-->

الفصل الأوَّل: دَرْبٌ واحِدٌ عِلْمِيٌّ مُعَيّن. — لاست _ أوردر.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء الأول (31 أغسطس__00:00 نصف الليل)

—في منتصف الليل، طارت الصرخات والبكي والتحطيم عبر الهواء.


كانت منطقة مستقيمة وضيقة، محاطة على كلا الجانبين بالخرسانة؛ كلاهما كان على الأرجح مبنيَين سكنٍ طلابي. وكان بينهما حوالي سبعة شباب غاضبين، وإذا نظر المرء لأسفل، سيجد ثلاثة آخرين واقعين على الأرض؛ يطفون في برك من الدماء.

حَمَلَ السبعة أسلحة كالسكاكين الصغيرة والهراوات ورذاذ الفلفل. كانوا أقوياء جميعًا بلا شك، لكن ما بدا على الرجال أُلفَةٌ على استخدامها. بدت وكأنها مشتريات جديدة أخرجت لتوها من عبواتها البلاستيكية. ومع ذلك، يمكن لأيٍّ منها أن تُحوّل المرء قاتلاً، وفي الواقع، جَهْلُ الهواة بقوة أسلحتهم كان يُمثل نوعًا من الخطر.

كلهم أحاطوا بفردٍ واحد.

وفي عيونهم تعطشٌ للدماء.

ومع ذلك، فإن الفرد الذي أحاطوا به لم يتحرك.

في الحقيقة، لم يولي اهتمامًا حتى بالرجال المسلحين السبعة. كان يتمعن في سماء الليل –التي ضيّقتها قمم المباني– وكأنه غارقٌ في التفكير. تدلى من يده كيسٌ بلاستيكي فيه شعار متجر بقالة – ربما كان عائداً تـوّه من رحلة إلى المتجر. وكانت محتوياتها عبارة عن علب قهوة. أكثر من عشر علب برزت من الكيس.

أيَّ ناظرٍ إليه لن يرى سوى البياض.

وسيعرفون. سيعرفون أنه كان أقوى من في المستوى 5 في المدينة الأكاديمية.

خطرت له خاطرةٌ فجأة. ما المغزى من هذه المعركة ضد أصفار المستوى؟ أكانت تعني شيئاً؟

هذا الذي عُرِف باسم أكسِلَريتر -ذو الدرب الواحد- تأمل في هذا وهو ملول.

«غررااااه!» صرخةٌ أتت من خلفه.

أحد الجانحين الواقعين من حوله نهض فانقض عليه بسكين في يده. لم يلتفت أكسلريتر. لم يوليه اهتمامًا حتى. انقض الصعلوك عليه واضعًا كل وزنه في طرف السكين، وكاد يطعن ظهره غير المحمي الذي بدا رقيقاً خَوِراً حتى.

التجربة التي استخدمت عشرين ألف أخت لتطوره إلى المستوى 6 قد انتهت.

هل غيّرت هزيمته العالم؟ إذا فعلت، فكيف؟

صدى صوت تحطم العظام خلف أكسلريتر.

بالطبع، لم تكن له. كانت للمعتوه الذي جاء يطعنه في ظهره بسكين. انكسر معصمه. وانعكس اتجاه القوة ومعها الوزن التي وُضِعت في السكين... ولم يستطع معصمه النحيل تحمل قوة باقي جسده.

«غييااااااهه!!» وصرخةٌ جديدة من الجانح خرجت.

سقط على الأرض القذرة وتدحرج حولها ممسكًا معصمه. كان مشهدًا كوميديًا.

يبدو أنه بعد التجربة... لم يعد أقوى المدينة الأكاديمية.

ولكن ما تغيّر فيه شيء — لا يزال أحد سبعة المستوى 5 في المدينة، ولا يزال بإمكانه تعديل مُتّجه أي قوةٍ تلامس جلده، سواء كانت حركية أو حرارية أو كهربائية.

بدافع من صراخ رفيقهم الجنوني، هَجَم الستة الباقون عليه دفعة واحدة.

لكن كمٍّ منهم آمَنَ حقاً بفوزه، بمعنى الكلمة الحقيقي؟

كانت عيونهم بالتأكيد متعطشة للدم.

لكن ذلك بدا أيضًا نتيجة لقلقٍ مُفرطٍ أو اضطرابٍ أو رعبٍ أو إرهاق.

كان جَمْعٌ من الناس كثير يهاجمونه بانتظام في كل ساعةٍ من اليوم من بعد تلك المعركة.

لسوء حظهم، كانوا يعتقدون بحق أن جدار قوته – لقبه أقوى المدينة الأكاديمية – قد انهدم.

ولطالما صرخوا وشهّروا شفراتهم وهراواتهم، لكن أكسلريتر لم يكترث قط. دائمًا ما كان يسدل [1] يديه بكسل؛ فيهزمون أنفسهم دون أن يفعل شيئاً. كانت مُتجهات هجماتهم كلها تنعكس وتتركز راجعةً في عظام معصمهم المعقدة والهشة.

لكن كلُّ واحدٍ من هؤلاء، دون استثناء، سيعرف فورًا عند فشل هجومه الأول—

أنّ أقوى الأكاديمية كان وبالفعل حَيّاً معافا.

سمع صوت تحطم عظام الأوغاد، واحدًا واحدًا. صرخوا وبكوا وتلووا في الأرض، ومشى أكسلريتر متجاهلاً ببساطة. أخيرًا، حاول أحدهم استخدام قدرته ضده — إما أنه توصل إلى استنتاج أن الهجمات الجسدية كانت خطيرة جدًا، أو أنها كانت آخر محاولات حفظ الوجه إذْ أنه ما أظهرها من بداية "القتال".

ومع ذلك ما توقفت المحاولات.

لم يهم كمٍّ منهم سحق، أو كمٍّ منهم هزم، أو كمٍّ أثبت نفسه. ما تمكن واحدٌ من الحمقى نزع علامة المستوى صفر.

لم يستطع أكسلريتر تحديد نوع القدرة التي امتلكها هذا المناضل. لم يستوعب بالضبط أيَّ قوةٍ قادمةٍ نحوه. فقط عكسها. توسعت عيون الإسبر عندما ارتد هجومه الواثق إليه وأسقطه على الأرض. نظرًا لأنه كان لا يزال حَيّاً، فلا يمكن أن يكون مستواه أكثر من اثنين. [2]

فكر أكسلريتر مُتأمّلاً.

كانت معركة الأخوات والريلغن قد انتهت. أيقول أنّه تغير بسببها؟

هل هَبَط وضعف؟ أم عَلَى وقوى؟

ماذا عن ذلك الصفري البلا مُسَمّىٰ؟ أقَوَى؟ أم ضَعَف؟

«ها؟»

فجأة، أدرك أن الضجيج من حوله قد هدأ. وأخيراً نزع نظره عن السماء، المضيّقة من المباني، ونظر حوله. الصعاليك الذين أحاطوه بإرادةٍ منهم الآن باتوا مبعثرين على الأرض القذرة بإرادتهم. ربما كان التعبير المريح "مبعثرين" لا يكفي لوصف كمية الدماء في المشهد، لكن على الأقل لم يمت منهم أحدًا.

تعاركوا مع أكسِلَريتر نفسه بصدق ونزاهة – كانت معجزة أنهم ما زالوا جميعًا يتنفسون.

عندما استدار، رأى عشرة من المعاتيه مغشيون على الرصيف، لكنه لم يفعل شيء. ما كانت بمعركة حتى له. فلَهُ، كانت مجرد عودةٍ إلى المنزل مع علب قهوة بعد رحلة متأخرة إلى المتجر.

لم يفكر حتى في إنهاء أيٍّ منهم. أي امرءٍ يُمكن قتله اليوم سيقتله غدًا، وأي واحدٍ يُمكن قتله غدًا سيقتله في أيِّ وقتٍ في العام المقبل. أن يزعج نفسه بهذا لهو من الغباء. أمكنه أن يُحمس نفسه بقدر ما يريد، لكنه ما امتلك هدفاً، على عكس التجربة. خلودٌ بلا هدف يُعادل الغرق.

«آه، شيءٌ ما خطأ. ليس من طبيعتي أن أترك أغبياء كهؤلاء يهاجمونني ويفلتون. بالتأكيد، هناك شيءٌ تغير. فما هو؟ ما بي؟ ماذا يَـــكـــــــون؟»

أمال أكسِلَريتر رأسه إلى الجانب، مستغربًا. اكتشف عن تجربةٍ معركة يمكن أن يخسر فيها. فهل لا يزال عالقاً في الفكرة المعظّمة بأنه لا يمكن أن يكتفي بأقل من انتصارٍ ساحق من جانب واحد في معركة؟ ففي آخر الأمر، إذا تذكر المرء وقتاً كان يتعرض فيه لضربٍ مبرح فيبتسم لهذه الذكرى، فإن هذا المرء سيكون بالتأكيد مازوخيًا.

تأوّه وربّع ذراعيه. تصادمت علب القهوة داخل الكيس مع بعضها. كان فيه أكثر من عشر علب، وكلها من نفس العلامة التجارية. كان محاصرًا في هذه الدورة — كلما وجد علامة تجارية أحبها، فيشربها لأيام متتالية. ثم وفي غضون أسبوع، يمل فيبحث عن نوعٍ جديد.

(يا ولد، ما هذا؟ ما عندي دافع لأي شيء.)

نظر إلى سماء الليل مرة ثانية عالياً، بمنظرٍ محاط بقمم المباني – ثم سمع ما بدا وكأنه صوت فتاة.

‹لا شيء؟ ماذا تعني بلا شيء؟! أنا فتاة، ولذا لن يفاجئني إذا شعرت بذلك!!›

كان منتصف الليل، لذا كان صوتها حادًا بغرابة.

خِلاف عُشّاق، كما فكّر ذو الدرب الواحد، فعكس الأصوات العائمة أسفل نحوه — وبشكل أدق، كل اهتزازات الهواء. ولو أنه تأخر بضع ثوانٍ في فعل ذلك، لسمع صرخة مستوى صفر مُعَيّن يعرفه جيّدًا.

