-->

الفصل الثاني: أوجو-ساما رَيلغن مُعَيّنة. — عُشّاقُ _ اُلشّك.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء الأول (31 أغسطس__8:00 ساعة الصباح.)

مدينة الأكاديمية كانت مؤسسة ضخمة يسكنها 2,3 مليون واحدٍ لتطوير القدرات الخارقة. ومدرسة توكيواداي الإعدادية كانت مدرسةً نخبوية للبنات تُعتبر واحدة من أفضل خمس مدارس في المدينة. حاليًا، كان فيها أقل من مئتي طالبة، بما في ذلك إسبرتين من المستوى 5 وسبع وأربعين من المستوى 4. على الطالبة أن تكون من المستوى 3 فأعلى حتى تدخل المدرسة — وهذا يعتبر أحد المتطلبات.

لم يتغير نمط الحياة الصباحي في توكيواداي أبدًا، حتى في العطلة الصيفية. تفيق الطالبات في السابعة صباحًا ولهن ثلاثون دقيقة ليُحسِنَّ مظهرهن منعًا للإحراج، ثم يتجمعن في الكافيتيريا في السابعة والنصف صباح. وبعد النداء، يُنهين الإفطار بحلول الثامنة.

بالمناسبة، سبب انتهاء الفطور في الثامنة صباحًا هو لأن المدرسة تشجع على ركوب الحافلات المدرسية.

تغلق بوابات المدرسة في الساعة 8:20، ولذا إذا فاتتهن الحافلة، فيضطرن للركض عبر المدينة بأسرع ما يستطعن.

كان اليوم 31 من أغسطس — ما تزال عطلة الصيف — لذا باستثناء وقت العشاء وحظر التجوال وإطفاء الأنوار، كانت الطالبات أحرارًا في فعل ما يشئن. ويبدو أن بقية الناس يستغلون هذا الوقت في التجمع خارجًا لينجزوا الواجبات، لكنك لن تجد مثل هذا التوتر العاجل في هذه الأجواء هنا.

التي جلست في المقصف الكبير الفسيح الوسيع كانت إحدى الاثنتين من المستوى 5 في هذه المدرسة، ميساكا ميكوتو، وهي تمد ذراعيها واسعًا. رغم هذا الوقت من السنة، كانت ترتدي زيّها المدرسي الرسمي. قواعد توكيواداي تَعتبر [السكن] [والدراسة] منشأة واحدة، لذا كان اللباس الشخصي ممنوعًا. شَعرُ ميكوتو البني الواصل إلى الكتف، وعيناها عينا الحزم، وحقيقة أنها ستتحدث لعشرين دقيقة إذا سألها أحدٌ شيئًا واحدًا — كل شيء عنها كان تمامًا ما لا تتوقعه من آنسة مهذبة.

لكن هذا ليس كل شيء. حولها، كانت الطالبات في المقصف يبقين بعد الفطور للحديث والدردشات مع بعض، ومعظمهن أعطوا نفس الانطباع. أينما كانوا، فهم لا يزالوان طلاب مدارس إعدادية يابانية. الفتيات المهذبات في المانجا والروايات –اللواتي يرمزن عادة إلى هوايات ركوب الخيل والمهارات في العزف على البيانو– كن كالماس نادرات (على أنهن موجودات).

(مانجا، مانجا... أوه، صح، اليوم الإثنين، ها؟)

نهضت ميكوتو من مقعدها لمّا أدركت. لطالما تذهب إلى المتجر الصغير فتقف هناك وتقرأ مجلات المانجا كل يوم إثنين وأربعاء. ومع ذلك، كانت تجهل معاناة طلاب الثانوية غير المحظوظين الذين اضطروا لتحمل اهتراء حواف الصفحات من المجلة في كل مرة كانت تضع يدها عليها.

عادةً ما كانت تؤجل جلستها القرائية حتى بعد المدرسة، لكن العطلة الصيفية تركته ممكناً أن تبدأ في الصباح. أرادت أن تعرف من كان المجرم في مانجا المحقق التي فيها كل الغرف مخفية، وأرادت الذهاب على الفور، لذا جمعت أغراضها. وعندما كادت تغادر إلى المتجر إذْ بنادلة تلبس لبس خادمة والتي كانت تنظف الأطباق تُلاحِظها. كانت طالبة من مدرسة أخرى — للتدريب على الأعمال المنزلية — وكانت تعمل في سكن البنات على أنه جزء من "التدريب". بدا أن هذا التدريب كان متعدد الجوانب، لكن حقيقة أنها جاءت إلى سكن توكيواداي دلّت على مكانتها واحدةً من أفضل الطالبات الخدم.

«ميساكا، ميساكاااا. ذاهبة إلى متجر البقالة؟ أو المكتبة؟»

«اليوم ليس العاشر وهو الإثنين، لذا سأذهب إلى البقالة. وأيضًا يا تسوتشيميكادو، أنتِ متدربة لتكوني خادمة أوليس من الخطأ أن تتكلمي بهذه الطريقة غير الرسمية؟»

«ميساكا، ميساكاااا. إن كنتِ ذاهبة إلى البقالة، فهلّا تشترين لي بعض المانجات المشكوكة؟ كما تعلمين، تلك تلك، التي هي حصرًا للفتيات وتكون مثيرة نوعًا ما، لكن ليست للبالغين فقط!»

«أوه، أكنتِ فتاةً تقرأ أعمال من تصنيف حب الفتيان؟ وأيضًا يا تسوتشيميكادو، أنتِ متدربة لتكوني خادمة لذا لا يمكنك أن تطلبي من ضيوفك القيام بمهمات عنك.»

«ميساكا، ميساكاااا. لستُ أنا من أميل لتلك الهوايات — بل رئيسة الطهاة، غينزو-سان! أحبُ تلك الأخرى، تعرفين، تلك الرخيصة التي فيها أخ أكبر وأخت صغيرة في مواقف مريبة!»

«أليست للشباب؟ وأيضًا يا تسوتشيميكادو، أنتِ متدربة لتكوني خادمة لذا لا ينبغي أن تذكري حبكِ لأخيك أمام ضيوفك.»

تنهدت ميكوتو وغادرت المقصف، ثم توجهت إلى الردهة عبر ممر طويل مذهل. لم تقابل أحدًا في الطريق. معظم الطالبات بقين في المقصف للدردشة بعد الإفطار.

وصلت إلى قاعة المدخل وفتحت أبوابها الكبيرة.

على عكس شعور المسكن العتيق وطرازه الغربي، كانت المناظر الخارجية عبارة عن مدينة مستقبلية قريبة بقدر ما رأته العين. بدلاً من خطوط الكهرباء، سترى عنفات توليد الرياح بارزة من الأرض، روبوتات الشرطة أسطوانية الشكل تقوم بدوريات تلقائية في الشوارع، منطاد في السماء بشاشة عرض ضخمة على جانبه — كان المكان مختلفاً قليلاً عن المدن العادية، ولكن من عاشوا هنا اعتادوا المكان لدرجة أنهم نسوا كم هو مختلف فعلاً.

قِبَلَ المسكن ذي الجدران الحجرية كان متجرٌ بقالة صغير يعمل على مدار الساعة. ابتسمت ميكوتو ابتسامة عريضة لهذا الاختلاف الواضح. خطت نحو الطريق... ففجأةً خاطبها صوت رجل من قريب.

«آه، إن لم تكن هذه ميساكا-سان. صباحكِ خير. إلى أين تذهبين؟ أوه، فهل انضممتِ إلى نادي مدرسي؟ إذا سمحتِ، هل لي أن أرافقكِ نصف الطريق؟»

تأوّهت ميكوتو وتيَبّست للحظة. ثم وهي تحاول بيأس صنع ابتسامة متكلفة من وجهها، استدارت نحو صاحب الصوت.

وَجَدَت رجلاً طويلاً يكبرها بعام واقفاً هناك. كان نحيفًا ولكن ذو لياقة، بشعرٍ ناعم وبشرة أكثر بياضًا من معظم اليابانيين — كان من النوع الذي يميل للرياضة حسب المظهر. مظهره كان غِشاً، فقد بدا حسناً مهما لبس وأظهر — سواء كان مضرب تنس أو صاحب حاسوبٍ محمول. أعطى هذا الانطباع الذي يجعلك تفكر أنه سيتلألأ بالضوء المنعكس عندما يتعرق، وأنه بَسُومٌ بشوشٌ سعيد مسالم أينما حلّ وذهب وحدث... هكذا كانت طينته من الناس.

أونابارا ميتسوكي.

كان واحد من الذين وجدت ميكوتو صعوبة في التعامل معهم. كان حفيد مديرة توكيواداي أو شيء كهذا. في مدينة الأكاديمية، التي كان هدفها الرئيسي تطوير القدرات الخارقة، كان مستوى تأثيره يشبه أساسًا تأثير عائلة الرئيس التنفيذي لشركة كبيرة ضخمة. المدرسة كانت مدرسة للبنات فقط، لذا لم يدخل فعلاً إلى المدرسة أو المسكن، لكنه لم يتردد في وضع نفسه في أي مكان آخر.

ولكن أصعب ما وجدته في التعامل معه كان أنه لم يتباهى بسلطته.

«حسنًا، من الجيد أن تندمجي في هواياتك إذا لم تكوني في نادي. ميساكا سان، هل لكِ أي رياضة تمارسينها؟ قد أعلمك الكثير إن كنتِ مهتمة، مثل التنس أو الفروسية أو البادل أو الغولف — ومثلها الكثير — لذا لا تترددي في سؤالي... همم؟ ما الخطب؟ مُتوعكة؟»

«آاه... لا، لا شيء.»

زفرت ميكوتو قليلًا عند نبرة أونابارا القلقة بصدق.

أونابارا ميتسوكي كان بالتأكيد مدركًا تمامًا لمدى تأثير سلطته الشاملة والكاملة، لكنه لم يحاول أبدًا التباهي بها. كان دائمًا يطابق مستوى نظره بميكوتو، فيُحادثها كما لو كانت مساوية له. إذا سألها أحدٌ، فإنه في هذا الجزء المتزن والبعيد والمشابه للكبار لَمْ يتطابق مع الباقي، ولكن طالما أنه كان يتقرب إليها بصورة البالغ، فإنها تتردد في أن ترمي عليه البرق لتحل المشكلة (على عكس طالب ثانوي معين). كان ذلك ليُبديها طفولية للغاية.

وَجَدَت ميكوتو صعوبة في التعامل معه لأنها كانت دائمًا مضطرة لمراقبة كل تصرف تقوم به وكل كلمة تنطق بها، مهما كانت. لم تكن تتحدث إلى صديق — كان الأمر أشبه بمحاولة إسعاد طالبٍ كبير في النادي المدرسي.

(ولكن هذا لا يزال غريبًا. لم يلاحقني هكذا قبل أسبوع. ومؤخرًا صار يفعل هذا كل يوم... آخخ، هل غيّر الصيف الرجل؟ ويا له من تغيير.)

بالتفكير في الأمر، لم يتحدث إليها سابقاً إلا إذا التقى بها في المدينة. وكانوا ليقفون ويدردشون دقيقة، لكنه لم يتدخل في جدولها أبدًا. ولكنه الآن مختلف. كأنه كان يتتبع أفعالها، وبتعبير أكثر عدوانية، كان—

«ميساكا سان؟»

سرحت في نفسها وأفكارها، فإذْ بأونابارا فجأة يقطع المسافة بينهما. ولزيادة الطين بلة، كان ينظر في وجهها من فوق.

«مم، من فضلكِ لا تقلقي. لأين ستذهبين من هنا؟»

«آه، أمم... (بصراحة، أنت من النوع الذي سينفجر من الضحك إذا قلت لك إنني ذاهبة إلى متجر لأقرأ مانجا، ولذا إن أمكن فأنا لا أريد من أحدٍ أعرفه أن يكون بجانبي أثناء ذلك، يعني، نعم، لو كانت كوروكو أو ذلك الأحمق، فلن أمانع، لكن...)»

«ماذا؟»

«ل-لا شيء! أبدًا لا شيء! أفكاري لا تخرج من فمي أو أي شيء!»

«؟؟؟ أما عندم أي مهام مستعجلة تؤدينها؟ آه، إذن ما رأيك؟ أعرف مكاناً قريب يقدم أشهى المأكولات البحرية، لذا إذا كنتِ فاضية، فتعالـ...»

(أحقاً هذا الرجل يعزمني على الطعام بعد الإفطار مباشرة؟)

تأكدت ميساكا من أن لا تظهر ذلك على وجهها.

«آه، لكن، نعم، سعيدة بدعوتك، لكن لدي أشغال...»

«إذن هل نذهب الآن؟ سأرافقك.»

«أمم، حسناً، عندي أشغال، لكن كيف أقولها...؟»

«...؟» عبس أونابارا قليلاً. «أيمكن أن يكون مكاناً صعبٌ علي دخوله؟»

«آه، نعم، هذا هو!» قبضت ميكوتو قبضةً. «أ-أنا ذاهبة إلى...(أمممم)...صحيح، أردت دخول متجرٍ كبير لأنظر وأبحث عن ملابس داخلية. أترى، هذا ليس مكاناً يرغب شاب في دخوله، صح؟»

«سأرافقك.» جاءت إجابته فوراً. بابتسامةٍ تكاد تلمع، وما بدا عليه الجنون.

حتى هذه لا تُوقِفه؟! فكرت ميكوتو، وهي تضع يدها على رأسها ذهنيًا.

(آغغ، ماذا أفعل، ماذا أفعل؟ إي نعم، سأدعي أنني أنتظر أحدًا آخر. عندها لن يرافقني بالتأكيد. حسنًا، قد يكون أمرًا مبتذلاً كثيرًا، لكني سأمسك بشخص ما وأقول، "آسفة، انتظرتني؟" ثم أرتجل الكلام من هناك! لعلّي أزعج الذي سيتورط معي، لكن سأعوه بعصير من آلة البيع أو أي شيء.)

نظرت ميكوتو يميناً ويسار، تبحث عن الشاب الذي سيلعب دور عشيقها. لسوء الحظ، كان اليوم 31 أغسطس.

في مدينة الأكاديمية، حيث 80 في المئة من سكانها طلاب، كان اليوم يومًا للانغلاق في المنزل ومصارعة الواجبات المتبقية.

مما يعني أنه لم يكن هناك أحد حولها، أينما رأت.

يا ليل، وضع ميئوس! صرخت ميكوتو في نفسها، وعند تلك اللحظة بالذات، كما لو أنها تلقت هديةً إلهية، ظهر ثلاثة شبان من زقاقٍ قريب.

  • الجزء الثاني (31 أغسطس__8:25 ساعة الغدوة.)

تسوتشيميكادو موتوهارو وأوغامي بيرس.

كاميجو توما قد واجههما في المدينة بكير هذا الصباح. وعلى ما يبدو، كانا زميلاه في الصف — قلنا "على ما يبدو" لأنه كان فاقدًا للذاكرة ولم يسبق له أن عاش بيئةً صفية من قبل.

لم يحمل كاميجو وقتاً للتجول في الشوارع. لم يلمس حتى واجباته المنزلية طوال عطلة الصيف حتى اليوم، 31 من أغسطس. كان في سباق مع الزمن.

وبعد أن علم بتأخره الكبير في واجباته، قال لنفسه أنها ستكون ليلة عملٍ طويلة فذهب ليشتري قهوة من البقالة. للأسف، الرف الذي احتوى على العلامة التجارية التي يشربها دائمًا كان فارغًا بوضوح. وبينما كان يتساءل مع نفسه من الذي احتكر كل تلك تذاكر الخصومات البريدية، قابله أوغامي وتسوشيميكادو. زميلاه في الصف كانا قد انتهيا من الواجبات منذ دهر وأرادا فعل شيء لا يُنسى ليستمتعا بآخر يوم عطلة الصيف بأقصى ما يكون. لكن—

«آااااه، تصدق أنها آخر يوم عطلة الصيف، كاميان؟ آآخخ يا ولد، ما جتني (جائتني) فتاة طاحت من السما، ولا واحدة بأذاني قطة في صندوق كرتوني وقت المطر، ولا فتحت باب حتى ألقى بنت عالة ظريفة تعتمد علي وآخر شي تعيش في بيتي، ولا أي شي ذي السنة، بعد! من جد، لييه؟ ما صارلي حدث واحد هذا الصيف. ولو كانت هذه رواية، فأحلف لك أن المؤلف ساحب علي ويقول، "قضى الطالب وقته خلال العطلة" صححح؟!»

