-->

الفصل الثاني: إكليلٌ مُتَواضِع — حفلة _ للفائزين.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء 1

سَمِعَ الجميع الزجاج وهو يتكسر.

«توما!»

لابد أن يكون الفستان الأبيض ذي الخطوط البنفسجية المُحْمَرّة صعبٌ الركض فيها. كان على إندِكس أن ترفع تنورتها المنفوشة بيديها كالأميرة في القصص وهي تستعجل خطواتها في الممر.

كان الشرر الحاد متناثراً حولهم.

وكانت شظايا الزجاج المكسور قد سقطت على السجاد.

بحلول وقت وصول إندِكس بشعرها الفضي الطويل المربوط في كعكتين على جانبي رأسها، رأت عددًا قليلًا من الناس بجانب الصبي ذو الشعر الأشْوَك. على سبيل التعداد، رأت كانزاكي كاوري وإتسوا. كان الكثير من سحرة الأنجليكان قد رفضوا حضور الحفلة حتى يعملوا حراسًا داخليين، لذا بدا وكأنهم يفحصون النافذة المكسورة وآثار الأقدام المُتركة على السجاد.

كان القط الكاليكو الصغير مُرتعدًا وفي حالة تأهب. هل شعر الحيوان بالأجواء المتوترة يا ترى؟

ابتسم كاميجو توما نفسه مرًّا بمرارة ورفع هاتفه المحمول بيده اليسرى.

راح يُلَوّح يده اليمنى التي اشتدت قبضتها في اللحظة السابقة.

«سحقا، خارت البطارية. يا ليتني شحنتها حتى أُصَوِّر ذلك.»

«أ-أنتَ لم تصب وهذا يكفي. ماذا لو طاردت ذلك وحدث شيءٌ لك؟»

تحدثت إتسوا بتوتر. حتى وهي قلقة ومضطربة جدًا، كانت خطوط جسدها مكشوفة تحت الفستان القصير والمثير الذي كانت ترتديه. نعم، كان هذا شيئًا أقرب أن ترتديه أوريانا تومُسون. دعونا نقول أنه لا يمكن السماح لها بالوقوف في احدة زوايا شوارع في لندن بعد التاسعة مساءً بمثل هذا الفستان. أكانت هي من اختارته لنفسها حتى؟

وضعت كانزاكي كاوري يدًا على أذنها مع شعرها الأسود الطويل مربوطًا بسابّة.

«يبدو أن تقرير أغنيز سانكتيس من وحدة الحراسة الخارجية لا يُبشر بالخير. بدا أن آثار الأقدام المُحَيّرة تختفي فجأة.»

«تختفي؟»

بدا كاميجو متشككًا وهزت كانزاكي كتفيها نافية بفستانها الياباني-الغربي المُزَيّن.

«ربما قفز الشيء من بين الفروع في الغابة وربما استخدم أجنحةً للطيران لأعلى. إذا كان ما تقوله صحيحًا، فلا يُمكننا إنكار تلك الاحتمالية، ألا توافق؟»

ألقت إندِكس والآخرون نظرة على الصبي ذو الشعر الأشْوَك.


––وحش أكبر من البشر.

––كتلة زرقاء سماوية وصفراء ليمونية.

––مخلوق أقرب لسحليةٍ رباعية الأرجل من أي شيء آخر.

––مُغطى بالكامل بشيء يشبه العضلات مع أجنحة كبيرة على ظهره.

––مخالبٌ سميكة انطلقت من الذراع الشبيهة بالبشر.


«لحظة، لحظة!! توقفوا عن النظر إليّ هكذا!! ولا تكتبوا كل كلمة أقولها بتلك النظرات الجادة!! تراكم تُخَوفوني!! أنا المسكين الذي تعرضتُ لهجوم فجائي!»

«لكن شهادتك هي أكبر دليل لدينا.»

يبدو أن فستانها الياباني-الغربي لم يكن له جيوب حيث أن كانزاكي كاوري سحبت دفتر ملاحظات مع ورق ياباني مزخرف على الغلاف من صدرها الممتلي (!؟) وكانت مشغولة جدًا بالكتابة فيه لتنظر إلى كاميجو. ولكن...

«أقصد، صار ذلك مباشرة بعد أن ضربتيني. وربما اخترب دماغي.»

«ما له داعي أن تذكرها مرة ثانية.»

أغلقت كانزاكي دفتر ملاحظاتها واحمَرّت قليلاً عندما أكدت هذه النقطة.

كما أنها أعبست شفتيها كطفلة صغيرة.

«تبدو ألوان الأزرق السماوي والأصفر الليموني غريبة، ولكن إذا ركزنا على المظهر ...فالسحلية ذات الأجنحة ليست رمزًا غير عادي في مجال السِّحر. الغاوي، أي الشيطان الشرير [1]، وحارس الأعماق والكنوز. بعبارة أخرى، التنين.»

ربما كانت كانزاكي تُعَدِّدُ قائمة ما خَطَرَ ببالها.

لكن كتفي كاميجو قفزتا عند سماع ذلك.

«...تنين؟»

«موضوعه شهير بما فيه الكفاية ليظهر في ألعاب الفيديو، أليس كذلك؟ يُساوون عادةً مع الشيطان، ولكنهم أيضًا يُسْتَخدَمون شعارًا لبيوت الفرسان ونَسَبَهُم، لذلك هو رمزٌ غريب. مثل هذا الرمز المختلط نادرٌ للغاية في الثقافة المسيحية التي تُفَرِّق بدّقة بين الخير والشر وتُدَمِّرُ جميع الأشباح كالكائنات الشريرة دون أن تأخذ ظروفها في الاعتبار.»

«...»

دخل صبي المدرسة الثانوية أخيرًا في صمت.

تنين.

ظلَّ يكرر تلك الكلمة في ذهنه.

عندما نظر لأسفل، رأى القط الكاليكو يُزَمْجِرُ على أرضية الممر المليء بالزجاج المكسور.

هل كانت عيون القط الجيدة، أم أذنيه، أم أنفه؟ ربما ظلّ هناك شيء يُمكن للحيوان فقط أن يستشعره.

ألقى كاميجو نظرة سريعة إلى يده اليمنى دون أن يُلاحظه أحد.

«إذا هَرَبْ، علينا أن نطارده. من يعرف ما الذي سيفعله إذا منحنا له فرصة للتعافي، قد يُهاجم أماكن اخرى. إذا كان يبحث عن المال أو الطعام، فقد يقتحم منزلًا أو محلًا هنا.»

تنهدت كانزاكي على ذلك.

«ولما نعتمد عليك لهذا؟ نحن القوات المُعِدَّة لتلك الأمور. إضافة لذلك، قد اقتحم دخيل مجهول قلعة وندسور في حضور الملكة. هذا وحده يكفي لإعلان حالة الطوارئ وإقامة نقاط تفتيش في جميع أنحاء هنا.»

«يا كاهنة. ه-هل يمكن أن يكون هذا آخر ما تبقى من قوات كُرونزون؟ قد سمعنا تقارير عنها بإنشاء شيطان اصطناعي.»

«لا يا إتسوا. في التحقيق الأولي، علينا التخلص من جميع افتراضاتنا وترك جميع الاحتمالات على الطاولة. يمكن أن يكون هذا عنصرًا خطيرًا آخر مثل عصبة سحرية ترغب في الخروج من سيطرة الأنجليكان. مع هزّةٍ ضربت أساس المملكة المتحدة، قد يعتقدون أن هذه فرصتهم.»

تحدث كاميجو دون تفكير.

«جميع الاحتمالات، ها؟»

قبل كل شيء، هل كانت التهديدات للمملكة المتحدة من الشيطان العظيم كُرونزون حقًا قد انتهت؟

ألا يوجد أي احتمال لوجود شخص آخر يتربص خلفها؟

قاع مزيف.

كان التفكير في ذلك يشبه محاولة الإمساك بسحابة.

صَلَت أُذُنيه صوت تأوّه.

في الغالب، وصل نفس القلق والوسواس إلى الجميع هنا.

أو.

ربما ما كان لهذا الإدعاء وزنٌ، ولكن ماذا لو أن شخصًا ما قد وضع هذا الموقف حيث دفعت هزيمة الشيطان كُرونزون إلى تخفيف قيود البلاد في الاحتفال؟ ماذا لو كانوا يبنون شيئًا ما وكانت الفتحات المتسعة في قلوبهم الآن جزءًا من كل ذلك.......؟؟؟

لم يقل أحدٌ شيئًا.

ولكن القلق نما بداخلهم جميعًا.

«تعزيز الأمن يجب أن يكون أولويتنا. يمكننا ترك التحقيق الخارجي لوٍحدةٍ أخرى. نظرًا لأننا لا نعرف ما الذي يُحاولون تحقيقه، أريد تجنب تقسيم موظفي قلعة وندسور.»

بعد هذا الإعلان، همست الملكة إليزارد إلى قديسة وكاهنة أماكوسا المسؤولة عن الأمن الداخلي.

«إذا لزم الأمر، سأعطيك إذْن تفعيل [العَمَل الخَدَمي]. ولا يهم إن قدَّمتي الأوراق الرسمية إلى الفصيل الملكي بعد وقوع الحدث.»

«مفهوم.»

طك طك!! صفّقت إليزارد يديها مرتين لتكسر الجو المظلم الذي يسود.

«الأكل والشراب في الممرات ليس جزءًا من ثقافتنا. إذا رغبتم في الحديث واقفين، فارجعوا إلى قاعة الرقص، سترتاحون اكثر هناك، إضافةً إلى وجود الطعام والشراب اللذيذ.»

حرّك هذا الأمر الناس.

حَمَلَت إندِكس القط الكاليكو وهو يموء وسارت لتعود إلى قاعة الحفل.

بدأ كاميجو يُتابعها، لكنه قرر أن يطرح سؤالًا على كانزاكي.

«ما هو العمل الخدمي؟»

«تدابير خاصة تسمح لسجناء برج لندن بمغادرة زنزانتهم مؤقتًا ليساعدوا في معارك ضد السَّحرة تحت إشراف البيفيتريون. وهذا يعني إرسال الأميرة الثانية كاريسا و ويليام أورويل، قديسًا مثلي، إلى المعركة.»

«مِن جد؟!»

«هو آخر الحلول. وأيضًا، هذان الاثنان لا يهتمان بتقصير فترة العقوبة بهذه الطريقة.»

على فكرة، لم يُنَفّذ هذا الإجراء خلال الحالة المُلِحّة عندما كادت لندن أن تسقط بيد مخاطر الكراولي. لا بد أن هذا كان مفتاحًا لن يضغطوا عليه أبدًا طالما كان لديهم أدنى شعور بالمسؤولية.

«كاميجو توما. لقد أنقذت هذا البلد، لذا لا تقلق بشأن كل هذا واصنع من هذه الليلة ذكرى لا تُنسى.»

«ولكن...»

هذه كانت عادة الأمور.

دائمًا ما يتورط كاميجو سواء كان ذلك ضروريًا أم لا، لذلك ضَحِكَت كانزاكي.

«لا تقلق. هدف العدو غير واضح، لكن إذا نووا تدمير هذا الجو السلمي ونشر الاضطراب في جميع أنحاء البلاد، فالرد بنفس القسوة كمثل إعطائهم ما يريدونه. من هذا المنطلق، فإن إنهاء الحفلة والعودة إلى ساحة المعركة خارج الاحتمالات. لذا دع العمل الأمني لموظفي الأمن. الحفاظ على كل شيء كما كان دائمًا كافٍ لإعطاء القوة للمجتمع. لذا أرجوك ساعدنا في تحقيق السلام.»

«أن تَصِفيها هكذا لهو غش...»

«هو كذلك.»

ضغطت كانزاكي كاوري برفق إصبعها السبابة على شفتيه.

دَغْدَغ عِطْرُ شَعْرِها الأسود الطويل أنفه.

«أنسيت أنني أكبر منك؟ قد قضيتُ وقتًا أطول في تعلم بعض العبارات.»

  • الجزء 2

صدى صوت أحذية إندِكس المسطحة من تحت فستانها الأميرة بينما توقفت أمام غرفة مختلفة قبل عودتها إلى قاعة الحفل. لم تلاحظ كيف كان فستانها الأبيض بالخطوط الأرجوانية المُحْمَرّة يرتفع بشكلٍ خطير أثناء تحركها.

«تعال إلى هنا يا سفينكس.»

(لطالما وَجَدَ توما وسيلة ليصاب، لذا عليّ الإتيان ببعض الضمادات تحسُّبًا.)

كانت في غرفة الطب.

كانت قلعة وندسور مكانًا فاخرًا، وفيها ناس يسكنونها. ومع ذلك، كانت هناك أجهزة صدمات قلبية كهربائية في أكياس مُلَوَّنة بشكلٍ جذاب مُعَلَّقة على الجدران في كل طابق وكان لها مرفق طبي خاص. كان ذلك غريبًا للغاية في الظروف العادية، لكن ربما كانت علامة على مدى رغبتهم في القضاء حتى على أقل فرصة للكوارث.

«عذرًا.»

دقت بلطف وفتحت الباب.

