-->

الفصل الثالث: السَّيِّدْ، مِثْلُ رَبِّ الْعالَمِ الْمُغْلَقْ. — DEUS_EX_MACHINA.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

الجزء 1

تَوَجّه ستيل ماغنوس إلىٰ الطابق العلوي من المبنى الشمالي بين المباني الأربعة.

ربما كان الطُعم الذي أطلقه –كاميجو توما– قد لفت انتباه العدو أكثر مما توقع، لأنه لم يأتِ أحدٌ يصرخ في وجهه. قد راحَ السّٰاحِر في طور الناسك بالكامل، وتحقق من مواقع الأبواب المؤدية إلى جميع الغرف السرية، ونجح في رصد شيءٍ مُهم.

ديب بلود –هيميڠامي آيسا– لم تكن محتجزة في أحد تلك الغرف.

كما أنه لم يجد أثرًا لأحد دخل أو خرج منها، سواء في وجه العملة أو ظهرها.

بصرف النظر عن أوريولس، لم يُصادف أي موظفين، مثل المرؤوسين أو الجنود. ما بدت هذه بيئةً مناسبة لحبس أحدٍ حيث أن الهروب ممكنٌ في أي لحظة.

هذا ما عَقّد الأمور أكثر. إذا لم تكن هيميڠامي آيسا محتجزة كُرهًا، وكانت تتبع وتُعاون أوريولس إزارد، فلربما تُستخدم قدرة ديب بلود المجهولة في صالحه.

...يا ربي، لمَ الأسابر مزعجون وصعبٌ مسايرتهم؟

عندما فكر في ذلك، تذكر ستيل فجأة الفتى الذي استخدمه طُعمًا.

شخصيًا، ما رأىٰ ستيل مشكلةً في موت الفتى هنا. لقد أخبره منذ البداية أنهما ليسا حليفين، وأعلن حتى أنه سيستخدمه درعًا.

ولكن في اللحظة التي دفع فيها الفتى أسفل الدرج، ظهر على وجهه تعبير مَن خُوِّن.

بدا كأنه انطعن من حليف موثوق أعطاه ظهره.

«...»

ضربه ستيل بسيفه اللهب عندما التقيا سابق هذا اليوم، ثم جرّه إلى منطقة حربٍ مليئة بالموت غصبنًا عنه. وعلىٰ كل ذلك، اعتبر ذلك الفتى ستيل موثوقًا؟

هذا الأمر أثر في ستيل في مكانٍ ما في قلبه.

ورغم أنه كان شوكة صغيرة، إلا أنها أزعجته بشكل ما.

...يا ربي، لمَ الأسابر مزعجون وصعبٌ مسايرتهم—؟!

لهذا السبب كان ستيل يركض في درج الطوارئ الضيق.

لن يُكسبه التفكير في هذا شيئا، ولكن... الآن وقد أصبح الفتى طعمه، كان جزءٌ منه البشري النتِن يشتكي بأن عليه أن يُحقق مكسبًا من ذلك، وإلّا...

«هو خفيٌّ مُبهم. لما تتعجل هكذا؟»

فجأة، صدىٰ صوتٌ بارد من خلفه.

«...» توقف ستيل.

كان يركض في درج طوارئ ضيق. من الجَلي أنه لن يُفوت مرور أحد ما، فما كان هذا الصوت من خلفه؟

كان صوت رجلٍ كأنه تجسّد فجأة من العدم.

«...»

استدار ببطء، مدركًا في أعماقه أن حقيقة تمكن أحد من الوصول إلىٰ خلفه دون أن يلاحظه تُنبئ بعواقبٍ مميتة.

هناك، رأىٰ...



«همم. إذن هذا هو المكان.»

بينما بدأ أرجواني اللّيل يندمج مع برتقالي الغروب، وصلت إندِكس إلى مدرسة ميساوا التحضيرية. بدا المبنى عاديًا تمامًا، لكن ذلك كان غريبًا في حد ذاته. لقد تتبعت الطاقة السحرية الرونية الذي نُصِبَت في مسكن الطلاب، وهذا ما أوصلها إلىٰ هنا. ومع ذلك، انقطع خيط السِّحر عند جدار المبنى.

لو وصفته، لكان جَليّاً تمامًا أن هناك شيئًا شاذ داخل المبنى، وشيئًا يُبَيّنه عاديًا أمام الناس.

تمامًا كما توجد المانا في الناس، كذلك توجد "قوة" في العالم.

يُسميها المسيحيون "ببركة الرب". وفي العصبة السحرية [ستِلا ماتوطِنَ] التي أنشأت نموذج السحر الغربي الحديث، أطلقوا عليها مُسَمّىٰ الطلسمان (تيليزما). إلا أنّ الدلالة الأقرب هو مفهوم [خطوط لاي] في فلسفات الفينغ شوي الشرقية. وكما أوحىٰ الاسم، هي خطوط تنتشر عبر الأرض كأنها أوعية دموية وتسري في جميع أنحاء الكوكب.

وبالطبع، مثلما أن المانا المُكررة (المصقولة) من قوة حياة الفرد أشبه بالبنزين، فإن "قوة" العالَم ليست بالكبيرة بحد ذاتها (ونكرر، واضحٌ أن قوتها أعظم بكثير من الإنسان؛ حيث أن دورة حياة الكوكب أعمر بكثير من البشر). تتحول هذه القوة إلىٰ "أشعة" مثل البنزين عبر الأضرحة والمعابد وتتحول إلى مصدر طاقة هائل.

هذه القوة ملأت العالم فصارت تشبه الهواء، فما عاد البشر (بما في ذلك السحرة) يُدركونها. وحدهُم المتخصصون من يدركوها، مثل العرافين ومُمارسي الفِنغ شوي.

ومع ذلك، في المباني الأربعة التي تعلوها، لم تكن هناك أي من تلك القوة.

القوة العالمية غير القابلة للرصد عادةً تشبه الهواء. ولكن كما يعاني المرء ضيقاً في التنفس عند وضعه في فراغ، حسّت إندكس بخطبٍ لا يوصف.

ببساطة، القوة التي ملأت كل شيء كانت غائبة في تلك المباني.

كأنها شاهد قبر عملاق للعالم علىٰ شكل مربع – برج السحر الميت.

ربما احتوىٰ المبنى على حاجز يمنع تسرب المانا إلى الخارج، لكن هذا كان مبالغًا كثيراً.

يمكن ليد كاميجو اليمنى أن تُدمر هذه القوة العالمية بلا توقف وكلل، ولكنها لم تكن قُرَيب ذاك السوء. كانت قدرتها التدميربة مُتّسقة مع الطبيعة – أشبه بشجرة ميتة تعود إلى الأرض وتُكوّن جذورًا لحياة جديدة. لهذا السبب لم تلحظها إندِكس حتى دمرت كنيستها السائرة.

لكن "برج السحر" هذا كان مختلفًا.

كان تشويهًا من صنع إنسان، حيث انهدمت الغابة لبناء مدينة من الحجر والفولاذ.

ألم يلحظ ساحِر الرونات هذه التناقضات؟

ربما لم يستطع الشعور بها لأنه كان ساحرًا رونياً وكان بنفسه موقدًا لكميات هائلة من المانا. مثلما لو كنت معتادًا على الأطعمة الثقيلة ذات النكهة القوية، فإنك سوف تفقد قدرتك على ملاحظة التغيرات الطفيفة في الطعم.

لكن إندِكس لم تقتدر تحضير أي قدرٍ من المانا. ولهذا السبب، كان هذا الاختلاف الطفيف في الطعم كافيًا لإعطائها قشعريرة.

«إنه ليس حاجزًا لحماية المرء من دخول الأعداء، بل هو حاجز الموت يمنع الأعداء الداخلين من الهروب... همم، النموذج المثالي لذلك يشبه الأهرامات في مصر...»

وهي تُتمتِمُ لنفسها، مرّت الراهبة بالثوب الأبيض عبر الأبواب التلقائية.

ما حملت سببًا للتوقف هنا.

كان في الأمر رَيب، ولهذا أرادت إخراج الفتى من هناك بأسرع ما يمكن.

وما إن خطت خطوة إلى الداخل، تغير الهواء من حولها بالكامل. كأنك تدخل متجر علىٰ أبوابه مُكيف بعد أن كنت تحت الشمس الحارقة. شوارع المدينة المزدحمة والسلمية قد تحولت فجأة إلى آثار ساحة معركة فارغة تفيض بالموت. هذا ما كان خاطئاً تمامًا بالتأكيد. في زاوية من زوايا القاعة الواسعة، على الجدار جنب المصاعد، رأت هناك فارسٌ مُصفح بأدوات طقسية رومانية كاثوليكية ممددًا ميتًا.

اقتربت إندكس بحذر وتفحصت الفارس.

كانت الأداة الطقسية، الدرع الجَرّاحي، تستخدم المانا لامتصاص وتفريق تأثير الهجمات الجسدية. ولأن هذه كانت الميزة الرئيسية للدرع، فقد كان ضعيفًا أمام الهجمات السحرية... لكن هذا الدرع تعرض بالتأكيد لهجومٍ جسدي، بالرغم من ذلك.

...ألم يعرفوا شيئًا عن السحر، أم فعلوا ذلك لميول لهذا النوع من الأشياء؟

بالطبع، عند النظر إلى هذا المبنى الذي يحاكي قبر الملك خوفو، كان الاحتمال الأول مستبعدًا. لكن الاحتمال الثاني يطرح مشاكله. كيف تمكن أحدٌ من اختراق درع جَرّاحي روماني كاثوليكي بالقوة الجسدية؟ هل استدعوا ملاكًا رئيسيًا عبر الطلسمان، أم كانوا مهرةً في صنع الغولم المعدني؟

على أي حال، ما استطاعت ترك الفتى في مكانٍ كهذا. كانت الرائحة شديدة الموت بحيث لا يمكن ترك هاوٍ جاهل بالسِّحر يتوه هنا.

ثم سمعت شيئًا يُجر، قادمًا من جانبها. نظرت إندكس في ذاك الصوب. رأت مدخلاً لدرج الطوارئ جوار الجدار الذي توجد عليه المصاعد. ومن هناك سمعت صوت زحف، زحف شيءٍ يُسحب عبر الأرض، بالإضافة إلى تنفسٍ مضطرب.

«مَـ-»

-ـنْ؟ لم تستطع حتى أن تسأل، لأنه حينها رأت شيئًا يزحف خارج مخرج الدرج.

رأت شيئاً هناك. ليس شخصًا، بل شيئًا. ما بانَ أنه إنسان. أسفله كان ممزقًا، وذراعه اليسرى مفقودة من الكتف، ونصف وجهه الأيمن مُفَجَّر، وما بقي منه تَفَحّم، محروقة بدرجات حرارة عالية. شيءٌ يتحرك رغم كل ذلك لا يُمكن أن يُطلق عليه إنسان.

صرخت بصمت مصدومة. أمكنها أن تحلف أن نصف وجهه تذبذب للحظة.

لسبب ما، بدا وكأنه يميل برأسه مُحتارا... وفي اللحظة التي استوعبت فيها إندِكس غرابة المشهد، ضرب بذراعه الوحيدة المتبقية الأرض ليرمي نفسه نحوها.

«...!»

سوف يعض عنقي. عندما حاولت إندكس التراجع فورًا عن الكرة المدفعية المُنطلقة نحوها، تعثرت على الفارس المنهار بساقها؛ فسقط جسدها معه. ولقد كان الشيء، الذي فقد هدفه للحظة، على وشك الانقضاض من موقعه علىٰ إندِكس من فوق، و—

«تَحَطَّم.»

فجأة، دوىٰ صوتٌ ذكوريٌّ مُهيب الفضاء المُتجمد.

كان ذلك فورياً. انحنى الجدار قِبَلَ المصعد مثل بابٍ ورقي، وانبثقت يدُ رجلٍ منها. أصابع كبيرة أمسكت برأس الكائن المتفحم، المُتدمر جزئيًا، كما لو أنها تمسك كرة.

في تلك اللحظة.

أمام عيني إندكس المرفوعتين، تَحَطَّم جسد الكائن، تمامًا كما أعلن الصوت.

بدا المشهد مثل تفكك رماد متصلب. وتشققت ثلاث شقوق في جسد الكائن أولاً، ثم تناثرت في الهواء كأنه مسحوق ثلج. قبل أن يسقط كل ذلك على وجه إندِكس في الأسفل، ذاب كل جزيء منه في الهواء.

«افتح.» قال الصوت ثانياً. انفتح الباب الممزق داخليًا إلىٰ جانبين. تَشوّه شكله حتى ما بقت فيه ملامح الباب المعدني.

سِحرٌ مطلق، يُعيد كتابة الواقع المحيط وفقاً لكلمات صاحبه.

«أكان هذا...،» همست إندكس مذهولة. وكأنّه لم يأبه لها، خرج رجلٌ طويل القامة من المصعد. كان لشعره خضاراً مصففاً إلىٰ الخلف وارتدىٰ بدلة إيطالية بيضاء ناصعة وأحذية جلدية باهظة.

«وها أنتِ. نلتقي ثانية، علىٰ أنني أعلم أنك لن تتذكري ولو أخبرتك. هو محتومٌ نعم. ما لكِ أيُّ ذِكرىٰ لاسم أوريولس إزارد. لا – حقيقةً في نظري، ما هذا إلا هِبةٌ من الرب.»

رأت في عنق الرجل علاماتٍ عديدة كأنها لدغات الحشرات، وقد بدا لها أنه يحاول أن يُقصِر حديثه ويُوجِزه. قد تبدو فكرة إبر الوخز الشرقية –تلك الأدوات الطبية– في غير محلها مع رجلٍ غربي، لكن هذا لم يكن الحال فعلاً. فقد كانت هناك قصة عن مؤسس عصبة السحرة الغربيين، ستِلا ماتوطِن، الذي تبنى البوذية طوعًا.

«طيّب، وإن لم تتذكري، لن أذهب دون أن أقول هذا. التقينا مجددًا يا إندِكس، يا فِهْرِسَ اَلْكُتُبِ اَلْمَحْظُورَة. كما الحال دائمًا، يبدو أنك لا تتذكرين شيئًا، وبالنسبة لي، يُسعدني حقّاً أن أراكِ على حالك.»

مد الرجل يده كما لو أراد إعماء إندِكس، التي كانت تنظر إليه مُشَوّشة.

اليد السحرية – تلك التي حطمت الشيء الذي لم يكن إنسانًا ولا وحشًا بضربة واحدة.