أمكنه عكس الأشياء دون وعي، ولم تتطلب منه سوى حسابات بسيطة. أولاً، سيحسب الحد الأدنى من القوة التي يحتاجها (الجاذبية، الضغط، الإشعاع، الأكسجين، الحرارة، الأصوات)، ثم يَصيغُ مُعادلةً تُتيح له عكس جميع القوى الفيزيائية الأخرى. لو كان فعلاً يعكس كل شيء، فإن الجاذبية ستفتح قبضتها عنه ولحلّق خارج الغلاف الجوي.

بعد أن وضع أكسلريتر إعداد عكس الأصوات عليه، مرّ عبر الزقاق وخرج إلى الشارع. تمشى وهو ينظر إلى السماء بلا سبب أو دافع. لم ينظر أمامه، لكنه لم يحتج حقاً أن ينتبه إلى العوائق على أي حال.

صَنَعَ انعكاسه من جسده حصناً ضد الألم.

ولكن لهذا السبب أدرك الأمر متأخرًا:

أن أحدًا قد اقترب خلفه وكان يُحرك حنجرته بصعوبة، محاولاً يائسًا أن يصرخ بشيء.

«ها؟» أدار رأسه لينظر خلف كتفه، وهو يمشي.

الذي رآه كان... غريبًا بعض الشيء. أولاً، كان ملبسه غريب. كل ما رآه هو بطانية قذرة تغطي رأسه. هذه العباءة المؤقتة، المصنوعة من قماش أزرق سماوي الذي بدا وكأنه جزء من زي لجمعية سرية أو لعبادة ما، كانت تغطي تمامًا وجهه وجسده. لم يستطع حتى تحديد جنسه، ولا نوع الملبس التي ارتداه خلفها.

فوق ذلك، كان قصيراً للغاية. أكسلريتر لم يكن طويلاً بالطبع، لكن هذا وصل إلى بطنه طولاً. لابد أنه طفلٌ صغير. ربما في العاشرة. كان بوضوح أصغر من أن يكون مشردًا عادي. على أن 80 في المئة من سكان المدينة الأكاديمية كانوا طلاباً، إلا أنه هناك حالات مشابهة أمكنه التفكير فيها.

كان وحش البطانية الصغير يصرخ بشيء نحوه.

«—!!......– –, – – –........؟!»

للأسف، لم يصل الصوت إلى أذنيه، لأنه الآن كان يعكس الصوت. نظر لأعلى مرتاحًا، وأوقف العكس للحظة مُختبراً.

ما سمعه كان صوتاً أنثويًا حاد، ولكنه بطريقة ما كان واضحًا وعاديًا.

«—ويااااه كيف عساي أصِفُها—حقيقة أنك تتجاهلني تمامًا وكليًا هي في الواقع منعشة بطريقة ما، وأراك تمشي ببطء شديد بحيث لا تكون غاضبًا مني أو أي شيء، ولذا ربما أنتَ أهدئُ شخصٍ في العالم، همم؟" تقول ميساكا وميساكا مرتبكة.»

كانت الفتاة تقف على بعد عشرة سنتيمترات فقط من أكسلريتر.

ولو كان هناك شاهدٌ شهد هذا وهو يعرف من كان فيه، لأوقف الفتاة وأبعدها عن حيث كانت، أو ربما يستسلم مفترضاً أنه قد فات الأوان.

يمكنه القتل بلمسة. لعلّ الفتاة كانت تتطلع إلى فمِ أسدٍ يتثاءب.

ومع ذلك، لم تحدث المأساة الدموية.

كانت تقف وحسب، وبدت لا مبالية.

تجهم أكسلريتر قليلاً. كانت قدرته هي تغيير أي مُتّجه يشاء. هذا يعني أنه مهما اقتربت، طالما أنها لم تهاجمه، فلن تتأذى.

كان انعكاسه قدرةً دفاعية — قدرةً تُوّجه أنيابها فقط نحو أولئك من نووا عليه الشر.

وما كان ليؤذي أحدًا لم يأتِهِ بسوء نية في المقام الأول، على الأقل.

«...يا للهراء.»

«"تمشي طويلاً وتهمس تحت أنفاسك، ألا تراني أم تعاملني كالجنية، هَيي، ميساكا هنا، تسمع!" تقول ميساكا وميساكا بحماسٍ تُناشد وجودها، ورغم ذلك تنكرها بالمرة؟»

طقطق أكسلريتر عضلات عنقه واستمر ماشياً إلى منزله. ثم، كما لو أن الفتاة قد ارتبكت قليلاً من تركها وراءه، صاحت، «أوووي، قلت، ميساكا هنا—أو لحظة، هل تتظاهر أن هذا لا يحدث الآن؟ تقول ميساكا وميساكا تُميّل رأسها الميساكي محتارةً بميساكية معتادة... ها؟ لحظة، كم مرة قلت ميساكا، تتساءل ميساكا وميساكا تفكر حيث أصبحت أفكارها مُبهمة.»

«مهلاً... ميساكا؟»

توقفت قدماه فجأة. ما الذي أسعدها إلى هذا الحد؟ كان ذلك كافيًا لتأتي فتاة البطانية إليه مسرعةً. لم يتيقن أكيدًا حيث أن وجهها لم يُرى له.

«"أوه، أخيرًا اعترفت بوجود ميساكا، ياي!" تهلل ميساكا تهلل ميساكا فَرِحَةً تُثني على نفسها. "يبدو أن تلك الفلسفة ’أنا أفكر، إذن أنا موجود‘ لكذبة كبيرة اتضحت، هَه، بما أنك لا تستطيع أن تمتلك ذاتاً فقط بأن تكون نفسك، بل تحتاج أحدًا آخر يعترف بوجودك، أعتقد" تقول ميساكا وميساكا ترفض فلسفة [أعتقد، لذا أنا] بمعرفةٍ خاطئة هي وحدها من تعرفها.»

«تمهلي واخرسي لحظة! اتركي عنك هالبطانية اللعينة وأريني وجهك.»

«"أه، هَه؟ أمممم، وَل، [3] لا أصدق أنك تطلب من فتاة أن تخلع ثيابها وأنت لتوك التقيت بها، كأنك تقدمت قليلاً، ألا تظن؟ مقصدي، هناك حدود لما يمكنك طلبه من أحد وما— هَيي، إذا سمحت!" تسأل ميساكا وميساكا ترىٰ ما إن كنت جادًا؟»

«...»

«"آكك، صَمَتَ. وفي عينيه جِدّيّةٌ تُخبر أنه عازمٌ في هذا، ولكن أرجوك، لا تشد بطانيتي! لن تعرف ما قد تجده تحتها،" تقول ميساكا وميساكا تظ—غياااااهه...؟!»

تلاشى صوتها الواضح وغير المتأثر في النهاية، لكن هذا لم يساعد، حيث كانت البطانية على رأسها تسقط، تسقط، تسقط وإلى الأرض وصلت.

—أول ما رآه كان وجهها.

كان نفس وجه لكل الأخوات من ضوضاء الراديو، الذي يعرفهن جيدًا. على أن أعمار الأخوات كانت محددة بأربع عشرة سنة، إلا أن هذه الفتاة لم تبدو أكبر من عشر. اتسعت عيناها، مندهشة من شيء. تلك الحركة الطبيعية لم تُشابه الأخوات أيضاً.

—تالي ما رآه كان كتفيها.

ألَبِسَت ملبسًا يكشف عن جلدها؟ بنيتها بنية طفلة في العاشرة أكيد، وكتفاها بديا كما لو كانا سينكسران إذا لمس أحدهما، مما دل على رقتها.

—وبعد ذلك، رأى صدرها العاري.

—وأبعد من ذلك، رأى خصرها المُجَرَّد.

—آخر شيء رآه كان قدميها المكشوفتين.

«مَـهْ؟ ما الــــــــــــــــذي أراه—مهلاً، ما هذا بحق؟»

سحب أكسلريتر وجهه، ويده لا تزال على البطانية. إذا جاء أحدٌ يعرف شخصيته ورأىٰ هذا، فلسوف (إلى جانب إحساسٍ بقشعريرةٍ من الخوف) يضحك ضحكا لا يتوقف.

ببساطة الخلاصة الزبدة هنا هي: أنها لم ترتدي أي شيء تحت البطانية.

وقفت مكانها مُتجردة، كأنها نست أن تتفاعل، وعقلها لم يلحق الوضع بعد.

في النهاية، كانت أمامه فعلياً فتاة عارية تمامًا وكلياً.

  • الجزء الثاني (31 أغسطس__00:25 نصف الليل.)

بدأت الفتاة تطالب "رجّع بطانيتي، رجّع بطانيتي" والدموع في عينيها، فرمى عليها الخرقة القذرة في رأسها. أخذتها، ثم لفتها عليها مرة ثانية. ثم شرعت تشرح له شيئًا لم يسأل عنه.

«رقم هذه الميساكا التسلسلي هو 20001. أُنشِئت هذه الميساكا كآخر جزء مجموعة الأخوات، تقول ميساكا شارحةً ميساكا. أعطوني الاسم الرمزي "لاست أوردر" لكوني الأخيرة، وكان من المفترض أن أُستخدم في التجربة، تقول ميساكا وميساكا تشتكي.»

«إي إي،» تمتم أكسلريتر بغير اهتمام وهو يمشي.

لحقتهُ لاست أوردر بعنادٍ وتابعت. «بالمناسبة، هَيي لحظة... كما تعلم، انتهت التجربة قبل أوانها، لذا لم يُعدل على جسد ميساكا بالكامل، تقول ميساكا وميساكا تشرح المزيد. طُرِدتُ من حاضنتي قبل أن أكتمل، ولذلك أنا صغيرة الحجم كما ترى، تقول ميساكا وميساكا... تسمعني؟»

«وماذا تريدين مني أن أفعل؟» سأل أكسلريتر، وهو لا يزال يمشي.

سَمِعَ أن جميع الأخوات الباقيات قد وُكلِن إلى منظمات مختلفة بعد انتهاء التجربة. تبقى منهن حوالي عشرة آلاف، لذا هو واردٌ أنهم لم يستطيعوا إحتوائهن جميعًا. وربما لهذا السبب هربت واحدة من عيونهم وبدأت تتجول في المدينة بدون وصي.

شدت الفتاة المشردة بطانيتها، وقد بدت في العاشرة من عمرها. «كنتَ الهدف الرئيسي من التجربة، لذا يمكنك على الأرجح أن تتصل بالعلماء، صحيح؟ إذا استطعت وفعلت، لأكون لك شاكرة، تقول ميساكا وميساكا تتسائل. جسد وعقل ميساكا الآن في حالةٍ لا مُكتملةٍ ولا مستقرة، لذا إذا أخبرتهم أنك تريد، فهم سيعدونني إلى الحاضنة ويكملون تجهيزي، تقول ميساكا وميساكا تقترح، وهي تضع يديها معًا وتُميّل رأسها بطريقة ظريفة.»

