الفصل الأول: الإماجين بريكر. — اَلْمُسْتَوَىٰ-صِفر(وأكثر)
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
20 أغسطس، 6:10 مساءً
في ضوء هذا المساء في منتصف الصيف، كان كاميجو توما عائدًا إلى منزله من دروسه التكميلية، وحيدًا ومنهكًا. (ما يهمني السبب. ذهابي وحيدًا إلىٰ هذه الدروس الصيفية ما هي بالطيبة لحالتي النفسية وقت هذه العطلة الطويلة)، كما فكر.
عادةً ما تبدأ هذه "المحاضرات الإضافية" في أول يوم من العطلة الصيفية. ولقد بدأت دروسه من 19 يوليو واستمرت حتى 28 يوليو علىٰ ما يبدو.
علىٰ ما يبدو. استخدامه لكلمة مبهمة كهذه كان لأن كاميجو فاقدٌ للذاكرة. ما حمل أيّ ذِكرىٰ قبل 28 يوليو. بمعنى آخر، لم يفهم حقّاً كيف أو متى تخلف المرء الذي كان عليه عن تلك المحاضرات، ولم يعرف كيف انتهى به الحال دافعًا ثمن هذا.
علىٰ أي حال، ولسببٍ ما...
وَقَفَ كاميجو مكانه مذهولاً أمام آلة بيع وحيدة علىٰ الطريق.
لا. مهلا لحظة.
نعم – أراد التمهل والتمعن في الوضع. أدخل كاميجو توما بالتأكيد ورقة نقدية بقيمة ألفي ين في الآلة. فلماذا بالله لم تُظِهر الآلة استجابةً؟ حسنًا، سيعترف. كان مدركًا عارفاً أن أوراق الألفي ين كانت غريبة في هذا العصر. لكنها ما زالت ألفي ين. (الآلة لم تصدر حتى صوتًا بعد ابتلاعها لهذا المبلغ الكبير، فما مشكلتها أربما ثارت الروبوتات وصنعت امبراطورية أم ماذا؟!) صرخ كاميجو في نفسه، محاولًا بذعر أن يرفع العتلة ليُعيد مالَهُ مرة بعد مرة.
يا لحظي!
للأسف، إذا أخرج غضبه وهز الآلة وركلها، فستُبلَغُ الشرطة بذلك لا ريب. كان واعيًا لهذه الدرجة ليعرف.
انمسحت المناطق غير المُطَوّرة في الأجزاء الغربية من طوكيو دفعة واحدة لبناء المدينة الأكاديمية، ولكن علىٰ الرغم من رفض سكانها كل الغرائب والغوامض، كُلُّ من شهد كاميجو سيُفكر في نفس الشيء الغرائبي: "حقّاً آمنا بسوء الحظ"، كان منحوسًا لهذه الدرجة.
وكتفيه تترنح خيبةً تخفض، سمع صوت كعبٍ مُسطح يضرب الأرض خلفه.
«السموحة! ممكن توقف السرح أمام ذي الآلة؟ إذا ما عندك شيء، فابتعد. سيُغمىٰ علي من الجفاف إذا ما شربت في أقرب وقت.»
وحينما سمع الصوت يخاطبه من الخلف، أمسكت يَد فتاة ناعمة ذراع كاميجو ودفعته جانباً. رغم عجزه وعيوبه، إلا أنه لا زال فتى في شبابه. ظن أنه ليبدأ قلبه ينبض أسرع قليلاً عادةً. لكن في هذه اللحظة، كل ما غمر باله هو هذا الحر الشديد الضارب ولا غيره.
ماذا، ماذا؟ أدار كاميجو وجهه، ورأىٰ فتاةً كأنها في الإعدادية {المتوسطة}. كان لها شعرٌ بني وَصَلَ الكتفين ووجهٌ "اعتيادي" جميل بما يكفي لستغني عن المكياج. لَبَسَت سُترة صيفية فوق قميصها الأبيض ذي الأكمام القصيرة. هذا، مع تنورتها الرمادية المطوية جعلته يفكر... أهذا لباس مدرسة توكيواداي الإعدادية الشهيرة؟ ومع ذلك، ما عساهُ إلا أن يتردد في وصف هذه الفتاة بأنها "مخملية". [1] كانت تتصنع وجهًا كوجه رجل أعمال اختبر لأول مرة ازدحام قطارٍ؛ فخرج يترجل إلىٰ رصيف المحطة متعبًا ومريضًا من كل شيء. ربما ضربتها حرارة الصيف كما هو.
...من ذي؟، سأل الفتى نفسه مستغربًا.
أكان يعرفها، أم أنها غريبة تتصرف بِودّية زائدة؟ كونه فاقدًا للذاكرة، كان هذا يزعجه. أكثر ما يزعج في فقدان الذاكرة هو أن تَعثُرَ علىٰ الخط الفاصل بين الناس الجدد والمعارف القدامىٰ. لم يعرف إلى أي مدىٰ عليه التعمق في هذا.
من حدس قال إنه يعرفها. ومع ذلك، شَعَرَ بأنه لا ضير من قوله شيئًا خاطئًا لمن تكون عفوية ومنفتحة مع الغرباء. (تبًا، هي خسارة خسارة، سأتكلم وأخلص!)
«...إذن. تبغين شيء يا بنت؟»
«أتعرف، عندي اسم! وهو ميساكا ميكوتو! لا أصدق أنك للآن لا تتذكره يا الغبي!!»
طارت شرارات زرقاء باهتة من بين غرتها البنية مع صرختها.
(أوه تبًا، ما ينفع معها النكات؟) بدون تفكير، اتخذ وضعية دفاعية. وحينها، اِمتد رمحٌ من البرق الأزرق المُبْيَض من غرتها كقرن وانطلق بسرعة الضوء، مستهدفةً إياه.
لو تفاعل معها بالبصر وحده، لما تمكن في وقتها. ولكن جسده تحرك انعكاسيًا قبل إطلاق الصاعقة. كأنه تذكرها عادةً إذ كان يتعرض لهذا الهجوم مرات ومرات من قبل.
لَوّح كاميجو يده اليمنى جانبًا ليضربها، كمن يضرب ذبابة مارة.
ببساطة، انقسم الرمح عالي الفولت يزيد عن مليار كعمودٍ من الماء، ثم اختفى.
الإماجين بريكر – قاتل الأوهام.[2]
لم يهم ما إذا كانت خوارق أو سِحرا أو أيّاً كان. كانت هذه موهبته الفريدة: إذا وجد شيئاً نتاج "قوة غير طبيعية"، فبلمسةٍ بيمينه؛ تُلغىٰ. حتى أنه شمل المعجزات السماوية نفسها.
«؟؟؟»
حدق كاميجو في هذه الطالبة الإعدادية (أو بالأحرى، إلىٰ هذه المجرمة القاتلة الفاشلة). وهي تعطيه وجهًا عابسًا.
تحرك جسده غير واعٍ وتجنب الهجوم. لقد اِختبر هذه الظاهرة مرةً من قبل. ذلك الرجل (الفتى) –ستيل ماغنوس– أخرج سيفًا من اللهب وأسقطه علىٰ رأس كاميجو، إلا أن الأخير صده دون تفكير، من ردود أفعاله المحضة التي سُجِّلَت في جسده...
لكن كاميجو كان فاقدًا للذاكرة.
علاوة على ذلك، علىٰ أن كل ذكرياته قد اختفت، إلا أن معرفته ما زالت باقية. كان حالةً غريبة مُحَيّرة.
في ذلك الوقت، قد تفاعل جسده بوضوح من تلقاء نفسه. وإن لم يتذكر، فقد تعرض لنفس الهجوم مع ذلك السيف اللهب من قبل.
مما يعني أن هذه الطائشة هي واحدة أعرفها. نعم. أعرفها، صح؟ تبّاً، لماذا بحق الجحيم لا أعرف إلا المجانين؟!
«ممكن توقف نظرك هذا وكأنك علىٰ حافة البكاء؟» وضعت ميكوتو يديها على وركيها. «بأي حال، إذا ما عندك شيء ثاني تفعله، فابتعد. عندي شأن مع ذي البيّاعة.»
«أه...»
تذبذبت عينيه بين آلة البيع والفتاة التي عَرّفت نفسها بأنها ميساكا ميكوتو.
لم تأبه بأي اعتبارٍ للموقف، وقد حاولت أيضًا ارتكاب القتل باء بالفشل... ولكن أسيكون مقبولاً ألا يخبرها عن أن هذه المكينة ستبتلع مالها أكيد فقط من ذلك؟ حسنًا، ما كان دقيقاً القول بأنه لا يريد أن يرىٰ خَيبتها؛ بل كان أكثر خوفًا من غضبها القاتل وتأتي تُهاجمه لاحقًا، وهو ما ستفعله بلا شك.
«هذه آلة البيع... يبدو أنها تأكل النقود دون ما تُعطي.»
«أدري» أجابت ميكوتو بوضوح.
حسنًا، بات هو الذي لم يفهم نواياها.
«؟؟؟ ستضعين مالَكِ فيها وأنت تعرفين أنها ستأكلها؟ ماذا، أهذا صندوق تبرعات لضريح ما؟»
«حماقتك ما تخلص. عندي خدعة، تمام؟ خدعة أنتزع فيها المشروب دون أن أدفع فلسًا واحد.»
«...»
أنذره إحساسٌ وحذره من هذا. إحساس سيّئٌ شديد. هذه الخدعة... أدرك أنها ربما تستخدمها كثيرًا يوميًا إذا كانت تسميها "خدعة". للتذكير، قد أكلت الآلة ورقة الألفي ين الخاصة بكاميجو. هل يمكن أن يكون سبب هذا العطل...
«أسلوب إعدادية توكيواداي – ضربة تشغيل ذي الآلة العجوزة بزاوية خمسة وأربعين!»
بشكلٍ ملحوظ، مع الصرخة النهائية السخيفة «تشي-سّا!»، ركلت ميكوتو ركلةً عالية على جانب آلة البيع، وهي ترتدي تنورة.