ومع ذلك، لم تستطع إندكس أن تحرك عضلة واحدة. فقط قالت:

«لا يمكن... أنت... أرس ماڠنا.»

ابتسم الرجل بلطف ردّاً على ذلك.

الجزء 2

«هيّا لِنَعُد.»

بعد انضمام كاميجو إلى هيميڠامي بالالتفاف حول المباني الأربعة لأنه لم يجد طريقةً يعبر بها الحمم الذهبية، عبّر عن رأيه لها بصوت تعبٍ مُنهك. «لقد هزمت ذلك الرجل أوريولس. لم أقتله أو شيء مثل هذا، لكنه انتهىٰ. بالتأكيد لا يقدر القتال بعد الآن. ليس من جروحٍ جسدية – بل أن روحه قد ماتت. لذا هيّا نعود.»

لقد فقد شيئًا رجا حمايته. ما عاد يستطيع إنقاذ الطلاب الذين استُخدِموا في أداء جوقةٍ غريغورية بعد الآن. لقد أنهىٰ الحساب مع الخيميائي. لم يكن لديه سبب للاستمرار في القتال. أراد العودة إلى المنزل بأسرع ما يمكن والابتعاد عن هذه المنطقة التي فاحت برائحة الموت.

أريد الرجوع إلى البيت. أريد الرجوع الآن حتى أتعشى مع إندِكس. كله تمام ما دمتُ معها. إذا رأيتُها ثانية، فسأكون في البيت. قبل أن يسحبوني مرة أخرى إلى منطقة الحرب هذه... قبل أن يأسرني هذا العالم حيث صار الموت والذبح أمرًا عاديًا... إذا لم أعد إلى عالمي، حياتي اليومية، سأفقد كل شيء. كانت أفكار كاميجو غامضة، لكنه أكّد عليهم.

لكن ظلال الشر كانت تتسلل إلى رأسه المتعب.

إحدى الظلال –وفقًا لستيل– أن إندِكس كانت تفقد ذكرياتها كل عام.

وأخرى –وفقًا لستايل– كانت أنها تجد شريكًا جديدًا كل عام.

وظلٌّ آخر كان –وفقًا لستايل– أن إندِكس كانت تنسى ذلك أيضًا كل عام.

كان واضحًا عندما فكر في الأمر، ولكنه وجد إندكس تبتسم...

...وحولها العديد من يحتاجون إليها.

لم يقلها بصوت عالٍ، لكن ستيل ماغنوس أخبر بين السطور:

لا تخطئ الفهم. تلك الفتاة ليست ملكك أو شيئاً يخصك.

«...أغ...!»

هاجم الدوار كاميجو فجأة، ووضع يده على الجدار. فكرة أنه كان يُنظَرُ إليه علىٰ أنه واحدٌ من هؤلاء الكثيرين حولها أولدت فيه إحساسًا بأن طريقه للعودة إلىٰ الحياة الطبيعية قد انقطع.

...يا لها من مَنية مريضة في امتلاك بَطَلة.

يعلم كاميجو أن تَوَقّد كراهية الذات في المواقف القصوى يمكن أن يُزلقك إلىٰ رغبات تدمير الذات، كالتضحية بالنفس ومشاعر الانتحار. أخذ نفسًا عميقًا عمدًا وهدأ نفسه، ثم قرر ألا يفكر في أي من ذلك – أدرك أنه إذا سار أبعد في هذا الدرب، فإنه سيدمره حتمًا من الداخل.

للآن، لنأخذ هيميڠامي ونخرج من هنا، فكر مُتنهدًا، لكن...

«ذلك الأوريولس إزارد. كان مزيفاً أكيد.» قالتها آيسا بتعبيرٍ لامفرداتي.

«ماذا—؟»

«هو بديل. أقول هذا لأنني أعرف الحقيقي. لن يقتل الحقيقي الناس عشوائياً.»

تسللت كلمات هيميڠامي ببطء ولكن بثبات إلى ذهنه.

كانت على حق. الآن بعد أن فكر، كان ذلك غريبًا. كان يعلم أن الخيميائي يستخدم مدرسة ميساوا التحضيرية غطاءً – إذا ترك جميع الطلاب يُدمرون أنفسهم في جوقةٍ غريغورية، فسوف يُكشف غطائه.

ومع ذلك، أوقف كاميجو تفكيره. لم يكن يفكر بوضوح. قد عزم العودة إلى البيت. لهذا السبب كان قادراً على الحفاظ على هدوئه. أن يرجع إلى ساحة المعركة مرة ثانية كان أمرًا لا يمكنه الامتثال له في هذه اللحظة.

«تمهلي، لحظة تمهلي! ماذا تقصدين؟ قد هزمت أوريولس إزارد بالتأكيد!»

«أقول لك إنه كان بديلا،» أكدت هيميڠامي قطعيًا. «لطالما استخدم الحقيقي وخز الإبر (الإبر الصينية). أما هذا ما استخدم واحدة، لذا هو مزيف. وبالمناسبة. الحقيقي ليس بهذا الظلم.»

لم يستطع كاميجو تقبل ذلك. وما أراد ذلك. قد مالَ منطقه نحو رغبته في العودة إلى المنزل، لذلك لم يستطع بأي حال كان أن يعترف بوجود أعداء جدد الآن.

«ومع ذلك. ذاك الشخص ليس لديه أي اهتمام بأي شيء عدى هدفه. إذا أردتَ المغادرة، فلن يمنعك.»

كانت كلمات هيميڠامي هادئة جداً، وأخيرًا أوقفت تذمره الداخلي.

لكنها قالت شيئًا غريب.

«انتظري لحظة. سوف تأتين معي. أوريولس لن يسمح لنا بالرحيل ما دام ينوي حبسك.»

«لما لا؟»

«ماذا تقصدين "بلما"؟»

«ما قصدت "لماذا لن يسمح لنا بالرحيل؟" بل "لماذا آتي معك؟"»

«ها—؟»

ذلك حيّره. في هذه المرحلة المتأخرة من اللعبة، الآن بعد أن تفادوا العدو مؤقتاً، لم تكن هيميڠامي تفكر على ما يبدو في الهروب من هذه المدرسة.

«لا تفهمني خطأ. فلدي أهدافي أيضاً. ليست في الخروج من هنا. لن أُحقّقها إلا بمكوثي هنا. أو بالأحرىٰ، سيكون أدقاً القول إن هدفي مستحيل بدون ذلك الخيميائي.»

كلماتها كانت حاسمة. حتى أنها بدت وكأنها تنظر إلى أوريولس على أنّه معارف.

ما الذي تقوله ذي؟ فكر كاميجو. في علم النفس، ذُكِر أنه من الممكن أن يُتَطوّر شعورٌ غريب بالتضامن بين المجرم والضحية في مواقف متطرفة مثل حالات الاختطاف وحوادث الحصار—أكانت حالتها هذه كتلك؟

«لكن مهما كان هدفك، إنّي واثقٌ أنه لا يراك صديقة أو مثل هذا. لو كان، لما حبسك هنا وتحصن.»

«هذا كان قبل أن تُخطف مدرسة ميساوا التحضيرية.» كانت عيون هيميڠامي حازمة. «أتدري كيف عُومِلتُ أصلاً؟ ولماذا توجد غرف خفية في جميع أنحاء المبنى؟ أراكَ واحدًا عاديًا طبيعيًا لتتحمل هذا.»

«...»

«بعد مجيء ذلك الخيميائي. هُجِرت الغرف المخفية. لقد كنت هنا وحسب. لم أغادر لحاجةٍ مني ولن أفعل. لو غادرت الحاجز، لاسْتَدعَيتُهُم.»

فكر كاميجو في ثرثرة ستيل من قبل أن يدخلوا مدرسة ميساوا.

كان هذا المكان حاجزًا، مخفيًا تمامًا ليبدو مبنى عادي بلا ملامح من الخارج.

ديب بلود.

كان مصاصو الدماء أسطورة حتى بين السحرة، وهي امتلكت القوة لقتلهم فوراً. ألربما...

«إذن ماذا؟ هل تقولين أنكِ كنت تختبئين هنا طوال الوقت لتجنب معركة غير ضرورية؟ لأنك لم تريدي أن يلاحظك مصاصو الدماء أو شيء كهذا؟»

«...دمي. لا يهزمهم وحسب. بل يجذبهم برائحةٍ حُلوة. يدعوهم. يجمعهم. يقتلهم. عملي هي تلك السلسلة من الأفعال، كنباتٍ آكلٍ الحشرات ذو ألوان زاهية. هذه أنا.»

اتسعت عيون كاميجو.

مصاصو الدماء—أثاروا الرعشة حتى في ستيل عندما تحدث عنهم. هيميڠامي آيسا—معها قوة هائلة تُحَطّم حتى مصاصي الدماء بضربة واحدة. لكن عندما قالت ذلك، كان في صوتها وِحدةٌ أتت من الوقوف في مطرٍ بارد.

«مصاصو الدماء. أتعرف كيف هُم؟»

حتى لو سُئل، لم يكن كاميجو يعرف. ما خطر بباله كانت صورة ذهنية لمخلوق شرير يهاجم الناس في الكتب المصورة. إضافة إلىٰ ذلك، ما بدت كلمة مصاص دماء حقيقيةً حتى بالنسبة له.

«هُم لا يختلفون عنا،» قالت هيميڠامي. «لا يختلفون عنا. يبكون. يضحكون. يغضبون. يفرحون. يبتسمون للغير. ويفدون للغير. هُم أناس مثلنا.»

ابتسمت هيميڠامي بلطف، كما لو أنها تتذكر شيئًا ممتعًا.

«لكن،» تابعت، واختفت ابتسامتها فجأة. «دمي يقتلهم. بلا سبب. فقط لأنهم موجودون. بلا تمييز. بلا إعفاء. وهم يبكون. يضحكون. يغضبون. يفرحون. ويبتسمون للغير. ويفدون للغير. هؤلاء ناسٌ. وبلا استثناء واحد ––دَمّرتُهُم.»

فاضت كلماتها بالدم.

كان صوت نَفْسٍ قد سحقت كل ذِكرى بهجة أمام عينيها.

«مدينة الأكاديمية هي مكان للتحكم في القِوىٰ. لذلك اعتقدت أنهم سيعرفون السر وراء هذه القوة أيضًا. اعتقدتُ أنهم لو عرفوا السر، فسأجد طريقة لإزالته أيضًا. لكنني لم أجد مُرادي،» وأكملت بعد توقفٍ. «لا أريد أن أَقتُل بعد الآن. إن كان لابد، فقتلي لنفسي أهْوَن. فلا بأس معي.» أنهت.

الفتاة الوحيدة، المسماة ديب بلود، قالت كل هذا بنفسها.

«لكن هذا...»

«أرجوك لا تقل. وأيضاً، ليس كُله سيئًا. قال لي أوريولس إنه قادرٌ علىٰ إنشاء حاجزٍ أبسط. سمّاه الكنيسة السائرة؛ إنه حاجزٌ في شكل ملابس. إذا ارتديته، فسوف يمكنني التجول في المدينة دون أن أستدرجهم إليّ بعد الآن.»

«...»

«لدي هدف. ولأوريولس هدف. لا يمكننا تحقيق أهدافنا بدون بعضنا البعض. لذا لا بأس. لا يمكن لأوريولس أن يؤذيني. طالما أن أوريولس يريد تحقيق بغيّته. إذا أردت مغادرة ساحة المعركة لوحدك. فلَكَ مساعدتي. سأكفلك عند أوريولس.»

لم يستطع كاميجو أن يقول شيئًا بعد الآن.

لم يفهم المعاناة التي مرّت بها هذه الفتاة. ما عرف كيف ينقذها. ما عرف ما يجب فعله.

«...فقط...أخبريني شيئًا.» لم يعرف، لذلك سألها. «عندما التقينا أوّل مرة، إذا لم تريدي استدعاء مصاصي الدماء، فلماذا غادرتِ المكان وأكلتِ حتى التخمة؟»

«بسيط. سببُ حاجةِ أوريولس لي هو لأنه يُريد مصاصي الدماء. إذا بقيت دائمًا داخل الحاجز، فلن استطيع استدعاؤهم.»

«لكن أليس هذا بالضبط ما لا تريدين فعله؟ أنت لا تريدين إيذاء مصاصي الدماء بعد الآن، صح؟ فلماذا تستمعين لأمر غبي يخبرك باستدعائهم؟»

«نعم، لكن أوريولس وَعَد. لقد أراد مصاصي الدماء. لكنه بالتأكيد لن يؤذيهم. يُريد فقط عونهم.»

«بحق، وها قد حسبت نفسي بالكاد هربت من مدرسة ميساوا التحضيرية بحياتي.»

«سؤال. حتى لو أردتُ الهرب. لماذا أتيتِ أنتَ إلىٰ هنا؟»

«جئت أنقذك، أليس هذا واضحًا؟ هل أحتاج سببًا لذلك؟»

تحول تعبير كاميجو إلى العبوس، وهذا جعل من عيني هيميڠامي تتسعان.

كانت تصنع وجهًا وكأنها تلقت هدية في عيد ميلادها بعد أن نسيت ذلك.

«هذا غريب. لكن لا بأس، لأنني لست مقيدة. لذا أرح بالك وعد إلىٰ بيتك. لا مشكلة.» ابتسمت هيميڠامي قليلاً. «قال أوريولس. إن لديه أحدًا يُريد إنقاذه. لكن قوته لا تسعه. مهما حاول وبذل، فهو يحتاج عَونهُم. لذلك وعدته بأنني سأساعد. لأستخدم قوتي. ليس للقتل بل للمساعدة. لأول مرة في حياتي.»

«...»

أكان هذا صحيحًا؟ حتى لو لم تكذب، كان واردًا جدًا أن يكون أوريولس كذلك. فلا تنسوا، قد كان قاتلًا. كانت دوامة الموت والقتل هذه شيئًا أنشأه. ما كانت تقوله وما يظهره الواقع أمران لا يَستويان.

لكن حتى مع ذلك، إذا...

إذا كان أوريولس إزارد كما وصفته هيميڠامي آيسا...

«...لن يفعل هذا.»

«؟»

«لو كان أوريولس إزارد حقًا كما تقولين... لو لم يصبح وحشًا كاملًا ولا زال فيه قليلٌ من الإنسانية... فلا يمكنني أن أتركه يرتكب مزيدًا من الأخطاء. لن أقول إن الناس الذين يخطئون مرة هم أبعد عن الخلاص، ولكن إذا تركتِ أوريولس يستمر في فعله، فسوف تندمين حقّاً.»