كانت هذه كلمات أوغامي، بلهجته الكانساي المزيفة، ناظرًا إلى الماضي...

«آخ، ودي بحياة كوميدية رومانسية! لكن مدرستنا مختلطة المفروض تبا. أكيد أن فيه رومانسية كوميدية تنتظرني هذا الفصل! وتكون غير واقعية بعد: فمثلا لمّا كل فتاة في المدرسة، من السينباي للكوهاي للمعلمات وزملاء الصف ورواد الصفوف وصاحبات الطفولة ومديرات السكن، كل واحدة منهم، ما تكون عندها ذرة خبرة مع الرجال وبدون سبب!»

...وهذه كانت كلمات تسوتشيميكادو موتوهارو، بطريقته الغريبة في الكلام، ناظرًا إلى المستقبل.

وضع كاميجو يده على جبهته من آراءهم المستحيلة.

«يا أغبى الأغبياء. أتفعلان هذا حقًا وأنتما تعرفان أنني أنا، كاميجو توما المتواضع، غارقٌ في واجباتي؟ فقط اتركوني، هذا اليوم على الأقل! ولحظة، أود لو تستخدمان قوة الصداقة وتساعداني أو أي شيء!»

«عادي كاميان! لا تحل واجبك، وخذ دروس خاصة لحالك مع الاستاذة كوموي! آخخ، ليه حلّيت واجباتي حتى؟ يمكن كنت أبيها (أبتغي منها أن) تمدحني أو أي شي. قدامي الكثير حتى أتعلمه منك كاميان!»

«وبعد يعني، مساعدتك في الواجبات ما لها علاقة بكوميديتي الرومانسية. ولكن إذا طاحت فتاة من السماء حتى تساعدك في الرياضيات، فلا أمانع المساعدة بكل سرور، نيا!»

كان كليهما بوضوح يضحكان على نحسِه؛ فابتسم كاميجو مكتئباً.

«كيف أقولها...لا فائدة حقًا من أن مصاحبتكما. ولحظة، ما قصدت بسقوط الفتيات من السماء؟ لا تقل أن ما تحبه هو فتيات القوات الجوية؟»

ردًا على صراخه، أجاب تسوشيميكادو بلا مبالاة أنه في هذه الأيام، الفتيات اللاتي يسقطن من السماء سيعلقن على شرفات الناس على أي حال. لم يفهم كاميجو ما كان يهذي عنه.

كان فاقدًا للذاكرة.

من ناحية أخرى، ردّ أوغامي، بطريقته الكلاسيكية المعتادة:

«هاه! كاميان؟ ما أهتم بس بالبطلات النازلات من السماء؛ فأنا منفتح العقل أرحب بأي فتاة، وأعطيك منها شوية أمثلة بس لا تحصرها : الأخوات غير الشقيقات (كانت أكبر أو أصغر) وزوجات الأب وبنات الزوج والتوائم والأرامل والسينباي والكوهاي وزميلات الصف والمعلمات وصاحبات الطفولة وعباقرة الدراسة، وبعد أحب الشقر وأم الشعر الأسود والبني والفضي والقصير وشعر البوب (المقصوص بشكل دائري قصير) وذات الخصلات والشعر المستقيم وذيل التوأمتين وبنت التسريحة السابّة (ذيل الفرس) والضفائر والشعر المموج والمجعد والمتشابك، وأحب بعد بنات زي البحارة والبليزر وملابس الرياضة وملابس الجودو والرماية، ومعلمات الحضانة والممرضات والخادمات والشرطيات والكاهنات والراهبات والجنديات والسكرتيرات واللولي والشوتا والتسوندري والمشجعات والمضيفات والنادلات وبنات الغوث باللون الأبيض وحتى الأسود وبنات فساتين الصين وضعيفات البنية وذوات المهق والخيالات المجنونة والمتوهمات ومنفصمات الشخصية والملكات والأميرات، وأحب الفتيات ذوو الجوارب الطويلة وحزام الساق والمسترجلات وأم نظارات وأم قِذلة وذي الرقعات والضمادات وملابس السباحة المدرسية وأم قطعة واحدة والبكيني وملابس السباحة الغريبة، واللابشريات والأشباح والفتيات الحيوانية، طيب؟»

«واحدة مما سمعت لم تكن حتى أنثى!»

وَجَدَ كاميجو نفسه متعبًا بعد ذلك النص. فابتسم تسوتشيميكادو.

«لكن يا كاميان، ما نوعك المفضل، هه؟»

«...تكون مديرة مسكن. ولا بأس بالوكيلات أيضا.»

«نحن في سكن الصبيان! ومدير مسكننا شايب!»

«كل تبن! أدري أنه مستحيل واقعيًا! هو مثل الطفل الوحيد الذي تمنى أن يكون لديه أخت كبيرة! فلماذا لم تتجاهل هذا؟!»

«أكك. أفهمك، الإداريات، ها؟ لكن ألا تحب شخصيات الأخت الصغرى، نيا؟ بحق، اختيار الأساسيات مثل الأخوات الصغيرات هو الأروع،» أومأ تسوشيميكادو، الذي امتلك أختاً غير شقيقة أصغر في الواقع.

لكن كاميجو وأوغامي نظرا إليه بألمٍ. وباسم صديقهم تحدث كاميجو.

«اسمع، لأني صديقك، علي أن أحذرك من شيء إن أردت أن تسير علاقتك بأختك على ما يرام.»

«م-ما هو؟»

«أختك غير الشقيقة؟ هي واحدة من تلك الفتيات اللاتي ينادين الجميع "أوني-تشان".»

«ماذا قلت يا ملعون؟!» صرخ تسوشيميكادو غاضبًا، وهو يلوح بيديه. «لا يمكن أن يصح هذا! لن تنادي أحدًا غيري أوني تشان أبدًا، مهما كان أيْن ومتى ولمَ أو مَنْ حتى!»

«يا ولد معاه حق. أذكر ذاك اليوم عزمتها (دعوتها) للغدا أمس في سرداب ذاك المحل قدام المحطة وقالت لي، "شكرًا، أوني تشان!"»

«نعم، وأمس عندما التقيت بها في الشارع الرئيسي ذاك، قالت لي، "هلا، توما أوني تشان."»

وحينها، كأنهما سمعا صوت تسوشيميكادو يعض شيئًا عميقًا في فمه.

«سأقتلكم... وإياك أن تصحب أختي للغداء دون إذني!!»

بهذا، جاءت قبضة أخٍ أكبر غاضب على كاميجو وأوغامي.

  • الجزء الثالث (31 أغسطس__8:35 ساعة الغدوة.)

تجمدت ميكوتو ميساكا في مكانها لعشر دقائق كاملة ما إن رأت الثلاثة. أثناء ذلك، قاموا بما يشبه إعادة تمثيل المعركة النهائية في آخر خمسة عشر دقيقة من فيلم هوليوود. ومن وقتٍ لوقت، كان أونابارا يُلوّح يده بترددٍ أمام وجهها ويقول، «مرحبًا؟» لكنها لم تلحظه. وراقبتهم فقط، وفمها ما زال يشكل حرف «آ» فأكملت «آآآاسفة، انتظرتني؟»

(مهلا، مهلا لحظة، مهلا ثانية، أهذا من سيقوم بدور عشيقي؟ أونابارا لا يعرف أي شيء، لذا ربما يراه فعلاً عشيقي، لكن... آخخ، ذلك الذي معه يتكلم عن أخته بذاك الشكل...!)

كان هذا كافيًا أخيرًا ليُذيب عقل ميكوتو المتجمد؛ فدفنت وجهها في يديها.

«تعبانة؟» جاء صوت أونابارا. فصنعت بسمةً مزيفة وألقت نظرة أخرى حولها ففكرت. (لا، لا أرى أحدًا غير هؤلاء الثلاثة.) علاوة على ذلك، كانوا يبتعدون عنها أكثر فأكثر. إذا لم تسرع، فقد تجد نفسها عالقة طوال اليوم كله تقضيه مع الشاب المهذب هذا.

(لا خيار آخر. أراهم يُظهرون مشهد المعركة الأكثر شدة سأراه طوال اليوم، ولدي شعور أنهم يفعلونها من قلبٍ فعلاً، لكن عليّ أن أختار واحدًا منهم.)

من تختار؟

(ماذا عنه. لديه شَعرٌ كأنه أزرق وفي أذنه حلقات... لا، ليس هذا! أسمعه يهذي بأشياء مجنونة حتى ميساكا-سينسي محبة المانجا لا تفهمها، ولعله يفكر أن فتاة ثلاثية الأبعاد تتطفل فتخرب عليه أفكاره عن ثنائية الأبعاد.)

هزت ميكوتو رأسها من جانبٍ لجانب.

(التالي هو ذاك. شعره أشقر وفيه نظارات شمسية... ليس هو أيضًا! مما يقوله، يبدو خطيرًا منحرفاً قد يَمُد يده على أخته وإن لم تكن أخته بالدم!)

هزت ميكوتو رأسها كثيرًا حتى شعرت بعقلها يهتز.

(حسنًا، الثالث... مهلا، هذا...؟ آخخ، تبًا! لا، أي شيء غيره! هفف، لكن، إذا استثنيناه، فإن ذو الشعر الأزرق وذو النظارات الشمسية فقط هما الباقيان، لذا، أهمم، آآآآههه!)

«ها، تمهلي، ميساكا سان، إلى أين تذهبين؟!»

أغلقت ميكوتو عينيها وانطلقت. سمعت صوت أونابارا ميتسوكي خلفها، لكنها لم تأبه له. بينها وبين هدفها حوالي عشرين مترًا. الأولاد المتقاتلون في معركتهم النهائية لم يلاحظوا بعد العدو القادم بسرعة.

  • الجزء الرابع (31 أغسطس__8:40 ساعة الغدوة.)

«آآآسفة! انتظرتنيييي؟»

عندما سمع كاميجو ومن معه صوت الفتاة خلفهم، توقفوا فتجهمت وجوههم بعدما دخلوا للتو ذروة معركتهم المثيرة. أبدوا منظراً وكأن أحدهم قد سكب الماء عليهم. وهو واضحٌ أنه أيا منهم ما كان ينتظر لقاء فتاة، وكلّ واحدٍ منهم طحن أسنانه مفكرًا: ‹ ‹اللعنة، لابد أنها تنادي شابًا جذابًا من قريب وليس لي علاقة!› ›

ولكن، عندما هدأوا قليلاً، أدركوا أن اليوم هو 31 أغسطس — فلا ينبغي أن يكون أحدٌ من الناس قريب...

‹ ‹؟› › نظر كاميجو مشوشًا، وفي تلك اللحظة —

«انتظرتنييي؟ أكيد سمعتني فلا تروح وتطنشني يا حمار!» [1]

اندفعت فتاة في خصر كاميجو من الخلف. فخرج صوت ارتطام حيث أنه والفتاة ارتطما بالأرض على الطريق.

الآن وهو مغمور تحتها، لَوَى جسده بالكاد لينظر في هوية من تعلق بجسده.

«ل-اللعنة، من ذا...؟ ها، ماذا؟! ميساكا؟! من بين الكل!»

«...(ما الذي تقصده بهذا؟! آخخ لا يهم، من فضلك، من فضلك تماشى معي!)»

ردّ كاميجو «ها؟» لهمسات ميكوتو وعيناه صارتا نقاط. أوغامي وتسوشيميكادو تفاعلا بشكل مختلف تمامًا.

«هاااه؟! ك-كاميان تحضنه بنت من إعدادية توكيواداي! كانت معك ذيك الكاهنة والراهبة وحتى الأستاذة كوموي! لا يكون أنك بديت أسطورة الكامجيو جديدة؟!»

«تمهل يا كاميان، كم عَلَماً فعّلت وكم مهمةً أنهيت لتصل إلى هذا؟»

ارتجفت ميكوتو غضبًا بسماع أصواتهم. لكن هذا كل شيء. كان هذا أبعد بكثير عن تصرفها المعتاد، كانت متحكمة إلكترونٍ [2] من المستوى 5 وفيها عادةٌ في رمي البرق عشوائياً كلما جاء من يغضبها.

«هَه، ميكوتو-سينسي؟ ما الذي تفعلينه؟»

«...(اصص! اصمت...آغغ، هذا سيئ. المسافة طويلة حتى ما عدت أسمع حديثه...مهلا، بما كنتم تعبثون أصلاً؟...)»

رفعت ميكوتو قبضتها المرتعشة ناظرةً إلى البعيد في الأفق. تتبع كاميجو نظرتها مع «؟» على بعد قليل على الرصيف، فوَجَدَ أحد أولئك الشبّان الناعمين الذين تراهم من حين لآخر واقفًا هناك وحيد. بدا وكأنه تجمد، غير متأكدٍ من كيف يتعامل مع تصرفات ميكوتو الغريبة المفاجئة.

ابتعدي! بدا كاميجو منزعجًا وقلبه ينبض أسرع قليلاً. فأخذت ميكوتو نفسًا عميقًا فقالت.

 

«آه ها ها ها! آسفة جدًا على تأخري! طوّلت عليك؟ انتظرتنييي؟ سأعوض عنك بشيء لاحقًا، لذا من فضلك سامحني، طيّب؟»

«.............................................................................................................ماذا؟»

صدى صوتها. ولم يعرف ما يقول. أوغامي وتسوشيميكادو تجمدا في الزمن. والشاب الأنيق كان ينظر بعيدًا مُحرَجًا.

وفجأة، -بام!- انفتحت النوافذ في سكن فتيات توكيواداي دفعة واحدة.

«أا...»

تشنج وجه ميكوتو وتجمد، مأسورةً في ابتسامتها. كانت الطالبات اللاتي ينظرن من النوافذ يتحدثن مع بعضهن بصوتٍ خافت. وفتاة ذيل التوأمتين، شيراي كوروكو، صنعت وجهًا مدهشًا حقًا، وتحرك فمها كأنها تعض على شيء. وعلى بُعدٍ قليل عبر إحدى النوافذ، ظهرت امرأةٌ بالغة بدت كأنها المسؤولة عن المكان.

قالت المرأة البالغة شيئًا. قالتها بهدوء، وكانت بعيدة، لذا لم يصل صوتها إلى كاميجو وميكوتو. رغم ذلك، كلماتها القاسية ترسخت بوضوح في أدمغتهم.

‹ ‹مثيرٌ ما أرى. فيكِ جرأةٌ يا ميساكا في أن تُرتبي لقائك عند مرأى كل الطالبات.› ›

«آ-ها-ها...» تصلبت عضلات وجه ميكوتو بشكل غريب. «آها-ها-ها-هاااا! أوواااااااه!»

وهي تحافظ على ابتسامتها المزيفة تمامًا، أمسكت ميكوتو يدَ كاميجو وانفجرت جريًا. ودون أدنى فهم لما يحدث، جُرَّ بعيدًا معها.

  • الجزء الخامس (31 أغسطس__9:45 ساعة الضحى.)

وهكذا، جرى كاميجو وميكوتو في المدينة ساعة كاملة.

«ت-تمهلي! كيف مر الوقت هكذا! ولماذا ركضنا دون توقفٍ ساعة حتى الآن؟!»

«اصمت! اخرس، اخرس! من فضلك، دعني أهدأ وأرتب أفكاري!»

وميكوتو كانت تهز رأسها من جانبٍ لآخر منذ فترة، وهي تتأوّه.

تفقد كاميجو ما حولهما. لابد أنهما دخلا طريقًا خلفيًا ما. وهنا أحاطتهما المباني الشاهقة من كل الجهات، على أن أحدهم، الذي كان أقصر من البقية، بدا وكأنه مسكن.

أخذت ميكوتو نفسًا عميقًا، ثم هدأت أخيرًا.

«هفف، آسفة، يبدو أنني فقدت أعصابي قليلاً. سأشرح كل شيء، لذا دعنا نذهب إلى مكان نجلس فيه، تمام؟»

«ها، تشرحين؟ هل ستدخليننا في مشاكل أكثر؟»

«آه، قربنا من العاشرة؟ ينبغي أن تكون المطاعم مفتوحة في هذا الوقت. قد أكلتُ هذا الصباح، لذا ربما نبحث عن شيء خفيف. عربة النقانق قد تفي...»