طب! سمعوا صوتاً صاخب لخبطة. يليهِ صوت شيءٍ يتحرك داخل الآلة ويسقط، وما لبثوا حتى طلعت علب العصير من المُوَزّعة.
«اختربت كلها، وحتى الزنبرك الذي يحفظ العصير صار ضعيفاً، أترىٰ؟ مشكلة، ما صرنا نعرف أبدًا ما سيخرج... همم، ما بك؟»
«لا شيء،» أجاب كاميجو بنبرة رتيبة تمامًا.
تحت تنورتها، ارتدت سروال رياضي قصير. شعر أن أحلامه تدمرت بشكلٍ ما.
«لحظة، إذا كنتِ من توكيواداي، فهل يعني هذا أن كل الفتيات الغنيات هناك يفعلن هذا؟»
«كل مدارس البنات كذا. كأن عندك تخيلات عنا ما تَسْوىٰ؟ اِنسىٰ.»
«...» فكّر كاميجو أن هذا كان واقعًا قاسي ومُحَطِّم. «ما هذا قصدي. أردتُ أن أسأل: أليس السبب في تعطل آلة البيع في المقام الأول هو أنكم جميعًا تأتون كل يوم وتتعاملون مع الآلة هكذا؟!»
«ما من مشكلة! لِمَ أنت غاضب؟ ليس وكأننا آذيناك...»
«...»
«همم؟ بالمناسبة، كيف عرفت أن هذه الآلة تأكل النقود...» صمتت للحظة قبل أن تكمل. «...أكلت مالَك؟»
«...»
«ها؟ فعلت؟ حقًا فعلت؟! بفف، كُفّ عن قبض يديك وأنت ترتعش بهذا الشكل. عطني إجابة! أكنت تسرح لأن هذه البيّاعة أكلت نقودك؟!»
«...ماذا ستفعلين لو سمعتِ الإجابة؟»
«بسيط، سآخذ صورة بهاتفي وأفضح وجه الأحمق للعالم— ههه، أمزح معك، أمزح! كف عن الجري واقفا نحوي كأنك تستعد لشيء، تراكَ تُخوِّفني!»
تنهد كاميجو وترك القوة تتلاشى منه.
الانتقام منها لن يعيد له مالَهُ الفقيد. كانت تلك الألفي ين وُضِعت في محفظته بِنيّة شراء ألعابٍ نارية أو مثل هذا للأخت ذات البياض التي تنتظر عودته في السكن. لا جدوى من التفكير في ذلك الآن. (علىٰ الخاسرين أن يتصرفوا كالخاسرين ويتّبعوا غرائزهم أو شيء كهذا.) أسقط كاميجو كتفيه واستدار بظهره لميكوتو.
نظرت ميكوتو إلى ظهره سَهْلُ القراءة، ويديها على خصرها، فتنهدت بتعبير محبط.
«انتظر لحظة يا أنت. كم أكلت منك بالضبط؟»
«...لن أقول. لا أقدر. لا أريد.»
نظر إلى هذه الفتاة. لقد التقيا توّاً، لكنه لم يعتقد أن إخبارها مباشرة بأنه فقد ألفي ين سيجعلها تقول "أوه كسرت خاطري يا مسكين!"، بل أن الردّ بضحكة "غواه-هَهَهَهَهَه!" كأنها جنرال من حقبة الحرب سيكون منطقيّاً أكثر.
ثم اتخذ وجه ميكوتو تعبيرًا أكثر جدية قليلاً (ربما، وبطريقة ما، شعرت بشيء من المسؤولية).
«لن أضحك. أعدك. وبالمناسبة، سأرد لك مالَك المسروق.»
ما بال هذه الطيبة المفاجئة؟! تساءل كاميجو، وعيناه تلمعان. وما وصل تفكيره أبدًا إلى حقيقة أن كل هذا كان خطأ ميكوتو في المقام الأول بسبب ركلها لآلة البيع طوال الوقت.
فها هُنا كان، خائفًا من أن يُوصَف بالأحمق الذي ضيّع ألفي ين في آلة. ومع ذلك، عندما قالت ميكوتو "قلت لن أضحك! حقًا لن أضحك، تمام؟ وربي لن أضحك!" قرر الاعتراف، مهزومًا.
«...ألفي ين.»
«ألفين؟ كل هذه الضجة علىٰ خَردة؟» [3] بعد قولها هذا، توقفت فجأة حين أدركت. «لحظة، ألفي ين؟ لحظة، تعني ورقة نقدية من فئة ألفي ين؟! وَل، أريد أن أراها! حقّاً أريد! حسبت أن كل تلك الأوراق قد انقرضت! هِه-هِه...ها-ها-ها-ها! أكيد ستخترب البيّاعة. أوراق الألفي ين ما هي حتى في مكائن المتاجر هذه الأيام! هههههه!»
كانت ميكوتو تتحمس لشيءٍ غريب. نظر إليها كاميجو وصرخ «يا كذّابة!»، ودون تفكير دفن وجهه في يديه. لهذا السبب ما أراد أن يخبرها أنها كانت نقودًا ورقية من فئة ألفي ين. استخدامه لها في آلة البيع أيضًا عنى ضمنيًا أنه يريد صرفها إلىٰ خَردةٍ أقل. كانت هذه ورقة نقدية من فئة ألفي ين. حتى موظف المتجر ذو المظهر المثالي وابتسامة منحوتة سيشهق ويتردد، ولو للحظة.
«فهمت. أجل أجل، أحسن لك أن تدعو لكي تخرج ورقتُك الألفي ين... وأنتِ، لن أقبل إذا أعطيتيني ورقتي ألف ين، أفهمتِ يا القمامة؟» قالتها ميكوتو وهي تقف أمام آلة البيع، ثم دفعت ببطء راحة يدها اليمنى نحو فتحة إدخال النقود.
ما كان كاميجو واثقاً من كل هذا.
«ولكن كيف ستُخرجين المال من هناك؟»
«كيف؟»
نظرت إليه بدهشةٍ فارغة.
«هكذا.»
بعد لحظة، انطلقت شرارات بَيْضاءُ مُزْرَقّة من كَفِّ ميكوتو وضربت آلة البيع.
دوَّى صوتٌ هائل، واهتزَّت الآلة الثقيلة بشكلٍ يبعث القلق كأن مصارع سومو قد صدمها. تصاعد جَبَلٌ من الدخان الأسود من فجوات أجزائها المعدنية كأننا دخلنا مانجا فكاهية.
تلاشى اللون من وجه كاميجو حتى صار أبيض ناصع.
«ها؟ غريب. ما نَوَيت أن أضربها بهكذا قوّة. آه، ويبدو أن الكثير والكثير من المشروبات تخرج. اسمع، ما خرجت ورقتك الألفي ين، ولكن هاك، امم، علىٰ الأقل ستُعَوّضك هذه المشروبات عن ما يعادل ألفي ين. مقبول؟ ...هَييي، لماذا تهرب؟ هَيَيييييي!»
ما اِلْتَفَّ. انطلق بأقصى سرعته محاولًا ترك كل سنتيمتر؛ كل ملّيمتر ممكن بينه وبين آلة البيع تلك.
كان يعلم عن خبرةٍ ذاقت كل أنواع الحظ السيّئ عند كل منعطف. كأنه رأىٰ المستقبل جَليّاً قبل ثانية فقط.
تبا! لا أعرف لماذا، لكن ينتابني شعورٌ واضح أن هذا قد حدث من قبل!!
حالما فكر في ذلك...
علىٰ أن إنذارات آلة البيع ظلت صامتة حتى عند ركلة، إلا أنها بدأت تزمجر بكل قوتها، لكي يسمعها من سمع، كأنها تنفث بكل شِدّةٍ سنين الحبط والسخط المتراكم.
- الجزء 2
لم يتذكر تمامًا إلىٰ أين أو كيف ركض.
ما أمكنه قوله أكيد هو أنه ركض بأقصى سرعة لحوالي عشر دقائق.
تالي ما أدركه أنه كان جالسًا علىٰ مقعد في محطة الحافلات في حَي التسوق. كان منهكًا وينظر إلى سماء أغسطس بصبغتها البرتقالية بضوء الغروب. رصد منطادًا يطفو وحيد. على جنبه وَجَدَ شاشة كبيرة تعرض أخبار المدينة الأكاديمية لليوم، بما في ذلك إعلان أن وكالة ميزوهو –وهي منظمة بحثية تدرس ضمور العضلات– قد انسحبت من مجال الأعمال.
«كف عن هربك السخيف من الواقع وخذ مشروباتك. هذه نقودك أصلاً.»
جاءت ميكوتو تجلس بجانبه، وتنهدت بإحباط ورمت عليه مجموعة من علب العصير. تمعنت بهدوء إلى عنفات الرياح وهي تدور وتدور. ربما شعرت ببعض الإحباط من أنها لم تقدر كبح قدرتها.
«...خشيت لو أن كاميجو-سان المسكين أخذ هذا العصير فسوف يتحول من متفرجٍ إلى شريك في الجريمة. تمهلي، لا ترمينها عليّ وكأني زبالة—أح، حار! لماذا فيها مشروب حساء الفاصوليا الحمراء الساخن؟!»
«كان الهدف تخريبها، لذلك لا أقدر أن أختار نوع العصير الذي يأتينا!»
«لكنني أستشعر إشارات شريرة واضحة من هذه الصودا بالفاصوليا السوداء وهذا الحليب المكثف بالكيناكو!»
«همم؟ هَيي، احسب نفسك محظوظًا، واشكر حظ ميكوتو-ساما الجيد لأنها لم تسحب أعفن اثنين—عصير الخضروات بالجارانا وحساء الفراولة بالأودين!»
كانت مدينة الأكاديمية، من جانب، مدينة التجارب.
استمتعت جامِعاتُها ومَعاهِدِها البحثية العديدة باختبار "منتجاتها" في التطبيقات العملية، لذا ستجد النماذج الأولية كالروبوتات الآلية جامعة القمامة والروبوتات الشرطية ذاتية القيادة تملأ كل زاوية في المدينة. وهذا يعني أن تشكيلة المنتجات علىٰ أرفف المتاجر وآلات البيع تختلف عن المدن العادية أيضًا...
