. جلبت كلمة "ملاك ذهبي" إلى ذهنها العلامة التجارية للشوكولاتة حيث تبحث عن الملاك الفضي أو الذهبي داخل العلبة للحصول على جائزة.

وكأنه يتوافق مع رؤية الأستاذة كوموي المُشوشة، بدأ الوجود المحيط بهما ببطء في فقدان شكله. أتاها شعور مقزز بالغرق في طين متعفن في قاع الغابة.

‹«مهما صار، تَصَوَّري! نحن لا نستدعي ملاكًا حقيقيًا. هو فقط تجمُّعٌ للطاقة، قوة غير مرئية. شكله يُحدد بإرادتك!»› صار صوتُ إندِكس، الذي كان هادئًا وميكانيكيًا من قبل، الآن حادًا كشوك الجليد. ربما وصلت إلى نهاية صبرها.

فتحت الأستاذة كوموي عينيها بذهولٍ من تغيير سلوك إندِكس المفاجئ، وردَّدَت في نفسها، ...ملاكٌ ظريف، ملاكٌ ظريف، ملاكٌ ظريف...

على نحو يائس، بدأت تتصوّر ملاكًا أنثويًا من مانجا شوجو قرأتها منذ زمنٍ طويل.

فجأة، حسَّت كما لو أن الشيء المتحرك والمتعفن الذي يطفو حول الغرفة بدأ يتجمع، كما لو كان يُنفخ في بالون على شكل إنسان.

فتحت الأستاذة كوموي عينيها بتوتر.

...ها؟ ليس وكأننا نستدعي ملاكًا حقيقيًا، ما الذي أفعله؟

وفي لحظة شكّها...

بانغ! انفجرت الكُرة الطينية إنسانية الشكل وانتشرت في أرجاء الغرفة.

«كياه!!»

‹«فَشُل تثبيت الشكل.»› نظرت إندكس حولها بعينين حادتين وملاحظتين. ‹«...لو أمكننا على الأقل حراسة هذا المعبد بالأنداين الأزرق المائي، حينها لن تكون هناك مشكلة... الآن لنواصل.»› كانت كلماتها متفائلة، ولكن عينيها لم تبتسم على الإطلاق.

ولم تهدأ رجفة الأستاذة كوموي. حسَّت بنفسها طفلة تُخفي درجة امتحانها السيئة لتُفضح لاحقًا أمام والديها.

‹«رنِّمي من بعدي. واحدة أخرى أخيرة وستنتهي العملية.»›

كان أمر إندكس حادًا لا يترك للأستاذة وقتاً للذعر، على الرغم من أن تركيزها كان على وشك الانهيار.

غنت إندكس والأستاذة كوموي، وكذا الدميتان على طاولة الشاي.

بدأ ظهر دمية إندِكس على الطاولة يذوب.

بدا كمطاطٍ تُذَوِّبُهُ ولاعة. وباختفاء استقامة الدمية من الذوبان، اختفت خطوطه ومنحنياته، وصار ناعمًا أملسًا، وفي النهاية تبرَّد وتصلَّب مرة أخرى عائدًا لشكله الأصلي.

تجمد قلب الأستاذة كوموي خوفاً.

جلست إندكس قبالها على طاولة الشاي.

كانت الأستاذة قصيرة القامة تفتقر إلى الشجاعة لتجرؤ على الوقوف وفحص جرح ظهرها.

كان وجه الفتاة المخيفة أزرق باهت مغطى بعرق دهني.

لم تتمكن الأستاذة كوموي من رؤية أي ألم أو معاناة من عينيها الزجاجيتين.

‹«...تأكيد تجديد الطاقة وتجنب الأزمة المهددة للحياة. إعادة طور [قلم يوحنا] إلى وضع السكون.»›

عاد الضوء اللطيف فجأة إلى عيني إندكس كما لو اشتغل مفتاح.

كان الجو دافئًا غامرًا الغرفة كما لو أُشعلت نار باردة.

هكذا كانت عينا إندكس، لطيفة ودافئة، عينا فتاةٍ بسيطة.

«الآن...سنُعيد الحارس الهابط، وندمر المعبد، وستنتهي العملية.» إندِكس كادت تبتسم تقريبًا، لكن ألمها المتبقي بدا يعيقها. «هذا كل ما يتعلق بالسِّحر. تمامًا كتشابه "الحصان" و "الخيل" حيث أن لهما نفس المعنى، لا تحتاجين لعصا من الزجاج وعندك مظلة من البلاستيك. الأوراق التاروتية هي المثل كذلك. طالما أن الصور وعدد البطاقات صحيحة، فيمكنك حتى استخدام الجوائز المجانية التي تأتي مع مانجا الشوجو للتنبؤ بالأقدار» ولا يزال العرق مصاحبًا لإندِكس وهي تتحدث.

ومع ذلك، صارت الأستاذة كوموي أكثر خوفًا، خوفاً من أنها ربما سَوَّءت بطريقة ما حالة إندكس.

«أنا بخير...» قالت إندكس وهي تبدو كمن سينهار في أي لحظة. «هذا في الأساس مثل نزلة برد. أحتاج فقط للراحة واستعادة عافيتي، وسأشفى على الفور. الجرح الفعلي قد أُغلق، لذا لا عليكِ.»

في اللحظة التي انتهت فيها من الحديث، ترنح جسدها وسقطت إلى جانب واحد. سقطت الدمية من فوق طاولة الشاي أيضًا. اهتزت طاولة الشاي قليلاً مما هز الغرفة بأكملها بارتجاج قوي.

كانت الأستاذة كوموي على وشك الركض إلى الجانب الآخر من الطاولة الصغيرة عندما بدأت إندِكس تغني.

توقفت الأستاذة وحاكت غنائها مثلما كان قبلًا. وبعد الانتهاء، استعادت الغرفة الغريبة هواءها المعتاد. للتأكد فقط، جربت الأستاذة كوموي هزّ أحد أرجل الطاولة قليلاً. ولم يحدث شيء.

أنا سعيدة، تمتمت إندِكس بتأني، مغلقة عينيها بارتياح.

هذا طبيعي، أن يشعر أي شخصٍ بالطمأنينة إزاء نجاتهم من صراعٍ وشيك مع الموت، صحيح؟ فكرت الأستاذة كوموي. ومع ذلك، تابعت الراهبة:

«أنا سعيدة أنه لم يضطر لتحمل العبء...»

مذهولةً، نظرت الأستاذة كوموي إلى إندِكس.

«...لو أنني مُت، فمن المحتمل أن يحملها بقية حياته.»

توقفت إندكس عن الكلام وأغلقت عينيها كما لو كانت تستمتع بحلم. في جميع الأحوال، كانت الفتاة المصابة لا تفكر سوى في الفتى الذي حَمَلَها طوال هذا الطريق.

لم تفهم الأستاذة كوموي هذا النوع من الأنانية. ما كان عندها أحد تُفكر فيه هكذا.

لذلك أرادت أن تسأل فقط سؤالًا واحدًا.

ولكن إندِكس قد نامت بالفعل، ولذلك كانت واثقة من أن الفتاة لن تسمع سؤالها. ولهذا السبب طرحت.

ولكنَّ الفتاة أجابت وعينها موصدة: «لا أعرف».


لم تُفكّر في أي شخص بهذه الطريقة قبلًا، لذا فهي لا تعرف هكذا شعور. ولكن عندما قاتل لأجلها بدون أيِّ اعتبار لحياته أثناء مواجهة الساحر، فكَّرَت أنه حتى لو اُضطُرَّت للزحف، فإن عليها إبعادهُ عن هناك. ولكن بعدما طارده إنوكينتوس... عندما عاد لأجلها، فَرِحت كثيرًا حتى بغت البكاء.

لم تفهم ذلك على الإطلاق، لكن عندما تكون معه، لن تسير الأمور كما خططت.

ولكن مثل هذا الغموض أمتعها وأسعدها.

رغم أنها لا تدري ما نوع هذه المشاعر بالضبط.

هذه المرة، غطّت إندِكس في نومٍ عميق والبسمة لم تفارقها وكأنها تحلم حلمًا سرور.

  • الجزء 2

في الصباح التالي، بدأت تظهر عليها أعراض شبيهة بأعراض الإنفلونزا.

كانت إندكس مُمَدَّدة على الأرض والحمى والصداع يعتريانها. لم يكن هذا سَبَبَ فيروس، إذ أن أنفها لم يكن يسيل وحلقها لم يؤلمها. كانت تستعيد قوتها الحيوية، المانا. بمعنى آخر، مهما تناولت من أدوية لتُعزِّز مناعتها، لن تفيدها البتة.

«...إذن؟ لماذا لا ترتدين سروالًا طويلًا؟»

وبينما كانت إندِكس مستلقية تحت الفوتون بمنشفة مبللة على جبينها، دفعت بساق خارج الفراش صوب كاميجو، يبدو أنها لم تحتمل الحرارة. على الرغم من أنها كانت ترتدي بيجامة أعلى جسمها، وأمكن لكاميجو أن يرى فخذها تقريبًا حتى خصرها. اِلتمعت بشرتها وسطُعت، وبدت ورديةٍ في بعض المناطق من الحمّى.

غمست الأستاذة كوموي المنشفة التي صارت دافئة الآن من جبين إندكس في وعاء الماء وأخذت تحدق بكاميجو.

«...كامجيو-تشان، فكرت الأستاذة في أن تلك الثياب مبالغٌ فيها قليلًا.»

"تلك الثياب" في الغالب عَنت زي رهبانة إندِكس الأبيض المتصل بدبابيس.

وافقها كاميجو تمامًا في هذه النقطة، لكن إندِكس اعتادت الزي. وعندما أخذوه منها، بدت كقطةٍ متضايقة.

«...إذن.

لماذا تمتلك مُحِبَّة الخمر والدخان بيجامةً تُناسب

لماذا يمتلك بالكادر الذي يشرب البيرة ويدخن السجائر بيجامةً تُناسب إندكس تمامًا؟ ما الفارق العمري بينكما؟»

كانت الأستاذة كوموي (مجهولة العمر) حائرة الكلام، وتدخلت إندكس كأنها تغطي عليها. «...لا تستخف بي. فأنا أظن هذه البيجامة ضيقة قليلاً حول الصدر، حتى بالنسبة لي.»

«ماذا...؟ مستحيل! هذا لا يُمكن! أنت تسخرين مني كثيرًا. ولن أتحملها أكثر!»

«لحظة، ما عندكِ الكثير حتى تكون البيجامة ضيقة هناك؟!» مُضيفاً كاميجو.

«...» «...»

