الفصل الرابع: أَكْسِلَريتر — اَلْمُسْتَوَىٰ-5(ممتد)
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
تعمّق الليل أعمق كما برد الجو أبرد من حَولها. علىٰ أنها كانت في منتصف الصيف، شعرت الفتاة بشفرة مجمدة تضغط على بطنها.
بإيقاع دقيق يشبه الآلة، سارت ذات الرقم 10032، أيْ ميساكا إيموتو، عبر حي التسوق ودخلت إلى قسم من المدينة يحتوي على منطقة صناعية هادئة.
بينما كانت تسير في طريق غير مأهول تزينه صف من أضواء الشوارع، راجعت ميساكا إيموتو بذهنها تفاصيل التجربة التي ستُجرىٰ هنا.
الإحداثيات المطلقة لموقع الاختبار كانت X-228561، Y-568714. وكان وقت البدء هو الساعة 8:30 مساءً بتوقيت اليابان بالضبط. العينة التي ستُستخدم هي الرقم 10032. وكان هدفها هو أن تتبع نهجًا قتاليًا خلال المعركة بحيث تمنع عدوها عن تطبيق "الانعكاس".
«...»
تشبعت عقلية ميساكا إيموتو بالتفكير الدقيق في السيناريو الذي سيؤدي إلى مقتلها، لكن تعبير وجهها لم يكن كئيبًا. لم تمتلك خوفاً ولا كراهية، ولم يخطر ببالها حتى مفهوم الاستسلام.
كان وجهها ببساطة يعبر عن غياب حقيقي للمشاعر.
من يراها قد يُشَبّهها بمشهد الخطر الذي يرافق دمية ميكانيكية تمضي نحو حافة جرف.
لكن ميساكا إيموتو لم تكن مغايرةً لا تُعير لحياة المخلوقات قيمةً. إذا رأت نَفْساً على وشك الموت، لبحثت فوراً عن الخيارات والتدابير التي يمكنها اتخاذها ثم تختار الأنسب لإنقاذها.
ولكنها ما وَجّهت هذا الإنقاذ لنفسها.
أمكن إنتاج جسدها تلقائياً بضغطة زر، ولآلاف المرات طالما توفرت المواد اللازمة. كان عقلها فراغًا حتى تثبتت فيه المعلومات باستخدام نظام "العهد"، تماماً كالكتابة فوق البيانات على القرص الصلب. ثَمَنُ حياة ميساكا إيموتو سَوَىٰ مئة وثمانين ألف ين. لم تكن أكثر من جهاز حاسوبي متطور. وأيضاً، لو تقدمت تقنيات التصنيع كافياً، فسوف يمكن بيعها بسعر أقل على نطاق واسع – بما يكفي ليتم إلقاؤها في صندوق التخفيضات.
...ولهذا السبب هناك شيء لا تفهمه ميساكا، تُفكر ميساكا.
فجأة خطر لها شيء وهي تخطو في الطريق الليلي المظلم.
الفتى الذي التقت به الميساكات الكثر في الزقاق قد التقط أنفاسه مندهشاً آنذاك. وكأنه شهد حقيقةً لا تُحتمل وقد دُفعت إلى حلقه، وحتى بعد ذلك، قال أنه لن يقبل هذا الواقع أمامه.
تذكرت ميساكا إيموتو ما قاله.
––‹‹من أنتن؟››
تلك الكلمات لم تهدف ميساكا إيموتو شخصيًا.
––‹‹ما غايتكن؟››
بدا وكأنه يسأل منتظراً سماع إنكار منها.
ألتلك الدرجة أراد أن يَنكِر ما رآه؟ فكّرت إيموتو، وجهها لا يزال خاويًا.
أحقاً لا يمكنه قبول واقعٍ فيه عشرون ألف أخت تتوقف قلوبهن جميعاً وفقاً لخطةٍ مرسومة؟
...لا أفهم. لا أفهمه، تفكر ميساكا وتأبى أن تقبل بحالة الفتى العقلية.
استنتجت ميساكا إيموتو أن لا عليها التفكير فيما لا تفهمه من الأساس، كأنها تقول أن لا أهمية بمعرفة مشاعر ضفدعٍ يسبح في المجاري.
ولكن إن كان الأمر كذلك...