وجدت داخل الغرفة طبيبة بنظارات ومعها ثلاث ممرضات، لكن حالما رأين الفراء القططي الذي يغطي إندِكس من زخرفة الرقبة الدانتيلية إلى طرف التنورة الطويلة، تصلبت وجوههن بصدمة. أسرعت مُمرضة شقراء في طرد القط إلى الردهة ورشت يدي إندِكس وفستانها بشيءٍ مُعَيّن.

أهكذا يتعاملون مع الأطفال الضائعين، أم أنهم دخلوا في طور أخصائي الأطفال؟

ما الذي جلبك لهنا؟ قال تعبير الطبيبة (بنظرة شخص لا يمكنها إطلاقاً التنبؤ بما سيفعله الشخص الآخر)، لذا رفعت إندِكس يديها وقفزت بخفة في مكانها.

«أريد إسعافات أولية لتوما!»

لم يعطوها الإسعافات الأولية.

بدلاً من ذلك، سلمت الطبيبة ذي التنورة الضيقة لها حقيبة صغيرة من البلاستيك السميك. كانت شيئًا مثل طقم فرشاة الأسنان الليلية، لكن بها مُطَهِّر، وضمادات لاصقة، وضمادات غير لاصقة، وأشياء أخرى. ربما كانت هذه المستويات من التحضير للبستانيين الذين يعتنون بأراضي قلعة وندسور الكبيرة. عمومًا، وظيفة غرفة الطب في القلعة هي علاج الأسرة المالكة وأي سائح يُصاب، لذلك أبقوا الأمر سرًا أنهم سيشعرون بالإرهاق إذا اضطروا إلى التعامل مع كل خدش صغير ولسعة حشرة يعانيها العمال أثناء صيانة القلعة وتفتيشها.

وكان الجزء الأمامي من العبوة يعرض صليبًا على قاعدة ثلاثية الدرجات مع وردة زينة للمركز.

و...

«أُغغ ... متى صار رأسي ثقيلًا جدًا؟»

سمعت إندِكس صوتًا بطيئًا من خلف حاجز ستارة.

مالت رأسها قليلاً، وتوجهت وفتحت الستارة.

كان الأمر كما لو أنها اصطدمت بأنفها في جدار سميك وخفي.

دخلت رائحة حلوة عليها فور كسر الختم.

كان هناك امرأة ملقاة على السرير خلف الستارة. لابد أنها انهارت في منتصف تغيير فستانها الفاخر إلى ثوب رهبانيتها الأسود لأنها استسلمت عن إكمال لبس أكمامها. وبدلاً من الاستلقاء على وجهها للأسفل، بدت وكأنها كانت على أطرافها الأربعة عندما خارت ذراعيها. وبعبارة أخرى، كانت مؤخرتها ترتفع عاليًا.

التي كانت تتأوّه بوجهها في وسادة كبيرة كانت أورسولا أكويناس.

كانت تحْمَرُّ من الأذنين إلى العنق.

«أوووووهه! م-ما هذه الذكريات الفظيعة المتصاعدة من أعماق المحيط العميق؟ ه-هل حدث ذلك حقاً؟ لا، لا يمكن...»

كانت تتقاتل مع نفسها في الوقت الحالي.

أمالت إندِكس رأسها وترنح شعرها الفضي معها.

«ما الذي تفعلينه؟»

توقفت المرأة الشقراء الجذابة المرتجفة فجأة.

فقدت توازنها أيضًا وتدحرجت على جانبها. انكمش جسمها على شكل جنين وأدخلت إبهامها في فمها. كان كل ذلك ظريفًا للغاية، ولكنه زاد أيضًا من جاذبيتها الحُلْوَة بشكل خطير كشابة.

وجديرٌ بالذكر أن المسيحية عمومًا تُشجِّعُ على الزهد، لكنها لم تفرض قيودًا حقيقية على شرب الكحول. في الواقع، لعب استهلاك النبيذ دورًا في الطقس الديني الهام للقربان المقدس.

وطبعًا كانت الشراهة من الخطايا السبع المميتة، لذا فإن الاعتدال دائمًا ما يوصى به.

«...أدرك أن هذه ليست أنسب ساعة، لكن أتمانعين إذا اعترفتُ بذنوبي لكِ؟»

«طالما نرى وجوه بعضنا البعض.»

لأن لديها ذاكرة مثالية، لم تُعجَب إندِكس بفكرة سماع خطايا ومخاوف شخص ما في بيئة مفتوحة مثل هذه. إضافة لذلك، طلب النصح من هذه الراهبة الجوعانة، فمن المحتمل أن تخبرك أن تملء معدتك وأن تذهب إلى النوم.

قالت الطبيبة ذي النظارات أن أورسولا كانت مغشاةً بالقرب من الحمامات.

ولابد أن أورسولا نفسها كانت متوترة للغاية بسبب حادثة الخلائط الإلهية خلال الحرب. جزء منها أراد تجنب الآخرين، لذا لم يكن من المستغرب أن شربت كأسًا من شيء أقوى مما كانت تشربه عادة.

تنهدت إندِكس.

«لا تقلقي. هذه ليست النهاية. ما عليك سوى أن تستريحي اليوم ولنتحدث مع الجميع غدًا.»

«لا، تعالي وعزّيني. من فضلك لا تتركني وحدي!»

«هل تَسْتمِعُ حتى؟! صعبٌ عليّ القول، ولكن أظنها لا تزال في حالة سكر!»

  • الجزء 3

الآن.

لماذا لم تظهر ميساكا ميكوتو –التي ارتدت طرحةً شفافة خلف رأسها– وشَوكُهو ميساكي –التي صفَّفت شعرها الأشقر العسلي في درجتين– في الردهة خلال الفوضى؟

«هغغ؟!»

«نعم، نعم، فهمت! لقد أذهلك ذلك، فتوتر جسمك فجأة.»

اتّكئت الفتاة الشقراء العسلية الباكية على ال . لتستخدمه كرسيًا وتنهدت ميكوتو أيضًا بينما تنكمش على نفسها خجلاً بسبب الفستان اللانجري الأزرق.

وبمجرد أن اعتلت شَوكُهو ال A.A.A.، أطلقت صوتًا غريبًا.

«أوه، أووه؟»

بدا ال . كعربة ترام أو سيارة شرطة مع العديد من العجلات المصنوعة على الأرجح من أجزاء إطارات الدراجة النارية، وتبعجت مُقدِّمتُهُ بشكلٍ دائري حتى تضع شَوكُهو مؤخرتها عليه. وبعد لحظات صارت تجلس على ما كأنه بالون أكبر من كرة الشاطئ.

«تمهلي، تمهلي يا ميساكا-سان. أهذه كرة توازن؟ ربما ظننتي أن هذه المواد الناعمة مريحة، ولكنها تؤلم حقًا خصري! هغغ!!»

«ه-هذه ليست فعلتي! يا .، اهدأ قليلاً!! وأنتِ يا شَوكُهو، توقفي عن الارتداد لأعلى وأسفل هكذا!!»

اضطُرّت ميكوتو أن تلُفَّ ذراعيها حول معدة الفتاة الشقراء العسلية لتمنعها من أن تصير أشبه بزوجةٍ شابة بريئة تهورت قليلًا في الصالة الرياضية. هذا ترك ظهر فتاة الفستان اللانجري مكشوفًا تمامًا.

لابد أنه آلم وركها حقًا إذْ أن شَوكُهو كانت تبكي وركبتها تبللت بالعرق. حتى رقبتها كانت مُحْمَرّة بلونٍ ورديٍّ فاتح.

«طيّب، تعاملي مع الأجزاء التي يمكنك الوصول إليها، لكنني سأمسح ظهرك.»

«ستخرُجُ رائحةٌ حُلْوَةٌ مني عندما يتحسن تدفق دمي-ريوكو، لذا ما لي خيار.»

«تلك الشفاه العبسة تبدو غريبة عليكِ. هيّا، سأُنظف رقبتكِ أيضًا.»

مسحت ميكوتو بقطعة قماش قفا شَوكُهو ورتبت شعرها الأشقر. شَوكُهو ميساكي كانت ملكةً بحق في جوهرها لأنها سمحت للفتاة الأخرى بفعل ذلك.

«مم، تستاهلين [2] حوالي سبعين. ميساكا-سان، مع التدريب والإجتهاد، قد تصيرين خادمة كفء.»

«يا A.A.A. ، نقِّزها.»

«أبوا بوا بَ بَ بها هااا!!»

بدأت فتاة العسل الشقراء تصدر أصواتًا غريبة وهي تقفز لأعلى وأسفل. كانت أجزاءٌ مختلفة من جسدها ترتعش على مستوى مقبول من الألم. ولم يُفِد هذا شيئًا لإزالة الشكوك حول ضعفِها تجاه مقاعد الدراجات.

بعد أن رأت ميكوتو أن الفتاة الأخرى قد استرخت بما فيه الكفاية، أمرت الآلة بالتوقف.

«فماذا كان هذا الضجيج على أي حال؟ بدا وكأنه صوت كسر الزجاج.»

«آه، آاغه...أتمنى فقط ألا يسقط ذلك الفتى أحد أواني الورد في الردهة.»

كان ذلك ممكنًا تمامًا.

الأعمال الفنية والتحف في مثل هذا المكان عادة ما تكون لها سياسات تأمين باهظة الثمن، ولكن التعويض المالي لن يكون بالضرورة كافيًا في الكثير من الحالات. وكان للناس مَيْلٌ لتخريب معظم الأشياء عندما يحاولون بشكلٍ خاص عدم ذلك. السيد كاميجو، رجل الحظ السيء، بدا الشخص المثالي الذي سيتعثر ويُشعل سلسلة غريبة من الأحداث التي تنتهي بكسر شيء مثل ذلك.

«أوه، ها هو رجع.»

نظرت ميكوتو نحو الباب بطريقةٍ حنت ظهرها بسلاسة كما تتمرن تمارين استرخائية على حافة حوض السباحة.

لكن كلمات قليلة كانت كافية لجعل قلب شَوكُهو ميساكي يخفق بسرعة.

ضغطت يدها على صفارتها الفضية المخفية في مركز صدرها.

لَوَّح الصبي ذو الشعر الأشْوَك يده نحوهما بعفوية تمامًا. لكن هذه العفوية كانت كهجوم كاسح على غدد الفتاة الدمعية.

تذكّرها.

ستستمر هذه المعجزة على الأقل أطول قليلًا.

وأول ما قاله كاميجو توما دمر الأجواء تمامًا.

«هَيي، يا آنستين. هل عندكما جوّال؟»

««شنو؟»»

«جوّالي طفى شحنه، وما قدرت التقط ولا حتى صورة. ولا أقدر أشحنه لأن المنافذ غير متوافقة.»

««...»»

«لكن بعدها تذكرت طريقة رائعة! يمكننا شحن جوالاتنا لاسلكيًا، صح؟ لو تلاعبنا قليلاً بإعدادات هواتفنا، سيمكنني استخدام هاتفك كبطارية محمولة. أريد فقط النصف... لا، فقط الثلث! ممكن تعطيني ما يكفي من البطارية حتى التقط صورة لذلك المرة القادمة؟»

بدأ بقول ذلك ولم يخبرهما حتى بما حدث في الردهة.

ثم دخلت إندِكس وقدّمت بعض المعلومات الإضافية بصوت خفيض.

«توما... أسمعتَ أن أورسولا وجدوها نصف عارية بالقرب من الحمامات؟»

«احا؟!»

ما كان للتوقيت أن يكون أسوأ.

تغيرت الأجواء المحيطة تمامًا بآنستي مدرسة تطوير الأسابر المرموقة توكيواداي الإعدادية.

وبعد أن حسَّ بالخطر غريزيًا، انزلق القط من ذراعي الفتاة فضّية الشعر وهرب.

«جوالك كان مُغلق...»

«...ففشلت في التقاط صورة رائعة، تقول؟»

«لحظة، ليس الأمر كذلك. هذه مشكلة حقيقية. وكطالب متعلم في المدرسة الثانوية يعرف الكثير من الكلمات الخدّاعة، إليكم درسًا يا طلاب الإعدادية: لا يجب أن تُطبق عقوبة الجرم مرتين. حقًا أكلتُها من ضربات كانزاكي مرة، لذا إذا واصلتم تكرار العقاب فسأموت حقًا!!»

ولكن كالعادة، نسي كاميجو توما أن يشرح نفسه بشكلٍ صحيح.

كلماته لم تفعل شيئًا للتخلص من الأحاسيس المضطربة في صدور الفتيات. في الواقع، ازداد الضوء الخطير في عيونهن فقط. بدت وكأنهن تمامًا كما في فن المكياج الكابوكي المستخدم في الملصقات المناهضة لسرقة المتاجر.

تحدثت الفتاة الفضية نيابة عن ثلاثتهن.

«توما، أتقول أنك فعلت شيئًا يستحق العقاب؟»

«آآاااااااهه، يا للازعاج!! ولكني اتُهمتُ ظلمًا!! كانت أورسولا في حالة سُكر عندما وجدتُها!!!!!»

تبعت سلسلة من الأصوات الصلبة.

تحول ال A.A.A. من الكرة المتوازنة إلى العربة الصغيرة بحجم مقعد صغير. كانت شَوكُهو ميساكي جالسة بأناقة على الجزء الأمامي ولذا تنهدت عندما انزلقت مؤخرتها إلى الوسط تقريبًا. كانت لقطة بصرية جذابة بسبب كشف الشقوق في تنورتها الطويلة.