وحدقت السَّيّدتان به غضبًا. تمسك كاميجو بوضعه الدفاعي ونزل على ركبتيه باعتذارٍ ياباني تقليدي بجعل رأسه يلامس الأرض.

«نعم، نعم. بالمناسبة يا كاميجو-تشان، ما علاقتك بهذه الفتاة؟»

«هي أختي الصغيرة.»

«كذاب! واضح كذاب! إنها أجنبية بشعْرٍ فضّي وعَينَين خضراوين!»

«أختي من أم ثانية.»

«...تستعبط علي؟»

«أمزح معك! أعلم أن مواعدة القريبة أمرٌ مُغاير ولكن إن كانت بالدم فهذه مصيبة! سأدخُل السِّجن!!»

«كاميجو-تشان»، قالت بنبرة مُعَلِّمة.

أغلق فمه. بالطبع ابتغت الأستاذة كوموي معرفة قصّة الفتاة الراهبة. ففي النهاية، أتت وهي غريبة تمامًا إلى شقتها – بجرحٍ خطير في ظهرها – وبعد ذلك اضطُرّت إلى المشاركة في "سحرٍ" عجيب لم تفهمه.

ربما كان من الطمع أن يطلُبَ منها غضَّ الطرف عن كل هذا.

«أستاذة، ممكن سؤال؟»

«تفضل.»

«أتسألين لأنك ستبلغين عنها للأنتي-سكيل أو مجلس إدارة المدينة الأكاديمية؟»

«نعم،» أجابت الأستاذة كوموي بسرعة موافقة برأسها. لم تتردد للحظة واحدة في إخبار الطالب أنها ستبيعه. «لا أعرف ما المشاكل التي تعرضتما لها» ابتسمت الأستاذة كوموي «لكن إن كان شيئًا حدث في المدينة الأكاديمية، فإن مسؤولية التعامل معها تقع على عاتقنا نحن الأساتذة. فهو واجب البالغ أن يرعى الأطفال. الآن بعدما علمتُ أنكما كنتما في خطر، فإن الأستاذة هذه لن تصمت عن ذلك!»

هكذا أعلنت تسوكويومي كوموي.

على الرغم من أنها لم تحمل طاقة غريبة، أو قوة بدنية، أو قدرة...

تحدثت بصراحةٍ وصحةٍ حادة كشفرة كاتانا [5] تجد دربها نحو هدفها.

لا يمكنني غلب منطقها، اعترف كاميجو لنفسه مُتنهدًا.

على الرغم من أنه عاش عقدين إلا نصف ليتباهى بخبرته في الحياة، إلا أنه لم يجد شخصًا كهذه الأستاذة. حتى أنك لن تجد شخصيات مثلها في الأفلام أو المسلسلات التلفزيونية بعد الآن.

«أستاذة كوموي، لو كنتِ شخصًا غريبًا تمامًا، لشملتُكِ في الموضوع، ولكنني أدين لكِ بأداء السِّحر، ولذا لا أريد إزعاجكِ أكثر في هذا.»

قرر كاميجو أن يكون صريحًا معها.

فلقد تعب من رؤية الناس يحمون الآخرين ويتأذون دون توقع المقابل.

توقفت الأستاذة كوموي للحظة قصيرة.

«هم. لا يمكن للأستاذة أن تتسامح مع مثل هذا التباهي الأجوف، مفهووم؟»

«...؟ أستاذة؟ ما بكِ إلى أين تذهبين...؟»

«أُمهِلُك وقتاً. الأستاذة ستذهب إلى السوبر ماركت لتشري الفطور. وحتى عودتي يا كاميجو، حدِّد ما تريد إخباري به وكيف ستشرحه بوضوح، مفهووم؟ وبعد...»

«بعد؟»

«قد تنشغل أستاذتك بتسوقِها وتنسى كل شيء تمامًا. فعندما أعود، تأكد من أن تبدأ المحادثة بنفسك مثل البالغ، مفهوووم؟»

ظنّ كاميجو أنه رآها تبتسم.

انغلق الباب تاركًا كاميجو وإندِكس وحديهما.

...ربما فعلت ذلك لأجلنا.

لسبب ما، عندما تخيل وجهها الطفولي، حسَّ كاميجو بأنها "ستنسى" كل شيء بحلول عودتها.

وإذا طَلَب مشْوَرتها لاحقًا، فقد تهجم عليه غضبًا وتصرخ عليه بشيءٍ مثل، لِما لم تخبرني قبلًا؟! نسيتها تمامًا وستساعدهما بسرور وقتها.

تنهد وأعاد النظر إلى إندِكس التي لا تزال تحت الفوتون.

«...آسف. أدرك أن هذا ليس الوقت المناسب للقلق بشأن المظاهر.»

«لا، كُنتَ محقًا.» أخرجت إندِكس رأسها قليلاً. «لا ينبغي لنا أن نشملها أكثر... بالإضافة إلى ذلك، لا يمكنها استخدام السِّحر بعد الآن.»

«؟» استغرب كاميجو من ردِّها.

«الكُتب السحرية خطيرة، أكثر مما تتصور. العقلية الغير مألوفة المكتوبة معها تنتهك قوانين الطبيعة. إنها من عالمٍ مختلف. ليس بالجيدة أو بالشريرة، ولكنها سامّة لهذا العالم.»

شرحت إندِكس أنه حتى استخلاص المعرفة من العالم الآخر يمكن أن يُدمر عقل شخص ما. ربما كان مثل محاولة فرض تشغيل برنامج على نظام تشغيل لم يُصَمَّم له، تساءل كاميجو مُحاولًا إيجاد تشبيهٍ يمكنه فهمها.

«...إنَّ عقلي وروحي محميان بدفاعات الكنيسة. ويجب على السَّحرة الذين يحاولون تجاوز نطاق البشر أن يتجاوزوا حدود معرفتهم العامة للوصول إلى الحالة الذهنية المطلوبة والتي يمكن تشبيهها تقريبًا بنوعٍ من الجنون. ولكن إن كان المرء من بلدٍ غير ملتزم بدينٍ معَيّن كاليابان... لو حاولت هي مرة أخرى ممارسة السِّحر، فقد تكون نهايتها.» وكان رد الفتى، «ه-هذا...» حاول أن لا يظهر صدمته. «حسنا يا للخسارة. حسبت أنه يمكننا أن نطلب من الأستاذة أن تصير خيميائية. تعرفين الخيمياء، صح؟. أولئك من يستطيعون تحويل الرصاص إلى ذهب.»

سرًا، كان مصدره لهذه المعلومة هو لعبة RPG التي تركز على العناصر والتي كان بطلها خيميائياً.

«...يمكنهم تنفيذ [آرس ماغنا]، ولكن... إذا جمعت المكونات والأدوات اللازمة في هذه الأيام، حسب العملة اليابانية... سيكلفك حوالي، أمم، سبعة تريليون ين.»

«...............................................................حسنًا، لا فائدة من هذا تمامًا»، تمتم كاميجو، كما لو أن روحه هجرت جسده. وابتسمت إندِكس لردّه وقالت، «...نعم، تحويل الرصاص لذهب لن يسعد سوى النبلاء.»

«لكن، عندما نُفكر في الخيمياء، فكيف تعمل حتى؟ ما المبدأ وراءها؟ لتحويل الرصاص إلى ذهب، ألن يتعين عليك إعادة بناء تركيبه الذري من Pb إلى Au أو شيء من هذا القبيل؟»

«لستُ متأكدةً حقًا، ولكنها ليست سوى تقنية من القرن الرابع عشر.»

«هذا جنون... أتعنين أنها تُعيد ترتيب الهيكل الذري؟! أهكذا هي؟ أيعني هذا أن تدمير البروتونات دون مُسَرّع وتوليد الاندماج النووي دون مفاعل ضخم أمرٌ مُمكن؟! لحظة، ولا أدري حتى ما إذا استطاعت عقول الأسابر من المستوى 5 السبعة في المدينة الأكاديمية فعل ذلك!»

«؟؟؟»

«ما هذا التعبير؟! ألا تعرفين مدى إمكانيات ذلك؟! آه، أمم... إن كنتُ لأصِفها... فيمكنك صنع روبوت ذري أو بدلة متنقلة بتلك الخيمياء وكأنهما أتا من العدم!»

«روبو– ما هذه؟»

انقطع خياله المبتذل بقولها هذا.

انكمش كاميجو على نفسه، وظنت إندِكس أنها قالت شيئًا سيئًا بطريقة ما.

«عـ-على أي حال، حتى لو حاولتَ صُنع سيفٍ مقدس، أو عصا سحرية، أو مُثَيلاتُها بأشياء من العالم الحديث في مراسم أو طقوس، فهناك حدٌّ لذلك... ولا سيما [رُمح لونجينوس]، أو [كتاب يوسف]، أو [الصليب الخشبي] – العديد من الآثار المقدسة المتعلقة بالرب لا تزال لا يُمكن استبدالها بعد ألف سنة، ولكن... أخخ...»

بحديثها أسرع من المعتاد، أصدرت أنينًا مُتألمًا وبدأت تُدلِّكُ صِدغيها كما لو كانت تعاني من أثار الثمالة.

وأثناء قعودها على الفوتون، نظر كاميجو توما إلى وجه إندِكس.

قراءة احدى تلك الكتب الـ 103,000 لجعلت من العادي مجنونًا، ومع ذلك حَفَظَت بدقةٍ كل جُملةٍ وكل حرفٍ في ذاكرتها... كم من العذاب كان عليها أن تتحمل يا ترى؟

ولكنها لم تشتكي مرةً حتى الآن.

«أتبتغي المعرفة؟» سألت كما لو كانت تعتذر مُتجاهلةً ألمها.

وكشف صوتها الهادئ، على عكس طبيعتها المبتهجة، عن إصرارها.

أستاذة يا غبية، فكر كاميجو.

بالنسبة له، لم تكن الحالة المحددة لإندِكس مهمة. مهما كانت ظروفها، لن يتخلى عنها. إذا أمكنه هزيمة العدو وتأمين سلامتها، فلم يكن هناك دافع ليتعمق في جروحها القديمة. ورغم ذلك سألت.

«أترغب حقًا في معرفة ما أحمله؟» سألت إندِكس مرة أخرى.

عزم كاميجو قراره وأجابها، «هاه، فهذا يجعلني أبدو مثل الكاهن، أتدرين؟»

في جانبٍ، بدا كذلك. بدا ككاهنٍ يسمع اعتراف آثم.