فلماذا تذكرت وجه الفتى؟
لو لم يكن لذلك قيمة حقيقية، لما تذكرته إطلاقاً. ففي آخر الأمر، ما من داعي لحفظ أشكال وألوان قطع اللبان الملصقة على الأرض في محطة القطار قبل أسبوع.
عليها الآن أن تجمع وتراجع المعلومات العقلية بخصوص التجربة التي ستجرى قريبًا. إذا فشلت في هذا الوضع، ستُسبب إزعاجًا لكثيرين. لماذا فكرت أساسًا في ذاك الفتى غير المتعلق بالتجربة؟
«...»
لم تستطع ميساكا إيموتو فهم ذلك.
لا يجب أن أفكر فيما لا أفهمه من الأساس، استنتجت ميساكا إيموتو.
لم تستطع ميساكا إيموتو أن تفهم شيئاً صغيرًا وتافهًا كهذا.
وهي تجهل كل هذا، توجهت الفتاة وحدها إلى مكان إعدامها المحتمل.
خطواتها الدقيقة كانت كقنبلة موقوتة تبعث في النفس قلقاً.
- الجزء 2
كان كاميجو مستلقي على الجسر الحديدي الخالٍ من الرياح.
فتح عينيه ببطء. الوقت الذي مرّ وهو مغشيٌّ بسبب تحمله فولتيةً عالية كان قصيرًا على الأرجح. لربما كانت 10 أو 20 ثانية كحد أقصى. ومع ذلك، كانت أطراف أصابعه يديه وقدميه تُشعِران ببرودة شديدة غير طبيعية. انسد تدفق دمه. وربما كانت نبضات قلبه غير منتظمة من تأثير الصدمة الكهربائية، وفي أسوأ الحالات، ربما توقف قلبه تمامًا مرة أو مرتين خلال فترة فقدانه الوعي.
مع يديه وقدميه منتشرتين كدمية ملقاة في زاوية الغرفة نظر بكسل دون أن يحرك عنقه.
«...»
جَمّع القوة في أطراف أصابعه ليختبرها، وحرك سبّابته ببطء كحشرة على أعتاب الموت. تمكن أيضًا من تحريك جفونه بتذبذبٍ. وكان يشفط وينفخ أنفاسًا سطحية بشكل رهيب وكان يسمع دقات قلبه الخافتة عميقاً في داخل جسده.
أنا مسرور، تلفظ بها بصوتٍ يكاد.
جسدي... لا يزال يتحرك. هذا يعني أنني أقدر على النهوض.
«ما الذي تفعله...؟»
سمع صوت فتاةٍ قريب جدًا من فوقه.
أدرك كاميجو فجأة الشعور الناعم الغريب على خده وهو مستلقي.
يبدو أن ميكوتو قد أراحته على ركبتيها.
«...أعيَيت نفسك، وسقطت على الأرض القذرة، ولعل قلبك توقف ولو للحظة...»
كان صوتها يرتعش.
ما كان صوت أحد السبعة ذوو المستوى 5 في المدينة الأكاديمية، ولا كان صوت نجمة مدرسة توكيواداي الإعدادية العريقة الملقبة بالريلڠن. كان صوت فتاةٍ عادية ترتعش وحدها في الظلام.
«...فكيف لكَ أن تبتسم بعد كل هذا؟»
رأىٰ منها دموعًا تنهمر على خدّه من فوق.
«...»
أنا مسرور. حرك شفتيه متمتمًا بلا صوت.
كان مسرورًا لأنه حليف ميساكا ميكوتو. ضيّق عينيه قليلاً من الفرح.
ماءت الهريرة السوداء بجانب أذنه.
لَعَقَ لسانٌ صغيرٌ وخشن يده، كأنها تلعق جراحه برفق.
«فهمتُها،» قال وهو لا يزال مستلقي. لم ترد ميكوتو. الصوت الوحيد الذي وصل إليه كان صوتها وهي تفرك عينيها بأصابعها لتُبعد الدمع.
«...لقد وجدتُ طريقةً أوقف بها التجربة.»
سمع منها صوتاً كأنها شهقت دهشةً.
«أمرها بسيط حتى تسائلت لِمَ لم أفكر فيها من قبل.»