«اطلبي من واحد ثاني.»

«وييه! إجابة صاروخية—رفضٌ قاطع وسريع! تبكي ميساكا تبكي ميساكا يائسة. ولكن ما لي مكانٌ آخر أذهب إليه، لذا لن تستسلم ميساكا!»

«...» تنهد أكسلريتر.

(ما قصتها؟)

كان قاتلاً. لقد قتل بالفعل أكثر من عشرة آلاف أخت، تلك النسخ المستنسخة من خلايا جسد ميساكا ميكوتو. وجميعهن يتشاركن الذكريات عبر اتصال موجاتٍ دماغية بين بعضهن، لذا ينبغي أن تكون الفتاة لاست أوردر على علم بذلك أيضًا.

أم أن لاست أورد غير المكتملة لا تملك القدرة على الاتصال بعد؟ كانت شخصيتها —التي يُـفترض أنها مُدخَلَة من نظام [العهد] كباقي الأخوات— تبدو مختلفة عن شخصية الأخوات العادية. على أنه في هذه الحالة، كان من غير الواضح أيهما كان أكثر "غير اكتمالاً"...

قد ضاق ذرعًا بمدى الألفة التي قـرّبت هذه الفتاة منه، ولكن عندما فكر في الأمر، أدرك أن غياب إحساسها بالخطر كان مشابهًا لبقيتهن الأخريات.

  • الجزء الثالث (31 أغسطس__00:51 زلفة الليل)

انحرفا عن الطريق الرئيسي إلى أحد الطرق الجانبية، ثم مَرّا عبر عددٍ من الشوارع الضيقة. وصلا إلى مبنى سكني شاهق بلغ خمسة طوابق. وجميع المباني حوله وقفت بشموخ على ارتفاع عشرة طوابق؛ مما أبداهُ مغمورًا في ظلامٍ رطبٍ كئيب. كان الأمر وكأن الحزن نفسه يتخلل جدران الخرسانة إلى جوهرها.

«وااه! أراك تعيش في مكانٍ مذهل، تقول ميساكا وفي ميساكا إعجابٌ تام.»

«ما سمعت؟ أكان تهكمًا؟»

«لهو من الرائع أن يكون لديك غرفةً ومساحةً لنفسك، تقول ميساكا وعيون ميساكا تتلألأ وهي تشرح.»

كانت لاست أوردر لا تزال تلحقه على قدميها العاريتين. ما حملت سوء نية. فتجاهلها أكسلريتر، ودخل المبنى، وراح يصعد الدرج الخرساني غير المشطب.

لا يزال يسمع صوت بطانيتها وهي تجر الأرض خلفه.

استدار وهو يصعد الدرج فقال. «هَي، إلى متى تلحقينـ—»

«شكرًا للسماح لي بالبقاء معك، تقول ميساكا وميساكا تُهاجم استباقياً.»

«...»

«وشكرًا للسماح لي بالأكل معك، تقول ميساكا وميساكا تأمل في ثلاث وجبات في اليوم، وقيلولات، وتصبيرات.»

(أرى أنها تريد مني أن أتأكد من إعطاءها مأوى إلى أنّ أتصل بالباحثين المسؤولين عن تلك التجربة. يا للإزعاج،) تنهد أكسلريتر وهز رأسه فقال. «اسمعي. إما أن تنزلي الدرج أو تطيري من فوق الدرابزين، تفهمين؟»

«وااه! يبدو أنني أخطئت إذ حسبتك صرت أكثر ودية، تقول ميساكا وميساكا تضرب رأسها. ولكن إذا انفصلنا هنا، لا أرى أنني أتمكن من الاتصال بأي شخص. والأهم، أنّ الشوارع خطرة للغاية على فتاةٍ لتعيش فيها، لذا لا أستطيع التراجع، تقول ميساكا ميساكا، وكأنها تُوَضّح نواياها.»

وَصَلَ أكسلريتر إلى الممر في الطابق الثالث، وبجانبه مَشَت لاست أوردر. شاهدها وهي تدور لتواجهه. فتحت ذراعيها، في محاولة واضحة لمنعه من المرور.

«أين غرفتك؟ تسألك ميساكا وميساكا تحتري الإجابة.»

«مو شغلك.»

«ما هو الرقم؟ هيّا، أخبرني، ما هو الرقم؟ تصر ميساكا وميساكا تحاول مرارًا وترارًا وتكرارًا توصيل رسالة إليك، أنت يا من ليس لديه قدرة على التواصل.»

«هل أقتلك كي تصمتي أم ماذا؟» رد أكسلريتر بلا داعٍ. ومع ذلك، لم ترد لاست أوردر. لم تحتر [4] فيما يجب أن تقوله — بل كأنها تخلق مسافة بينهما بصمتها. سَقَطَ صمتٌ غريبٌ وثقيل عليهما.

وأخيرًا، تحدثت بهدوء وبطء، وهي تُضيّق عينيها.

«تفعيل السونار الكهرومغناطيسي. التذبذب بتردد 3200 ميغاهرتز. تم التأكيد على وجود مجموعة من خمسة أفراد يحملون أغراضًا مشبوهة في هذا الطابق، تقول ميساكا وميساكا تُبلّغ. لعلّ هذه غرفتك، تُضيف ميساكا وميساكا تحذر.»

«...ماذا؟» ضيّق أكسلريتر عينيه قليلاً. لطالما تعرض لهجماتٍ مستمرة من قبل الصعاليك، كما كان صار في ذلك الزقاق. التعرض لكمين هنا لم يكن أمرًا مستبعدًا.

«هيّا، مشينا، لنذهب. كم رقم غرفتك؟ تقول ميساكا وميساكا تضغط.»

فكر أكسلريتر للحظة، فقال. «غرفة 304.»

«أوه، هذه هي، تقول ميساكا وتشير ميساكا إلى الباب. لنرى... عذرا على الدخول! تقول ميساكا مُعتبرةً ميساكا ضرورة الأدب.»

توجهت لاست أوردر نحو باب الغرفة 304 وهي تتحدث. بالنسبة لمن جلب حديث المتسللين، لم تكن حذرة كثيراً.

أمسكت بمقبض الباب وفتحته. لابد أنها استخدمت قدرتها لتفتح القفل الكهربائي. بعد أن تيقنت بمهارتها، فتحت الباب ودخلت. شاهدها أكسلريتر من طرف عين، ثم نسي أمرها وسار بسرعة نحو غرفته الفعلية.

بعد ذلك مباشرة، من الباب المفتوح خلفه، سَمِعَ كُلاً من صرخة ساكن الغرفة—الذي كان يشاهد التلفاز في آخر الليل—واعتذار لاست أوردر الصاخب والهادئ بطريقة ما.

ثم، سمع الباب يُغلق بصوت عالٍ فاقتربت خطواتها المحمومة نحوه.

«كانت تلك غرفة شخص مختلف تمامًا، تقول ميساكا وفي صوت ميساكا الاستياء. ما علمت أنك فيك جانبًا قاسي، تحتجُّ ميساكا وعيني ميساكا مَلَئَ بالدموع، ولكنك لا تستمع إلي بأي حال.»

«اخرسي وسُدّي حلقك. مثل هذه المحاولة السخيفة لن... وما الذي تهذرين به أصلا؟ 3200 ميغاهرتز، هذه موجات مَيكروويف!»

«أوغ. وجهة نظرك لا تهم لأن موجات المَيكروويف تُستخدم في الرادار والاتصالات الفائقة، تحتجُّ ميساكا لأن ميساكا عنيدة.»

لم تنكر أنها كذبت بشأن اكتشاف الأشخاص. نقر أكسلريتر لسانه «تشه» غير مهتم فأكمل. «غير ذلك، لا يمكن أن تكون غرفتي 304. كان عليك النظر إلى لوحة الاسم على الباب يا الغبية.»

«ما أعرف اسمك الحقيقي، تقول ميساكا وميساكا تجادل.»

«ولا أعرف اسمك أيضًا.»

«إنها معجزة! بل من العَجب العُجاب هِيَ، بِتنا نُدَردِش! تقول ميساكا وميساكا لن تدع هذه الفرصة تفلت من يدها. حـ-حسنًا، هذه المرة من جد: أيُّ غرفةٍ غرفتك؟ تسأل ميساكا تسأل ميساكا.»

«307.»

«عُلِم!» أجابت بصوت هادئ نوعًا ما. بعد عشر ثوانٍ من فتح الباب، أدركت أنها كانت غرفة شخصٍ آخر مرة أخرى وعادت إلى أكسلريتر، حزينة للغاية.

«لماذا تقسو عليّ؟ تسأل ميساكا وتُدلي ميساكا كتفيها. ميساكا لن تمانع حتى لو كانت غرفتك فوضوية، تقول ميساكا وميساكا تشرح.»

قرر أكسلريتر تجاهلها تمامًا ووصل إلى غرفته، 311. هناك توقف.

فيها شيءٌ... غير عادي.

«مَهْ، مهلاً، ما الذي أراه؟»

بدءًا، لم يرى باب.

وما وراء المدخل الواسع، لم يكن هناك شيءٌ يُسميه أثاثاً أو ممتلكات.

بقيت فقط بعض آثار الأقدام الموحلة على الأرض — وكل شيء آخر كان مدمرًا. تمزق ورق الجدران والأرضيات، انكسر صندوق الأحذية، ووجد آثارًا على حريق في المطبخ، وكان التلفزيون مقسمًا إلى نصفين، وسريره كان مقلوب، والقطن الذي كان داخل الأريكة انتشر في كل مكان.

حقًا قد غزو بيته وهو خارج إلى المتجر. حالة غرفته المُحزنة كانت وبلا شك انتقامًا من الغزاة بعد أن علموا بغيابه.

«وي، المكان كله فوضى بحق، تقول ميساكا وميساكا تبحث عن الكلمات.»

حرّك أكسلريتر شفتيه إلى أسفل مُعبرًا تعبيرًا محبطًا من تصريحها المكبوح، [5] فقال: «يبدو أن هذركِ كان في محله.»