«في رأيك، لماذا،» بدأت إندِكس بأسلوب استفهامي، «على الرغم من أن الكنيسة المسيحية كانت أصلًا واحدًا، ولكنك ترى الآن الكاثوليكية، والبروستانتية، والكاثوليكية الرومانية، والأرثوذكسية الروسية، والأنجليكانية، والنسطورية، والأريوسية، والغنوصية...وغيرها طوائفٌ كُثُر. لماذا برأيك تفرّقت إلى عدة شِيَعٍ مُختلفة؟»

«حسنًا...» قرأ كاميجو على الأقل كتاب تاريخ، لذا أتته صورةٌ مبهمة عن السبب. لكنه تردد في قولها أمام إندِكس لأنها كانت مؤمنة حقيقية.

«لا، ظنُّكَ صحيح.» وابتسمت إندِكس فعلًا. «لأن الناس خلطوا الدين بالسياسة. فتفتّت، وتعارض بعضها بعضا، وحتى بدأت الحروب. وفي الآخر، صار المُؤمنون بنفس الإله أعداءً. على الرغم من أننا نعبد نفس الأب في السماء، إلا أننا ذهبنا في مسارات مختلفة تمامًا.»

بالطبع، كانت هناك وجهات نظر مختلفة. ظنّ ناسٌ بكسبهم المال باستغلال كلمة الرب، ووَجَدَ آخرون ذلك شنيعا. وبعض الناس ظنّوا أنهم شعب الرب المختار في أرضه، والبعض الآخر وَجَدوا ذلك رفوضا.

«بعدما توقفت الطوائف عن تبادل الأفكار، مالوا للعزلة واكتسبوا "فردية". تغيروا جميعًا استجابةً لمجموعة متنوعة من العوامل، مثل حالة الأمة وظروفها المناخية.» أطلقت نفسًا طويلًا. «آمنت الكاثوليكية الرومانية بإدارة وتَسْيـير العالم؛ وآمنت الأورثوذكسية الروسية بالرقابة وتدمير السِّحر؛ وآمنت البروستانتية الإنجليزية، [الأنجليكانية]، الطائفة التي أنتمي إليها...» تراجعت إندِكس للحظة، وكأنها تكافح للحصول على كلماتها التالية. «إنجلترا هي بلد السِّحر، لذا...» بدت وكأنها تتذكر شيئًا مؤلمًا. «...تركزت إنجلترا على مطاردة الساحرات والزنادقة، ومحاكم التفتيش... في ثقافةٍ تُناهِضُ فيها السِّحر.

حتى الآن، في العاصمة، لندن، هناك مجموعات تطلق على نفسها مسمى [العُصَب السحرية]، وكانت هناك العشرات من عددها الفعلي على الورق. تأسست هذه المنظمات أساسًا لتحمي المواطنين من السحرة الأشرار الذين يتربصون في المُدن، لكن في نهاية المطاف تحولت إلى ثقافة الذبح والإعدام.

«لدى البروستانتية الإنجليزية فرعٌ فريد،» قالت إندِكس بصوت خفيض، كما لو كانت تعترف بخطاياها الخاصة. «لقتل السَّحرة، كان عليهم وضع التدابير اللازمة، وفعلوا ذلك من خلال البحث في السِّحر الذي استخدمه أعداؤهم. الفرع المُكلف بهذه المهمة كان [نِسِسَريوس]، كنيسة الشرور الضرورية.» بدت نبرتها راهبة. «إذا لم تعرف عدوك، فلن تحمي نفسك من هجماته. لكن فهم روحِهِ المُلَوّثة سيؤدي بالضرورة إلى تلوث روحك. لمس عدوك المريض سيُعديك كذلك. أُنشِئَت كنيسة الشرور الضرورية لمحاربة ذلك الفساد بمفردها. وأعظم إنجازاتهم كانت...»

«الكتب السحرية المِئة وثلاثة آلاف.»

«نعم.» أومأت إندِكس مرة. «السِّحر مثل معادلة رياضية. يمكنك صدُّ هجمات خصمك طالما فككتها جيّدًا. لذا حشوني بـ 103,000 كتاب... لأنه إذا فهمنا كل سحر في العالم، سنتمكن من إبطال كل السِّحر في العالم.»

نظر كاميجو إلى يده اليمنى.

يده اليمنى، التي ظنّها بلا جدوى. يده اليمنى، التي رفضها لأنها لم تقدر على إسقاط جانحٍ واحد، أو رفع درجاته في الاختبارات، أو جعله محبوبًا لدى الفتيات.

لكنها اختبرت جحيمًا لتصل إلى نتيجةٍ كهذه.

«لكن إذا كانت الكتب السحرية فظيعة إلى هذا الحد، ألا يمكنكم حرقها دون قراءتها؟ طالما هناك مُتعلمون، فلن يتوقف السِّحرة عن الظهور، صح؟»

«...ليس الكتاب ما يهم، بل مُحتواه. حتى لو تخلصت من الأصل، إذا حفظوها في قلوبهم ومرروها لمن يخلفهم، فلا فائدة.» وأضافت إندِكس، «على الرغم من أن الناقل لن يُسمى ساحر، بل مُشَعْوِذ.»

إذا فهي مثل تدفق البيانات عبر الإنترنت، حتى لو محوت البيانات من مصدرها، فإنها ستظل موجودة، حيث تُنسخ بلا حدود. فكر كاميجو في نفسه.

«في أساسها، تعتبر الكتب السحرية مجرد كتب ملاحظات،» شرحت إندِكس مُتألمة. «...قراءة واحدة لا تجعل من المرء ساحرًا. الساحر هو من يُضيف ترتيباته ويُوَلِّدُ تعويذاتٍ جديدة.»

فبدلاً من مجرد بيانات، إنها أشبه بفيروس الكمبيوتر، التي تُعَدَّلُ باستمرار.

للقضاء على الفيروس تمامًا، يجب تحليله أولاً ثم تطوير لقاحات جديدة بشكلٍ مستمر.

«...أيضًا، قلتُها قبلًا، لكن الكتب السحرية خطيرة.» ضَيّقت إندِكس عينيها. «تدمير نسخة واحدة فقط يتطلب من المحترفين أن يُوصِدوا أعْيُنهُم لحماية أذهانهم من الفساد. وحتى بذلك، ما لم يتطهروا بالمياه المقدسة بانتظام لمدة خمس سنوات، فلن يتمكنوا من الهروب من سمومها. من المستحيل على الروح البشرية التعامل مع الكتب الأصلية. الكتب السحرية الـ 103,000 المنتشرة في جميع أنحاء العالم خطيرة لدرجة أنه لم يكن هناك خيار آخر سوى ختمها بعيدًا.»

كان الأمر يشبه تقريبًا التعامل مع الأسلحة النووية المتقاعدة.

لا، بل في الواقع كانت بالضبط مثل ذلك. وكان من المرجح أنها تجاوزت توقعات من صنعوها أصلاً.

«تشه. ولكن أليس السحر يُستخدم من العاديين بخلافنا نحن الأسابر؟ فلماذا لم ينتشر عبر العالم حتى الآن؟»

تذكر كاميجو لهيب ستَيل. إذا صار العالم مكاناً يمكن للجميع فيه استخدام تلك النوعية من القوى... سينهار أساس العالم القائم على العِلم.

«هذا... ليس شيئًا تقلق بشأنه. حتى العُصَب السحرية لن تجلب الكتب السحرية إلى العلن تهوّرًا.»

«؟ ولما لا؟ ألا يريدون المزيد من الحلفاء حتى يكونوا أقوى؟»

«لهذا السبب بالضبط. لو كان كل حاملي البنادق أصدقاء، فهذا لا يعني بالضرورة انتهاء جميع الحروب، أليس كذلك؟»

«...»

حتى لو كنتَ تعرف السحر، فلن يصير كل من يعرفه صديقًا لك.

بل العكس تمامًا؛ سيعرفون كل أوراقك الرابحة. السِّحرة لا يرغبون في إنشاء سحرة أعداء عَبَطًا.

نفس السبب لماذا تحتفظ البلدان بمخططات أسلحةٍ جديدة حتى عن حلفائهم.

«همم. أظنني فهمت معظم ذلك.» تعمق كاميجو في أفكاره. «بمعنى آخر، هُم كأنهم... وضعوا قنبلة داخل رأسك.»

المئة وثلاثة آلاف كتابٍ سحريٍّ أصلي المبعثرة في جميع أنحاء العالم – كانت مكتبة مليئة بالنسخ المثالية. الحصول عليها كان بمثابة الحصول على كل السِّحر الذي أُنشِئَ على الإطلاق.

«...نعم.» بدت وكأنها تجلس على سُلَّمِ الإعدام. «إذا استخدمتَ كل المئة وثلاثة آلاف كتاب، سيُمكنك قهر وتعديل كل شيء في هذا العالم دون استثناء. ونحن نسمي هؤلاء بآلهة السحر.»

ليس آلهة عالم الشياطين...

...ولكن شخصًا أتقن أعماق السِّحر وترك أرض الإنسان ودخل أرض الإله...

إله سحري.

...هذا جنون.

رصَّ كاميجو أسنانه دون أن يعلم. يمكنه القول بالنظر إليها أن إندِكس لم تحفظ الكتب السحرية الـ 103,000 في عقلها لأنها تريدها. فكر مرة أخرى في لهيب ستيل. يبدو أنها عاشت كذلك فقط لتمنع أكبر عدد ممكن من الضحايا.

لم يحتمل كيف أنَّ أولئك السحرة استغلّوا تلك المشاعر ضدها، لكنه أيضًا لم يحتمل كيف وصفتها الكنيسة بأنها "فاسدة". كُلٌّ عاملها كأنها "شيء"، وقد أمضت إندِكس حياتها محاطة بأناسٍ كهذا. ولكن أكثر ما أزعجه ولم يستطع تحمله هو أنها، على الرغم من كل ذلك، استمرت في تقديم الجميع على نفسها.

«...آسفة.»

حتى كاميجو لم يفهم تمامًا ما الذي جعله غاضبًا هكذا.

ولكن اعتذارها فجَّرته.

نقر جبين إندِكس بلطفٍ.

«هل لكِ التوقف عن هذه السخافة؟ لماذا لم تخبريني بهذه المعلومات المهمة حتى الآن؟»

تجمدت إندِكس في مكانها بينما حدَّق كاميجو في تلك الفتاة طريحة الفراش. اتسعت عينيها واسعًا كما لو أنها ارتكبت خطأً فظيعًا وتحركت شفتيها محمومًا كما لو حاولت قول شيءٍ ما. «ولكن... لم أظنك تُصَدِّقُني، ولم أرد تخويفك، و، أمم...»

بدت إندِكس على وشك البكاء، وصار صوتها أهون فأهون، حتى وصل إلى حد أن كاميجو بالكاد استطاع سماع الجزء الأخير. لكنه نجح في التفطن له بالكاد: «لأنني لم أردك أن تكرهني.»