كانت هذه التجربة برمّتها عبارة عن مجموعة من العلماء يتّبعون سيناريو أعدّه المخطط الشجري.
لهذا ظنّت ميكوتو أنه إذا أقنعتهم أن هذا "السيناريو" (الذي كان صحيحًا في الواقع) خاطئ، لربما تُوقَف التجربة.
نعم، إذا كان هذا كل ما يلزم لوقف التجربة، فإن الأمور بسيطة بقية الأمر.
«...إني واثقٌ أن المخطط الشجري أخذ بالحسبان أن أكسِلَريتر هو أقوى المدينة الأكاديمية...»
إذا كان بإمكانهم إيقاف التجربة فقط بجعل العلماء يصدقون كذبةً، فإذن...
«...إذن الأمر بسيط. هم يواصلون على أساس أن أكسِلَريتر الأقوىٰ، إذن يكفي أن نقنع أولئك العلماء بأنه فعليًا ضعيف.»
فمثلاً، ماذا لو أن أكسِلَريتر، الذي يُعتبر أقوى المدينة الأكاديمية...
...هُزِمَ بسهولة في معركة شوارعية تافهة؟
حتى لو أظهرت نتائج المحاكاة أنه الأقوى، هل سيستمرون في التصديق بهذا بعد أن رأوا خسارته المثيرة للشفقة؟
أليس ممكناً...
...أن نجعل الباحثين يعتقدون أن التنبؤ الذي قدمته الآلة كان خاطئًا؟
«لا يمكن.» أجابت ميكوتو موجزة. «لن تتوقف التجربة بهذه الطريقة البسيطة. أنا من المستوى 5، مثله تمامًا، صحيح؟ إذا هَزَمَت ريلڠن أكسِلَريتر، سيراها العلماء على الأرجح من ضمن نطاق الخطأ. لن يعتقدوا أن أكسلريتر فعليًا ضعيف» همست، محبطة...
...كأنها تصر بأسنانها، كأنها ملطخة بالدماء.
«ولن نغلِبَه حتى لو تحالفنا» قالت ميكوتو، وهي تكبح غضبًا من عجز. «قابلتُ أكسِلَريتر مرةً فقط، لكن بهذا وحده أدركت. رحت فاخترقت البنك لأرىٰ ما قدرته، فاقشعر بدني مما رأيت. قتاله ليس قتال فوز أو خسارة. بالنسبة له، القتال في نظره ما هو إلا ذبحٌ من طرفٍ واحد.»
«...»
ربما يكون، فكر كاميجو.
قد استنتج المخطط الشجري أنه بقتال الريلڠن والأكسلريتر، فإن هلاك ميكوتو سيحدث بعد 185 خطوة. وربما كان هذا إجابة صحيحة أيضاً. حتى لو حاولت ميكوتو ما في وسعها، ومهما اجتهدت، فلن تتمكن أبدًا من هزيمة أكسلريتر. هذا السبب الذي جعل ميكوتو، المتهورة والمندفعة، تتردد في الذهاب ومواجهته. وفي النهاية، توصلت إلى فكرةٍ أن الطريقة الوحيدة لوقف التجربة وإنقاذ الأخوات في النهاية كانت بذبحها.
عرف كاميجو، وما رأىٰ ميساكا ميكوتو تهزم أكسِلَريتر.
«فهذا يعني أنه أنا من عليه قتاله.»
ابتلعت ميكوتو ريقها مندهشة بهذا.
لكن لم يملكوا خياراً آخر.
إذا هزم مستوى 5 مستوى 5 آخر، فلن يقتنع العلماء بأن أكسِلَريتر ضعيف.
ولكن ماذا لو هُزِم أقوىٰ المدينة الأكاديمية ذو المستوى الخامس أمام أضعفها ذو المستوى صفر؟
لربما يعتقدون أنه كان إسبرًا قويًا بالسر، وكان يخفي قوته عبر درجاته المتدنية أكاديميًا. ولكن نظام المدينة قد نفض كل زاوية من جسده فاحصًا؛ فوجدوا وأكّدوا أنه كان عاجزاً صفري المستوى، فهكذا كان الإماجين بريكر مع كاميجو.
إذا رأوا الأقوى أكسِلَريتر يخسر أمام الأضعف كاميجو...
...فماذا سيحسب العلماء بعد هذا؟
«...»
