-->

الفصل الرابع: فِهْرِسَة عالَة مُعَيَّنة. — سَهْمٌ_صُنِعَ_مِن_أزوسا.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء الأول (31 أغسطس__3:15 ساعة العصر.)

مدينة الأكاديمية.

مدينة خصصت لتنمية الأسابر — ذوي القدرات، نشئت من خلال استصلاح مساحةٍ كبيرة من الأراضي في غرب طوكيو. تشغل ثلث مساحة طوكيو تقريبًا وبلغ سكانها 2,3 مليون نسمة أو قليل. ثمانون بالمئة منهم طلابٌ أيقظوا نوع من القدرات، وبها تصانيف على مقياس مُكونٍ من ست درجات، من المستوى صفر إلى المستوى الخامس.

في هذه المدينة، لم تكن هذه القدرات مفاهيم غامضة – بل كانت فكرة علمية بحتة، يمكن لأي كان أن يوقظها من خلال إتمام المنهج الأكاديمي.

وفي زاوية من هذه المدينة المثيرة للشكوك قليلاً، كان طالب عادي تمامًا يُدعى كاميجو توما غارقٌ في واجباته الصيفية. ودفن وجهه بين يديه.

«فكّوني، أي هراء هذا "تحليل العوامل"؟! آخخ خرا على الرياضيات! المفروض تكون لها إجابة واحدة فقط، وليس اثنتان!» صرخ كاميجو وانسدح على ظهره، كأنه يفر من مسائل الرياضيات المبعثرة على طاولته الزجاجية. كان صبيًا فكاهيًا – من النوع الذي يلقي بخطابٍ كلما أصابته سوءة. حتى عندما يفرغ من الرياضيات، ينتظره تقرير كتابي عن التاريخ الحديث وواجب منزلي في اللغة الإنجليزية. شعر بأعصابه تكاد تنهار.

(آغغ...)

نظر إلى يده اليمنى وهو مستلقٍ على الأرض.

الإماجين بريكر — القوة الساكنة في يُمناه. سواء أصابه رمحٌ من البرق بمليون فولت أو كرة من اللهب بدرجة تزيد عن ثلاثة آلاف، إذا كانت قوة خارقة للطبيعة، يمكنه إبطالها بمجرد لمسها. كانت قدرة رائعة... لكنها لا تفيده شيئا عند واجباته.

كان التاريخ والوقت الحالي 31 أغسطس، الساعة 3:15 مساءً.

ماذا سيفعل؟ تساءل، وكاد بجدية ينهار ويبكي على الأرض.

وبالطبع، نفدت قهوة المتجر اليوم، وتعرض لمضايقات من أوغامي وتسوشيميكادو، وطلبت منه ميكوتو التظاهر بأنهما يتواعدان، فطارده ساحر أزتيكي اتضح أنه تحول إلى صورة أونابارا ميتسوكي. كان الأمر رهيبًا. ولا يزال لديه كمية كبيرة من الواجبات ليكملها.

ولإضافة الملح على الجرح، كشفت رؤيته المقلوبة لغرفته فتاةً تطالع التلفاز ومعها قط غبي دس وجهه في كيس رقائق البطاطس بجانبها، مُحقق بهذا كل أحلامه الجامحة.

كان اسم الفتاة إندِكس.

على ما يبدو، كان اسمها اختصارًا لاسمٍ سخيف هو "إندِكس لَيْبرورُم بروهِبِتورُم" (فهرس الكتب المحظورة).

كان لها جسدٌ أجنبي ببشرةٍ بيضاء وشعرٍ فضّي وعينان خضراوان. إضافةً، كانت ترتدي رداءً فخمًا يشبه فنجان الشاي مصنوعًا من الحرير الأبيض الخالص ومطرزًا بالذهب، وكان ذلك كافيًا ليمنحها طابع العصر الفيكتوري في القرن التاسع عشر. في الواقع، لم يعرف كاميجو بحق كيف بدا العصر الفيكتوري. وكان هذا مجرد تخمين منه.

مظهرها وصفها – لم تكن من سكان مدينة الأكاديمية السعيدة المرحة المفعمة بالعلوم.

في الواقع، جاءت من عالم معاكس تمامًا – عالم السحر. لم تكن ساحرة بنفسها، ولكن شَرّها ربما جعلها في مستوى أعلى من ذلك. فبفضل استخدامها وسيلة معينة، كانت الوحيدة في العالم التي تعرف كل شيء عن جميع أنواع السحر.

وكانت هذه الفتاة الساحرة الحقيقية تهز رأسها، وعيناها مثبتتان على التلفاز.

بالمناسبة، كانت الآن تطالع أنمي — قصة خيالية — لمغامرات الفتاة السحرية، يُعاد بثه لعطلة الصيف.

«أرى! هذه الفتاة ‹ماجيكال باور كانامين› تخدع عيون الصليبيين في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية المشهورين بالألبجينيين عن طريق أن تندمج كطالبةٍ عادية. لكن ما هذه العصا المتلألئة كقوس قزح — أوه! لقد أنتجوا جزءًا من عنصر الأثير، عصا اللوتس، أكانت؟! لا أتوقع أقل من هذا من أرض الأساطير اليابان. أسلوبها الشرقي لجميل بحق!»

(لا، ما هذا إلا العنصر الاستراتيجي العالمي للأوتاكو التي تفتخر به اليابان — الأنمي.) فكر كاميجو في الرد على الفتاة الساحرة الحقيقية، المتأثرة بجدية بما كان على التلفاز، لكنه قرر التراجع. كان عليه للتركيز على فروضه المنزلية

«اسمعي، لن أقول لكِ ألا تشاهدي التلفاز أو تصمتي، لكن هل من فضلك تخفضين صوته وصوتك! أيّ انحراف طفيف في التركيز هو مصيريٌّ لي هنا!»

«هَه؟» استدارت إندكس منزعجة. «أشاهد التلفاز فقط لأنك لا تلعب معي. غير هذا، أين ذهبت ظهر هذا اليوم؟ وماذا عن تلك المكالمة؟ كنتَ تقاتل ساحرًا بالسر؟ ألم تتعلم درسك بعد؟»

«مم... أقول لك، لم يكن هناك شيء. إني بخير، أترين؟ لم أقاتل هذه المرة أو أي شيء. أنهينا كل شيء بحديث مسالم. كما تعلمين، الأزتيكيون حقًا محترمون.»

«إذن أيُّ فتاةٍ سيئة الحظ دافعت عنها هذه المرة؟»

«اسمعيني! أصارت رسميةً أنه في كل مرة أقاتل، يحدث ذلك؟!» صرخ كاميجو، لكن إندكس تنهدت باستسلام، متعبة.

«أظن أنه لا جدوى من الحديث عن شيء بعد انتهائه. بالمناسبة يا توما، في بعض الأحيان لمّا تتركني، أكون وحيدة طوال الصباح فأهرب إلى عالم التلفاز.»

«طيّب طيّب، لنلعب دور الفروض المنزلية الوهمية. عليّ أن بمسائل الرياضيات، وعليكِ أنتِ بواجب اللغة الإنجليزية.»

«...لا أريد أن أفعل شيئًا مملًا كهذا،» تنهدت مرة أخرى. «أوه، توما، شكرًا لك على المانجا. تركت الكتب هناك، تمام؟»

«هناك — هَيي!!»

لم يجد كاميجو الكلمات. كل مجلدات المانجا التي وضعها سلفاً في رف الكتب باتت في فوضى كبيرة على الأرض، كأن زلزالاً ضربها.

«لماذا... لماذا؟! الطاقة ما تأتيك إلا وقت ما يضيق وقتي؟ لحظة، أنتِ من صنعتِ هذه الفوضى، لذا أعيديها إلى الرفوف بشكل صحيح!»

«طيّب، أنا أعرف موضع كل واحدة، لذا لا مشكلة!» أعلنت بهدوء، وهي لا تزال تشاهد التلفاز.

انخفضت كتفا كاميجو، وتنهد بنفسه. الهدف كله من الحفاظ على الأشياء مرتبة هو وضعها في مكان يسهل تذكره. الشخص الذي يمكنه تذكر مكان كل شيء لن يحتاج حتى إلى ترتيب المانجا في خزانة الكتب بترتيبٍ مُعَيّن.

إندِكس كانت في الأساس مكتبةً من الجريموار. حفظت كل حرف من مئة وثلاثة آلاف كتابٍ سحري من جميع أنحاء العالم، مثل ‹الغصن الذهبي› - ‹كتاب م› - ‹الهرمسية› - ‹العقيدة السرية› - ‹المقالات الأربع›. ربما حَفِظَت مواضع كل كتاب في هذه الفوضى بمجرد أن أخذتها.

«آآهخخ، أهكذا تُجزين من يعطيكِ أغراضه؟»

«لكن هذه الطريقة أسهل للتذكر»، قالت، وكأنها غير سعيدة تمامًا. «وبعد، لو أنك نظفت غرفتك دون أن تفكر، ستفقد أقلامًا وغيرها من أشياء. أنظر يا توما، أين اختفى واجبك لليابانية الكلاسيكية؟»

ماذا؟ نهض كاميجو ونظر إلى الطاولة الزجاجية.

لم يكن هناك.

انتهى منها أخيرًا وثبت جبل الأوراق كلها معًا، لكنه لم يكن موجودًا.

«ماذا؟ هَيي، مهلا! أين ذهب؟ كان هنا للتو!»

«في مثل هذه المواقف، دائمًا ستلقاه في مكانٍ سخيف وغير متوقع، أليس كذلك؟»

«ابعدي تلك الابتسامة الهادئة! أرجوك، ساعديني في البحث!! غيااه!»

تردد صراخه عبر مسكنة الصيفي.

المنطق السليم أخبره أنه خرج من الغرفة ... ولكن لسببٍ ما، شعر كاميجو بإحساسٍ قوي بأنه لن يرى واجبه في اللغة اليابانية الكلاسيكية مرة أخرى.

  • الجزء الثاني (31 أغسطس__4:00 ساعة العشي.)

كانت شوارع المدينة في 31 من أغسطس شبه خالية.

ثمانون في المئة من سكانها كانوا طلابًا. لهذا اليوم فقط، قضى معظمهم آخر ساعات عطلة الصيف يُنهون واجباتهم المنزلية. قعقعات العنفات الهوائية المتصادمة التي حلت محل الأعمدة الكهربائية كانت الصوت الوحيد في الأرجاء.

سارَ رجلٌ في الشوارع المهجورة، حيث تمايل سراب الحر ذهابًا وإيابًا.

كان الرجل في المدينة الفارغة ملفتاً.

ضربت الشمس الحارقة بقوة. وحرارة الصيف في أواخر أغسطس ما كانت لترحم. ومع ذلك، غطى الرجل نفسه من عنقه إلى أخمص قدميه ببدلة سوداء، تعلوها ربطة عنق سوداء. كان من السهل تخيل أن للرجل الكبير عضلات ضخمة خشنة تحت ملابسه. كانت عيناه مغلقتين، ورغم الحرارة، لم تكن لديه قطرة عرق واحدة.

بدا وكأنه إما عضو في الياكوزا أو أحدٌ ذاهب إلى جنازة ياكوزا. هذا كل ما يمكن أن يكون عليه.

ولكنه ارتدى شيئًا واحدًا على ذراعه اليمنى لا يتماشى مع ملابس جنازة الياكوزا — مِتشَطٌ ياباني. [1] وما تثبت في هذا المتشط كان قوسًا ياباني مطليًّا بالأسود ويشبه القوس القذوف. كانت آلية معقدة، معدة بحيث يسحب الخيط ويطلق السهم بنقرةٍ من يده.