«هذا... أغبى شيء سمعته يومًا!!» شيء داخله انفجر. «لا تقللي من الناس وتتوقّعي ردودهم! توقفي عن ذلك! أسرار الكنيسة؟ مئة وثلاثة آلاف كتاب سحري؟ نعم، أظنها قِصّة عجيبة ومجنونة وتبدو فظيعة حتى لا أستطيع تصديق أي شيء من ذلك الآن. ومع ذلك!» قطع كاميجو للحظة. «أهذا كل شيء؟»

افتتحت عينا إندِكس واسعًا.

وكافحت شفتيها الصغيرتان بيأس لإنتاج الكلمات، لكن لم يخرج شيء.

«لا تستهزئي بي. ماذا، ظننتي أنه فقط لحفظك 103,000 كتابًا أنكِ مخيفة؟! أظننتي أنه لأن هناك سحرة معاتيه يطاردوكِ أنني سأتركك وأهرب؟ كلامٌ سخيف. لو لم أكن مستعدًا لذلك، لما عدتُ لأجلكِ في المقام الأول!»

وبينما كان يوبخها، فهم أخيرًا لماذا كان غاضبًا جدًا.

كل ما يريده هو أن يتمكن من مساعدة إندِكس بأي طريقة ممكنة. لم يرجوا رؤيتها تتألم بعد الآن. هذا كل شيء. ولكنها كانت دائمًا تلك التي تحاول حمايته من الضرر؛ لم تطلب منه مرة واحدة حمايتها. لم يسمعها تقول «ساعدني» أبدًا.

كان مخزيًا.

مخزيًا حقًا.

«...ثقي بي قليلاً. ولا تحاولي تصنيفي وتوقع ردود أفعالي؛ فأنتِ لا تعرفيني.»

هذا كل شيء. حتى لو كان عاجزًا صفري المستوى، حتى لو لم يملك يده اليمنى، ما كان هناك من سببٍ لئلا يُساعدها.

بالطبع ما كان.

نظرت إندِكس لكاميجو فترة مستغرقة، لكن...

استنشاق,,. فجأة، امتلأت عيناها بالدموع.

كان الأمر كما لو أن الجليد قد ذاب.

ارتعشت شفتيها بلهفة، وامتلأت عينيها بدموع عاطفة بالكاد كانت تكبحها. جذبت الفوتون لفمها وعضته. لو لم تفعل ذلك، لصرخت هستيريًا مثل الطفلة.

ربما لم تكن من كلماته فقط.

لم يغتر كاميجو بنفسه حتى يظن بذلك. لم يعتقد أن كلماته وحدها كانت قادرة على تحريكها كثيرًا. وفي الغالب أنه أثار شيئًا آخر فيها، شيئًا احتفظت به داخلها لفترة طويلة.

تمامًا كما حسَّ بقلبه ينكسر عندما فكر في أنه ربما لم يقل لها أحد هذه الكلمات من قبل، شعر كاميجو أيضًا أنه رأى أخيرًا "ضعف" إندكس مما جعله سعيدًا بعض الشيء.

ولكنه لم يكن مُعتلًّا يتلذذ ببكاء الفتيات.

في الواقع، كان محرَجًا تمامًا من نفسه.

إذا دخلت الأستاذة كوموي عليهما الآن دون سياق، فبالتأكيد ستطلب منه أن يذهب ويقفز من أعلى جبل فوجي.

«امم، طيّب. طالعي، عندي يدي اليمنى، لذا ليس للسحرة فرصة أمامي!»

«...ولكن»، همست، «قلت أنه عندك دروس تكميلية».

«...قلت؟»

«بالتأكيد قلت».

بدت ذاكرة الفتاة مثالية. حسنًا، فهي حفظت كل حرفٍ في 103,000 كتاب على الأقل.

«لا تزعلي لأنك سببتِ الفوضى في حياة أحدٍ ما اليومية لشيءٍ كهذا. ما تهمني الدروس. المدرسة لا تريد صُنع الراسبين. إذا غبت عن الدروس التكميلية، فسأضطر إلى أخذ دروس تُكمِّل التكميلية. وأقدر أأجلها ما أريد.»

ربما كانت الأستاذة كوموي لتريه الجحيم لقوله هذا، لكنه تجاهل الفكرة.

«...» وبحثت إندِكس الدامعة بصمت في تعابير كاميجو. «...فلماذا قلت أنه عليك الإسراع والذهاب إلى دروس المكملة؟»

«..........................................................................................آه.»

الآن بذكرها. كان ذلك بعدما دمَّر ثوب رهبانيتها الكنيسة السائرة بالإماجين بريكر، مما تركها عارية تمامًا. وكان التوتر الصامت في الغرفة آنذاك أسوأ من المصعد، لذا...

"لأنه كانت لديك خطط وحياة طبيعية لتعيشها، ولذا شعرتَ أنه من الخطأ أن تُفسدها لأجل غريبة..."

«…اع، أنا، آه...»

«لأنك لم ترتاح لوجودي.»

«...»

«نعم فعلت.»

بعدما قالتها ثانية، بدت الدموع في عينيها، أدرك أنه من المستحيل تجاوز هذا.

«آاازززفف!» صاح كاميجو، وغرس وجهه في الأرض، وأعطاها الاعتذار الياباني المعتاد.

وببطءٍ، انتقلت إندِكس من الفوتون ببطء كالمريضة وأمسكت بأذني كاميجو بكلتا يديها. ومن ثُمَّ، كما لو كانت تأخذ لقمة من كرة أرز عملاقة، قضمت قمة رأسه بكل قوتها.



على بُعد 600 متر، على سطح مبنى مُعَيّن، كان ستَــيْل ماغنوس يتربص بمنظار.

«وجدنا مكان الفتى مع إندِكس... كيف حالها؟»

بدون أن يلتفّ ليواجه الفتاة التي اقتربت من خلفه، أبلغ ستيل:

«هِيَ على قيد الحياة... لكن بما أنها حيّة سليمة، فلابد أن يكون لديهم مستخدم سحر أيضًا.»

ظلت الفتاة صامتة. وبدت سعيدة لأنه لم يمت أحد أكثر من القلق من احتمالية ظهور عدوٍّ آخر.

على الرغم من أن الفتاة كانت في الثامنة عشرة، إلا أنها كانت أقصر برأسٍ كامل عن ذو الرابعة عشرة ستيل.

ومجددًا، كان ستيل أطول من مترين، ولذا كان طول الفتاة أطول من متوسط الياباني العادي.

كان شعرها الأسود مربوطًا إلى الوراء في تسريحة شعرٍ سابّة (ذيل الفرس)، وكان سيفها الكاتانا بطول أكثر من مترين تقريبًا، عُرِف نوعه بـ "سَيْف الأمر"، موضوعًا في غمدٍ عند جانبها؛ كان النوع المُستخدم لصلوات المطر الشنتوية.

ومع ذلك، مسمى الجميلة اليابانية كان وصفًا بعيد. [6]

ارتدت جِنزاً مهترئاً وقميصًا أبيضَ ذو أكمام قصيرة. ولسببٍ ما، قُصَّت الساق اليسرى من جِنزها لتكشف عن فخذها، وربطت قاع قميصها لتكشف بطنها. وصلت أحذيتها إلى ركبتيها، وكان غمد الكاتانا معلقًا بحزامٍ كما لو كان مُسَدَّسًا.

تدلى سيفها هناك كما لو كانت [الشريف] في الأفلام الغربية، ولكن بكاتانا بدلاً من بندقية.

تمامًا كالكاهن ستيل ذو الرائحة العطرة الفواحة، كان لباسُها غريبًا عجيب.

«فلذا يا كانزاكي، من ذاك بالضبط؟»

«للأسف يا ستيل، معلومات الصبي موصونة ولم أجلب الكثير. على الأقل، هو ليس بساحرٍ ولا صاحب قِوى.»

«ماذا، أستخبريني أنه مجرد فتى في المدرسة الثانوية؟» أشعل ستيل سيجارته. «كفاكِ سُخفاً. فأنا ساحرٌ أنشأ الأحرف الرونية الأربعة والعشرون الحالية وطَوَّرتُ ستّة رونيات قوية جديدة. العالم ليس مكانًا رحيمًا ليهرب فيه هاوٍ من مخالب إنوكينتوس.»

مهما كانت النصائح التي تلقاها من إندِكس، فإن سرعة الصبي في الإتيان بتكتيك للتعامل معه... وبيده اليمنى غير المُصَنَّفة... إذا تم قبوله كـ "طبيعي"، فستكون اليابان فعلاً أرض العجائب.

«معك حق.» ضَيّقت كانزاكي كاوري عينيها. «المشكلة تكمن في حقيقة أن شخصًا لديه مهارات قتالية عالية يُصَنَّف على أنه مجرد طالبٌ مُشاغب يشترك كثيرًا في قتالات الشوارع.»

كان للمدينة الأكاديمية جانبٌ خفي حيث أنها كانت مؤسسة تنتج بالجملة أسابر.

على الرغم من أن ستيل وكانزاكي قد اتصلا وحصلا على إذن من المنظمة المعروفة باسم جمعية العناصر الخمسة لدخول المدينة، فقد احتفظا بتفاصيل إندِكس فقط لهما. على الرغم من أنهما كانا جزءًا من أعظم تجمع للسَّحرة في العالم، سواء من حيث الاسم أو القوة، فإن المجموعة اعتبرت أنه من المستحيل ابقاؤهما مختبئين في أراضي العدو.

«أظنُّهم... يُخفون المعلومات عمدًا. إضافةً لذلك، نعلم أن جرح إندِكس قد شُفِيَ بالسِّحر. كانزاكي، أهناك جماعة سحرية أخرى هنا في الشرق الأقصى؟»

في هذه النقطة، كانا مقتنعين بأن الصبي انتمى إلى منظمة أخرى غير جمعية العناصر الخمسة.

«يجب أن يُوَثَّق تقريبًا كل شخص ضمن شبكة المعلومات التابعة لجمعية العناصر الخمسة، ولكن...» أغلقت كانزاكي عينيها. «نحن نتعامل مع عدوٍّ مَجهول، ولا نملك تعزيزات. هذه مشكلة.»

كان هذا استنتاجًا خاطئًا بوضوح. طالما كان الإماجين بريكر لـ كاميجو لا يتفاعل مع "قوى غير طبيعية"، فليس لها أيّ تأثير. بمعنى آخر، حتى أجهزة القياس المستخدمة في الفحص الطبي في المدينة الأكاديمية لن تعثر على أيِّ شيءٍ غير عادي فيه. وبالتالي، اُعتُبِرَ كاميجو توما صفري المستوى على الرغم من حيازتهِ يدًا يُمنى من الدرجة الأولى.