الآن بعد أن عرف ما يجب عليه فعله، كان الباقي بسيطًا.
حاول كاميجو رفع رأسه عن فخذ ميكوتو، لكن جسده لم يتحرك صحيحًا. شعر بوخزة حادة حيث انزلق رأسه من فخذها وإلى الأرض الصلبة.
لكنه لا يزال قادرًا على صر أسنانه وتحريك أصابعه. رويدًا رويدًا، تمسكت أصابعه الخمس بالإسفلت. وبعد أن جمع كل قوةٍ في جسده كمن يرفع حديدة، نجح أخيرًا في رفع جسمه عن الأرض.
شعر جسم كاميجو بالإرهاق الشديد وهو يجثو هناك على ركبةٍ، كأن خمس سنوات قد انقضت من عمره.
وعندما رأته يكافح، سألته ميكوتو بصوت مرتعش...
«ماذا... تفعل؟» كأنها تشاهد شيئاً لن تقدر تصديقه. «لا جدوى. تقول هذا بسهولة فقط لأنك لا تعرف مقدار أكسلريتر! فاسمع مني، من السخيف أن تعتقد أنك قادرٌ على محاربة شريرٍ طاغي لا تراه إلا في المانجا... مِثلُهُ يمكنه أن يصنع من جيوش العالم عدُوّاً ويبتسم من بعدهم ويواجههم ندًا!»
«...» لم يُجب كاميجو.
اكتفى بالصمت، فجمع قوة أكثر إلى قدميه ليحاول الوقوف من وضعه الحالي الجاثي.
«قدرة أكسلريتر الحقيقية هي أنه يستطيع التحكم بحرية في مُتّجه أي شيء، سواء كانت حركة أو حرارة أو كهرباء، فقط بلمسه واحدة. حتى لو عرفنا قوته، لن نجد طريقة لهزمه! لن تجد فيها ثغرةً أبدًا!» صرخت ميكوتو، كأنها تنادي بواقعة مفجعة للغاية. «كل هجماتِهِ تُصيب، وهجماتُكَ لن تصل، لأن أي شيء يُرمىٰ في وجهه سيُعاد حيث جاء. ما من إنسانٍ في الدنيا يقارع ذلك المجنون ذو الدرب الواحد!»
«...» لم يرد.
صب كل قوته في ركبتيه المرتجفتين محاولاً الوقوف.
«هو من عالمٍ آخر! فكّر فيه على أنه كائنٌ إسبرٌ من بُعدٍ آخر مثلنا. من البداية، لا فوز عندك عليه وأنت تواجه إنساناً يخرق القواعد العالم، ولا داعي أن أذكر حالتك الجسدية الآن! بهذه الحالة... ضد وحش مثله...» توسلت له ميكوتو وهمست في آخر كلامها بصوتٍ تكاد تبكي. «أرجوك، لا تقف.»
«...» لم يرد بعد.
قام من مكانه كأنه يكاد ينهار، ورويدًا رويدًا، رفع جزئه العلوي.
«لماذا؟» قالت بصوت طفلة ضائعة.
«...» لم يعرف بنفسه.
لم تكن لديه أدنى فكرة عن قوة أكسلريتر.
لم تكن لديه أدنى فكرة عما يستطيع بهذا الجسد المشوه.
لكن الإماجين بريكر لا يزال ساكناً يده اليمنى...
...وسَبَبُ قبضِهِ يمناه سَكَن كذلك صدره.
لأنه آمَنَ أنه إذا استطاع استخدام هذه اليد لينقذ فتاةً عاجزة ومُحاصَرة من أكسلريتر، فإنه لن يسعده أمرٌ أكثر من هذا.
وهكذا، استقام كاميجو.
قام على قدميه وَحْدَه.
«ميساكا، كنتِ تعتزمين الذهاب إلى أكسلريتر منذ البداية، أليس كذلك؟»
نظر إليها.
بدا وكأن زمناً طويلا قد مر منذ أن رأى عينيها، وكانت محمرة من البكاء.
«أخبريني يا ميساكا، مكان التجربة التالية.»
- الجزء 3
وصلت ميساكا إيموتو إلى وجهتها: ساحة تبديل القطارات.