«...كل شيء مختلف، لكنني أفكر بجدية في تقديم استفسار حول حقيقة ما إذا كان الطلاب يستلمون نفس المكافأة.»[4]
«هيّا، لا عليك! هو مقبولٌ أن تملئ نفسك بالأحلام والطموحات وتمضي خطوة بخطوة، أليس كذلك؟ أوه، إذا ما بغيت شرب هذا الصودا بجوز الهند، فسآخذه.» أخذت ميكوتو إحدىٰ العلب المروعة من ذراعي كاميجو. «علىٰ أي حال، إنكَ تهرب سريعًا من كل شيء—حتى بحكاية هذه العلب وآلة البيع. كأنكَ... كيف أقولها؟... أنتَ حقّاً قوي، لكنك تُري الناس ضعفك وحُمقك؟ كلما رأت ميكوتو-ساما هذا منك، تتولد فيها رغبةٌ في قول أمرٍ أو اثنين.»
«أتساءل لما يبدو في الناس الذين يُخطِئون مَقْصد الحديث غرورٌ غريب؟»
«ماذا قلت؟» نظرت ميكوتو إلىٰ كاميجو بوجه مخمور مستعد للشجار. «...لا أحسبها بذاك البُعد، حقّاً. هناك ضعفاء كثر يعيشون في رجفةٍ وخوف، وأقويائهم بالفخر والعِزّة. أراها حال الدنيا، لكنك مختلف. فيك قوّة تُجبِرُ أحد السبعة ذوو المستوى الخامس في هذه المدينة الأكاديمية علىٰ الرجوع خيبة، فأحلفك لماذا تهرب طوال المدينة كلما طاردك أحد، حتى لو كان مجرد جانح أو كلب تشيواوا هرب من صاحبه؟»
«؟؟؟»
كلمات ميكوتو كانت مليئة بالثقة، لكن كاميجو لم يتذكر أيّاً من ذلك.
إذا كان هذا حالُه قبل، فإن كلمات ميكوتو كانت إما تخمينًا سيئًا، أو... أربما كانت تعرف عن ماضيه المجهول؟ غير قادر على تحديد أيهما كان، قرر كاميجو أن يتماشى مع المحادثة بغموض.
«أتدري، عليك التفاخر أكثر بأنك هزمت ميساكا ميكوتو، الريلڠن. ألّا تفعل ذلك لهو إهانةٌ لا تُقبَلُ للمهزوم. أقصد، ألا ترى؟ من الآن فصاعدًا، سيفكر الجميع بهذا عني طوال حياتهم: "ميساكا ميكوتو خسرت أمام صبي يهرب من الجانحين وكلب تشيواوا؟"» ارتشفت ميكوتو رشفة من صودا جوز الهند. «لقد انتصرتَ علي. لذلك على الأقل، تحمل مسؤوليتك فائزاً، وإلا سببت لي المتاعب. فأنا أحد السبعة أصحاب المستوىٰ الخامس في هذه المدينة الأكاديمية! على الأقل حاول كفاية حتى أرفع رأسي وأقول أني خسرت أمام هذا القوي، بإنصاف وبشكلٍ علني.»
«عن ماذا تتحدثين؟ ما لي اهتمام بأخلاقيات الساموراي من فترة الإيدو، لذا...»
قبل أن يتمكن من إنهاء جملته، علقت كلمة قالتها في عقل كاميجو لعلها تُأرقه في لياليهِ لاحقاً.
"بأنك هزمت ميساكا ميكوتو"؟
وهذا يعني..... هل أنا –المتواضع كاميجو توما– تشاجرت مع بنت من مدرسة راقية مثل مدرسة توكيوادي الإعدادية، ودفعتُها أرضاً، وثبتُّها من فوق، وصرخت عليها وأبرحتها ضربًا حتى بكت واعتذرت وقالت ألا تفعلها ثانية.....؟ فهمت، طبعًا، أكيد ومن الطبيعي أن تُتلف خلايا دماغ وغد كهذا ويفقد ذاكرته. وأيضاً، ماذا فعلتَ بعد ونَسيتُ أنا؟ وأيضاً، فتاةٌ تطلب مني أن "أتحمل المسؤولية" يبدو فظيعًا كثيرًا كأنه تهديد، أتدري!!
«أغ، أغغغغغغغغغغ...!!»
«؟ ما بك، ما بك تتأوّه هكذا؟» تنهدت ميكوتو. «آآخ منك، حقّاً مُزعج، تدري؟ ماذا، استلهمت هذا من مانجا شونين أو كهذا؟» تجلىٰ غضبٌ في تعبيرها.
لم ينتبه كاميجو وهو يمسك برأسه حزيناً.
«هكذا تفعَلُها، فأنت لا ترمي لكماتك أبدًا وتكتفي بالصد، ويكون صَدّاً مثاليًا وهو ما يغيظني! هو تعجرفٌ ومزعجٌ وبغيض، ومع ذلك كانت فعالة وناجحة. وأنا لن أسمح بهذا!»
«أغغ... ها...؟»
أعاد تركيزه إلىٰ ما كانت تدردش عنه ميكوتو، ولا يزال يئن ورأسه في يديه.
أنا لا أرمي لكمات؟ إذن، هل كانت هذه نفس العلاقة السلطوية كابتسامة الوالدين المُهَدّئة للطفل؟ أكانت هي واحدةٌ أخذت النكات بجدية وكانت تُلَوّح بيديها في الهواء أو شيء من هذا القبيل؟
أنا لم أرفع يدي ضد فتاة، حتى لو كنتُ أحارب مستخدمة برق؟
...
...ليس سيئًا يا كاميجو توما.
«هَه. حقّاً لا أطيق محياك وأنت واثق، تدري بهذا؟» بدت ميكوتو لا مبالية. «خذ، أيّاً كان، اشرب عصيرك. يا رجل، أن تأتيك عطية مثل هذه مباشرة من ميكوتو-سينسي... لو كنت واحدًا من كوهاي مدرستي، لترنّحت وغشَيْت الآن!» [5]
«أغشي؟ ما من عاقل يسعد بعلب العصير هذه التي بالكاد تفي بقوانين النظافة الغذائية. إضافة إلىٰ ذلك، هذه ليست مانجا شوجو، لذا لن تجدي قصص حب في مدارس الفتيات فقط.»
«حسنًا... يا ليتها وقفت علىٰ مستوىٰ مانجا الشوجو وكفى.» لسبب ما، جنّبت ميكوتو النظر. «كل الدنيا هناك فوضى، تمام؟ أو لعلّي أقول مُضطربة. أأخبرك بما يُسمونني في المدرسة؟ سيذهلك حقّاً!»
هِه هِه هِه... ضحكت ميكوتو بصوتٍ لا يُسمع، بدون أي قوّةٍ تدعمها. حينها...
«أونيه-ساما؟» [6]
فجأة، سمعوا صوت فتاة أقرب للجرس قُربهم، وقد أبدت ميكوتو تعبيرًا كأن الجليد قد غمر ظهرها. ارتشعت زوايا فمها قلقة، وعبست بعمق.
أ-أونيه-ساما...؟! أخت من...!!
انتاب كاميجو دهشة غير متوقعة. (من تكون؟!) سارع يلف رأسه لينظر خلفه ورأىٰ فتاةً بدت في أوّل الإعدادية، تلبس نفس لباس ميكوتو، وتقف بعيدًا عنهم قليلاً. بشعر بني مربوط في ذيل توأمتين، كانت تضم يديها أمامها وتُلألأ عينيها.
«يَه يَه يَه، أونيه-ساما! يَه، يَه! كانت في نفسي أن أرىٰ أن تلك الدروس التكميلية السخيفة عيبًا لا يُناسبك، وما ظننتُ أن أراكِ تستخدمينها ذريعةً لمثل هذا!»
نظر كاميجو إلىٰ جانبه؛ فرأىٰ ميكوتو تكاد تذعر. لم يمتلك قدرة إسبرية، لكنه شَعَر بشكلٍ غريب أنها قد نقلت صرخة داخلية مباشرة إلىٰ عقله، فمنعته من التدخل.
ضغطت على صدغيها وكأنها تعاني من صداع، وبدأت تُكلّم الفتاة الغامضة.
«أمم... أريد التأكد. ما الذي قد تقصدينه بقولك هذا؟»
«أليس واضحًا، كان لأجل أن تَلقَيْن بموعدٍ مع هذا الشاب المحترم، أما كانت؟»
انطلق شررٌ من غِرة ميكوتو بصوت أزيز.
وعلىٰ ذلك لم تهتم فتاة ذيل التوأمتين. هذه المرة، أظهرت ابتسامة كاملة لكاميجو الذي كان يراقبها بصمت وجائت قِبَلَ مقعدهم بطرفة عين. (أوه، اللعنة، جاءت إلينا!) كاد أن يندفع من المقعد رغمًا عن نفسه، لكن قبل أن يفعل، أمسكت الفتاة بيده وغطتها بيديها.
«سُعدت بلقائك أيها الشاب المُحترم. أُدعىٰ شيراي كوروكو، وأنا شريكة أونيه-ساما.»
«أه.» كافح كاميجو بحثاً عن ردة فعل. كانت نظرته تنخفض بثبات إلى اليد التي أمسكتها.
«علىٰ فكرة، إن كان هذا كل ما يلزم لزعزتك، فلربما تقلق هي عليك من أن تكون عرضة.... للفاحشة أقول، أتدري؟»
تصلب كاميجو وغمغم كأنه بركانٌ يكاد يثور وبنفجر.
تمايلت ميكوتو لتقف من مقعدها جواره وقالت: «اسمعي يا أنتِ... أيبدو لكِ هذا الأبله حبيبي؟!»
بينما كانت تلك الكلمات التي ألقتها ميكوتو تسبب جروحًا غير مباشرة، أطلقت ميكوتو رمحًا من البرق من غرتها.