كان اسم الرجل الغريب ‹ياميساكا أوما›.

كان رجلاً لا تَحُدُّه الأفكار العلمية — كان ساحراً.

«إندِكس لَيْبرورُم بروهِبِتورُم... فهرس الكتب المحظورة.»

ولكن شفاه الرجل القاسي تحدثت اللاتينية بسلاسة. الجميع يعرف هذا الاسم. كان اسم الفتاة التي حفظت مئة وثلاثة آلاف جريموار في عقلها. وبمعرفةٍ بهذا القدر، يمكن للمرء أن يحقق أي أمنية لديه، ويَثني العالم وقوانينه لإرادته.

لذا بالطبع، هناك العديد من السحرة الطامعين بهذه القوة.

«همم. ما زالت بعيدة،» قال ‹ياميساكا› لنفسه، وكان خطوه ثابتًا.

قد خاض معركةً للدخول إلى المدينة. كانت مدينة الأكاديمية محاطة بجدار عظيم، وكانت هناك قوة حراسة مخصصة لمنع الغزاة.

لم يقتلهم ياميساكا، لكن بعضهم ربما يقلق بشأن الآثار اللاحقة لاحقًا. فكر في الأمر لكنه لم يتوقف. الاستسلام الآن سيكون بمثابة البصق في وجوه من ضحى بهم لهذا. وإذا بدأ، فعليه أن يمضي حتى النهاية.

مشى ‹ياميساكا أوما› عبر الشوارع المليئة بالسراب.

كان لديه هدف واحد فقط — غرفةٌ في سكنٍ طلابي مُعَيّن.

  • الجزء الثالث (31 أغسطس__5:05 ساعة المغرب.)

وجاء وقت تحضير العشاء سريعًا، وأخيرًا عثروا على واجب اللغة اليابانية الكلاسيكية المفقود.

إندِكس، التي وجدته، رسمت على وجهها ابتسامةً عريضة.

«روعة، ما توقعت أبدًا أنه تحت أكوام المانجا الكبيرة تلك! إذن يا توما، هل أبليتُ حسنًا؟ ها؟ هيّا، أما عندك ما تقوله؟»

«أنتِ من صنعتِ الفوضى أول الأمر! هذه إساءة، ما هي إلا إساءة! أعيدي كل مجلدات المانجا إلى خزانة الكتب في الحال، فهمتِ؟ واعتذري لي!!»

«لا دخل للمانجا بهذا. سفنكس هو من سرق واجبك في فمه.»

كان سفنكس اسم القط الكاليكو الذي كان كاميجو يربيه – وليس بالطبع المخلوق الأسطوري المصري الذي يقتل الناس إذا لم يُجيبوا على ألغازه. (م.م: سفنكس = أبو الهول)

بدا الجاني مفتونًا تمامًا ببرنامج الطبخ الذي استغرق ثلاث دقائق على التلفاز. كان يضرب الشاشة بمخلبه.

تنهد كاميجو تنهدًا.

كانت الساعة بعد الخامسة بقليل. تبقت أقل من سبع ساعات حتى يوم غد. إذا خاطر بكل شيء في سهر طوال الليل، فسيبقى عنده خمسة عشر ساعة فقط حتى يبدأ الدوام. هل يمكنه إنهاء أسئلة الرياضيات، وحزمة اللغة الإنجليزية، وتقرير الكتاب الياباني في هذا الوقت؟

(ولقد أضعت وقتاً كثير في البحث عن واجب اللغة اليابانية الكلاسيكية...)

من ناحية أخرى، بدت إندكس منزعجة من عدم إغراقه لها بالثناء.

«توما، توما! أديتُ عملي، لذا أريد مكافأة تجزيني... أريد أن آكل. وأظن ذلك الشيء على التلفاز يبدو شهيًا.»

«...»

استدار رأس كاميجو بصمت مع طقطقةٍ نحو التلفاز.

بدا برنامج الطبخ ذو الثلاث دقائق موجهًا للأطفال خلال العطلة الصيفية، لذا كان يعرض كيفية صنع برغر التوفو.

استدار رأس كاميجو ببطء نحو إندكس.

أركان شفتيه ارتفعت فجأة بابتسامة غير طبيعية.

«...سأقتلك.»

«لماذا انزعجت كثيراً؟ توما، إنكَ غاضبٌ من جوع. تريد أن تأكل ذلك أيضًا، صحيح؟»

«حسنًا، إن كان لي الخيار، فنعم. ولكن كما كنت أقول طوال الوقت، لا وقت لي لأعد–...!»

«استمر على هذا المنوال، وسينفجر رأسك. عليك أن ترتاح قليلاً.»

«آغغ! هذا ألطف شيء لم أرد منكِ قولها الآن!!»

«هيّا يا توما، لا تمسك رأسك هكذا. هه؟ أين ذهب واجب الرياضيات الذي أشغلك للتو؟»

«آه؟»

نظر كاميجو إلى الطاولة الزجاجية.

لم يكن هناك.

  • الجزء الرابع (31 أغسطس__5:30 ساعة المغرب.)

أمام السكن الطلابي المذكور، نظر ‹ياميساكا أوما› إلى الطابق السابع، على الرغم من أن عينيه كانتا مغلقتين غالب الوقت، فلم يكن لإيماءته أيّ معنى حقًا.

«ها هو،» قال لنفسه، وهو يحرك مِتشط ذراعه اليمنى. انسحب الوتر المتصل تلقائيًا بالآليات الموجودة بالداخل. ومع ذلك، لم يكن هناك سهم في القوس الأسود.

«وتر العاصفة.»

ومع ذلك، أطلق ياميساكا السهم. -بشش!- جاء الصوت الحاد لوتر قوسٍ يخترق الهواء. تردد صداه في شوارع المدينة الصامتة، وكان واضحًا بشكل مدهش.

زأرت هَبّةٌ من الريح قرب قدميه.

لم يكن بإمكانه رؤيتها لأنها كانت شفافة، ولكنها كانت كتلة من الهواء بحجم كرة الشاطئ تقريبًا.

وازن قدمه وقفز قليلاً، ليهبط على قمة الكرة الهوائية غير المرئية.

-غشش- فداسها بقدمه بسهولة.

ثم صدر صوت نابض من الهواء، فارتد جسد ياميساكا وطار مباشرةً في الهواء لأعلى.

طار مباشرةً على محاذاة جدار السكن لعدة أمتار.

عندما وصل إلى وجهته —غرفة كاميجو توما في الطابق السابع— أمسك بحافة الشرفة ليوقف صعوده، ثم نزل بقدميه على الحافة. وفي نفس الوقت، سحب وتر القوس.

«وتر الصدمة.»

طعع!!

أطلق القوس موجة صدمية غير مرئية في نفس الوقت الذي أصدر فيه وتر القوس صوتًا. حَطَّمت تمامًا لوح الزجاج الرقيق ككرة هدمٍ خفية.

ترددت صرخة الزجاج المحطم في المنطقة بأكملها.

سقطت أمطار من آلاف قطع الزجاج داخل الغرفة. لم يهتم بما كان سيحدث لمن وقف أمامها. دخل إلى الغرفة ليأخذ إندِكس.

ولكن...

«رحلوا؟»

نظر ياميساكا في حيرة. لم يرى أحدًا في الغرفة. فحص الحمام ليتأكد، لكن لم يكن هناك أحدٌ أيضًا. بدا أنهم غادروا.

لا يزال محتاراً، عاد إلى الشرفة محبطًا. كان زجاج النافذة لا يزال محطمًا إلى أشلاء، لكنه لم يكن ساحرًا يهتم بهذا.

همم. حك رأسه بغباء.

«وتر الكنس.»

جعل الوتر يصدر صوتًا يشبه السونار. تردد صوته الصغير بشكل مذهل. مسح لسانه المدينة في أقل من لحظة، وأخبره بموقع إندكس الحالي.

  • الجزء الخامس (31 أغسطس__6:00 ساعة الغسق.)

«...ينتابني شعور سيئ...» قال كاميجو توما لنفسه. كان جالسًا الآن في مطعمٍ عائلي مُكيف. (لماذا جائتني هذه القشعريرة؟) تساءل محتاراً. لقد أغلق الباب خلفه، لذا لا ينبغي أن يقلق بشأن اللصوص، لكن...

على أنه كان 31 أغسطس، إلا أنه وجد أناسًا خرجوا للأكل. أعلن المحاربون هدنةً مؤقتة ليستعيدوا طاقتهم في مختلف المتاجر والمطاعم ومحلات لحم البقر. ومن بعدها سينطلقون مرة أخرى إلى ساحة المعركة، حيث كانت مواجهتهم مع الواجبات المنزلية على مكاتبهم تنتظر. فبعد كل شيء، لم يتبقَ سوى ست ساعات حتى نهاية العطلة الصيفية.

«توما، توما، ماذا أختار؟ هل لي أن اختار أي شيء أريد؟»

كانت تجلس أمامه إندكس، تحدق في القائمة الضخمة بسخافة، وعيونها تتلألأ كطفلة تنتظر بابا نويل. أيضًا، هذا المطعم كان يسمح بالحيوانات الأليفة — سياسة ثورية إن وجدت — لذا كان القط الغبي ملفوفًا على حِجر إندِكس.

تنهد الفتى.

ذهب إلى المطعم ليُغيّر الأجواء (ولأنه لم يملك وقتاً لطهي العشاء). كانت خطته هي أن يأخذ الأمور بجدية ويُغرق نفسه في صيد متوحش لواجباته الصيفية... لكن يبدو أن الفتاة معه لم تفهم ذلك تمامًا.

هز كاميجو رأسه دون أن يرفع عينيه عن ورقة التعبير التي اشتراها من المتجر. أراد إنهاء تقرير الكتاب دفعة واحدة. لسوء الحظ، اعتراه شعورٌ داخلي بأن أشياءً أخرى ستحصل له.

«هَيي، توما. هَيي هَيي، توما. هل لي أن أطلب ما أريد؟»

«ماذا تريدين؟ فقط أطلبي أي شيء!»

«طيّب، إذن هات لي أغلى ما في القائمة!»

«...» ابتسم بحلاوة. «تمام، إذن البيض النيء أبو ألفين ين.»

أمكنه سماع زئير روحها تنادي اسمه بغضب.

في نهاية طلب كاميجو القهوة، ولإندكس وجبة الغداء #1، والقط الغبي حصل على شيء يسمى "غداء القط #3". بالنسبة لمطعمٍ يسمح بالحيوانات الأليفة، كانت قائمة مدهشة —لكنها بطريقة ما مخيفة—  كأنه أعدت خصيصًا لهم. وهناك غيرها أيضًا، مثل وجبات الكلاب والسلاحف.

سوف يستغرق بعض الوقت قبل وصول طلباتهم. أخرج كاميجو ورقة التعبير وقلمًا ميكانيكيًا، وقرر أن يبدأ في تقريره فورًا.

...لسوء الحظ...

«توما، توما، عن ماذا تكتب في التقرير؟»

«موضوع هذا العام هو ‹موموتارو›.»

«...واو.»

«هَيي اسمعيني يا أجنبية، هل تفهمين حقًا المعنى الحقيقي لموموتارو، أعني، إنه قصة أطفال يابانية مشهورة معروفة في جميع أنحاء العالم. وكما ترين، إنه من المنطقي تمامًا أن يكون موضوع تقرير كتاب صيفي!»

«يا ولد يا توما، حقًا إنك تكره القراءة.»

«حسنًا، لا أظن أن حفظ كل حرف من مئة ألف كتاب هو شيء طبيعي أيضًا.»