مثل مرآب الحافلات، كان هذا مكاناً تُحفظ فيه العديد من القطارات عندما تنتهي رحلاتها نهاية اليوم. كانت المساحة الواسعة بحجم فناء مدرسي، وفي أحد جوانبها تغطت أرضيتها بحصى كالتي تراها في السكك الحديدية، وهناك عشرة قضبانٍ مُصطفة متوازية. وفي نهاية صف القضبان ستجد أكواخاً عديدة بها أبواب كبيرة، كأنها أبواب مرائب الإيجار في الموانئ. وكانت حول ساحة التبديل مجموعة كبيرة من الحاويات المعدنية المستخدمة للقطارات ذات البضائع. تكدست كأنها طوب، بارتفاع يتنافس مع مبانٍ من ثلاث طوابق. بفضل التجمع الكثيف للحاويات، كانت أطراف ساحة التبديل معقدة مثل متاهة ثلاثية الأبعاد. لو كانت الحاويات جبالًا، فإن ساحة التبديل في الوسط ستكون حوضًا.
لن تجد علامة حياة في هذه الساحة.
كانت آخر رحلات القطارات في المدينة الأكاديمية تتزامن مع نهاية اليوم الدراسي، لذا اختفى وجود البشر سريعًا من هذه المناطق أيضًا. كانت مصابيح العمال مطفأة، وبدون وجود أي منازل خاصة قريبة، لم يكن هناك ضوء. علىٰ أن هذه مدينةٌ يعيش فيها 2.3 مليون نسمة، إلا أن هذا المكان كان مغمورًا في ظلام كافٍ لأن ترىٰ نجوم السماء التي لا تُرىٰ عادةً من أضواء المدينة المعتادة.
وسط هذا الظلام الخالي وقف أقوى إسبر في المدينة الأكاديمية، أكسِلَريتر.
وعندما رأته ميساكا إيموتو جالسًا فوق حاوية، مُندمجًا في الظلام، شعرت بوهم كأنها رأت نفسها تُلقىٰ داخل أعضاء أكسِلَريتر.
الفتى الأبيض ضحك في الظلام.
بياضُه الغريب أشعَرَها بأن مقلتيها قد غُليتا بماء مغلي.
«وقتنا في 8:25... إذن، لا بد أنكِ الدمية التالية، هه؟» خرج صوت أكسلريتر من بياضٍ داخل ظلام. ابتسم عريضاً حتى بانَ وكأنه سيُمزق وجهه.
لكن ميساكا إيموتو لم تُحرك عضلة، وردت: «"نعم، رقم ميساكا هو 10032" تُجيب ميساكا. "ولكن ألا يكون مناسبًا أن نُأكِّدَ كلمة المرور أولاً للتأكد من أنك مشارك في التجربة؟" تقترح ميساكا.»
«تشه. مخبولة» تلفظ أكسلريتر. «حسناً، ربما ما لي حق في الكلام كوني من أُجبركِ على الخوض في هذه التجربة التي تهدف إلى جعلي الأقوى، لكنني أراك هادئة. ألا تشعرين في مثل هذا الوضع بشيء؟»
«"تواجه ميساكا صعوبة في فهم المصطلح الغامض ’شيء‘،" تُجيب ميساكا. "تبقت ثلاث دقائق وعشرون ثانية قبل بدء التجربة. هل أكملت استعداداتك؟" تطلب ميساكا التأكيد.»
حدق أكسلريتر قليلاً، ثم عض شيئاً في فمه بحنق. -مضغ-، -مضغ-. بدا وكأنه يمضغ علكة ويستمتع بطعمها الحلو.
«"؟ ماذا تستهلك؟" تسأل ميساكا.»
«هه، إصبع.» أجاب أكسلريتر بعفوية، ثم بصق ما كان في فمه جانبًا.
كانت قطعة لحمٍ مهشمة ومغطاة باللعاب، فوضوية...
...ولكنك تكاد ترى فيها شكل ملامح إصبعٍ أنثوية نحيل.
«بما أن الفرصة سنحت لي، فكرت لو أستعير واحدة لأرى طعمها، لكن يا للهول، طعم الإنسان فعلاً ليس طيّباً بذاك الحد. سمعت أن به حموضة ودهون قليلة، لكنه فاق توقعي. مضغته، وشعرت كأنني أمزق رزمةً رقيقة من المواد، حقاً كأني أكلت الخرا. أرىٰ أننا البشر لم نتطور حتى نؤكل كالخنازير والبقر، ها؟»
مسح أكسلريتر شفتيه بذراعه، كأنه يزيل الطعم من فمه.