ولكن قبل أن تصل الكهرباء الزرقاء الباهتة إليها، تركت شيراي كوروكو يد كاميجو. وحين فتح عينيه مرة ثانية، اختفت في الهواء دون كلمة.
نقرت ميكوتو لسانها. «تشه. أنتِ وتنقُلك الآني الغبي. أُقسِمُ لو بدأتِ نشر الشائعات الغريبة، سأطاردك، تبّاً!»
أطلقت بضع رماح أخرى علىٰ الفراغ. التفت الناس الذين مروا بجانبهم ليجمعوا انتباههم إلىٰ بيري-بيري المستوىٰ الخامس. (أوه، ياله من إزعاج، كيف أُهدئها الآن؟) تساءل كاميجو بينما يضع يديه على رأسه. عندما فجأة، جاء صوتٌ من خلف المقعد.
«أونيه-ساما؟»
مرة ثانية؟! التفت كاميجو.
خلف المقعد وقفت ميساكا ميكوتو أخرى.
«إيه؟»
ما من ريبٍ وشك في أن التي تقف هناك هي ميساكا ميكوتو. كان لها شعر بني وَصَلَ الكتفين، وجهٌ ذو ملامح حسنة، بلوزة بيضاء قصيرة الأكمام، كنزة صيفية، وتنورة مطوية. ها هي تمامًا – ميساكا ميكوتو المثالية، من طولها إلى ملابسها وزينتها الصغيرة.
ولكن...
عاد كاميجو بعينيه إلى المقعد بجانبه. الشعر بني الواصل إلىٰ الكتفين، الوجه ذو الملامح الحسنة، بلوزة بيضاء قصيرة الأكمام، كنزة صيفية، وتنورة مطوية – كان من الواضح أن ميساكا ميكوتو تجلس جواره بالتأكيد.
الفارق كان في أن الفتاة التي تقف خلف المقعد كانت ترتدي شيئًا يشبه النظارات الليلية على جبينها كما لو كانت نظارات سباحة. إضافة إلى ذلك، كان لمعان عينيها أبداها وكأنها لا تركز على شيء واحد، بل كانت تُحاول مطاردة كل شيء يأتي إلىٰ مرمىٰ بصرها. تتبعت تلك العيون غير المُركِّزة بانتباه شديد قفا ميكوتو.
«...لحظة، ماذا؟ هناك المزيد منكم؟! ميساكا الوِحدة الثانية!»
كان كاميجو مندهشًا. نظر إلى وجوه الاثنتين من ميساكا ميكوتو بالتناوب. كانت تلك على المقعد بجانبه تبدو مذهولة بنفس الشكل، لكن الواقفة خلف المقعد كانت تحدق بهما بلا ملامح.
«إذن»، تجرأ وبدأ، والتفت إلىٰ خلفه، «من أنتِ؟»
انتقلت عينا الفتاة خلف المقعد إليه دون أن تُحرك رقبتها.
«"أنا أختها الصغرى،" ترد ميساكا بسرعةٍ ودقة.»
«...»
كم هو غريب نمطها في الحديث، فكر في نفسه، علىٰ أنه قرر ألّا يقول هذا. كان هناك الكثير من الناس القرباء من كاميجو ويتحدثون بطريقة غريبة. لم يدرك أنه كان واحدًا منهم بنفسه.
«ولكن اسمك لابد أن يكون "ميساكا شيء"، وتُسَمّين نفسك ميساكا؟ أنتِ لستِ ميساكا ميساكا، لا يُعقل. يُفترض عادة أن تضعين الاسم بعد اللقب، أليس كذلك؟ ألن يكون الأمر مربكًا إذا استخدمتِ اللقب ميساكا في بيتك؟»
«"حسنًا، اسم ميساكا هو ميساكا،" ترد ميساكا على الفور.»
«...»
لا يمكن أن يكون اسمها فعليًا ميساكا ميساكا، لكن يبدو أن هناك قواعد غريبة وغير مشاعة تلعب دورًا هنا.
ثم نظر كاميجو إلى ميكوتو طالبًا النجدة، وما تلقىٰ إلا إجابة صامتة عندما رأىٰ وجهها. لسبب ما، كانت تحدق بأختها الصغرىٰ (المتطابقة على ما يبدو).
«ف-فهمت، أنتِ أختها الصغرىٰ. مذهل، حقّاً تشبهان بعض كثيرًا. أيمكن أن يكون طولكما ووزنكما متطابقين أيضًا؟»
ميكوتو كانت تحدق في أختها الصغرى لبعض الوقت.
«"نحن متطابقتان على المستوى الجيني،" ترد ميساكا وتُردف. "أيضًا، هي وقاحةٌ منك أن تُثير موضوع الوزن مع فتاة،" تقول ميساكا لنفسها.»
ميكوتو كانت تحدق في أختها الصغرى لفترة طويلة حتى الآن.
«...» يا للغريبة، فكر كاميجو. «إذا كنتما متطابقتين على المستوى الجيني، فهذا يعني أنكما توأم! همم. لم أرَ توأمين متطابقين من قبل، لكن يا له من تشابه حقًا. على أي حال، ماذا تحتاجين يا توأمة-تشان؟ أستذهبين للبيت مع أختك الكبيرة؟»
ميكوتو كانت تحدق في أختها الصغرى لوقت طويل جدًا في هذه النقطة.
«"يا للفم الفالت الذي يتحدث به هذا الأحمق المتهور،" تُفكر ميساكا، لكنها تبتلع رأيها الحقيقي وتجيب على سؤاله. "لقد رَصَدَت ميساكا قوّةً مكافئة في منطقة نصف قطرها ستمئة متر تقريبًا مُتمركزة علىٰ ميساكا، لذلك جئت لأرىٰ ما حصل...»
بدت الأمور منطقية تمامًا بأن تُظهر التوأمة قدرات مماثلة لتوائمتها.
كان منطقي، لكن... بدأ كاميجو أخيرًا يخاف من نظرة وجه ميكوتو.
هذا سيئ... أهي من النوع التي تكره وجود أهلها وأقربائها أمام أصدقائها في يوم الآباء والأمهات في المدرسة أم ماذا؟ كما فكر الفتى.
«"...كانت هناك آلة بيع معطلة في الموقع، وفي حوزتكما كمية كبيرة من العصير. لم تعتقد ميساكا أبدًا أن أونيه-ساما سيكون لها يَدٌ في سرقةٍ تافهة، "كما تقول ميساكا وهي مُتحسِّرة.» كانت أخت ميساكا لا تزال واقفة بشكلٍ مستقيم ومتصلبة. «"ما هي الوسائل التي اِستخدمْتَهَا للفوز بأونيه-ساما؟" تستفسر ميساكا سعيًا للتأكيد.»
كانت تضعه تحت شبهات غريبة، فلم يكن هناك خيار آخر سوى مواصلة الحديث.
«مهلا، هناك جانيٍ واحدٍ وهي هذه هنا. ما كنت إلا مُتفرج!»
«"إنّ تقديم ادعاءاتٍ كاذبة لجريمة توجب العقاب،" تُجيب ميساكا. "نتيجةً لقياس الجزء الأمامي من آلة البيع من خلال انعكاسها، اِكتشَفَت ميساكا أن أحدث بصماتِ الأصابع الباقية هي بصماتك،" كما تتّهم ميساكا لأن معها دليلاً حقيقي.»
«مستحيل! يمكنك استنتاج كل هذه فقط بصفتك مُتحكمة كهرباء!؟»
«"أمزح،" قالت ميساكا وهي ترد بصراحة.»
«...»
«...»
ساعديني!
سحب كاميجو كتف ميكوتو وهي ما تزال تنظر إلى أختها.
ولكن مهما انتظر، لم تقل له أي شيء.
هذا غريب. عرفتها منذ عشر دقائق فقط، ولكني أجزم أنها في العادة ستستمر في الكلام حتى لو لم يسألها أحد. كيف لها أن تظل صامتة وأحدٌ يُكلمها بسوء؟
«...؟»
نظر كاميجو على الخفيف نحو الفتاة في المقعد بجانبه. ثم...
«أنتِ! لماذا تتجولين في مكانٍ كهذا؟!»
فجأة، انفجرت صيحة غاضبة من ميكوتو، التي كانت هادئة حتى الآن.
«وَل!» كاد كاميجو أن ينحني للوراء من الصرخة العالية التي قطعت الهدوء. صوت الفتيات العالي هذا اخترقت أذنيه وأشعرته بإحساس كأن مخّه تجمد.
بعد الانفجار الغاضب، عاد الصمت.
كأنها تنتظر تفاعلاً من أختها الصغرى.
أحاطهم صمتٌ فارغ، كالذي تسمعه بعد ضربة البرق.
منطادٌ هوائي كان يتجول في فسيح السماء. كانت شاشتها الكبيرة الملصقة على جانبها تُكرر أخبار اليوم التي تفيد بأن فيروس الكمبيوتر الجديد المسمى HDC.Cerberus يُحدث الفوضى على الإنترنت. صوت الإعلان كان يرن بشكل غامض.
أسفل كل هذا، كانت ميساكا الصغرىٰ، واقفة متماسكة كالعمود، تنظر إلى عيني ميكوتو بنظرة مصدومة.
«"إذا أصرّيتِ، فأنا الآن في تدريب،" تجيب ميساكا بإيجاز.»
«تد––»
استنشقت ميكوتو الهواء كأن أحدًا ضرب ظهرها، ثم أعرضت نظرها بعيد. تمتمت بشيء خفية، لكن كاميجو لم يسمعها.
«؟؟؟ في التدريب؟ هل دخلت أختكِ الجَدجمنت أم ماذا؟»
عندما يسمع طالبٌ في المدينة الأكاديمية كلمة "تدريب"، عادةً ما يتبادر إلى ذهنه الجَدجمنت الطلابية.
كما يمكن للمرء أن يستنتج من قوة ميكوتو، فإن القدرات لها سعة أكبر في إحداث الضرر من مجرد سكين. وبوجود أكثر من 2.3 مليون طالب إسبر في المدينة الأكاديمية، فهو متوقع أن تجد وكالة متخصصة للتعامل مع أولئك الذين يفقدون السيطرة.