«انتظري، ولا تتجاهليني! أسألكِ ما إذا كنت ستدخليني في مشاكل أكثر! فأنا عندي واجبات أنجزها لعلمك! ومهلا، لا تشركي الناس في فوضاك وترضينهم بنقانق رخيصة!»

«همم؟» وضعت ميكوتو سبابتها على خدها. «حسنًا، لنذهب.»

«هه؟»

«أقول، سنشتري أغلى نقانق في العالم. وستمشي معي في هذا، تمام؟»

«حسنًا، ليست هذه المشكلة... آخ، انسَ، هي لا تسمعني حتى!»

لم يُعطَ وقتاً للقلق حيث جرّته ميكوتو بقوة إلى الطريق.

  • الجزء السادس (31 أغسطس__10:15 ساعة الضحى.)

الواحد بألفي ين.

حدق كاميجو في الأسعار، وفمه مفتوح. البيّاع في كشكه حديث الشكل — لعلها كانت شاحنة معدلة — أعطاه ابتسامة متصنعة. ربما اعتاد ذلك كثيرًا.

«ألفين... كيف بهذا القدر؟ ما مكوناته حتى؟»

«إذا أخبروا الناس لانتهى عملهم. أوه، هل لي بنقانقين من فضلك؟» طلبت ميكوتو لنفسها حيثما كان كاميجو يراقب البائع في عمله. لا الخبز ولا النقانق كانا كبيرين خاصّة. وما وجد أي مكونات غريبة أيضًا. لم يرغب في القول، ولكن بدا له أنها لو وضعت هذه النقانق بجانب أخرى من محلٍّ آخر، فلن يعرف الفرق. ومن حجمها الصغير، بدت أقرب لوجبة خفيفة من طعام رئيسي.

(أهي تدفع ألفين لأجل هذا؟)

اتكئ كاميجو، حيث دفعت ميكوتو بالمال مقابل نقانقين.

«هَـ-هَيي، هذا المال—»

«ما بك مرتبك؟ للنقانق أنواعها، تمامًا مثل أي شيء آخر. ومثل الأكشاك في لوس أنجلوس التي هي أساسًا أماكن تجمع نجوم الأفلام فيها. أواثق أنك لا تعرف فقط كيف تُسَعّر هذه الأكلات؟»

«لا، ما قصدت. أعني، سأدفع ثمن أكلي بنفسي.»

«ها؟ لا، لا داعي أن تزعج نفسك بكل صغيرة. لا تتعب نفسك وتخرج محفظتك لأجل هذا.» أجابت ببساطة، مما صنعت ابتسامة جافة تمر على وجه كاميجو، الطالب الفقير. مهما كان ليقول، كانت ميساكا ميكوتو واحدة من النخبة — آنسة محترمة تدرس في مدرسة توكيواداي الإعدادية.

وجدا مقاعد قريبة من المكان — لعلّ البياع فتح محله هنا لوجود مقعدٍ. كانت الشمس من فوقهم محجوبة بسقفٍ من الأشجار على جانب الطريق، فبدا الجو لطيفًا باردًا... لكن من المحتمل أن يكون حارًا فعلاً. حرارة [كانتو] الشديدة هي حقيقية، ولا رحمة فيها. ولزيادة الطين بلة، سمعوا صوتاً حادًا، ربما من أعمال بناء، تصلهم من بعيد.

«ها هو أكلك.»

سلّمت ميكوتو نقانقه. فحدّق فيها. ثم أكلها. لم يرغب في الاعتراف، لكنها كانت لذيذةً بحق، بل أكثر، لكنه كره كيف لم يُفرق بين هذه النقانق والأخريات.

قضمت ميكوتو أكلتها، وهي تكافح للحفاظ على الخردل بعيدًا عن أنفها. وهي تواصل، بدأت شرحها — حول كيف كانت تُلاحَق من قبل شابٍ "ناعم" يُدعى أونابارا ميتسوكي، وكيف كان من الصعب عليها ببساطة رفضه، وكيف تعبت من أسئلته المستمرة ودعواته للخروج معها طوال الأسبوع الماضي، وكيف كانت تحاول إبعاده بخطة العشيق الزائف، وكيف كان كاميجو هو المرشح الوحيد في الأفق، وغير ذلك.

نظر كاميجو نظرة سريعة حولهم. وكما كان متوقعًا، لم يكن أونابارا موجود. حسنًا.

(لا أظنه لحقنا ليراقبنا من ظلال الأشجار طوال ساعةٍ، لكن...)

«لكن من جد، لقد ابتعدتِ عنه الآن، صح؟ لا أرى داعيًا في التظاهر بعد الآن. لا فائدة من التمثيل حيث لا يرانا، صح؟»

وكان ينتظره جبلٌ من الواجبات المنزلية المتبقية. أراد بحق أن يُوَلّي نفسه الاهتمام مرةً على الأقل.

«همم. حسنًا، ابتعدتُ عنه فقط للآن. وفي المرة القادمة التي نلتقي فيها، سيطاردني بالتأكيد. وبما أن الفرصة جائتني، أريد أن أتأكد أنه لن يفعل ذلك مرة أخرى.»

«...لحظة.»

«يعني أنني سأبقى معك باقي اليوم. وأود لو أظهر هذا لأكبر عدد من الناس ممكن. إذا صادفنا أونابارا عدة مرات في المدينة، قد يترك هذا انطباعًا أقوى عليه. ما أعنيه هو، كل شيء مباح طالما أنه يجعل أونابارا يتركني وشأني، لكن، نعم... ما بك؟ لماذا أمسكت رأسك هكذا؟»

كاميجو، وهو يضع يديه على رأسه، أجاب أنه لا شيء وتنهد.

هذا كله يعني أن ميكوتو كانت تطلب منه أن يتظاهر بأنه عشيقها طوال اليوم. لكن كاميجو فكر —رغم أن خطتها قد تنجح بشكل رائع— أن نهايته ستكون جنونية كأن يبدأ علاقة مع طالبة إعدادية. فهو يعيش مع إندِكس—لكنه لم يعرف كم كان عمرها. وعنده معلمةٌ تبدو في الثانية عشر، لذا لم يكن أبدًا حذرًا بما يكفي بشأن هذا الموضوع.

والأهم ، كانت عنده واجبات صيفية. بالطبع أراد أن يرفض، لكنه رأى عيون ميكوتو تميل نحو الغضب تدريجيًا. فبدأ كاميجو يفكر، هذا سيء. إذا غضبت مني بجدٍّ، لربما تكون الواجبات أقل همومي. وهو محتمل أن تسحبني إلى معركة مدتها أربع وعشرين ساعة (رغم أن ذلك سيكون تضييعًا للوقت غير ضروري، لا أشعر أنني سأخسر على أي حال.)

بدت مزعوجة من صمته الطويل، فسألت، «عندك أسئلة؟ أفكار؟ أي شيء؟»

«ولا شيء. هل لكِ فقط أن تمسحي هذا الخردل عن أنفك؟»

صرخت ميكوتو وتَـوَرّد (احمَرّ) وجهها. لفت نقانقها نصف المأكولة بمناديل ووضعتها على المقعد. ثم بعد أن استدارت عنه، حاولت بانفعال مسح الخردل عن وجهها بمنديل، لكن...

«هييييش؟!»

هذه المرة، أمسكت أنفها وضربت برجليها الأرض. ولأنها تسرعت في مسح الخردل، دخل بعضه في أنفها.

«مم... أنتِ بخير؟»

تابع كاميجو حركتها، ولف نقانقه ووضعها على المقعد، وبدأ يبحث في جيبه بيده الأخرى عن مناديل. وعند رؤية هذا، صنعت ميكوتو ابتسامة مجبرة وقالت، «أ-أنا بخير. لم يحدث شيء في الأساس.»

أرادت أن تتعامل مع تصرفها الأخرق مع الخردل كما لو أنه لم يحدث. عندما نظر إليها مرة ثانية، رأى في وجهها تعبيرًا من الهدوء. لكن ذلك كان فقط على الظاهر—لابد أن خردلاً كثير دخل أنفها لأن وجنتيها احمرّت وشفتيها أحكمت محاولةً بيئس كبح دموعها التي كادت أن تتشكل عند زوايا عينيها. وكانت كتفيها ترتجفان.

«إ-إذن ما عندكَ أسئلة، أو أفكار، أو أي شيء؟»

«بجدية، هل أنتِ بخير؟ بأيّ حال، ربما يكون من طباعكِ أن تنظري لأعلى وتبكين لأسباب تافهة كهذه. أرى فيكِ دموعًا تكاد—»

«اخرس! قد قلت لك، لم يحدث شيء! أحمق! واترك عنك هذا المحيا اللطيف الغريب! ولا تقرب المناديل مني!»

كانت كلماتها حادة؛ فسحب يده سريعًا.

(حسنًا، إن أرادت أن تنسى الأمر، فأنا كذلك سأنسى.)

تنهد. ثم وهو يمدّ يده نحو النقانق الذي وضعها على المقعد، قال: «ها؟»

وجد نقانقان ملفوفان بمناديل ورقية في المساحة الصغيرة للمقعد بينهما. كانا لهما، لكنه لم يستطع أن يقول أيّ منهما كان له.

وصلت ميكوتو إلى نفس الإدراك فسألت: «مم... أتتذكر أيّهما كان لك؟»

«لا أظن... لكن ربما كان الذي على اليمين.»

دون أن يفكر في الأمر كثيراً، مدّ يده نحو النقانق على اليمين. وقبل أن يصل، أمسكت ميكوتو معصمه بسرعة مذهلة.

فنظر إليها متفاجئاً.

«توقف لحظة. ودعني أتأكد.»

«ماذا؟» أجاب بشكٍّ.

أخذت النقانق من يده وقارنتهما جنباً إلى جنب. ثم فكّت تغليفه وألقت نظرة فاحصة على الأجزاء المأكولة.

لكن، كما بدا له، لم يعرف الفرق أبدًا. قد أكلا حوالي النصف، ولذا لا يزالان بنفس الطول تقريبًا، وكانا فيهما نفس الإضافات—لذا لم يستطع التمييز بينهما.

ولأنهما كان نفس الشيء، لم يهتم فعلاً.

«فهل اكتشفتِ؟»

«...»

«هل اكتشفتِ؟»

«...»

«هل—»

«آه، كفى، كل تبن! لا أعلم! مهما كان. فقط خذ الذي على اليمين، وسأخذ اليسار، كما قلتَ! انتبه أكثر المرة القادمة يا غبي!»

أخذ كاميجو النقانق منها، وهو مشوش من الهراء غير القابل للتفسير الذي هذرت به.

«ما بكِ ثرتِ في هذا؟ فقد طلبتِ لكلينا نفس الشيء على أي حال،» قال، وهو يقضم قضمة عادية. كما توقع، لم يستطعم اختلافًا مطلقًا.

ثم، توقفت شكاوى ميكوتو فجأة. لم تتحرك اصبعًا، وفي الحقيقة، بدت وكأنها تجمدت من الصدمة.

«ما خطبك؟»

«لا شيء،» ردّت.

أمسكت نقانقها بكلتا يديها، وحدّقت فيها لحظةً، ثم أخيراً وضعته في فمها كحيوانٍ صغير قلق. وتورّد وجهها قليلاً.

«...على أي حال، نعود لموضوعنا. أريدك أن تتظاهر حتى أخدع أونابارا. فهل عندك أي أفكار أو أسئلة؟»

«مم، بجدية، ما الأمر؟ فجأة تصرفتي كأنكِ سمكة خرجت من الماء. أكان الخردل في أنفك بذاك السو—»

«اخرس! ما كان هذا... لا، مهلا! انسَ الأمر! إني فقط أسألك ما إذا كانت عندك أسئلة أو أفكار حول هذا!!» صرخت وتورد وجهها، ومالت نحوه. يكاد وجهيهما يتلامسان، فسرعان ما سحب كاميجو نفسه بعيداً.

«واااه؟! مم، آه... أفكاري تقول "ما هذه السخافة؟" وسؤالي لك هو "ماذا عليّ أن أفعل بالضبط؟".»

«ها؟ ماذا عليك...؟»

«نعم، ماذا أفعل لأبدو عشيقك؟»

«...»

«...»

ماذا يفعلان؟ توقفا.

يا لصغرهما—ما بدأا فعليًا المواعدة بسبب أي شيء، وما كان لأيّ منهما علمٌ بماذا يفعلان حتى يظهران على ذلك النحو.

  • الجزء السابع (31 أغسطس__10:45 ساعة الضحى.)

في النهاية دردشا بلا هدف وهما جالسان على المقعد.

ولكن بما أن كل طلاب المدينة على الأرجح يعملون بجد لإنهاء واجباتهم الصيفية، كانت الشوارع صامتة بالمرة. الوحيد الذي سمعهم كان بائع النقانق. بدأ كاميجو يدرك بسرعة أن هذه مشكلة — هدفهم كان التظاهر من أن يراهم أكبر عدد ممكن من الناس.

«إذن بعد كامل التجربة، ما بقي في المدينة الأكاديمية إلا عشر أخوات. يبدو أن معظمهن قد أُرسلن إلى أماكن في الخارج ليُجرى عليهن تعديلات جسدية»، قالت ميكوتو.

«مهلا، ذهبوا إلى الخارج؟ ظننت أنهن إسبرات. وإذا فُحصت أجسادهن، ألن يكتشفوا أسرار المنهج الأكاديمي وأشياء من هذا القبيل؟»

«يعني، حتى في الخارج هناك شركات ومختبرات متعاونة مع المدينة الأكاديمية. ولعلمك، المدينة لن تصمد وحدها. قد تراها صعبة، ولكن لها اتصالاتٌ ومعارف في كل مكان لجمع الأموال، والتحكم في المعلومات، والخدمات القانونية...»

«هَه. إذن أظن هذا يعني أنهن جميعًا بخير. سعيدٌ لهذا.»

هدأت ميكوتو قليلاً عند ذلك. وكان تعبيرها يوحي بأنها لم تقتنع بشيء أو كأنها كانت منزعجة. مهما كان، لم يعرف كاميجو، فتوقف لحظةً أيضًا.

«همم، ألا ترى أن هذه المواضيع عميقة بعض الشيء لمحادثة عشاق؟»

«بصراحة، لا أدري. بحديثنا عن منشآت البحث وأعوان المدينة الأكاديمية والتعديلات الجسدية... ربما.»

«...(إي صح. تحمست في الكلام لأن موضعونا كان عن فتيات أخريات، ها؟)»

«ماذا؟»

لم يسمع كاميجو تمامًا ما قالته، لكن ميكوتو أصرت قطعيًا على أنه ليس مهمًا.

نظرت إليه من طرف عين ولم يلاحظها. أخذ قطعة من الورق مطوية من جيب بنطاله — كانت حزمة تحتوي على شيء ما مطبوع باللغة اليابانية الكلاسيكية أو شيء من هذا القبيل. ثم أخذ قلمًا ميكانيكيًا وبدأ يشتغل على أسئلته.

«...أتعي حقًا ما أخبرتك به؟ كيف يرانا الناس نتواعد وأنت هكذا؟ أن تتجاهل آنسةً وتغمر نفسك في دراستك لهو كما كان الحال في أوروبا في العصور الوسطى!»

«أوه، صح، صح. واو، مُجَسّم ميكوتو-تان حَيل مُوي~~...» [3]

«مجسم؟ ولا تعاملني إنسانة حتى؟!»

«وااااه، هذا حَدثُ الجلسة الدراسية المثير! وحتى إني كتبت قصيدة لكِ عن حياتنا المدرسية! مقصد كلامي إني لم أنجز واجبًا صيفيًا واحدًا حتى يا رقيب، لذا يبدو أن هذه الساعات الأربع والعشرين الأخيرة ستكون جحيمًا!»