ومع ذلك، لم تُحرك ميساكا إيموتو عضلة بوجهها عند رؤيتها هذا الفعل.
«"عادةً ما يُزال الدم من لحوم الخنازير والبقر، ثم تتبل بالملح والتوابل"، تشرح ميساكا. "هل التمييز بين اللحوم النيئة واللحوم المطبوخة يرجع إلى التغيرات في البروتينات الناتجة عن التسخين مما يؤدي إلى حدوث خطأ في الاختبار؟" تسأل ميساكا لإبداء وجهة نظرها حول الوضع.»
«أوحقاً؟» رد أكسلريتر سائماً.
ميساكا إيموتو لم تفهم لماذا يطرح أكسلريتر سؤالًا كهذا. كان صحيحًا أنها تجمدت من الرعب عندما رأته أمام متجر الكتب المستعملة آنِفاً، لكن ذلك كان بسبب الهريرة السوداء التي كانت معها. كانت تخشى أن تتورط حياة غير مرتبطة بهذه التجربة.
«آخ، بعد عشرة آلاف مرة، سأمت وضاقت نفسي، لذا حسبتُ أن أضيّع وقتاً بتوافه الحديث، ولكن أظن لا. ما يمدي أن نبدأ حديثاً إلا وتُخربينه» قال مسترخياً، ثم أكمل. «اسمعي، لا أفهم لماذا تهدرين حياتك بهذا. عن نفسي، حياتي هي أهم ما أملك، وأرىٰ جسمي دائمًا الأفضل. لهذا لا حدّ لتعطشي للقوة. لا يهمني حقاً كم من المئات أو كم من الآلاف منكن يموت لأجل ذلك، ففي آخر الحكاية سأضحك.»
«"ميساكا هي التي لا تستطيع فهم بعض ما تقول،" أجابت ميساكا. "أنت أقوى إسبر في مدينة الأكاديمية. إن كنتَ في قمةٍ لا يصلها أحدٌ ولا يأمل فيها، فإن ميساكا لا ترىٰ داعيًا ولا حاجة في أن تتطلع إلى ما أعلى من ذلك." تستفسر ميساكا.»
«الأقوى، هه» أجاب أكسلريتر بنبرة غير مهتمة.
«الأقوى؟ الأقوى؟! الأقوى؟!! نعم، نعم. أنا أقوى إسبر في هذه المدينة، وربما الأقوى في العالم بأسره، لكن...»
رد وبدا عليه الملل واصلاً قلبه، وأكمل.
«في النهاية، لستُ إلا الأقوى. أنا أقوى إسبر في مدينة الأكاديمية. همف. فكيف عرف الجميع هذا، همم؟ هذا لأنهم أتوا وقاتلوا أكسلريتر وخسروا، أليس كذلك؟ لذا بمعنى آخر، رأوا فيني إثارة فأتوا وتحدوني أملاً في انتزاع اللقب.»
بانت في تلك العيون الحمراء ابتسامة سرورة.
«هذا لا يكفي. لا يكفي أبدًا. مستوى 5 – الأقوى – ماهي إلا ملل. وأنوي تجاوز ذلك. أريد قُوّةً مطلقة تجعل فكرة مهاجمتي تبدو نكتةً سخيفة. أهدِفُ إلى تلك المنيعة التي تدعى المستوى 6.»
وبعد أن قدّم الفتى طموحاته، مَدَّ ببطء يديه الرفيعتين إلى كلا الجانبين.
يمينهُ بلاء ويسارهُ هلاك.
ابتسم الصبي ويداه ممدودتان أفقيًا.
كانت ذراعاه ذراعي أفاعي سامة تقتل المرء بلمسه.
كصليبٍ أبيض مقدس يبث الظلام.
«إذن، مستعدة؟ وقت الموت يا الزائدة البخيسة.»
ومع ذلك، لم تُحرك ميساكا إيموتو عضلة بمواجهة الفتى الذي كان يبتسم ساخرًا لها.