تشنج صدغ إندكس.

ابتسامتها يمكن أن تذيب الجبن.

«توما، توما!»

«ماذا الآن؟»

«أتدري أن موموتارو في الواقع خرافة يابانية مخيفة؟»

«كُفّي! سأكتب تقريرًا عاديًا تمامًا عن موموتارو! إذا أضفتِ أي معلومات الآن، ستفسدين كل مقالي! وبالمناسبة، كيف لفتاةٍ من إنجلترا أن تعرف كل هذا الجانب المظلم عن موموتارو؟»

«مغه. ماذا تقول أصلاً؟ موموتارو هو مثالٌ رائع على جريموارٍ غامض. في الواقع، حفظتُ منه نسخته الأصلية في مكتبتي المئة وثلاثة آلاف جريموار.»

«هَه؟»

«يحدث ذلك غالبًا في الثقافة اليابانية — هي قصة تبدو وكأنها تهويدة أو أسطورة، لكنها في الواقع كُتَيّبٌ غرائبي مُمَوّهٌ ببراعة. ‹موموتارو› وُلِدَ من الخوخ، صح؟ حسنًا، هذا الموموتارو لم يكن موجودًا حتى في النسخة الأصلية.»

توقفت أفكار كاميجو هنا.

(هذا سيئ. إندِكس حقًا تحب شرح الأشياء. ولن أتحمل إضاعة ثانية أخرى! عليّ إنهاء هذه الكمية الضخمة من واجباتي!)

«منذ العصور القديمة، تم تصوير النهر على أنه حدود يفصل بين ‹شيغان› –أي هذا العالم– و‹هيغان› –أي العالم الآخر–. عندما يذكرون الناس على النهر ويعبرونه، فإنهم يتحدثون عن ذلك بالضبط — المتعاليين الذين يمكنهم التحكم في الحياة والموت، يا توما. ربما يكون أسهل عليك أن تتخيلهم أشخاصًا ميتين يتم نقلهم عبر نهر ‹سانزو›.»

«آسف، كفى، كفى!»

«الطريقة الصحيحة للتفكير في الخوخ الذي طاف على النهر هي بأنه فاكهة محرمة تجاوزت الحياة والموت. وإذا ذكرنا الفواكه التي تمنح الخلود في الثقافات الشرقية، فعلينا التفكير في ‹السينتو› –أي خوخ الناسك– الذي يحمي الملكة الأم المقدسة. النسخة الأصلية من القصة لم يكن بها ‹موموتارو› وُلِدَ من الخوخ، ولكن بدلاً من ذلك تضمنت رجلًا عجوزًا وامرأة يأكلان الخوخ ويستعيدان شبابهما. وكما ترى من هذا الكلام، فإن القصة تصف في الواقع أسرار الفنون الخيميائية الطاوية، و—»

«كفى، كفى، كفى! يكفي من النقاش الغرائب والسحر! أيها المشاهدون، أرجوكم تطلعوا لعمل إندكس-سينسي القادم! ول منكِ يا بنت، أتركيني أنهي واجباتي!!»

تذمرت إندكس غير راضية. تجاهلها وكتب على ورقة التعبير بقلمه الآلي. لم يكن يكتب بالسرعة التي كان يظنها. (مذهل، الآن علي كتابة رسالة اعتذار،) فكر، وأنهى بطريقة ما ملء ثلاث صفحات.

تنهد كاميجو تنهد راحةٍ عندما انتهى من عمله.

ثم جاءت النادلة، كأنها اختارت هذا التوقيت بالضبط.

«آسفة على التأخير الطويل! طلبتَ القهوة، وجبة الغداء #1، وغداء القط #3، صحح؟»

أوه، أخيرًا وصل! بدأ يجمع ورقة التعبير على الطاولة...

...وفجأة، دون أي سبب أو تحذير مسبق، سقطت النادلة بشكل مذهل.

«ماذا؟!»

راقب مذهولًا بينما كل ما على الصينية سقط على الطاولة بصوت قعقعة وتحطم. وعندما هدأ الوضع، تجمعت أمام عينيه جبل ضخم من العشاء.

الطبق الحديدي الصغير والساخن الذي كان صحن شريحة اللحم، والذي بدا أنه كان الطبق المميز لليوم، سقط مباشرة على حِجر كاميجو. قفز بسرعة، وأزال الطبق ونظر إلى الجانية بعينين مليئتين بدموعٍ شبه جادة.

هناك كانت النادلة، باهتٌ وجهها، تصدر صوت «آوييه...» بائسًا.

هل كنت لتسامح نادلةً فوضوية وخرقاء على هذا؟

«أبدًا مستحيل! يا بقرة يا ملعونة! سأرميك مباشرة إلى الجحيم!!»

«عنكَ، عنكَ الآن يا توما... هَه؟ توما، أين مقالتك؟»

«...»

لم تكن هناك.

ولم يكن متأكدًا حتى ما إذا رغب في البحث عنها تحت هذه الكومة الهائلة من العشاء الحار.

  • الجزء السادس (31 أغسطس__6:32 ساعة العتمة.)

«وتر الكنس.»

سحب الوتر مرة ومرة.

أصواته التي تمزق الهواء أخبرت ‹ياميساكا أوما› أنه يقترب من هدفه.

«...هناك؟»

أمام عينيه المغمضتين كان مبنى مطعمٍ عائلي.

على الجانب الآخر من النافذة قِبَلَ الشارع، جلس صبيٌّ وفتاة.

«سأدخل الآن ساحة المعركة.»

تحكم ‹ياميساكا› بالجهاز المعقد وسحب الوتر بيدٍ واحدة.

«سأنير الشعلة التي تحدد بدء الحرب. وتر الجلّاد.»

وجه القوس نحو الصبي على الجانب الآخر من الزجاج. ما للزجاج الذنب، لكنه كان في الطريق.

  • الجزء السابع (31 أغسطس__6:35 ساعة العتمة.)

كاميجو توما كان مرهقًا.

المقال الذي أخرجه من جبل العشاء كان متسخًا مبللاً بالكاد يقرأ ما عليه من كلمات. لن يستطيع أن يقدم شيئاً كهذا.

شعر كاميجو وكأنه عَدّاء ماراثون نفدت طاقته في بداية السباق. وكانت إندكس بالطبع تبتسم له ببتسامة شفقة، رغم أن شفتيها كانتا مشدودتين.

«لـ-لكن يا توما، ما زال ممكناً قراءة الكلام، لذا عليك فقط نسخها على ورقة جديدة. على الأقل لن تتعب نفس بالتفكير ثانية في كل شيء!»

«ربما،» أجاب بصوت خافت.

المشكلة كانت أن ملء ثلاث صفحات أخرى كان بالفعل مرهقًا لجسده.

«اللعنة... يا ليتني فقط استخدم حاسوب...»

سقطت نظرة كاميجو على الطاولة، التي كانت (حاليًا) نظيفة وجميلة. كان سيئًا في الكتابة، لكن كتابة الكلمات فعليًا بقلم رصاص كان الأسوأ. لم تكن لديه مشكلة في تدوين الملاحظات العادية، لكن ملء صفحة بعد صفحة من أوراق المقالات أتعبته وآلمت يداه.

تنهد مستسلمًا ونظر من النافذة.

توقع أن تعكس النافذة صورة وجهه المرهق، لكنه أخطأ. بدلاً من وجهه، رأى رجلاً كبيرًا في بدلةٍ سوداء يقف أمام النافذة، ينظر إليهم.

في الواقع، كانت عيناه مغلقتين.

في البداية، ظن كاميجو أنه كان يحاول إصلاح شعره بمرآة النافذة. لكن كيف ينظر لمرآة النافذة وعيناه مغلقتان؟

(ما الذي يفعله هذا الرجل؟)

حدق بذهول في الرجل، ثم في تلك اللحظة، قال الرجل شيئًا من وراء الزجاج.

كانت حركاته لطيفة، مثل من التقى بصديقٍ قديم لم يره منذ عقود.

لكن...

وَجَّه شيئًا يشبه النشّابية مثبتةٌ على رسغه الأيمن مباشرةً نحو كاميجو.

«!؟»

بعد لحظة من نهوض كاميجو من مقعده، ضرب وتر القوس. لم يوضع عليه سهم. لكن بعد لحظة أخرى، كسر شيءٌ خفي النافذة العملاقة التي تفصل بينهما. مهما كان، لم يكن شيئًا واحدًا فقط—اللوح الزجاجي تمزق كما لو أن أسلاكًا اخترقته.

شفرات هواء، مزقت حتى الصوت نفسه.

مرت عبر الطاولة، ومرت بجنون بجوار أنف إندكس. لم تتطاير شظايا النافذة المحطمة إلى الداخل، بل انزلقت إلى الأرض. جاءت عاصفة الشفرات مباشرة نحو كاميجو قبل أن يستقيم شعر القط الكاليكو الغبي.

أصيب الزبائن المجاورون بالذعر، نهضوا من مقاعدهم، وحاولوا الصراخ. لكن حقيقة أن هذه كانت مدينة للأسابر هي ما سَرَّعت من ردة فعل الجميع الفورية على شيء سخيف مثل السيوف الخفية التي قطعت الهواء.

لكن لم يتمكن أحد من الصراخ.

-طاا!-

طَيّرت يده اليمنى بالفعل كل الشفرات القادمة.

الإماجين بريكر—قاتلة الأوهام.

القوة الخفية الساكنة في يمين كاميجو توما.

إذا لمست أي نوع من القوى الغريبة، سواء كانت خوارقا أو سِحرا، يمكنها محوها بالكامل. مثل هذه القوة المجهولة أمام أعين من كانوا بالجوار كانت كافية لتنتزع أنفاسهم—نسوا أن يصرخوا.

قد جائت شفراتٌ عديدة نحو الفتى، لكنه لم يخدش خدشا واحدا.

هَبَّت رياح. يبدو أنها كانت تأثير تدمير كاميجو لشفرات الهواء. من الواضح أنها لم تكن مصنوعة من الفراغ، بل من الهواء المضغوط. وكذلك لم يطلقها واحدة واحدة—بل كان ينشئ إعصارًا صغيرًا منها. وتلامس يد كاميجو اليمنى معها قد ألغى الإعصار بأكمله في لحظة.

كَشّر أسنانه وشزر من النافذة المحطمة، ثم...

«وتر الطيف — أنا هنا.»

فجأة، الرجل الذي كان في الخارج بات يقف خلفه مباشرة.

تجمد كاميجو.

الرجل، ولا تزال عيناه مغلقتين، زفر قليلاً كما لو كان راضيًا عن رَدّه.

«لم أتوقع هذا بالكامل، لكنني أفضل كثيرًا تجنب زهق الأرواح بلا داعٍ. استسلم لي الآن، وسأحقن دمك. ما إن أحصل على مسعاي، أعدك بأنني سأنسحب بسر—»

«آاااااهغغغ!! انظر ماذا فعلت أيها الوغد! تقرير كتابي لم يعد سوى قصاصات الآن!!»

صرخة كاميجو قاطعت كلمات الرجل.

تغيرت تعبيرات وجهه قليلاً إلى تعبير مشوش. من المؤكد أنه لم يتوقع هذا. من وجهة نظر الرجل، من المحتمل أنه أراد من كاميجو أن يرى الوضع بعين جادة.

لكن كاميجو لم يهتم.