ما زادت عليه هيميڠامي.

ينبغي لها أن تدرك ذلك أيضًا. كان هناك فجوة تتشكل، تفصل بين الأفكار التي يتبناها أوريولس والواقع. كان سهلًا استيعاب ذلك بمجرد النظر إلى ساحة المعركة هذه. كان مِثاله المثالي لئلا يؤذي نفسًا ينهار.


«هذا انتقاد. بأي فكرةٍ تُقدّم مُعترضًا علىٰ أفكاري؟»


لكن في تلك اللحظة قاطعهم صوت رجل، قاطعًا أفكار كاميجو.

رنّ الصوت كملاذٍ في حد ذاته. عَطّل حديث كاميجو وهيميڠامي وجلب الصمت.

كان صوتًا ناعمًا، كما لو أن أحدهم همس في أذنه. لكن صاحب الصوت لم يكن موجودًا في أي مكان يُرىٰ. لم يكن يستطيع إلا أن يصفه بأنه صوت لا يستخدم الهواء وسيطًا، منتهكًا بذلك قوانين الفيزياء.

سَمِعا صوت خطوات.

أتت من خلف هيميڠامي، على الأقل كانت على بعد ثلاثين متراً في الممر المستقيم.

ما كان ينبغي أن يكون هناك أحد.

ما كان ينبغي أن يكون هناك أحد، لكن عندما رمش كاميجو مرة، وَجَد هناك أحدًا بالفعل.

ما كان هناك مكانٌ يمكن أن يختبئ فيه.

وقف هناك بسكون، كأنه يقول إنه لم يخفي نفسه منذ البداية.

«أنت...»

شك كاميجو في عينيه.

ظهر من العدم أوريولس إزارد الذي كان يجب أن يكون مهزومًا، وكانت جميع أطرافه موجودة – في الواقع، لم يلحظ عليه خدشٌ حتى.

هل استخدم تقنية خاصة لشفاء جروحه؟ تساءل كاميجو. لكن هذا سيكون غريبًا أيضًا. بغض النظر عن كيفية شفائه من إصاباته، لا يمكن للبشر أن يتغيروا في الجودة هكذا. علىٰ أن لديه نفس الشكل، إلا أن "النفس" في الداخل لم تُشعر بالمثل، كأن كاميجو ينظر إلىٰ توأمٍ بشخصيةٍ مختلفة.

وهذا الوجود الطاغي...

علىٰ أن أوريولس كان على بعد ثلاثين مترًا في الرواق، إلا أن حقيقة تواجده هناك أثقلت في نَفْسِ كاميجو إلى درجة اليأس، كما لو أُدخل سكين بين أضلاعه.

تجسيدٌ بشري لمصطلح "الحقيقي"، مع كل دلالاتها – هذا ما كان يقف أمامه.

هذا خطير، إنه خطير. هو سيّد اللعبة. لا يمكنني مهما حالْ أن أهزمه بقواعده، وهو داخل هذا الحاجز، كما فكر الفتى. لهذا السبب، حاول كاميجو التحرك حول هيميڠامي ليُغطيها – بالنسبة له، ما كان خيار التضحية بها والهرب واردًا.

ولكن ثم...


«إني ساكنٌ. وبدون عوائق، أتجه إلىٰ هناك الآن.»


قبل أن يمضي كاميجو في خطوته، كان أوريولس قد أغلق المسافة البالغة ثلاثين مترًا قاطعًا بين كاميجو وهيميڠامي.

«ما...؟!»

تمامًا كما أُلقِيَ كُلُّ فهمٍ اكتسبه حتى الآن من النافذة، تجَمّد كاميجو أمام حضرة الخيميائي أوريولس إزارد. ما كان للخيميائي قدمين سريعتين، بل بدا وكأنه قطع الفضاء وظهر من العدم.

شعر كاميجو وكأنه يرىٰ فِلمًا تخطى إطاراً.

«إنه بَيِّن. أعْلمُ أنّ في نَفسِك أسئلةٌ كثر، ولكن ما لي سبب في أن أجيبك عليها،» أعلن الخيميائي بهدوء. «دماء هيميڠامي لمُهمّةٌ في نظري. ولا أنوي تركها دون مقاومة؛ بالتالي، جئتُ بنفسي لأحصل عليها.»

"أحصل عليها". نَجَحت العبارة نوعًا في إعادة تنشيط عمليات تفكير كاميجو.

«...تبا لك، يا ملعون!!»

ما عساهُ يتراجع بعد وصوله إلىٰ هنا. حاليًا، سيفصل العقل المدبر أوريولس عن الأسيرة هيميڠامي. ولهذا، ركض إلى الأمام. فَصَلَ بينهما أقل من مترين.

ومع ذلك...

«لن تقدر—» أعلن الخيميائي بصوتٍ هادئ «—قُرُباً مني.»

في تلك اللحظة، حدث تغيير دراماتيكي.

لم يرَ الشاهد أي تغيير، لكن هذا النقص في التغيير كان الجزء الغريب. ركض كاميجو أقصى ما يستطيع محاولًا قطع المترين... ولكنه ما وصل. كأنه يُطارد الشمس وهي تغيب – فمهما ركض، لم تتقلص المسافة أبدًا.

كان تحت وهمٍ أن أوريولس وهيميڠامي كانا ينزلقان بعيدًا عنه في ممرٍ يمتد إلى الأبد.

أهذا وهم؟ أعليه استخدام الإماجين بريكر في يده اليمنى؟ لقد امتلك قدرةً على محو أي قوة غير طبيعية، حتى المعجزات الإلهٰية، ولكن...

إذن... كيف أضربه بحق؟!

«إنّه محتوم،» قالَ أوريولُس بلا عاطفة. «وما قُلتَ عني مُدعيًا أني مُسَبِّبٌ لها الندم؟»

جرت قشعريرةٌ باردة في ظهر كاميجو وتوقف عن الحرك. لم يستطع الاقتراب. علىٰ أنه يفهم هذا، إلا أن جسده أنذره بخطر الاقتراب. مضى أوريولس مُحدِّقاً بتعبير كاميجو بعيونٍ خَلَت من الإحساس، كأنه ينظر إلى حشرة على طاولة التجارب وكان يثقبها إبرة بعد إبرة.

وحرفيًا لا مجازي، أخرج أوريولس إبرة نحيفة كالشعر من جيب بدلته البيضاء الداخلي. اشتم كاميجو رائحةً خفيفة من المُطَهِّر. وضع الإبرة في رقبته، ثم طعنها عاديًا. شبّهت الحركة كأنه حرّك مفتاحًا للإيحاء التنويمي.

أنذر كل شيء في تلك الحركة صارخاً "أمر الإعدام". تجمد كاميجو وحاول القفز إلى الوراء.

ومع ذلك، رمى أوريولس الإبرة التي طعن بها رقبته جانبًا، قائلاً:

«إنه أمرٌ مُسِخط. يا فتى—ما أمَلّك.» [1]

وبينما لا يزال يحاول التراجع، وَجَدَ كاميجو نفسه فورًا عاجزاً عن ترك مسافة أخرى بينه وبين أوريولس، مهما تراجع. صدمَهُ هذا الواقع الغريب. ما وَجَدَ أدنى تغيير، سواء تقدم أو انسحب.

لذا، ولعجزه أمام عدوِّه، شعر بأن قلبه سينفجر من القلق. ثم وضع أوريولس يُمناه دون كلمة، مباشرة أمام صدر كاميجو تمامًا – كأنه يُمسك شيء... كأنه ينزع قلبه.

وأعلن الخيميائي بعزمٍ—

«انفجر—»

«—تمهل.»

—حينما قطعت هيميجامي فجأة بينهما.

كان كاميجو صامتًا. وكانت هيميڠامي تقف بينه وبين الخيميائي الحقيقي بعزمٍ هائل، وبدون استعداد، ووضعت نفسها درعًا لكاميجو.

يا...غبية...! لا تفعلي!

حاول كاميجو بيأس دفع هيميڠامي جانبًا، لكنه ما تمكن من الاقتراب منها حتى بمقدار ميليمتر واحد. ارتجفت جميع أجزاء جسمه مُنذرة بالخطر، كما لو كان طفلاً غير مدرك يمشي نحو سارق يحمل مسدسًا...

لكن في تلك اللحظة، تذكر ما أشار السحرة بـ هيميڠامي آيسا.

قاتلُ مصاصي الدماء. ديب بلود.

زرع اسم مصاصي الدماء الرهبة في ستيل، وكذلك، يُمكن لقوة ديب بلود سحق أولئك المصاصين بضربةٍ واحدة. في هذا الوضع، كان وجودها ورقة رابحة –جوكر– تلك التي تقلب موازين اللعبة.

فرصة للفوز...؟

...أفيها أمَل؟ إذا لا، فلن تفعل شيئاً مجنوناً مثل هذا، فكر.

ومع ذلك، نظر أوريولس إلى كاميجو بتعبير مَلل.

ولم يتعب نفسه بالنظر إلىٰ الجوكر، ديب بلود.

«إنه بَيِّنٌ. ربما أمسكت يداك بشعاع أملٍ ضئيل، ديب بلود ليس عدوي.» ما سمع في صوته عاطفة. «إنه فطري. لماذا أخذت هيميڠامي آيسا مُسَمّىٰ ديب بلود؟ قدرة شديدة حتى قتلت مصاصي دماء — آه، نعم، فهمت. وهو صحيح، إن حازت على قوّةٍ بذاك القدر، لن يتناسب معها لقب "ديب بلود" (دماء عميقة)، أليس كذلك؟ إن كان، فإنني أعتقد أن اسمًا مثل "قاتل الحشود" لن يكون بعيد.»

...هل يعني...

بدأ الذعر يختلس آخر أملٍ في كاميجو بسرعة يتقارب حول أفكاره.

«إنه لا مناص منه. ديب بلود، دمٌ يعيش ليرفض، هي قوة تُسْتَخدَمُ فقط ضد مصاصي الدماء. هي ليست قوّةً خارقة إنسية؛ هويتها ليست أكثر من دَمِها. هي تجذِبُ برائحةٍ فِتنة – لونٌ أحمر، يُرجع شاربـيـنه إلىٰ رماد. ما يُرَوّع هو مستوى إغراءه. ومع علمهم بالموت، يشربون. وهو بَيِّن، فهو لا يُسبب الضرر لبني آدم. إنما يحصر أثره على نسل قابيل فقط الذين يتحوّلون إلىٰ رماد من ضوء الشمس.»

قال أوريولس كل هذا وأخرج إبرة أخرى من جيبه وطعن بها قفاه. [2] لم يستطع كاميجو معرفة ما تأثير ذلك عليه، ولكن لمعة من الراحة ظهرت في عيني الخيميائي الخاليتين من المشاعر.

«هَه. حسبتَ نفسَكَ تُدينني بذاك الهجوم، لكنه لا يغير شيئاً. فانظر في نفسك، تتشبث وتعتمد وترجو ديب بلود، وليس هيميڠامي آيسا. كيف تختلف عني في هذا؟»

في الصميم. طعنته هذه الكلمات عميقاً في الصميم.

مع تلك الكلمات، دمر روحًا حاولت بشدة النضال، حتى بعِلْمِهِ بُطْلانها.

ومع ذلك...

«هذا ليس صحيحًا. هذا الشخص لم يعرف حتى ما يعنيه ديب بلود. كما أنه لم يعرف حقيقة مصاصي الدماء. هذا الشخص جاء فقط... أراد أن ينقذ شخصًا آخر قابله اليوم وحسب. لم نتعارف حتى، ولكنه ما استطاع تركي.»

الذي تَوَسّل للخيميائي لم يكن كاميجو بل هيميڠامي.

فتحت ذراعيها عريضة كأنما هي درعٌ تحجبه من كلمات أوريولس.

«أوريولس إزارد. ما هو هدفك؟»

ارتعشت حواجب أوريولس بالكاد عند كلمات هيميڠامي.

«ليس بساحرٍ ولا خيميائي. قد أقحمت عاديًا في أمورك، فهل هدفك معاقبته جورًا والترضي بموته؟»

«...»

«إن كان هدفك بمثل هذه التفاهة، فسوف أغادر. لن آمل في هزيمتك، ولكن لي أن أختار عض لساني وأُنهي حياتي.»

«...»

«لا أريد قتل المزيد من مصاصي الدماء. أنت ضرورةٌ لهدفي. فلو قُلتَ أنك لن تعطيني عَوْناً، فلا عيش لي بعد الآن. فهيّا، ما خيارك؟ أتعيش دون عَوْني؟»

كانت عينا هيميڠامي كالصخرة.

بنظرها الصريح والثابت، أبدتها تبدو كسيّدة هذه القلعة.

أخرج أوريولس إبرة أخرى من جيبه وطعنها في قفاه.

«إنه بَيِّن. ما لي وقتٌ أضيعه في مكان كهذا،» أجاب الخيميائي بلا اهتمام. «عندي شغلٌ أهم، ينبغي علي التركيز على التعامل مع فهرس الكتب المحظورة بدل هذا الغريب. سيكون أسهل علي أن أسحقها، ولكن بصراحة، لن أتعود علىٰ كيف أُعامِلُ ذلك الشيء مهما مَرّ من الوقت.»

كان حديث أوريولس عابراً، لكن كاميجو شَهَقَ علىٰ سماعه.

...مهلا. إندِكس... فهرس الكتب المحظورة؟ أيعقل أن هذا الرجل...؟!

حاول كاميجو الإمساك بأوريولس في محاولة يائسة لتغيير الوضع. لكنه ما تقدّم مقدار شعرة. ورفع الخيميائي يده، بعد أن أسقطها، مرة ثانية مُشيرًا إلىٰ الفتى.

أخذت هيميڠامي خطوة نحو أوريولس تتحداه، لكن الخيميائي استمر مُكْمِلاً حديثه بلا شعور:

«لا تخافي. لستُ قاتله.» أزال الإبرة من رقبته. «يا فتى، كل ما حدث هنا—»

اللعنة، ليست بنكتةٍ حتى! لا يمكنني الخسارة الآن! ليس هكذا!

لكن الخيميائي ابتسم خفيفاً، كأنه يقرأ أفكاره، وأردف:

«—انسىٰ كل شيء.»

الجزء 3

كان الآن الليل يَلُفّه.