ببساطة، أعلنت بلا اكتراث بصوت يشبه دمية ميكانيكية:
«"في 8:29 مساءً، 45 ثانية، 46 ثانية، 47 ثانية... ستبدأ الآن التجربة رقم 10032. يجب على الموضوع، أكسلريتر، أن يكون جاهزًا في موقعه المُعَيّن،" أوضحت ميساكا.»
وبهذا...
...بدأت التجربة التي لا مفر منها في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً.
- الجزء 4
ترك كاميجو الهريرة السوداء مع ميكوتو، وانطلق وحيداً عبر شوارع الليل.
وفي حافة غرب المدينة الاكاديمية كانت هناك منطقة صناعية كبيرة.
يبدو أن ساحة تبديل القطارات هناك كانت موقع التجربة رقم 10032.
«...»
تَعَرّف على الرقم 10032. كان الرقم التسلسلي التي أعطته إياه ميساكا إيموتو في ذلك الزقاق.
هل يمكن...؟ سأل نفسه وهو يشد بقلبه بشدة.
كان عليه الوصول إلى منطقة التجربة في أقرب وقت ممكن، لكن للأسف، قد عادت الحافلات والقطارات إلى مرائبها تزامناً مع نهاية اليوم الدراسي.
مع غياب معظم وسائل النقل لهذه الليلة، عزم نفسه وصر أسنانه وراحَ يركض طوال هذه الليلة بجسده المنهك.
علىٰ أنه كان مدركاً أن جسده لا يمتلك قدرة بدنية كثيرة باقية، إلا أنه لن يتحمل لحظةً للتباطؤ. جرى عبر منطقة التسوق بكامل قوته (إن بقت لديه أصلاً).
تجاوز حي التسوق ودخل حيّاً سكني، شعر بأنشطة وإضاءة المدينة تبتعد عنه. بينما عجل ماضيًا، بدأت حتى المباني السكنية الطلابية تقِل تدريجياً. بعد أن عبر مكاناً صغيراً به أشجارٌ اصطناعية، وصل إلى المنطقة الصناعية.
في المدينة الأكاديمية العديد من هذه المناطق الصناعية حتى يُتاجر فيها باختراعات وأبحاث ومنتجات العلماء. ولكن، لم تكن المنطقة مليئة بالمصانع التي تبدو وكأنها مناطق تخزين مستأجرة قذرة قليلاً في منطقة وسط المدينة. بدل هذا، امتلئت المنطقة بالمباني الصناعية بلا نوافذ. ترتبت المنطقة بشكل غريب، وما بدا فيها شعور الحياة. كأنها منطقة في المدينة مليئة بالمكاتب.
ما كان فيها أحد.
أُعِدّت المصانع للعمل على مدار الساعة، لكن بفضل عزل الصوت الكامل المُطبّق عليها، لا يمكن سماع أي ضجيج منها. مع هذا المنظر الشبيه بمدينة ميتة، شعر كاميجو بالرعب في هذه الليلة الصيفية.
بعد أن تُركت وحيدة في الجسر، حملت ميكوتو الهريرة السوداء بين ذراعيها.
ثم تذكرت أمرًا عن نفسها، لم تحبها الحيوانات قط بسبب الأمواج الكهرومغناطيسية التي تنبعث عن جسدها دون وعي. ولكن هذا لم يكن مهمًا لتذكره.
«... يا للأحمق،» تمتمت في الظلام.
أرادت أن توقفه. على الأقل، وَدّت لو تذهب معه.
ولكن كاميجو رفض.
كان مهمًا أن يهزم الإماجين بريكر ذو المستوى 0 أكسلريتر ذو المستوى 5 فردًا. وجود مستوى 5 آخر، خصوصاً وأنها انحازت إلى جانب كاميجو، سينتهي بتحويل النتيجة إلى حدثٍ يشمل مجموعة من الأشخاص غلبوا أكسلريتر.
أخبرها أنه إذا أرادت إنقاذ ميساكا إيموتو، عليها أن تترك هذا له.
وعد أنه سيعود بميساكا إيموتو بأي ثمن.
نظرت ميكوتو إلى نهاية الجسر حيث اختفى منه.