«؟؟؟ شتقصد بواجب صيفي؟»

«...مم، ميكوتو سان، أهو ممكن أنكِ لا تعرفين الواجبات الصيفية؟»

«حسنًا، همم. نعم، سمعت عنها. تلك التي يعطونها لك حتى لا تصير كسولاً أو أكثر غباءً خلال العطلات الطويلة من المدرسة، ولا؟ ولكن ما هو بالضروري أن تنجزها فعلاً. الناس لا يكسلون أو يصيروا أغبياء بهذا وحده، صح؟»

أعجزت الكلمات كاميجو. بشكل مدهش، يبدو أن مدرسة توكيواداي الإعدادية لا تملك مثل هذا المفهوم.

«آخ، ليس عادلاً... لمَ يدلعونكم هناك؟»

«ما أدراني؟» قالت بحدة. «إذن ما نوع الواجبات عليك؟»

«ها؟ لا بأس سأريك، لكنها مسائل على مستوى الثانوية، لذا ربما لن تعرفيها وأنتِ في الإعدادية.»

«أرني أرني.»

أخذت تنظر إلى كومة الأوراق في يديه.

كاد كاميجو دون قصد أن ينظر إليها، لكنه تراجع مندهشاً. فهي انحنت طويلاً حتى تلقي نظرة على أوراقه، فاقتربت حتى كانت وجنتيهما تكادان تلمسان.

«همم، اليابانية الكلاسيكية ها؟ مهلا، هذه كلها مراجعة بسيطة.»

كما لو أنها لم تلاحظ أي شيء، أخذت قلم كاميجو من يده، كأنها تلتصق به، وبدأت تكتب الإجابات بسلاسة. أعاق شعرها عندما نظرت إلى الأسفل، فرفعت يدها الأخرى ووضعت خصلة من شعرها خلف أذنها. واشتم الفتى من شعرها رائحة عطر حلوة.

(هفف... هذ-هذا سيئ. لا أعرف لماذا لكن هذا سيئ حقًا!)

إذا حرّك أي جزء من جسده، سيلمسها. تجمد جسده لحظةً، لكنه فجأة استعاد حِسه.

«...مم، كيف أجبتِ على هذه؟»

«وكيف لا يمكنك؟» ردت بوجه جاد دون نبرة من الوقاحة. وكاد كاميجو يهرب من العار، لكن ميكوتو أمسكت كتفيه وابتسمت له كما لو أنها تهدئه.

«حسنًا، كما ترى... لكلٍّ نقاط قوةٍ وضعف فلا عليك. أوه صح. هل أخبرك بإجابة هذا السؤال لأعوض عنك طلبي؟»

«طالبة إعدادية تعلم طالب الثانوية دراسته...»

«هَهَهَهه... لا تأخذها بجدية. لنسترح من الدراسة وسآتيك بمشروب. سأذهب وأشتريه، ولكن عليك إنهاء واجبك أو أيًا كان ما إن تنتهي، تمام؟»

«ها؟ لا، أنا سأشتريه. ودّي بعد لو أنهض وأمشي فأنا تعبت من القعود، وما زلتُ مدينًا لكِ بألفي ين.»

«قلت عليّ، عليّ. وسيكون محرجًا إذا رفضتَ شيئًا كهذا.»

ابتسمت ميكوتو ساخرة ووقفت من المقعد وغادرت. ما وَجَدَ آلات بيع قريبة. فتساءل عما إذا نَوَت الذهاب إلى متجر قريب.

(مهلا، كل ما نفعله هو الشرب والأكل.)

كاميجو –الذي بقي على المقعد– نظر إليها للحظة، لكن في النهاية أعاد نظره إلى حزمة الواجبات اليابانية الكلاسيكية. لم يعرف بصدق ما إذا كان يمكن حتى اعتبارها يابانية. لعلها تكون إنجليزية متقدمة بالنسبة له.

«...-تنهد-.»

هز كاميجو رأسه وأبعد عينيه عن الورقة.

مرّ كلب صغير بجانبه. وكان يجر حبلًا خلفه من عنقه، لذا لا بد أنه هرب من مالكه.

شاهد كاميجو بذهول الكلب يهرب، ثم مرّ بجانبه رجلٌ ذو مظهر ناعم يلاحقه. لا بُدّ أنه أونابارا ميتسوكي. أمسك بحبل الجرو سريعًا.

وبعد فترة وجيزة، جاء صبيٌّ بدا في المدرسة الابتدائية خلف أونابارا. لا بد أنه كان مالك الكلب. أعاد أونابارا الكلب إليه كما لو أعاد بالونًا علق في شجرة، وقال بضع كلمات للصبي الذي حَمَلَ الآن الحبل في يده.

(يا له من أنيق. ورائعٌ تمامًا. ما عرفت أن أناسًا مثله موجودون حتى. من حيث الندرة، لنرى... ربما يكون في نفس مستوى فتاة هاربة تجلس على الأرجوحة في الحديقة ليلاً، وهي تكاد تبكي.)

فكر كاميجو نصف معجبٍ ونصف متقزز. ولكنه اعتقد أنه بنفس ندرة صبي مقاتل ينقذ فتاةً ضايقوها الصعاليك في الأزقة.

ومن ثم، تلاقت أعينهما.

بدا أونابارا مصدومًا قليلاً، كما لو أنه تذكره، ثم أعطاه نصف ابتسامة. ولكن ما بدا عليه رغبة في المغادرة. بعد أن نظّم تفكيره، راح يقترب من كاميجو على المقعد.

«سعيدٌ بلقائك، أمم... هلّ لي بإسمك؟»

«ها؟ أنا كاميجو توما. أونابارا ميتسوكي، اسمك صح؟»

«ماذا؟ امم نعم، اسمي أونابارا ميتسوكي، ولكن كيف عرفت؟»

بدا أونابارا مرتبكًا، لكن كاميجو قد سمع عنه كل شيء من ميكوتو. وفي الواقع، كان هو السبب في أن ميكوتو جرّته في كل مكان وهو مشغول عنده الكثير ليفعله اليوم.

«إذن، ماذا يريد الشاب أونابارا ميتسوكي من الشاب كاميجو توما؟»

«بصراحة، ولا شيء خاص...» رد أونابارا متوتراً قليلاً. «مم، وددتُ لو أسألك، إن لم تمانع، أأنت صديق ميساكا؟»

«تريد أن تعرف؟»

«...إي. فأنتَ تجلس بجانب التي أحبها، لذا بالطبع.»

مذهل، كما فكر كاميجو وهو يعيد تقييمه عن أونابارا.

فصار فجأة يحترمه. لم يحسبه يُخرجها ويعلنها مباشرةً كهذا. وكاميجو أحب حقًا الحمقى أمثاله.

(همم...)

فكر للحظة. قد طلبت منه ميكوتو أن يتظاهر حتى يرجع ذاك عنها.

«هَيي، أيٌّ جوابٍ تريد أن تسمعه؟ الذي تتوقعه أم الذي لا تتوقعه؟»

«مهما كان الحال، لن يتغير جوابي» قالها دون تردد.

امتلك العزم على رفع نفسه إلى مكانةٍ أعلى بدل أن يحققها بالصعود على الآخرين. ربما بدا واحدًا عنيدًا مزعجًا من وجهة نظر معينة، لكن بشكل غريب، لم يرى فيه كاميجو نيّة خبيثة — ربما لأنه لم ينظر إلى كاميجو عدوًا، ولا يحمل ضغينة تجاه ميكوتو بالمقابل.

  • الجزء الثامن (31 أغسطس__11:02 ساعة الظهر.)

عندما تحدث معه، تبين أن أونابارا ميتسوكي شابٌ لطيف.

يعرف كاميجو أنه حفيد مديرة توكيواداي الإعدادية والتي كانت عضو في مجلس الإدارة... ولكن افتراضه الأولي عن أونابارا أنه مخمليٌّ مغرورٌ كان أبعد ما يكون عن الحقيقة. [4]

«لذا أظن أن على ميساكا أن تكون أفصح في ما تحب وتكره من الناس. بالمناسبة، إجابة هذا السؤال هي ثلاثة، لأن كلمة hi-doru تعني "شواء"، وهي فعل من الأفعال غير المنتظمة.»

«ثلاثة، ها؟ طيّب، ثلاثة. أتظن؟ أراها أشبه بفتاة صريحة وأكثر. قد رمت عليّ كل ذلك البرق مرةً عندما نسيت اسمها.»

«كأني أشعر أنها عندما تكون صادقة، أرى فيها إحراجًا أو تظاهرًا. بصراحة، لا أدري ما إن سمعتُ يومًا ما كان في جوفها فعلاً. ولا مرة. همم، إجابة ذلك السؤال أربعة. أظن أن اثنين خدعة.»

«أوه، شكرًا. همم... ربما معك حق في هذا.»

«هو صحيح! هي لا تفصح عن أي شيء، لذا ينتهي الأمر بمن مثلي يطاردها طوال اليوم، وكل يوم. إني جادٌ في هذا، ولذا يا ليتها تعطيني إجابة جادة أيضًا. آه، وإجابة ذلك السؤال واحد.»

«ها، ليست أربعة؟ عزمتَ قرارك، ها؟ هو كأنك تطلق الزناد في لعبة الروليت الروسية دون حتى أن تعرف كم رصاصة في المسدس. ربما هما إجابتان محتملتان، لكنها ليست 50/50.»

«أعي هذا. وأنا خائف. لا أعرف ماذا سيحدث لي إذا رفضتني مباشرة. ولكن حتى مع ذلك—»

«حتى مع ذلك؟»

«—لا أستطيع. لا أستطيع أن أخذها معي وأنا أعلم أنها ستبكي. إذا لم تكن سعيدة، فلا معنى لهذا.»

تشه. كره كاميجو هذا في نفسه.

أراد حقًا لو يشجع هذا الشاب، لكن يبدو أن النتائج قد تقررت مسبقاً.

(هفف، هذا هو الشباب.)

تنهد. مثل هذه المشكلات كانت وبصراحة خارج نطاق راحته، وفوق ذلك، بعد حديث أونابارا الصريح، لم يعرف حتى إذا كان يريد الاستمرار في هذا التمثيل أبدًا.

ثم، فجأة سمع خطوات بجانبه.

نظر ليجد ميكوتو تحمل زجاجتي عصير، واقفة تبدو مصدومة تمامًا.

«ها؟ ما بكِ—»

قبل أن يكمل سؤاله، توجهت ميكوتو نحو المقعد وأشارت بذقنها له لكي يقف، وكأنها تقول له أن يبتعد عن أونابارا.

«تعال معي، أنتَ.»

«ه-هيه!»

نظر كاميجو إلى أونابارا. وكانت تعابيره مجبرة، كأنه في حالة صدمة لكنه لا يزال يحاول الاحتفاظ بابتسامة.

نظرت ميكوتو إليه فقالت، «آسفة. عندي شغل مع هذا الولد.»

«أوه، فهمت.»

«معذرة. أراك لاحقًا.»

ابتسمت ميكوتو، لكن بالنسبة لكاميجو –الذي يعرف القليل عنها– كانت تلك بادرة غير طبيعية من الأدب تجاه شخص آخر. ربما أدرك أونابارا ذلك أيضًا، لأنه ما بدا راغبًا في الإصرار. في هذه الأثناء، أدارت ميكوتو ظهرها لهما ومشت.

بينما كان كاميجو قلقًا بشأن ما يفعل، ابتسم أونابارا وقال له أن يذهب.

  • الجزء التاسع (31 أغسطس__11:20 ساعة الظهر.)

سارا لبعض الوقت في صمت قبل أن يصلا إلى زقاقٍ خلفي، حيث توقفت ميكوتو أخيرًا. وكاميجو الذي كان يتبعها كاد أن يصطدم بها.

استدارت وقالت بامتعاض تام، «حقًا، يا أنت! لماذا تزعج نفسك بلعب هذا الدور حتى؟ لا جدوى من هذا إذا صادقت أونابارا!»

«...»

«تفهم؟ الآن، أنتَ... عـ-عشيقي، تمام؟ ونريد أن نجعل أونابارا ميتسوكي يتخلى عن ملاحقتي! من فضلك لا تنسَ هذه النقطة الأساسية!»

«...»

«لماذا لا تقول شيئًا؟»

«لا أستطيع،» رد ببساطة. «هو جاد فيما يريد! هو مستعد لأن يُجرح بقدر ما يتطلب، ولن يكرهك حتى إذا آذيتِه، ومع ذلك قال إنه يحبك. لا أستطيع خداع أحدٍ مثله. ولا أريد.»

«أوه، كفى عنك...»

بدت ميكوتو متفاجئة بعض الشيء وهي تنظر إليه.

لم يلاحظ كاميجو اهتزازها الطفيف.

«سأسألكِ إذن—لماذا تكرهينه كثيرًا؟ أعنده نقص كبير؟ بصراحة، ربما من الخطأ أن تجبري نفسك على مواعدته وأنتِ لا تحبينه، لكن... أهناك سبب آخر؟»

«...»

نظرت إليه ميكوتو كأنها ترغب حقًا في قول شيء. وكان فمها موصدًا—لم يستطع حتى سماع تنفسها، ناهيك عن الكلام.

كان كلاهما صامتًا.

وأخيرًا، تلفظت قائلة، «أتعلم، أنتَ...»

«؟»

«...طيّب. لا بأس.» قطعت حديثها كما لو كانت تصحح نفسها. ابتسمت كأن الأمر لا شيء، لكنه ظن أنه رأى لمحة من الوحدة في عينيها.

  • الجزء العاشر (31 أغسطس__11:45 ساعة الظهر.)

ميكوتو والصبي كانا الوحيدين في الزقاق.

الكلمات التي خرجت من لسانه هزتها أكثر مما بدت. ولكن ما هز قلبها من الأعماق، لم تدركه بعد. ومع ذلك، فهمت دون وعي أنه سيكون أفضل لها ألا تُظهر ذلك. أو بالأحرى، كانت قوةٌ داخلية ملحةٌ تُخبرها أنه يجب ألا تفعل.

ومع ذلك، وبدون حرص، كان لينبثق من داخلها. وكافحت بيئسٍ حتى تمنعه، كدوامة من البخار الغاضب تطالب بالخروج من جسدها.

كانت غريبة.

ما أرادت أن تظهر مشاعرها على الظاهر، لكنها شعرت بألمٍ وهي تحاول كتمها. ألن يعني ذلك في أعماقها أنها أرادت إظهارها؟ لكن ذلك لم يكن الحال. فقط التفكير في إظهارها تكاد تُوَرّد وجهها خجلاً.

ولم تعرف حتى ما هو كان الجوهر.

كتمت كل شيء في حلقها، دون أن تفهم السبب.

بطريقة أو بأخرى، قد أدركت ذلك.

لطالما ظنت ميكوتو نفسها أنها كيانٌ فريد. ظنّت أنه حتى المسافة بينها وهذا الصبي قد تقلصت قليلاً مقارنة بالجميع. مثل لو أنه كان يتصفح قائمة بألف اسم فرأى اسم ميساكا، لتوقف على الأقل لحظةً.

لكن لا—كانت مخطئة.

وهذا الأمر وحده أثر عليها كبيرًا. لم تفهم حتى لماذا شيءٌ صغيرٌ كهذا أذاها أذىً كبير، لذا لم تستطع بالطبع أن تأتي بطريقة للتعامل معه. أرادت أن تهرب لو استطاعت—من هذا الألم غير المعروف.

لكنها لم تستطع.

لم تُرِد أن تدير ظهرها وتهرب منه.

ذلك سيؤذيه.

ألمُ هذا سيكون أكبر مما تشعر به الآن.

(...آآآىىه، يا لي حقًا من غبية.) تنهدت ميكوتو في نفْسِها.

لم يبدو أنه فهم مطلقاً. فقال متعجبًا، «؟؟؟ من ماذا تبتسمين؟»

  • الجزء الحادي عشر (31 أغسطس__12:00 ساعة الظهر.)

بينما كان كاميجو وميكوتو يغادران الزقاق الخلفي الصغير متجهين إلى الطريق الرئيسي، قررا تأجيل نقاش أونابارا.

«إذن ماذا نفعل الآن؟ نستمر في التمثيل أو نتوقف؟»

تنهدت ميكوتو. «ما رأيك أنت؟»

«حسنًا، أرى أن نتوقف. لا جدوى من الاستمرار. وكذلك، لا يبدو أن أونابارا هو كما تعتقدين. لا أظنه سيحقد عليكِ إذا رفضتيه أو أي شيء.»