كانت جاهزة للانطلاق.

تحدثت الفتاة ال #5 وهي تركب هذا الجاموس الهائج.

«تنهد... ميساكا-سااان.»

«من دواعي.»

«انطلق☆»

أرسلت الكتلة بحجم المقعد الفتى ذو الشعر الأشْوَكِ ليطير في الهواء بقيادة ملكة توكيواداي.

وبعيدًا عن مبدأه "لا يجب أن تُطبق عقوبة الجرم مرتين"، فهو لن يحصل على براءته حتى يُثبت جُرمه.

  • الجزء 4

كانت ليلةً باردة.

تألق ضوءٌ برتقاليٌّ مُتقطع ومُختلف كثيرًا عن ضوء اليراعة تحت السماء الباردة. لكن قليلًا جدًا من الناس الذين رأوها سيعتبرونها زائلة أو عابرة.

كانت فتات سيجارة.

وعادت هذه السيجارة لستَيْل ماغنوس.

وَقَفَ بطول مترين أو يزيد وكان شعره الأحمر يلامس كتفيه. كان يرتدي بدلةً رسمية بدلاً من رداءه الرهباني الأسود، لكنه لا زال نفس الشخص. كان قاتلًا تابعًا لنِسِسَريوس، كنيسة الشرور الضرورية، التي تُدَمِّرُ السِّحر بالسِّحر. كان له تاريخ مختلف عن كانزاكي كاوري أو أغنيز سانكتيس اللتين وصلتا هنا لأسباب أكثر تعقيدًا.

تحدث تاتيميا سايجي، الذي يُساويه طولًا، من الكنيسة الأماكوسية بتعبٍ في صوته. «أوه، كُنتَ هنا؟ ظننت أنك تضيُّع وقتك في مكان ما بدعوى خدمة الأميرة الأولى.»

«أنا أرفض البقاء طويلاً في أي مكان لا يُسمح لي بالتدخين»، أجاب الكاهن وهو يلعب بسيجارته بين أصابعه ويتكأ على جدار قلعة وندسور.

في الحقيقة، وَجَدَ البقاء هناك أمرًا مستحيلاً لسبب آخر.

بدت الفتاة ذات الشعر الفضي مُشرقة جدًا في ذلك الفستان.

أراد الجميع منها أن تبتسم ولم يكن ستَيْل مختلفًا، لكن تلك الابتسامة أيضًا وجدت طريقها لتلدغ قلبه. لأن تلك الابتسامة كانت مُوَجَّهة إلى شخصٍ آخر.

هل تذكرتهم أم لا؟

هذا هو الخط الفاصل الذي لا يمكن تجاوزه بين الفتى الذي مُنِحَت له السعادة والكاهن الذي لم يحظَ بها. كانت رؤيتها هكذا تذكيرًا مؤلمًا بهذه الحقيقة.

(الخطايا السبع المميتة، مم؟ لا أعرف ما إذا كان هذا فِعل إبليس أم لويثان، ولكن إذا كانت المشاعر المُجَرَّدة تأكل قلبي هكذا، فعليَّ بالتأكيد أن أتدرب أكثر).

وجود تاتيميا ذكّره بشخصٍ آخر.

بماذا فكرت مُتفوِّقتُه، كانزاكي كاوري، في كل هذا؟

هل وصلت إلى تفهم مع نفسها، ونظمت مشاعرها، ووضعت كل شيء في أحد أدراج عقلها؟

أطرق ستيل رأسه بلطف.

قد أمل أن التدخين سيُساعده على التركيز والهدوء، لكنه كان يزيد توتر أوعيته الدموية ويرفع ضغط دمه. لم تودي أفكاره إلى نصبٍ جيّد حيث أنه حسَّ أن التدخين كان يُدَخّنه وليس العكس.

تحدث الكاهن ليُلهي نفسه.

«ماذا عنك؟ اعتقدت أن أماكوسا كانوا مسؤولين عن الأمن الداخلي.»

«هذا ليس شيئاً بتلك الغرابة بما أنه مُتورط. بعد فحص النافذة المكسورة وممر الردهة، قررنا إلقاء نظرة إلى الخارج أيضًا.»

ابتسم تاتيميا ونظر إلى نافذة الطابق الثاني.

لكن هذه كانت قلعة وكل غرفة كانت كبيرة جدًا، لذلك عَلَت الأسقف عاليًا. لا يمكنك وصفه بمنزلٍ عادي. لذا فإن السقوط من نافذة بذلك العُلُو ستكسر عظامك على الأقل.

«لكنني لا أرى أي ضرر في الجدار الحجري. أهذا يعني أنه قفز مباشرةً إلى النافذة بدلاً من تسلق الجدار؟ بتُّ أفهم الآن تقارير مجموعة أغنيز وأنه ربما قد طار.»

«السؤال الأهم هو لماذا ذهب مباشرةً إلى الطابق الثاني. لو أراد التسلل، كان للطابق الأول أن يكون كافيًا.»

أكان محظوظاً أم منحوسًا أنَّ أوّل من صادفه كان كاميجو توما؟ يده اليمنى دفعته بعيدًا قبل أن يُحدِّدوا مزيدًا من الأدلة، لذلك كان كل ما يعرفونه هو أنه استخدم نوعًا من القوى الخارقة للطبيعة. الولد نفسه كان هاويًا تمامًا ولم يعرف ما الأهم ذِكره في تقرير، لذا كان من الصعب تصور مشهد الهجوم استنادًا إلى تصريحاته.

«دائمًا لديه أسلوبه لإثارة المشاكل.»

توقف ستيل عن الكلام هنا.

لم يهمه حقًا ما إذا استمر الحديث.

لكن في هذه الحالة...

«ستصير الأوضاع أكثر ازدحامًا من الآن.»

«لقد تم تعيينك للأميرة الأولى، أليس كذلك؟ إذا رغبت في السلام والهدوء، فأنا أوصي بالهروب من القلعة بحجة البحث عن الأميرة ريميا.»

لكان أسعد بذلك، لكن لم يبدو أن هذا خيار.

كان البقاء بجانب تلك الفتاة مؤلمًا.

ولكن لا تفهم غلط. بعض الأغبياء كانوا ليُحوِّلون حُبَّهم لغضب أو كراهية، لكن ستَيْل لم يكن ذلك النوع من المعاتيه. قاعدته الأولى كانت التخلص من أي تهديد يقترب من تلك الفتاة. آلامه النفسية وجروحه كانت ثانوية.

لذا...

«آثار الأقدام تختفي فجأة.»

أطلق بطاقة مطبوعٌ عليها رمزٌ روني.

بدلاً من تثبيتها على سطح ما، تركها تطير في نسيم الليل لتخلق لهبًا يطفو مثل إضاءة الأشباح. كانت هذه البطاقة واحدة فقط، لذلك لن تدوم طويلاً. احترقت البطاقة المُغَلّفة وطار الظلام بعيدًا فقط عندما بدأ البلاستيك يُفقِّع.

كشفت عن آثار غير بشرية.

أكثر من شكل، كانت المسافة بينهم واضحة جدًا. بدا وكأنه قَفَزَ بخطٍّ مستقيم بدلاً من المشي أو الركض. واختفت آثار الأقدام الغريبة تمامًا بعد الاقتراب من الغابة الصناعية المحيطة بالقلعة.

«هل تحرك عبر الفروع، أم أنه ركض ليتحرر من الجاذبية ليطير؟»

كل هذا يتناسب مع تقرير أغنيز وهوليغريس اللذين كانا مسؤولين عن الأمن الخارجي.

تلك الأضواء المتناثرة التي تتحرك عبر الأشجار سترجع إلى الخادمات والراهبات الائي تبحثن في الغابة والعشب عن أي آثار إضافية للمتسلل. يجب أن لم يجدوا الكثير لأن بعض الأدوات مثل أرجل العنكبوت كانت تُصَرصِر عبطًا.

ولكن كان ستَيْل مهتمًا بشيءٍ آخر.

«يزعجني كيف اخترق ببراعة وهرب. إنها قلعة وندسور، الوطن الثاني للملكة. اختراقها لا يجب أن يكون سهلًا.»

«أتقول أن هذا الوحش يعرف الأساليب البريطانية؟» بدا تاتيميا متشككًا. «أعلم أننا كنا يائسين جدًا خلال تلك الحرب حيث كشفنا الكثير من أوراقنا، ورغم ذلك.»

هل يعني ذلك أنها كانت عصبة محلية أو أجنبية أو حتى طائفة أخرى مثل [الروم الكاثوليك] أو [الروس الأرثوذكس]؟ لا يزالون يجهلون إلى أي مدى انتشر نفوذ لُولا ستيوارت ... لا، الشيطان العظيم كُرونزون، لذا من الصعب القول ما إذا كان تأثيرها قد تم القضاء عليه بالكامل.

النظر إليها من هذا الجانب ربما كان معقولًا، ولكن...

«بقول ذلك.»

«؟»

«لا يوجد أي علامات على استخدام أي سحر.»

مع صوت فقاعة هادئة، انفجرت لمبة ستيل الشبحية الهشة واختفت.

انتهى بحثه بالفشل.

«لا توجد أي آثار للسِّحر. هل هذا ممكن حقًا؟ من شأنه أن يعني أنهم فهموا الأمن السحري على المستوى الدولي بما يكفي لينزلقوا من خلاله ولكنهم لم يستخدموا سحرًا خاصًا بهم. هل حصلوا على شيء من هذا القيد؟ أم...»

«قد لا يكون الجاني يعمل وحده. ربما الشخص الذي اخترق فعليًا لا يعرف الكثير مثل الشخص الذي يُوَجِّهُه.»

«أتقصد أن شخصًا مثل تلك الفتاة التي تحمل مِئة وثلاثة آلاف وكتابٌ سحري في رأسها؟ لكن من يمكن أن يكون؟» أطلق ستيل تنهدًا ممزوجة بدخان السيجارة. «السحلية تمثل تهديدًا واضحًا، ولكنني أيضًا قلق بشأن مستشارهم.»

  • الجزء 5

ولعلك تجد حظًّا شحيحًا في مثل هذه الحالة المنحوسة.

السحلية ذات الأجنحة الزرقاء السماوية التي رآها كاميجو توما لم تهاجم مرارًا وتكرارًا بنفس الطريقة. كان ذلك جيدًا لأنه لم يكن هناك حاجة لإلغاء الحفلة، ولكنه أيضًا تركهم بدون أدلة على هوية الجاني.

«تنهد...»

الصبي ذو الشعر الأشْوَك أمسك بخصره وأطلق نفسًا أبيضَ.

كان على شرفة متصلة مباشرة بقاعة الرقص.

كانت الاحتفال مستمرًا كما لو حاول الجميع أن يُغَطّوا المزاج المظلم الذي غشاهم كالضباب بضحكهم، لكنهم بالغوا قليلاً. إذا استمر معهم حتى النهاية، فقد يرمونه بقوة في الهواء عاليًا كجزءٍ من الاحتفالية حتى قد ينتهي أمره في السماء.

«توما.»

هذا عندما سمع صوت فتاة خلفه.

كان للفتاة فُسْتانُ أميرةٍ أبْيَضَ مَلَكي بخطوطٍ بنفسجية مُحْمَرّة، وترتّب شعرها الفضي الطويل في شكل كعكتين على كل جانب.

أعاد الصبي ذو الشعر الأشْوَك نظرهُ للوراء.

«أشعر وكأنني اكتشفت شيئًا.»

«؟»

ابتسم بمرارة عندما أمالت إندكس رأسها.

«ربما لم أردها أن تنتهي.»

«ماذا؟»

«رئيس المجلس أليستر قد رحل»، قال كاميجو توما.

لم يتحدث فقط عن مصير عدوه. ستؤثر هذه النهاية على حياة هذا الصبي والفتاة أيضًا.

«وكذلك لُولا ستيوارت التي كانت تقف على رأس الكنيسة الأنجليكانية مطرانًا. كنا نحن نوعًا ما محشورين في فجوة، لكن الجدران على كلا الجانبين قد اختفت وتحوّل الشق إلى هاوية كبيرة. لم يعد هناك شيء يحتجزنا بعد الآن.»

إندكس، الفتاة التي حفظت كل شيء يتعلق بالسِّحر، عاشت في مدينة الأكاديمية، مكانٌ يحكمه العلم.

ومع ذلك، عاشا معًا في ذلك السكن الطلابي كما لو كان الأمر طبيعيًا.

الكبار الذين ضمنوا استمرار ذلك اختفوا فجأة. لم يكن هذا تمامًا كما لو أن والديك قد ماتا في حادثٍ في يوم من الأيام. تلَوَّنت أراءه هنا أكثر بالمزايا والعيوب النقية، لذلك كان الصبي المراهق غير متأكدٍ من كيفية قبولها.

لذلك...

«اعتقدتُ أنه لو قاتلنا، سيمكننا الحفاظ على مكاننا.»

«...»

«طالما استمرت معركة أليستر وكُرونزون، اعتقدتُ ربما أنه يمكننا أن نعيش في مدينة الأكاديمية إلى الأبد. لذلك ربما أردتُ أن أجد بعض الغموض المتبقي وأن يأخذ شكلًا ماديًا ويُهاجمنا.»