هناك وكالتين تقمعان الأسابر الهائجة: الأنتي-سكيل، وهو فَيلقٌ من المُعَلّمين يتسلحون بأسلحة الجيل القادم، والجدجمنت، وهم فرقة تتألف من الأسابر الطلاب من مختلف المدارس.
أنتي-سكيل كانوا أم من الجدجمنت، فإنهم ليسوا إلا طُلاباً ومُعَلّمين. وبسبب ذلك، يجب عليهم أن يوقعوا تسعة اتفاقيات تعاقدية، ويخضعوا لثلاثة عشر اختبارًا مختلفًا للكفاءة، ويخوضوا أربعة أشهر من التدريب قبل أن يطلقوا على أنفسهم لقب المحترفين.
صفقت ميكوتو يديها معًا أمام وجهها، ولسبب ما، تجنبت النظر بامتياز عنه. «امم. أه، الجدجمنت؟ نعم نعم، هذا هو. هذا ما يحدث، فعندما تحدث مثل هذه، أواجه مشاكل كبيرة. مشاكل حقّاً. أو أقول عُقدة حتى؟»
قالت كل هذا بلهجة غريبة للغاية.
«مهلا، لِمَ يبدو كلامك وكأنه نصب على الهاتف؟ كلما تحدثتِ، قلّ ما تُعطيني من علم.»
«لا، ليس كذلك! كلامي واضح مُوَضّح مَوْضوح، نعم، واضح أم الوضوح!» ثم التفت ميكوتو إلىٰ أختها. «كل ما فيه أن عندي الكثير لأقوله. الكثير. تعالي مع يا أُخيّتي، ممكن ندردش شوي هناك؟»
«"ها؟ لا، ميساكا لديها جدولها الخاص،" تقول—»
«انسِ ذاك،» نظرت ميكوتو إلى أختها الصغرى في عينيها. «تعالي معي.»
صوتها المستوٍ بغرابة أثقل ذهن كاميجو لسبب ما.
لم تفعل ميكوتو شيئًا حقًا. فقط نظرت إلى وجه أختها، ابتسمت، وقالت شيئًا واحدًا. لكن هذا الشيء الواحد... فيها دورة مجهولة من العواطف غرزت مباشرة في نواة كاميجو.
نظرت إليه ميكوتو. كل ما بقي فيها الآن كان وجه طالبة إعدادية عادية تمامًا.
«طيّب، نُوَدّعك هنا. انتبه بشأن دروسك الصيفية أيضًا!»
تركت وراءها كاميجو، الذي لا يزال جالسًا على المقعد، ولفت ذراعها حول كتف أختها. بدأت الفتاتان المتطابقتان تمامًا تمشيان على الطريق العريض.
طَيّح نفسه في المقعد. ثم همس وهو يحدق في المنطاد الهوائي الطافي في السماء، «يبدو أنها علاقة عائلية.... معقدة، ها؟»
- الجزء 3
وإن كانت هناك مشكلة، فقد حملها بالجُملة.
«نعم، صحيح! ما الذي سأفعله بكل هذا العصير؟»
نظر كاميجو مُتعجبًا إلى الجبل المكون من تسعة عشر علبة مشروب على المقعد (قد أخذت ميكوتو واحدة فقط: عصير جوز الهند)، لكن في آخر الأمر، عليه أن يحملهم جميعًا بنفسه. ثلاثمئة وخمسون ضرب تسعة عشر، لذا 6.65 كيلوغرام، ها. وكما يقولون: "الغبار يتراكم جرّاً جرّا". جلبته حساباته السقيمة إلىٰ عمق اليأس حتى. كان في حالة عقلية تقريبًا كالذي يخاف المرتفاعات فالتفت ورأىٰ أسفل الجسر المعلق خطأً.
وبهذا وذاك، عاد كاميجو إلى المنزل في ضوء الظهيرة الأحمر مع ذراعين مليئة بالعلب. كان الطريق الذي يمتد عبر المنطقة السكنية ضيقاً، ما فيها سوى مساكن الطلاب على جانبيها، وما رأىٰ سياراتٍ كثيرة. ولكنه كان مكاناً إذا بدأت تحسب أن السيارات لن تأتي، فقد تطير في الهواء من سيارةٍ خرجت عائدة من مرآب.
علىٰ سوء حظه، ولكن حتى كاميجو لم يعتاد كفاية حظه السيئ ليبتسم بوجه الموت عند سيارة على بعد خمس دقائق فقط من البيت.
«عودتي ستكون هجرة» قال كاميجو، وهو يُعدل موضع المشروبات التي حملها.
كانت العلب الباردة في يديه لفترة، وقد بدأت تسرق جزءًا كبير من حرارة جسمه. لماذا أكاد أتجمد حتى الموت في عِز الصيف الياباني الحار هذا؟! ندب لنفسه.
فجأة، لاحظ كاميجو كرة تنس على الأرض عند قدميه، وانقطعت أفكاره.
هل تركها من كان يلعب هنا؟ تساءل.
«واهه، كدت أن-»
كاد أن يدعسها، لكنه أوقف قدمه فوقها ونقلها إلى الجانب قليلا محاولاً تفادي الكارثة. أوفف، كانت قريبة. لو إني تعثرت على هذا، لطاحت عليّ كارثة! كما فكّر...
...حينما فجأة هبّت رياح.
تدحرجت الكرة إلى حيث موطئ قدمه كأنها محسوبة من فاعل.
«إغغ! لحظة، يا الـ—»
وكان قد وضع وزن جسمه في تلك الساق – ما استطاع إيقاف قدمه في هذه النقطة. وقد طاح كل وزنه على الكرة بمثالية، فتعثر ساقطًا.
وقد كانت معه علب كثيرة حتى ما عاد يقدر السقوط بأمان أيضًا. ارتطم ظهره بالأرض مما دفع كل الهواء خارج رئتيه وتلوىٰ في مكانه عاجزاً حتى عن الصراخ بـ "يا لحظي".
تناثرت العلب التي كان يحملها وتدحرجت في كل مكان، تُقعقع وتُقعقع، ولكن أثناء هذا، بقي ممدًا على الأرض آخذاً نَفَسَ الدهر. ما يهم، كلها علب فلا يهم إذا انبعجت بعضها.
«ت-تبا. ما فعلت لأستحق هذا...» تنهد، فقام من موضعه أخيرًا. مشهد انتشار تسعة عشر علبة على مساحة كبيرة ضيّقت حاله. «أعليّ حقاً أن ألتقط ستة كيلوغرامات مرة أخرى؟» تذمر لنفسه. لكن ما بدا عنده حلولٌ أخرى. وفي آخرها، سيضطر إلى جمعها بمفرده، بمفرده وحيدًا.
وبعد أن مالَ لهذا، سقط ظِلٌّ مباشرة فوقه.
...سحابة؟
نظر تلقائيًا لأعلىٰ فوَجَدَ ميساكا ميكوتو واقفة.
هاه؟!
استغرب كاميجو، ثم خطى خطوة وراء من ضغط الفتاة الإعدادية الصامتة وهي تنظر إليه.
«أنتِ، هَه...؟ أما رحتِ مع أختك الصغيرة؟ امم، إذا بغيتِ عصيرًا أكثر، فأعطيكِ علبتين أو ثلاث.»
«...» ما ردت ميكوتو على ما قال.
(غريب،) فكّر، قبل أن يتذكر شيئًا. قد قالت له ميكوتو هذا، مع برقٍ مُرمى قليل: أن عليه أن يتحمل أدنى المسؤولية كونه المنتصر، لأنه هزمها. أن عليه أن يتصرف بطريقة تسمح لها بالفخر من انهزامها أمام هذا الرجل بعدلٍ وصراحة. كيف عساه يفعل هذا الآن؟ وكان هذا الكاميجو توما نفسه وقعت قدمه توّاً على كرة تنس وسقط على الرصيف وأوقع العلب في أنحاء الطريق وكان يتذمر ويتدلع من نفسه وحظه وبالكاد استطاع أن ينحني ليلتقط العلب، مشفقاً على نفسه ومُتحسِرًا. وأخيرًا...
غه؟! اقتربت كثيرًا، ورطة، بهذه الزاوية قد أرىٰ تحت تنورتها— مهلا، لكن، أما كانت ترتدي سروال رياضي قصير قبل هذا، كيف تغيّرت إلى سِروال داخلي؟!
علىٰ أنه ارتبك حاليًا بشأن أمور المختلفة، كان يدرك أن النظر مباشرة سيغضب أي أحد.
نظرت ميكوتو إلى كاميجو بعيون بدت وكأنها فقدت كل مشاعرها.
«"إذا احتجت مساعدةً، فميساكا ستساعد،" تقترح ميساكا مُتنهدة.»
«؟؟؟»
نظر كاميجو لحظة بشك في ميكوتو. كانت أبعد من التنهد – فهي تتنفس بصمتٍ أبدتها غريبة، لكن...
هذا عندما لاحظها أخيرًا تَحمِلُ نظّارات رؤية ليلية في يديها.
«أوه، أنتِ الأخت. حقاً يا فتاة، تشبهين ميكوتو كثيراً.»
«...ميكوتو؟ أه، أونيه-ساما تقصد.»
«من غيرها أقصد؟»
كعادتها تُحدد وتيرتها في الحديث.
«...فهمت. أنتِ ميساكا-إيموتو. [7] لا عجب أني حسبتُها غَيّرت من الشورت إلى هذا.»
«شورت...؟»
«لا لا، ما عليك، هو حديث في النفس لا أكثر! أحم، على أي حال، نعم! ما حكاية هذه النظارات العسكرية في يدك؟»
«"بخلاف أونيه-ساما، ما لهذه الميساكا مهارة في رؤية تدفق الكهرباء أو المغناطيس، لذا تحتاج ميساكا إلى جهاز لتُصوِّرهُما،" تُوَضّح ميساكا بأدبٍ وتفصيل.»