«ربما، لكن الأمر مخيف. قد كان عنيفًا في تقرباته مؤخرًا حتى بدا لي إنساناً مختلفاً...هَيي، أراك تدافع عنه. هل حدث شيء؟»

«نعم. قد ساعدني حقًا في واجبي.»

أظهرت ميكوتو استغرابًا، وأخرج كاميجو حزمة الواجبات الصيفية باللغة اليابانية الكلاسيكية. الإجابات الصحيحة التي أخبره بها أونابارا كانت مكتوبة فيها.

لكن عندما رأت ذلك، تغيمت تعابير وجهها فجأة.

«هي... صحيحة نعم، لكن...»

«ولكن؟ ولكن ماذا؟»

«أكان طالبًا مُجِدّاً؟ لم أظنه ذكياً هذا الحد.»

«لكنه أجاب على واجبي كله صحيح، أليس كذلك؟»

«حسنًا... درجاته تجعله في قِمة فصله نعم، ولكن... لديه تلك القدرة من المستوى الرابع—التحريك الذهني. إنها القدرة على تحريك الأشياء عن بعد بقوة غير مرئية.»

«وما دخل هذا بذكائه؟»

«لها علاقة.» شبكت ميكوتو يديها. «زميلتي شيراي كوروكو تحرّت في الأمر ونظرت. ما فعله كان غش. هو يُسَخّر قوته ويضع غلافاً بلاستيكيًا على شاشة الحاسوب، ثم عندما ينعكس الضوء والحرارة من الشاشة على الغلاف، يحسب بالمعكوس تفاعلات الصورة المعروضة عليها... حسنًا، كأنها جهاز تنصت. درجاته الجيدة لا دخل لها بذكائه.»

«وااه...»، تمتم كاميجو. كان يعرف عن أنواع خاصة من الأجهزة التي يمكنها حساب الإشارات الكهربائية بقياس التغيرات الدقيقة في الحقول المغناطيسية التي تصدرها الشاشات وأكواد الإرسال. ما فاجأه هو حقيقة أن شخصًا عاديًا يمكنه فعل نفس الشيء بدون أدوات.

«تمهلي، شرحتِ كل ذلك بهدوء تام.»

«لا تتذاكى عليّ. أتراهُ غريب؟ فأنا متحكمة إلكترون على أي حال، ولذا يمكنني فعل ما يشابهه. مثل سرقة معلومات بطاقتك الائتمانية من الحقل المغناطيسي القادم من شريطها المغناطيسي،» شرحت، بهدوء شديد، مما جعل صفري المستوى كاميجو توما عاجزًا عن الكلام.

  • الجزء الثاني عشر (31 أغسطس__12:12 ساعة الظهر.)

وقت الغداء.

ما جاع كاميجو جوعًا بسبب أكله النقانق سابقاً، لكن ذلك ذكره أن إندكس تُرِكت وحيدة في مسكنه. قد ترك لها أكلات كالخبز في المطبخ، وأخرى صالحة للأكل ولا تتطلب الطهي، لذا لم يظن أنها ستعاني. لكنه شعر بأن شخصيتها تُملي عليها أن تنتظر بصبر حتى يعود.

«نعم، لنوقف تمثيل دور العشاق. سأكرمك بشيءٍ أخير تعويضًا. أفي خاطرك شيء تأكله؟»

«طعامٌ بعد؟! لا بأس، لستُ بجائع!»

«أريد شكرك هنا، لذا اخرس واقبل. سمعت أن هناك تحدي لأكل وعاءٍ كبير من الأرز المقلي الحار جدًا، وإذا أكلته كله، تحصل عليه مجانًا. نُجربه؟»

«الآن وكأنكِ تنتقمين!»

كونها الظهيرة، كان الطلاب الذين كانوا في سباق مع الزمن لإنهاء واجباتهم يملؤون شوارع المدينة النشطة بحثًا عن الطعام.

ومشت ميكوتو أمام كاميجو، حتى يتأكد من ألا يفقدها في الزحام، وسأل: «هَيي، انتهينا من تمثيل الدور، صح؟ فماذا ستفعلين بشأن أونابارا؟»

«سأحلها بنفسي. وربما تُعيشني المديرة الجحيم لهذا... لكن هذه مشكلتي أيضًا،» قالت ميكوتو وكأنها تجاوزت شيئًا ما. لم ينطق كاميجو بكلمة أخرى.

بَحَثا عن مكان يأكلان فيه، لكن كل الأماكن كانت ممتلئة. وفي آخر الأمر، قررا شراء همبرغر رخيص ويأكلانه في الخارج. بالرغم من هذا التنازل، وجدا طوابير ضخمة أمام منافذ مطعم الوجبات السريعة.

«سأصطف في الطابور. ابقى أنت واسترخي هنا. وسأختار طلبك فلا تشتكي.»

تأوّه كاميجو متعجبًا. «ولماذا لا نقف في الطابور معًا؟»

«لا عليك لا عليك. أنا التي أدخلتك في كل هذا. ينبغي لي أن أرد لك الجميل على الأقل بهذا القدر.»

بعد قولها، دخلت الطابور. بدا أن المطعم شعبيٌّ شهير — ما إن دخلت، اصطف آخرون خلفها، واختفت في زحمة الناس.

دخول الزحمة للوصول إلى ميكوتو قد يزعج الآخرين، لذلك استسلم وقرر أن ينتظر بمفرده خارج المتجر.

(آغغ... مع شمس الصيف هذه، الانتظار في الطابور في الداخل أهوَن. آخخ، لكن ماذا أفعل بشأن واجبي؟)

نظر نحو الشمس، تظهر كأنها نبتة زينة ذابلة تركت على عتبة النافذة في الشمس لفترة طويلة. ثم ظهر وجه مألوف أمامه.

أونابارا ميتسوكي.

«همم؟ غريبٌ أن أراك هنا. أنت وحدك؟ انتهيت من شغلك؟»

«ها؟ آه، في الواقع، ميكوتو تخوض معركة في تلك الزحمة،» قال، مشيرًا نحو المطعم الشهير. «أتريد الكلام معها؟ قد هدأت الآن، لذا قد تتمكن من ذلك.»

«لا. لا أرى أنني أستطيع. بدت غاضبة جدًا منذ قليل،» أجاب بتعبير محتار.

  • الجزء الثالث عشر (31 أغسطس__12:15 ساعة الظهر.)

إذا كانت عبارة «تكدس كالسردين» تنطبق على موقفٍ ما، فهي قيلت عن ذلك الحشد عند مطعم الوجبات السريعة.

نظرت إلى السقف بتعب، مغمورةً ببحرٍ من الناس.

(إنه الصيف، والازدحام شديد، والجو حار... آه، لماذا الجو حار حتى مع المكيفات؟)

فكرت أن تذهب إلى مكانٍ آخر عندما رأت أن الصف لا يتحرك شِبراً. ولكن عندما استدارت، وجدت جدار بشري آخر. كانت ستزعج الجميع بمحاولتها التسلل عبرهم.

(آههه، هَهَهَهَه... هذا جحيم.)

ابتسمت بابتسامة جافة عندما بدأ الحشد بالقرب من المدخل يتحرك. بدا أن أحدًا ما كان يدخل بالقوة عبر الزحام. انتشرت الشكاوى المكتومة وعدم الرضا في المطعم مثل موجةٍ.

ثم انقسم الحشد أمام ميكوتو إلى جانبين.

الذي سَقَطَ أمامها كان شخصًا تعرفه جيدًا.

«ها؟ مهلاً، ما الذي تظن أنك—»

«... أهربي...،» قال، مقاطعًا إياها.

كان جسده مبللاً بالعرق، ولسبب ما كانت ذراعه اليمنى ملفوفة بضمادات بيضاء.

صاح الفتى، وعيناه محتقنتان بالدموع.

  • الجزء الرابع عشر (31 أغسطس__12:15 ساعة الظهر – نفس الوقت.)

«أوه، اسمع، شكراً لمساعدتك في واجبي،» قالها كاميجو واقفاً تحت الشمس الحارقة في انتظار ميكوتو.

بالمقابل، ابتسم أونابارا ميتسوكي ابتسامةً رائعة في وسط الطريق المحترق وقال، «لا داعي. فعلتُ ما استطعت.»

«ما استطعت، ها...؟»

شعر كاميجو أن هذا كان غريبًا بعض الشيء. ثم، وكأن أونابارا شعر بغرابة الحديث، سأل، «أمن خطب؟»

«مم. أود لو أسألك، إذا سمحت.»

«تفضل.»

«أأنت... شخص ذكي؟»

«ها؟» تجمد ميتسوكي للحظة محتاراً. «مم، حسنًا، آسف — أكانت إجاباتي خاطئة؟»

«لا، ليس قصدي...»

لم يمكنه أن يسأله مباشرة إذا كان يغش في المدرسة. حاول بسرعة تغيير الموضوع... لكن حدث شيء آخر قبل أن يقول كلماته.

«ما الأمر؟» سأل أونابارا، بدت عليه الدهشة قليلاً. لم يرد كاميجو. في الواقع، المشكلة لم تكن في أونابارا نفسه. كان ينظر إلى شيء – شخص – خلفه.

خلف أونابارا، تجمع حشد كبير من الناس في مطعم الوجبات السريعة حيث كانت ميكوتو في الطابور، نظرًا لأنه وقت الغداء. كان الطلاب العابرين بالقرب ينضمون تدريجيًا إلى الفوضى.

وهناك، بين هؤلاء الناس... رأى "أونابارا ميتسوكي" آخر.

وجهه وطوله ووزنه، وحتى ملابسه — كل شيء عنه كان مشابهًا لأونابارا هذا. كان يتصبب عرقًا من كل مسام في جسده، وكان يتدافع في المطعم بعينين محمرتين.

استدرك أونابارا ميتسوكي أخيرًا أين كان ينظر. التفت إلى المبنى، لكن الرجل كان قد اختفى تمامًا في الزحام.

حنى كاميجو رأسه محتاراً. أكانت حالة تشابهٍ غير مقصود؟ كانا يشبهان بعض بشكل لافت. قد تبدوا هالتهما مختلفةً قليلاً، لكنهما بديا تمامًا متشابهين — تمامًا مثل ميكوتو و ميساكا إيموتو.

«اسمع، أعندك أخ؟»

«لا، أنا الابن الوحيد. لم السؤال؟»

«حسنًا... قبل قليل، كأني رأيت شاباً يشبهك تمامًا دخل هناك» شرح كاميجو وهو يشير نحو المطعم. بدت على أونابارا دهشة، فالتفت مرة أخرى.

«فـ-فهمت. وددت لو أراه بنفسي، لكنك نظرت إليه لفترة قصيرة فقط، صح؟ أليس ممكنا أن تسريحة شعره أو ملابسه يشبهانني فقط؟ على أي حال، ما لي إخوة.»

ظن كاميجو كذلك. لقد نظر إليه نظرةً سريعة فقط، لذا لم يتذكر أي تفصيل. ثم، مع تعبير عصبي قليلاً، نظر أونابارا بين كاميجو والمطعم. «هل كان ذلك الشخص يشبهني إلى هذا الحد؟»

«ها؟ آه، حسنًا، كان أكثر من مجرد تشابه — وكأنه تقريبًا توأمك المطابق. لكن ربما كانت صدفة. يحدث هذا أحيانًا. ليس هناك ما يستدعي القلق.»

«ذلك الشخص دخل المحل حيث أن فيه ميساكا-سان الآن، صح؟ ألا ترى الأمر مخيفًا؟»

بقلق، نظر أونابارا نحو مدخل المطعم.

«في هذه المدينة، هناك أسابر مُتحولون. كما يوحي الاسم، يمكنهم تغيير وجههم وأجسامهم ليصبحوا أحدًا آخر. لا أظنه ممكناً أن يُغيروا معلوماتهم الجينية، لكن...»، كما قال أونابارا، وبدا عليه قلقٌ.

فكر كاميجو أنه ربما كان يقلق أكثر من اللازم، لكن ربما كان هذا طبيعيًا لمن يحبها.

«حسنًا، سواء كانت صدفةً أم لا، يمكنك الدخول ورؤية الأمر بنفسك. لا أرى أن هناك ما يدعو للقلق، لكن أحسن لك أن تقطع الشك باليقين.»

بدأ كاميجو على الفور بالسير إلى الأمام، لكن أونابارا تراجع خطوة.

«أوه، لا يمكنني... ميساكا-سان غضبت مني بشدة منذ قليل. إن كنت حقًا أبالغ في التفكير، فلربما تغضب مني مرة أخرى آخر الأمر. وهذه الفكرة تخيفني.»

«لا تبتسم لي بهذا الحزن. هيّا عنك، أنت قلق لأجلها، وهذا كل شيء.»

«هناك خط رفيع بين مساعدة أحد ما والتطفل. إن كنت تستطيع، فهل لك أن تدخل وترى بنفسك ما إذا كان هناك شيء غير عادي؟»

«آه، طيّب. لكن اسمع. ما لي حق في القول، لكن لا أظن أنه عليك أن تجزع في هذه المرحلة. [5] كانت ترفض دعواتك طوال الأسبوع ولم تستسلم بعد، أليس كذلك؟»

«ترفض ماذا؟»

«ها؟ قلت—»

«كنتُ في الخارج طوال هذا الأسبوع في معسكر تدريبي لنادي مدرستي. عرفت أنها كانت تتجنبني، لذا فكرت أنني سأخرج لفترة وأعيد ترتيب نفسي. اليوم هو آخر يوم في عطلة الصيف، لذا أردت فقط أن أرى ميساكا-سان مرة أخرى.»

فوجئ كاميجو. قالت ميكوتو إن أحدًا—أونابارا ميتسوكي—كان يتتبعها كل يوم. ولكن إذا كان الحقيقي غائبًا في معسكر صيفي، فمن كان معها طوال هذا الوقت؟

لم يكن أونابارا يعرف عن ذلك. أخفى كاميجو كل هذا حتى لا يُسبب له قلقًا غير ضروري. مشى متخطيًا جانب الشاب وتوجه نحو مطعم الوجبات السريعة.

ثم فجأة، تذكر شيئًا. كسب أونابارا درجاته الجيدة بالغش، ولكنه أنجز واجبات كاميجو بسهولة—فكيف؟

بينما كان يفكر، سمع فجأة صوت أونابارا ميتسوكي خلفه.

«أقول لك، خداع الناس لا يمضي دائمًا حسنًا، ولا؟»

-دو!!- تأثيرٌ قويٌّ أصاب وسط ظهر كاميجو. استغرقته بضع ثوانٍ ليدرك أنها كانت لكمة. خرج الهواء من رئتيه منفجرًا كأن كيسًا بلاستيكيا اندعس بقدم. لم يستطع التنفس، ناهيك عن الصراخ ألمًا.

نظر خلفه ليرى أونابارا ميتسوكي يقف بعينين باردتين.

ماذا يحدث؟ توقفت أنفاسه في حلقه، ولكن بينما توقف عن التفكير تمامًا للحظة، أخذ أونابارا يده الأخرى، وضعها خلفه، وأخرج شيئًا ذا حافة حادة.

أخرجها في نفس الوقت الذي تقدم فيه كاميجو خطوةً إلى الأمام مذعورًا.

شعر بإحساسٍ حاد وبارد يمر بخفة عبر أسفل ظهره، لكنه أجبر نفْسَهُ على تنظيم تَنَفُّسِه. قد هُوجم بعد أن أخرج أونابارا الهواء من رئتيه ومنعه من الصراخ. وكان الناس من حوله كُثُر لدرجة أنهم لن ينتبهوا إلى أي شيء ارتفاعه أدنى من صدورهم، لذلك كان الهجوم أصعب في أن يُرى من أن يغطي فمه ويطعنه. حتى لو استخدم أونابارا هذه الحيلة لقتله على الفور، لأمكنه ببساطة أن ينضم إلى الحشد ويختفي من بينهم.

لم تكن رصاصة—فهذه من شأنها أن تجلب دماره لنفسِه. بل كان اغتيالاً، مما كان سيسمح له بالعودة إلى المنزل حيًا.

جريمة قتل ارتكبت في وضح النهار وبوجود العشرات حوله.