ولكن هذا كان أنانيًا.

أليستر وكُرونزون نفسيهُما كانا يتقاتلان لإنهاء كل القتال. لا يمكنه أن يطالبهما بتمديد المعاناة فقط لأنه يريد حماية نمط حياته المؤقت.

كان يعرف ذلك.

لكن ورغم ذلك، عضّ كاميجو توما شفتيه.

«ماذا نفعل؟»

كان لإندكس مساران مفتوحان أمامها: البقاء هنا في إنجلترا، أو العودة إلى المدينة الأكاديمية.

«ما الذي يُفترض بنا فعله الآن؟»

وكان لكاميجو توما أيضًا مساران مفتوحان أمامه.

أليستر رحل. خطته لم تعد موجودة. هل سيعود إلى المدينة الأكاديمية بدون العقل المدبر للمصائب، أم أنه سيختار مسارًا آخرَ بالتوجه إلى عالم السِّحر مع الاعتماد على قوّة يده اليمنى؟

الإماجين بريكر يعمل على خوارق سواء جاءت من العِلم أو السِّحر، لذا ربما لم يكن لديه سببٌ للبقاء في مدينة الأكاديمية بعد الآن.

لم تقل إندِكس شيئًا لفترة.

كانت تفكر.

ثم فتحت شفتيها الحُلْوَتَين قليلاً وتحدثت.

«أريد أن أعود إلى البيت.»

«ك.»

لقد اتخذت قرارها.

إندكس تريد العودة إلى البيت. طبعًا تريد. لطالما كان غريبًا لها أن تكون في المدينة الأكاديمية اليابانية.

عَلِمَ كاميجو أنه يجب عليه أن يتخذ قراره الآن.

لكن إندِكس ابتسمت وأردفت المزيد.

«لذا دعنا نعود لبيتنا المدينة الأكاديمية. أعني، أليس هذا ما كنا نقاتل من أجله؟ إذا لا، فلماذا خاطرنا بحياتنا في المقام الأول؟»

«هل أنتِ متأكدة حقًا من ذلك؟»

كان يرتجف.

لكنه لم يستطع تحديد السبب بالضبط.

«أعني، هذا هو المكان الذي وُلِدتِ فيه ولا يوجد شيء يربطك بتلك المدينة بعد الآن! إذا وددتِ العودة إلى مسقط رأسك، يمكنكِ!! فهل أنتِ متأكدة حقًا؟»

«هناك شيء.»

ابتسمت الفتاة ذات الشعر الفضي ذات فستان الأميرة ابتسامةً خفيفة.

لم تكن هذه ابتسامتها المعتاة.

«لا زال شيءٌ ما يربطني بذاك المكان. ولكنه ليس بالشيء السيء. لذا دعنا نعود إلى البيت يا توما. المكان الذي في بالي الآن يجب أن يكون المكان الذي يُفترض أن أكون فيه حقًا. هذا ليس شيئًا أتخلى عنه بسهولة.»

خانته الكلمات.

حتى وهو يعلم أنه يجب أن يقول شيئًا.

لو بقت إندِكس في لندن، فَسَتسْتَفيدُ كثيرًا من مواهبها. وكان لها أشخاص ينتظرونها، مثل ستيل وكانزاكي. لم تكن مضطرة أن تجبر نفسها على العودة إلى حياتها في المدينة الأكاديمية. أراد أن يطلب منها التفكير في هذا بعناية أكبر حتى تتأكد من أنها اتخذت أفضل قرار ممكن لها.

لكنه لم يستطع.

لم يستطع إجبار نفسه على قولها.

وإن وصفتها بقُبحٍ أو حقارة، فإن كاميجو توما لم يستطع أن يقول أي شيء يكون له أدنى فرصة لإقناعها بتغيير رأيها.

ولذا ساد الصمت بينهما.

وقفا ببساطة هناك على الشرفة الفارغة وهما ينظران إلى أعْيُنِ بعضهما البعض.

لابد أن شخصًا ما أطلق الألعاب النارية للاحتفال بنهاية الحرب حيث وصلتهم ألوان الزهور النارية المتعددة التي أضاءت الظلام الشتوي خارج الشرفة. ولكن الصبي والفتاة لم يلتفا لينظرا.

«إندكس...» نعم، قالها هامسًا.

وضع يديه على كتفيها النحيلتين.

ربما حتى لم يعرف بالضبط ما كان يحاول فعله.

لابد أن أطراف أصابعه قد لمست شَعْرَ الكعكتين على جانبي رأسها عندما وضع يديه على كتفيها لأن تسريحة شعرها الفضي تفككت.

لمعت مشرقاً في ضوء القمر.

نظرت إندِكس برفق إليه.

وهكذا.

مَيَّلت الفتاة رأسها قليلاً.

وفي تلك اللحظة.

بصوتٍ يقطع الرياح، تسلق شيءٌ ما فجأة فوق سياج شرفة الطابق الثاني.

  • الجزء 6

حدث دمار.

كانت الصدمة مزيجًا من تحطم الزجاج وتشقق البلوط.

«تشه؟!»

كان الاصطدام قويًا.

فور أن قفز العدو فوق حاجز الشرفة وانطلق للأمام، اصطدم بجانب كاميجو بأقصى سرعته. تحررا من قيود الجاذبية وطارا في الهواء، تاركين إندكس وراءهما. اقتحما النافذة وتدحرجا عبر أرضية قاعة الحفلة. مزقت مخالب العدو السجاد الفخم أثناء جدالهما ونضالهما ودحرجتهما الدوّارة اليائسة للظفر بالهيمنة.

رأى الجميع ذلك.

تداخلت العديد من الصرخات والهتافات معًا.

خرج لمعان لزج من شيء مثل خيوط لا تُحصى تتدفق على طول خطوط عضلات الجسم. عمومًا، كانت مكونة من عدة خطوط زرقاء سماوية وصفراء ليمونية. كانت مشابهة لثعبان أو ضفدع استوائي، لكن هذا الشيء الغريب لن تجده في الطبيعة. بَلَغَ مترين أو يزيد، وكان له أربعة أرجل –وكان له تمييزٌ واضحٌ بين ذراعيه وساقيه– وعَرَضَ رأسه فكًّا بارزًا وحشيًا أشبه بتمساح. كما امتلك جناحين رقيقين كغشاء الخفافيش وذيلًا سميكًا يتفيأ بالقوة من القاع إلى الطرف. لم يكن واضحًا ما إذا كان تذبذب الذيل علامةً على الاضطراب، لكن من غير المرجح أن يكون رسالةً ودية.

سحلية مُجنحة.

بالعربي، تنين.

كان هذا العنصر الغريب رمزًا للشيطان، لكنه كان يُستخدم أيضًا في شعارات عوائل الفرسان ومنظماتهم. في العالم الغربي الذي يفصل بوضوح الخير عن الشر، كان تقاطع رمز واحد بين هذين الطرفين غير معتاد.

«إذن، التقينا مجددًا.»

هاجم مرة ثانية. وهل هرب أوّل مرة؟ ألم يكن يختبئ بدلًا من ذلك مُتربصًا هذه الفرصة؟

حتى القط الكاليكو الصغير استقام شعره.

انتهت دحرجتهما الدوّارة بسَيْطرة التنين على القمة. ووجد كاميجو توما نفسه مثبتًا على الأرض، وكان يشعر بعرق مُتوتّر يغمره ليس فقط من وجهه بل في جسده كله، لكن الابتسامة لم تفارقه.

للحظة وجيزة، وَمَضَ لونان غريبان من مكانٍ ما.

ورديٌّ فاقع.

زمرُّدي.

هل جاءت من أطراف أصابع يده اليمنى؟

«وأنا مسرور. حقًا. بغموضٍ مثلك باقي، يمكنني نسيان كل تلك الأفكار المرعبة!!»

بهدير، أخذ التنين يُلَوِّح يده اليمنى أفقيًا. مع صوت يشبه جهاز مُحَمَّل بنابض، اندفعت عدة مخالب سميكة.

لكن الصبي ذو الشعر الأشْوَكِ لم يُفصَل رأسه ويُرمى عبر الأرض.

«ما ذاك الشيء؟!»

لابد أن الدخيل لاحظ الأنظار الأخرى عليه.

كانت ميساكا ميكوتو قد رفعت صوتها وهي تحْمَرُّ وتحاول إخفاء فستانها اللانجري الأزرق الشفاف جزئيًا.

تخلصت من الحرج وأزالت يدها اليمنى من جسدها ومَدّتها للأمام.

اندلعت صدمة في قاعة الحفلة بصوتٍ يشبه صوت شخص يضرب طبل أطول منها وانفجرت جميع النوافذ الباقية. لم تظهر أي رحمة. بدأت بالريلغن (مدفع كهرومغناطيسي). تسارعت عُملة الأركيد إلى ثلاث مرات سرعة الصوت وتركت دربًا برتقاليًا خلفها وهي تخترق بلا رحمة جانب الوحش.

تحطم جانبه.

كان هناك صوت مُشبع.

لكنه لم يكن كافيًا لوقفه؟!

مع دويٍّ عميق، أخذ الوحش يُلَوِّح يده اليمنى مرة أخرى. سقط نيزك بضوء أزرق سماوي. حرك كاميجو ذراعه اليمنى بدلاً من رأسه.

هل تسبب هجوم الريلغن في إخطاء هدف الوحش؟

بالكاد فاتته شِبرًا ومزقت السجاد والأرضية الصلبة تحته.

إصابة في المعصم يمكن أن تكون قاتلة بسهولة، لكن لم تكن هذه هي نية الوحش.

إماجين بريكر.

كان ليُمنى هذا الصبي معنىً كبير.

«ها ها! أرى. أهذه خطتك؟»

لم ينتظر التنين لضحكات كاميجو العدوانية وهاجم مرة أخرى.

هل كانت المخالب المرفوعة تستهدف حقًا يد الصبي ذو الشعر الأشْوَك؟

هل كان يحاول قطعها والاحتفاظ بها لنفسه؟

لربما فكّر بعض السحرة هكذا.

لكن هذا لم يكن الأمر. ما كان للوحش إلا سببٌ واحد ليأحذ يد كاميجو توما بهذا الإصرار.

انفجر صوتٌ غريب.

حدث عند اتصالهما.

حدث فور أن لمست مخالب السحلية المجنحة إماجين بريكر لكاميجو توما.

انتشر صوت الدمار من هناك.

لابد أن ذلك قد أخل بقبضتها إلى حدٍّ ما.

«ها!!»

ضحك الصبي ذو الشعر الأشْوَك وهو يثني ركبتيه، وضع حذائه على بطن التنين الغريب، ثم ركله لأعلى.

لم يعرض خصمه أي مقاومة أخرى.

سارت التشققات فيه بينما تدحرج عبر السجادة. تشقق جلد السحلية تدريجيًا مثل قشرة صلبة، والتي بدت أنها مكونة من ألياف زرقاء سماوية ساطعة.

وعندما تجاوزت عتبةً مُعَيّنة، تبعَّج الأزرق السماوي والأصفر الليموني حول النقطة المركزية. لا، انبعجت تقنيًا حول الساق الأمامية اليُمنى للسحلية المُجنحة ...أو هل نسميها اليد اليمنى؟ كل هذه القشور الخارجية الغريبة امتُصَّت نحو المعصم هناك. كلها تتدفق نحو ذاك المكان كما لو راحت مياه الاستحمام نحو فتحة الصرف.

كان الأمر كما لو أن خفاشاً كبيرًا كان معلقًا من ذلك المعصم.

لكن حتى ذلك غَرَقَ تمامًا في الداخل.

ما إن اختفى الغلاف الخارجي الأزرق السماوي، بقى الداخل مكشوفًا.

لم يبقَ سوى الجوهر.

هذا الجوهر كان الطبيعة الحقيقية للوحش.

انكشف العدو الذي يجب عليهم هزيمته.

انتهت المعركة الافتتاحية. تنامى التوتر طبيعيًا لدى الجميع. سيضطرون قريبًا إلى أن يناضلوا كما لو كانت حياتهم معلقة.

خرست أفواهُ الجميع في قاعة الحفلةِ وهُمْ شُهود.

شُهود على ما ظَهَرَ من داخل السحلية المُجنحة.

شُهود على ما تسبب في كل هذا.


كان فتى ذو شعر شائك في المدرسة الثانوية.

كان فتى تعرّفوا عليه جميعًا وقد أظهر وجهَهُ للعالم.

  • الجزء 7

فما الذي حدث بالضبط؟

لفهم ذلك، يجب أن نغير وجهة نظرنا ونعود قليلاً في الزمن.


«آآآآااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااهههههه!!!؟؟؟.»

صدى صوت انفجار شيء ما على الجليد السميك الذي يغطي البحر بين بريطانيا العظمى وأيرلندا. كان هذا قبل نهاية الحرب عندما كان الجميع مركزين على سفينة الملكة بريطانيا حينما كانت تغرق ومعها كُرونزون وأليستر.

لكن حدث هناك شيءٌ آخر تمامًا في ذلك الوقت.

كانت مشكلةً أصغر بكثير وأكثر شخصية من شيء يؤثر على مصير الأمم أو العالم بأسره.

انفجرت جزيئات الجليد مُكَوِّنةً عاصفةً ثلجية، لذا يجب ألا يكون بوسع إندِكس رؤية ما حدث حتى وهي تتدلى من بالون الأرنب الرمادي.