«لنفترض أسوأ السيناريوهات وأن يتحول هذا إلى معركةٍ سحرية بين الجماعات. ستيل، سمعتُ ضعفًا قاتلًا في روناتك، حيث أنها ليست مقاومة للماء؟»

«نعم، فلقد عَوَّضتُها. غلَّفتُ الرونات. لن أدعه يستخدم نفس الحيلة مرة أخرى.» عَرَضَ دفتر جديد من الرونات بمهارة كما لو كان ساحرًا على خشبة المسرح. «هذه المرة، لن أتوقف فقط عند البُنيان؛ سأرسم حاجزًا في نصف قطر يبلغ كيلومترين... سأستخدم 164,000 رمزًا رونيًا. ينبغي أن تجهز في حوالي ستين ساعة.»

على عكس ألعاب الفيديو، استغرق السِّحر الحقيقي أكثر قليلاً من ترديد وترميم وتهجيء التعويذة. على الرغم من أنها تبدو هكذا على الظاهر، إلا أنه يجب عمل استعدادات كبيرة مسبقًا.

على سبيل المثال، ربما استلزمت نيران ستيل شيئًا على غرار "نقع أنياب الذئب الفضي في ضوء القمر لعقدٍ من الزمن"، لهذا السبب، يمكن اعتبار سرعته في إلقاء التعاويذ سُرعة خبير.

بالعربي،[7] تُعتبر الحرب السحرية معركة لمعرفة استراتيجيات الخصم. يَفترِضُ السَّحرة منذ البداية أنهم قد وقعوا في فخ العدو، لذا يقرأون التقنية ويُقاومونها. وفي الوقت نفسه، يتنبأ المهاجم بقدوم هجومٍ مضاد ويُعدِّلُ نهجهُ وفقًا لتوقّعه. على عكس القتالات اليدوية البسيطة. فإن هذا يتطلب من المرء قراءة مئة أو مئتي خطوة مُقدّمًا في حالةٍ مُتغيرة باستمرار. في حين أن المصطلح المستخدم هو "قتال"، إلا أنها كانت أقرب لمعركة ذكاء وحِيَل.

لذلك، بالنسبة لأي ساحر يستعد للدخول في نزاع، فإن جهل أعداد أو قوة العدو كانت عائقًا شديدًا.

«...يبدو أنها تستمتع.»

أدلى ساحر الرونات بملاحظته وهو يحدق بستمئة متر إلى الأمام دون منظار.

«نعم، تبدو حقًا مُستمتعة. لطالما عاشت تلك الطفلة مُستمتعه وسعيدة.» ثم، كما لو كان يبصق شيئًا كثيفًا ولزجًا، سأل:

«أتساءل... لِكَم من الوقت يتعين علينا أن نستمر في تمزيقها؟»

ركزت كانزاكي وراء ستيل نظرها إلى ستمئة متر في البعيد.

حتى بدون استخدام السّحر أو المناظير، فإن رؤيتها – التي كانت أفضل بثماني مرات من المتوسط – كانت تصِلُهُم بوضوح. رأت الفتاة، غاضبة من شيء ما، تقضم رأس الصبي بعنف.

«لابد أن شعورًا غريبًا يعتريك، أصحيح؟» سألت كانزاكي بشكلٍ ميكانيكي. «لكَ أنتَ يا من كنتَ في نفس مكانه من قبل.»

«...اعتدتُها،» أجاب ساحر اللهب.

كالمعتاد.

  • الجزء 3

«وقتُ الحمام♪ وقتُ الحمام♪ وقت الحمـ~ـمااام♪♪» هكذا غنّت إندِكس وهي تحمل دلوًا من الماء بيديها وتمشي جوار كاميجو.

لقد غيّرت بيجامة النوم، وعادت إلى زيها الرهباني المُتّصل بدبابيس ذهبية. وكانت حيوية كما لو أنها تخلصت من مرضها.

أيُّ نوع من السِّحر كانوا يستخدمون؟ زيها الرهباني المغطى بالدماء كان خاليًا تمامًا من الأوساخ. وبتلك الدبابيس... إذا وضعتها في غسالة ملابس، لن تمر إلا خمس ثوانٍ حتى تتمزق. أيعقل أنها تفككها وتغسلها قطعةً قطعة؟ فكر كاميجو.

«ما الأمر، هل أزعجتكِ لهذا الحد؟ بصراحة، لا أقلق بشأن الروائح.»

«أيعني هذا أنك تحب المعرقات؟»

«ما أقصد ذلك بالضبط!!»

قد مرت ثلاثة أيام منذ استخدامهم السِّحر، وكانت أولى طلباتها ما إن استطاعت التحرك هو الاستحمام.

جدير بالذكر أنه لم يكن هناك حمامٌ في شقة الأستاذة كوموي بالمعنى الحرفي. كانت خياراتهم إما استعارة حمام المالك أو الذهاب إلى الحمام العام المهترئ بالقرب من الشقة.

وهكذا سار الفتى والفتاة على طول الطريق ليلاً وبيديهما مستلزمات الاستحمام.

...أتساءل في أي قرن بدأت ثقافة الاستحمام العامة في اليابان. قالتها الأستاذة كوموي بضحكة سابقًا، وشرحت نظام الحمام العام هنا. لا تزال تسمح لهما بالإقامة في شقتها دون أن تطرح أسئلة. لم يكن بإمكان كاميجو العودة إلى سكنه حيث أنه عُرِف من قبل العدو، لذا كان يعيش حياة الضيف بالمجان.

«توما، توما،» قالت إندِكس، بصوتٍ مكتوم قليلاً بينما كانت مشغولة بمضغ أكمام ذراعه العالية. لدى الفتاة عادةٌ سيئة في مضغ الأشياء، ويبدو أنها تنوي استخدامها مبادرةً لجذب انتباهه.

«...ما الأمر؟» ردَّ كاميجو منزعجًا.

في هذا الصباح، أدركت إندكس أنها لم تعرف اسمه، لذا عرّفها بنفسه. ومنذاك، نادت عليه حوالي ستين ألف مرة.

«لا شيء، فقط فكرت أنه سيكون من المضحك أن أناديك حتى وإن لم أرد منك شيئا».

كان تعبيرها تعبير طفلةٍ ذهبت إلى مدينة الملاهي للمرة الأولى.

ويبدو أنها تعلقت به.

ربما كانت نتيجة للحادثة التي وقعت قبل ثلاثة أيام. لكنّ كاميجو كان يكافح بمشاعر مُعقّدة حول حقيقة أنه على ما يبدو لم يقل أحد كلمة لطيفة لهذه الفتاة.

«سمعتُ من كوموي أن الحمامات العامة الجابانيزية تُقدم حليب القهوة. ما هو حليب القهوة؟ أهو مثل الكابتشينو؟»

«يابانية تقصدين...لا، ليست بالمميزة. إنها مجرد حمامات عامة،» ردَّ كاميجو وفكّر، لا تتأملي وتتوقعي الكثير. «همم... ولكن الحمام العام الضخم قد يكون صادمًا بالنسبة لكِ. أنتِ من إنجلترا، ها؟ هل جميعكم تستخدمون حمامات صغيرة مثل تلك الموجودة في الفنادق؟»

«مم؟... حسنًا، لا أدري صراحةً.» مالت إندِكس رأسها قليلاً مُستغربة.

«أول ذكرى لي كانت في اليابان، لذا لا أعرف كيف تجري الأمور هناك.»

«...هاه. لا عجب أنكِ تتحدثين اليابانية بطلاقة. لو كنتِ هنا منذ طفولتك، أفلن يجعلك هذا يابانية؟»

لو كان الأمر كذلك، فلصارت الأمور أكثر تعقيدًا نوعًا ما إذا ابتغت الهروب إلى كنيسةٍ إنجلترية. حَسَبَ أن مقصدها كان إلى حيث عاشت من قبل، ولكن هل تحاول الوصول إلى بلدٍ أجنبي لم تره من قبل؟

«أه، لا لا، هذا ليس ما أقصده.»

أشارت إندِكس برأسها لتوضّح أمرًا، وتأرجح شعرها الفضي من جانبٍ لآخر.

«يُفترض أنني وُلدت ونشأت في لندن، في كاتدرائية القديس جورج. ويبدو أنني جئتُ هنا قبل حوالي سنة.»

«يفترض؟ يبدو؟»

استغرب كاميجو من وصفها وعبس.

«نعم، لأنني لا أتذكر أي شيء قبل سنة.»

ابتسمت إندِكس.

كانت مرة أخرى تُعبِّرُ تعبير بنتٍ تستمتع بركوب المُرجيحة للمرة الأولى.

كانت ابتسامتها مثالية، ولكن كاميجو حسَّ بإحباطٍ وألم خلفها.

«عندما فتحتُ عيني أول مرة هنا، كنتُ في زقاق. لم أعرف شيئًا عن نفسي. وعرفت فقط أنه عليّ الهرب. رغم أنني لم أتذكر ما تعشّيت في الليلة السابقة، إلا أن كلمات مثل [السَّحرة] و[إندِكس] و[نِسِسَريوس] كانت تراودني في رأسي. وخفتُ كثيرًا منها...»

«...إذن لا تعرفين لما فقدتِ كل ذكرياتك؟»

«لا،» أجابت. كان كاميجو جاهلاً بعلم النفس، لكن سبب فقدان الذاكرة في الألعاب الفيديو والمسلسلات كان دائمًا أحد الاثنين تقريبًا.

إما أنها تعرضت لإصابة ما في الرأس، أو أن دماغها ختم ذكرياتها حيث صارت أكثر مما تتحمل.

«تبا لهم...،» شتم كاميجو في الليل على الرغم من نفسه. كان غاضبًا من السَّحرة الذين تجرأوا وفعلوا شيئًا كهذا لها، لكن على الرغم من أنه لم يحقق شيئًا، إلا أنه لم يستطع الهرب من إدراك عجزه.

أدرك الآن لماذا ذهبت إندِكس إلى أبعد حدودها لتُدافع عنه ولما تعلقت به كثيرا. لقد رموها في العالم بدون علمٍ عن أي شخص أو أي شيء، وكان أوّلُ من تقابله أخيرًا كاميجو.

وهذا لم يكن شيئًا يُسعد الفتى.

لم يعرف لماذا، لكن مثل هذه الإجابة أشعلته وأحنقته.

«همم؟ هل أنت غاضب يا توما؟»

«لستُ غاضبًا،» بكذب أجاب متفاجئًا، لم يتوقع سؤالها.