لكنه لم يصرخ، لذلك لم يتسبب ذلك في الذعر. هذه الحقيقة أكدت مباشرة مستوى مهارة أونابارا العالي.

(أيمكن أنه...؟)

وما زال يعاني من صداع الهجوم، حاول كاميجو يائسًا إعادة جسمه إلى الوضع الطبيعي، لكنه لم يستطع أن يوقف عثرة خطواته. دار حوله في قوس، وأونابارا في المركز بدقة.

(أكان هذا هو المزيف طوال الوقت...؟!)

زوايا شفاه أونابارا ميتسوكي انحرفت لأعلى وكأنه قد أدرك من عيني كاميجو ما كان ينويه.

نظر إلى الشيء في يدي أونابارا ميتسوكي—كان مثل سكين مصنوعة من صخر أسود. ما بدا على الصخرة أنها صُقِلت، بل وكأنها قد كُسرت لتصنع حافةً حادة.

ما بدا سلاحا بالمرة، لذا ربما هذا هو السبب في أن الناس القريبين لم يتوقفوا عندما رأوه.

مغمورًا بالألم، فكر كاميجو يائسًا في ما يجب أن يفعله وقال، «...تبًا... لماذا... تفعل هذا؟!»

«لماذا، تسأل؟ كان يُفترض أن تكون هذه فترة سَكِينتي مهمة للغاية... لكنك لن تفهم مدى أهميتها إذا أخبرتك. ومع ذلك، بعد هروب الحقيقي... ربما كان أحسن لي أن أقتله مباشرة آنذاك بدلاً من أن أحبسه شفقةً. وبالمناسبة، لستُ أخاه ولا غريبًا يشبهه. أظن أنكم تُسمّونها يا معشر العلوم "بالتحول"، لكن هناك طرق غيرها لتحقيق نفس التأثير، كما تعلم.»

لوّح أونابارا ميتسوكي بسكين الصخر الأسود وهو يتحدث. هذه المرة، لم يطعن كاميجو، بل رفعه نحو السماء...

فطار شيءٌ غير مرئي ومرّ بجانب وجهه.

شيء أشبه بالليزر غير المرئي خرج من طرف سكينه واصطدم بسيارة متوقفة بشكل غير قانوني خلفه. كما لو كانت وَسّامةً حديدية، تَوَسَّمَ على باب السيارة علامة غريبة. ثم، اندلع شيءٌ آخر غير مرئي من الحفرة التي أنشأتها. شيء لم يمكنه رؤيته لكنه شعر به بالتأكيد، كعينٍ خبيثة تتمعنه. كان من الصعب شرحها علميًا، وفي نفس الوقت، بدا أنها تمثل شيئًا خارج نطاق العلم.

بعبارة أخرى—سحر.

بعد ثانية واحدة من الصمت...

مع سلسلة من الأصوات المعدنية، كل جزء من السيارة –من أبوابها إلى نوافذها الزجاجية إلى هيكلها إلى إطاراتها– تفتت إلى ألف قطعة. لم يكن الأمر كما لو أن أحدًا ما قطعها بشكل واسع. البراغي والمسامير واللحام—كل شيء أمسك بكل جزء من السيارة معًا انهار بشكلٍ سلس، تمامًا كأنك فككت نموذج مبني بلاستيكي إلى قطعه الأساسية.

رأى كاميجو ذلك وشحب وجهه.

قد أدرك، بطريقة أو بأخرى، ما سيحدث للذي يُصاب بهذا—ماذا سيصبح حال أجزائه.

بدأ الحشد يتحرك، لكن لم يسمع صرخات أو ذعر. بالنسبة للناس، كانت ظاهرة غامضة. ولم تتطور أفكارهم إلى حد فهم أنهم كانوا أمام هجوم واضح.

لم ينظر أونابارا ميتسوكي حوله.

واصل تلويح سكينه.

«؟!» كاميجو شعر بعرق بارد يتصبب على ظهره.

كانت هجمات أونابارا مخيفة، بالتأكيد. يد كاميجو اليمنى يمكنها إبطال أي قوى غير طبيعية، لكن استشعار هجوم خفي قبل حدوثه؟ كان الأمر كمن يحاول تجنب رصاصة برؤيتها وهي تتجه نحوك.

كانت الهجمات الكهربائية التي أطلقتها ميكوتو مشابهة، لكن تلك كانت محدودة بخصائصها الكهربائية. بمعنى آخر، كل ما كان عليه هو أن يمد يده اليمنى أمامه، وستنجذب كل الكهرباء طبيعيًا نحوه كأنه قضيب مانع صواعق.

ومع ذلك، لم تتّبع هجمات أونابارا غير المعروفة هذه القوانين.

لكن أرعب ما في الأمر هو أن تصويبه كان عشوائيًا. لقد أخطأ كاميجو المكشوف تمامًا من مسافة لا تتجاوز خمسة أمتار، فانتهى الأمر بتدمير السيارة على الفور بقوة الهجوم.

كان هناك الكثير من الناس حولهما. كانوا مندهشين كيف تفتّت السيارة أمام أعينهم، لكنهم لم يدركوا أنه كان هجومًا. ولم يبدو أن أونابارا يهتم بالضرر الجانبي أبدًا. إذا أباح الساحر جماحه في هذا المكان، فإن الطلقات الطائشة بالتأكيد ستصيب الناس.

«سحقا!»

أدار كاميجو ظهره لأونابارا، مدركًا تمامًا خطورة الفعل. اندفع من الطريق الرئيسي وإلى طريقٍ جانبي، محاولاً على الأقل الابتعاد عن الناس. ثم، التفت إلى زقاقٍ خلفي.

تابع العدو المجهز بسلاح غير مرئي ملاحقته بثبات.

  • الجزء الخامس عشر (31 أغسطس__12:24 ساعة الظهر.)

(ويلٌ ما يحدث؟! كيف جاء ساحرٌ إلى مكانٍ كهذا؟ وما الذي يريده؟!)

شتم في نفسه، وركض كاميجو عبر الأزقة.

أول الأمر، أراد أن يعرف ما نوع الهجوم الذي استخدمه العدو.

وهو يجري، أمسك بهاتفه. ومن حظه، لم يبدو أن العدو قادر على رمي السحر بسرعة أو بدقة. ومع ذلك، كانت حقيقة أن أحدًا ما يتعقبه بسلاح بعيد المدى كافية لتضع ضغطًا هائلًا عليه. بينما كانت أصابعه تنقر على الأزرار، أدرك أنها كانت ترتجف بشكل غير منتظم.

رن الهاتف مرة، مرتين، ثلاث، أربع، خمس، ست، سبع، ثماني، تسع مرات—

‹ ‹م-مرحبا! مرحبا، هنا منزل الكاميجو، مرحبا!› ›

«ما الذي أخّركِ؟!» صرخ كاميجو بغضب بلا سبب.

غضبت الفتاة على الطرف الآخر أيضًا. ‹ ‹آه. أنت توما؟! أنت من تأخر! متى الغداء؟ أم هل عليّ أن ألجأ إلى منزل كوموي مرة أخرى؟ كن واضحًا في مثل هذه الأمور، من أجلي!› ›

«آسف إندكس، حديث الطعام لاحقًا! هناك ما أريد سؤالكِ عنه، تمام؟!»

‹ ‹لاحقًا؟! لماذا أنت—› ›

«تبا، هل تستمعين؟! دخل ساحر أو ما شابه المدينة. لا أعرف ما الذي يريده، لكنه ربما يستهدفك! تسوتشيميكادو... ربما عاد الآن إلى مسكنه. اسمعي يا إندكس، أريدك أن تذهبي إلى السكن المجاور، طيّب؟! إنه حليف!»

‹ ‹توما... أحدٌ يُطاردك؟› › تغيرت نبرة صوت إندكس إلى لهجة هادئة. لابد أنها خمنت الوضع الذي كان فيه.

«نعم، إني أركض هربًا الآن! وأريد حقًا تلميحًا لأقلب هذا الوضع!»

‹ ‹...أرأيت أي شيءٍ فريد؟ مثل ملابسه، سلاحه، طريقة حديثه أو تصرفه.› ›

أخبرها كاميجو بكل شيء غريب يعرفه عن أونابارا ميتسوكي، مثل حقيقة أنه قد تحول إلى أحدٍ آخر وخصائص سكين الصخر الذي يحمله. صمتت إندكس لثلاث ثوانٍ، ثم عادت على الفور برد.

‹ ‹السكين الأسود قد يكون... سبج؟ رُمحُ ضوءِ النجوم المنعكسة من مرآة... هو في الغالب رمح التلاهويزكَلَبَنتِكِهْتِلي.› ›

«تلا-ماذا؟»

‹ ‹رمح التلاهويزكَلَبَنتِكِهْتِلي. مقتبسٌ من اسم إلهٍ أزتيكي. هو إله كوكب الزهرة والكوارث. يُقال إن رمحه يقتل أيّ أحدٍ وأيّ شيءٍ يتعرض لضوء الزهرة.

استسلم كاميجو. ما كان هذا إلا أسطورةً كبّروا من شأنها. ولو كانت صحيحة، لمات الناس جميعًا منذ زمنٍ طويل.

«الزهرة...؟ اسمعي يا إندكس، مقدمةٌ رائعة، لكني أحتاج علمًا بما يجب أن أفعله بأسرع ما—؟!»

قاطع صوتٌ عالٍ ردَّهُ غير الضروري.

عبرت الهجمة الغامضة بجانبه، مارةً بشكل ضئيل منه. فدمرت مكيف هواء خارجي. وما زال يغطيه عرقٌ بارد، التفت إلى زاوية أخرى.

‹ ‹توما، استمع بعناية، وإلا كنتَ من يتأذى!› ›

«نعم، آسف إندكس-سان! لن أنتقد كلمات المتخصصين مرة أخرى! لذا من فضلك، أعطيني تلميحًا بأسرع ما يمكن!»

‹ ‹حسنًا. حاليًا، تذكر فقط أن الرمح نفسه مصنوع من ضوء الزهرة.› ›

رفع كاميجو رأسه على الفور. في السماء الضيقة، التي حدّتها المباني من الجانبين... لم يرى الزهرة طبعًا. ولكن هذا لا يعني أن الكوكب ليس موجود، بل أنه لم يتمكن من رؤيته من ضوء الشمس الساطع.

«لكني لا أفهم. كلُّ من في الدنيا يتعرض لضوء الزهرة. إن كان للرمح مثل هذه القوة، فلا مهرب منه مهما كنا وأين. ألن يكون الجنس البشري قد انقرض من زمن؟»

‹ ‹صحيح—إنها قوة إلهية. لكنها سيفٌ ذو حدين. لا يمكن للبشر التحكم تمامًا في نفس التقنيات التي يَسَعُ لإله بها.› ›

«ما فهمت.»

‹ ‹لتبسيط الأمر، الرمح الذي يستخدمه الإنسان هو نسخةٌ مقلدة. إذا استُخدِم الرمح الحقيقي، لمات الناس جمعاء. همم، أظن أن النسخة المقلدة تستخدم على الأرجح السكين السبجي مِرآةً فتعكس الضوء القادم من الزهرة في السماء، وبهذا الضوء المنعكس يَضرِب. بمعنى آخر، طالما لا يصيبك الضوء، فإنه من الممكن تمامًا تفادي الهجمات. وعلى الأرجح تستطيع حجبها بيدك اليمنى يا توما، لكن معرفة مسار شيء خفي هو المهم.› ›

«شعاع ضوئي خفي... إذن فهو يشبه أساسًا الليزر المحمول!»

‹ ‹ليزر؟› ›

بالكاد تخيل وجه إندكس وهي ترفع حاجبًا من الحيرة.

أثناء جريه، تعثر من دراجة نارية متوقفة في الشارع، ربما لأن تركيزه تلاشى. ترنح للأمام لكنه حافظ على توازنه واستمر في الجري.

وخلفه، طارده صوت عجيب.

نظر وراءه وإلى الدراجة التي تعثر عليها، فوجدها تفتتت وتفككت عجلاتها وإطارها بسبب الضربة الخفية. لم يبدو أن الساحر كان دقيقًا جدًا باستخدام الرمح، ورآه يُلوّح بالسكين خلفه مرة أخرى فدخل زاوية أخرى.

«يا ربي، إنه يطلق ذلك الشيء في كل أنحاء المدينة. فكر في محيطك يا أحمق!»

‹ ‹همم. دون معرفة مخطط التقنية، كل ما عساهم هو رؤية نتائج السحر دون أن يضروا الساحر الفعلي. حتى لو أتى جاهلٌ ورأى ما تُسبّبه، فلن يكون قادرًا على إعادة حساب التقنية ويرجعها إلى أساسها!› ›

«يعني... هذا ليس حقًا ما قصدته بكلامي.»

تنهد كاميجو ودخل شارع أضيق.

كان في سباق مع الزمن، لكن لا يزال هناك شيء أراد أن يسأله.

«غَه. إذن هل السحر الأزتيكي أو أيا كان هو المسؤول عن تنكر الساحر بوجه "أونابارا"؟»

‹ ‹على الأرجح. هناك فن يستخدمه الكهنة الأزتيكيون حيث يقطعون جلد الضحايا البشرية ويلبسونه، أرى هذا أنه يُطبق هنا.› ›

أخذ كاميجو نفسًا عميقًا.

عرف أن هذا ليس وقت الحديث عن ذلك. إذا لم يركز، ستتوقف قدماه.

«ماذا يفعلون بجلد الضحايا؟»

‹ ‹يرتدونها. يقطعونها بسكين. لكن لا أعلم ما إذا احتاج المبالغة إلى هذا الحد إن كانت نيّته فقط التمويه. يمكنه تقليد شكل المرء فقط بقطع قطعةٍ من جلد بطولٍ يقرب الخمسة عشر سنتيمترًا من الذراع وصنع طلسمان منها.› ›

بدأت مشاعر قرفٍ تزداد تدريجيًا من أطراف أصابعه. فصارت المطاردة أرعب فجأة.

«وَيْل هذا؟ قطعُ جلد الناس وارتداؤه تنكراً؟ هل كل السحرة مرضى مُختلين؟»

‹ ‹همغ. توما، كلامك هذا فيه من العنصريـ—› ›

ما عنده وقت للسماع، فأنهى المكالمة.

كان هذا الزقاق أقصر مما ظن، فانتهى به الحال إلى شارعٍ رئيسي. عبره بسرعة وغاص في زقاق آخر. وخلفه، سمع أصواتاً غريبة لأشياء تتفكك بواسطة ضوء الرمح الخفي.

(هل أهرب إلى مبنى؟ لا، يمكنه ببساطة تفكيك المبنى كله من الخارج، وسأدفن حيًا! من الصعب القول لِكَم تمتد هجماته. ولربما أُدفن في المركز التجاري تحت الأرض.)

أثناء جريه، حاول أن يفهم الوضع. هل كان هدف الساحر مرتبطاً بشكل ما بإندكس؟ فهي كانت مكتبة من الكتب السحرية التي حفظت مئة وثلاثة آلاف جريموار، لذا لم يستطع استبعاد احتمال أن يأتي السحرة من جميع أنحاء العالم ويحاولون أخذها.

لكن هذا أيضاً لا يفسر كل شيء. لماذا غيّر نفسه إلى أونابارا ميتسوكي؟ كان أونابارا على علاقة بميكوتو، ولم يكن له أي صلة مباشرة بكاميجو أو إندكس. فكر أنه إذا نوى هذا المزيف قتله، لغيّر نفسه إلى شخصٍ أقرب إلى كاميجو...

انعطف كاميجو إلى زاوية أخرى.

«تبا!» سبّ حينما وجد طريق مسدود، كان مبنى تحت الإنشاء يعيق الطريق. رأى مجارف وأكياس أسمنت وأدوات بناء أخرى تشغل المسار الضيق، ولم يرى طريقة لتجاوزها. رأى فوقه ذراعًا عملاقة كأنها رافعة أو شيء من هذا القبيل التي تركبت على سقف المبنى غير المكتمل.

ركض كاميجو نحو موقع البناء على أي حال وألقى نظرة على كتفه. كانت خطوات عدوه تقترب ببطء وثبات. لم يستطع الهروب.

(ماذا الآن؟ ماذا الآن؟!)