نظر إلى ورقة تعبيره، التي قُطِّعت إلى قطعٍ صغيرة—أو بشكل أدق، تحولت إلى نفايات ورقية صغيرة—والدموع في عينيه، واستمر قائلًا: «أنت! نعم أنت، الواقف كالأبله! كل هذا خطأك، لذا تحمل المسؤولية! أعد كتابة تقريري في الحال!! الموضوع هو ‹موموتارو›، يجب أن يكون طوله على الأقل ثلاث صفحات وضع في بالك أن تُربحني جائزة وزارة التربية للفنون بهذا الكتاب!»

«لا أهتم.»

«...، أوكي. اليوم كاميجو-سان سيدخل طور العنف فأرجو ألا تمانـ... ها؟»

في اللحظة التي ابتسم فيها كاميجو نصف ابتسامة وحاول الإمساك بالرجل، اختفى فجأة في الهواء.

ما...؟ نظر حوله.

كان الرجل الآن، بشكل لا يصدق، يقف خلف إندكس.

«سأنهي هذا سريعًا. ما لي وقتٌ لأعبث مع الأطفال.»

أمسك الرجل بجسد إندكس إليه.

بدت كأنها لمسة خفيفة، لكن جسد إندكس اهتز فجأة، كما لو أن يده كانت كالصاعقة، ثم توقفت عن الحركة. اندفع القط الكاليكو على الأرض وابتعد عن الرجل.

من هذا الرجل؟ فكر كاميجو.

بدا أن له علاقة بإندكس. كانت بالطبع فريدة من نوعها، بما أنها كانت كخزانة كنوز حية، فعقلها امتلئ بمئة وثلاثة آلاف جريموار.

ومع ذلك، هذا لم يسوى شيئًا بالنسبة لإسبرٍ يعيش في المدينة أكاديمية العلمية.

لذا إذا كان هذا الرجل يحاول الحصول على إندكس، فإذن هو...

«...أنتَ ساحر.»

القوة غير الطبيعية الأخرى التي هي نقيض قدرات الإسبر.

ساحر.

«بالفعل،» أكد له الرجل المجهول بكلمة.

«يبدو أنك معتدل إلى حد ما، لكن فجأة تحاول تمزيق الناس بالسيوف الخفية، وبعد ذلك مباشرة تتحرش بفتاةٍ من الخلف، ها؟ ما في عقلك يا معتوه؟ ألا تعلم أن هناك شيئًا يسمى بحماية حياة الأطفال أيها المنحرف؟»

«ما الذي أفكر فيه؟»

ابتسم الرجل ببرود على نقيض اشتعال كاميجو.

«ينبغي أن تفهم، لو أنك اكتسبت المعرفة، أن هذه هي فهرسٌ لمكتبة مئة ألف كتابٍ سحري.»

ثم وبدون سابق إنذار، اختفى الرجل مرة أخرى في الهواء، ومعه إندكس.

تراكاً وراءه كلمتي «وتر الطيف» تترددان في الفضاء الذي وقف فيه.

(هل هذا مثل... الانتقال الآني؟)

«آغغ، تبا، ما أنكرت أنك منحرف حتى!! إذن أهذا هو ذوقك؟!»

حاول كاميجو، وكأنه يتعلق بقشة، أن يمسك بالمكان الذي كان الرجل يقف فيه.

ضربت يده اليمنى الهواء الفارغ، لكن يده اليسرى أمسكت بشيء ناعم، شيء لم يكن ينبغي أن يكون هناك.

«أوهياا؟!»

من الفراغ جاء صراخ من إندكس. «تـ-تـ-تـ-توما! أين تظن نفسك تمسك؟!»

«ها؟»

حاول كاميجو الضغط على الهواء بيده اليسرى، حيث لم يكن من المفترض أن يكون هناك شيء.

ولكنه شعر بشيء بالفعل في هذا الفراغ. كان الرجل يستخدم نوعًا من الحيل ليخفي نفسه. ربما تلاعب بانكسار الضوء أو شيء من هذا القبيل.

سمع الرجل ينقر بلسانه منزعجًا «تشه».

كان هذا كل ما يحتاج إلى معرفته. إندكس والرجل لم يختفيا بشكلٍ من أشكال النقل الآني. كانا هنا؛ فقط لم يكن بإمكانه رؤيتهما.

وهذا يعني...

أن كلا من الرجل وإندكس كانا يقفان في هذا الفراغ، لذا...

فما هو الشيء الناعم الذي كان كاميجو توما يمسكه الآن؟

«...................................ماذا؟»

كما لو كان يستهدف اللحظة التي شردت فيها أفكار كاميجو...

...ظهرت يد الرجل فجأة من الفراغ بجواره. كأنه كان يمد يده عبر ستارة غير مرئية.

كانت يد الرجل اليمنى تحمل قوسًا.

«وتر الجلاد.»

سحب كاميجو ذراعه من الفراغ غريزيًا بمجرد أن سمع همسة الرجل. شفرات هواء اخترقت المكان الذي كانت ذراعه فيه، ثم قطعت الأرض بثقل مقصلة.

«اللعنة! غلبني!!»

حرك ذراعيه بقلق، لكنه لم يشعر بأي شيء آخر هناك.

ولقد رحل الرجل.

«غااه!» أمسك كاميجو بالقط الغبي من رقبته.

كان قلقًا على إندكس. كانت مكتبة متنقلة للكتب السحرية، مع مئة وثلاثة آلاف كتاب مسجل في دماغها. كان متأكدًا أنه إذا استخدم شخص ما كل تلك الكتب، يمكنه أن يسيطر على العالم بأسره.

إذا كان هذا هو ما يسعى إليه الرجل، ربما يؤذيها ليحصل على معرفتها.

(تبا لهذا...)

قبض أسنانه.

(...حتى لو كان في ذهنها مئة ألف كتاب، فهذا سببٌ سخيف حقًا لاختطاف أحدٍ ما واستخدام العنف! الأمر لا يستحق!!)

نقر لسانه مستاءً، والف ليواجه المخرج...

...وهناك كانت النادلة تقف مبتسمة (باستثناء أن عينيها لم تكونا تبتسمان إطلاقا).

وبدت وكأنها تحولت من نادلة حمقاء ذات صدر كبير إلى فتاةٍ مقاتلة من النوع عالي الحركة.

«هل لك أن تنتظر لحظةً يا سيدي؟»

«...آع...»

ألقى كاميجو نظرة حول المطعم مرة أخرى.

كانت النافذة الكبيرة قد انقسمت كالزبدة، وكانت الطاولة عبارة عن قطع دائرية كبيرة. لم يكن متأكدًا بالضبط من قيمة الأثاث التجاري، لكنه توقع أنه أعلى بكثير من النوع العادي الذي تضعه في منزلك.

«......آآآه...»

تراجعت شفتيه.

خرج المدير من بابٍ خلفي، وفيه ابتسامة أيضًا، وعضلاته المنتفخة بدت وكأنها على وشك الانفجار.

  • الجزء الثامن (31 أغسطس__7:30 ساعة العشاء.)

«تبًا! اللعنة! سأقتلك بالتأكيد يا الشيطان خاطف اللوليكون!» صاح كاميجو وهو يركض عبر الأزقة المظلمة وهو يحمل القط الغبي.

بالطبع، قد هرب من المطعم. وكان يهرب من المدير المعضل، والنادلة المبتسمة، وبعض الزبائن الشجعان ذوو النوايا الحسنة الذي صادف وجودهم هناك منذ أقل من ساعة. كان يتنقل عبر الطرق الخلفية والأزقة، لكنه لم يكن متأكدًا بعد أنه تخلص منهم تمامًا.

كانت الواجبات الصيفية أقل همومه في هذه المرحلة. إذا أخطأ خطوة واحدة، فلربما يعيد عامه الدراسي.

«أُهُه... أُه...أههأههأههأههأهه!!»

ضحك كاميجو ضحكة خطيرة جدًا وهو يندفع عبر الأزقة المظلمة.

وصل غضبه إلى ذروته. إضافةً إلى ضيق وقته، وعندما كان يعمل بجد على واجباته، جاءه منحرف حقيقي وأفسد خططه تمامًا، ثم أوقعه في مشكلة غريبة قد تؤدي إلى تعليقه عن الدراسة. من لن يغضب في مثل هذه الحالة؟

(يا رجل، أتساءل إن كانت بخير...؟) تنهد كاميجو.

إندكس كانت عضوًا في جماعة النِسِسَريوس — كنيسة الشرور الضرورية، وهي مجموعة قتالبة أنجليكانية متخصصة في صَيْد السحرة... لكنه شك في أن تلك الفتاة الصغيرة تملك أي قدرة فعلية على القتال.

أراد أن يستعيد إندكس من ذلك المنحرف أولاً، لكنه لم يملك دليلاً.

(طيّب، من جد، ما الذي أفعله الآن؟)

وهو يفكر في حل المشكلة، انزلق القط الغبي من بين يديه وسقط على الطريق. لم يلتفت إليه وراح يركض مباشرة إلى الأمام.

«هـ-هَيي! تمهل!»

كاد كاميجو يدخل في حالة ذعر كاملة، لكن فجأة خطر له شيء. (هل للقطط أنوف حادة كالكلاب؟ حسنًا، حتى القطط ربما تملك حاسة شم أفضل من البشر. لكن لم أسمع يومًا عن "قططٌ شرطة". أيهما صح؟) ركض خلف القط، دون أن يفكر بعمق. ربما كان القط يبحث عن إندكس بسمعه، أو شمه، أو أي شيء آخر.

ركض القط الغبي بسرعة.

لحق به كاميجو بأقصى ما عنده كي لا يفقده. ركض، ركض، ركض، وركض أكثر.

وأخيرًا وصلوا إلى...

«...ما هذا؟ هل هذا باب فندقٍ خلفي؟»

لم يكن يبدو كفندقٍ بقدر ما كان مبنى متعدد الاستخدامات يحتوي على كل شيء تتخيله، مثل المتاجر الكبرى، المطاعم، مرافق النوم، غرف الألعاب، والمنتجعات الفاخرة. باستثناء أن شركةً فندقية عادية كانت تدير كل هذا.

نظر إلى الجدار الخلفي لهذا "الفندق" وانتابه إحساسٌ سيئ للغاية سَيْطر عليه. هل فعلاً ذلك المنحرف سحب إندكس إلى مكانٍ كهذا؟ شحب لونه.

(حقًا إنه مهووس. أما عاد يستحملها بعد الآن؟)

ثم، من طرف عينه، رأى القط الغبي يبحث في شيء.

«؟»

نَظَرَ لا مباليًا، فرأى أنه فتح غطاء دلو بمهارة باستخدام أرجله الأمامية وكان يعبث بالداخل.

نظر كاميجو مرة أخرى إلى المبنى.

كان فندقًا كبيرًا إلى حد ما. كان من السهل التفكير أن المدينة الأكاديمية المُسَوّرة لا تحتاج كثيرًا إلى مرافق نوم، لكن كان هناك عدد قليل منها للمؤتمرات والفعاليات الأكاديمية الأخرى. وكان المبنى نفسه يبدو فاخرًا لدرجة أنه بدا غير مناسب — ربما كان جاذبًا للناس من الخارج (بالطبع، ما لم يكن هناك مؤتمر، لن يكون هناك ضيوف. كحل بائس لهذه المشكلة، كانت لديهم دائمًا متاجر كبرى، غرف ألعاب، وما إلى ذلك داخل نفس المبنى).

وهذا يعني أن المطاعم داخل المبنى ستكون أيضًا ذات تقييمات جيدة، وبقايا الطعام في القمامة ستكون في الأساس وجبة فاخرة مقارنة بطعام الحيوانات العادي...