كانت ذراع كاميجو توما اليمنى قد انفجرت عند الكتف.

لم يكن هناك شيء خارجي سبَّبَ ذلك.

في الواقع، انفجرت من الداخل بقوّةٍ لا تُسَيْطر.

«––––––!!»

الألم كان كثيرًا للغاية ليتحمله.

لم يعلم عمّا كان يصرخ به وهو يمسك بكتفه اليمنى الممزقة بيد أخرى، وانهار على الجليد السميك وتدحرج. سقطت المحفظة والهاتف من جيبه، لكنه لم يهتم ليلتقطهما. كان باله مشغولًا جدًا ليتأكد ألا يقضم لسانه بالخطأ.

ومع ذلك، لم يستطع إغلاق عينيه.

كان هناك شيءٌ يحدث أمامه.

(ما هذا...؟)

كانت ذراعه اليمنى.

كانت تطفو في ذلك الفضاء الأبيض الفارغ كما لو كانت تتحدى الجاذبية.

لا، لم تكن بتلك الغرابة، فلقد رأى ذلك عدة مرات من قبل. لطالما تجاهلها حيث أنها دائمًا ما تكون في صالحه، لذا لا يحق له أن يصفه بالغريب بعد أن خرج عن سيطرته.

اِلتَوَت نهاية كتفه الأيمن المنفصلة بينما كانت تُقطِّرُ دمًا أحمر.

لا.

كان هناك صوت نقر صغير.

(ما هذا؟)

تمامًا كما تساءل، ظهر منشور مُثلَّثي غريب المظهر يبدو صناعيًا بطولٍ قدَّرهُ بحوالي خمسة عشر سنتيمتراً من طرف كتفه الأيمن الممزق الدموي. تقسَّمت جوانبها إلى مُربعات تشبه لوحة المفاتيح تتحرك داخلًا وخارجًا بشكلٍ آلي.

لا يمكنه تجاهل هذا أبدًا.

هذا الجسم الغريب حقًا كان موجودًا أمامه.

«كازاكير –– لا، هذا مختلف!» صاح.

سَطَعَ المنشور المثلثي بضوءٍ بلاتيني شاحب وعَبَسَ لهذا المنظر.

حدث ذلك بصمت.

اكتسب المنشور الثلاثي رأسًا وذراعًا أيمنَ بعد الكتف.

كان كل شيء متناسقًا تمامًا وأدّى إلى وقوف صبيٍّ ذو شعرٍ أشْوَكِ متطابق أمامه.

ذهب الأمر بعيدًا جدًا لتسأل من أين أتى هذا الصبي الآخر أو كيف ظهر؟

هل كانت هناك طريقة لتفسير هذا بالعلوم البيولوجية فقط؟

والوحش كان يرتدي نفس الملابس التي كان يرتديها كاميجو.

«ماذا...؟»

ما عساهُ سوى أن يُحدق بتلك الشخصية ذات العينين الخاويتين.

لا، التحديق الخاوي لا يُعتبر اختيارًا.

مع فقدان يده اليمنى، لم يكن هناك شيء يمكن لكاميجو توما فعله تمامًا. لم يستطع سوى قول شيء واحد للصبي ذو الشعر الأشْوَكِ.

«ماذا أنت؟»

«إماجين بريكر ليس سوى بطاقة من مجموعتك؟ أنت من يتحكم؟»

كان هناك استهزاء واضح في نبرته.

وهزّ صوتُ تَكُسُّرٍ الهواء.

وامتلأت زاوية فمه بضوءٍ ورديٍّ فاقع وزاوية عينه بضوءٍ زُمرُّدي. كانت ألوانًا جميلة، ولكن هل يعني ذلك أنه لم يكن متأكدًا من كيف يعالج تلك الأجزاء التي لا تمثل سطح الجسم تمامًا ولكنها ليست تمامًا من الداخل أيضًا؟

واستخدم تلك اليد اليمنى ليُمسك الجوّال الذي سقط على الجليد السميك.

«لا تُضحكني، أيها الشقي أبو المخاط. ما إن تُؤخذ مِنكَ هذه اليد اليمنى، ماذا بقيَ لديك؟ من سيقبلك كاميجو توما الآن؟»

أتاهُ صوتٌ يشبه ارتطام الشعر الطويل والمبلل بجدار خرساني.

كان يُفترض أن يكون كتف كاميجو توما الأيمن خاويًا بلا شيء ملتصق به، ولكن خيوط زرقاء سماوية انبثقت لتملأ الفضاء الفارغ. شكلت ما يشبه العضلات القوية ونمت سريعًا لتتخذ شكل ذراعٍ بشرية. ما إن اكتملت الذراع، شَعَرَ بذهاب الألم الشديد تدريجيًا الذي كان يثير الشرر في عقله. أمسك الصبي الآخر بالهاتف، لكن كاميجو استخدم هذه الذراع الجديدة ليصِل إلى المحفظة عند قدميه.

(ذراع؟)

لكن شيئًا ما أخافه أكثر من المشهد الغريب.

أخافَهُ أن جسده كان يتقبل هذا الوضع قبل عقله لمجرد زوال الألم. إن المنطق العادي المتمثل في تصديق ما رأته عيناك فقط يُمكن أن يُكشّر عن أنيابه عندما ترى شيئًا لا يصدق حقًا ويصعب قبوله.

ما رآه واقفًا كان جزءًا من جسده.

لم يكن شيئًا يجب رفضه.

(هذا الشيء المخدر... ذراعي؟؟؟)

ما كان لديه وقت للتساؤل.

بصوت انفجار آخر، انفتحت الذراع السماوية الزرقاء مرة أخرى كما لو كانت فكًا عملاقًا. وعملت على ابتلاع كاميجو توما نفسه بدلاً من العدو أمام عينيه.

لم يكن لديه أي شيء لوقفه.

كان الإماجين بريكر قد ذهب إلى الصبي الآخر.

«كيف تسمي نفسك كاميجو توما بدون هذا؟»

ابتسم الصبي الآخر وهو يقبض ويفتح تلك الأصابع.

كما لو كان يُظهر القوة التي كان ينبغي أن تنتمي إلى كاميجو توما.

«حان الوقت لتتعلم بنفسك ما يحدث إذا اختفت.»

  • الجزء 8

ولذا.

لذا.

لذا، ها نحن.


«أيهما كاميجو توما الحقيقي؟»


رنّت كلمات الملكة الحاكمة إليزارد خلال قاعة الرقص التاريخية في قلعة وندسور.

برزت شخصيتان.

وصدت ضوضاء تكسير.

كان أحدهما صبي ذو شعر أشْوَكِ ببدلته السوداء وربطة العنق كما كان من قبل.

الآخر كان فتى ذو شعر شائك في المدرسة الثانوية مع ذراعٍ بديلة غريبة مُنبثقة من كتفه وتلوَّنت عضلاته بالأزرق السماوي وكأنها أصباغٌ اصطناعية.

كانا متطابقين، لذا تركّز انتباه الجميع طبيعيًا على نقطةٍ واحدة.

نعم.

كان الإختلاف الوحيد في الذراع اليمنى التي لطالما اعتمد عليها فتى مُعَيّن.

«ل-لكن.»

فتح الصبي الذي رافق الجميع فمه.

بعبارة أخرى، الصبي في البدلة الغريبة الذي كان يبتسم معهم في الحفل السلمي هذا طوال الوقت.

«أعني... أليس هذا واضحًا؟!»

بدا عصبيًا.

عانى في إخراج الكلمات.

تصرف ببراءة مشبوهة كما يفعل المرء عندما يسأله الشرطة أو يُتّهمُ زورًا وزيفاً.


«الإماجين بريكر في يدي اليمنى يمكنها إلغاء الخوارق. وألَمَ يبدأ كل هذا عندما استخدمتُ تلك اليد لأنقذ إندِكس حينما دخلت المدينة الأكاديمية؟ نعم، هذا صحيح. كان ستيل أول من هاجم، ولكن المعركة التالية ضد كانزاكي كانت تهديدًا حقيقيًا! أمم، أمم، أوه، صحيح! في آخر الحكاية، قاتلت [قلم يوحنا] المُثبت في إندِكس نفسها قبل أن تُمسح ذاكرتها، لكن... نعم، على طاري ذلك، كانت حكاية مسح الذاكرة من صنع لُولا... لا، بل من الشيطان العظيم كُرونزون.»


بدا كله دقيقًا بما فيه الكفاية.

ضيّق الفتى ذو الذراع السماوية الزرقاء والليمونية الصفراء عينيه قليلاً.

لم تكن في نبرته تفاجئ. بدا وكأنه يُجيب على سؤالٍ يعرف قدومه.

كانت إليزارد قد تلقت تقارير من الأنجليكان عن ما حدث مع الفتى المسمى كاميجو توما ولم يكن هناك احتجاج من أغنيز أو لوسيا اللتين جاءتا تركضان بعد سماع القتال.

ولكن.

كانت الغرابة الوحيدة هي النظرة المشبوهة على وجه إندِكس.


«يمكنني اخبارك بكل شيءٍ حدث. وإذا أردت، اربطني بجهاز كاشف الكذب أو أيًا كان ما تسميه. أوه، أتتني فكرة! اُطلُب من شَوكُهو أن تتحقق! لأن قدرتها النفسية حقيقية، يمكنها فعل ما تريده بالعقل البشري. إذا نَظَرَت إلى عقلي، فستكون قادرة على أن تُخبرك بأن كل ما أقوله هو عين الحقيقة! جَرِّب، سأخبرك بكل ما يجب أن أعرفه!!»


مرة أخرى، لم يكن شيءٌ من ذلك خاطئًا.

رأت ميكوتو هاتف الصبي في البدلة. وتعرّفت على خدوشها الصغيرة.

«هو الشخص الذي يمكنه استخدام الإماجين بريكر.»

«ل-لكن هذا وحده لا يكفي لإنهاء الأمر، أليس كذلك؟»

قالت إتسوا وأضافت عليها فِليان، وبدا أنهما على نفس المستوى حائرتين.

لكن...

«...»

جاء تغيُّرٌ صامت على نظرة كانزاكي كاوري. تغيّر تعبيرها من مُراقبة إلى شاكّة.

كم من الناس هنا أدركوا أن القدرة على إعطاء الإجابات الصحيحة ميكانيكيًا كانت في الواقع إجابة خاطئة؟

شعرت ميساكا ميكوتو بأن شكوكها تأكدت عندما رأت النظرة المتجعدة على وجه الفتاة الشقراء العسلية التي كانت تدعمها من الجانب.

«أنا على حق، أليس كذلك؟ ي-يمكنكم القول أيُّنا هو الوحش بمعرفة من ذكرياته دقيقة. وبما أنني أعرف كل هذا، فهذا يعني أنني كاميجو توما! أليس كذلك؟! هيّا، لا يمكن أن يكون العكس منطقيًا مهما صار. ف-فكروا فيها وسترون كم هي سخيفة. لماذا يكون الشخص الذي لا يحمل ذكريات كاميجو توما هو كاميجو توما الحقيقي؟

«...!!»

حتى لو شعر بعضهم بوجود خطأ ما، لن يقدروا شيئا إذا لم يتمكنوا من التعبير عنها بالكلمات... أو ربما كانوا يعملون بناءً على حقائق ناقصة.

كان هناك بريق لزج.

تلك الألوان السماوية الزرقاء والليمونية الصفراء لم تكن موجودة في الطبيعة، لكن الضوء كان واقعيًا جدًا ليُطلق عليه سلاحًا أو أداة.

«يدي اليمنى، تحطمت

بدا "الوحش" يُجبر نفسه على إخراج الصوت.

كان يتعين عليه شرح شيء لا يستطيع حتى تفسيره لنفسه.

كان يمسك يده اليمنى المُتَحَوِّلة بينما يعصر هذه الكلمات الموجعة.

«أعلم أنه من الصعب تصديق ذلك، ولكن كان هناك أكثر في يدي اليمنى!! وهُوَ من يحمل ذلك السر. أعني، ظهر آخرٌ مني من—»

الصبي في بدلة التوكسيدو الرسمية مدَّ يده إلى الجانب.

أمسك شيئًا من الصينية الفضية التي حملتها خادمة مذهولة لها شامة تحت عينها.

ومن ثم.


ضرب بها فتى الثانوية ذو الشعر الشائك وذي الذراع الزرقاء السماوية.

صفع الآخر بلا رحمة على رأسه بقنينة نبيذ مقلوبة رأسًا على عقب.


«غهه!؟»

تراجع الجميع من الضجيج العنيف لتحطم الزجاج.

هل كان الأشخاص العاديون هُم من سيتصرفون بشكلٍ أكثر اشتباهًا في مثل هذه الأوقات؟ الصبي في بدلة التوكسيدو وربطة العنق ابتسم وزفر ببطء.

بدت كتفيه مسترخية.

أمسكت تلك اليد اليمنى التي لطالما ترددت في القتل الآن سلاحًا حادًا يلمع.

«لا داعي أن نستمع لهُرائِهِ هذا. السماح له بالحديث سيُشَوِّش علينا لا أكثر. لن أدع هذا الخسيس يخدع أي أحد بعد دخوله الفجائي هذا وتأليفه مثل هذه القصة المجنونة.»