«لو أنني أسأت إليك، فأنا آسفة. يا توما، لما غضبت؟ أهي فترة مراهقة؟»

«...نعم، حقًا ما أريد سماع شيء عن فترة المراهقة من طفلة.»

«مهممم. ماذا قلت؟ تبدو غاضبًا. أم أنك تتظاهر بالغضب فقط لتربكني؟ لا أظنني أحب هذا الجانب منك يا توما.»

«هَيي، ما حبّيتيني في المقام الأول، لذا توقفي. ومهما كنتُ يائسًا، فلن آمُلَ في حدوث شيء مثل ما في القصص الكوميدية الرومانسية هنا.»

«...»

«اغغ، ماذا؟... لماذا تنظرين بعيون الجرو الحزينة يا أميرة؟»

«...»

حاول أن يلف موضع الحديث بنكتة، لكن إندِكس لم تصدقه.

غريب. هذا غريب. لماذا تطوي إندكس ذراعيها أما صدرها، وتنظر إليّ والدموع في عينيها بتعبيرٍ مؤلم على وجهها، وتعض شفتها السفلية هكذا؟

«توما.»

«نعم؟» أجاب كاميجو بعد سماع اسمه مرة أخرى.

شعر بشعور محدد من النحس يغمره.

«أكرهك.»

بلحظة لاحقة، أتته تجربة نادرة لفتاةٍ تقضم كامل رأسه، حرفيًا.


  • الجزء 4

وانتهت القصة بهروب إندِكس لوحدها إلى الحمام العام.

سار كاميجو عبر نفس الشارع نحو وجهتهما المشتركة. حاول مطاردتها، لكن الراهبة الأجنبية الغضبانة فلتت منه كقطّة شاردة. وبعدما سار لفترة من الوقت، وَجَدَ إندِكس في الأفق كما لو كانت تنتظره. ثم تبتعد مرة أخرى. وتكررت الحالة كذا مرة. كانت تتصرف بجدية كقطة شاردة.

حسنًا، كلانا في طريقه إلى نفس المكان – الحمام العام – لذا سنلتقي هناك في النهاية، كما فكّر مستسلمًا عن مطاردتها.

وبصراحة، كان يخشى من أن يراه شرطي ما وهو يطارد راهبة أجنبية صغيرة في الشوارع المظلمة، وبحظه السيء الرفيق، كان ذلك واردًا، بل أكيد.

«راهبة أجنبية، ها...» تمتم كاميجو بهذا عفويًا بينما كان يمشي وحده في الشارع المظلم.

أدري. إذا أخذتُ إندِكس إلى كنيسةٍ إنجليزية هنا في اليابان، فإنها ستطير إلى مقر الكنيسة في لندن بعد ذلك قريب، لن يكون لديه أي قول في المسألة. وفي الآخر، ستقول شيئًا مثل، كان وقتًا قصير، ولكن شكرًا لك. لن أنساك، فأنا عندي ذاكرة مثالية.

غرق سهم في صدره بمثل هذه الفكرة – على الأقل هكذا حس، لكنه لم يملك خيارًا أفضل. إذا لم يُعِد إندِكس إلى حماية الكنيسة، فسيطاردها السَّحرة مدى حياتها. وكانت مرافقتُها إلى إنجلترا أمرًا غير واقعي.

العوالم التي عاشا فيها، والمواقف المتنوعة التي واجهاها، والأبعاد التي تواجدا فيها – كلها كانت مختلفة.

عاش كاميجو في عالمٍ عِلْمي من البشر الأسابر (ذوي القدرات الخارقة)، وعاشت إندِكس في عالمٍ سِحْري من الغوامض والغرائب.

كانا متميزان ومختلفان مثل اليابسة والبحر ولن يتشاركا أبدًا.

هذا كل شيء.

بالفعل، هذا كل شيء... ولكن لسبب ما، انزعج كاميجو تدريجيًا، كما لو عَلِقت عظمة سمكة في حلقـ—


«ها؟»

فجأة، انقطعت أفكاره المتسابقة بظُلمة.


كان هناك شيءٌ... غريب. نظر إلى الساعة على لافتة النيون خارج إحدى متاجر الأقسام. لم يكن إلا الثامنة مساءً. عادةً ما لا يكون الناس نائمين في هذه الساعة، لكن لسبب ما، كانت المدينة من حوله هادئة للغاية. كانت الأجواء كما لو كان يقف في غابة في الليل.

أصاب كاميجو إحساسٌ سيء.

فكِّر، عندما كنتُ أسير مع إندِكس، لم نمر بأحد...

واصل التقدم مُحاوِلًا فِهم ما يحدث.

عندما خرج إلى طريق عريض ذو ست مسارات، تَشوَّش هذا الشعور الغامض بوجود شيء غير معتاد على الفور إلى إدراك واضح بأن هناك شيئًا ما ليس صحيحًا.

لم يرى أحد أينما نظر.

لم يكن هناك عملاء يترددون على الأقسام الكبيرة التي تمتد على الجانبين من الشارع مثل أكشاك العصائر المعروضة على رف متجر السوبر ماركت. لطالما كان هذا الطريق مزدحمًا، لكن الآن بدا مهجورًا. ولم تكن هناك سيارة واحدة تسير على الطريق العريض الذي أصبح الآن يشبه بشكل بارز مدرج مطار. كانت السيارات المتوقفة على الشارع كلها فارغة ومهجورة.

كأنه ينظر إلى طريق فلاحي في الريف البعيد.


«لا تقلق. سَجَّلَ ستَـيْل حَقْلَ رُوناتِ [أُبِلا] ليُقصِيَ الناس.»


انقطعت أنفاس كاميجو كما لو انطعن في وجهه بسيف قتال ياباني.

رجع الصوت لامرأة.

لم يرها حتى.

ليس وكأنها اختبئت في الظلال أو أنها تسللت إليه بطريقة ما. كانت تقف عشرة أمتار مباشرة أمامه، في منتصف الطريق العريض، كما لو كانت تصدُّ دربه.

لم تَغِب عنهُ لأن الطريق كان مظلمًا – بل كان هذا على مستوى مختلف تمامًا. لم تكن هناك قبل لحظة. ومع ذلك، عندما حدق وتمعن، كانت هناك.

«إنه يثير في الناس رغبةً في النفور عن هذا المكان. معظهم داخل المباني، فلا داعي للقلق.»

بلا إدراكٍ منه وبشكلٍ غير منطقي، أخذ جسده يضخ الدم في كامل جسده إلى يده اليمنى. أتاهُ ألمٌ حاد، كما لو كانت مربوطة بحبل، وهذا أخبره بشكلٍ غريب خطورة تلك الفتاة أمامه.

ارتدت قميصًا أبيض وجِنزاً –كانت احدى الساقين مقطوعة لتكشف عن فخذها– ولكنها كانت لا تزال في نطاق الملابس العادية.

وكذلك، تدلى من خصرها كاتانا طوله أكثر من مترين وكان معلقًا على خصرها ويتأرجح بنيّةِ قتلٍ باردة في النسيم. كانت الشفرة مُغمَّدة لذا لم يستطع رؤيتها، ولكن بالنظر إلى نعلها الأسود اللامع، الذي كان عليه تاريخٌ محفور مثل العمود في منزلٍ يابانيٍّ قديم، أكد أصالتها.

«كاميجو توما، من يُطَهِّرُ الإله ويَنْحُرُ الشّياطين. تحمل اسمًا حسنًا وعظيم.» [8] لكنها لم تظهر أي علاماتٍ عصبية. كانت مرتاحة البال وعفوية. وهذا ما جعلها أكثر رعبًا.

«وأنتِ...»

«أُدعى كانزاكي كاوري... وإن كان ممكنًا، أُفضِّلُ ألا أكشف عن اسمي الآخر.»

«اسمكِ الآخر؟»

«مُسمّايَ السِّحري.»

أخذ كاميجو خطوة للوراء تلقائيًا، على الرغم من أنه توقّع الرد.

المُسمى السحري – عندما استخدم ستيل السِّحر لمهاجمة كاميجو، أدلى بمُسمّاه السحري وهو "اسم القتل".

«...فماذا إذن؟ أأنتِ من نفس عصبة ستيل السحرية؟»

«...؟» استغربت كانزاكي للحظة. «أها، فهل أخبرتك إندِكس؟»

لم يُعطِها جواب.

كانت عصبة السحرة تطارد إندِكس لابتغائها المئة وثلاثة آلاف كتابٍ سحري. كانت مجموعة تقصُدُ مستوى الإله السحري، الذي يُقال أنه قادر على لَوي وتعديل نسيج العالم.

«بصراحة،» واصلت كانزاكي، مغلقة عَيْن، «أبتغي تأمين الفتاة قبل أن يتعين عليّ الكشف عن مُسمّاي السِّحري.»

ارتعش كاميجو.

لديه بطاقةٌ رابحة – يده اليمنى – ولكنه مع ذلك ارتعش واقشعر عند مواجهة هذا العدو.

«... وإذا قلت لا؟» سأل على أي حال. لم يكن لديه سببٌ للانسحاب.

«فلن يكون لدي خيار.» أغلقت كانزاكي العين الأخرى. «سآخذ ببساطة الفتاة بعدما اكشف مُسمّاي.»

وبدمدمة! اهتزت قدما كاميجو كما لو كان زلزالًا.

كأن قنبلة قد انفجرت. في رؤيته الجانبية، وَجَدَ الأفق البعيد، الذي ينبغي أن يكون طبقة من الظلام الأزرق، ملونًا بلهبٍ برتقالي. وفي البعيد، على بعد مئات الأمتار من نطاق رؤيته، رأى حريقًا هائلًا.

«إنـ... ـديكس...!!»

وكان عدوه مُنظمةً كاملة. وكان كاميجو يعرف اسم ساحر اللهب.


وفي لحظة انشغاله تلك، وصلت هجمات كانزاكي كاوري القاطعة إليه.


كانت هناك عشرة أمتار تفصِلُ بين كاميجو وكانزاكي. السَّيْف الذي كانت تحمله بَلَغَ أكثر من مترين. وبذراعيها النحيلتين، كان يبدو من المستحيل حتى أن تسحب السيف من غمده.

...هكذا يُفترض.

وبلحظةٍ لاحقة، قطع شيءٌ الهواء فوق رأس كاميجو كما لو كان شعاع ليزرٍ عملاق. تجمَّد مُندهشاً. وانقسمت عنفة هواء يمين خلفه قُطريًا إلى نصفين بسهولة تامة كأنها صُنِعَت من زبدة.

«من فضلك، توقف.» جاء الصوت من عشرة أمتار أمامه. «تجاهُلُ تحذيري سَيُودي بهلاكك.»