«غرااااااه! ألا تشعر بأي التزام تجاه سَيّدتك؟! حتى لو كانت إندِكس نفسها من التقطتك!!»

صرخ كاميجو في القط الغبي، لكنه فقط فتح فمه ورَدّ «مياو».

ماذا تَعَلّم؟ أنّ القط الغبي كان بالفعل قطًا غبيًا.

  • الجزء التاسع (31 أغسطس__8:15 ساعة العشاء.)

في الواقع، كان ‹ياميساكا أوما› يقف بجانب جدار برج الماء على سطح الفندق الذي توقف عنده القط الغبي. كانت إندِكس ممدة على بعد قليل، مربوطة بالحبال.

نظر ياميساكا عاليًا وبعيدًا إلى السماء، ونقر بلسانه بصوتٍ باهت. وفقًا للمعلومات التي لديه، كانت المدينة الأكاديمية تراقب كامل المكان بعناية عبر قمرٍ صناعي، لكن الأخبار لم تنتشر، ولم يتم اعتراضه بعد. ومع ذلك، لم يعتقد أن سكان مدينة الأكاديمية عاجزون. ربما كانوا يتركونه وشأنه للآن.

(...لا يهم. سأحصل على ما أتيت من أجله، وسأتجنب فخاخهم.)

كان لديه إرادة لفعل ذلك منذ البداية، لذا لم يخشى الوضع الذي كان فيه.

أخذ نفسًا عميقًا ببطء وفتح عينيه بهدوء.

لو رآه أحد في تلك اللحظة، لنسى كيف يتنفس.

لم يكن ذلك لأن عينيه كانتا حادتين برهابة أو أي شيء. ولم تكن أعينًا زائفة أو صناعية.

كانت له عينان عاديتان تمامًا.

عينان نقية، لا تتلائم لمن يرتدي بدلة سوداء داكنة، ولا لمحترفٍ في القتال يصف نفسه بالساحر. كانت تلك عيون شاب لم يرَ بعد الجانب المظلم من العالم.

أخرج صورة من جيب بدلته.

كانت المرأة في الصورة غريبةً تمامًا عنه.

كانت تكبره بسنتين أو ثلاث، ليست فتاةً بل امرأة. لها منحياتٌ طفيفة، وبشرة بيضاء، وبدا كأنها قد تنهار إذا تُرِكت في شمس الصيف لثلاثين دقيقة فقط.

ما كان هذا التشبيه خاطئًا. لطالما كان جسدها ضعيف، منذ أن رآها لأول مرة. وكانت هذه بسبب لعنة، وليست شيئًا تُعلاج منه بالأدوية العادية. من منظورٍ شرقي، كان سحرًا من نوع ‹جوغوندو فودو› باستخدام المرايا والسيوف. ومن منظور غربي، كان ذلك نوعًا من السحر التعاطفي، لعنةٌ تقليدية. لم يهم ما كان يُطلق عليه. الأمر الوحيد المهم هو أنها كانت على وشك الموت، وليس هناك أي أمل لإنقاذها.

لم تطلب منه تلك المرأة التي كانت على وشك الموت أن ينقذها.

كل ما كانت تستطيع فعله هو أن تعطيه ابتسامةً مرهقة.

لم يكن ‹ياميساكا› مرتبطًا بهذه المرأة. لم تكن عائلته، ولا صديقته. لم يتبادلا سوى بضع كلمات أحيانًا في فناء المستشفى، وكانت غير مدركة أنه كان ساحرًا في المقام الأول. لم يكن هناك داعٍ له لاتخاذ أي إجراء من أجلها. لم يكن هناك سبب كافٍ له ليقاتل بحياته على المحك.

ومع ذلك، كان ياميساكا دائمًا يحسب أنه إذا أصبح ساحرًا، فسيكون قادرًا على فعل أي شيء.

لم يرغب أبدًا في أن يُحبط مرة أخرى، لذلك عزم على أن يصبح ساحرًا.

لم يهتم ياميساكا بتلك المرأة. لكنه من المفترض أن يكون قادرًا على فعل أي شيء. لم يكن من المفترض أن يُحبط مرة أخرى. لن يسمح لنفسه أن يتعثر في شيء بسيط كهذا. لم يكن ليستسلم على حلمه من شيءٍ تافه للغاية.

هذا كل شيء.

على الأقل، كان من المفترض أن يكون كذلك.

«...همف»

ياميساكا أعاد الصورة إلى جيبه وأغمض عينيه مرة أخرى، وكأنه يغلق قلبه البشري، ثم نظر إلى الأعلى. حواسه كانت معززةً بالكامل، لذا لم تكن هناك مشكلة في تعطيل واحدة أو اثنتين.

سقط بصره على إندكس. كانت مربوطة بالحبال حول كامل جسدها، غير قادرة على الحركة ومتمددة على سطح خرساني صلب... أو هكذا كان يجب أن تكون. في نقطةٍ ما، تمكنت من النهوض، والآن كانت جالسة متربعة.

«فاجئتِني. ما لبثتُ حتى أراكِ تمكنتِ من فك عُقدتين من العقد. تقنيات الربط بالحبال ليست تخصصي، لكنني كنت واثقًا من أنني على الأقل أستطيع تقييد وحوشٍ منخفضة المستوى.»

الحبال التي ربطت جسد إندكس كانت نحيلة كالكابلات الكهربائية، لكنها كانت تشكل شبكة دقيقة — مثل الحبال المستخدمة في الطقوس الشنتوية. بعبارات أبسط، كانت حاليًا محبوسة داخل حاجز صغير للغاية.

رغم أنها كانت محاصرة في وضع ميؤوس منه تمامًا، لم تحمل ملامح وجهها علامة خوف.

«قد تكون الحبال وسيلة تعذيب فريدة من نوعها في الثقافة اليابانية، لكن فعلك البسيط هذا لن يجعلني أتكلم.»

خرجت كلماتها بسلاسة وسهولة.

الربط. رغم مظهره البسيط، كان نوعًا قاسيًا من التعذيب الذي قد يقتل المرء. على سبيل المثال، إذا ربط أحدٌ معصم أحدٍ آخر وتركه لثلاثة أيام، فإن توقف تدفق الدم سيجعلهم يشهدون رؤية أيديهم تتعفن أمام أعينهم. الألم الجسدي كان واضحًا، ولكن العذاب النفسي لن يُقدر أبدًا.

إندكس كانت تحدق بـ ياميساكا.

في الواقع، مثل هذا الخطر لطالما كان حاضرًا لهذه الفتاة التي تحمي مئة وثلاثة آلاف جريموار. لذلك، قد طورت قدرًا معينًا من التحمل. قد صنعت في نفسها حالةً من فقر الدم عمدًا من خلال تنظيم تنفسها، مما خفف الألم عنها.

لكنها امتلكت قدرًا محدودًا فقط من هذا "التحمل".

لم تكن واثقة من قدرتها على الحفاظ على سلامتها العقلية عندما تبدأ يديها بالتعفن أمامها، خصوصًا وأنها لم تعد تتلقى الدم فيها.

في الواقع، كان في داخلها طبقة إضافية من الأمان لم تكن على دراية بها، لكنها كانت معطلة حاليًا بفضل يمين فتى مُعَيّن.

ياميساكا تنهد قليلاً.

«فهمت. يا لحظي العفن—أنتِ بالفعل عضوٌ في الكنيسة الأنجليكانية، لذا لديك معرفة واسعة بصَيْد الساحرات والمحاكمات.»

«...حظ؟ إن كان هذا مزحًا، فهي أسوأ مزحة سمعتها في حياتي.»

«لا، لم يكن مقصدي. وعلى فكرة، ما لي نية في أن أعذبك أيضًا.»

«إذن هذه الحبال مشدودة بزيادة. لا تضغط على شرايين ذراعي وقدمي أو رئتي هكذا إن أردت نجاتي! إذا كنتَ لا تزال تنوي إبقائي حية، فكان أجدر عليك فقط أن تربط إبهامي بلطف ولن أتحرك.»

«فهمت. خبرتك موضع تقدير كبير»، رد ياميساكا، وهو يفك عدة عقد كما اقترحت إندكس. بدل أن يريحها هذا، بدا أن الأمر قد أربكها. كان يتصرف بصدق أكثر مما يجب على العدو فعله.

رد على أفكارها غير المُعلنة بنظرةٍ هادئة. «قلتُ لكِ، تعذيبك ليس هدفي.» وتابع بعد توقف. «بالطبع، من الصحيح أنني أرغب في استخراج كتابٍ مُعَيّنٍ منك.»

شزرت إندكس فيه.

مئة وثلاثة آلاف جريموار كلها مختومة في ذاكرتها. حمايتها كان واجبها.

«حسنًا، إذن...»

تَلقّى نظرتها بثبات.

«سيستغرق الأمر وقتاً للتحضير. أولاً، عليّ أن أرسم حاجز تكبير.»

  • الجزء العاشر (31 أغسطس__9:21 ساعة العشاء.)

تكتيك التشتت الغريب الذي استخدمه القط الغبي أضاع الكثير من الوقت.

ركض كاميجو عبر شوارع الليل، ممسكًا برقبة القط بإحكام. قد تجاوز الوقت وقت العشاء بكثير، واختفى جميع الطلاب الذين كانوا يتجولون مؤقتًا كما يختفي الموج عند انسحابه من الشاطئ. الأصوات الوحيدة التي كانت تعبر الشوارع التي كادت تخلو من الناس أتت من أجهزة التلفاز في المحلات والمتاجر الإلكترونية. وفي متجر صغير بدون زبائن، رأى رجلا وحيدًا يبدو أنه يعمل بدوام جزئي (وبدا عليه الملل الشديد)، يدير مكينة الحساب بمفرده.

(أخطأت. قد لا يكون هناك وقت باقي.)

تسلل القلق إلى داخله؛ تنهد محاولاً تخفيفه.

من المحتمل أن الرجل لم يخطف إندِكس ليقتلها... على الأقل، لم يعتقد ذلك. كما لم يعتقد أنها ستتعرض للأذى بسهولة، ولكن هذا بالطبع لم يكن كافيًا ليمنحه راحة بال.

أكثر ما أزعجه في كل هذا ربما هو أنه لم يحمل فكرة عن أين يبدأ البحث. حَسَّ دائمًا أنه كان يركض بعيدًا عن وجهته. كل شيء فعله ما زاده إلا قلقاً.

(لكن ما عساي أتوقف عند هذه النقطة. اللعنة! إني في وضع حرجٍ كبير هنا. عليّ أن أصل إليها وبسرعة!)

تمتم كاميجو تحت أنفاسه، لاعناً تلك الراهبة في الثوب الأبيض لأنها سببت له كل هذه المشاكل، وكاد أن يعبر زاوية...

...عندما كاد يصطدم بفتاةٍ قد ظهرت للتو من نفس الزاوية.

«آك؟! مـ-من تحسب نفسك؟!»

التي صرخت بهذه الطريقة غير الأنثوية بشكل غير عادي كانت ذات شعرٍ بني يصل إلى كتفيها ووجه يوحي بروح لا تقهر وكانت ترتدي تنورة رمادية مطوية وبلوزة بأكمام قصيرة وسترة صيفية.

«وجدتك أخيرًا! لقد تركتني بعد ذلك وهربت مع أونابارا المزيف. هل حدث شيء هذا الظهر؟ حسبت أن المبنى بأكمله انهار عليك، ولكني أرى أنك سليم لم تتأذى. آهخ، إذا كنتَ بخير، فعلى الأقل اتصل بي وأخبرني!... مم؟ لحظة، ما عندك رقمي، صح؟»

ميساكا ميكوتو.