«؟»

قام كاميجو من مقعده ونظر حوله. مقعد؟ عندما تمعن المشهد، أدرك أنه داخل حافلة مدرسية. نظر إلى خريطة الطريق، فوجدها لن تتجه إلىٰ مكانٍ قريب من مسكنه. تبع الخط إلى اسم المحطة السابقة. رأى جملة "المنطقة المدرسية السابعة – أمام مدرسة ميساوا التحضيرية" مكتوبة عليها.

عمومًا، تماشى موعد آخر القطارات والحافلات في المدينة الأكاديمية مع حظر التجوال، في تمام السادسة والنصف مساءً. كان من غير المعتاد أن ترىٰ حافلة في عزّ الليل هكذا. ربما كانت حافلة خاصة أعدتها المدرسة التحضيرية.

«مدرسة ميساوا؟»

أمالَ كاميجو رأسه. أذلك اسم مدرسةٍ تحضيرية؟ لما نمت في مكان مثل هذا؟ فكر. ما أتته فكرة. ما كان ليذهب أبدًا إلى مدرسة تحضيرية أصلاً. فقد كان كاميجو توما–لم يكن "مُتناسبًا" مع الواجبات المنزلية في إجازة الصيف، فضلاً عن المذاكرة للاختبارات.

للحظة، ظهرت كلمة "فقدان الذاكرة" في عقله، مما أعطته قشعريرة. اعتقد في البداية أن ذكرياته عن الماضي قد اختفت، لكن بهذا ربما كان الوضع أكثر جدّية.

«...سأذهب إلىٰ المُستشفى،» قال لنفسه، وقرر النزول من الحافلة التي كانت وجهتها مجهولة. سيرىٰ إلىٰ أين يأخذه نزوله في أقرب محطة، لكنه لم يتعرف بعد على أي من الأحياء.

كانت قدرته على التوازن جيدة، ولم تزعجه أي رغبات غريبة في النوم. بدا أنه معافى من نظرة، ولكن وجود فجوة كبيرة في ذكرياته خلال الساعات الأخيرة تعني أن عليه بالتأكيد أن يذهب إلى المستشفى ويُجري فحصًا دقيقا.

مما يعني أنني أحتاج بطاقتي التأمين، وعلي العودة إلى السكن أولاً... لا، لحظة، هل لا يزال المستشفى يستقبل المرضى في هذا الوقت؟ حسناً، هذه حالة طارئة، أوه، لكن كيف سأفسر لإندِكس؟ أكيد أنها ستظن شيئاً إذا علمت أنني ذهبت فجأة إلى المستشفى. أيضًا، ربما غضبت كثيراً لأنها لم تتعشى...

عقله كان في فوضى، ولكنه قرر أن يعود إلى مسكنه الطلابي حاليًا. لن تمر حافلات هذه المحطة بالقرب من مسكنه. أبو حظي العفن، فكر في نفسه، عندما...

...استدار فجأة، وحسّ كأن شيئًا ما قد ناداه... في اتجاه مدرسة ميساوا.

«؟»

راحَ كاميجو يميل رأسه مستغربًا. غريب. وكأني نسيت شيئًا مهمًا. كان شعوراً بالخطر لا رجعة منه، كما لو أنه غادر يقضي عطلته ولكنه نسيَ أن يغلق الغاز. كان خلف رأسه وكأنه يحترق ببطء. لكن لماذا؟ فكر كاميجو بهذا وفي مدرسة ميساوا البعيدة عن البصر.

«حسنًا، إذا لم أتذكر، فلم يكن شيئاً يستحق الذكر»، قالها مستأنفاً سيره.

ما قد أكل منذ فترة، لكنه ما استطاع أن ينتقم لنفسه لأجل الطعام. (حاليًا، عليّ أن أجد طريقة اهدئ بها أعصاب إندِكس. ربما باستخدام إحدىٰ تلك الحلويات من بيت الكوروميتسو التي تكلف سبعمئة ين للقطعة أو مثل ذا.) ضربته التكلفة غير المتوقعة. (اللعنة، لماذا اشتريت تلك المُذكرة الغبية أم ثلاثة آلاف وستمئة ين؟) فكر وتنهد وحَك رأسه بصوتٍ عال.

...بيده اليمنى، التي يمكن أن تُلغي كل القوىٰ الخارقة، حتى المعجزات.

جاءَت أحداثُ اليوم تهبُّ في عقله بصوتٍ كصوتِ تشقُّقِ الجمجمة.

«...!»

استدار كاميجو في هلع ونظر.

قد حلّ الليل على المدينة. ربما كان لأنه علىٰ بُعد محطة حافلة واحدة، لكنه لم يستطع حتى أن يرىٰ مدرسة ميساوا التحضيرية من هنا. كم من ساعةٍ مرّت منذ ذلك الحين؟ ما كان ستيل موجودًا. ولم تكن هيميڠامي هنا أيضًا، ولا أوريولس. ولم تكن إندكس.

‹‹انسىٰ كل شيء.›› بهذه الكلمات وحدها، فعلاً أوريولس أنساهُ كل شيء حصل. أنساه مدرسة ميساوا، التي صارت الآن ساحة معركة؛ أنساه هيميڠامي؛ التي اختطفها أوريولس، و... لقوله شيئاً يخص فهرس الكتب المحظورة، عن إندِكس.

«لعنة!»

ما عرف ما حدث خلال تلك الساعات القليلة. لا يزال ستيل في المدرسة وحيدًا – أكان بخير؟ مع كل تلك الأفكار تتراقص في رأسه، ركض نحو المدرسة.

مرتبكًا للغاية وراكضاً بأقصى سِعته، لم يلحظ في البداية. حقيقة أنه لم يرىٰ أحدًا، على أنه كان يجري بأسرع ما يمكن... وإلىٰ حقيقة أنه لم يجد أحدًا يُعيق مسار ركضه في المقام الأول... وإلىٰ الشذوذ في خِليان منطقة التسوق في المدينة الأكاديمية، وإن كانت الساعة ليلاً.

...ماذا؟

عندما أدرك كاميجو أخيرًا مدىٰ غرابة ذلك، كان بصره مُصَوّباً نحو مباني مدرسة ميساوا التحضيرية، الواصلة أعالي السماء.

كان في وسط المدينة، ولكن الفضاء كان خاليًا من وجود البشر. تعرّف على هذا الشعور الغريب في غير محله. كان كنفْسِ الإحساس الذي اِعتراه عندما وضع ستيل حاجز [أوبيلا] ظُهْرَ هذا اليوم.

ولكن هذه المرة، لم يكن وكأن لا أحد هنا.

في تطورٍ أغرب في القصة، وَجَدَ مجموعةً صغيرة من الناس يُحيطون بالمدرسة.

...ما الذي؟

توقف كاميجو وألقى نظرة خلفه. وجد هناك واحدًا يقف بعيدًا عنه قليلاً. لم يكن حتى يعرف ما إذا كان ذكرًا أم أنثى؛ كان يرتدي درعًا فضيًا ناصعًا، من رأسه إلى أخمص قدميه.

ما رأىٰ مارة في المنطقة. جعل ذلك من الغرابة تبرز أكثر. من موضعه هنا، رأىٰ هناك ثلاثة من أولئك المُدَرّعين، وإذا كانوا في الواقع يُريدون أن يحيطوا مباني مدرسة ميساوا الأربعة، فلابد أن هناك الكثير أكثر من هؤلاء.

...ما هذا؟ أولئك يلبسون لباسًا غريبا... هُم من الكنيسة؟

فكّر أنه سيتحدث إلىٰ أحد أولئك المُدرعين أولاً. ربما تغيّرت الحالة نوعًا ما بينما كان يتجول بدون أي ذكريات.

«يا ناس، ما الذي يحدث؟ أنتم أتباع الكنيسة أو ما شابه؟»

سأل متذكرًا فجأة الفارس الذي توفي قرب المصاعد.

انتاب إحدىٰ المدرعين الذي يشبه تلك الجثة ارتباكٌ عند كلمة "الكنيسة".

«–أُدعىٰ ڥيتوريو كَسِرىٰ، [3] أحد اللانسلوت من الفرسان الثلاثة عشر للكنيسة الرومانية الكاثوليكية.» إن قُلنا، فقد بدا مُضطربًا. «همف. أنت ذاك المدني الذي غادر منطقة الحرب صُدفةً. رأيناك وأنت تغادر ذلك الحصن. رأينا عندك حظاً حسنًا لنجاتك. إذا لم تُرِد الموت، فابتعد على الفور.»

ما الذي يهذي به هذا الأحمق؟ فكّر، وهو يتمعن الدرع بعناية شديدة.

«قلنا إننا لا نرغب في التسبب في وفيات غير ضرورية. ولقد حكمنا أنه لا حاجة لتوسيع الخسائر بدون مغزىٰ، ولو كنا سننفّذ الآن قَصْفاً صَلواتي باستخدام الجوقة الغريغورية.»

كان كاميجو مندهشًا.

الجوقة الغريغورية كانت شيئاً استُخدِمَ داخل مدرسة ميساوا، وفُعِّلَت باستخدام عددٍ هائلٍ من الطلاب. وفقًا لستيل، كان منشأها في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.

‹‹–كان في الأصل السلاح النهائي للكنيسة الرومانية الكاثوليكيّة. بها يَجمَعون ثلاثة آلاف وثلاثمئة وثلاثة وثلاثون راهبًا في معبدٍ ما ويُوَحِّدون صلواتهم لتعويذةٍ ضخمة. كل ذلك يُفَجِّر القوّة السحرية لتتضخم هائلاً، كمثل تركيز ضوء الشمس بعدسةٍ مكبرة.››

طافت كلمات ستيل من جديد في خلفية عقله. لو كانت تلك التي اختبروها نسخةً زائفة، فماذا عن قوّة النسخة الأصلية؟

«قصف... هذا جنون! كم تبلغ قوته؟! ستُجرفون جميعًا فقط بقربكم؟! لا يمكنكم تفجير المبنى بأكمله ببساطة!»

«هذا بالضبط ما سنفعله. فقد حَضّرنا فنّنا الإلهي في كاتدرائية الفاتيكان الكبيرة، أعلىٰ أرض مقدسة في العالم، باستخدام صلوات ثلاثة آلاف وثلاثمئة وثلاثة وثلاثون فردا. يمكنها تحويل أي منطقة على كوكب الأرض بدقةٍ إلىٰ رماد. وإن ترك برج ذلك الزنديق سليمًا سيؤثر بالتأكيد علىٰ كرامتنا.»

«هذه... خبالة. مهلا، في ذاك المبنى طلاب أبرياء! ستيل وهيميڠامي، ربما لا يزالون في الداخل، وحتى أوريولس»

––يبدو أن أوريولس يريد فقط استدعاء مصاصي الدماء لينقذ أحدًا.

«وإذا فجرتم ذلك المبنى الضخم، فأين بظنكم أن الحطام سيطير؟! ستطير أجزاءٌ كبيرة من ذاك الشيء الذي يبلغ نصف قطره الـ 600 متر مثل كرات المدفع!»

«غايتنا تبرر الوسيلة. اعتبر الدم المسفوك اليوم عتبةً تبني المستقبل.»

دفعت تلك الكلمات بالكاد كاميجو إلى الحافة.

ما قاله قبل لحظة وما بعدها كانا مختلفين تمامًا. قالوا للمدني كاميجو أن يهرب لئلا يتضرر في ذلك، وكذلك قالوا أنهم لا يهتمون بأي نفسٍ سوف يزهقونها داخل مدرسة ميساوا. لم يستوي الاثنين بالمرة.

«أنتم مجانين! أحد رفاقكم داخل ذلك المبنى!»

«...لقد اُستُشهِد برسيڥال في أرضٍ أجنبية وعسى لدمائه أن تصير صخرة يُبنى عليها الغد.»

تذكر كاميجو الفارس الميت بالقرب من المصاعد.

كانت كلمات هذا الملثم بالدروع متزعزعة ومليئة بالجنون. فقد كل قدرته على التفكير بمنطق.

«تبّاً لكم، لا تستعجلوا! أمهلوني وقتاً! ساعة – لا، ثلاثين دقيقة تكفي!»

«لن أسمع كلامك! ابدأوا القصف––!!»

رفع الفارس الذي ادّعىٰ نفسه لانسلوت سيفه الطويل نحو السماء. أضاء بأحمرٍ باهت. وقد كان أشبه بالهوائي نوعًا ما. [4]

رفع الرجل المدرع السيف "الهوائي" قبل أن ينقض كاميجو عليه.

«قراءة من رؤية يُوحَنّا، الفصل الثامن، البيت السابع––»

كأنه إشارة لشيء.

«––أَعيدوا صَوْتَ الْمَلاكِ الأوّلِ النافخ في البوق!»

لم يعرف ما إذا كان ذلك تأثيرًا للسحر، لكن السيف اللامع أصدر صوتاً يشبه صوت البوق في سماء الليل...

فجأة، اختفت كل الأصوات.

بدا أن السحب الرقيقة الطافية في سماء الليل قد تفجرت تمامًا.

للآخرين، ربما بدت وكأنها صاعقة عملاقة. كان عمود ضخم من الضوء ينزل من السماء إلىٰ العالم أدناه. لكن الصاعقة كانت حمراء كالدم. مئات، إن لم تكن آلاف السهام الحمراء جُمِعَت كلها معًا لتُشكّل رمحًا واحدًا ضخمًا. وفي لحظة، اخترقت إحدى مباني مدرسة ميساوا الأربعة.

ضرب الرمح المقدس القرمزي من السقف إلى القبو في لمح البصر.

تمامًا كأنك تدوس على علبةٍ فارغة، انسحق المبنى إلى نصف ارتفاعه الأصلي تقريبًا علىٰ الفور. انكسر كل زجاجه، وخرجت دواخله من النوافذ.

لم يتوقف الانفجار. لقد تعرض مبنى واحد فقط للضربة، لكنه كان متصلًا بالمباني المجاورة عبر الممرات العلوية. جذب المبنى الأول الاثنين المجاورين إلىٰ الأسفل بالجسور التي تربطهم، مما أجبرهم على الانهيار. بقي المبنى الأخير واقفًا كشاهد قبر.

خرس كاميجو من الجنون الذي شَهِده.