لكن الفتى ذو الذراع السماوية الزرقاء لم يسقط.

ثنى جسده وصرَّ أسنانه ليتحمل.

هل كان ذلك النبيذ الأحمر أم دم الإنسان يتساقط على جبينه وجانب رأسه؟

القط الكاليكو تماوءَ وفرك رأسه عليه.

القط اختار "الوحش" ذو الذراع المُزَيّنة بألوان غريبة ومشرقة على الصبي ذي البدلة الذي كان معه حتى الآن. على الرغم من أن القطط عمومًا لا تحب الروائح القوية وعادةً ما تنفر من مزيج الدم والنبيذ.

لكن.

لابد أن الصبي في البدلة الرسمية كَرِهَ وجود أي اختلافٍ بينهما.

مع تشنج طفيف في حاجبه، استخدم يده الأخرى ليدفع الأواني الفضية عن الطاولة الطويلة. ضربت الأشواك الحادة بصوتٍ عالٍ صوب مكان تواجد القط.

«سفينكس!؟»

كانت إندِكس غير متأكدة مما يجب فعله أثناء حملها لمجموعة الإسعافات الأوّلية، لكن حتى صرختها المحزنة لم تغيّر شيئًا في تعبير الصبي في البدلة الرسمية.

زمجر القط مُهَدِّداً بكامل شعرات جسمه.

بالكاد تجنب إصابةً خطيرة بمحض الصدفة. القطط ليست مُصَمَّمة للقفز إلى الوراء، لذا لو هبطت الأشواك بشكلٍ مختلف قليلاً، فمن يعلم ماذا سيحدث.

ولكن.

على الرغم من ذلك.

الصبي الذي مسك قنينة النبيذ المكسورة بيده اليمنى نَظَرَ عبر الحشد وأعلن دون أن يلقي حتى نظرة على الفتاة التي كانت تبكي والدموع تتدفق من عينيها.

«الحرب قد انتهت ولقد مَلِلتُ من القتال، لذا لن أدع هذا الشخص يسبب المتاعب. أرفض خسارة أي أحد. لقد تجاوزنا الحرب، لذا لن أسمح لأي شخص بالموت الآن.»

لم يترك القنينة المكسورة.

حاول الفتى ذو الذراع السماوية الزرقاء والليمونية الصفراء الحفاظ على توازنه بينما يتحمل الألم. وبذل جهدًا لئلا يُسقِط الطعام المرتب على الطاولة الطويلة أثناء ذلك.

ولذلك.

كان الشخص الذي رفع ساقه وأطاح بالطاولة الطويلة بباطن حذائه هو الصبي ذي البدلة الرسمية وربطة العنق.

قد يكون ذلك بسبب سكين الساشيمي؛ والسنارة المعدنية السميكة المستخدمة لتعليق سمكة كبيرة للتقطيع؛ والأدوات الحادة الأخرى في القسم الياباني من البوفيه. ربما فعلها ليُبعد أي سلاحٍ محتمل بعيدًا عن الفتى الآخر.

قد يكون ذلك إجراءً منطقيًا.

ومع ذلك.

أدّى فعله إلى تدمير الفوتوماكي العجيب التي ربما تم إعدادها من أجل الصبي والآسيويين الآخرين في الاعتبار.

للحظة وجيزة، ومضت بعض الألوان الغريبة: ورديٌّ فاقع وزمرُّدي.

ولكن لم تأتِ من الزجاجة المكسورة أو النبيذ المتناثر منها.

حمل الصبي القنينة المكسورة المُتشققة كما لو كانت سكينًا.

«وسأفعل أي شيء لضمان ذلك. هذا ما يعنيه أن تكون كاميجو توما!! هل يُفترض بي الاستسلام فقط لأن قوة يدي اليمنى لا تعمل هنا؟ أبدًا!! سأستخدم أي شيء في متناولي. وأصلًا، عندما أواجه شخصًا لا ينبغي لي أن أكون قادرًا على هزيمته، سأستخدم أي حيل رخيصة يمكنني العثور عليها لأنتزع النصر من فك الهزيمة وأحمي من أبتغي حمايته!! أليست هذه طريقة كاميجو توما؟! هل أنا مخطئ؟!»

إذا لم يقل أحدٌ شيئًا، فسوف يطعن الفتى الآخر حتى الموت.

رفعت إليزارد صوتها ضد ذلك الإجراء البسيط للغاية.

«سنفكر في ذلك لاحقًا. الآن، علينا أن نُقيّدهما ونحصرهما في غرف منفصلة!!»

بدت هذه الخطوة قد أعزمت قرار الجميع.

اتخذت إليزارد إجراءً لوقف القتل.

لكن من كانت تحاول حمايته عندما فعلت ذلك؟

ومع ذلك، عرف الصبي في البدلة الرسمية كل شيء.

ولذا ابتسم واستهدف نقطة ضعف أحدهم.

«شَوكُهو.»

«ه.»

كانَ وردةً شائكة.

كان مركز اللغز، التشويه، والغرابة وقد استدرج النحلة.

لم يلق نظرة حتى على الفتاة ذات الفستان التي ارتجف كتفيها.

«أيُّنا تعتقدينه كاميجو توما؟ أيُّنا سيأتي إذا صفّرتي صفارتك الفضية؟ أجيبي على ذلك وستعرفين من فينا يحتاج مساعدتك.»

«ها؟!»

لم تأتِ نبرة الغضب الانعكاسية هذه من الفتاة الشقراء العسلية نفسها.

جاءت من ميساكا ميكوتو التي كانت تدعمها من الجانب.

«هذا قمة السخف! أهذا تحوُّلٌ فيزيائي؟ أم ربما نسخة نسيج جسمٍ مخلوق؟ أيًا يكن، لك شجاعة أن تصل بنا إلى هذا الحد وتتظاهر بأنك شخصٌ نعرفه. شَوكُهو، عاونيني لنضرب هذا المعتوه الخسيس!! أتركي لي الجزء البدني وسأترك لك الجزء العقلي!!»

كانت متأكدة من أن هذا ما سيحدث.

على الأقل، الأحمق الذي لطالما عرفته لم يكن شخصًا يضرب آخر بقنينة نبيذ ويحاول طعنه في البطن بالحافة الجارحة. حقيقة أن هذا "الصبي" لا يزال مُحتفظًا بهاتفه كان يزعجها في ركنٍ من قلبها، لكن عندما تمعنت الأمر، كان من الممكن تمامًا أن المزيف سرقه من الحقيقي. لم يكن هذا دليلاً قاطعًا.

لكن.

فجأة، أدركت أن الجو السابق قد اختفى.

اختفت جميع الأصوات من قاعة الرقص. كان هذا المكان يحكمه الصمت المحرج بعد أن قال شخص شيئًا فظيعًا.

هل لم يُقبل رأيُها عمومًا؟

لا، لم يكن الأمر كذلك.

«شوكُ ، هو؟»

أدركت ميساكا ميكوتو شيئًا ونظرت ببطء إلى الجانب.

نظرت إلى الشخص التي كانت مباشرة بجانبها.

عرفت أن لها نظرة إستغراب تام في عينيها.

«شَوكُهو، لابد أن هذه مزحة. لا يمكن لكِ هذا!!»

رأت وجهًا متجعدًا بجانبها. رأت شَوكُهو ميساكي تحمل ريموتًا أخرجته من شنطتها ذات العلامة التجارية الشهيرة. لم تكن هذه ملكة مدرسة توكيواداي ورئيسة أكبر زمرة ولم تكن المِنتل-آوت خامسة (#5) السبعة من المستوى 5. كانت فقط فتاةً ضائعة دفعوها إلى حافة الهاوية ولا تزال عاجزة على إيجاد إجابة.

انزلق جهاز التحكم (ريموت) عن يدها النحيلة.

لكن ملكة توكيواداي لم تستسلم أو تستعد رشدها.

أتى صوتٌ باهت كفرقعة شيء.


«آسفة.»


أكان هذا الخيار الصحيح أم لا؟

ربما علمت الإجابة في نفسها.

لكن الإنسان خَطّاء، ولن يقوم  دائمًا بالصحِّ حتى وإن عَلِم.

حتى وهي تسمع مواء القط الكاليكو عند قدميها، لم تقدر تلك الفتاة الوحيدة من التوقف.

قد فقدت السيطرة على نفسها.

واهتاجت قدرتها على التحكم في عقل الإنسان بالتلاعب برطوبة جسمه.


«لكنه تذكرني. لا أهتم إذا كانت معجزة أم محض صدفة. لم أتمنى أبدًا إجابة منطقية. لكن... لكن أيًا كان شكله وأيًا كان ما قد يفعله...»


كانت تبكي.

انهمرت الدموع على وجهها.

كانت تعرف ما فعلت، لكنها لم تستطع تصحيح خطأها.

تراقصت القعبة الصغيرة فوق شعرها الأشقر العسلي.

اهتز تاجها الزائف.


«ولكن إن كان هناك اثنان من كاميجو-سان... وأحدهما يتذكرني والآخر لا...»


سيطرت على جميع المنتصرين في الحرب في صالة الرقص، بما في ذلك الملكة الحاكمة.

أخذت السيطرة وأخضعتهم جميعًا لها.

عضت شَوكُهو ميساكي شفتيها لتكبح النحيب وهي تدمع كالطفلة الضائعة.

وأعلت صوتها كأنها تحاول اختراق الحاجز الصلب للفتاة الوحيدة التي لا تقدر السيطرة عليها.

بينما كانت تضغط على الصفارة الفضية الرخيصة بيدها.


«هذا هو كاميجو-سان الذي شاركته ذلك الصيف!! لذلك، آسفة يا ميساكا-سااااان!!!!!!»


تبعها صوت فرقعةٍ جافة.

فقدت السيطرة على قوتها التي تتحكم في الرطوبة على المستوى المجهري في عقل الإنسان. انفجر الديك الرومي الكبير على إحدى الطاولات الطويلة ككرة غبار وتسرّب النبيذ الأحمر السام على الأرض وانغلى في لمح البصر.

ولو ضربت هذه القوّة، فحتى الدروع الفضية ستتفتت كما لو كانت رملًا.

مزّق الدمار شريطًا فضفاضًا عبر قاعة الرقص مثل كشّاف ضوئي يتحرك حول الفتاة الشقراء العسلية وأخيرًا توجهت نحو الجمجمة التي تحمي ال #3.

كانت عنيفة كمن يعمل جراحةً دماغية بمنشار.

«...!!»

دفع ذلك ميساكا ميكوتو أيضًا للحافة.

كانت الفتاة العنيدة والطفولية المُصنَّفة #5 تخبرها بشيء.

لقد دفعت هذه الفتاة إلى حافة الهاوية ولم تستطع سوى اختيار الإجابة الخاطئة وهي ترتجف هناك.

لذلك.

كانت تخبر ميكوتو بالقيام بالشيء الصحيح مكانها.

شعرت ميكوتو بصداع حاد يخترق صدغها، لكنه اختفى تقريبًا على الفور. لم تتمكن من رفضه، لذلك كان يتجه إلى عقلها.

«خ...، كه.»

لم تكن لديها الوقت.

لم يكن هناك الكثير مما يمكنها فعله.

لم يكن هذا مثل الماضي. استطاعت ميكوتو تجنب تأثيرات مِنتل-آوت سابقًا بفضل مزيج من الخصائص الفريدة لقوتها الريلغن ذات المستوى 5 وللجدار الصُلب الخفي الذي هو نقصانٌ في ثقة شَوكُهو ميساكي بقوتها. لكن الآن فتحت شَوكُهو أبواب قوتها كلها وهي مستعدة لفقدان السيطرة. بهذا المعدل، ستصل قوتها حقًا إلى دماغ ميساكا ميكوتو.

ومع ذلك، فإن إعادة بناء تلك الدفاعات على الطاير سيكون أمرًا صعبًا.

لأن ذلك سيكون مثل النظر إلى الفتاة الشقراء العسلية الباكية وإعادة تشكيل رأيها لتعتقد أن الفتاة تستحق ذلك.

أيمكنها ذلك حقًا؟

لم تعرف إلى أي صيف أشارت إليه شَوكُهو.

ولكن رغم امتلاكها قوة للتحكم في العقول، لم تُوَجِّه تلك الفتاة الريموت إلى رأسها. مهما صار ومهما حدث ومهما كان مؤلمًا، لم ترغب في فقدان تلك الذكريات. هل يمكن لميكوتو أن تدخل بقوة وتستهزئ بتلك المشاعر المكسورة؟

لم يكن هذا حتى مِنتل-آوت العادي.

الاستيلاء على كل فرد في قلعة وندسور دون دعمٍ خارجي لم يكن شيئًا عاديًا.

كان الضجيج في خلفية عقل ميكوتو يتزايد.

كان لديها على الأرجح أقل من عشر ثوان.

لذا...

(أولويتي هي التأكد من أن ذلك الأحمق ليس محاصرًا. لا أعرف حتى ما إذا كنتُ قادرة على الهروب من سيطرة شَوكُهو. كان خطأً مني أن أُقرِّبَها كثيرًا أثناء عملنا معًا... سأسقط ضحية شبكة المِنتل-آوت بهذا المنوال!! لكن ماذا عليّ أن أفعل؟!)