«...» لا تحسبين نفسكِ مهذبة فقط لأنكِ تتحدثين بكلامٍ راقي.
«"كانت الحرارة والرطوبة مرتفعتين، لهذا نزعتها ميساكا. ومع ذلك، إن كنتَ ترىٰ ضرورتها، فإن ميساكا سترتديها،" كما تقترح ميساكا.»
وضعت ميساكا إيموتو النظارات فوق جبينها، متمتمة بشيء في نفسها.
«مم. إيه؟ لكن ألم تسحبك أختك من قبل؟»
«"ميساكا جاءت من ذاك الصوب،" تقول ميساكا وتُشير.»
أشارت ميساكا إيموتو إلى آخر الطريق. ولسببٍ ما، كانت غير ما كانت فيه تمامًا.
«؟» أمالَ كاميجو رأسه مُستغربًا.
«"أياً يكن، ماذا ستفعل بشأن العلب المتناثرة؟" تسأل ميساكا. "إذا تركتها، فستتعارض مع قانون حركة المرور على الطرق وقد تُغرم بمبلغ قد يصل إلىٰ مئة وخمسون ألف ين،" تضيف ميساكا شارحة.»
«...نعم، آسف. سأجمعها جميعًا، فلا تزعجي نفسك.»
عرف أنها لم تَعنِها سوءًا أو شماتةً أو مثل هذا، لكن أن يطلب منه أحدٌ أن يفعل أمرًا وإلا أزعج الناس من حوله قد لمس وتراً من أعصابه.
وبينما كان يجمع علب العصير بصمت الواحدة تلو الأخرى...
«"إن كان لازمًا، ستساعد ميساكا كذلك،" تقول ميساكا وتقترح.»
«إيه؟ لا عليك، سأفعلها. وأيضًا، ما عندكِ سببٌ لمساعدتي، أليس كذلك؟»
ولكن بعد ذلك، وفي أسوأ لحظة ممكنة، جاءت شاحنة صغيرة تسير في الطريق السكني. توقفت بفزع أمام كاميجو وميساكا، وكرر سائقها ضرب البوق [8] بضع مرات عليهم.
«...»
دون كلمة أخرى، بدأت ميساكا إيموتو تجمع العصير الذي سبب الفوضى على الطريق. شعر بالخجل القليل لأنه جعل فتاةً لا يعرفها حقاً تساعده في تصحيح خطأه. ومع ذلك، كانت الشاحنة تزعجهم بضجيج بوقها منذ وصولها، لذا لم يتمكن حتى من قولها. بعدما راحت خياراته الأخرى، اختار المساواة بين الجنسين: كل واحد منهما يأخذ نصفاً.
لكنه وجد نفسه عاجزاً على ترك الأمر يمضي هكذا، فقال مختصرًا «آسف. سأشتري لك مثلجات في المتجر لاحقًا أو غيرها، لذا آمل أن––...!»
وبينما كان يقول هذا، نظر إلى ميساكا إيموتو مرة ثانية وابتلع أنفاسه رغمًا عن نفسه.
ما أخذت ميساكا إيموتو اعتباراً لتنورتها وهي تربِضُ مكشوفة. [9] ألْمَحَ ما يبدو أنها خطوط بيضاء وزرقاء بين ساقيها.
ولا زالت رابضة، نظرت إليه ميساكا إيموتو بوجهٍ لا مُعَبّر.
«"...ما بك؟" تستفسر ميساكا طالبةً التأكيد.»
«إيه...! لا، لا شيء، تمام؟ أبد ما عندي شيء، تمام؟»
«"تقول هذا، ولكن ميساكا رصدت اتساعًا في الحدقتين، وضيقاً في النَفَسِ، واضطرابًا في النبض،" كما تُقيم ميساكا بموضوعية. "وختامًا، تستنتج ميساكا أنك في حالةٍ مُثارة، أليس كذلك؟" تقول ميسا—»
«لا، لا شيء! حقًا لا شيء! أنا حقّاً آسف!»
«؟»
مالَ رأس ميساكا بِحَيْرة، كأنها وَدّت لو تسأل لِمَن كان يعتذر.
ثم أطلقت الشاحنة بوقاً آخر مزعج. انطلق كاميجو وكأن أحدًا قد ركله في دُبره ليعود يجمع العصير.
وما إن خَلص، انطلقت الشاحنة بعنف في دربها وبدا على سائقها الغضب. بالمناسبة، حينما مرّت الشاحنة، انقلبت تنورة ميساكا إيموتو ولم تُزعج نفسها في إنزالها.
همم... أظنني عرفت كيف أُفرق بين هاتين الأختين، فكر كاميجو متنهدًا. ما كانت ميكوتو لتترك نفسها مكشوفةً هكذا – حتى أنها ارتدت سروالاً رياضي (شورت) تحت تنورتها.
«"حسنًا، لأين تحمل ميساكا هذا العصير؟" تسأل ميساكا وذراعيها مليئة بعلب العصير.»
«ها؟ لا، يمكنني ذلك بنفسي.»
«"حسنًا، لأين تحمل ميساكا هذا العصير؟" تقول ميساكا مُصِرّة.»
«قلت لا عليك، لا داعي. ما هي بمسؤوليتك فلا تتعبي نفسك.»
«قُل وكفى.»
حَدّت صوتها ببرود. استسلم وقرر أن يترك ميساكا إيموتو تحملها.
لحسن الحظ، كان مسكنه على بُعد خمس دقائق سيرًا. كان مكانًا مغمورا تُصطَفُّ فيه المباني المتطابقة جنبًا إلىٰ جنب. في الواقع، كانت علىٰ ما يبدو الموقع الأول لعنفات الرياح في مدينة الأكاديمية، نظرًا لذهاب كل رياح المبنى إلى نفس الاتجاه.
دخلا إلى ما يشبه زقاقاً خلفيا، ثم لَفّ الفتى مقبض الباب الرئيسي ملقيًا الشك حول ما إذا كانت أنظمة الأمان تعمل فعلاً، وانطلقا نحو المصعد.
وهم في الطريق يسيران، ظهر روبوت التنظيف أمامهما واقترب. كان شكله ببساطة برميل زيت، بثمانية سنتيمترات ارتفاعًا وأربعين قطراً، بإطارات وممسحة متحركة موصولة به.
بوصفه هذا، لم يكن مشهده غريبًا شاذا في هذه المدينة الأكاديمية، ولكنّ حديث التالي مختلف. على رأس روبوت التنظيف، جلست خادمة في الثالثة أو الرابعة عشرة من عمرها، جلست بتواضع بوضعية السيزا، جالسة وساقيها مُطواة تحت فخذيها.
«هَيَا كاميجو توما!»
تسوتشيميكادو مايكا. كانت أُختَ جار كاميجو غير الشقيقة، تسوتشيميكادو موتوهارو. كانت تلبس لباس الخادمات لأنها ترتاد مدرسة الخدمات المنزلية (أي: مدرسة الخدم). من نظرة، قد تراها هاربة من المساكن النسائية بعد حدوث مصيبة لتستريح هنا قليلاً. ومع ذلك، لم يمر زمنٌ طويل منذ فقدانه الذكريات. كان يراها دائمًا هنا، وعلىٰ ما يبدو كانت تتسلل هنا بشكلٍ متكرر.
«اخترب مُكَيفي هذا الصباح، لذا جئت أُبيت مع أخي الكبير! لعلنا نصخب هذه الليلة، فاصبر علينا، تمام؟»
«...هاه، كأن مدرسة الخدم متعبة. حتى إن ما عندكم عطلة صيفية!»
«حسنًا. مدرستنا تُعلم أن الخادمات الحق لا يحتجن عطلةً وإجازة، أتدري! ما من سبتٍ وأحد في أسبوع الخادمات المتدربات، وإذا لم يضعوا بضعة أيام إجازة هنا وهناك، فلربما ننهار جميعًا.»
«لكن هل تُبتغى خادمة كسولة حقاً في هذه الحقبة الجليدية؟»
«في الواقع، وبطريقة ما، الخادمة "الناقصة" هي أكثر طلبًا من تلك المثالية، ولكن...أوه. على طاري يا كاميجو توما. أتلك التي معك نتاجات الحرب من عملية الفوز باليانصيب؟»
«لا، دفعت ثمنها كاملا (على الأرجح). أخذتها من عملٍ قذر نوعًا ما، ولكن لكِ منها واحدة إن كنتِ ترغبين.»
«إذا عندك شاي أخضر، فسآخذه.»
«...أكيد، إذا اعتبرتي حليب الشاي الأخضر شايًا أخضر.»
مَدّت تسوتشيميكادو مايكا يدها الصغيرة وأخذت حليب الشاي الأخضر المجفف من يدي كاميجو. ثم راحَ روبوت التنظيف يسير حول كاميجو وميساكا إيموتو. وهي لا تزال تجلس بوضع السيزا، راحت مايكا تودع بذراعها مُلَوِّحة.
«شيءٌ آخر أخير. أوّل حيلةٍ لإيواء فتاةٍ هاربة! لا تتركها وحدها في غرفتك ساعة الظهيرة. في مدينة مُسالمة، أسهل ما عليك في إطعامهن هي بتركهن خارجًا يتدبرن المأكل ثم تأخذهن ما إن يحلّ الليل. وإذا تركت واحدة في غرفتك على مدار الساعة طوال العام، فلن تلبث حتى ترىٰ صخب وجودها وَصَل إلىٰ الجيران. [10] وعندنا خير مثال، ألا ترىٰ تلك الراهبة تصنع صخبًا كبيرًا في غرفتك هناك؟»
ابتعد روبوت التنظيف الذي يحمل الفتاة الجالسة إلىٰ مكان ما.
«"عندك هواية في حبس الفتيات؟" تسأل ميساكا بنبرة جلفاء.»
«كفاكِ جدية. إني فقط أأوي تلك العالة،» أعلن كاميجو، ولكن... ماذا سيقول القانون في هذا الشأن؟ آمل بجدية ألا تُحسَبَ هذه "اختطاف قاصر" أو مثل هذا.