وكان الناس يسقطون في كل مرة ظهر فيها شق جديد عبر جدران المبنى، كما لو كان شخصًا يهز الرمل من ملابسه الداخلية على الشاطئ. ولم ينتهي الأمر هنا. أمطرت أطنان من الحطام كالنيازك، مدمرة حتى بعض الهياكل المجاورة. كان الحُسن الوحيد هو أنه لم يكن هناك أحد بسبب حقل تصفية الناس، أوبيلا.

«وَيلكم، هذا جنون...»

صرّ كاميجو أسنانه. كان ستيل في داخل المبنى، وهيميڠامي في داخله، والعديد من الطلاب والمعلمين، وأوريولس، وحتى إندِكس قد يكونوا في داخله.

«أيها المخبولين الملاعين!!»

انطلق كاميجو راكضاً. ليس نحو الرجل المدرع – ما عنده وقت يضيعه في شيء كهذا. انطلق مباشرة نحو موقع القصف.

هبّة عاصفة من الجزيئات الدقيقة عليه كأنها تعيق طريقه. لم يستطع أن يرىٰ أمامه. ينبغي له ألا يفتح عينيه. لكنه ما زال يركض، مُعتقدًا أن الواقع الذي يواجهه كان نكتة ما.

ولكن فجأة، حدث تغيير.

«؟»

أول شيء شعر به كاميجو هو أن جسيمات المباني التي تعيق رؤيته تُسحب إلىٰ الوراء. بدأت عاصفة المادة الجزيئية في التدفق إلىٰ حيث كانت – مباشرة نحو المدرسة المدمرة.

«؟!»

لا – ما انحصرت في الجزيئات وحسب. طفت الشظايا التي أُلقيت في كل مكان في الهواء، وارتفعت الجدران المنهارة. تشابكت القطع المنتشرة معًا كأنها لعبة تركيب الأحجية، وبدأت أضرارها تُغلَق كأنها تصلحت بمغرفة وطين.

بدا المشهد كأنك ترىٰ فِديو بالمعكوس. رفع المبنى الساقط نفسه. بدأ الناس الذين طُرِدوا وسقطوا يُسحبون مرة ثانية إلىٰ الشقوق، وبدأت أضرار المبنى تتصلح أيضًا. وما عرفه تاليًا، وَجَدَ مباني مدرسة ميساوا الأربعة تقف هناك مرة أخرى كما لو لم يحدث شيء. حتى المباني المجاورة التي دمرتها شظايا المدفع الطائش قد عادت. كان ذلك كافيًا لجعله يظن أن حتى محتويات ذكرياته قد تغيّرت.

لحظة.

إرجاع... هذا يعني...؟! فكر كاميجو.

نظر كاميجو إلى السماء المظلمة، وفي تلك اللحظة، أُطلِقَ رمحٌ مقدسٌ أحمر اللون مِن سقف المدرسة كأنه يخترق السماء. كان من الواضح أين ذهبت. أُرجِعَت إلى صانعها كما البقية.

«أ-اه...»

نظر فجأة إلى جانبه ورأى صاحب الصوت المذهول، الرجل الملثم بالدروع. كان علىٰ الأرض، ساقطاً علىٰ ساقيه. أكان ذلك لأنه كان يعي قوّة الجوقة الغريغورية الحقيقية؟

ما هذا؟ فكر كاميجو ناظرًا بصمت إلى سماء الليل. حتى أصحاب المستوى 5 السبعة في مدينة الأكاديمية لن يستطعوا تحقيق معجزةٍ سخيفة كهذه.

هذا...هو العدو.

أوريولس إزارد.

هذه...قوته الحقيقية...

كيف يقاتل أحدًا بهذه السخافة؟ خارت الكلمات كاميجو.

«اللعنة!»

ركض كاميجو نحو مدرسة ميساوا للآن، كما لو كان يحاول التخلص من الخوف.

عندما وصل إلى الأبواب الزجاجية التلقائية، تجمد مذهولاً.

ما رآهُ في الجانب الآخر للزجاج الرقيق كان طبيعيًا، ولم يرىٰ أي أثرٍ للدمار.

بذعرٍ، عبر الباب وعاد إلى ساحة المعركة.

داخل المدرسة، وَجَد كل شيء كالمعتاد، لكن حقيقة أنه لم يتغير شيء تقريبًا جعل شعر كاميجو يقف. وما كان هذا كُلّها. وَجَدَ الطلاب في الداخل بخيرٍ يدرسون كالمعتاد. كان الأمر كما لو أن كل شيء، بما في ذلك أنهم جُرِحوا بالنسخة الغريغورية وذُوِّبوا في بركة من الذهب بواسطة لِمِن ماڠنا، قد أُرجِعَ عنه.

بينما كان يركض عبر إحدى الفصول الدراسية، لفت نظره شيء وتوقف.

هذا...!

وَجَدَ طالبة تجلس آخر الفصل الواسع. تعرّف عليها. كان لها ضفائر ونظارات – هي التي دَرَعت هيميڠامي وذابت بواسطة لِمِن ماڠنا أوريولس المزيف.

هناك كانت.

تنسخ الملاحظات من السبورة، وتفرك عينيها النعسة، وتتكئ على يدها.

هناك كانت.

تعيش في عالم طبيعي تمامًا، كما لو لم يحدث شيء أبدًا.

«...!»

كان المشهد مسالمًا بشكل لا يصدق، لكنه بدلاً من ذلك ملأ كاميجو بالرعب. إذا دخل في سحر أوريولس، فإن كل شيء سيُعاد بهذه السهولة – الحياة والموت، الحظ والنحس، العادي والشاذ.

وحاليًا، راحَ يركض عبر المبنى. أراد التأكد من سلامة الجميع بأسرع ما يمكن.

لم يعرف أين يركض أو ما مدىٰ بعده.

وجد أخيرًا وجهًا مألوفًا عندما خرج إلى ممر مستقيم في أحد الطوابق.

«ما بك؟ تبدو مرتعبًا.»

كانت صوت ستَيْل ماغنوس، الذي تخلّى عنه، ثم استخدمه طُعمًا، لكن بابتسامة لا مبالية على وجهه. كان يجب أن يكرهه كاميجو، لكن في تلك اللحظة، أعطته هذه الابتسامة الطمأنينة أكثر من أي شيء آخر.

«هممم. إذا كنت هنا، فهذا يعني –– أنني بالتأكيد في اليابان، صح؟ وأرىٰ آسيويون في كل مكان، نعم يبدو منطقيًا، ما الذي يحدث؟ هذا البناء الغريب... أتذكر رائحة هذا السحر، ولكن...»

استمر ستيل مُثرثراً لنفسه متجاهلاً كاميجو أمامه. بدا أن ذكرياته قد مُحِيَت أيضًا، تمامًا ككاميجو. مهلا، ليس تمامًا مثله. لم يعرف لماذا كان في مدرسة ميساوا، وهذا يعني أن ذكريات ستيل قد مُحِيَت أبعد من هذا بكثير.

عليه فقط أن يلمس رأس ستيل بيده اليمنى ليُعيد له الذكرىٰ. ولكن عندما فكر في ذلك، شعر فجأة بالقلق. ألن يمحوا الإماجين بريكر حقيقة أن السّٰاحِر "عاد للحياة" من بعد ذلك القصف؟

عندما أمره أوريولس ألّا يقترب، لم تعمل يده اليمنى على الإطلاق. ومع وجود حياةٍ على المحك، لا يمكنه أن يتخذ أي مجال للمخاطرة.

«اسمع، في أي من هذه المباني كنتَ حتى الآن؟»

«ماذا؟»

«قُل!»

«؟؟؟ المبنى الشمالي، على الأرجح. لماذا؟»

أطلق كاميجو تنهد الصعداء. المبنى الشمالي. انهارت ثلاثة من المباني الأربعة، لكن المبنى الشمالي استمر شامخًا هناك كأنه شاهد قبر. لم يُحيىٰ ستيل في المقام الأول.

الآن ما إن علم هذا، كانت الأمور بسيطة.

«اسمع يا ستيل، سأُعلمك صلاةً خاصة تتخلص بها من جميع مشاكلك.»

«أعتقد أن كانزاكي هي المتخصصة في التعويذات الشرقية، لكن طبعًا لما لا.»

«اسمعني وكفى. هي بسيطة، فقط أغلق عينيك وأخرج لسانك.»

«؟؟؟» على أنه شك، إلا أن ستيل فعل ما قيل له.

ومن ثم، أعلن كاميجو: «مبارك عليك! هذه هديتك لأنك تركتني طعمًا ونحشت يا ملعون!!»

«...ها؟»

فور ذلك، لَكَمَ كاميجو لكمةً علوية قوية بيمينه إلى ذقن ستيل، فرفعه للأعلىٰ قليلاً.

استعاد ستيل ماغنوس ذكرياته حينها، وعض لسانه، وسقط على الأرض.

الجزء 4

وَقَف أوريولس لبعض الوقت في الطابق العلوي من المبنى الشمالي.

كان لهذا الطابق العلوي مساحةٌ عملاقة تستخدم كامل مستوى الطابق، ويُطلق عليها "مكتب المدير". ربما بسبب كون المكان مدرسة تحضيرية، إلا أن انطباعه كان أقرب إلىٰ مكتب الرئيس من المدير.

لم يكن أوريولس يوجه نظرته إلى الأثاث الباذخ.

بل كان يحدق من خلال النافذة بظهره إلىٰ الغرفة المتلألئة، ولكنه لم يكن ينظر أيضًا إلى المشهد الليلي الممتد تحته.

كان يحدق في وجهه المُنعكس في الزجاج.

...يا للبغتة، أنّ عليهم السَير إلىٰ هنا من بُعدِهم هناك.

فَكّر وهو يحدق في وجهه، الذي لم يجفن حتى عندما رأىٰ ارتفاع المباني وتحركها كأنها مخلوقات حية بسبب عبارته الواحدة – حقّاً بكلمةٍ واحدة: "ارجعوا".

نفسي القديمة لم تكن هكذا، كما فكّر.

كان من لنوع الذي يواجه صعوبة في التعبير عن مشاعره، لكنه اعتقد أنه كان يومًا إنسانًا قادرًا على التعبير عن كل شيء من الفرح إلىٰ الغضب، ومن الحزن إلى السرور.

لم يتحرك جلد وجهه بمقدار ذرة، ولم يتزعزع ضوء عينيه بمقدار ملّيمتر؛ لم يكن ذلك بسبب السكينة أو التجانس، ولكن ببساطة لأنه ما حَمَلَ مرونة خلق التعبيرات.

حتى ذلك لا يهمني، فكر أوريولس.

سيُحقق مهمته ولو احترق العالم في حربٍ لا تنتهي، ولو تعرضت مشاعره للتآكل. فهو يفهم ذلك.

أوريولس إزارد يريد فقط أن ينقذ فتاةً واحدة.

وراءه كان هناك مكتب كبير مصنوع من خشب الأبنوس، وعليه فتاة تنام في نومٍ عميق.

فِهْرِسُ الْكُتُبِ الْمَحْظُورَة – إندِكس لَيْبرورُم برُهِبِتورُم. (اسمها اللاتيني*)

لقد مضت ثلاث سنوات منذ التقىٰ الفتاة، التي لم تُعطىٰ حتى الحد الأدنى من متطلبات الإنسان: اِسْمٌ.

أوريولس إزارد كان الكانسِلَريوس في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.

كان استثناءً بين الاستثناءات، كونه من كُتّاب كُتُبِ الجريموار ومع ذلك ينتمي إلى الكنيسة. كان يكتب كتبًا يفضح فيها طرق السّٰاحِرات الشريرات، يأتي بطرقٍ للتعامل معهم، يخلقها كلمات، ويصنعها كتاب – لطالما اعتقد أن أعماله ستحمي الأبرياء من تهديد السّٰاحِرات.

كتب الجريموار التي سجّلها وصاغها أوريولس في الواقع أنقذت الكثير.

ومع ذلك، صنعت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية منها أوراق لعب. اختزلوها لمن كان صَليبيّاً، بل إنهم لم يُعلموا كُلّ من كان صليبيّاً؛ كأولئك في الكنيسة الأنجليكانية أو الأرثوذكسية الروسية. أعلنوا ضِمنياً أنه إذا رغبوا في الخلاص من تهديد الساحرات، فإن عليهم اعتناق مذهبهم.

نتيجة لذلك، سقط العديد في أيدي الساحرات رغم إتيان الخيميائي بالحلول.

كان ذلك غير معقول. كأنك ترىٰ مريضك يموت وأنتَ عاجزٌ عن إعطائه أبسط العلاج.

وَجد أوريولس نفسه ساخِطًا. كان يؤمن بأن الورق الذي ابتكره سينقذ الجميع.

ما لبث حتى قرر إخراج إحدى الكتب التي كتبها خارج حدود الكنيسة.

كانت إنجلترا، التي تسببت فيها الساحرات أضراراً كافية لتُسَمّىٰ "أرض السحر". بأقصى حذر، ألبَسَ نفسه بطبقتين أو ثلاث من "التمويه" ونجح في إقامة اتصال سري مع أفراد الكنيسة الأنجليكانية.

هناك اكتشف جحيماً –– في شكل فتاة لن تُخلص أبدًا.

عرف ذلك من نظرة. لم تستغرق الخيميائي الذي أراد نجاة العالم سوىٰ نظرة واحدة لأن يدرك بُعْد الخلاص عن هذه الفتاة، حتى لو أنقذ كل شيء آخر.

حَمَلت الفتاة مئة وثلاثة آلاف كتابًا سحريًا -جريموار- من مختلف أنحاء العالم. يمكن لأحد هذه الأعمال الشريرة أن يجعل العادي مجنوناً، وهي تحفظها بعدد نجوم السماء – علىٰ أنها كانت تدرك أنها لن تعرف الخلاص، إلا أنها لا تزال تبتسم ابتسامة فتاة صغيرة.

في الواقع، لم يُمكن حقّاً إنقاذ الفتاة. ما اقتدر الإنسان كفاية أن يحمل مئة وثلاثة آلاف جريموار. انتُهِك جسدها بمعرفتهم السّامة، واقتُحِمَ عقلها بأفكارهم السام.

كان الوضع سيئاً لدرجة أن علىٰ ذكرياتها المحو سنويًا لتتنظف من تلك السموم.

هنا حيث شَهَدَ الخيميائي نهاية حلمه.

لكن ابتسامتها للغير لم تفارقها، علىٰ أنهم من كانوا يَشْقونها.