قد أعادت كانزاكي سيفها الذي يزيد عن مترين إلى غُمده. كانت سريعةً جدًا. وأنَّ كاميجو لم يستطع حتى رؤية الشفرة وهي تلامس الهواء.

لم يستطع التحرك.

السبب الوحيد لوقوفه حتى الآن هو لأنَّ كانزاكي تجنبتهُ عمدًا. هذا كل ما استطاع عقله استنتاجه. حتى هذا الأمر لم يبدو واقعيًا. كان هذا الخصم مُرعبًا مُرهبًا ليتفاعل العقل بسرعة.

عنفة الهواء التي انقسمت خلف كاميجو ضربت الأرض بصوتٍ مُدَوِّي.

على الرغم من أن شظايا الشفرة سقطت على الفور جانبه، لا يزال عاجزاً عن الحركة.

«...!» صرّ كاميجو أسنانه بلا إدراك عندما فكّر في ما مدى حِدّة السيف ليفعل ما فعل.

«سأسأل مرة أخرى.» فتحت كانزاكي جفنًا واحدًا. «أبتغي تأمين الفتاة قبلما أكشف مُسمّاي السِّحري.»

كان في صوتها ثبات.

وفي نبرتها برود، كما لو كانت تشير إلى أنه من السابق لأوانه أن تتفاجأ.

«...ما-ما الذي...تهذين به؟» التصقت قَدَماهُ بالأرض. ولم يقدر حتى أن يخطو للخلف، دون ذكر أن يتقدم.

حس كاميجو برجليه ترتجفان هائلًا وبتضائُلِ قوته البدنية سريعًا، كما لو أنه أنهى لتوِّه سباق ماراثون.

«لا أملك سببًا لأسلَّمها... لأمثالـ—»

«سأسأل قدرما يلزم.»

بلحظة –حرفيًا لحظة– تَشَوَّشت ذراع كانزاكي اليمنى كخطأٍ برمجي في الحاسوب.

بانفجار الهواء، تسارع شيءٌ نحوه بسرعة مرعبة.

«؟!»

رأى صورةً كإندفاع ليزرٍ عملاق صَوْبه.

كان إعصارًا ضخمًا صُنِع بشفرة تسافر بسرعة كافية لتترك فراغًا خلفها.

وبكاميجو توما في مركز الإعصار، انقطع الأسفلت، وأعمدة الإنارة، والأشجار المحاذية للطريق بانتظام بين الفترات كما لو تقطَّعت بقاطعٍ هيدروليكي مُصمَّمٍ للبناء. صدمت قطعة من الخرسانة بحجم القبضة كتف كاميجو، وهذا كان كل ما لزم لإرساله يطير، وبالكاد حافظ على وعيه.

نظر حوله وهو يُثبِّت كتفه الأيمن المتألم دون أن يُحرِّك عنقه.

واحد. اثنان، ثلاثة أربعة خمسة، ستة، سبعة... سبع قطْعات خطّية جرت على الأسفلت المُستوي على بعد أكثر من عشرة أمتار. كانت القطْعات الخطّية، التي اعترضت طريق كاميجو من اتجاهاتٍ عشوائية مختلفة، قد نحتت الشارع بطريقة تعطي انطباعًا بعلامات نحت أظافر عارية في باب من الصلب بقوة تكاد تقطعها.

سمع صوت السَّيْف وهو يعود إلى غمده.

«أبتغي تأمين الفتاة قبلما يتعين عليّ الكشف عن مُسمّاي السِّحري.»

وتحدثت كانزاكي بنبرةٍ خالية من الكراهية أو الشر، ويدها اليمنى لا تزال على مقبض سيفها.

سبع قطْعات. لم يرَ كاميجو حتى ضربة واحدة، ولكن في أقل من ثانية واحدة، نفذت سبع قطْعات [إياي]. ولو بغت، لأمكنها بسهولة تقسيم جسده إلى سبع قطع بهذه القطْعات السبع. ناهيك عن أنها أكملت سبع ضربات بسحبة نصل واحدة فقط.

من المرجح أنها فعلتها بالقوى الخارقة المعروفة بالسِّحر. لابد أنها تمتلك نوعًا من السِّحر يعزز مهاراتها في السيافة ويوسع نطاقها بحوالي عشرة أمتار. فضلاً عن أنها أكملت سبع ضربات بسحبة واحدة من سيفها.

«سيفي الـ [شيچيتن شيچيتو] يضم [ناناسِن] [9] في هجومه. وبلحظةٍ من الزمن، سيمكنه بسهولة قتل المرء سبع مرات. وإن وصَفَها الناس بالموت الفوري، فلن يكون وصفًا بعيدًا عن الواقع.»

ضغط كاميجو يده اليمنى بقوة مذعورًا.

لها سرعةٌ وقوّةٌ ونطاقٌ غالب، فلابد أن هجماتِها القاطعة تسْتنِدُ إلى نوعٍ من الخوارق كالسِّحر. في هذه الحالة، إذا استطاع وبطريقةٍ ما لمس الشفرة...

«لا تحلم بذلك.» انقطعت أفكاره بصوتها. «تلقيتُ تقرير ستَيل. لسببٍ ما، يمكن ليُمناك إلغاء السِّحر. ولكنك عاجزٌ عن ذلك ما لم تلمسها مباشرة بيدك اليمنى، أليس كذلك؟»

...كانت على حق. إذا لم يستطع لمسها، فلن تكون يده اليمنى مفيدة.

ولم تكن المسألة مسألة سرعة. على عكس هجمات ميساكا ميكوتو الكهربائية وطلقتها الريلغن، لم يقدر التنبؤ بمكان هجمات [ناناسِن] كانزاكي كاوري لتغيرها المستمر. إذا حاول استخدام الإماجين بريكر، فإن القطْعات السبع ستقطع بالتأكيد ذراعه لِفُتتٍ كثيرة.

«سأسأل قدرما أحتاج.»

لمست يد كانزاكي اليمنى هادئة مقبض سيف [الشيچيتن شيچيتو] في خصرها.

جرى عرقٌ بارد على خدِّ كاميجو.

لو قررت كف الكباح وهاجمت بنيّة القتل، فلا شك في أنه سيُقطَّع لثمانية قِطع. ما بينهما مدى يزيد عن عشرة أمتار ولها قوة تدميرية كافية لنحت الأشجار على جانب الطريق إلى شرائح رقيقة. لهذا السبب وحده، الجري أو محاولة حماية نفسه سيُعادلان الانتحار.

قاس كاميجو المسافة بينهما.

كانت بُعَيد عشرة أمتار. ولو جرى بقوة تُمزِّقُ عضلات رِجْلِه، سيصِلُ إليها في أربع خطوات.

...تحرك.

أمَرَ كاميجو بيأس قدميه التي أشعرته وكأنها مغطاة بغِراءٍ فَوْري.

«هل لكَ أن تُسلِّمَ الفتاة لي قبل أن تجبرني على كشف مُسمّاي السِّحري؟»

...تحرك!!

فَصَلَ كاميجو قدمه عن الأرض وحرّكها قليلاً للأمام. وارتعش جفن كانزاكي عندما انفجر [10] الفتى منطلقًا كالرصاصة.

«اووه...واااااههههه!!»

خطى تاليَ خُطْوَتِه. إذا لم يستطع الهروب منها، أو التجنب، أو أن يستخدم أي شيء درعًا، فلَمْ يبقى لديه سوى خيار واحد – خلق مسار لنفسه بالإنطلاق إلى الأمام.

«لا أعرف ما يدفعك لهذا الحد، لكن...»

تنهدت كانزاكي بنبرةٍ مُشفقة، و تاليًا...

[ناناسِن].

ثم حَلَّقَ الأسفلت المتكسر وشظايا الأشجار من فوقه كسحابةٍ من الغبار.

«آه...أووههه!!»

لو لمسها بيده اليمنى، سيمحوها... حتى وإن وعاها في عقله، فإن جسده لن يتحمل المخاطرة. رمى رأسه إلى الأمام وانحنى. الهجوم الذي هدَّد حياته مرَّ من فوق رأسه جاعلًا قلبه يتجمد.

ما امتلك استراتيجيةً أو أملًا في الفوز. لقد تجنبها حظًّا لا أكثر.

خطى بخطوة أخرى إلى الأمام – الثالثة من أربع – بكامل قوته.

مهما كانت غامضة هجمات الناناسِن، إلا أنها في جوهرها فقط ضربات [إياي] قاطعة: وهي تقنية تقطيع قديمة يسحب فيها المستخدم سَيْفهُ، ويضرب به، ويُعيده بسرعةٍ إلى غمده. هجوم يقتل بضربة ويَهْدي موتاً محتومًا. ومع ذلك هذا ترك السياف مكشوفاً وبلا حماية أثناء تنفيذه لهجمة الـ [إياي].

إذا وصلتُ إليها في خطوتي التالية... سأفوز.

اُستُبعِدَت ثغرة كاميجو بالصوت الصغير للسيف وهو يتحد مع غمده.

وثم لحقها صوتٌ جدًا صغير وسريع للشفرة المُغمدة.

[ناناسِن].

وبصوت هادرٍ عظيم! قُرَيْب كاميجو...

ضربته القطْعات السبع مباشرة قبلما تستوعبه ردود أفعاله.

«سحقًا...اااااااااااااهههه!!»

مدَّ كاميجو يده اليمنى للأمام محاولًا الصد، ولكنها كانت أشبه بمحاولة دفاعية لالتقاط الكرة المنطلقة على وجهه أكثر من كونها هجوم.

اقتدرت يُمنى كاميجو على إبطال جميع الظواهر الخارقة، سواء كانت قِوى مصاصي الدماء أو حتى سماوية.

القطْعات السبع بدت مجتمعة في سَيْفٍ واحد هذه المرة، ربما لكَوْنه قريبًا جدًا. انطلقت نحوه بسرعة هائلة. لو استطاع لمسها ولو طفيفًا بالإماجين بريكر، لتطايرت وتفتت كلها فورًا.

وسَيْفُ الكاتانا، المتلألئِ زُرقةً تحت ضوء البدر، لَمَسَ برفقٍ أصابع كاميجو...

...وجَرَحَهُ.

«ماذا...؟!»

لم تختفِ. حتى عندما لمس الإماجين بريكر، لم تختفِ قطْعات السيف.

حاول على الفور سحب يده للخلف، لكن الأوان فات. فبعد كل شيء، قد استخدم يده العارية درعًا ضد سَيْفِ كاتانا. واتصل السَّيْف بيده اليمنى.

نظرت كانزاكي إليه وضيّقت عيناها مُحدِّقة.

في اللحظة التالية، تردَّدَ صوتٌ بَــلِل، بَــلِلٌ بقطع اللحم.