صعد كاميجو وميساكا إيموتو المصعد، والذي بدا أن كابلاته ستنكسر إذا دخل فيه متسابق سومو، وصعدا نحو الطابق السابع.
صدى صوت كهربائي رخيص كأنه "دينغ دونغ" قديم مُعلناً وصول المصعد إلى الطابق السابع. كان للمبنى السكني شكلٌ مستطيل تقريبًا، لذا أول ما رأوه بخروجهم من المصعد كان ممرًا مستقيم.
في الطرف الآخر – وقِبَلَ باب مسكنه – استُبدِلَ الدرابزين (السياج) المعدني بشكلٍ غريب. كانت من معركةٍ خاضها كاميجو قبل فقدانه الذاكرة، لذا لم يعرف لماذا، حيث يبدو أن غبيًا معيناً قد فجر الدرابزين المعدني بالنيران. عندما تمعن، وجد هنا وهناك بقعًا على الجدران والأرض بدت جديدة أيضًا.
وكانت إندِكس وهيميغامي آيسا تربضان أمام الباب تنظران إلى القطة. كانتا تنحنيان وأيديهما ممدودة نحو القطة. وكانت القطة، المحاطة والمدللة من قبل أيديهما، تتدحرج على الأرض.
«...ها، ماذا تفعلان هناك؟ هَيي! ما الحكاية؟ فقدتِ مفتاح الغرفة فعلقتِ خارجها؟» صات بهما فنظرا إليه.
«آه، توما! لا، سفينكس عنده براغيث، لذا كنا – مهلا! توما، جلبت معك فتاةً أخرى!»
التي صاحت كانت إندِكس، فتاة في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من عمرها. علىٰ أن اسمها مزيف بنسبة 100٪، إلا أنها كانت تلبس لباس راهبة ناعم ومطرز بالذهب مع خلفية بيضاء؛ بدا وكأنه كوب شاي. على ما يبدو في عوالم مُعَينة كانت تُدعىٰ بـ "فهرس الكتب المحظورة"، لكن كاميجو عاملها بدبلوماسية أكثر واعتبرها "العالة التي ظهرت من العدم".
«لعلكَ وُلدتَ تحت تلك النجوم. فتبدأ في بناء مسارات مختلفة، كأنكَ تُنشّط الأعلام والمراحل.» [11]
الفتاة التي علّقت على هذا بكسلٍ كانت هيميغامي آيسا، فتاةٌ في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمرها. كانت تبدو مثالاً ذهبيًا لعذراء الضريح، بشعر أسود طويل وزي كاهنة أحمر وأبيض. علىٰ ذلك، تَعَلّق صليب فضي كبيرة من عنقها بارزاً. كما ينبغي – كان على ما يبدو حاجزاً صُنِعَ لختم القوة التي تمتلكها والتي تُسَمّىٰ ديب بلود.
ثم تذكر أن إندِكس قد أخبرته شيئًا في هذا الصدد:
«توما، توما. لا تلمس صليب آيسا السلتيك، طيّب؟ فهو صليبٌ استُخرِجَ من جزءٍ من الكنيسة السائرة الذي يحتفظ بحاجز أدنى. إذا قارناه بالكنيسة العادية، فلعلّي أُشبهها بحمل صليب كبير فوق سطحها.»
«همم. يعني إذا لمسته بيدي اليمنى، فسينكسر.»
«............................................... نعم، كما حدث بعباءتي.»
«ممم؟ ماذا؟ ما أسمعك.»
«لا شيء! ما قلت شيء، ولا أفكر في شيء!»
بعد قولها، احمر وجه إندكس لسبب ما، وعضّت رأسه كأنها تقضم شيئاً منه. المهم، مما فهم عليها، أنه يجب ألا يلمس أبدًا، أبدًا، ذلك الصليب.
وبالمناسبة، الآن بعد أن أُخفِيَت قِواها بالصليب، تم تقييم هيميغامي بأنها صفرية المستوى من قبل المدرسة الخاصة النخبوية التي كانت تدرس فيها وكانت على وشك الطرد. ما كان غير مألوف أن تكون لدى المدارس الخاصة معايير قبول تتعلق بكون المتقدم لها من المستوى الثاني فأعلى. إذا ما اعتبرنا كيف يُعامل الرياضيون الذين قُبِلوا في الكلية بالمنحة الرياضية عندما يُصابون ولا يستطيعون الأداء، فقد تتضح الصورة أسهل في فهم وضعها.
في الواقع، إذا خلعت الصليب، ستتفعل قدرة ديب بلود مرة ثانية، ولكن ما أبدت نيّة ولا رغبة في خلعها مرة أخرى أبدًا.
مع كل هذا وذاك، طُردت تلقائيًا من سكنها الطلابي. ولكن إذا غادرت المدينة الأكاديمية، لربما يستهدفها السحرة الذين يسعون للحصول على قوة ديب بلود. حسب ما سمع كاميجو، كانت هيميغامي تتجول في المدينة دون هدف محتارة في ماذا تفعل حينما وصلت إليها معلمة كاميجو، المعلمة كوموي. أخذتها وآوَتها وجعلتها عالة مثل هذه الراهبة.
قد يعتقد البعض أنه غير مرجح أن تصادف أحدًا مثلها في مدينة بهذا الحجم، ولكن الأماكن التي تجتمع فيها الفتيات الهاربات موجودة فعلًا. كانت المُعلمة كوموي متخصصة في أشياء مثل علم النفس الاجتماعي، علم النفس البيئي، علم النفس السلوكي، وعلم النفس المروري. سمع أنها كانت تهوى الذهاب إلى تلك الأماكن، وتعثر على فتاةٍ جانحة، وتأخذها تحت وصايتها. في هذه الأثناء، نالَ كاميجو نذير شؤم أنه بعد انقضاء عطلة الصيف هذه، سيواجه "حدثاً مفاجئاً" في أن طالبًا منتقلاً أتاهم. فاتحًا مرحلة جديدةً ورافعًا علم دخولها اللعبة.
نظرت هيميغامي إلى جبل علب العصير الذي حمله وسألت: «بأي حال، ما بال جبل الكنز الذي تحمله؟ أأنت طفل مدلل لا يشرب مياه الصنبور؟»
«طبعًا لا. العصير أسوأ للبدن أصلاً.» أنهى كلامه متنهدًا وأردف. «هيّا يا إندِكس، ألستِ المسؤولة عن استهلاك الحلو؟»
«مغغ. أحب العصائر، لكنني أنفر من تلك "الحدائد". توما، افتحها لي!»
بسبب عدم اعتيادها على الثقافة الحديثة، لم تكن إندِكس قادرة على فتح أغطية العلب. ما كان الأمر أنها لا تعرف كيف تفعلها أو أنها لا تحتمل فعلها – كان أقرب لـ ، أمم، "إذا حاولتُ فتحها بقوة، سأكسر أظافري" أو مثل هذا.
ألقت إندِكس الخائفة من أغطية العلب نظرتها إلى ميساكا إيموتو التي كانت تقف جوار كاميجو، وهي كذلك تحمل كمية من العصير.
«هفف. آخٍ منك يا توما، نسبة لقائك بفتيات ذي مشاكل مرتفعة كثيراً! وكذلك، لن تسمع كلام من يقول لك ألا تتورط مهما كان. إذن، من هذه الفتاة؟ ومن أين هي؟ وماذا تعمل؟»
«إذا أردتِ رأيي. أراها فتاةً ملعونة تهرب من منظمةٍ غامضة.»
«ممكن أن تخرسا؟ وأنتِ تعاملين كل من حولي بطريقة متحيزة وكأنهم منحوسين»، اشتكى كاميجو وهو يحمل علب العصير. «على أي حال، قلتِ شيئًا لا يمر مرور الكرام، ماذا قصدتي بأن القط عنده براغيث؟»
«نعم»، أجابت إندكس بتأكيد. «أستيقظتُ صباح اليوم فوجدت أن سفينكس مغطى بالبراغيث. وأعتقد أن فوتونك ربما في فوضى تامة وكذا.»
«لا تقولي "وكذا" عليّ! لا تضعي القط في السرير يا غبية! وأيضاً، كل الشعر الساقط سيكون مزعجًا مؤلمًا تنظيفه! لحظة، ألهذا كنت أشعر بالحكة. أكان هذا سببها؟! ها!» صرخ كاميجو. «وأيضًا، لماذا تركتي الغرفة وحدها؟! ألن تتحول إلى كهفٍ شيطاني بكل البراغيث تتكاثر؟! ألهذا السبب خرجتما؟! اللعنة!»
كان مقبض الباب أمامه، لكنه تردد في مسكه.
ثم وبدون اكتراثٍ له، أدخلت إندكس يدًا في كُمّها بحثًا عن شيء.
«...أغ، إندِكس. لماذا تخبئين أوراقاً خضراء في ملابسك؟»
«اسمها مريمية. الغريب أنها تنمو خارج المدينة حولها. أتدري؟»
«...»
حسناً، استخدام الأدوية أمرٌ أساسي في مدينة الأكاديمية لتطوير القدرات. بدأت معرفةٌ طبية تتدفق إلى ذهنه كأنها خط زمن تاريخي.
"مريمية"، نبات دائمي من فئة الحشيشات، أصلها يرجع إلىٰ مكانٍ على البحر الأبيض المتوسط. يُطلق على أوراقها اسم السالفيا. غير استخداماتها الطبية، تُزرع أيضًا علىٰ أنها توابل وزينة... هذا كل ما عرفه.
«فما الذي ستفعلينه بهذه الأعشاب؟ تقضمينها حتى ترفعين نقاط الإتش بي؟»
«إتش بي؟»، وجهت إندكس رأسها. «ما أفهم لغتك الغامضة ولو إني إنجليزية، لكن المريمية تُستخدم للتطهير. أوشك أن أطرُدَ بها البراغيث كالسحر.»
«...يعتريني شؤمٌ من هذا. أستطعمين تلك الأوراق للقط؟ أم للبراغيث؟»
«أغغ. سأشعل المريمية بالنار وأدخن سفينكس بها لأطرد عنه هذا.»