الخيميائي بدأ يكتب كتب الجريموار من أجل إنقاذ هذه الفتاة فقط، واثقاً مُستمرًا بأن كتبه ستنقذ العالم كله، دون استثناء. في كل مرة ينتهي فيها من كتابة واحد، يذهب بها إلى الكنيسة الأنجليكانية. وحتى لو انتهى عشرة أو عشرون منها بالفشل، لم يستسلم أوريولس أبدًا، وما زال يواصل كتابتها.

في نقطة ما بعد أن نسي عدد الجريموارات التي أتمها، أخذ أوريولس لحظةً يفكر في لماذا لم تُكسر إرادته أبدًا ولماذا استمر في الكتابة.

ومن ذلك، أدرك شيئًا أخيرًا.

منذ التقاها أوّل مرة، اعتبرها ما وراء الخلاص. "توفير كتب الجريموار" كان مجرد تبرير لعدم استسلامه –– الحقيقة هي أنه أراد فقط رؤيتها.

كانت حقّاً قِصّةً عادية.

كانت رغبة الخيميائي إنقاذها، وبدلاً من ذلك، هي أنقذته.

عندما علم ذلك، كانت النهاية قريبة. ما عاد أوريولس قادرًا على حَمْلِ القلم. الآن بعد أن أدرك عجزه عن إنقاذ نَفْسٍ واحدة، تدمرت هِمّتُه وثِقتُه تمامًا.

لن تُنقذ، لن تُنقذ – لن ينقذ أحدٌ بهذه الطرق.

إن كان لا يزال راغبًا في خلاص هذه الفتاة، فإن دربه الوحيد كان السقوط من النعيم.

كان لديه سببٌ واحد فقط لسقوطه.

إذا كان الرب قادرًا علىٰ خلاص الناس كافة، فلماذا لا تُخلص الفتاة أمامه؟

بهذا، صنع أوريولس إزارد من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، ومن الصليبية، ومن العالم كافة عدوًا. حتى بذلك، لم تُخَلّص البتة. تعمق في مدرسة الخِمياء في زيوريخ، وهي نوع من الهرمسية. وحتى ذلك الحين، لم تُخَلّص أبدًا. جاء إلىٰ اعتقاد أنه من خلال فك تشفير الجسم البشري كاملاً، سيمكنه شفاء أي مرض. كان يعتقد أنه إذا استكشف العقل البشري كاملاً، سيمكنه شفاء أيّ روح. حتى ذلك، لم تُخَلّص مُطلقاً.

كانت وحدها. لا للإيمان ولا للتكنولوجيا أن يُخلّصاها بعد الآن.

وهذا هو السبب في أنه فكر...

ما الغلط في الاعتماد على قوّة ذرية قابيل، الذين انحرفوا عن مسار الإنسان؟

سيخون أيّاً لهدفه. سيستخدم أيّاً لتحقيقه. وسيُخضع حتى ديب بلود بيديه.

هكذا سار الخيميائي في دربه مُستقيم. ما ترك وراءه كان حطامًا مأساوي لرجلٍ يتمنى خلاص الآخرين فوق خلاصه الشخصي.

«...»

ومع ذلك، كان هناك شيءٌ واحد لم يدركه أوريولس إزارد.

التي تنظر إليه من الخلف صامتة – الفتاة ذاتُ المُسَمّىٰ ديب بلود – كانت هنا أيضًا لأنها أرادت مساعدة أحدٍ ما.

الخلاص كان بعيدًا.

ولا تزال علامات قدوم المسيح بعيدًا.

«أوريولس عكس جوقةً غريغورية حقيقية للكنيسة الرومانية الكاثوليكية...؟ هذا مستحيل!»

بعد أن انتهىٰ من مطاردة كاميجو حاملاً سيف اللهب، كان ستيل مذهولًا بما قاله الفتى.

«لا، كُلّي صدق. عادت المباني المتهالكة كأني أرىٰ مقطع فيديو مُعاد،» أجاب كاميجو مسرعًا عبر القاعة.

يبدو أن ستيل تمكن من استكشاف هذا المكان بعمق أكبر من كاميجو. على ما يبدو، بعد أن حدّد مقر أوريولس، مسح الأخير ذاكرته، وكان يتجول هائمًا في المبنى منذ ذلك الحين.

«...هذا يعني... ولكن هذا مستحيل بالنسبة للخِمياء الحالية...،» قائلاً ستيل مُنزعجًا، وزفر دخانًا من سجارته.

«قال أشياء مثل "لا تقترب" و "انسى كل شيء". ماذا، أمثل هذه الأشياء الجنونية تراها في كل مكان في عالم السحر أم ماذا؟»

«...بالطبع لا. السِّحْرُ مجالٌ أكاديمي – هو عالَمٌ يرتكز بشكلٍ متين على النظريات والقواعد. إن كان هناك ما يُخالف هذه القواعد، فسيكون أمرًا سخيفًا تمامًا، ولن يزعج أحدٌ نفسه بدراسة السحر.»

«إذن ما هذا؟ يقول كلمة فيتغير العالم كما أراد.»

«كما أراد... همم. لا أحب وقعها. إنه يذكرني بـ أرس ماڠنا.»

رفع كاميجو حاجبًا بسماعه يُردد "كما أراد" بغرابة، لكنه ثم تذكر.

قوة تشويه العالم إلىٰ ما تريد – كان الهدف النهائي للخِمياء، ولم ينجح أحدٌ في تحقيقها بعد. ألم يشرح له ستيل ذلك من قبل؟

«مهلاً. أفهم من هذا أنه استطاع السيطرة على الخِمياء؟!»

«هذا ما هو بالمنطقي!» رد ستيل بخشونة غير معتادة. «شرحت من قبل أن هذه الأرس ماڠنا ليست تقنيةً يُمكن للبشر تنفيذها. علىٰ أن التعزيمة نفسها كاملة، فإن مئة أو مئتين سنة لن تكفي في قرائتها، حتى لو نسينا النوم والراحة. ما من فائضٍ أو زائدٍ نزيله حتى نُقصّر المدة، وإذا حاولت تمرير العمل من الأب إلىٰ الابن إلىٰ الحفيد، فإن المراسم الطقسية بذاتها ستكون فوضوية كلعبة الهاتف. لذا، لا يمكن لإنسانٍ بعمرٍ محدود استخدام ذلك السحر!»

لو أنّ كاميجو درس السحر، لربما بدت حُجج ستيل منطقية تماماً.

ولكن كان صوت الساحر يرتجف – بالكاد كأنه كان شاهدًا على شيءٍ لا يُصدق.

«...أه، ربما.» حاول كاميجو النظر إلى الأمر من زاوية مختلفة. «إذا كان يمكنه تغيير العالم حسب ما يراه، فإنه من الغريب أننا ما زلنا أحياءً أوّل المقام، صح؟ لو أنه تخيّل موتنا، لكانت هذه النهاية. لم يكن مُحتاجًا إلى تلك النسخة من الجوقة الغريغورية أو لذلك المزيف أو أي شيء آخر.»

لن يحتاج إلى مصاصي الدماء أو ديب بلود من الأساس. إذا كان، فيمكنه ببساطة صنعهم بنفسه. وإذا كان يستطيع تغيير العالم إلىٰ ما يريده، فيمكنه ترك مصاصي الدماء تمامًا ويُحَقّق رغبته بنفسِهِ وقُوّته.

«لكن يا له من رجل، ماذا يحاول فعله؟ يريد إنقاذ أحدٍ ما، ولكنه ببساطة يقتل الآخرين بشكلٍ عابر، وفجأة تورطت إندِكس في هذا... أتساءل إذا كان كل هذا الضغط الفجائي أفقده عقله.»

«ماذا، تلك الفتاة؟»

«سمعته يذكرها بين حديثه. لم أرها فعليًا. ربما كان صارَ يهذي،» أجاب كاميجو بخفة ليطمئنه – وليطمئن نفسه.

ومع ذلك، شَحُب وجه ستيل أكثر حتى من حين كانوا يناقشون الخيميائي. أخرج سيجارته كما لو دَنُئ طَعْمُها.

«اللعنة، فهمت الآن. بما أنك اعتزلت الناس ثلاث سنين لتدرس السحر، فلا شك أن أخبار العالم لم تصلك.» وحمل ساحر اللهب سيجارةً جديدة وأنهىٰ حديثه، «أدركت ما يُريده. إنها إندِكس.»

«ما...؟»

لم يفهم كاميجو. لا ينبغي أن يكون لإندِكس دورٌ في هذه الحادثة منذ البداية.

«اسمع يا كاميجو توما. كان يتعين على إندِكس أن تُمسح ذاكرتها مرة في السنة. بمعنى آخر، ستُعاد علاقاتها بالناس بالكامل سنويًا، وسيكون في جوارها شريكٌ جديد كل مرة. هذا هو الوضع الذي تسبب فيه.»

«طيّب؟ ما دخل هذا؟»

«في هذا العام كنتَ أنت، وقبل عامين كنتُ أنا»، قال ستيل بغضب حقيقي «وقبل ثلاث سنوات، كان اسم شريكها أوريولس إزارد. أعتقد أنه كان يعمل مُعَلّمًا لها.»

طارت الكلمات عن كاميجو.

«كل شركاؤها في الماضي واجهوا نفس الطريق المسدود. كافحوا يائسين لإنهاء كربها، وكلهم فشلوا.» غمغم ستيل. «بالطبع، قد وَصَل هو أيضًا إلى نفس الطريق المسدود... فهمت. إذن، حتى عندما أتت النتائج، لم يَقْبلها.»

«...ما تقصد؟»

«الأمر بسيط. نحن، شركاؤها في الماضي، لم ترفضنا إندِكس أو شيء من هذا القبيل. هي فقط لا تتذكر. لذا الأمر سهل. إذا استطعنا بطريقة ما علاج عقل إندِكس وجعلها تتذكر، فسوف تنظر إلينا مرة أخرى.»

شَعَرَ كاميجو وكأن قلبه دُقَّ بمسمار.

لم يعرف لماذا ضربته الصدمة. سيكون رائعاً إذا عولِجَ دماغ إندِكس، أليس كذلك؟ لم يفهم، وهذه الصدمة الغامضة ما بدت راحلة.

ابتسامتها...

ما استصعب أن يفكر في أن تكون موجهة لأحدٍ آخر.

«...ولكن غير ذلك، مثل هذا التفكير غير مقبول البتة،» قال ستيل بصوتٍ منخفض لنفسه. «إذا كان من الخطأ مسح ذكريات أحدٍ ما، فإن التلاعب بها يُحسب أيضًا عملًا شيطاني. أراحَ بعيدًا حقّاً حتى نسي هذه البديهة؟»

كان صوته منخفضًا، لذا نظر كاميجو إلى وجهه ليحاول الاستماع.

لكنه زفر دخانًا وهز رأسه، بملل.

«لا شيء. كنتُ أقول أنه من المستحيل عليه أن يُخلصها.»

«ماذا؟»

كاميجو لم يكن متأكدًا مما يقصده. إذا كان الرجل قادرًا على إصلاح المباني وسرقة الذكريات وحتى إرجاع الناس أحياءَ، أكان هناك شيءٌ مستحيلٌ عليه؟

«السبب بسيط – أنتَ من ضيعت كل جهودنا سُدىٰ.»

«؟»

«لقد أنقذتها، صح؟ لا يمكنك إنقاذ أحدٍ تم إنقاذه. هذا كل ما في الأمر. لن تجد معانٍ خفية أو أي شيء.»

«أه،» قال كاميجو، بعد أن فهم الأمر أخيرًا.

أوريولس إزارد كان شريك إندِكس قبل ثلاث سنوات. لقد مضت ثلاث سنوات منذ اعتزاله الناس؛ بدون أي اتصال مع العالم الخارجي، لن تصله أي معلومات.

بعبارة أخرى، كان أوريولس—

«وصلنا. يا لَكَرَمِه؛ بابهُ مفتوحٌ لنا.»

نظر ستيل إلى الأمام.

الباب العملاق إلى مكتب المدير، الطابق العلوي بأكمله من مبنى مدرسة ميساوا الشمالي، كان مفتوحًا، كما لو أنه يرحب بهم.

الجزء 5

كانت مساحةً مفتوحة واسعة.

هذه الغرفة التي جلس فيها مدير فرع المدرسة ومؤسس الديانة العلمية. تألقت الغرفة بجمال، لكنها ما حملت طابعًا من الأناقة – وتناسبت مع طموحاتٍ مُشوهة. نفورٌ واشمئزاز كان وَحْدَهُ ما بَرز، كأنهم دخلوا مطعمًا جُلُّه الرسميات؛ وهُم جاهلين.

أبدت هيميڠامي وجهًا مندهشًا عندما رأت كاميجو يدخل الغرفة. وعلىٰ عكسها، لم يُظهر أوريولس أي عاطفة. شيءٌ طبيعي حدث طبيعيّاً. هذا كل ما أبدته تعبيراته.

كان الهواء من حولهم فارغًا أجْوَفاً. فارغًا فراغ صورة قديمة باهتة.

ربما عكس ذلك الفراغ روح الخيميائي نفسه.

كرجل يقتدر لَوْيَ العالم بأسره، ربما ما كان هناك ما لا يعجز عنه.

لكن بسبب ذلك، ما من مؤكدٍ لهذا الرجل.

مُحَرِّكٌ ماهر للدمى – أيْ إسبر ذو قدرةٍ تغسل الدماغ – لن يعتقد أبدًا أنه بمجرد أن يجد كل من حوله يبتسمون توجب السعادة. يمكن لذلك المحرك أن يصنع تلك الابتسامات بلمسة واحدة. حتى عندما تُقَدّم لهم أسعد الضحكات، ما عساهم إلا أن يفكروا في ما يمكنهم فعله بتحريك إصبع.

كان مثلهم.

بالنسبة لفرد يمكنه إنشاء أي شيء، فلن يجد أبدًا معنى فيما يخلقه.

الجو هنا لم يكن كما هو الحال في ساحة معركة حاسمة.

هذا المكان الذي وقف فيه أوريولس إزارد سيتحول إلى منطقة حرب فارغة وخاوية –– هذا كل شيء.

«همف. من عينيك، أرىٰ أنك فهمت هدفي،» بدأ الخيميائي بصوت ملول. «إذن لماذا، أسألك، تحاول ردعي؟ أليس هدفك، الذي جعلك تنقش الرونات سعيًا لتحقيقه – أليس لأجل الدفاع وإنقاذ فهرس الكتب المحظورة؟»

نظر أوريولس إلىٰ الأسفل.