للحظة، لثانية واحدة فقط، التقط أنفاسه عند رؤية المنظر.

فهذا كان في النهاية، جوهره.

قوته استطاعت الدفاع عنه تمامًا، لكنها لم تستطع حماية شيءٍ آخر.

«...يا ليل.»

دخل أكسلريتر شقته دون أن يكلف نفسه عناء خلع حذائه. سمع صوت تكسر عندما سحق كعبه شيئًا بلاستيكيًا. لم يشعر بأي مشاعر قوية وهو ينظر إلى غرفته المدمرة تمامًا. طرح نفسه على الأريكة الخالية من القطن، وأعد نفسه للنوم.

«مم، آه، أممممم. ألا تبلغ عن هذا للأنتي-سكيل أو الجَجْمنت أو غيرهم؟ تقول ميساكا وتسألك ميساكا وهي تتدخل في شؤون الغير.»

«ما فائدتهم؟» تنهد أكسلريتر.

قد يقبضون على المجرمين المسؤولين، لكنها لن توقف الهجمات المستمرة التي يتعرض لها. غدًا سيأتيه آخر ليضربه وبعد غدٍ آخر وبعده وبعده.

«إذن، ماذا ستفعلين؟ إن أردتِ البقاء، فهذا شأنك. لكن قد ينتهي حالك كحال ذلك التلفزيون المحطم. ما أمزح، لعلّ النوم في وسط حي الفقراء أهون لكِ من هنا،» قال لها، مقدماً تقييمًا غير مبالٍ لمساحة معيشته. «وهناك زجاج وغيره من الأشياء على الأرض، مما يجعل المشي حافي القدمين تحديًا في حد ذاته، ولا؟ هَه. هو أأمن لكِ أن تنامي في الممر أكثر من هنا.»

«هممم. ميساكا ترى أنها ستبقى هنا على أي حال، تطلبك ميساكا وميساكا تستأذنك.»

«ها؟ لماذا؟»

«لأن ميساكا تُريد صحبة أحد، تُجيب ميساكا ميساكا على الفور.»

«...». صمت أكسلريتر، وهو لا يزال على الأريكة.

حدق بغباء في السقف.

«تمام، إذن إذا لم تمانع... أوه، هي معجزةٌ ما أرى! تلك الطاولة تبدو آمنة، تقول ميساكا تقول ميساكا مشيرةً إليها. ستنام ميساكا على الطاولة، إذن... مهلاً، تُحذّرك ميساكا، إياك وأن تُقدم على فعل شيء لي في نومي، تقول ميساكا وميساكا—»

«انقلعي ونامي.»

«ويييه! تأكدت ميساكا من أنها آمنة، لكن الأمر لا يُحتمل بعض الشيء، تقول ميساكا وميساكا تريدك أن تعلم.»

أغمض عينيه. ومن الظلام سَمِعَ لاست أوردر تُخشخش وتتلوى. سمعها أيضًا تسعل بشكل متكرر، كأنها لم تعتد الأماكن المغبرة.

شعر بكل تعب جسده المتراكم يغمره.

فكر في السبب وأخيرًا توصل إلى إجابة واحدة.

(ما هذا...)

في هجدته اللطيف والمظلم، كطفلٍ صغيرٍ نائم، واتته فكرة...

(...الآن وبعد أن فكرت، كم مضى من زمنٍ منذ حادثتُ أحدًا لا يضمر لي شرًا؟)

  • الجزء الرابع (31 أغسطس__11:35 الظهيرة.)

قوة ضوء الشمس المتسللة إلى الغرفة أيقظت أكسلريتر.

كان هذا السكن محاطًا بمباني عديدة تُعدّ الأطول في الحي، لذا لم يدخل الضوء الغرفة إلا في وقتٍ مُعَيّنٍ من اليوم. أدرك بغموض أن الصباح كاد ينقضي، ثم لاحظ الشخص التي كانت تحدق فيه من فوق.

كانت لاست أوردر، مَلئَ بالفضول.

«عجيب! وجيهك وجه الوديع وأنت نايم، تدري؟ قالت ميساكا وميساكا تقلد لهجة الكيوتو المزيفة. إي! دايم ما شفت فيك نظرة الشديد طول الوقت، ولكنك في النوم غَير، وهذا طيّب! تقول ميساكا وميساكا—»

«...». من ناحية أخرى، قام أكسلريتر، بوجهه الذي ما بدا حسنًا إطلاقاً، بعكس كامل صوت لاست أوردر.

«—تراك تبتسم و وااااه؟! صوت ميساكا صار عالي؟

كادت لاست أوردر أن تقع. صوتها ضربها مثل مكبر صوت بجوار أذنها. هزت رأسها الصغير ذهابًا وإيابًا، ولكن بعد ذلك، دون تردد، خاطبت أكسلريتر مرة أخرى.

«...»

ببطء وبدون استعجال، فرك أكسلريتر تحت عينيه. لم يكن أنه يتحرك ببطء بقدر ما كان كسولاً لايحمل طاقة. حدق بفراغ في لاست أوردر، وهي بدورها حدقت في وجهه.

«البطانية...»

«ها؟ أما زلت نصف نائم؟ تسأل ميساكا وميسا—غيااه؟! توقف، انتظر، لا تسحب بطانية ميساكا، إنها كنزي، أقول لك...!»

«...تعبان.»

أمسك البطانية، ولف نفسه بها كحشرة العثة في شرنقتها ورجع ينام مرة أخرى.

  • الجزء الخامس (31 أغسطس__02:05 العصر.)

استيقظ أكسلريتر على معدةٍ خاوية.

نظر إلى الساعة — المعلقة بالكاد على الحائط — ورأى أنها تجاوزت الثانية أول العصر (رواح)، مما يعني أن وقت الغداء قد فات. فكر أن عليه النهوض ليأكل شيئًا ما، فلاحظ فجأة البطانية المتسخة التي تغطيه.

«ما، ما هذا... مهلا، لماذا ما زلتِ هنا؟... كأنكِ غاضبة. ولماذا تلبسين مفرش الطاولة؟»

«صرخت فيك ميساكا وضربتك ولم ترُدّ إطلاقاً وكنتَ نائمًا فعلاً، أيمكن أن تلك هي نقطة ضعفك؟ تقول ميساكا وميساكا متأثرة بعجزها وضعفها.»

لفّت معظم جسدها بقطعة قماش ممزقة، وأسقطت نفسها على الأرض، كما لو أنها استخدمت كل مدخراتها على تذاكر اليانصيب وخسرت كل واحدة منها.

كان انعكاسه يعمل حتى في نومه. ولتكون أهدئ عليه، جعل من المستحيل أن يُوقظ من تحفيز خارجي بأن يعكس كل الأصوات نحوه.

تنهدت الفتاة. «عطني بطانيتي عطني بطانيتي، تقول ميساكا وميساكا تطالب. هذه البطانية الزرقاء لطالما كانت معي وشاركتني أفراحي وأحزاني طوال حياتي، لذا هي لا تُبدّل، تقول ميساكا وميساكا تخادع لتُبكيك.»

لم يعد أكسلريتر محتاجًا لهذا القماش القذر بعد الآن، فرماه على رأسها. ثم حدق باتجاه المطبخ وهو لا يزال متعبًا بعض الشيء.

لم يطبخ قط. لابد أن في الثلاجة كان طعام، لكن عندما نظر إلى المطبخ من موقعه، تهد فسقط مرة أخرى على الأريكة بتعب. كانت الثلاجة على جانبها، وألقى الطعام منها، وكانت عبوات الفينيل ممزقة ومبعثرة على الأرض.

وبعد أن بدلت مَلبسها من مفرش الطاولة إلى البطانية، بدت لاست أوردر وكأنها استعادت مزاجها المبتهج. «صباح الخير، وإن كان صباحًا متأخرًا، تقول ميساكا وميساكا تنحني. ميساكا جوعانة لذا إذا صنعت لها طعامًا فسيزداد مستوى سعادة ميساكا بحوالي ثلاثين نقطة—»

«نامي.»

«وَيٌّ منك، إكرامك للضيف وسعراتك الحرارية معدومان بالمرة، تهتف ميساكا وميساكا ترفع يديها. أيضًا، لم يكن هذا تعبيرًا عن السعادة، بل إيماءة استسلام، لذا من فضلك خذ باعتبارك، تقول ميساكا وميساكا تقدم تفسيرًا مهذبًا مختصرًا. على أي حال، إنه الصباح! صباح صباح صباح صباح—»

«...تبّاً، أوصلت الثانية؟!»

كان هذا كافيًا ليُفتح عيني أكسلريتر، على أنه كان سيئاً في الاستيقاظ. وكان -في الواقع- جائعًا، لكن تخلبط نومه كان في الغالب خطأ لاست أوردر. أمكنه ببساطة أن يعكس صوتها، لكن كان ذلك أشبه بتغطية عينيك وأنت تعلم أن حشراتٍ تحوم حول وجهك. ما كان بشعور جيّد. قرر أن يرمي الشقية اللعينة في مكان ما، فرفع نفسه عن الأريكة. (وربما أملي جوعي في الطريق،) فكر وهو يتجه نحو الباب.

«ها؟ هذا ليس طريق المطبخ، تقول ميساكا ميساكا مشيرةً إلى الاتجاه الصحيح.»

«لماذا أعد الطعام؟ أترينني أطبخ؟»

«أوو، وَدّت ميساكا لو ترى أكسلريتر يطبخ وهو يلبس مَرْيَلة (مئزر)، تشكو ميساكا ميساكا. ها؟ انتظر، انتظر! لمْ تُزعج نفسك حتى بالرد! تتناسى وجود ميساكا من نفسك، صح؟ تبكي ميساكا وتبتغي ميساكا أن تعرف لماذا تتجاهلها؟!»

خرج أكسلريتر بصمت من الشقة. وتبعته لاست أوردر، متمتمة.

  • الجزء السادس (31 أغسطس__02:35 العصر.)

ما كان هناك أحدٌ في شوارع الحادي والثلاثين من أغسطس.

نظرًا لأن 80 بالمئة من السكان المدينة كانوا طلابًا، فإن معظمهم كانوا على الأرجح في غرفهم يُنهُون واجباتهم المنزلية. لكن لم ينطبق هذا بأكسلريتر أو لاست أوردر.

سارَ عبر المدينة شبه المهجورة، والفتاة الصغيرة تسير خلفه.