وجد كاميجو نفسه على ركبتيه، يتجرّع الألم في يده اليمنى المُغمَّسة بالدماء.

بدهشةٍ رأى أنَّ أصابعه لم تنفصل عنه يده. لا تزال جميعها متصلة.

بالطبع، لم يكن هذا بسبب قوة أصابع كاميجو أو لأن مهارة المهاجم قد ضعفت. حقيقة أنه لم يُقطع جزء من جسده ببساطة كان شكلًا آخر من الرحمة التي قدمتها كانزاكي. هذا كل شيء.

نظر الفتى للأعلى جاثياً.

رأى البدر الأزرق المنير يُحيط بكانزاكي، وكذلك رأى خيوطًا حمراء رفيعة.

بدت كخيوط العنكبوت. شبكةً عنكبوتية مُشبعة بدماء طازجة بدلاً من الندى. وفي النهاية، استوعب ما رآه: سبعة أسلاك معدنية.

«لا أصدق...» همس. «...أنتِ لستِ بساحرة منذ البداية...؟»

كان سيفها الطويل بشكلٍ ساخر ليس إلا زينة.

بالطبع، لم يشهد لحظة سحبها للسيف. كانزاكي لم تسحبه أصلاً. لم تفعل سوى إخراج الشفرة قليلاً من غمدها، وثم أرجعتها مرة أخرى. أخفت هذه الحركة تلاعُبَها بالأسلاك المعدنية السبعة.

لم تتأذى يد كاميجو نسبيًا إذ أن كانزاكي فكَّت الأسلاك قبل ما تقطع أصابعه.

«أخبرتك. سمعتُ عنك من ستيل» قالت كانزاكي مُنزعجة. «وهكذا فهمتُ أسلوبك، فمهما بَلُغت قوّتك؛ لا تزال في صَوْبٍ واحد. خذ لعبة جانكِن مثالًا. حتى لو لعبت حجرًا لمئة عام، فلن تهزم ورقتي أبدا.»

قبض كاميجو قبضته المليئة بالدماء.

«يبدو أنك أخطأت فهم شيءٍ ما.» نظرت كانزاكي إليه الآن بعَيْنٍ مُشفِقة. «أنا لا أختلق قوتي بخدعة رخيصة. سيفي [الشيچيتن شيچيتو] ليس زينة. حتى لو نجحت في اختراق [الناناسِن]، فما ينتظرك هو [يويْسِن] الحقيقي.» [11]

«...»

قبض كاميجو يده الدامية....

«وعلاوة على ذلك...لم أعطك حتى مُسمّاي السِّحري.»

«...»

...فقبض أكثر.

«من فضلك، لا تُجبرني على نطق مُسمّاي أيها الفتى.» عضّت كانزاكي شفتها. «لا أريد ذِكْرَهُ مرة أخرى أبدًا.»

انتفضت يد كاميجو المقبوضة. كانت هذه الفتاة مختلفة تمامًا عن ستيل. لم تكن ساحرة حِيَلٍ وخدع. من أساس أساسها ومن أصل جوهرها وكينونتها، كانت مُكَوّنة من شيءٍ مختلف تمامًا عن كاميجو.

«...كما لو أنني...سأستسلم.» ومع ذلك، لم يُرخِ قبضته. استمر في قبض يُمناهُ حتى لم يعد يشعر بها.

لم تستسلم إندِكس. وتلقت ذلك الجرح في ظهرها لئلا تُوَرِّطَ كاميجو.

«ما قُلت؟... لم أسمعك.»

«قلت اخرسي أيتها الروبوت الغبية!!»

حاول كاميجو رمي يده الدامية في وجه الفتاة الواقفة فوقه.

لكن قبل أن يفعلها، اخترق مشط قدم كانزاكي صدره. خرج الهواء من رئتيه بقوة وفي الوقت عينه ضربت بغمدها الأسود لسيف [الشيچيتن شيچيتو] على جانب رأسه كمضرب بيسبول وأسقطته عن قدميه. التف جسده كاعصار وسقط أرضًا على كتفه.

قبل أن تتسنى له فرصة الصراخ ألمًا، رأى كعب حذاءها مرفوعًا ليسحق رأسه.

دحرج نفسه على الفور لتجنب الضربة، لكن...

«[ناناسِن].»

بسماعه هذا، جاءت القطْعات السبع التي مزّقت الأسفلت من حوله إلى غبار. انهمرت الشظايا عليه مثل الرصاص من كل اتجاه.

«اغ...اخخخ...؟!»

عليَّ النهوض...

كان الألم يعادل هجوم خمس أو ستة أشخاص عليه في وقتٍ واحد، وكان كاميجو يتلوى على الأرض. وعندما رأته كانزاكي هكذا، اقتربت منه أكثر ونعل حذائها يحرث الأرض.

«أيكفيك هذا؟» سألت بصوتٍ لطيف ومنزعج قليلاً. «لا سبب لك لتبالغ هذا الحدِّ لأجلها. أن تنجو لأكثر من ثلاثين ثانية ضد واحدة من أفضل عشر سحرة في لندن لأمرٌ مذهل. بعد كل ما فعلت لأجلها، لن تلومك الفتاة.»

«...»

بما تبقى من وعيه المبهم، تذكَّر.

كلامُها صحيح. لن تلومه إندِكس على أيِّ شيء.

ولكن... فكر كاميجو.

لهذا السبب بالذات –لأنها لا تزال تأخذ بكل شيء على عاتقها، دون أن تلوم أحدًا– لم يُرِد التخلي عنها.

أراد أن يُنقذها، تلك الفتاة التي تبتسم بكمال رغم معاناتها.

بينما بدا كحشرةٍ تلفظ آخر نَفَسِها، كَوَّن بيمينه مجددًا قبضة.

لا زال جسده مُستعِدًا للحركة.

لا زال قادرًا.

«...لـ-لماذا؟» تمتم كاميجو وهو لا يزال منهارًا على الأرض.

«أنتِ...تبدين مُجبَرة. أنتِ... مختلفة عن ذلك الستيل. أنتِ... تترددين في إنهاء العدو. لو أردتي حقًا، لقتلتني بالتأكيد، لكنكِ لم تفعلي... لا تزالين تحملين إنسانيةً لتتردَّدي، أليس كذلك؟»

قد قالتها كانزاكي، مرارًا وتكرارًا.

أرادت إنهاء هذا قبل أن تُجبر على إعطاء مُسمّاها السِّحري.

ساحر الرّونات المدعو سّتَيْل ماغنوس لم يُظهر ترددًا ولَوْ لجزءٍ من الثانية لفعل ذلك.

«...»

ظلَّت كانزاكي كاوري صامتة. لم يلاحظ كاميجو ذلك نظرًا إلى أنه كان على حافة فقدانه الوعي من شِدَّة الألم.

«ولذلك لابد أنك تفهمين خطأك، أليس كذلك؟ تجمَّعتُم عليها جميعًا وهاجمتموها؛ وجعلتموها تنهار من الجوع؛ وحفرتُم ظَهْرَها بسَيْف. أنتِ تعلمين وتعيين خطأكِ، أليس كذلك؟» لم تقدر كانزاكي سوى الاستماع لكلماته التي انبثقت من شفتيه كما لو كان يسعل دمًا. وأكمل الفتى، «أتعلمين كذلك أنها لا تحمل ذِكرى لحياتها قبل عام بسببكُم؟! طاردتموها وأنسيتوها ذكرياتها، فماذا فَعَلَت لَكُم حتى تستحقّ كُلَّ هذا؟!»

لم يأتِهِ جَواب.

لم يفهم كاميجو.

فرضًا فرضًا، لو كانت مطاردتُهُم لإندِكس من أجل الحصول على معرفتها المئة وثلاثة آلاف كتاب سحري ليصيروا آلهة سحرية لإيجاد علاج مرضٍ لا يُشفى لطفلٍ ما، لو كان منطلق مسعاهم من باب "الأمل"، لربما تفهّم أسبابهم.

لكن هذه الفتاة مختلفة.

كانت جزءًا من منظمة. أُمِرت بفعل ذلك. لأن هذه مُهمّتها. لأن هذا عَملُها. لمثل هذه الأسباب السخيفة طاردت فتاةً صغيرة وطعنتها في ظهرها.

«لِـ ... ـمَ؟» سأل كاميجو مرة أخرى بأسنان مُصَرَّة. «أنا تافه. أنظري لوضعي، أضع حياتي على الحافة، أُقاتل على جرف الموت... ورغم ذلك لن أستطيع حماية فتاةٍ واحدة حتى. أنا ضعيفٌ عاجزٌ عن فعل أي شيء سوى رؤيتكِ وأنتِ تَسْلُبينها بعيداً بينما أرجوكِ.» بدا الدمع ظاهرًا في عينيه مثل الطفل، «ولكنكِ مُختلفة.» لم يعرف ما كان يهذي به، «بتلك القوة، يُمكنكِ حماية أيّ ومَنْ تُريدين؛ يُمكنكِ إنقاذ كل ومَنْ تشائين...» لم يعرف حتى من كان يُحادث، «...فلماذا تفعلين شيئًا كهذا؟»

قالها.

قالها والحسرة تعتريه.

لو امتلك مثل تلك القوة، سيقدر على حماية أي ومن يُريد، حتى النهاية.

أكربهُ ذلك.

هذه المرأة كانت قويةً غالبة، و لكنها ضيّعت إمكاناتها هدرًا في مطاردة فتاةٍ صغيرة.

أحْبَطَهُ ذلك.

لأنه بدا وكأنه أدنى من ذلك.

كدَّرهُ ذلك حتى ابتغى البكاء.

«...»

وتراكم الصمت على الصمت.

لو كان كاميجو واعيًا تامًا، لأندهش بالتأكيد.

«...لَمْ...»

التي حوصِرت كانت كانزاكي.

بكلماتٍ فقط، حوصِرت واحدةٌ من أفضل عشر سحرة في لندن.

«لَمْ أنوي جرحها... اعتقدتُ أن حاجز كنيستها السائرة لا يزال يعمل، لذا... ظننتُ أنه لن يأتيها ضررٌ إطلاقاً، لذلك ضربتها، لكن...» لم يفهم مقصد كانزاكي، «لا أفعلها رغبةً مني.» وواصلت، «ولكن إذا لم أفعل ذلك، فلن تستمر في العيش... ستموت... لَوْلا ذلك.» كطفلةٍ على وشك البكاء تحدثت كانزاكي كاوري، «اسم المُنظمة التي أنتمي إليها هو... نِسِسَريوس، من كنيسة إنجلترا.»

بصقت الكلمات كما لو تقيأت دمًا.


«هي زميلتي... وصديقتي العزيزة.»

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)