كانت نجمة مدرسة توكيواداي الإعدادية، وهي مؤسسة مرموقة لتطوير الأسابر، وكانت هي متحكمة إلكترون، أحد السبعة من المستوى 5 فقط في المدينة الأكاديمية. الرماح الكهربائية التي تطلقها من شعرها قد تصل قوتها إلى أكثر من مليار فولت. كانت علاقتهما أقرب إلى علاقة شريكين في القتال من علاقة صداقة، لكن كاميجو لم يملك وقتاً ليهتم بأيّ من هذا الآن، لذلك تجاهلها وانطلق.

ثم قالت ميكوتو، التي تُركت خلفه، «هَيييي، انتظر! ماذا؟ انتظر لحظة! أتتجاهلني بالمرة؟!»

يبدو أنها تصرخ علي، لكن هذا ليس مهمًا.

قدّام، قدّام!

«هَييي! مهما كانت ألا تظن نفسك وقحًا بعض الشيء؟!»

قلتها، وسأعيدها، هذا ليس مهمًا.

فأنتِ يا ميكوتو لا تملكين دورًا في هذا الفصل.

«لا... تستهبل—!! دائمًا تفعلها في كل مرة! في كل مرة، هاااا!!»

سمع ما ظنه صوت شرارات تلحقه.

مندهشًا، استدار. كانت الشرارات الزرقاء المبيضة تتطاير من غُرة ميكوتو. كما ذُكر سابقًا، كانت رماح برق ميساكا تتجاوز المليار فولت. إذا لم تكن تسمية "رمح البرق" قد أوضحت الأمر لك، فحاول أن تتخيل كارثةً طبيعية تطير مباشرة نحو وجهك.

رفع كاميجو يده اليمنى.

يمكنها إبطال أي قوى غير طبيعية بمجرد لمسها، سواء كانت قدرات خارقة أو سحرًا. كان يعرف أنه يمكن أن يلغي رماح ميكوتو الكهربائية، بالطبع، ولكن ذلك لم يغير حقيقة أن الأمر كان مروعًا. فبعد كل شيء، كان يدفع بيده اليمنى مباشرة نحو صاعقة كهربائية.

قفزت الشرارات من شعر غُرّتها.

فانطلقت الصاعقة عبر الهواء، ويلاحقها صوت الرعد.

«؟!»

لكنها لم تُوَجّه إلى كاميجو. أصابت روبوت تنظيف قريب كان مشغولاً في إزالة قطعة علكة من الرصيف.

انفجر مكبر الصوت الداخلي للروبوت على الفور. -بوم!!- الصوت وقوة الموجة الناتجة عن الصدمة مزقا الهواء وجعلوا أبواب الزجاج في متجر الأقسام المجاور ترتعش.

بالطبع، تسبب هذا في أضرار شديدة له، حيث أن الصوت الصاخب انفجر بجانبه مباشرة. دفعت الموجة الصدمية أذنه وخَوّرت كامل جسده عن توازنه وأسقطت قدميه. ثم وقف في مكانه ورأسه يدور. أما بالنسبة للقط الغبي في ذراعيه، فقد تطورت صرخاته الجذابة من «مِنيا» إلى صرخات فعلية تبدو أكثر مثل «بغياه!» و«شااا!!»

من ناحية أخرى، بدت ميكوتو راضية عن نفسها لأنها أوقفته.

«هَه، أخيرًا توقفت. حقًا، كدتَ تصطدم بي، ولم تقل كلمة حتى—مم، ها؟ لماذا تبدو وكأنك ستبكي؟»

«إني مستعجل للغاية! واجباتي الصيفية، والخاطف المنحرف، وفوضى المطعم، وهروبي دون أن أدفع...!! أرجوكِ، تخيّلي البقية بنفسك!!»

يبدو أن صرخات كاميجو التي كانت أكثر من يائسة قد فاجأتها.

لم يلاحظ.

«هيّا، ماذا تريدين؟! ماذا تحتاجين؟! إن كان عندك من قول، فانتظري من فضلك رنة الجرس ثم اشرحي في أقل من أربعين ثانية! تمام؟ بيييب!!»

«آه؟ آه، طيب، كنتُ غاضبة بعض الشيء لأنك لم ترد علي، ولكني لم أحتج منك شيئاً بصراحة... ولا شيء، لكن...»

«آسف!»

استدار، مُوَلّيًا ظهره لميكوتو، وانطلق مرة أخرى.

لو أنه فهم بهدوء ما قالته للتو، لربما سمعها بطريقة غير عادية. لسوء الحظ، لم يكن لديه وقت كافٍ لتحليلها.

«ماذا...يا! أتغادر هكذا؟! مهلاً!!»

أسمعها تصرخ خلفي، لكنه ليس مهمًا.

قدّام، قدّام!

  • الجزء الحادي عشر (31 أغسطس__9:52 ساعة العشاء.)

لم تستطع إندكس فهم الوضع الذي كانت فيه تمامًا هذه اللحظة.

كل ما فعله عدوها المزعوم، الساحر، هو ربطها. لم يضرّها حتى الآن. بدا أنه يرسم حاجزًا حول المنطقة باستخدام حبال الشِمَينَوا الرفيعة (ويبدو أن تعليقه بأنه ليس متخصصًا في تقنيات الربط كان تواضعًا). من الواضح أنه دفع إندكس بعيدًا عن ذهنه في الوقت الحالي.

فكرة أنه ظنّ "نعم، هي هناك، مربوطة بالحبل" كانت بالتأكيد ليست من أسس التصرف اللائق تجاه فتاة. ومع ذلك، كان عليها أن تكون ممتنة لمعاملتها، أساسًا، معاملةً من الدرجة الأولى كسجينة.

يمكنك تصوّر التعذيب في عمليات مطاردة الساحرات على أنه عبارة عن عصير البرتقال. يُعصر البرتقال—جسدهم—حتى يخرج منه العصير—معلوماتهم. لا يهتم أحدٌ بما يحدث للبرتقالة المسحوقة. إذا كان لديهم أي اهتمام بألم برتقالة تُعَوّض، لما أقاموا بأي عمليات أسرٍ في المقام الأول.

حتى ضمن الكنيسة الأنجليكانية، كان هناك عدد قليل جدًا من الأشخاص الذين يمكنهم فعلاً القيام بذلك. إندكس لم تكن متخصصة في القتال، لذلك لم تستطع إيذاء الناس على أي حال. وفي الواقع، كان معظم المحققين الذين يحضرون المحاكمات يستخدمون الإيحائات والعقاقير السحرية على أنفسهم ليمحو مؤقتًا إحساسهم بالذنب تجاه ما يفعلونه. لم يكن من السهل العثور على شخص يمكنه عصر الناس كالبرتقال بوجهٍ مستوٍ تمامًا.

راقبت إندكس الساحر وهو ينشئ الحاجز أمامها.

لم يبدو أن هذا المرء يمكنه أن يعصر البرتقال.

ألأنه ضعيف؟

أم كان الأمر...؟

  • الجزء الثاني عشر (31 أغسطس__10:07 ساعة العشاء.)

«هااه! هااه!!»

جرى كاميجو في المدينة بلا هدف مبتعدًا باستمرار عن ميساكا ميكوتو، لكنه لم يعثر على إندِكس في أي مكان.

«آه، خرا! ما تبقى من اليوم أقل من ساعتين! ماذا سأفعل بشأن واجباتي؟! أقسم أنني سأقتل ذلك اللوليكون المتحرش لأنه ضيّع وقتي!!»

واصل جريه المجنون عبر شوارع الليل، متحدثًا بما قد يُبديه أحدًا خطيرًا للغاية لِمَن سمع.

لكن صوته بدا أيضًا وكأنه يحاول كبح قلقٍ كبير. لقد مضت بضع ساعات بالفعل منذ أن اختُطِفت إندِكس.

(لا أستطيع هذا لوحدي. فهل أُبَلّغ؟)

نظام حفظ السلام في مدينة الأكاديمية لم يتألف من قسم شرطة عادي، بل من الأنتي-سكيل والجَجْمنت. الأنتي-سكيل هم فيلقٌ من المعلمين مسلحين بأسلحة متقدمة، بينما الجَجْمنت هي قوةٌ تتألف من أسابر مختارين من بين الطلاب.

حتى لو جرى وهرب متجنبًا المطاردة، يمكن للقياس النفساني أن يقرأ وجهته من الأشياء التي تُركت في مكان الجريمة. ربما كان من الأسلم سحقه بالأعداد الكبيرة في هذه الحالة أيضًا.

(لكن...)

كبح كاميجو نفسه. إندكس كانت من عالم السحر، وليس من مدينة الأكاديمية. لقد تَهَرّبت أساسًا إلى هنا بشكل غير قانوني. إذا طلب المساعدة من أولئك بدون تفكير، فهو كان يخاطر بخلق مشكلةٍ مختلفة تمامًا.

(ماذا أفعل؟)

توقَّفَ. كان هناك صندوق شرطة قريب.

(ماذا أفعل؟!)

وهو يناقش القرار، اقترب منه رجلٌ يقف أمام صندوق الشرطة. هل (بدوتُ مرعوبًا جدًا؟) لم يكن متأكدًا بعد من أنه يريد استشارة أي أحد، لكن ضابط الأنتي-سكيل كان يقترب بسرعة.

قبل أن يتمكن من قول أي شيء، قال ضابط الأنتي-سكيل:

«هل أنت من كسر الزجاج وتسبب في الفوضى في مطعم الحي 7؟»

«ها؟»

«لقد استخدمنا جهاز المقياس النفسي لنقرأ عقل المدير الذي قَدّم تقرير الأضرار ورَسَمَ صورةً... مهلا، كأنني رأيتك من قبل. آه، صحيح، معنا شهود قالوا أنهم رأوك بعد ظهر هذا اليوم أيضًا، عندما انهار المبنى في الحي 7. هذا ما تسبب في إصدار الرمز البرتقالي... لا أظن تلك الحادثة وحدها استحقت الانتقال إلى الرمز الأحمر، ولكن...»

«......................................................هاه؟»

ابتسم كاميجو بلا تعبير ودار حول نفسه...

...وبدأ يركض بسرعة مذهلة.

(تركت الساحر الأزتيكي مع تسوشيميكادو، حيث أنه لم يملك مكاناً آخر، لكن... هل يعتني به كما ينبغي؟) كما فكر وهو يركض بسرعة مرعبة.

«هـ-هَييي! تمهل لحظة! توقف، آمرك!!»

لم يتوقف، وبالتأكيد لم ينتظر. واصل جريه نحو الطريق—ولو رآه أي شخص من فريق العَدّائين، لتاقوا إلى ضَمّه معهم. (أقدر أًضيّعه؟ هل ضيّعته؟ أهاها، يا وجه السلحفاة البطيئ!) كما فكر وهو غامرٌ في نصره... لمّا سمع فجأة دوي رصاصة خلفه.

نظر إلى الوراء ليرى دخانًا أبيضَ يتصاعد من المسدس عيار .22 الذي أخرجه ضابط الأنتي-سكيل.

كانت تلك رميةً أفقية جميلة. والأولى أيضًا.

«مهلاً، تستهبل؟! أتحاول قتلي أم ماذا يا الشرطي الحقير؟! ما هو من حقك أن تعامل الناس هكذا!!»

«لا تخف. فنحن نعرف حقوق الأطفال. هذه رصاصات مطاطية.»