كانت تسحب بطانيتها الزرقاء وتحاول مجاورته المشي.

«شَعرك هذا طبيعي؟ تقول ميساكا وتريد ميساكا العلم» قالت الفتاة وهما يقتربان من مطعمٍ عائلي.

«ها؟»

«شَعْرُك! تقول ميساكا تقول ميساكا. الشعر الأبيض ليس طبيعيًا، تشير ميساكا. وكيف عندك عيونٌ حمراء بيولوجيًا؟ تسأل ميساكا وفي ميساكا ارتباك.»

كان عليه أن يتجاهلها، لكن إذا فعل، فربما تحدث ضجة مرة أخرى، لذا قرر أن يعطيها إجابة غير ملتزمة. كان سيتغدى غداءً متأخرًا، وبعد ذلك لم يهمه إذا سلّمها للباحثين أو تركها على جانب الطريق. فكر أن هذه هي آخر مرة، لذا اقتدر على تحمل إزعاجها الطفيف.

«لا ليس بطبيعي. هذا تأثيرٌ جانبي لقوتي أو شيء من هذا القبيل. لا أعرف بالضبط. الأصباغ في بشرة الإنسان وشعره وعينيه تحمي جسمه من الأشعة فوق البنفسجية، لكني دائمًا أعكس كل تلك الأشياء على أي حال، لذا جسمي لم يحتاج إلى اللون. شيء كهذا.»

بشكل غير متوقع، وجد نفسه يثرثر على غير العادة. وكان دائمًا يجادل جدالات سقيمة خلال التجربة أيضًا. ربما كان يحب الحديث أكثر مما كان يعتقد.

«مذهل، أرى هذا كأنه منطقي، تقول ميساكا وميساكا مندهشة. كأن الأمر مثل: "أنتَ الأكسلريتر، لذا كل شيء ممكن" تقول ميساكا وميساكا مستسلمة.»

«مما استسلمتي؟ هو فقط أن قوتي قوية للغاية. وهرموناتي غير متوازنة أو شيء كهذا لأنه بالكاد يأتيني أيُّ تأثيرٍ خارجي، فبات لدي هذا الجسم الذي يصعب تمييز ما إذا كان لذكرٍ أو أنثى.»

«مهلاً، فما جنسك؟ تقول ميساكا وميساكا تسأل مباشرة.»

«ماذا، أما تعرفين بالنظر؟» ردّ، مُشوّشًا قليلًا من كلماته.

يبدو أن عمليات تفكيره العادية له لم تتوافق بشكل صحيح مع باب الحديث هذا. هو كذلك عاش بين الناس... لكنه لم يقتل كل مرءٍ يراه ببساطة. ومع ذلك حقيقةٌ أنه قادر على الحديث مع واحدة من الأخوات المصنوعة جُملةً كان شيئًا لم يحدث من قبل.

والمحادثة التي أجراها مع إحداهن خلال التجربة سابقاً...

——‹ ‹"نعم، رقم ميساكا هو 10032" تُجيب ميساكا. "ولكن ألا يكون مناسبًا أن نأكِّدَ كلمة المرور أولاً لنعلم أنك مشارك في التجربة؟" تقترح ميساكا› ›

——‹ ‹"تواجه ميساكا صعوبة في فهم المصطلح الغامض ’شيء‘،" تُجيب ميساكا. "تبقت ثلاث دقائق وعشرون ثانية قبل بدء التجربة. هل أكملت استعدادك؟" تطلب ميساكا التأكيد› ›

...وبالطبع، لم تُشعِر تلك المحادثة أبدًا أنها محادثةٌ بين اثنين. كان مجرد تبادل حديث مع آلةٍ مصممة للإجابة الفورية على أي من أسئلته، من وجهة نظر أكسلريتر على أي حال.

——‹ ‹آخ، بعد عشرة آلاف مرة، سَئِمَت وضاقت نفسي، لذا حسبتُ أن أضيّع وقتاً بتوافه الحديث، ولكن أظن لا. ما يمدي أن نبدأ حديثاً إلا وتُخربينه› ›

لم يظن أبدًا أنهم كانوا يدردشون معًا منذ البداية، وما كانت بمحادثة فعلية أصلاً.

ومع ذلك...

إذن، هل تغير شيءٌ فيَّ حقًا؟ فكّر ذو الدرب الواحد.

إن كان من شيء تغير، فما هو؟

بجدٍّ، ما سببه؟

وبحقٍّ، ما الذي تغيّر؟

«هلا؟ هلا هلا هلا هلا هلا هلا هلا، تقول ميساكا وميساكا تتأكد أنك سمعتها. تفكر في شيء؟ تسأل ميساكا وميساكا تنظر إلى وجهك.»

«ماذا؟ آغ، كنت أفكر، أحقاً ستدخلين متجرًا ببطانية؟»

«...وااه. أوهل تسأل ماذا ستفعل ميساكا إذا رفضوا دخولها؟ تقول ميساكا وميساكا تسأل ببطء وبتوتر.»

«اذلفي ونامي.»

«ياهوو، صارت هذه عبارتك المفضلة، تقول ميساكا وميساكا باتت يائسة قليلًا.»

بدأت لاست أوردر –وجهها خالٍ من التعبيرات– تُلَوّح بذراعيها. نظر أكسلريتر بعيدًا عنها نحو السماء العصر.

كانا يدردشان.

في مكانٍ لم يراه، كان هناك شيءٌ يتغير.

  • الجزء السابع (31 أغسطس__03:15 العصر

«مراحب! أمعًا ضيفان أنتما؟»

في النهاية، ابتسمت النادلة للفتاة التي ترتدي البطانية وسمحت لها بالدخول. لكن وجهها كان مشدودًا قليلاً. كأنها موظفة بدوام جزئي حيث ما بدا عليها خبرة في كيف تتعامل مع الحالات التي لم تكن ضمن كتيب خدمة العملاء.

جلس أكسلريتر ولاست أوردر بجانب النافذة. كان ثمانون بالمئة من سكان المدينة الأكاديمية طلابًا، لذا بدا أن الحادي والثلاثين من أغسطس كان اليوم الذي يظل فيه الجميع في بيوتهم ليُنهوا واجباتهم المنزلية المتبقية. لو كانت ساعة الغداء فعلا، لوجدوا هنا ناسًا كُثُر، ولكن الساعة الحالية كانت خارج أوقات الذروة.

وبينما كان أكسلريتر يُحدق من خلال النافذة بلا مبالاة، لَمَحَ رجلاً أحدبًا ذو ملابس بيضاء يسير في الطريق.

«ها؟»

عندما لاحظ الرجل نظراته، اندفع إلى سيارةٍ رياضية متوقفة بعجالة وغادر المكان سريعًا كأن حشدًا من الناس يطارده.

«أكان ذلك... أماي أوْ؟» تمتم أكسلريتر.

أصدرت لاست أوردر صوت «ها؟» ونظرت إليه من فوق قائمتها.

أماي أوْ. باحث في العشرينات من عمره، كان من أولئك الذين تمسّكوا ودفعوا تجربة الإنتقال إلى المستوى السادس حتى النهاية. كانت مخططة من قِبَلِ حسابات تنبؤية لحاسوبٍ خارق، ولكن النتائج التي توصلت إليها تلك الحسابات تبيّن أنها خاطئة، لذا تجمدت التجربة بشكل شبه دائم. وكان الفصيل الذي رغب في استمرارها يبحث ليل نهار عن الأخطاء في جبال البيانات التي يمتلكونها، ولكن...

«هُوَ؟ ...ما الذي يفعله هنا؟»

«ما رأيت؟ ما تفكر؟ وما تقول؟ تسأل ميساكا وميساكا تبحث.»

«ألا تصمتين؟ وألا تذكرين حتى مما خرجتِ لأجله أول الأمر؟»

«خرجنا نتغدى، صح؟ تقول ميساكا وميساكا ترد فورًا. أوه! مهلا، أهذه هي اللحظة التي تخبرني فيها أنه بإمكاني طلب أي شيء أريده، لمرة واحدة فقط؟ تقول ميساكا وميساكا تأمل.»

تنهد فقال. «لا، انسي. ما عدتُ أهتم.»

ماذا حدث لهدفها الأصلي في التواصل مع العلماء؟ راقب سيارة أماي وهي تختفي في الطريق بينما كان يفكر في ذلك. لم تلاحظ لاست أوردر. وكانت تفرك عينيها وتتمايل يمينًا ويسار.

«أمم، في الآونة الأخيرة مهما نامت ميساكا، فتعبُها لا يفارقها، تقول ميساكا وميساكا تبدو مشوشة قليلًا.»

«حقا.»

جاءت نادلة تقدم لهما كوبان من الماء. طلب أكسلريتر شيئًا عشوائيًا من القائمة. فجأة، لاحظ لاست أوردر وهي تعطيه نظرة غريبة عبر الطاولة.

«أوه! أيضًا، تبدأ ميساكا وميساكا تختار كلماتها بعناية. حسنًا، ترى ميساكا أنك تطلب الطعام وتدفع الفاتورة كأي شخص عادي، أليس كذلك؟ تقول ميساكا ميساكا بإعجاب.»

«ها؟»

«نعم. تخيلتك شخصًا يكسر الباب الأمامي ويأكل كل الطعام ثم يقفز من النافذة ويفر بهدوء دون أن يدفع، تقول ميساكا وميساكا تجيب بصراحة، رغم أنها ترتعش.»

«أه، صح،» أومأ أكسلريتر، وهو يتثاءب. «يعني، يمكنني ذلك أصلاً، ولكن... التجربة توقفت—ولا توجد منظمة تدعمها في هذه اللحظة، صح؟ إذا أظهرت نفسي، فالمشاكل ستلحقني.»

«لكن هذا بالفعل غريب، تقول ميساكا وميساكا تقاطع. لا أظن أحدًا قادرًا على مقارعتك، سواءٌ الأنتي سكيل سواءٌ الجَجْمنت. تقول ميساكا وميساكا تقدم رأيها الصريح. وأننا قد بالغنا ووصلنا ذاك الحد، فتراهُ ميساكا من الغريب أنك وافقت على العمل مع العلماء في أول المقام، تقول ميساكا وميساكا محتارة.»