في اللحظة التي فحص فيها محيطه، جاء أونابارا ميتسوكي جاريًا من الزاوية. وما إن رآه، رفع سكين الحجر الأسود في يده.

بينهما كانت خمسة أمتار فقط.

ومع ذلك، لم يتحرك كاميجو لضربه. بدلاً من ذلك، أمسك بمجرفة قريبة. أثناء هذا، غيّر أونابارا ميتسوكي زاوية سكينه، محاولاً ضبط الضوء ليقع على عدوه. ولكن كاميجو، الذي كان واعيًا تمامًا بالعرق النازل من كفيه، لوّح بالمجرفة بكل قوته.

ليس على أونابارا، ولكن على كيس الأسمنت القريب.

انغرست المجرفة في الكيس بصوتٍ حاد، لكنها لم تنتهي عند ذلك. تطاير المسحوق الرمادي في كل مكان.

تغطت الرؤية، المحيط، والسماء — كل شيء باللون الرمادي.

استمر في رفع السكين، لكنه أدرك حينها.

لم يتنشط الرمح.

قد قطع مسحوق الأسمنت المسافة التي تربط بين كوكب الزهرة والرمح. لم يتمكن من تفعيل السلاح لأنه احتاج ضوء كوكب الزهرة.

طار جسمٌ ثقيل مباشرة بجانب وجه أونابارا ميتسوكي.

بمجرد أن أدرك أنها مجرفة وأعدّ نفسه—

«ووووووووه-هاااااااااااااااهه!!»

جاءت قبضة كاميجو من الأمام مباشرة، مخترقة الستار الرمادي. انحنى أونابارا غريزيًا متجنبًا. ما كان من منطق وراء هذا الفعل—فقط بالاحساس. وبينما بدأ العرق يتسرب منه، أخذ سكين السبج، الذي صار مجرد شيءٍ باهتٍ الآن، وحاول أن يضربه بجانب وجه كاميجو. لكن بسبب وضعه غير المستقر، لم تحمل الضربة قوة. زئر كاميجو زئيرًا فدفع أصابعه مباشرة إلى بطن أونابارا.

حاول أونابارا القفز إلى الوراء ليُقلل الضرر قدر الإمكان.

لعلّه أدرك أيضًا مساوئ هذا الستار الأسمنتي عليه إذْ أنه سرعان ما انسحب.

خطا خطوتين وراء، ثم ثالثة، لكن كاميجو أغلق الفجوة على الفور متحركًا أسرع بكثير منه. كان الأمر طبيعيًا—فأقدام البشر مصممة للجري إلى الأمام أسرع بكثير من الوراء. قبض قبضته مرة أخرى وراحَ يلقي بضربة أخرى. أعدّ أونابارا سكين السبج على الفور.

ثم، -وهوووش-.

في تلك اللحظة، اجتاحت ريحٌ فجائية الطريق الخلفي.

أزاحت الستار الرمادي الذي غطى محيطهم دفعةً واحدة فظهرت السماء المحاطة بالمباني مجددًا وبدأ ضوء الزهرة بجماله يتدفق إلى أونابارا.

رفع السكين وضَبَطَ زاويته.

أمام عينيه رأى كاميجو المتفاجئ.

«هَه. أعِدّ نفسك!!»

ضبط الزاوية. الزهرة، المرآة، وهدفه كانوا جميعًا في المحاذاة. ركز الطاقة السحرية في السكين، نسج تعويذته، وحول ضوء النجوم الخفي إلى الرمح، فأرسله مباشرة نحو عدوه!!

رمز الزهرة والكوارث: رمح التلاهويزكَلَبَنتِكِهتِلي.

كاميجو...

...مد يمينه، لكن ما عساهُ يعرف مَقدم الهجوم الخفي...

...وكأنه ينزلق عبر شقوق الحماية الإلهية من يده اليمنى، استهدف الهجوم مباشرة قلبه ليخترقه...

...لكن لم يحدث شيء.

«ما...؟»

تأوّه أونابارا ميتسوكي حَيْرةً. هناك العديد من الشروط اللازمة لإطلاق إحدى رماحه القوية، وظن أنه استوفاها جميعًا. لذا ما كان من سببٍ أن لا تطلق. كان يفترض أن الرمح قد طار مباشرة نحو قلب كاميجو، وكان يفترض أن يتفكك جسمه بسلاسة كالبقرة عند الجزار.

نظر إلى سكين السبج في يده كأنه مصباحٌ كهربائي نفدت بطارياته.

ذُهل مما رآه.

كان المسحوق الرمادي الخشن عالقًا على سطحه، تمامًا كمسحوق الطباشير على ممحاة السبورة السوداء. ما عاد يقدر حتى على تحديد لونه.

يُفترض أن يكون مرآة—لعكس والتحكم في الضوء الساطع من كوكب الزهرة.

والآن صارت المرآة مغبرة، وبالتالي لم يتمكن من توصيل ضوء كوكب الزهرة بهدفه.

تحركت أقدام كاميجو.

ولقد اقترب من أونابارا ميتسوكي.

«؟!»

لو أنّ أونابارا قد تخلى عن سكين السبج وأعاد التفكير في استراتيجيته، لربما امتلك فرصة. للأسف، اختار أن يمسح الأوساخ عن سكينه. —بالنظر إلى الخيار بين قتال أيدي 50/50 وسحرٍ يضمن لك الفوز أكيد، فإن أيّ أحدٍ سيختار الأخير. ولذا اختار أن يمسح—ولكن هذه كانت المغريات التي خَسّرته.

تأخرت ردات فعله أمام كاميجو، الذي كان قِبَلَهُ مباشرة.

صدى صوت ضربةٍ باهتة في الهواء. وطار سكين السبج الذي تمسك به حتى النهاية من يديه فسقط إلى الوراء.

  • الجزء السادس عشر (31 أغسطس__12:36 ساعة الظهر.)

نظر كاميجو إلى أونابارا ميتسوكي وهو ملقى على الطريق.

بصوت تحطم الزجاج، تكسرت البشرة في جزءٍ من وجهه حيث تلقى اللكمة. ووجه الساحر من تحتها بدا أصغر سنًا من أونابارا، ولون بشرته بدت أغمق. بدا وكأن حروق الشمس قد أزيلت بالقوة عن بشرته—ووَجَدَ بعض شظايا وجهه ما تزال عالقة. كانت عجيبة.

«حسنًا، إذن. أجبني على هذا،» قالها كاميجو وهو يتنفس بصعوبة. «لماذا تنكرت في صورة أونابارا ميتسوكي بالذات؟»

«هَه. هل عليّ حقًا أن أوضح لك الأمر لتفهم؟»

«طبعًا عليك، اللعنة! لن تستفيد شيئاً من مهاجمة أونابارا، فلماذا اخترت صورته؟! ألتقترب من ميساكا؟ أفقط لأنها تعرفني؟!»

«...»

«أجبني. قد مَزّقت قطعةً من جلد أونابارا وتنكرت في هيئته. فهل كنت لتفعل المثل مع ميساكا؟ لا علاقة لها بعالم السحر! فلماذا تُشركها؟!»

قوبل غضب كاميجو بهدوء أونابارا.

كانت كلماته متوازنة وبدون شعور، كأنها تتدفق من فمه.

«في الواقع، كان عليّ أن أقتل أونابارا.»

ما كان صوته باردًا كالثلج، بل كمثل الماء الفاتر، لا يعلو ولا ينزل.

«يبدو أنه عندما كان على وشك الموت، استخدم قوته—التحريك العقلي، ها؟—ليُصلب حركات جسمه على مستوى ذري، فوضع نفسه في نوم بارد. حاولت طعن قلبه، لكنها بدت كمن يغرس سكينًا في لحم مجمد. لم تستطع رماحي تفكيكه أيضًا. ما كان لي خيار، فربطت يديه وقدميه وألقيته في تلك الغرفة، لكن...»

يبدو أن هذا الساحر قد قام ببحثه قبل أن يأتي إلى مدينة الأكاديمية. فهو ذكر مصطلحات علمية مثل "التحريك العقلي" و"النوم البارد".

لكن صوت أونابارا الهادئ أثر في كاميجو أكثر. بدا وكأنه يضطر لإعادة تشغيل شريط كاسيت قديم ومهتري.

عندما رأى أونابارا تعبيره، بدا عليه الرضى قليلًا. وعادت العاطفة إلى صوته.

«ولماذا جئتُ أنا؟ أهذا حقًا أول سؤال خطر لك أن تسألني إياه بعد كل هذا؟» قال ساخرًا. «إنك حقًا لا تفهم خطورة ما فعلته، أليس كذلك؟»

«ماذا؟»

«ولجعل الأمور أسوأ، مَلَكت سيطرة كاملة على فهرس الكتب المحرمة—كل الكتب المئة وثلاثة آلاف جريموار. وفوقها، لقد كسبت إلى جانبك ساحرَيْن من الكنيسة الأنجليكانية، وواحدة من المستوى 5 من توكيواداي، وورقة رابحة ضد مصاصي الدماء.»

ثم، بنبرة ساخرة بالذات، تابع قائلاً: «عالم السحر وعالم العلم لا يختلطان بشكل طبيعي. ومع ذلك، آلفتَ بكلا العالمين. أنت أساسًا تخلق جسمًا جديدًا بحد ذاته—فصيل كاميجو. المنظمات مثل التي أنتمي إليها تخاف بشدة من أن يزعج هذا الفصيل الجديد توازن القوى في العالم.»

منظمته.

هل كان يشير إلى مدينة الأكاديمية، عالم الكنيسة، عُصب السحرة، أم قوة اقتصادية ما؟

«لهذا السبب أُرسلوني. رغم أنه لم يكن هدفي في الأصل أن أصبح أونابارا ميتسوكي أو أن أضر بأحدٍ ما. جئتُ هنا قبل شهر فقط، وقد غيّرت جسدي قبل أسبوع فقط. وكنتُ هنا لأراقب فقط. ولو رأينا أن فصيل كاميجو ليس له تأثير على توازن القوى، لبلغت لرؤسائي أنه لا مشكلة.»

ضغط الساحر على أسنانه.

توجهت نظراته الحادة مباشرة إلى وجه كاميجو.

«لكنك أنتَ خطيرٌ للغاية! بناءً على الشظايا المعلوماتية التي حصلت عليها، أنتَ دمرت العديد من المنظمات خلال عطلة الصيف هذه فقط! وفوق ذلك، قوتك لا تستخدم مالاً أو نفوذ، لذا لا يمكننا السيطرة عليها أو تقييدها أو التفاوض معها. إنها عشوائية، دكتاتورية، متعالية، مدفوعة بمشاعرك وحدها! أظننت بجدية أن الكبار لن يروا خطرًا في مثل هذه القوة المتقلبة للغاية؟!»

«مهلا... إذن أنت...»

«نعم. هدفي ليس فقط كاميجو توما، بل فصيل كاميجو كله. حتى لو مت وحدك، فإن باقي هذا الفصيل قريبون من بعض كثيرًا بحيث لا يمكن أن يختفوا ببساطة.»

ربما كان هذا هو السبب في أنه سيتحول إلى شخصٍ يعرفونه.

سيتخذ شكل "شخص" يعرفه كاميجو جيدًا، ويسوء بأفعاله تجاهه أقصى ما يستطيع، فيتسبب في فقدان كاميجو الثقة في ذلك "الشخص". وبمجرد أن ينتهي، سيتحول إلى "شخص" آخر يعرفه. وسيهدم هذا الفصيل تدريجيًا من الداخل.

حتى إذا اكتشفوه في منتصف الطريق، فلن يجد الساحر مشكلة في هذا. يمكنه بعد ذلك تمزيق دائرة أصدقائه من خلال لعب "أي واحد هو المزيف؟"—وستودي الشكوك إلى شكوك.

التحلل الداخلي.

كانت هذه نفس المناورات السياسية التي سببت سقوط عددٍ لا يحصى من السلالات منذ العصور القديمة. وفي مثل هذه الأحداث –كالقوانين الحازمة العادلة التي فسدت في وقتٍ قصير، والملوك الحكماء الذين تحولوا فجأة إلى طغاة فظيعين– كانت وراءها أيدي خفية لعملاءٍ سريين. ولقد مُثِّلَت هذه المهارة الحيّة والقاسية لاحقًا بكائناتٍ مثل الكيتسوني أو الشياطين، حسب كل بلد.

«حاولت جاهدًا أن أتركك حتى النهاية، لكن ما كان من خيار. لقد كشفتَ الحقيقة. ولذا عليّ الآن أن آخذ وجهك!» قال، وهو يقفز نحو السكين السبجي الذي أسقطه على الأرض. مسح عن سطحه الأوساخ، ثم وهو لا يزال على الأرض، استدار ووجه رمحًا آخر نحوه.

لسوء الحظ، ربما لأن السحر أطلق من زاويةٍ غير معقولة، بدا أن الرمح طار في اتجاهٍ مختلف تمامًا. شتم الساحر في نفسه ونهض فجهّز السكين مرة أخرى.

انقض كاميجو نحوه قبل أن يتمكن من ذلك.

«سحقا!!»

حاول الساحر إطلاق رمحٍ آخر، لكن قبضة كاميجو كانت أسرع. قبضته اليمنى ضربت سكين السبج. مع صوت تحطم الزجاج، تسببت قوة إماجين بريكر كاميجو في تدمير سكين السبج.

«حسبتني أنتظرك أيها الأحمق—»

فجأة، انقطع صوته.

دوى صوت معدني من فوق كاميجو. نظر لأعلى ليجد هيكل المبنى غير المكتمل يكاد ينهار.

الرمح الذي ضيّع هدفه قد أصاب المبنى المجاور.

لم يكن الهيكل في مرحلة الخرسانة بعد، لذا كان أشبه بملعب ضخم مصنوع من عوارض الصلب. تسبب الرمح في تفكيك الأشياء إلى مكوناتها. وكانت العوارض الثقيلة، التي انفكت عنها الآن البراغي والمسامير، تتساقط من فوقهما.

«؟!»

قفز كاميجو والساحر إلى الوراء مُبتعدان عنها. اخترقت عارضة صلبة تزن مئات الكيلوغرامات المكان الذي كانا فيه مثل سيفٍ مقدس.

ما طوّل الأمر حتى بدأ المبنى نفسه ينهار. المنطق والحس السليم قال بالهروب. لكنه إذا ضيّع هذه الفرصة، فسيُفلت الساحر. وهذا يعني أنه سيُبدل صورته مع أحدٍ آخر ويسبب الأذى لشخص مقرب منه.

تلاقت أعينهما.

نظر الساحر إليه مبتسمًا.

(اللعنة! حياتي أنحس ما رأيت حدّ الموت...)

سب كاميجو، مشددًا نظره نحو الساحر، الذي بدا أيضًا أنه لا يريد الهروب.

«قد تكون هذه جملة مبتذلة، لكن... كنا لنكون أصدقاء.»

سمع صرخات العمال الهاربين. كانوا جميعًا فوق الأرض، لذا ربما لم يكن هناك أحد داخل المبنى. لم يعتقد أن أحدًا لن يهرب في هذه اللحظة.

«ما فكرت بهذه ولو مرة حتى!»

جاء رد الساحر فورًا. سقطت عارضة صلبة على الأرض بجانبه، لكن وجهه لم يتزحزح بوصة واحدة.

«بجدية، إنه مؤسف،» تنهد كاميجو. «وكل ما قلته عن ميساكا—كان مزيفًا أيضًا؟ وهذا أكبر الأسف... لأنني الآن بتا لدي سببٌ حقيقي لأضربك.»

تجمد الهواء بينهما عند تلك الكلمات.

كان الصمت أبرد من الظلام مسيطرًا على الأجواء.

«...كان زائفًا؟» همس الساحر لنفسه.

قبل أن يعبس كاميجو وجهه، كرر الساحر ما قاله.

«وما العيب... في كونك زائفًا؟» زأر على نفسه. «ألا حق للزائف تمني السلام؟ ألا يُسمح للزائف حتى برغبة حماية ميساكا؟»

«ما...؟»

نسي كاميجو الصرير المخيف للمبنى ونظر بتركيز إلى الساحر.

«صحيح، ما أردت فعل أي من هذا» أعلن، غير مكترث بالانهيار حوله.