أمام الخيميائي، على المكتب الزاهي الأبنوس، رقدت فتاةُ فضّية الشعر بسلام.

حاول كاميجو بتلقائية الركض نحوها، لكن ذراع ستيل الطويلة أوقفته من الجانب ومنعته.

«إنها بسيطة. هذه الفتاة لا يمكن إنقاذها بطرقك هذه. هي مهمة وعزيزة لنعطيها عملية جراحية نعرف فشلها، فهمت؟»

«لا، أقول. دافعك منبعه الحسد. إنه بَيِّنُ وطبيعي. لن ترضىٰ أبدا، لأنكَ وأنا روحان شقيقة فقدنا أحلامنا ويئسنا، ومع ذلك غلبتُك. لن أعتبر هذا سقيمًا، لأن أساس حقيقة أَوْهامي هو واحدٌ ومتماثل.»

عقّد ستيل حاجبيه قليلاً.

قال أوريولس إزارد ذلك بسلاسة، دون أدنى ملامح سخرية.

«حتى هذه اللحظة، من حجم المعلومات المفرط في دماغ إندِكس، تعيّن عليها محو ذكرياتها كل عام. هذه قاعدة لا تُكسر، ومصيرٌ يصعب على أمثال الإنسان أن يعارضه،» أعلن أوريولس بجديّة. «ولكن، هذا يعني فقط أنه يجب على المرء أن يستفيد من ما ليس من صنع الإنسان. الآن بعد أن وصلت إلىٰ هذا الاستنتاج، فهو لُغْزٌ صار – لماذا لم نلقىٰ روحًا واحدة تقترح استخدام مصاصي الدماء حتى الآن؟»

«...»

«مصاصو الدماء هم من يعيشون أبدا. أولئك من يواصلون تخزين الذكريات، كالبشر، إلىٰ ما لا نهاية. ومع ذلك لم نسمع أبدًا عن كائنٍ خرافي مثله مثل البشر ينفجر دماغه من كثرة المعلومات،» قال الخيميائي. «مصاصو الدماء – لديهم ذلك. لديهم خاصية تُوسِعُهُم ألّا يفقدوا هويتهم مهما تلقوا من معلومات.»

«همم، نعم. إذن مؤامرتك هي بالتواصل مع تلك الكائنات الخرافية وطلب العون ليُعلموك، ها؟» قال ستيل محركًا السيجارة في زاوية فمه. «سؤال، إذا تكرمت. إذا تبين أن هذه الطريقة مستحيلة الاستخدام على جسد إنسان آخر، ماذا ستفعل؟»

«جَليٌّ هذا. إن كان مستحيلاً على جسد إنسان – فما لنا إلا أن نُزيل جسد إندِكس عن البشرية،» أجاب أوريولس دون أدنى تردد.

بعبارة أخرى، كان يعني—

«ندعهم يَعضّونها. تشه. أشك في أن تجد مؤمنًا في العالم سيفرح بأن يتحول إلىٰ لعبة لأحد ذرية قابيل. سأخبرك بشيء ينبغي عليّ أن أخبر به جميع شركاءها السابقين أيضًا – إذا أردت إنقاذ شخص ما، فضروريٌ أن تفصل نفسك عن الصورة وتتعلم ما يشعر به ذلك الشخص. نعم، بصراحة، هذا شيءٌ تعلمته جديدًا أيضًا.»

«...، لا قيمة لهذا. حقّاً نفاقٌ أسمع. هذه الطفلة قالت في النهاية أنها لا تريد أبدًا أن تنسى. قالت إنها لا تريد أبدًا أن تنسى الذكريات في قلبها، حتى لو انتهك ذلك الكتب، وحتى لو كانت على وشك الموت من ذلك. قالت هذا وجسدها عاجزٌ حتى عن تحريك إصبع، دون أن تلاحظ حتى دموعها المنسابة – وهي تبتسم طِوال.»

بدا أوريولس إزارد كمن يكبت غضبًا بطريقة ما.

ماذا كان يتذكر؟ ماذا كان يستعيد من ذِكرىٰ؟ ما كان كاميجو في موقف ليعرف ذلك.

«إذن هذا لن يغير أفكارك مهما كانت، نعم يبدو. حسنًا، اسمح لي أن أستخدم بطاقتي الرابحة. علىٰ أن فيها من القسوة.» فجأة، نظر ستيل في اتجاه كاميجو. «تابع، وقل له، يا شريكها الحالي. قل لهذا المُخرب أمامنا ما عيبه القاتل.»

«ماذا؟»

نظر أوريولس إلى كاميجو لأول مرة.

ما قاله لمس الوتر؟ لم يستطع أن يفهم ولكن قال:

«عن أي فترةٍ زمنية تتحدث أصلاً يا هذا؟»

«ما...ذا...» هذه المرة، نظر أوريولس إزارد إلىٰ كاميجو بانتباهٍ شديد.

«هكذا هي الأمور. خُلِّصت إندِكس منذ وقت طويل – ليس على يدك، ولكن على يد شريكها الحالي. تمكن هذا الفتى من تحقيق ما عجزت عنه» اتبسم ستيل بوحشية صادقة. «قبل أسبوع، كان؟ أه، نعم، أحسب أنك لم تسمع. على أي حال، لم تكن بجانبها لثلاث سنوات. بالطبع لن تصلك رسالة أنها أُنقِذت فعليًا.»

«مستحيل...»

«نعم، أفهم لماذا لا تقدر التصديق. شهدت الأمر بنفسي مباشرة، وما زلت لا أصدق. أو ربما لا أريد؟ حيث أنني بالكاد واجهت حقيقة أنها لن تلتفت صوبي مرة أخرى.»

«مستحيل، هذا مخالف! ما من حّلٍّ بالمطلق لإنقاذ إندِكس! أخبرني، كيف تدعي أن إنساناً يفعل ما عجز عنه ساحرٌ وخيميائي؟!»

«التفاصيل مرتبطة بسمعة النِسِسَريوس – أو بالأحرى، للكنيسة البروتستانتية الإنجليزية نفسها – لذا أحفظ عن هذا، ولكن دعنا نرىٰ.» نفث ستيل الدخان ساخرًا. «تُسَمّىٰ يده اليمنى إماجين بريكر. ببساطة، إنه صاحب قوة تفوق ما يستحق.»

اندهش الخيميائي.

نظر إلىٰ كاميجو بتعبير يجعل هدوؤه حتى الآن يبدو وكأنه كان حلمًا ساذجًا.

«...مهلا. أهذا يعني...»

«نعم، أحسنت عملاً يا صديقي. اختبئت في باطن الأرض لثلاث سنوات منذ أن خنت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، والآن صار كله جهدًا ضائعًا. نعم، أفهم آلامك لأنك لم تُجزى علىٰ عملك الشاق، لكن لا عليك! الآن، تمامًا كما رغبت، هي الآن سعيدة مع شريكها الحالي.»

«–ها...»

تلك الجملة وحدها كَفَت.

بدأ أوريولس إزارد يضحك بجنون، كأن كل شيء يدعمه قد تدمّر.

«هاهاههههاههههههاههههـهاهاههههاههههههاههههـ ههـ!!!!»

...فقد الرجل عقله، فكّر كاميجو مُثبِّتاً قدمه. لكنه كان مخطئاً. في عينيه المكسورة الشبيهة بالساعة، وجد الضوء يعود. وأمام الخيميائي، على المكتب الكبير الأبنوس، بدأ شيء يتحرك. ردّت الفتاة النائمة فضية الشعر علىٰ الضحك المجنون واستيقظت نصف نائمة.

آخر قطعة من حصن أوريولس النهائي تحطم، وبدأ يغرق.

فتحت إندِكس عينيها قليلاً، وبدقة تشابك خيوطٍ رفيعة، سألت:

«...توما؟»

ولكن عيناها لم تنظر إلىٰ أوريولس إزارد الذي كان جوارها.

لم تعرف أين كانت، وكم مر عليها وقت، ومن فعل هذا، أو كيف أتت. لم تحقق حتى في جسدها، وتجاهلت القلق لفكرة ما قد حدث لها أثناء غشْيَتِها.

لكنها ابتسمت. ضيّقت عينيها كأنها مسرورة.

فقط لأن كاميجو توما كان في مدراكها.

«...آه...»

تراجع كاميجو خطوة رغمًا عن نفسه.

سلوك إندِكس هذا أسعدته كثيراً. نظرت إليه وإليه وحده، متناسيةً العالم حولها. أبداه هذا الفعل شيئاً لا يُستبدل، مثل قطة فتحت عينيها توّاً.

لكن في الوقت نفسه، كانت حادة وباردة للغاية.

وراء إندِكس كان الخيميائي، الذي كان بالتأكيد بطل الحكاية في وقتٍ مضىٰ. قد نسته الفتاة التي سَعىٰ لحمايتها تمامًا، وكان متجمدًا بوجهٍ يرىٰ نهاية العالم.

ما استطاع كاميجو أن ينظر مباشرة إلى ذلك الواقع.

أوريولس إزارد – كان مرة البطل. خان الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، تخلى عن إيمانه ليصير خيميائيًا، ومع ذلك لا يزال يبذل كل قوته محاولاً إنقاذ هذه الفتاة الواحدة فقط.

ولكنّ نهاية سيئة كانت في انتظاره.

لو أرتكب كاميجو توما خطأً واحدًا، لبائت هذه نهايته أيضًا.

وهي كانت بطلةً نقية وقديسة، محبوبة الجميع في العالم...

لكن بسبب أنها البطلة، لا يمكن لطيبتها أن تعطى لآخر إلّا بطل العالم الوحيد.

هذا كل ما في الأمر، ومع ذلك كان كل شيء – هذه العيون الصافية الباردة بيّنت أنيابها هنا.

‹‹––إني مِثاليٌّ. فكيف لكَ الهدوء؟ هل أخطأتُ في شيء؟››

فجأة، تذكّر كاميجو كلمات الجسم المضاعف -المزيف- الذي هزمه.

ما كانت تلك نسخةً سيئة مهترئة. في الواقع، كانت صورة مرآة لجوهر أوريولس إزارد بالضبط.

«اغغ...»

لم يعد أوريولس إزارد قادرًا حتى على تشكيل الكلمات.

ابتسم وحسب... تجمد وجهه مُتَشوِّهًا وتسرب نَفَسُه تدريجيًا كمن يعاني من شهقة.

رفع ذراعه فوق رأس إندِكس.

كان أشبه بسَيْفِ قصاصٍ يوشك أن يقع. وعلىٰ ذلك، لم تفصل إندكس عينيها عن كاميجو. أتعب هذا نَفْسَ الخيميائي كثيرًا. جمع القوة في ذراعه المرفوعة.

«إندِكس...!!»

حاول كاميجو فورًا الركض إليها. كان مذعورًا لدرجة أنه لم يعرف أي قدم يضعها أمام الأخرى. ابتسم الخيميائي كمجنون. نظر إلىٰ كاميجو، الذي بدا حقّاً كالبطل.

مد بيمينه. لكن كانت بعيدة. لن يصل. وبالقوة، الخيميائي...

...لم يُسقط ذراعه.

توقف كاميجو وشاهد محتاراً.

«آغ...»

اهتز أوريولس، ذراعه لا تزال موضوعة فوق رأس إندِكس كشفرة القصاص.

«آووه - آوووهغغغغ!!»

ومع ذلك، لم يستطع حتى الآن التحرك.

لقد خسر كل ما كان يملكه وحتى هاجم رفاقاً قُدامىٰ، كل ذلك سعيًا لإنقاذ هذه الفتاة الواحدة. وقد أنقذها غريب. وفوق كل ذلك، لم تُعطهِ نظرة واحدة حتى، وهو الذي تخلىٰ عن كل شيء من أجلها.

لو... لو كان ذلك لكاميجو، هل سيقدر على الاحتفاظ بإيمانه بإندِكس؟

هل سيقدر علىٰ أن يمنع نفسه بالشعور بالخيانة؟

ومع ذلك، لم يستطع أوريولس إزارد بعد أن يضر بإندِكس.

كانت لفتاة الكتب المحظورة تلك الأهمية في نظر الخيميائي.

«...»

لم يستطع كاميجو التحرك.

ليس لديه ذكريات. سمع من الآخرين أنه على ما يبدو قد أنقذ إندِكس، لكنه لا يعرف كيف فعلها أو ما هي المشاعر التي والته ذلك الوقت.

قد أنقذ أحدًا دون عِلمٍ وكسب ثقتها بالكامل دون أدنى وعي.

بهذا الرجل أمامه، فكر كاميجو مرة أخرى: كيف بالضبط له الحق في احتكار ثقتها؟

بحدة، شزره أوريولس، وحتى بدا مُشهِرًا عليه سيفاً وهمي.

هذا الرجل يستطيع قتل الناس بكلمة فقط. كان يعلم أن نظرته كانت مَوْتاً، لكن في مكان ما في قلبه، كان كاميجو مقتنعًا تمامًا. ما كان لغضب أوريولس أن يهدأ بأي حال. صار مجنونًا هائجًا ليس له مكان يفجر فيه غضبه بعد الآن.

فإلى أين بالضبط سيوجه سيفه؟

كان أمرًا واضحًا للغاية. كان يعلم أن هذا القدر سيكون طبيعيًا تمامًا.

«–أرضًا يا دُخلاء

انفجرت منه صرخة.

فجأة، شعر كاميجو كأن العشرات من الأيدي الخفية تمسك به، تُجبره على الجثو مثل سارق بنك مسكوه. ربما كانت كلمة "دخلاء" تشمل ستيل أيضًا – من زاوية عينه، كان يرىٰ الساحر ذو الشعر الأحمر أيضًا يأكل الأرض جواره.

«غُه... غاه...!»

كافح كاميجو من أجل حياته، قاوم رغبة القيء التي جاءت من الشعور بأن كل أعضائه مضغوطة. شيئًا فشيئًا، جذب ذراعه اليمنى ببطء نحو صدره؛ شَعَرَ وكأنه مُقيد بقوة كهرومغناطيسية شديدة. ملّيمتر بعد ملّيمتر. (حاليًا، عليّ أنّ ألمس جسدي بيدي اليمنى. إذا استطعت، فلربما أستعيد حريتي في التحرك، تمامًا كما استعدت ذكرياتي.)

«هَهَهههههـ! لن أقتلك وأريحك سريعًا. سآخذ وقتي وأستمتع! ما لي نيّة في أن أضع يدي على فهرس الكتب المحظورة، لكن إذا لم أفجر غضبي عليك، فسوف أفقد نفسي!»