«أتعني أن ذاك الشيء في يدك مُعَشَّق؟! [2] لحظة، قد تكسر بها عظامًا ولو كانت رصاصات مطاطية!» صرخ كاميجو وهو يفر إلى زقاقٍ خلفي. ما كان بوقت التفكير في واجباته أو أي شيء ثاني. الشيء الوحيد الذي كان يفكر فيه هو: هل إندِكس بأمان؟

  • الجزء الثالث عشر (31 أغسطس__10:52 زلة الليل.)

تَعَلَّقت حبالٌ لا حصر لها على قمة المبنى.

من بعيد، قد تراها عرضًا للأعلام في تجمع رياضي. امتدت الحبال في كل اتجاه من قمة خزان الماء ومربوطة بالأسوار على حافة المبنى. كانت هناك عشرات الطلاسم مكتوبة على ورقٍ ياباني معلقة منها على مسافات منتظمة.

نظرت إندكس بفضول إلى هذا المشهد، وهي لا تزال مربوطة.

«هذا... مسرح كاغورا؟»

كاغورا—رقصة مكرسة للآلهة.

«ليس بالأمر الجلل. حاليا، يشبه أكثر مسرح ‹بون أودوري›. دمج الشِنتو والبوذية، إن جاز لي التعبير،» ردّ ياميساكا.

الآن بعد أن ذكرها، بدا أن خزان الماء يشبه الياغورا –أي المنصة المرتفعة التي يقف عليها الناس– والحبال الممتدة من الياغورا تبدو كخطوط الفوانيس التي كانت تُعلق منها تقليديًا (رغم أن مصدر معلومات إندكس عن هذا كان يتكون فقط من صور في الكتب—ولم يتم استخدام الياغورا والفوانيس في ‹بون أودوري› إلا في التاريخ الحديث).

‹رقصة بون› العادية ورقصات ‹الكاغورا› الدينية هما أمران منفصلان بالطبع. ومع ذلك، عندما يتتبع المرء الأمور من وجهة نظر السحر، كانت ‹بون أودوري› رقصةً تُقدم للأموات لتريح أرواحهم—لذا كانت مشابهة للكاغورا من حيث أنك تتصل بالكائنات الروحية.

تمامًا مثل ‹بون أودوري›، يتم إنشاء موقع طقسي وتنظيمه بقواعد محددة، ثم يدور العديد من الأشخاص في دائرة. هذا في حد ذاته يلمح إلى نوع من الاتصال الروحي. طقوس روشتين، طقس عبادة الشياطين في العالم الغربي؛ ساحة الكوخ، أسطورة حضرية حديثة—تلك وغيرها جميعها تعبر عن أمور مشابهة بأشكال مختلفة عبر الثقافات والأوقات المختلفة.

(لكن لماذا يُجَهِّزُ شيئًا مثل هذا؟... أيحاول أن يجعلني أخبره بشي— أوه!)

سقطت مؤخرتها على شيء ما. حاولت التحرك بعيدًا ورأت أنه كان هاتفًا. كان هاتفًا رخيصًا للغاية أهداه لها كاميجو، لكن إندِكس لم تعرف كيف تستخدمه. كانت الشاشة تتوهج لسبب ما، لكن إندكس، مع يديها المربوطتين وعلمها أنه يجب ألا تثير ياميساكا، تموضعت أمام الهاتف المحمول لتُخفيه. ضغطت على بعض الأزرار، لكنها لم تفكر فيما تفعل.

لحسن الحظ، بدا أن ياميساكا لم يلاحظ.

وكأنه يتفاخر بالقوس المربوط على ذراعه اليمنى، قال، «ماذا؟ نيّتي الخفية لرسم هذا الحاجز كانت لتقوية هذا، حتى ولو قليلاً. ففي النهاية هذا القوس كان في الأصل مخصصًا للراقص.»

أعطت إندكس نظرة سريعة إلى الحاجز وسمحت للمعرفة في دماغها أن تقوم بالباقي.

«قوس أزوسا؟» استنتجت، مشيرةً إلى اسم الشجرة اليابانية.

«ممتاز. أرى أن مكتبتكِ للجريموار تغطي الثقافة اليابانية أيضًا.»

كان قوس الأزوسا أداةً طقسية شِنتوية. قيل إنه ليس لإطلاق السهام ولكن لتدمير الشياطين باستخدام موجةٍ صدمية ناتجة عن صوت شد وإفراج وتر القوس. كان في الأصل آلةً موسيقية تستخدم في الكاجورا، بواسطة كاهنة المعبد خلال رقصةٍ لها؛ كان الصوت يؤدي إلى حالةٍ من الغيبوبة ويساعدها في استدعاء إله.

«عادةً ما يكون له القدرة على إحداث تأثير طفيف على العقل لتصحيح العيوب.» نظر ياميساكا إلى الحبال فوق. «ومع ذلك، عندما تستوفى جميع الشروط المناسبة... يمكنني قراءة عقل الشخص بالتفصيل. نعم—يمكنني حتى كشف المئة وثلاثة آلاف جريموار التي تخفينها بشدة في قلبك.»

نظرت إندكس إليه بدهشة، وبعد لحظة، بدأت المساحة من حولهم تتوهج، ويبدو أن الضوء يأتي من الحبال المعلقة في كل الاتجاهات. باستخدام الآليات في قوس الأزوسا في يده اليمنى، شد ياميساكا وتر القوس.

«كفى!» صرخت إندكس كطفلة صغيرة. «ما لدي ليس ما تظنه! إذا نظر امرء عادي إلى واحدة منها، سيُجَن! حتى لو كنت ساحرًا متخصصًا، لن تتحمل حتى ثلاثين منها! أنت تعرف ماذا سيحدث إذا قرأ أحد غيري الكتب المئة وثلاثة آلاف جريموار، أليس كذلك؟!»

ابتسم ياميساكا أوما بهدوء، وكأنه يهتم حقًا بما قاله عدوه.

ثم رد، «بالطبع. أنا على علم كامل.»

  • الجزء الرابع عشر (31 أغسطس__11:10 زلة الليل.)

بينما كان كاميجو يجري عبر الشوارع المظلمة محاولاً تضييع الأنتي سكيل، كان يستمع.

أمكنه سماع أصوات إندكس والمنحرف عبر الهاتف. فجأة منذ قليل، تلقى مكالمةً من هاتف إندكس الرخيص الذي كان من المفترض أن يكون مغلقاً. كانت أصواتهما مكتومةً بعض الشيء، وكأن قطعة قماش تَحُول بينهم فوق الميكروفون. ولم تكن إندكس تكلم كاميجو، بل كان الأمر كأنه يتنصت على محادثة شخص آخر.

-طنن- بصوتٍ غريب، بدأ سطح مبنىً بعيد يتوهج. بدا وكأنه عمود ضخم من الضوء يمتد مباشرة إلى السحاب.

(هذا... اللعنة، هذا نفس الفندق الذي كنت فيه من قبل!! لماذا عذبت نفسي بكل هذا؟!)

بالطبع، لم يكن لديه أي دليل على أن إندكس كانت فعلاً هناك. لكنه لم يملك أماكن أخرى ليتحقق منها. فقرر حاليًا أن وجهته التالية نحو ذاك المبنى المتوهج.

  • الجزء الخامس عشر (31 أغسطس__11:20 زلة الليل.)

حدث شيء غريب بعد أن بدأ الضوء.

كان ياميساكا –الذي سحب الوتر– يرتجف ويتململ كأنه تَزَكّم. انبثق عرق مقزز على جسده، وبدأت عيناه تفقدان التركيز وتتذبذب.

ما فعل ياميساكا إلا وقرأ عقل إندكس. لم يشغل تعويذة أو يفعل تقنية، لذا لم يكن هناك خطأ محتمل. لم يكن لهذا السحر أيُّ آثار جانبية خطيرة في المقام الأول.

ومع ذلك، شعر بوضوح أن حياته تخور.

هكذا كانت مدى سُمّية الكتب السحرية الـ 103,000 المخزنة في عقل الفتاة.

«—، — —!!»

بحثت الآلام القاسية عن مهرب من جمجته. وَجَدَ نفسه عاجزاً عن الكلام.

ولا حتى ياميساكا فكر في الحصول على كل الكتب الجريموار. نسخ مئة ألف كتاب إلى عقله كان مستحيلاً على أي حال.

كل ما كان يحتاجه هو واحد. كان يُدعى ‹باوبوزي›. كان جريمواراً من الثقافة الصينية يهدف إلى أن يجعل الناس خالدي العمر، نساكاً لا يشيخون. به كُتِبت الخيمياء الصينية التي يمكن أن تخلق إكسيرًا يشفي أي مرض أو لعنة.

كان هذا وحده ما احتاجَه.

النُسَخ مع إضافات المعلومات الفارغة والنُسَخ ذات التفسيرات الخاطئة لم تكفيه—إذا كان لديه الجريموار الذي كان الأقرب إلى العمل الأصلي، فيجب أن يكون كافيًا.

«—، —!!»

ومع ذلك، كان لهذا الجريموار الواحد هذا القدر من القوة.

في هذه المرحلة، فهم ‹ياميساكا› لماذا صُنِعت تلك النسخ المقلدة بشكل غير نقي وأضيفت إليها إضافات غير ملائمة وغير مدروسة. كان ذلك لأن سُمّها كان قويًا جدًا. قويًا لدرجة أنها ما لم تتشوه بطريقة ما، فلن يتمكن العاديون حتى من تحمل قراءة بضع فقرات.

نظر ياميساكا إلى الفتاة. كانت تصرخ إليه أن يتوقف.

فقط قراءة صفحة واحدة أشعرت وكأن دماغه يُـقتلع. هذه الفتاة قد خزنت 103,000 مجلد كامل في ذهنها.

لم يكن هذا شيئًا يسعه بشر.

ومع ذلك، فعلتها. لم يكن هناك أدنى شك في أنها شيء استثنائي.

«— — —!!»

«– – – –!!»

صفحةً صفحة من الجريموار السام كانت تُجر إلى دماغه مع كل صوت لوتر قوسه. كل صفحة سامة اختلطت في ذهنه كاختلاط الحليب في القهوة، ملوثةً إياه.

لكن ياميساكا استمر. قبض أسنانه وسحب القوس مرة أخرى.

حتى الآن قد عاش معتقدًا أنه إذا أصبح ساحرًا، فبإمكانه فعل أي شيء. قد عاهد نفسه على أن يصبح كذلك، دون أن يرغب التارجع والخذلان مرة أخرى. لن يسمح لنفسه بالتعثر هنا. فهناك امرأة على وشك الموت. ما حملت حتى إرادةً للصراخ طلبًا للعون. كانت عاجزة، إنما قدرت على الابتسام وحده أمام موتها القريب. إذا لم يستطع إنقاذ مجرد امرأة واحدة، فسيُحبط ويُخزى. لن يفكر حتى في الضرر بحلمه بسببٍ امرأةٍ ما غير مهمة مثلها.

وهكذا سحب الوتر مجددًا.

حتى لو تدفق الدم من عينيه وأذنيه، فسوف يحصل على الكتاب الجريموار الذي طمح إليه بيديه.

لقد جرح جسده وغمر نفسه في الخطيئة من أجل طموحاته.

لم يكن ذلك من أجل امرأة ما غير مهمة.

وبالتأكيد لم يكن ذنبها إطلاقا!

  • الجزء السادس عشر (31 أغسطس__11:37 زلة الليل.)

ركل كاميجو الباب الخلفي للمبنى، واندفع إلى الداخل، وركض صاعداً في درج الطوارئ.

‹ ‹...أنت مخطئ!› ›

وهو يجري، سمع صوت إندكس من هاتفه المحمول.