«ما رغبت حتى في إيذاء أونابارا. لكان هذا الحل الأفضل. لكان الجميع سعداء، وما كان لأحدٍ الأذى. أحببت هذه المدينة. منذ أن جئت هنا قبل شهر. حتى ولو لم أتمكن أبدًا من أن أقيم فيها، أحببت هذا العالم الذي تعيش فيه ميساكا.»

واصل الساحر حديثه.

«لكن ما كان لي خيارٌ آخر. كانت النتائج واضحة. قرر الكبار أن فصيل كاميجو خطير. هل تفهم بماذا شعرتُ عندما تحولت إلى أونابارا؟ ماذا شعرتُ عندما علمت أنني أضر بهذا العالم الذي تعيش هي فيه؟»

التفتت المشاعر الشديدة وشوهت تعبيره.

«لن تفهم أبدًا! لقد دمرتَ كل شيء! لو كنت أكثر ودية قليلًا، ولو تركت لي المجال أن أخبرهم أنه لا توجد مشكلة، لرحلتُ بسلام! ولما كان عليّ مهاجمة أونابارا أو الكذب على ميساكا! نعم، نحن أعداء الآن، ولكن من المسؤول عن هذا؟!»

كانت هناك هالة قاتلة خفية تحوط جسده.

كما لو كانت تتناغم مع غضبه، بدأت قمة المبنى تنهار مع دويّ.

نظر كاميجو إلى عيون الساحر.

ثم سأل، دون أن ينظر إلى العارضة الساقطة، «هل حقًا تحب ميساكا؟»

رغم كونه جاسوسًا... رغم أنه حاول استغلالها...

...أجاب بنعم.

تحولت قمة المبنى إلى عوارض صلبة عديدة، وسقطت جميعًا عليهما.

«هل تريد حماية هذا العالم الذي تعيش فيه ميساكا؟»

لأنه كان جاسوسًا. حتى لو كان عليه استغلالها...

أجاب بنعم.

تصادمت العارضة الصلبة مع الأجزاء السفلية من المبنى، مما تسبب في تفكيك المزيد من الأجزاء.

«لكنني ما عدتُ قادرًا على حمايتها. فأنا عدوك الآن. وعدوها الآن. لم أرد أن أكون، ولكن كان علي. وما كان علي غير هذا؟ ما كنت لأفعل؟ أقاتل ضد منظمةً بأكملها وحدي، كبطل فيلم، وأموت؟ لا أستطيع. لست أنت. لا أستطيع أن أكون بطلاً مثلك،» قال الساحر بابتسامة ضعيفة وغريبة.

نعم. فهم كاميجو توما.

كانت هذه مشاعره الحقيقية. دوافع رجل أجبر على أن يكون عدوه رغم أنه لم يُرِد هذا. اضطُرّ أن يوذي ما أراد حمايته أكثر من أي شيء آخر في العالم. كانت هذه كلمات رجلٍ تَشَوّه قلبه.

وكان هناك رجلٌ يُدعى تسوتشيميكادو موتوهارو.

عندما عرّف نفسه جاسوسًا، فكر كاميجو أنه كان في مكانةٍ سهلة. وما كان هذا أبعد عن الحقيقة. لقد حصل على حريته مقابل المخاطر الكبيرة من عصيان الأوامر.

ولكن هذا الساحر أمامه كان عاجزاً على تحمل مثل هذا الخطر.

عرف ضعفه أيضًا، وهذا ربما السبب في أنه لا يمكنه أبدًا أن يغفر لكاميجو لتدميره حلمه... أو لنفسه لعدم تمكنه من حمايته.

كانت هذه مشاعره الحقيقية.

أفرغ كل الكلمات المشوهة في قلبه ووقف ليصُدَّه بكل ما لديه.

وعزم كاميجو أن لا يتراجع أيضًا.

كانت هذه مشاعره الحقيقية كمن عاش حياةً خَلَت من الحرية، أفعاله لا تخضع لأي شخص، وكان قادرًا على البقاء حليفًا لأولئك من رغب في حمايتهم. بالنسبة لساحر، ربما لا توجد حقيقة أكثر إيلامًا من هذه. كان ساطعاً مشرقاً لعينيه أن تتحملاه.

«هَه. لا مستقبل بعد أن آذيتها، تقول؟»

ومع ذلك، قرر أن يقاتل بكل ما لديه.

لم يستطع كاميجو تجاهل شخص كشف جميع دوافعه ومشاعره له.

«إذن لا خيار آخر لي. لأحطمن... وهمك هذا!»

بسبب انهيار الجزء العلوي من المبنى، سقط كامل المبنى مثل يد عملاقة نَوَت أن تسحقهم.

سقطت العوارض الحديدية كالمطر، واحدة واحدة، لكن لا هو ولا الساحر أولوا النظر فوق. ولم يهربا أيضًا. ببساطة، شدا القبضتين وركضا إلى الأمام، كلٌّ منهما عازمٌ على تقليص المسافة بينهما إلى الصفر.

«غاه-آااااااااااااههه!!»

وصلت قبضة كاميجو إلى وجه الساحر. وما بدا على الساحر نية لتفادي الضربة من الأساس، حيث أنه قبض على كاميجو من طوق قميصه بكلتا يديه. لوى ذراعيه وألقى بكاميجو على الجدار بقوة. فصدى صوتٌ مدوي. وأخرج كل الهواء من رئتيه.

بينما كان متكئاً على الجدار، أمسك الساحر بعنقه بكلتا يديه. شعر كاميجو بالإحساس المزعج لإبهام الساحر وهو يدفع في مجرى التنفس، لكنه ضرب بقدمه بطن الساحر. كان ذلك كافيًا لجعل الساحر ينحني ألمًا — ربما لأنه اعتمد فقط على تلك التقنية الغريبة، لم يكن قد تدرب جسديًا.

دون أن يهتم باليدين اللتين تخنقان رقبته، أنزل كاميجو قبضته بكل قوتها إلى ظهر العدو، مستقيمةً كما لو كان ينحني. ارتعشت ساقا الساحر ثم خارت. وَجّه كاميجو ضربة أخرى لأسفل، فانفصلت الأيدي عن عنقه.

فجأة، جاء صوت ارتطام عارضة بأرض قريبة من كاميجو. ثم، لزيادة الطين بلة، اصطدمت عارضة أخرى مباشرة على قمة تلك. موجة صدمة ضخمة — كصوت جرس كنيسة يدق بجانب أذنه — غمرت طبلة أذنه.

«غ...أه...؟!»

ثم فجأة، جاء الساحر المهتز إلى كاميجو المترنح...

«آآآآآااااااااااااااهههه!!»

...وهاجمه بكل قوته. سقط كاميجو على ظهره، لكن بسبب الصوت الذي هز دماغه، لم يتمكن من تحريك جسمه كما كان يحتاج. من ناحية أخرى، كان الساحر –الذي كانت حركته حركة سكران– لا يزال يحاول الصعود فوقه.

بينما حاول كاميجو بطريقة ما الابتعاد عن الساحر الذي كاد يسقط عليه...

«أوه.»

...رأى ذلك.

سِربٌ ضخمٌ من العوارض الحديدية نزل من السماء، فملئت رؤيته. رأى إحداها في مسار قد تخترق كليهما. لم تكن المسافة أكثر من عشرين مترًا. وكان لديهما، ماذا، بضع ثوانٍ؟ حدق الساحر في كاميجو من تحته، لذا لم يدرك ما كان يحدث.

«ابتعد يا أحمق!!»

ركل كاميجو بطن الساحر قبل أن يتمكن من الصعود فوقه، ثم صفعه صفعة على خده. سقط جسمه إلى اليسار. استلقى على ظهره... ثم أخيرًا أدرك الوضع.

في تلك اللحظة، تلاقت أعينهما.

أمطار العوارض الحديدية. لم يحاول تجنبها. ابتسم. كانت ابتسامةً رقيقة وحيدة، كأنه أدرك ما سيحدث إذا فاز في هذه المعركة.

ما كان لكاميجو سببٌ لإنقاذ هذا الساحر.

لن يلومه أحدٌ على قراره بتركه ليموت.

لكن...

‹—ألا حق للزائف تمني السلام؟

ومع ذلك...

‹—ألا يُسمح للزائف حتى برغبة حماية ميساكا؟

رصّ كاميجو أسنانه.

(آه، سحقا! هذا ليس بعادلٍ، أيها الوغد!!)

حاول أن يمسك بذراع الساحر الساقط. عندما أدرك أن الأخير كان متفاجئًا من فعله هذا، وذلك أغضبه أكثر. علم أن الوقت لن يكفيه. فرصّ أسنانه أكثر—

—وانهارت أسراب الحديد والفولاذ، محدثةً اهتزازًا في الأرض.

  • الجزء السابع عشر (31 أغسطس__12:47 ساعة الظهر.)

غمرت غيوم الغبار الضخمة الهواء وسلبت أنظارهما.

أمكنه سماع صخب الناس من حوله، لكنهم لم يتجمعوا كما يفعل المتفرجون الفضوليون عادةً. كان من الضروري للمتفرج أن ينظر إلى المكان الخطير من منطقة آمنة، ولكن التمييز بين هذا وذاك لم يكن واضحًا في هذه الحالة. لم يستطيعوا الاقتراب.

«... هَهَه.» وكاميجو، في الأرض، ضحك بضعف.

قد سقطت عارضة فولاذية على الأرض بين ساقيه وهو جالس على مؤخرته. ولم يكن هذا كل شيء. من حوله، كانت عوارض أخرى طعنت الأرض من حوله كأنها كوخ سيّئ الصنع به العديد من الثقوب في السقف. بدا أن توازنها هشٌ ضعيف، حتى بدا أن نسمة هواء خفيفة قد تسبب في انهياره بالكامل، لكن على الأقل، لم يُدفن كاميجو تحت الأنقاض.

(كان هذا حظًا... ملها، هذا مستحيل. فأنا منحوس. مما يعني... آه، فهمت. تلك المستوى 5 يمكنها استخدام قوة الكهرباء للتلاعب بالمغناطيس أيضًا، أليس كذلك؟)

ما كان لحظه علاقة. كان مسار إحدى العوارض قد سقطت مباشرة نحوه. فلابد أن قوةً ما كان لها اليد هنا، وهي التي حَوّرت مسار العارضة قبل أن تصطدم به. كان هذا هو التفسير الأرجح.

ما زال خائفًا من انهيار العارضة الصلبة غير المستقرة، ونظر حوله. أمكنه رؤية الساحر في الفجوات بين الأعمدة الفولاذية التي حملت السقف.

كان يبدو أن إحدى يديه علقت بين عارضتين، لكنها لم تُسحق. كان الأمر أشبه أن يده وُضِعت في الفجوة بعد سقوط العارضة. فبات الآن مقيدًا بأثقل قيدٍ في العالم.

بدا الساحر مذهولًا، كأنه استغرب من حقيقة أنه ما زال حيّاً.

وأخيرًا، تحدث.

«هل...خسرت؟»

«كأنه كذلك. بالمناسبة، ما لِيَدي علاقة بهذا، أفهمت؟» أصر كاميجو، وهو يحك رأسه، لكن الساحر هز رأسه. مهما كان السبب، لم يستطع التحرك. لم يكن بإمكانه الرد حتى لو أراد الاستمرار.

«إذن، لقد خسرت،» قال الساحر، مبتسمًا برقة. «هذا يعني إنني أوقفت هنا، ها؟ يعني أنني لن أضطر لقتل ميساكا أو أي شخص آخر، أليس كذلك؟»

«...»

لم يرد كاميجو. نظر إلى وجه الساحر.

بعد أن فكر الآن، ربما كان دائمًا محتاراً فيما يفعل. بالطبع، حاول قتل كاميجو بكل ما لديه، لكن ألم يقلق قلقا شديدًا فوضع حدًا لقوته الحقيقية؟ فبعد كل شيء، لو فاز في هذه المعركة، لاضطر بالتأكيد إلى قتل ميكوتو بيديه.

لو استخدم رمحه في أول هجوم، لربما مات كاميجو، دون أي وقت للتفادي. وبينما كان يركض عبر الطرق المستقيمة بين المباني، والآن بعد أن فكر في الأمر، كانت عنده العديد من الفرص ليُصيب ظهره.

لم يرغب هذا الساحر في إلحاق الأذى بميساكا ميكوتو.

لم يرغب في تدمير هذا العالم الذي تعيش فيه.

لكن أنانيته لم تُمنح بسهولة. كانت حياته لتكون في خطر إذا مضى قدمًا في هذا. لذا أراد سببًا مبررًا. عذرًا، مثل "استخدمت كل ما لدي، لكن شيئًا ما تدخل ففشلت."

كان كاميجو مبتدئًا، لكن الفصيل العدو كانوا يَحسبون له ومن معه ومن حوله تهديدًا. ولقد كان، من وجهة نظر ما، رئيس الأشرار. كان شعورًا فظيعًا أن يكون خصمًا تكون طريقته الرئيسية في القتال الأكاذيب والمزاعم.

«أتدري...،» بدأ الساحر كلامه، «...الهجمات لن تنتهي بي. رؤسائي لن يتوقفوا من فشل تابعٍ واحد مثلي. وفي الواقع، قد يجعلهم هذا يرونك أخطر. وسيأتي آخرون مثلي يستهدفونك وميساكا، وفي أسوأ الأحوال، قد يأمرونني بفعلها مرة أخرى.»

استمع كاميجو بصمت.

«فهل تحميها من أجلي؟» سأل. «مهما كان الوقت، مهما كان المكان، أو من كان، أو مهما تعددت. هل لكَ أن تعدني أنه كلما حدث شيء كهذا، ستسرع إلى جانبها كبطل وتحميها لأجلي؟»

كانت هذه أمنيته التي لن تتحقق أبدًا.

كان ثقل تنازله عن حلمٍ أراد حقًا تحقيقه بنفسه فوكّله لأحدٍ آخر.

وهكذا...

...قال كاميجو شيئًا واحدًا...

...وأومأ برأسه.

«حقًا إن هذا أسوأ جواب قد تعطيه،» همس الساحر المنهار، مبتسمًا بمرارة.

  • الجزء الثامن عشر (31 أغسطس__12:57 ساعة الرواح.)

ميساكا ميكوتو كانت تمسك بكيس البرغر على صدرها، وهي تسترق السمع إلى محادثتهما وهي تستند على جدار عند زاوية الشارع.

لم تسمع كل كلامهما، ولكنها عرفت أن هناك اثنان أونابارا ميتسوكي، وأن أحدهما قاتل كاميجو. ثم، عندما هرعت لتلحق بهما، كان وجه أونابارا متشققاً كأن مكياجًا خاصًا قد زال عنه وظهر وجه شخصٍ آخر بداخله. وفوق كل هذا، انهار المبنى غير المكتمل فجأة. حدثت الكثير من الأمور التي لم تفهمها. وبسبب ابتعادها، لم تتمكن من سماع إلا أجزاء من الحديث. في الحقيقة، بعد أن بَعّدت مسار العوارض الحديدية الساقطة، واجهت صعوبة في الحفاظ على هدوئها.

لكنها مع ذلك فهمت جل الموضوع.

عرفت سبب قتالهما.

قاتلا لمن.

ولأجل من.

طنطنَ رأس ميكوتو، وتَوَرّد وجهها، فهزت رأسها من جانبٍ لآخر.

(لـ-لا، لابد أنني أسأت الفهم! بالطبع، لابد أنني فهمت الأمر خطأً! هو دائمًا ما يقول مثل هذه دون إدراك طوال الوقت! ولا يعني هذا أنني مميزة أو أي شيء!)

لكن، مع ذلك، توقفت عن هز رأسها لتنفي ذلك.

كانت تعرف كل ذلك، ومع هذا توقفت.

(آغغ...)

أسندت رأسها على الجدار الذي اتكئت عليه. هذا حقًا الأسوأ، كما فكرت. كيف يمكنها مواجهة كاميجو بعد سماع شيء كهذا؟

خصوصًا آخر شيء قاله.

(...آاه، رغم أنني أعلم أنه سوء فهم، لكن... كلامك يُحيرني، أيها الأحمق.)

تنهدت. ولم تعلم حتى متى يرجع وجهها المتورد إلى طبيعته.


الواحد والثلاثين من أغسطس، 1:04 ساعة الرواح — النهاية.

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)