سَمِعَت مُواءً.

كان القط الصغير يحاول قول شيء من الأرض.

نعم.

مِنتل-آوت شَوكُهو ميساكي لا تعمل إلا على البشر.

هذا لم يكن قوة كبيرة أو سلاحًا، ولكن ذلك المواء غير الضار أخبرها كيفية الدفاع. على الأقل، سيكون هذا أفضل من تضييع الوقت دون فعل شيء.

(شكرًا على المساعدة!!)

«آآآآآههه!!»

فَقَدَ شريكُها شكله كسلاح خطير ليكون بمثابة كرسي لدعم خصر شَوكُهو المتألم.

بدا كعربة ترام ذات عجلات متعددة أو سيارة شرطة بحجم مقعد صغير.

بعبارة أخرى...

«افعلها يا A.A.A. !!»

مِنتل-آوت لا يمكنها التحكم في منتجٍ ميكانيكي بحت. أعطت ميكوتو أمرًا يدويًا قبل أن يُسَيْطِرَ عليها تحكمها المنتل-آوت. كانت عبارة بسيطة للتأكد من عدم تدخل الفتاة الأخرى.

الصوت التالي كان مثل جرس كبير يرن.

جاء من الفتى ذو الذراع الزرقاء السماوية والصفراء الليمونية التي لن توجد في الطبيعة.


لا.

جاء من كاميجو توما عندما سقط من الأرض عنيفًا وأُلقي به من نافذة الطابق الثاني.


«الباقي... عليك....»

ابتسمت ميكوتو قليلاً عندما شاهدت ذلك الفتى ذو الألوان الزاهية يهرب بمفرده خارج حَلَقَةِ الأشخاص الخاضعين للسيطرة.

اختفى عن الأنظار.

لكن هذه ليست بمشكلة.

كان خارج نطاقها، لكن أملًا لا زال موجودًا.

«هناك فتاة تبكي بعد أن حوصرت إلى الحافة. أعلم أنك لستُ من النوع السيء الذي يجلس مكتوف الأيدي بعد رؤية ذلك!!»

كان هذا حدّها.

فقدت الريلغن، المصنفة الثالثة في المدينة الأكاديمية، وَعْيَها.

بدءًا من أطراف رؤيتها، اجتاح ظلام شديد وضجيج صرير من الخلف إلى عقلها وسلب بصرُها.


أغلقت مِنتل-آوت فكّها.

ابتلعت المنتصرين في الحرب كُلَّهم، وأعلن تهديدٌ جديد عن نفسه.

هذه كانت قاعدةً مُطلقة، مُطلقةً حتى صارت ركودًا لا يتغير.

كان شرّاً عظيمًا.

  • ما بين السطور 2

«هم، هم، هم، هم.»

هَمْهَمَ صوتٌ لطيف لما بدا أنه يرجع لفتاة لا تتجاوز العاشرة انطلق صداها المُفرح داخل غرفة مغلقة في برج لندن مغطى بالدماء المرعبة والظلال.

تأرجح شعرها الأشقر المُحْمَرّ المُسَرَّحِ على شكل رُبيانات مُسَطَّحة.

كانت آنا سبرنجل.

المظهر المخيف لكرسي التعذيب صَنَع الرُّهبة في أعْيُنِ ناظريه حتى ولو لم يُستخدم أصلًا، لكنه لم يستطع أبدًا أن يثير اهتمامها طويلًا. تركت الكرسي وجلست الآن مباشرة على الأرض بِرُكبتَيْها.

ولكن...

«أخخ، برد.»

‹«لا ترفعين مؤخرتك. ممكن تلبسين لباس يناسبك حجمك؟»›

كانت قدما الملاك الحارس المقدس أيواس مُعَلَّقة على السقف.

أو ربما كان يطفو بالمقلوب.

كانت آنا سبرنجل تثبت فستانها الكبير جدًا على صدرها وهذا تركها بدفاعات لا تفوق المريلة العارية، لكن هذا لم يكن ما أعبس شفتيها.

«ما عجبني هذا التصميم أو حتى القماش.»

‹«حسنًا، لكي نُناسب عمرك الفعلي، سنضطر إلى البحث عن أنماط الموضة لقرنٍ وراء.»›

«بووو––. حسافة، [3] كان فيه خياطين كُثُر يتفاخرون بأنهم أسسوا أعمالهم قبل مئتين أو ثلاثمئة سنة، لكن تجارتهم ماتت على الأرجح.»

أثناء نقاشهم هذا، نزّلت الفتاة الصغيرة (التي تبدو فتاةً صغيرة) مؤخرتها مباشرة على الأرض الحجرية الباردة بينما أحاطتها حبالٌ رقيقة ولكن قوية كالثعبان. كانت تحمل شيئًا بأطراف أصابعها. كانت جسمًا دائريًا أصغر من العملة. انسدحت صناديق الكراميل أو الشوكولاتة حولها، لكن هذا لم يكن موضوع الحديث.

من جانب، كانت هذه حبّة الخلود.

ولكن لا ضمان بأنها سترضي الكثير من الناس الذين يبحثون عن أساطير الروز (وردة).

«أحم.»

ألقت بها في فمها بطريقةٍ عفوية وحركت فمها لتسحقها بين لسانها الآخاذ وداخل خدها الناعم. انسحقت بسهولة أكبر من المرنغ. [4] استخدمت حلقها الرفيع لتبتلعها إلى معدتها.

وبعد ذلك...

«جودتك لم تعد كما كانت في السابق أيها القديس جرماين.»

‹«أهذا أوّل ما تقولينه بعد أن أكلتِ بكتيريا آكلة للدماغ يا آنسة؟»›

بعد أن انتشرت تلك الكتلة الجافة المشابهة للخميرة بالكاد عبر مدينة الأكاديمية، حوفِظ عليها بعناية وانشحنت جَوّاً إلى إنجلترا لأنهم متخصصون في السِّحر. بعبارة أخرى، كانت آنا سبرنجل تلعب مع القديس جرماين الخطير للغاية الذي كان مسجونًا هنا. هذه لم تكن النسخة المُضَعَّفة التي أخذتها وعدَّلتها كيهارا يويتسو سرّاً. هذا كان الأصل الخطير للغاية.

ومع ذلك...

«كان القديس جرماين في عصري ليترك طعمًا أكثر حِدَّة على اللسان. أوه، لقد ذاب.»

فركت آنا سبرنجل يدها الصغيرة على سرّتها العارية تحت الفستان بعد أن اضطرت لرفعه. يبدو أن القديس جرماين لم يكن كافيًا لإرضائها بما أنها رمت قطعة صغيرة من الشوكولاتة في فمها. سيختلط الاثنان في معدتها، لكن تعبير وجهها يوحي بأنها لم تكن تفكر في القديس جرماين بعد الآن.

‹«حقّاً... يا خسارة المعجزة! ولو رأى شخصٌ من مختبر النظافة ذلك لخرجت رغوةٌ من فمه.»›

«العِلمُ مُصطلحٌ زائل عندما يتعلق الأمر بالأدوية والمناعة ومثلها حقًا. هي كلمةٌ سقيمة.»

‹«ألأنه كان أليستر ومُتَحَكِّمُ النموذج الأصلي من قسَّم العالم بين عِلمٍ وسِحر؟»›

«لا،» أجابت آنا سبرنجل بشكلٍ مباشر بنظرة شخص متعب من التمجيد والدعم. «هذه مشكلة أعمق. في الأصل، كان الناس مُتفتّحين لأي شيء. ثم جاء [فرانسيس بايكون] للقضاء على الأوثان الأربعة واقترح عملية فكرية تؤكد على المراقبة والتجربة. ...بعبارة أخرى، كان أبُ العِلم الحديث روزيكروسيًا.»

في الحقيقة، لم تكن الحلوى ما أرادته.

كان هناك شيئًا آخر.

صدى صوت هادئ ولكن قاسي كرر نفسه.

«والآن.»

إما أنها تعودت على البرد أو أن حرارة جسدها قد سخّنت الأرضية الحجرية.

وضعت مؤخرتها مباشرة على الأرض الباردة، وقد حَوَّطت عُلَب الكراميل والشوكولاتة الصغيرة جميعها حولها بقسوة. ولكنها لم تكن العلب الفارغة التي أرادتها السيدة آنا سبرنجل.

كانت أوراق الفضة وغشاوة البلاستيك الشفاف.

اتبعت مجموعة معينة من القواعد لتربطها بالحبل الصلب الذي كان يتحرك حولها.

«خللللصت.»

‹«صدرك!»›

كانت كالقلادة العملاقة مع زينةٍ خشنةٍ مُرفقة.

عندما رفعته بحماس بكلتا يديه، سقط الفستان من صدرها المسطح.

أعبست شفتيها وربطت القماش الكبير جدًا بقسوة حول جسدها الصغير قبل أن تمسك بكل من طرفي الحبل مرة أخرى. ثم ثنته إلى شكل حرف U لطيف واستقامت.

«حبل القفز، حبل القفز. ينبغي أن يغطي كل اتجاه.»

وضعت قدميها العاريتين معًا وقفزت بخفة في مكانها.

صنعت إيقاعًا لطيفًا مع قفزاتها.

«يا أحمق.»

‹«نعم، نعم. سأُغيّرها. الامتثال لطلباتك هي وظيفتي في النهاية.»›

فعل أيواس شيئًا ما وهو واقف هناك على السقف وتغيرت الإضاءة بطنين.

أصبحت زرقاء باردة.

كان لحبل القفز ورقة فضية وغشاوة بلاستيكية متصلة على مسافاتٍ مُحددة مثل قلادة عملاقة وانعكس الضوء منها وخَلَّف من وراءه صورةً لاحقة.

«أردتُ تجربة هذا نوعًا ما.»

‹«تقصدين تلك الألعاب التي تكتُبُ رسالةً في مروحة باستخدام مصابيح LED الوامضة؟»›

«هذا والواقع الافتراضي.»

منطقة العرض اتخذت شكل حبل القفز، كانت كبيضةٍ كبيرة تحيط جسد آنا سبرنجل. أو كانت مثل هالة. من منظورها وحدها، كان مشهدًا جديدًا يُعرض حولها في جميع الاتجاهات.

ذلك المشهد كان لقلعة وندسور.

كان لعصبة السحرة القديمة الروزيكروشِن العديد من الأساطير مع الأدلة المادية المفترضة، منها لهيبٌ لن ينطفئ أبدًا ودواءٌ يعطي الخلود. وكانت هذه واحدة من تلك الأساطير العديدة.

وفقًا للُّفَيفة التي وُجِدت في مقبرة كريستيان روزنكروس ذي الجدران السبع، فإن هذا الكائن المعروف ب CRC اختصارًا قد أنشأ نموذجًا مثاليًا للعالم يمكنه فيه فهم كُل ما يتعلق بالعالم من خلال تكرار ماضي كل الأشياء وحاضرها ومستقبلها في حديقته المُصَغّرة.

قد يعتقد الأشخاص، الذين أحبوا نسب الأهرامات وتماثيل مواي وأمثالها إلى الأجسام الطائرة المجهولة والفضائيين، أنها محاكاة عملاقة بنتها حضارة خارقة قديمة. لكن الحقيقة كانت أبسط من ذلك بكثير.

ما في الموضوع استعارة هنا.

عليك فقط أن تنشئ حديقة مصغرة لنفسك.

بينما كانت آنا سبرنجل تقفز في مكانها مع تمايل شعرها الرُبياني، كانت تركز على نقطة معينة من المشهد المؤقت المعروض حولها. تشكّلت قلعة وندسور بدقة من ضوءٍ أزرق مُبْيَض، لكن الأشخاص الذين كانوا يتحركون داخلها كانوا ملونين بالأصفر.

«يا للأسف.»

بدلاً من الاعتراف بخطأها، بدت وكأنها تندب تأخر قطار لمدة ساعتين عن محطته في منطقة نائية بلا ناس.

كما أعبست شفتيها لأنها لم تملك صدرًا لتهزه وهي تقفز.

«....لو كانوا أسرع قليلا في منح الضوء الأخضر [للعمل الخَدَمي] من برج لندن، لربما كنت لأصادف القوات الرئيسية لإنجلترا.»

‹«فستانك يا آنسة على وشك الانزلاق.»›

«لو أزعجك هذا كثيرًا، أفليس إعطائي معطفًا يُعتبر من الشهامة؟»

لم تلقِ آنا سبرنجل حتى نظرة اتجاه أيواس. استمرت في القفز بالحبل عفويًا بينما تتفحص المشهد المزيف لقلعة وندسور.

كان المشهد مرئيًا فقط من داخل حبل القفز، لكن أيواس لم يواجه صعوبة في معرفة ما كانت تراه.

‹«ما عندكِ نية في أن تثيري الفوضى في هذا، صحيح؟»›

«نعم، ما لي. الفراشات ونحل العسل هما المثل. فهم أكثر هشاشة وعرضة للخطر مباشرة بعد خروجهم من مرحلة اليرقة أو الشرنقة. لا ينبغي لمسهم بأيدي الإنسان في تلك الفترة. على الأقل حتى تجف أجنحتهم الرقيقة.» ابتسمت قبل أن يصطدم الحبل بكاحلها الأيمن العاري. انقطعت منطقة العرض على شكل بيضة واختفت صورة قلعة وندسور المؤقتة مرة أخرى. لم يبدو أن ذلك يزعجها، لذا ربطت فستانها بقوة حول نفسها وتحدثت عفويًا عن الجزء الأكثر أهمية. «هل تعرف مفهوم الذاكرة السحرية يا أيواس؟»

‹«هذه نظرية انتشرت كالنار في الهشيم من ما علّمت ذلك الإنسان.»›

آنا سبرنجل قدمت التوصية هذه المرة، وربما كان ذلك انتهاكًا لأسلوبهم التقليدي.