«أقول لك...» تنهد أكسلريتر. «ما تسوى التفكير حتى. لنقل أنني سببت مشاكل هنا في هذا المتجر. فهربت بعيدًا دون أن أدفع. فمن يلاحقني أولاً؟»

«أمم، أعتقد الموظفين ومثلهم، تقول ميساكا ميساكا وتجيب.»

«نعم. وسأقضي عليهم في لمح البصر. بجدية، لن تكون حتى طرفة عين. ثم من سيأتي من بعدهم؟ المدير؟ طرفة عين أخرى فيُهزم. أنتي سكيل؟ جَجْمنت؟ هؤلاء في الواقع أسهل. كلما قَوَت أسلحتهم، زادت شِدّة انعكاسي. ومن بعدهم... أعني، إذا لم تتمكن المدينة الأكاديمية من كبحي، فسيأتي من في الخارج ويتدخل، أليس كذلك؟ فماذا في ذلك؟ القوات الشرطية، وحدات الشغب، قوات الدفاع الذاتي... وحتى الجيش، أو القوات الخاصة، أو مجموعات الاغتيال لن تقدر على شيء. هل سيقصفونني؟ ولعلّ الأمر كله ينتهي بسيلٍ من القنابل النووية.

«لكن» ثم أعلن كلمته «ما الذي سيتحقق بذلك؟»

إذا طارت الرؤوس النووية، فسوف يفوز في حربه الدولية شاملة النطاق. الشيء الوحيد الباقي من بعد تدمير البشرية سيكون العيش في الكهوف، كما عاش البشر الأوائل... لأجل أن يعيش بأدنى متطلبات الإنسانية، كان في النهاية أحْوَجَ للناس منه. [6]

وهذه الحقيقة كانت مشكلة فقط لأولئك من اقتدروا التدمير. تساءل بغموض إذا كان الرئيس الذي يحمل زر إطلاق الصواريخ النووية يشعر بنفس الشيء.

«أووغغ... أدائمًا ما تتحدث بهذه الطريقة الغريبة والمجنونة؟ تقول ميساكا وميساكا تسأل.»

«ما لكِ حق في القول.»

«همم. المعلومات المثبتة في ذهن ميساكا تشير إلى أن هناك شيئًا يُسمى المدرسة، تقول ميساكا وميساكا تتساءل. كيف تتماشى مع من في صفك بدون أي قدرة على التواصل؟ تسأل ميساكا ميساكا مرة أخرى.»

«أوه، ليست بمشكلة. فليس لي زملاء صف.»

«؟»

«أنا في صفٍّ خاص. على أنني لست واثقاً ما إذا كان جيدًا أو سيئًا،» قال أكسلريتر عفويًا.

بعد أن أوقظت قواه عبر المنهج، نقلوه إلى صفٍّ خاص، وكان الطالب الوحيد فيه. لم يملك زملاءً في الصف. لم يشارك في أي مسابقات رياضية أو مهرجانات ثقافية. إنما جلس على مكتبه دائمًا وحيدًا في فصلٍ دراسي ضيّق. في مدرسةٍ تسع الألفي طالب.

لم يستاء من هذا.

لكن منذ زمن، أخبره العلماء أن السبب هو كونه أقوى المستوى الخامس. كان من المفترض أن يكون صفّهُ مخصصًا لنقله إلى المستوى السادس. تذكر أنه فكّر فيما مضى ما سيحدث إذا لم يعد الأقوى، لو أنه تطور إلى منيعةٍ لا تُهزم. فماذا سيتغير؟

«أوحيد أنتَ؟ تقول ميساكا وميساكا تتساءل.»

«ها؟»

«ثمن القوة العزلة، لكن ربما لن تفهم ميساكا ذلك الشعور ولن يفهمه أحدٌ آخر أيضًا، ربما، تقول ميساكا وميساكا تتنبأ. لذا—»

«لم أفهم حتى ما الذي سألتيه توّاً. ماذا؟ إذا قلت نعم، فهل تقتربين وتُربتين على رأسي مشفقةً أم ماذا؟» قال بصوت منخفض. وما تلى ذلك إلا صمتٌ باردٌ.

مهما قاله الناس، كان أكسلريتر جزارًا بلا قلب مسؤولاً عن مقتل أكثر من عشرة آلاف نَفْس. سيكون سقيمًا عدميًا غير مجدي أن يواسيه أحدٌ في ظل وحدته العميقة في جوفه التي ما عسى لأحدٍ أن يفهمها. وبالتفكير—لعله دُفع إلى التجربة في المقام الأول لحاجةٍ في نفسه أن يفرغ فيه كل ذلك.

«—»

أهذا هو؟

أكانت هكذا حقًا؟ عبس ذو الدرب الواحد.

بغموض، قال في نفسه أنه إذا صح هذا الأمر، فهناك شيءٌ آخر خاطئ. نعم، فيه خطبٌ بالتأكيد. لكنه ما استطاع أن يعرف ما الذي أشغله. فكر أكسلريتر مرة أخرى في التجربة... ثم أدرك ما هو.

——‹ ‹آخ، بعد عشرة آلاف مرة، سَئِمَت وضاقت نفسي، لذا حسبتُ أن أضيّع وقتاً بتوافه الحديث، ولكن أظن لا. ما يمدي أن نبدأ حديثاً إلا وتُخربينه› ›

كانت غريبة.

إذا كان كله حقًا مجرد تفريغ وتضييع، إذا كان يقتل الأخوات كأنهن مجرد دمى محشوة معدة للضرب، فلماذا فكر حتى في الكلام معهن؟

الوحيد الذي تصرف بغير طبيعية خلال التجربة كان هو.

ربما لم يصنعوا محادثة فعلية، وهذا إثبات أكثر على أن الأخوات فقط كن يُسَيّرن وفقًا لمواصفات نظامهن. كانوا عمليين. أطاعوا جميع تنبؤات الحاسوب الفائق وحساباته وخططه وبرامجه من أجل التجربة.

إذا قَصَّرَ نطاقه على التجربة فقط، فهو من كان الشاذ—فقد خرق القواعد وتحدث إلى أحد الأخوات. وفي الواقع، ما حاول أي من العلماء أو الأخوات التحدث إليه بالمطلق.

فما الذي دفعه إلى تصرفاتٍ لاعقلانية كهذه؟

هذا كان الجزء الغريب. إذا كان عليه الاقتراب من الأخوات فقط لقتلهم أو لتفريغ التوتر، فإن فكرة الحديث إلى إحداهن لابد أن لا تخطر على باله أصلاً.

الناس ’يتعارفون‘ عمومًا مع الآخرين رغبةً في ’التفاهم والتواصل‘ معهم. لكن أهكذا كان الحال حقًا؟ تسائل أكسلريتر. فقد كان هو بلا شك من قتل وشوّه وأصاب ونحر الأخوات في تلك ’التجربة‘.

«آه، وصل وصل وصل، وصل أخيرًا! تقول ميساكا وميساكا تشير إلى النادلة. ياي! وصل طعام ميساكا أولًا!»

وضعت النادلة طعام لاست أوردر أمامها. وبدا أن أكل أكسلريتر سيستغرق أطول قليلًا.

«واو، هذه أول مرة لميساكا أن تأكل وجبة ساخنة، حرفيا أبدًا! [7] تقول ميساكا وميساكا بحقٍّ متحمسة. ترى ميساكا بخاراً حاراً يخرج من الطبق، تقول ميساكا ميساكا وهي تراقب الطعام بعناية.»

مرت بضعة أيام منذ تعلّقت التجربة. وإن قد طُردت من المختبر مباشرة بعد ذلك، فلربما كانت تتجول...

«...تفاهة،» تمتم ذو الدرب الواحد.

حوّل نظره من الفتاة إلى النافذة. اِنتظَرَ لحظةً لكنه لم يسمعها تبدأ الأكل. عندما شعر غرابة، نظر مرة ثانية ليراها تجلس بأدبٍ خلف طبق أكلها الساخن، وهي تحدق به. لم تبدأ الأكل حتى. ومع ذلك، ولكن أيُّ شخصٍ نظر إليها سيعرف أنها تمثل. فقد كانت متلهفة للغوص في الأكل.

«؟ ما تفعلين؟ هذه أول وجبة ساخنة تأكلينها، "حرفيا أبدًا"، أما قلتِ؟»

«لكن هذه أيضًا هي أول مرة آكل فيها الطعام مع أحدٍ آخر، تجيب ميساكا وهي ميساكا. سمعتُ أن الناس يشكرون على الطعام قبل أكله، تقول ميساكا وميساكا تتذكر. تريد ميساكا فعل ذلك معك! تقول ميساكا وميساكا آملة.»

«...»

استغرق طعام أكسلريتر خمسة عشر دقيقة حتى يصل.

ولم يعد طعامها يتبخر إطلاقا.

ومع ذلك، لا تزال مبتسمة.

تتبسم بسعادة.

  • الجزء الثامن (31 أغسطس__03:43 العصر.)

بعد وقتٍ طويل منذ دخولهما المطعم، بدأ أكسلريتر ولاست أوردر في تناول وجبتيهما.

ما بدت لاست أوردر معتادة على الأواني — الشوكة والسكين أمرٌ، لكنها لم تعرف حتى كيف تستخدم الملاعق أو عيدان الطعام. ولسببٍ ما، غرزت الشوكة في الأرز الأبيض، وبدا عليها الحيرة.

كانت وجبة أكسلريتر في الغالب لحم، وكانت قاسية. كان الصحن الخشبي والصحن الساخن الصغير تحت طبق الطعام غير مناسبين في الحجم تماماً، فكان كل شيء يهتز مما جعل تقطيع اللحم صعبًا. توقف للحظة، ثم أمسك بالصحن الساخن المشتعل بثبات. نظرت نادلةٌ مارّة بذهول شديد، فقد عكس أكسلريتر كل الحرارة غير الضرورية حتى لا يحترق بها.

كان مشهدهما في الأكل بارزاً جداً.

«لذيذ! وروعة! تُمجّد ميساكا ميساكا الأكل.»

«ما هي إلا مجموعة من الوجبات المسخنة في ميكروويف. ولا ندري حتى كم أسبوع تخزنت هذه المكونات في المستودع!»

«لكن الطيّب طيّب! تقول ميساكا تقول ميساكا وهي راضية. ويختلف الأمر عندما تأكل مع أحدٍ آخر، تقول ميساكا تقول ميساكا مقدمة تفسيراً نفسياً.»