«..................................................................................»
«لستُ بالغبية حتى أحرق شيئاً داخل الغرفة!»
«........................................................................................»
نظر كاميجو إلى إندكس – ووجهُها حَيل جاد، وحَيل صادق، وحَيل مباشر إلى أقصى الحدود. [12]
حسنًا، حتى البراغيث كائنات حية، لذا ممكن أفهم نفورهم من الدخان... أفهم هذا، لكن...
ثم صفقت هيميغامي يديها لا مبالية.
«لا تسكُت. هنا تُمسِكُها عند حدّها. وإلا استعد لحمامٍ بخاري عشبي للقط قريبًا.»
كاد وعي كاميجو أن يغوص في الأعماق، حتى عاد إلى السطح من كلام عذراء الضريح.
«...آه! نعم، نعم! ألا تعلمين ما أكثر ما يخيف في النار يا إندِكس؟ إذا غطيت القط بالدخان تخلصًا من البراغيث، فإن القط سيموت معها!»
حمدلله، علىٰ الأقل هيميغامي عادية، كما فكر وارتاح من أعماق قلبه. في هذه الأثناء، راحَت هيميغامي تُدخل يدًا في كُم لباس كهنوتها بحثًا عن شيء.
«...مهلا لحظة يا هيميغامي. ماذا ستخرجين من كُمّك؟»
«مم؟ إذا أصرَّيت السؤال، فأنا أبحث عن رذاذي السحري.»
ومهما نظر وتمعن في ما أخرجته، لم يرىٰ سوى زجاجة مبيدات حشرية.
«................................................... اممم. ما الذي ستفعلينه بـ... هذا؟»
«أوجّه الرذاذ السحري نحو الآفات. وأرش.»
«...مثلما قلت، القط كائن حي تمامًا كالبراغيث، فلا تأتي بمبيدٍ حشري تجريبي من صنع المدينة الأكاديمية. هل ترشين بقاتل حشرات على وجهك فورًا إذا وجدتِ عليه ذبابة؟»
نظر كلاهما إلى بعضٍ بوجوهٍ حائرة، ولو لم تكن يدي كاميجو ممتلئة، لربما خبّأ وجهه فيهما. ما الذي استصعباه حتى؟ كانا على استعداد لرش تلك الأشياء على القطة فقط من باب الخوف عليها، بهذا العنف.
وفجأة فتحت ميساكا إيموتو، بعد أن صمتت حتى الآن، فمها للتحدث.
«"إن كنا نتبادل آراءً في هذا، ألا يكون أكثر فعالية أن نرىٰ خياراتنا بعد وضع هذا العصير؟" قالت ميساكا مُقترحة، وذراعيها ممتلئة.»
«همم؟ أوه، صح. لنضعها على الأرض. آسف. لأشكرك، سأعطيك واحدة تختارينها إذا أردتِ.»
«"ما له داعي،" تُجيب ميساكا. "إذن سأبدأ بوضعها على الأرض. الطابق السابع مرتفع جدًا، لذا يُرجىٰ الحذر من إسقاط أيّ منها إلى الأرض،" كما تُحذر ميساكا مستمرة في عملها.»
جعلت حركات ميساكا-إيموتو، المنطقية والراقية تمامًا الأشبه بساعي النبيذ الفخم، من حركات إندِكس وهيميغامي تتوقفان. بدتا مصدومتين بطريقة ما على عكس طباعهما المشاغبة.
«مذهل. توما توما، أراها تكاد تبدو كالخادمة الشرفية في قلعة وندسور البريطانية»
«...ولعلها تشبه مشروع الخادمة الروبوت من العصور السحيقة.»
لم تجفن ميساكا-إيموتو على أيٍّ مما قالوه.
«"والآن فيما يتعلق بالنهج الذي يجب اتباعه مع القـ—»
«حقّاً أشيد بتجاهلك كَلامهما... لحظة، عندكِ فكرة؟»
«"—ليست ’فكرة‘، ولكن ميساكا تنصح باستخدامٍ بسيط لمبيد البراغيث التجاري،" كما تقترح ميساكا. "لابد أن فيه دواءٌ مسحوق، وبنشره على سطح جسم القطة، ستتساقط البراغيث".»
«...مم، لكنه دواء رغم ذلك. ألن يضر القطة؟»
قد يجده البعض غريبًا أن طالبًا في مدينة الأكاديمية يقول ذلك – حيث تضم المدينة العقاقير والمخدرات في مناهجها – ولكن مهما كان ما يعتقده المرء، فإن هذه القطة لم تبلغ حتى عامًا واحدًا. تختلف معايير الأدوية "الضارة" و"المتقبلة" بالنسبة للإسبر، حيث أن الأسابر قد طوروا مناعة ضد الأدوية على مر السنين.
ومع ذلك، ما بدت ميساكا-إيموتو تعطي الأمر أيّ اعتبار (وهي أصلاً ما امتلكت تعبيرات في المقام الأول).
«"لا دواء في الدنيا لا يضر،" تجيب ميساكا فورًا وبثقة. "بين ضرر البراغيث وضرر الدواء، فربما تكون الأولى أكثر خطورة،" تضيف ميساكا.»
«...»
«"الضرر الناتج عن الآفات مثل البراغيث والقراد ليس شيئًا ينتهي بحالة بسيطة مثل التهاب الجلد،" تضيف ميساكا. "في أسوأ الحالات، ربما يكونون سببًا في إحداث ردة فعل تحسسية تُهَدّد الحياة،" كما تقول ميساكا تخشى.»
«ممه.» تأوّه كاميجو خارسًا.
حسنًا، يُقال إن سوء استخدام الأدوية الباردة مرتبط بانخفاض مستويات المناعة، لكن إن عانى المرء من كوابيس الحمى التي تصل إلى أربعين درجة، فلا خيار إلا تناول بعضها... أفهمها، أفهمها منطقياً، لكن عندما أنظر إلى هذا القط يتدحرج هنا وهناك على الأرض، يعتريني شعورٌ غير منطقي لا يتركني أقبل هذا لسببٍ ما. حسنًا، لَعلّ التدحرج على الأرض هكذا هو إجراء يتخذه ليتخلص من البراغيث على جسده بأسرع ما يمكن، أظن...
أما من حلٍّ آخر دون المخدرات؟ ربّع كاميجو يديه وهو يفكر، حينما تحدثت ميساكا-إيموتو.
«"المقصد هو التخلص من البراغيث من سطح جسم القط دون استخدام دواء، صحيح؟" تؤكد ميساكا. "بالطبع، شرط أن لا نستخدم دخاناً أو مبيد."»
«...اسمعي، لا أظن أن أحدهما يفعل هذا بسوء نية.»
«"إن كان الأمر هكذا، فإن غياب الخبث يعني أنهما خارج نطاق الخلاص،"» ردت ميساكا الصغرى بنظرة مندهشة، وما زالت بلا تعبير تمامًا. «"على أي حال، أنت من عليه الإشراف على هاتين الفتاتين،" تُحذر ميساكا. "إذا لم تبعدهما عن القط فورًا، فلربما تُطبق قوانين الضرر الملكية في هذه الحالة." تقول ميساكا وتضيف.»
«...مما يُذكرني...قانونيًا، هل تُعامل حياة الحيوانات على أنها ممتلكات؟ حدرنا كثيراً.» فكر كاميجو بجزء من الجدية أنه يجب صياغة قوانين جديدة لهذا الباب. «على أي حال، لنعد إلى الموضوع. إذن، برفض أفكارٍ مجنونة كالدخان أو المبيدات أكيد، كيف ستتخلصين يا ميساكا-إيموتو من البراغيث؟»
ارتفع كتفا الراهبة وعذراء الضريح في وقت واحد.
«فهمت. توما سيعتمد على الفتاة التي قابلها للتو بدلاً مني. فهمت، فهمت.»
«وهكذا. تختفي الشخصيات القديمة. هَهَهَه. حقّاً بعيدون عن الخلاص.»
«...»
قرر كاميجو التجاهل.
وهي تنظر إلى وجهه التعب، تكلمت ميساكا إيموتو بلا تعبير، «"سأسأل مرة أخرى. الهدف هو التخلص من البراغيث على سطح جسم القط دون اللجوء إلى المبيدات الحشرية أو الدخان وأيضًا دون الاعتماد على الدواء، صحيح؟" تؤكد ميساكا لآخر مرة.»
«حسنًا، نعم، ولكن كيف؟»
«"هكذا،" تُجيب ميساكا وتبدأ على الفور.»
رفعت ميساكا الصغيرة كفّها نحو القط المنسدح.
حينها، انفجر صوت كهرباء ساكنة من يدها. وسقطت جثث البراغيث من فراء القطة كأن رمالًا هُزّت ورُشت في جميع أنحاءها. انتفض شعر سِفِنكس وانتفضت البراغيث من حوله، ترنح ومشى – وقبل أن يُلقي نفسه من الطابق السابع، أمسكت هيميغامي عنقه تمنعه.
«"لقد دمرت ميساكا البراغيث فقط باستخدام تردد معين،" كما توجز ميساكا. "يُباع هذا النوع من مواد طرد الحشرات بشكل عادي في المتاجر الكبيرة، لذا يجب أن يكون آمنًا وسلسًا."»
نظرت إلى الباب وقالت. «وبالنسبة للغرفة، أعتقد أنه من الممكن استخدام نوع من المبيدات الحشرية النوعية ذات الدخان، بها تقضي عليها بسهولة،" كما تُقدم ميساكا تقريرها.
«والآن، ميساكا تستأذنكم.» أعطت ظهرها وسارت بعيدًا دون انتظار الشكر.
راقبت إندِكس ظهرها وهي تبتعد، ثم أخيرًا قالت بإيجاز، «توما، توما. أظن أن هذا ما يُسَمّونه "بالجمال الكامل والبهي"»
مُستغلاً الفرصة، تدخل كاميجو بمثلٍ "مساواة" قصير:
«لَعلّي أطلب الكثير، ولكن ألا تتعلمين منها القليل؟»
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)