كانت الساحرة التي ربطت بين الروزيكروشِن وعصبة الذهب، لكنها لم تحمل أي ارتباط مباشر بنظام السڅر (سحر) الذي جلبه أليستر كراولي مُستقِلًا.

كانت كنقطة عمياء أو طفرة.

لذلك احتاجت من أيواس أن يملء الثغرات في معرفتها.

«تقول تلك الفكرة: أنه إذا تتبّعت ذكرياتك إلى الوراء بمراحل، فستكتسب في نهاية المطاف ذكريات شخص آخر أو من حياة سابقة. أعتقد أنه كان تعديلاً على طريقة التأمل العالم الروحي ل [ألان بينيت]. أليستر على وجه الخصوص كان يعتقد أن روحًا جديدة ستتأقلم في مكانها بعد بضعة أشهر من تلقيح البويضة، لذا كان يركز على الحالات التي يتوافق فيها وقت وفاة ساحرٍ مشهور مع الوقت المُقَدَّر الذي تتأقلم فيه روح الطفل الجديد. صَدَّق أنه مُمكنٌ أن السّاحر قد تجسد من جديد.»

نفخت آنا بضحكٍ ورمت قطعة كراميل في فمها.

لابد أنها نست تمامًا عن القديس جرماين الذي أكلته وقتلته سابقًا.

ربما دنَّست العالم، لكنها ليست من النوع التي تُهدر الطعام.

«مضغ، مضغ. كان يتدرب على إعادة كلام الناس إلى الوراء عند استحضاره الذكرى؟ أواثق من أن ذاك الطفل ذو نوبة الغضب لم يكن يضع تناسخ الأرواح في عقيدته عبطًا كشكلٍ آخر ليسخر من المسيحية التي رفضت قطعيًا الفكرة؟»

‹«كوني أكثر سخاءً وقولي أنه تأثر كثيرًا بمعتقدات مصر وآسيا في دورة التناسخ. والذكريات في هذه الحالة ليست شرحًا صحيحًا بالترتيب الزمني. فمثلًا، قد تكتسب معرفة [أودا نوبوناغا] التكتيكية، لكنك لن تستطيع تحديد ما تفطَّر في ذاك اليوم المُعَيّن لتثبت أن لديك ذكرياته.»›

«حسنًا، أليست مناسبة للغاية.»

بدت [آنا] وكأنها تريد أن تستقعد [5] وتستخرج العيوب طوال اليوم.

بالطبع، ربما كان هذا أسلوب عبقريةٍ لم تلتفت أبدًا إلى أيِّ شخص آخر.

‹«أليستر نفسه قدَّم تحذيرًا عندما اقترح الفكرة. كان تنشيط روحك لاستخراج الذكريات المخفية داخلك فكرة حسنة وجيدة، ولكنه قال إن بدء العملية على أساس استنتاج وهمي مسبق بأن لديك ارتباطًا ب –لنقل كليوباترا على سبيل المثال– لن يؤدي إلا إلى أوهام العظمة الذاتية.»›

«هوو، أوصل به الأمر هذا الحد؟ طيّب، هذا كأن يخلط نكاتًا سوداء ليرسل ضربةً غير مباشرة على إدعاءات ماذرز المفترض أنها منطقية لكونه نبيلًا لائقًا. ...فماذا "اكتشف" كراولي نفسه بهذا النهج؟»

‹«زَعَمَ أنه ورث ذكريات وتقنيات الساحر [إليفاس ليفاي].»›

«حقًا؟ هذا اسمٌ شهيرٌ جدًا ومرتبط بالفرع البريطاني للروز.»

خَرَجَ أليستر فائزًا من صراع داخل عصبة الذهب التي تجذرت من الروزيكروشية وطَوَّر في نهاية المطاف سِحرهُ الفريد، لكن هذا يعني أيضًا أنه امتلك ذكريات الشخص الذي ساعد في نشر الفرع البريطاني للروز. ويقال أن [ليفاي] نفسه كان ينتمي إلى ذلك الفرع. كانت النتيجة دائرية كثعبانٍ يبتلع ذيله.

ابتلعت الفتاة حلواها.

«سخيف»، بصقتها. «الذكريات ليست مرتبطة بقيمة الفرد هذه السهولة. الناس كما هُمْ سواء امتلكوا الذكرى أم لا.»

‹«إذن لماذا حارشتي [6] أولئك الإثنين في صراع؟»›

«اصطدامهما كان حتمي، لكن كانت تلك الفتاة الخارجة هي من حاولت تصنيف الناس استنادًا إلى معلومات غير كافية. لا تلمني على ذلك. ولا تخطئ: قراري كان مستندًا إلى شيء آخر.» ابتسمت الفتاة التي تبدو وكأنها في العاشرة بطريقةٍ غليظة مقارنة بشكلها الشاب. «بجانب ذلك، قد كان في حالةٍ يرثى. أيواس، ألم تقل أن كاميجو توما تعرض لأضرار شديدة في المخ أكثر من مرة؟»

‹«الأولى كانت لشَوكُهو ميساكي. والثانية لإندِكس.»›

أفسدت آنا قفزتها عدة مرات على التوالي. ربما سببُ ذلك كان شعرها الطويل حتى كاحلها. لكنها لم تبدو مزعجة كثيرًا بذلك.

بدلاً من المحاولة للمتعة، ربما كان هذا بمثابة وسيلة للتكيف مع جسدها المتقلص.

‹«بعبارة أخرى، الفتى يحمل أضرارًا من أصلٍ عِلميٍّ وسِحري»›

«ألم أذكر [بايكون]؟ تلك الفئات ليست بتلك الأهمية. إن معرفة أنه كان في حالة غير مستقرة بسبب حالات الضرر المتعددة يكفي. من الصعب التصديق أن ذاك الفتى استطاع التحرك في حالته الحرجة تلك ومن ثم خضع لحافز آخر عظيم.»

‹«سحر كراولي الشافي، تقصدين؟»›

«إذا كان تقريرك دقيقًا، فمن المحتمل أنه كان ذلك الخيار الوحيد بعد تعرضه لهجوم كُرونزون. لَوْلا ذلك، لمات... وأصلًا، كان نصف ميت. ولكن بقطع يده اليمنى وإلقاء سحر الشفاء، تَدَمَّر التوازن القليل الذي كان باقيًا.»

‹«ولكن أتصور أن سحر الشفاء لم يكن مريحًا حتى يُعيد ذكرياته المفقودة.»›

«لماذا قد يفعل، أيها الأحمق؟ وينبغي أن يكون هذا واضحًا من مراقبتك الخارجية. الفتى ما زال يجوب العالم بلا ذكرياته. أحيانًا عندما تحاول تثبيت برج من البطاقات الغير مستقرة، ربما تعطي لمستك الضربة القاضية.»

‹«ذكرتيني بالأحمق في التاروت.»›

«أوه، هذه ملاحظة جيدة. أحسنت. وعلى طاريها، يبدو أن هناك فصائل مختلفة متشعبة حول قرار موقع البطاقة #0 من بين البطاقات ال 21 الأخرى. واعتمادًا على ذلك، يمكن أن يكون لنفس الترتيب الدقيق للبطاقات على الطاولة معاني مختلفة تمامًا.» توقفت عن القفز بالحبل وأطلقت تنفسًا ساخنًا غريبًا.

وثم تحدثت.


«المهم هنا هو أن كراولي قطع يده اليمنى أولاً.»


طَوَت الحبل إلى نصفه، ومسكته بيد واحدة، ثم دارت على نقطة.

«هذا أهم من الذكريات اللاشكلية. بعبارة أخرى، تم شفاؤه وأُعيد بناء شبكته الدماغية استنادًا إلى افتراض أن انعدام قدرة يده اليمنى كانت حالته الطبيعية.»

‹«إذن ماذا عن يده اليمنى المتروكة؟»›

«نعم، هنا السؤال. بدا جسده بأكمله قد شُفِيَ تمامًا، لكن تمامًا كما بالغتم وأعطيتوها أكبر من حجمها، لم يبدو أنه استعاد ماضيه. فأين ذهبت؟ ألم يكن بإمكان الجزءان الغير ضروريان التجمع معًا بدلاً من التوجه في اتجاهين منفصلين؟»

مسحت العرق من جبينها ثم أمسكت الحبل بكلتا يديها مرة أخرى.

«إجبار نفسك لن ينتهي أبدًا على خير. لابد أن تدفع نوعًا من الثمن في آخر الأمر. لم تُظهر الإله السحري أوثينوس كثيرًا من ضبط النفس، لكنها لم تعبث أبدًا برأس كاميجو توما، كأن تُغيّر شخصيته مباشرة.»

‹«كان بالفعل في حالةٍ غير مستقرة.»›

«ولابد أن قَطْعات كورونزون المتكررة مرارًا وترارًا قد دفعته إلى الحافة.»

«ال #0 المُتجول، هَه؟»

في هذه الحالة، لم يُشِر ال #0 إلى اليد اليمنى أو ما وُلِدَ منها.

حتى لو انسرقت القدرة على إبطال الخوارق منه، إلا أنه لا يزال نفسه.

«في هذه النقطة، ذاك كائنٌ مختلفٌ تمامًا يعمل مستقلًا كُليًا. سواء في العقل أو الجسم. هيي هيي. لكن ماذا يدل الأحمق هنا؟ حتى عندما يكون عدد وترتيب البطاقات هو نفسه، ستختلف آراء الناس في هذا الجانب. حسنًا، إذا سألتني، فإن أسرع طريقة لإنهاء هذا سيكون قتل الرواسب التي ظهرت توّاً في النافذة.» قفزت حبلًا بعد حبل لتعرض قلعة وندسور مرة ثانية في الصورة اللاحقة الزرقاء المُبَيّضة. حتى هذه كان لعبة بالنسبة لها. «ذكرتُ نحل العسل، صح؟»

‹«تقصدين مرحلة اليرقة؟»›

«هذا لا يقتصر على ترك الحشرة تنمو من اليرقة إلى الكبر. داخل اليرقة الصلبة، تُدَمِّر اليرقة عضلاتها وأعضائها وتستخدم ذلك لتخلق شكلها الكبير. قُل إنهم يعيدون صنع ذاتهم القديمة إلى ذاتهم الجديدة. أيواس، بالتأكيد تعرف لمن أقصد بهذا المجاز.»

‹«.....اكتسابُ ذاتٍ جديدة. هدف الانضمام إلى عصبةٍ سحرية هو التغلب على حكم الموت والحصول على نور الرب. لكن لو رغب المرء فقط في تجاوز شكله الجسدي ورفع روحه عبر السِّفروث، أليس من الممكن ببساطة ترويض كُرونزون الذي يحرس الحدود المعروفة باسم الهاوية؟»›

«أحمق، هل جفلت أفكارك كما جفل جسدك؟ هذا ليس ما يهم. لماذا تفتح عُصَبُ السِّحر مثلنا أبوابنا للقادمين الجدد؟ لو فكرتُ أننا نفعلها من منطلق العطف والطيّبة، فأنت فعلاً مخدوع. نأخذهم لأموالهم وأراضيهم. فقط تخيل [جون دي] الذي أعطى امرأته لصديق لأن الصديق ادّعى أنه تلقى رسالةً إلهية تقول أنهم يجب أن يَهِبوا نِساءهُم.»

‹«...»›

«تَحْكُمُ ذاتك القديمة لتكسب ذاتًا جديدة.»

ابتسمت آنا سبرينجل.

ومزقت ابتسامتها بفصل زاوية شفتيها بطرف لسانها الذي لا زال يحمل حلاوة الكراميل. وضعت براحة ساقيها معًا وقفزت بالحبل مرةً ثانية. أتتها صورةٌ ما بعد صورة بعد كل قفزة، وأظهرت مشهدًا دقيقًا لقلعة وندسور في ضوء أزرق مُبَيّض.

زَعَمَ الروزيكروشيون عدة أهداف مختلفة، احداها كانت أن تهدم الحكومات الملكية القديمة وتخلق دولة تحكمها الفلاسفة.

لذا، من المحتمل أن تنطبق هذه الأيديولوجية على مجالات أخرى أيضًا.

على سبيل المثال، قد يُشككون في الفكرة البسيطة والثابتة بأن الإنسان يُسَيِّرُ إرادته.

تنين.

تحدثت وهي تفكر في ذلك الرمز الغريب الذي عبَّر عن ثنائية الخير والشر بكونه الشيطان القذر ولكنه أيضًا يُستخدم للدلالة على العائلات والمنظمات اللائقة.

«لنراقب يا أيواس. قد ظهر الذي يُطَهِّرُ الإلهَ ويَنْحُرُ الشّياطين. ماذا سيدمر وماذا سيخلق داخل شرنقته؟ آمل أن يتجاوز توقعاتي.»

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)