«... أتدرين؟» أزال أكسلريتر يده من الصحن الساخن. «كان عليّ أن أسأل البارحة، ترى أعصابك باردة بل ميتة حتى، أتعلمين هذا؟ ألا تدرين ما فعلته بكن جميعاً؟ أما كان مؤلماً؟ محبطاً؟ وحشياً؟ مهيناً حتى؟»

قبل انتهاء التجربة بقليل، بعد تدخل ذاك صفري المستوى في المعركة في ساحة التبديل، ظنّ لحظتها أنه استشعر من تلك الاخت (التي سُمّيت على ما يبدو بميساكا إيموتو من قبل ذاك الفتى) تحدق به بعداء.

هل حصلوا على خوفٍ بشري حقيقي وعاطفة ساعتها؟ أم كان ذلك حصرا فقط على ميساكا إيموتو نفسها؟

«حسناً، لهذه الميساكا رابطٌ موجات دماغية مع جميع الميساكات الأخريات 9,969، لذا فهي مرتبطة بهن ذهنياً.»

«نعم؟ وماذا بعد؟»

«فينا شبكةٌ ذهنية تُنشئ تلك الروابط الموجية الدماغية، تقول ميساكا وتشرح ميساكا.»

«تقصدين مثل اللاوعي الجماعي أو ما شابه؟»

«حسناً، الأمر مختلف قليلاً، قالت ميساكا وميساكا تصحح. [رابط الموجات الدماغية] و [كل ميساكا فرد] هي مثل ما بين [مشابك الأعصاب] [وخلايا الدماغ]، تقول ميساكا وتقدم ميساكا مثالاً. سيكون من الصحيح القول أنه يجمعنا دماغٌ واحدٌ ضخمٌ يُسمى [شبكة الميساكا] وأنها تتحكم في كل الميساكات، تقول ميساكا وميساكا شارحة.»

صَمَتَ أكسلريتر.

ومع ذلك، تابعت لاست أوردر شرحها.

«عندما تموت ميساكا فرد، فإن شبكة الميساكا نفسها لا تختفي، تقول ميساكا وميساكا تشرح. استمراراً في تشبيهنا بالدماغ، فإن ميساكا هي [الخلايا]، و [روابط موجات الدماغ] هي مثل [المشابك الأعصابية] التي تنقل المعلومات بين الخلايا. إذا دُمرت خلية، فإن الذكريات التي عاشتها تختفي، لذا فإن الأمر يؤلم، لكن [شبكة الميساكا] لن تتدمر تماماً حتى تختفي آخر ميساكا—»

غمر أكسلريتر حِسٌّ بالكراهية، كالذي يشعر به المرء عندما يراقبه عنكبوتٌ ضخم. ليس لأن هذه الصغيرة كانت مخيفة، بالطبع أمكنه قتلها فورًا، وفي هذه اللحظة بالذات، فلقد قتل عشرة آلاف منهن. ومع الوقت سيصطاد بقيتهن.

لكن ليس الأمر كذلك.

في الأمر شيءٌ مختلف أساسيًا. هذه الفتاة، وهي تكافح الطعام على طبقها—كأنها بُنيت تمامًا مختلفةً عن باقي البشر، كأنها كائن فضائي...

«—على الأقل هكذا قد فكرت ميساكا، لكن ميساكا تظن أن ميساكا قد غيرت رأيها.»

«؟»

«ميساكا تلعمت شيئًا، أنّ لميساكا قيمةٌ تسوى، تقول ميساكا ميساكا واثقةً. تَعَلّمت ميساكا قيمة حياة كل ميساكا فردًا وليس مجموعةً. لا بديل لميساكا. ولو شاء القدر أن يسلب حياة ميساكا، فإن هناك ناسًا سيبكون على فراق ميساكا، تقول ميساكا وتؤكد ميساكا بفخر. ولذا لن تموت ميساكا بعد الآن. ولا لواحدة حقٌّ في الموت، تقول ميساكا وميساكا مؤمنة بهذا.»

قالتها، بصوت إنسان، وهي تنظر في عيني أكسلريتر بنظرة إنسان.

ولقد أعلنت شيئًا واحدًا: أنها لن تغفر أبداً لما فعله أكسلريتر.

كان إعلاناً للكره. إعلانَ أن لاست أوردر لن تنسى ذلك الوقت ما عاشت.

«هاااه...»

رجع أكسلريتر بلا وعي ظهره في مقعده و –بينما ينظر إلى السقف– تنهد بعمق.

لم يكن يعرف.

عَلِمَ أنهن كن يشعرن بالعواطف طوال الوقت، لكن... لم يُواجهه أحد قط ويُدينه بما فعل. لهذا السبب لم يفهم ألمهن. وتلك الأخوات –التي عوملن دمىً حتى الآن– كنَّ بشرًا. أمكنهن الشعور بذلك الألم—ولم يدرك ذلك حتى انتهى كل شيء.

«———»

فتح أكسلريتر فمه، وحركه، لكن لم تخرج كلمةٌ منه.

ما كان عنده ما يقوله.

«لكن ميساكا ممتنة لك، تقول ميساكا وميساكا تُخبر الحقيقة. لولاك، لما تشكلت التجربة أبدًا ولما استُئنف مشروع [الضوضاء الراديوية] المتدهور من قبل أحدٍ آخر، تقول ميساكا وميساكا شارحة. كنتَ المُنقِذ والقاتل، إروس وثاناتوس، [8] مُحيينا ومُهلكنا—ليس لميساكا أدنى شك أنك السبب في أن الميساكا عديمة الروح اكتسبت روحًا، تقول ميساكا وفي نفْسِ ميساكا امتنانٌ حقيقي.»

فقالتها.

كان صوتها ناعم، كأنها تتقبله.

وهذا أزعجه.

لسبب ما، أغضبه ذلك غضبًا شديد.

«مَهْ؟» بدأ أكسلريتر بصوت منخفض. «ما هو بالمنطقي أبدًا مطلقاً. لاحتجتِ كثرةً ثروة من اللامبالاة حتى تقبلي أن الحياة إنما لعبة صفرية حيث يولد الناس ويموت، وهذا كلّ ما فيها. بأيّ حال، لا يغير ذلك حقيقة أنني قد قتلتكن جميعًا. وكنت مُستمتعًا. سعدتُ بذلك. بل وأردتها كذلك!»

«هذا كذب، تقول ميساكا وميساكا تنكر. لا تراكَ ميساكا راغبًا أن تكون في التجربة من أول الأمر، تقول ميساكا وميساكا تفترض.»

ما فعل هذا إلا وعقّد أفكاره أكثر.

كان ليستوعب الأمر لو أنها بكت وضربته ووبّخته. ما كان للاست أوردر أن يكون لديها سببٌ للدفاع عنه في هذه المرحلة.

بدأت الحالة الغامضة تثير توتره.

«تمهلي لحظة. لابد أنكِ عدلتِ ذاكرتك لتتقبلي الوضع أو ما شابه، وإلا كيف عساكِ تقولين أشياء كهذه دون تمجيد جزءٍ منها أو أي شيء؟ غير هذا، أبدوت لكِ أنني كنتُ مُجبرًا على فعل أي شيء ضد إرادتي؟ حياتك ما سَوَت فلسًا في نظري طالما أستمر في التجربة. هذا كل شيء،» أنهى بنبرة شبه توبيخية.

في الوقت نفسه، ارتبك بشأن سبب رغبته في التقليل من شأن نفسه هكذا.

«هذا ليس صحيحًا، تجادلك ميساكا ميساكا. إن كان الأمر كذلك، فلماذا دردشت مع ميساكا خلال التجربة؟ تسأل ميساكا وميساكا تطلب.»

ما كانت لاست أوردر لتنكسر. واستمرت كلماتها في الوصول.

كانت كأختٍ أكبر حنونة تنصحه.

«فكر وتذكر ما حدث، تقول ميساكا ميساكا مُتوسّلة. لقد تحدثت إلى ميساكا مراتٍ ومرات، لكن لماذا؟ تسأل ميساكا ميساكا، على أن الإجابة واضحة.»

ما كان لأكسلريتر قولٌ للحظة.

وسبب تحدثه إلى الأخوات... لم يعرفه أيضًا.

——‹ ‹ها-ها! لمَ الهرب وما الفائدة حتى؟ أتغرينني وأنتِ تهزّين مؤخرتك هكذا كأنك تطلبينها؟!› ›

——‹ ‹حسناً، ربما ما لي حق في الكلام كوني من أُجبركِ على الخوض في هذه التجربة التي تهدف إلى جعلي الأقوى، لكنني أراك هادئة. ألا تشعرين في مثل هذا الوضع بشيء؟› ›

——‹ ‹ها!؟ أجئتي هنا بلا خطة؟ لو أحببتِ الألم لهذا الحد، فسأبكيك دمًا وأخنقك حتى لن يكفيك دواء السعال بعد ذلك!› ›

——‹ ‹حسنًا، إليكِ سؤال. كم مرة مُتِ حتى الآن؟!› ›

«فكر بها بهدوء، وستراها غريبة، تقول ميساكا وميساكا تحلل. سبب رغبة الناس في الكلام مع الآخرين هو لرغبةٍ في أن يَفهموا أو أن يُفهموا—أساسيًا أنتَ وددتَ التواصل بهن، ولو اكتفيت بقتلنا حتى نجاح التجربة، فما كنت لتُحادِثنا، تقول ميساكا وميساكا تستنج.»

«...ها؟ أي جزءٍ مما قلتُهُ تـوّاَ يُبدي لكِ أنني أصلاً أردت التواصل بأحد؟!»

«نعم، هذا هو الجزء الغريب الثاني، تقول ميساكا وميساكا ترفع إصبعها الثاني. كل شيء تلفظته تجاه ميساكا كان مسيئًا تمامًا، لذا ينتهي الأمر أبعد من رغبة في الاتصال بهن، تقول ميساكا وتتابع ميساكا.

«لكن...،» قالت الصغيرة وأكملت.

«...ماذا لو أنكَ قلتَ تلك الكلمات أملاً في أن تنكرها ميساكا؟»

«ماذا؟» توقف أكسلريتر.

«كنتَ دائمًا تؤكد على نفسك قبل التجارب... وقبل المعركة، تقول ميساكا وميساكا تتذكر. وكأنك حاولت تخويف ميساكا، وكأنك أردت أن تجبرها على قول أنها لا تريد القتال بعد الآن، تقول ميساكا وميساكا تقترح.»