‹ ‹أعلم هذا. قوس الأزوسا هذا—أنت عززته وضَخَّمت قوته كثيراً حتى خرج تياره من عقلك وإليَّ مباشرةً. ولهذا أعلم!› ›

امتلى صوتها ألمًا، وكأنها على وشك الانهيار.

كما لو أنها أدركت قلبًا محطم.

‹ ‹أنتَ أحببتها. هذا كل شيء! لذلك أردت إنقاذ حياتها، ولو على حساب حياتك. لكن أن تنقذها، كان عليك أن تؤذي الآخرين وترتكب الجرم. لم ترد لها أن تتحمل تلك المسؤولية. لم ترغب أبدًا في أن تقول لها إن ذلك كان بسببها، أو أن تقول لها أنك ما كنت لتفعلها لو لم تكن هي السبب!› ›

كانت صرخات إندكس تحاول إيقاف شخص ما.

‹ ‹إنما هذا وحده هو الأمر! لذا... لذا أرجوك، لا تهلك نفسك، حتى وإن كان هذا سيلغي اللعنة عن تلك المرأة! إذا هلكت، فعليها عيشُ ذَنبِ هذا باقي عمرها!› ›

كاميجو، وهو لا يزال يجري، قبض أسنانه.

‹ ‹تريد إنقاذ تلك المرأة، ألستَ كذلك؟ أردت أن تصل إليها، ولو كنتَ الوحيد! لم تستطع تجاهل حقيقة أن أحدًا كان مُصابًا بلعنة تُميت، هذا كل شيء! لذا عليك ألا... عليك ألا تلجأ إلى مثل هذا السحر المقيت!!› ›

إذن هكذا كان الأمر، كما فكر كاميجو وهو يستوعب الصورة.

سَرّع من صعوده إلى الطابق العلوي. توجه مباشرة إلى الباب المؤدي إلى السطح، وبما أنه لم يكن صبوراً لفتح المقبض، ركل الباب وكسره.

  • الجزء السابع عشر (31 أغسطس__11:47 زلة الليل.)

بمجرد أن دخل كاميجو باب السطح، لمست يمينه شيئًا.

كان طرف أحد الحبال التي تشكل الحاجز. بمجرد أن لامست أصابعه الحبل، انهار واختفى، وكأنه تلاشى مع الوقت. كانت سرعته سرعة الضوء في فتيل القنبلة.

وفي لمح البصر انتشرت من ذلك الحبل إلى الحبال الأخرى، وأخيراً، اختفى الوهج الخافت المحيط بقمة المبنى كاملاً. وفجأة، عاد السطح مجرد سطح فندق عادي مرة أخرى.

سقط القط الغبي من ذراعيه على الأرض.

ربما لم يفهم ما يجري على الإطلاق. ترك جوار كاميجو وركض بتهور نحو إندِكس، المربوطة والجالسة على الأرض.

وكانت إندكس... حسنًا، لم يفهم تمامًا، لكنها كانت مربوطةً بطريقة معقدة بالحبال. من حيثما كان واقفاً، لم تبدو مصابة أو أي شيء. لم تتسخ ملابسها حتى.

حول كاميجو نظره.

نظر إلى الرجل الذي كان يبعد خطوة إلى جانبها.

كان ذلك الرجل هو المنحرف—أعني، الساحر.

كانت الأوردة الكبيرة على جلد الرجل من بعيد متورمة. كان مغطى بالعرق كثير لدرجة أنه بدا كأنه تعرض لهطول مطر، وخرج شريط من الدم من جانب إحدى عينيه المغلقتين كدمعةٍ تسقط على خده.

الساحر، الذي لم يعرف كاميجو اسمه، واجهه بهدوء.

«...أهذا خطأ؟»

باستخدام الآلية في قوسه، سحب الوتر وكرر، «أمِنَ الخطأ أن تريد حماية أحدٍ ما، ولو كان ذلك على حساب حياتك؟»

سقط الصمت على الظلام.

كان نسيم الليل بينهما بارد، وموحش أبدًا.

رَدّ عليه كاميجو، «بالطبع هو خطأ! أنتَ تعرف ألم فقدان عزيز. وتعرف معاناة العجز عن فعل أي شيء لشخصٍ يعاني ويتألم أمامك، أليس كذلك؟»

كاميجو يعرفها.

كان قادرًا على الرد على الرجل لأنها قد فُرِضت عليه في ذلك اليوم في غرفة المستشفى البيضاء.

«كنتَ مذعورًا. متألمًا. معانيًا. متوجعًا. وخائفاً. ومرتجفاً. ولعلك صرخت وبكيت حتى... ولهذا لا تفعلها. لا يمكنك أن تدفع بصدمة هائلة كهذه على كاهل أحدٍ آخر!»

بدلاً من الرد، رفع الساحر بصمت قوسه.

ربما كان يعرف بالفعل ما هو الصواب وما هو الخطأ في هذه المرحلة.

لكن رغم ذلك، لم يستطع الاستسلام.

لأنه كان خائفًا.

كان خائفًا أكثر من أي شيء آخر في العالم من فقدان الشخص الوحيد المهم بالنسبة له.

«وتر الجلاد.»

كان هذا هو اسم السحر الذي يخلق شفرات الهواء المضغوطة. بدأ كاميجو بالركض في نفس الوقت الذي أعلن فيه. قبض يده اليمنى قبضةً ليوقف هذا الساحر الوحيد، الذي كان طيبًا جدًا وضعيفًا جدًا.

لكن قبضته لم تصل.

قبل أن ينكسر وتر القوس، تمايل جسد الساحر فسقط على الأرض.

ما بدا أنه ينهض مجددًا.

تسرب سائل أحمر من جسده الساقط، ملطخًا الأرض تحته.

شحب وجه كاميجو وركض بسرعة كاملة نحو الساحر.

فتح الساحر فمه ببطء، كأنه قد استشعر اقترابه.

مع تنهد مبلل بالدم، شكلت شفاهه الملطخة كلمات.

«ما هذا الهراء. ما قرأت إلا كتابًا واحدًا... وهذا مآلي؟» بدا صوته بطريقة ما مرهقًا للغاية. «إن وعائي الضئيل لصغيرٌ للغاية حتى أحصل على نسخةٍ واحدة من الأصل في المقام الأول. هه-هه...ما هذا؟ حياتي كلها فشل. ولقد استسلمت ثلاث مرات حتى الآن.»

«...»

«لكن هناك شيءٌ لم أستطع الاستسلام عنه أبدًا.»

نظر الساحر نحو القمر المعلق في السماء وابتسم.

بدأت الدموع تنهمر من جفنيه المغلقين، طيبًا جدًا وضعيفًا جدًا.

«شيءٌ واحد فقط... وكان كل شيء... ولكن...»

تبطأت حركة شفتيه، ثم توقفت أخيرًا.

سمع كاميجو أنفاس إندِكس المتسارعة.

عضّ على شفته ثم قال شيئًا واحدًا.

نل منه، قال.

بأمره، ركض القط الغبي نحوه ووجه بمخلبه ضربةً قوية على وجه الساحر.

«بغ؟! غباه؟!»

«لم آذن لك أن تنهي الحديث هكذا، أيها الأحمق،» تمتم كاميجو متنهدًا، بجدية نسبية، وهو ينظر إلى الساحر.

«كانت هذه من أجل واجبي الصيفي. آخخ! ما تبقى أمل في أن أنهيه الآن، وكل هذا بسببك. ما أعنيه، إني مستعد لمساعدتك، ولو كان هذا يعني أنني سأقف في الردهة طوال اليوم لاحقًا، لذا دعني على الأقل أتشفى عليك بهجوم مخلب القط.»

حرك الساحر فمه لأعلى ولأسفل، محاولاً قول شيء، لكن كاميجو لم يهتم بذلك. استمر سائلاً، «فأين هي هذه العزيزة عليك على أي حال؟»

«غاه، غيه... ماذا؟»

«ما أعنيه هو، قد يسعنا شيء دون الحاجة إلى مكتبة الفهرس، فهمت؟» حك كاميجو رأسه برفق. «مثل هذه اليد اليمنى التي معي. تُسمى الإماجين بريكر. إنها قوة غريبة يمكنها إلغاء أي قوى غريبة أخرى، مثل السحر والقدرات الخارقة. وبالطبع، اللعنات، أو أي كانت المشكلة، فهي لن تكون استثناء.»

لوّح كاميجو بيده اليمنى نحوه كأنه ينتظر مصافحةً.

تجمدت تعبيرات الساحر.

«ما...؟»

«لستُ بساحرٍ، لذلك لا أدري ولا أعلم ماهية اللعنات، لكن إذا استخدمت هذه، فستختفي اللعنة تمامًا.»

«مسـ... ـتحيل.»

«بعيداً عن ذلك. لقد رأيتَ ما فعلتُ! قضيتُ على كامل سيوفك الرياحية. هل تفهم؟ سأقولها لمرة. لا أحتاج إلى منطقك القذر. إنما هكذا تعمل يدي اليمنى ولا أكثر.»

استمع الساحر، الذي لم يعرف كاميجو اسمه، إلى الفتى بدهشة.

لم يعرف كيف يتفاعل مع هذا التطور المفاجئ وغير المتوقع.

لم يتجرأ على الأمل حتى في الحصول على فرصة ثانية.

من جهته، رأى كاميجو يحك رأسه بشكل عفوي مرة أخرى.

«على أي حال. قد يكون الأمر صعبًا، لكنك ستأخذني إلى هناك. وأيضًا، آسف، لكن عليّ العودة بحلول السابعة غداً لأصل إلى حفل افتتاح مدرستي... مهلا، هل تشتغل القطارات في هذا الوقت؟ آه، وأيضاً، "اللعنة"، أليس هذا نوعًا من أشياء السحرة الشريرة التي تقرأ عنها في الكتب؟ هل يعني ذلك أنني يجب أن أسحق مُسَبّبها أيضًا؟ يا ليل.»

استمع الساحر بصمت إلى كاميجو الذي تكلم مع نفسه.

أخيرًا، سأل...

...ببطء وبخوف، وكأنه لن يترك يده بعد، «أأنت... جاد حقًا؟»

«بالطبع أنا. أنت دمرت كامل واجبي الصيفي. كل هذا بسببك! ولن أعود إلى المنزل دون أن أحصل على شيء في هذه المرحلة!» قال كاميجو بغضب. «لذلك ستتحمل المسؤولية ذلك، أفهمت؟ ستُريني أين هي تلك العزيزة عليك ولو كان عليّ جرك إليها. لا يهمني إذا كنا في حالة طوارئ أو ماذا. سننقذ تلك العزيزة عليك. وهو عملك أن تجد عذرًا لي عن نسيان واجبي، على الأقل، فهمت؟»

توقفت زمن الساحر. ابتسم كاميجو له بوحشية.

«لأجل ذلك، أحتاج مساعدتك. لا مساعدة شخص آخر—أحتاج مساعدتك أنت لتقوم بذلك. لذا ساعد، سواء أحببت أم لا. فأنت تريد إنقاذها بيديك، أليس كذلك؟»

تجعد وجه الساحر مرتبكاً.

مع كلمات كاميجو، انقلبت تعبيراته وتشوهت ملامحه.

ثم بدأت الدموع تنهمر على وجهه، كأن جبلاً من الجليد ذاب.

تنهد كاميجو. ثم خطرت له فكرة مفاجئة.

«أظن أن هذا يعني أنني سأستسلم عن واجبي... أوه، نعم، سـ... سأنتظر. اسمع، هل لي أن أذهب لأجلب واجبي قبل أن نغادر؟»


الأول من سبتمبر__00:00 منتصف الليل — النهاية.

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)