أخذ الخيميائي إبرة رفيعة من جيب داخل بدلته. ثم، بيدين ترتعش، طعنها في قفاه. كأنه يضغط زِرّاً في جسده.

رمى الإبرة جانبًا كمن يرمي حشرة تلدغ جلده.

كان هذا زناد بدء هجومه. أوريولس نظر إلىٰ كاميجو و...

«انتظر.»

وقفت هيميڠامي آيسا بينهما.

كان نفس الموقف تتخذه مرة ثانية، حينما درعت لكاميجو. لكن الوضع كان مختلفًا تمامًا. لم يكن أوريولس يتشبث بهيميڠامي آيسا، بل بديب بلود. الآن بعد أن تلاشى هدفه، ما عادت له حاجة ولا اهتمام بوسيلةٍ كانت لتحقق غاية...!

«هيمي—»

ورغم ذلك، لم يستطع كاميجو قولها.

كان يشعر بها بالنظر إلىٰ ظهرها. كانت قلقة حقّاً – بالطبع – لكاميجو، ولكن أيضًا بشأن أوريولس، الذي كان يتفكك تدريجيًا. بصمت، كانت تخبره بشكلٍ ما بضرورة إصلاح الأمور مرة ثانية قبل أن يصل الأمر إلىٰ نهاية لا رجعة عنها.

لا يمكنه أن يخبرها بحقيقة باردة مثل تلك وهو ينظر إلى ظهرها.

«لا تعترضي يا صبيّة––»

لكن هذا كان فشله بحد ذاته.

نظر كاميجو إلى عيون أوريولس؛ جعلته يفكر في مواسير البنادق. كانت تلك العيون جادة. حرك يده اليمنى بعجلة. لا، حاول ذلك. إذا لم يوقفها، فسيُشرك أوريولس بالتأكيد هيميڠامي في الأمر. رويدًا رويدًا، بوصةً ببوصة، أجبر يده اليمنى ترتفع عن الأرض وسحبها إلىٰ وجهه. وأخيرًا وصل بسبّابته اليُمنى إلىٰ فمه وعضّها.

بهوو! بدا وكأن جميع عظامه قد انكسرت، ومعها عادت حرية جسده. الآن فرصتي، فكر كاميجو ونهض. الآن كان عليه دفع هيميڠامي جانبًا وجعل أوريولـ—

«––موتي.»

في تلك اللحظة، أوقفت كلماته الزمن.

مات مطعوناً. مات مشنوقاً. مات متسممًا. مات مرميًا بالنار، مات مقطوعًا، مات مُتهشمًا، مات قصاصًا علنياً، صُلِب، حُرِق، خُنِق، سُحِق، دُهس، وتجمّد، وغرق، وقُصف بالقنابل. حاول أن يقارنها بكل طريقة قتلٍ يعرفها، ولكن ولا واحدة أعطتهُ سببًا حول وفاة هيميڠامي.

لم يرىٰ جرحًا. لم يرىٰ دمًا يُسفك. وما بانت عليها أعراض المرض.

ماتت فقط.

كأن بطارياتها قد نفدت. لو كانت الروح موجودة حقًا، فكأنها خرجت من جسدها تاركة قشرة فارغة.

لم تصرخ حتى.

ترنح جسدها بثقل. انحنت إلى الوراء، مُقابلةً السماء – كأنها تُري وجهها لكاميجو – وبدأت تسقط. ببطء. ببطء. بدأ وجه هيميڠامي يظهر له.

وجهها كان متجعدًا وملتويًا في ابتسامة.

بدت حتى أنها على وشك أن تنهار بكيًا حتى الآن، لكنها لم تظهر قطرة واحدة. ليس لأنها أتتها بغتة وفجائية. أخبرت تلك الابتسامة أنها كانت مستعدة لهذا، لكنها لم تكن قادرة على تغيير النتيجة.

هيميڠامي آيسا فهمت من البداية أن الوقوف أمام أوريولس سيؤدي إلى هذا.

لكنها مع ذلك تشبثت بآخر أمل، أصغر حتى من شعاع، وحاولت منعه.

لم يرغب أحدٌ فيها، وكانت تُعامل كالشيء حتى النهاية.

بنفس الطريقة التي لم يستطع فيها الخيميائي أن يصبح بطلاً، تقرّر وفاة ديب بلود، هيميڠامي آيسا، ببساطة كأنه أُزيل جزءٌ من المشهد البشري.

من المستحيل له... أن يشاهد بصمت.

إياك...

مع اختفاء الخيميائي من مد نظره، انطلق كاميجو نحو هيميڠامي آيسا الواقعة بلا حرك. لم يكن لديه سبب. حسّ وكأنه إذا سَقَطَت على الأرض، فإن ذلك الموت السحري سيصبح حقيقةً لا تُغَيّر.

«–إياكِ والذهاب هكذا!»

بطريقة ما، أمسك جسدها بيديه قبل أن تنهار علىٰ الأرض. كان جسدها خفيفًا للغاية... كأن شيئًا مهمًا جدًا قد سقط منه.

في يديه كان جسم الفتاة، غريب الليونة.

ولكن علىٰ ضعفه، استشعر نبضاً... من خلال يده اليمنى التي أمسك بها.

«ما... هل ألغت يدك اليمنى الأرس ماڠنا؟ تجمدت عيون الخيميائي. «غير معقول. قد قررت أكيدًا موت هيميڠامي آيسا. فهل تضم هذه اليد اليمنى أسراراً سماوية؟

«...»

لم يُجب كاميجو.

أياً يكن. لا يهمني منطقك الغبي. تمامًا كما حدث عندما استعدتَ ذكرياتك المسروقة بالصدفة البحتة، أنتَ ألغيت طلبي بـ "الموت" فقط بتلك اليد اليمنى. ولا يهمني كيف فعلتها على الإطلاق.

لم يستطع كاميجو أن يسامح هذا الرجل.

أشفق عليه. تعاطف معه حتى. عندما رآه غير قادرٍ علىٰ إيذاء إندِكس العزيزة بعد أن تركته، كاد حتى أن ينسى السبب الذي جعله يقبض قبضتيه.

ولكنه وصل حَدّه، وبلغ سَيْله الزُبى.

حتى وإن خانه أكثر الناس محبة له. حتى وإن شهد لحظة سرقة أعز الناس له. حتى لو تعذب بالغضب، واختفى عنه المقصد، وعجز عن لَوْمِ حتى نفسه.

ما تزال هي واحدة اعتبرته شخصًا مهمًا إليها ذات مرة...

... وقد رمىٰ بغضبه عليها ليُرضي نفسه. لا مبرر أبدًا لحالةِ دماغه التي وصل بها.

لم يفهم كاميجو شيئاً عن نفسه قبل فقدان الذاكرة.

ما الذكريات التي كانت لديه، وما الماضي الذي عاش به، وما المشاعر التي كَنّها وهو يسعىٰ في مستقبله؟ ماذا كان يحب، وماذا كان يكره، ما الذي حماه، وما الذي ابتغى استمرار حمايته؟

ومع ذلك، كان هناك شيء واحد يمكنه أن يقوله بالتأكيد.

كاميجو توما لا يمكنه أبدًا أن يقبل هذا الخيميائي – لا، هذا الإنسان.

هكذا التقىٰ الاثنين كاميجو توما المنفصلان أخيرًا، بعد كل هذا الطريق.

«حسنًا يا أوريولس إزارد. إذا كنت تعتقد أنه يمكنك جعل كل شيء يسير كما تريد—»

ببطء، أنزل كاميجو هيميڠامي آيسا من ذراعيه إلىٰ الأرض. ثم وقف مرة أخرى. لم يكن صامتًا، ولكنه لم يخفي غضبه، الذي كَبُر كبيرًا حتى بات يلسع بصدمةٍ كهربائية إذا لمسته.

«—إذن سأسحق وهمك اللعين هذا أولاً...!!»

أعلن هذا بصوت كاميجو توما، الإماجين بريكر.

ما بين السطور 2

لهذا السبب أردتُ أن أكون فتاةً سحرية.

هذه القصة منذ عشر سنوات. في يَوْمٍ مُعَيّنٍ في مَساءٍ مُعَيّنْ، تعرضت قرية جبلية في كيوتو لهجوم مصاصي الدماء. كان ذلك مفاجئًا تمامًا وغير مسبوق، بغتةً وغير منطقي.

علىٰ أنها كانت قريةً هادئة بما يكفي حتى لم تعد محطة الشرطة ضرورية، إلا أن القرية الصغيرة تحولت إلى جحيمٍ في ليلةٍ واحدة. دُفِن الشباب الذين تحملوا مسؤولية التصدي لمصاصي الدماء واحدًا تلو الآخر، وتجمع ما بقي من السكان في مبنى واحد. ما عاد التفريق ممكناً بين من كان بشراً ومن كان مصاصَ دماء. تحولت الحالة إلى فتنة يقتل فيها العشير عشيره، والزميل زميله، والقريب قريبه.

قبل طلوع الفجر، تقسّم الناس قسمين: جثث ومصاصو الدماء.

إذن كيف عساي النجاة؟ من أنا؟ فكرت الفتاة في عقلها الشاب. كان مصاصو الدماء يحيطون بها. كانوا الرجال والنساء الكبار الذين ودّعتهم هذا المساء.

جاء بائع الخضار وقال هامسًا: «الوقت ظلام، ارجعي لبيتك سريعًا،» ليعض جانب عنقها تاليًا.

––وفي اللحظة التي عضّ فيها، تحول مصاص الدماء إلىٰ رماد.

يوزوكا، الفتاة قالت: «لنلعب مرة ثانية بُكرا،» جاءت تعض جانب عنقها.

––وفي اللحظة التي عضّت فيها، تحولت مصاصة الدماء إلىٰ رماد.

والدتها، التي دفعتها جانبًا وقالت: «ابعدي عني واهربي،» جاءت تعض قفاها.

––وفي اللحظة التي عضّت فيها، تحولت مصاصة الدماء إلىٰ رماد.

سرعان ما بدأ الجميع يلاحظون. إذا عضّ مصاص الدماء عنق الفتاة، فإنهم يُطفأون، كأنها مضاد. لم تكن لأماني الفتاة دورٌ في ذلك. كان مصاصو الدماء يتحللون ويختفون فقط بنزول دمها في أفواههم، كأنه حمض الكبريتيك.

وعلىٰ ذلك، ما توقف أحدٌ عن عضها.

واحدًا واحدًا، تحول القرويون إلىٰ رماد، فقدوا أشكالهم الجسدية، وطردتهم الريح بعيدًا. وشاهدت الفتاة كل ذلك بصمت.

لأنها بالطبع لم تستطع قولها.

لأن جميع مصاصي الدماء كانوا يستمرون في قول: «آسف.»

قال أحدهم إنه لا يريد أن يصير وحشًا، وبكت أخرى أنها لا تريد تحويل أحدٍ آخر إلىٰ وحشٍ كما هي. استمروا في الاعتقاد أن لديهم خلاصًا واحدًا فقط: العودة إلى الرماد.

عاد مصاصو الدماء إلىٰ الرماد.

قائلين، "آسف." قائلين، "آسفٌ لحملكِ هذه الخطيئة وحدك." باكيين حتى النهاية. عاجزين عن الابتسام حتى النهاية، بدون أن يُخلصوا حتى آخر نَفَسِهم.

ولم تلبث حتى وجدت القرية مغطاة بعاصفة من الرماد.

كانت القرية في سلام. ما كان هناك أحد في المنطقة، لذا كانت في سلام. حتى المجرمين، مصاصو الدماء الذين دخلوا القرية عُنْوَة، لم يبقوا بعد الآن. لم تعرف متى عضّوها بالضبط، ولكن يبدو أنهم تحولوا إلى رماد في نقطة ما.

فَهِمت الفتاة شيئًا في جوفها.

حتى مصاصو الدماء الذين هاجموا البلدة كانوا ضحايا. ربما كان مصاصو الدماء خائفين جدًا من الفتاة التي كانت لديها القوة لقتلهم بضربة واحدة، فكرت. ارتجفوا يومًا بعد يوم مُختبئين، وما عادوا يتحملون بعد الآن، فقرروا الخروج لقتلها بأي ثمن، ومع ذلك باتت عاقبتهم الرماد.

بتراكم هَمٍّ فوق هَمْ، حاولوا تجميع قواتهم عن طريق تحويل القرية بأكملها إلىٰ مصاصي دماء...

...لكن حتى هذه الخطة تدمرت بسهولة بفعل قوتها.



لهذا السبب أردتُ أن أصير فتاةً سحرية.

لإنقاذ أولئك الذين لا يمكن إنقاذهم وحماية أولئك الذين تم التخلي عنهم. مثل تلك الساحرات من الكتب المصورة، بدون قواعد وخارج عن المنطق السائد، اللاتي اقتدرن علىٰ إنقاذ الضحايا والجناة، وحتى تخليص أرواح أولئك الذين ماتوا.

بأي ثمن. مهما قال أي أحد. فكرت بهذا لفترة طويلة: أنها تريد أن تصبح فتاةً سحرية. هذا كل ما أرادته، وعندما التقت بالخيميائي، بدأ الحلم التي ظنّت أنه لا يُحقق فجأة يبدو على بُعَيد قريب، وكانت مرتبكة. كانت متوترة لدرجة أنها لم تستطع النوم تلك الليلة. كان توتراً غير مريح.

والآن، أمامها، كان الخيميائي الواحد.

«لا تعترضي يا صبيّة—» قال الحلم الذي سعت إليه، والتوى فمه بخبثٍ مُنذر.

«—موتي.»

لم تعرف ماذا فكرت في تلك اللحظة. لم تَدُم أفكارها. بينما كانت تجهل ما تفكر فيه، سقط وعيها، متهاوياً في ظلام عميق.

لكن قبل ذلك...

«إياكِ والذهاب هكذا!»

كادت أن تحلف أنها سمعت صوت صبيٍّ يصرخ.

ليس ساحرًا ولا خيميائي، لم يكن الصبي أكثر من بشري عادي.

كان الصبي غاضبًا حقًا.

لكن لم يكن غاضبًا مما فعله الخيميائي. كان غاضبًا لأنها رضيت الموت.

ظهرت صورته مُشعاً مُعمياً نوعًا ما.

لسبب ما، شعرت بأنه كان ينظر إلى حُلمها، والذي ما عساها تصل إليه أبدا.

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)