«هاه؟» التقط أنفاسه.

«لم تفهم ميساكا تلك العلامات—لم تلاحظها مرةً واحدةً حتى، تقول ميساكا وفي ميساكا أسفٌ. ولكن ماذا لو –افتراضيًا– قالت ميساكا أنها لا تريد القتال؟ تقول ميساكا وميساكا تتحدث عن خيارٍ قد انقضى.»

...، أبداهُ قلبه يكاد يتوقف.

نعم، ماذا لو...

في ذلك اليوم، في ذلك الوقت، ماذا لو قالت له الأخت أنها ما عادت تريد أن تكون جزءًا من التجربة بعد الآن؟ أنها لا تريد الموت؟ أكان لأكسلريتر أن يكون عاجزًا حينها؟

بالطبع لا.

لا يمكن أن يكون. التجربة نفسها كانت لرفع مستواه إلى المستوى السادس، وكان جوهرها أكسلريتر نفسه. إذا رفض التعاون، لانتهت. ما كانوا ليعثروا ببساطة على إسبر آخر ليتخذوا منه بديلاً. ولو أراد العلماء تقييده، لما استطاعوا إطلاقاً.

لأنه كان أقوى إسبرٍ في المدينة الأكاديمية.

بالطبع كان الأقوى.

فماذا لو...

ماذا لو، في أول البداية، في بدء التجربة بالضبط...

في بداية كل شيء، قبل أن تضحى بواحدة من الأخوات...

ماذا لو اجتمعت كل الأخوات العشرين ألفًا وتوسلن، بخوفٍ في أعينهن، أنهن ما رغبن أن يكونوا جزءًا من هذا؟

ما كان سيفعل حينها؟

لعله أراد ذلك طوال الوقت.

لهذا السبب كان يسألهم. مرارًا وترارًا وتكرارًا. ولم يعطوه إجابة، فتساؤلاته تصاعدت تدريجيًا، وتحولت في النهاية إلى دوامة لا تطاق شكلها القسوة والإساءة.

أراد من يوقفه.

أراد شيئًا يجعله يواجه ذلك.

تذكر أكسلريتر. منذ التجربة، منذ تلك المعركة في ساحة التبديل، من بعد معركته مع ذاك المستوى صفر، ما الذي تغيّر فيه؟ كان أول سؤال طرحه. وإجابتها كانت واضحة.

تذكر تلك المعركة في الساحة وذو المستوى الصفر الذي نهض مرةً بعد مرة. كان يعرف أنه كان يُكبّر من هول ذكرياته وما شهده آنذاك. ومع ذلك، ورغم ذلك، فكر...

في تلك اللحظة، في آخر النهاية، عندما أسْقَطتْهُ قبضةٌ عادية تمامًا...

بماذا فكر لحظتها؟

ماذا؟

«...اللعنة،» سبّ، وهو مغمضٌ عينيه ورافعًا رأسه نحو السقف.

كانت كلمةٌ وحيدة ما قالها.

وربما يلمّع الأمر كما يشاء—فهو ما كان بأي حال شخصًا جيدًا. إنما فكر في ما حدث في ساحة التبديل. الأخت التي أنقذها ذاك الصفري قد رفضت الموت في التجربة، لكن أكسلريتر حاول قتلها على أي حال. ما أمكنه إنكار هذا. ولا أحد يمكنه.

ما سمع شيئاً من لاست أوردر. تساءل عن نوع الوجه الذي أبدته الآن. ظلّ مغلقاً عينيه، وما زالتا كذلك، ما زالتا... فأدرك فجأة أن في الأمر خطب.

مهما انتظر، لم تقل لاست أوردر شيئاً.

في اللحظة التي فتح فيها عينيه شاكًا، سمع صوت دقٍّ مكتوم. لاست أوردر قد انهارت على الطاولة أمامه. ليس على طعامها، ولكن ملعقتها كانت عالقة بين جبهتها والطاولة.

استطاع أن يعرف من نظرة أن الأمر لم يكن مجرد تعب أو نعاس. بدا أن القوة في جسدها قد خارت تمامًا. وقد بدا تنفسها المكتوم كأنفاس كلب ضال. كأنها أصيبت بحمى.

«هَيي؟»

«أهَهَهَهَ...»، ضحكت لاست أوردر بصوتٍ بدا منهكًا. «حسنًا، أردتُ التواصل مع العلماء قبل أن أصل إلى هذه النقطة، تقول ميساكا وميساكا تصنع ابتسامة دائخة مجبرة.»

«...»

«رقمُ ميساكا التسلسلي هو 20,001، الأخيرة، تشرح ميساكا ميساكا. جسدي لا يزال في حالة غير مكتملة، لذا ما كان ينبغي لي أن أُخرج من الحاضنة، تقول ميساكا ميساكا متنهدة.»

«...»

«لكن بطريقة ما، بشكلٍ ما، استخدمت ميساكا كل الحيل الممكنة لتتجاوز الأمر، لذا تعتقد ميساكا أنها بخير، تقول ميساكا وميساكا تعتقد. تتساءل ميساكا لِمَ؟» قالت بنبرة صبورة للغاية، وكأنها تكاد تغشى.

بدا تقريبًا أنه إذا أغشت هكذا، فلن تفتح عينيها مرة أخرى.

«هَيي!»

«...مم؟ ماذا، ماذا، ما الأمر؟ تقول ميساكا وميساكا تسألك.»

مرت ثلاث ثوانٍ قبل أن تعطي إجاباتها.

واستمرت مبستمة.

بدأت تعرق عرق المريضة، لكنها لا تزال تبتسم له.

بدأت ملامح أكسلريتر تفقد التعبير، ومشاعره تلاشت تدريجيًاً.

رغم لقائهما، لم يكن بوسعه شيء. كان ذو أقوى قدرةٍ في المدينة الأكاديمية، لكن هذا كل ما كان عليه. لم يستطع حماية أحدٍ بها. حتى لو طلب منه أحدٌ المساعدة، كل ما استطاع فعله بقوته هو أن يحبس نفسه، وحيدًا، يرتعش بؤسًا، في مكانٍ يعادل ملجأ نووي. لم يستطع الحماية. لم يستطع الإنقاذ. كان دائمًا الناجي الوحيد في النهاية. ما عساه إلا أن يشاهد كل شيء من حوله يُدمر. تمامًا كما فعل عندما تدمرت غرفته. تمامًا كما الحال مع هذه الفتاة المنهارة أمامه الآن.

«...»

نهض أكسلريتر من مقعده دون كلمة. نظرت لاست أوردر إليه دون أن تتحرك.

«هَه؟ لأين تذهب؟ تسألك ميساكا ميساكا. بقيَ من الطعام كثير.»

«نعم، انسدت نَفْسي.»

«حسنًا... رغبت ميساكا في شكرهم على الطعام، تقول ميساكا وميساكا تتنهد.»

«نعم؟ من سوء حظك.»

أخذ أكسلريتر الفاتورة، بتعبير بارد كالجليد، ومشى نحو المحاسب.

تاركاً لاست أوردر خلفه.

  • الجزء التاسع (31 أغسطس__4:11 العشي.)

سار أكسلريتر في الطريق وحده.

للحظة، جاء وجه لاست أوردر في ذهنه عندما تركها في المطعم، لكنه ما استطاع فعل شيء ساعتها. ما كان بطلًا يلبي الطلب، ولم يكن محققًا مشهورًا من رواية غموض. ولن يُحلل كل الاحتمالات في موقفٍ مُعَيّن في بضع ثوانٍ.

ما عساه يفعل؟

لذا رَحَل دون أن يفعل شيئًا.

وهكذا، فكر ذو الدرب الواحد بغموض وهو يمشي.

القيام بمثل ذلك ليس من شيمه. كأنهما من عالمين مختلفين تمامًا. وعالمها ليس عالمه. هو عملٌ يُحسنه شخصٌ مثل ذاك الصفري الذي وقف في طريقه في ساحة تبديل القطارات.

—‹ ‹واو، هذه أول مرة لميساكا أن تأكل وجبة ساخنة، حرفيا أبدًا! تقول ميساكا وميساكا بحقٍّ متحمسة. ترى ميساكا بخاراً حاراً يخرج من الطبق، تقول ميساكا ميساكا وهي تراقب الطعام بعناية.› ›

وغير هذا، ماذا يمكنه أن يفعل في هذه المرحلة؟ وهل له الحق حتى في فعل أي شيء؟ كان خطأه أن الأخوات تورطن في التجربة. وكان خطأه أيضًا أن لاست أوردر طُردت من المختبر غير مكتملة عندما تجمدت التجربة. كيفما انتهى الأمر، سيكون غريبًا حتى التفكير في الإنقاذ في هذه المرحلة.

—‹ ‹لكن هذه أيضًا هي أول مرة آكل فيها الطعام مع أحدٍ آخر، تجيب ميساكا وهي ميساكا. سمعتُ أن الناس يشكرون على الطعام قبل أكله، تقول ميساكا وميساكا تتذكر. تريد ميساكا فعل ذلك معك! تقول ميساكا وميساكا آملة.› ›

مشى في الشارع، عبر جسرًا، مرّ بمحل بقالة، مرّ بمحلات تجارية، دخل زقاقًا مظلمًا، مرّ بجوار سكن طلاب، ومشى، مشى، مشى، مشى...

—‹ ‹حسنًا... رغبت ميساكا في شكرهم على الطعام، تقول ميساكا وميساكا تتنهد.› ›

وهناك، توقفت قدماه.

رفع نظره.

«بئس ما جلبني لهذا المكان؟»

مختبرٌ واحدٌ شمخ فوقه.

كان الذي خُطِّطت فيه التجربة وأنتجت فيه كل الأخوات. تساءل إذا ما كانت هناك أي حاضنات متبقية لمشروع ضوضاء الراديو. تساءل إذا أمكنه إجراء التعديلات اللازمة لإنهاء تطوير لاست أوردر البدني بمساعدة إحداها.


ما أمكنه من شيء، لذا رحل.

وجاء هنا بحثًا عن شيء يمكنه.

دخل أكسلريتر أرض المبنى.

كان يعلم أنّ تحقُّقَ أيّ من أمنياته لهو خيالٌ مجرد.

لكنه فعل ذلك على أي حال—من أجل إنقاذها.


الواحد والثلاثين من أغسطس، 5:15 المغرب — انتهى.

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)