فهمت ذلك من الناحية المنطقية. لن تقدر على شيء إذا ذهبت إلى موقع التجربة. وهناك احتمال أن تخرب الحل الذي عمل عليه الفتى. لذا كان عليها البقاء هنا. فهمت هذا. من الناحية المنطقية، وَعَت ذلك.
لكن...
شيءٌ ما وراء المنطق لم يرغب في فهم هذا.
حكت ميكوتو أسنانها.
«...أتظنني أقدر على الجلوس مكتوفة، أيها الأحمق!»
في النهاية، راحت ميكوتو تطارده وهي تحمل الهريرة من عنقها.
ببساطة، لم تستطع الجلوس.
- الجزء 5
في تمام 8:30 مساءً، تحولت ساحة التبديل إلى ساحة معركة.
توهج ظلام المنطقة بومضاتٍ زرقاء مُبْيَضّة كأنها فلاشات الكاميرا.
كانت الخطوات الأربعة التي تدوس الحصى تنتمي إلى ميساكا إيموتو وأكسلريتر.
كانت المسافة بينهما أقل من عشرة أمتار.
«ها!؟ أجئتي هنا بلا خطة؟ لو أحببتِ الألم لهذا الحد، فسأبكيك دمًا وأخنقك حتى لن يكفيك دواء السعال بعد ذلك!»
ومع ذراعيه منتشرتين عرضاً، انحنى أكسلريتر واقترب من ميساكا إيموتو كحيوان مفترسٍ راكض.
كان اندفاعه يفتقر إلىٰ مفهوم الدفاع. وما عَلِمَ بمفهوم الهجوم كذلك. هذه كانت معركة شخص يعكس كل هجوم ويقتل الخصم فقط بلمسه. كانت المسألة ببساطة تكمن في كيف يصل إلى خصمه بأسرع وقت ممكن. هذا كل ما كان عليه التفكير فيه.
نظراً لأن الهجمات سترتد عنه جميعاً، لم يكن هناك شيء يبطئه. بفوضوية مبالغ فيها، وكأنه دبابة تتغلغل مباشرة في وسط المتظاهرين، كانت ميساكا إيموتو—
«ها؟!»
كانت صرخةً من أكسلريتر.
قد خطت ميساكا إيموتو خطوةً إلى الخلف لتُبعد بينهما مسافة، كما لو كانت تهرب من اندفاعته. إلى اليمين، ثم اليسار؛ بينما استمرت في هروبها، راقبت الوضع من حولها. وراقب المفترس أكسلريتر هذا فبدا عليه الملل.
«كفى، كفى، كفى! ما هذا الذي أراه؟! لا يهم كم أخّرتي من وقت، لن تأتيكِ معجزة!»
لم تستمع ميساكا إيموتو. استمرت في زيادة المسافة بينهما، وعدوها دائماً في مرمى نظرها. وبعد أن كانت أوعيته الدموية تكاد تنفجر غضبًا من عملها السقيم، لاحظ أكسلريتر أن الهواء حوله كان يشع بالكهرباء.
«مُملة مُملة! ألم تتعلمي بعد أن هذا لن يفيد؟! ولن ألعب مع محاولاتك المثيرة للشفقة في المقاومة أكثر!»
ضحك أكسلريتر ساخراً. مهما كان نوع الهجوم، يمكنه أن يعكسه بمجرد أن يلمسه، ولن ترمي عليه ميساكا إيموتو أي هجمات كهربائية مباشرة. طار الشرر من حوله، ولكنه ما وجَدَ هجومًا مباشراً.
بماذا تُفكر هذه؟ فكر الوحش وصر أسنانه. ثم أدرك أن الهواء ينقص منه. ظن للحظة أنه ربما تكلم كثيرًا وهو يركض فراحَ عنه الأكسجين، لكن كان هناك شيء آخر...
شمّ شيئًا. فرَنّت صفارة إنذار في عقله من الرائحة الحادة.
«"لا رياح في هذه الليلة...»
صدىٰ صوت ميساكا إيموتو في ساحة التبديل الساكنة.
«...مما يعني أن ميساكا قد تملك فرصة للانتصار،" تقول ميساكا وهي تلتفت.»
أكسلريتر أعاد التأمل في الوضع من حوله. لا تزال ميساكا إيموتو تهرب، والبرق يُنشأ من حوله، وضيق تنفس غير عادي أصابه، وهو نفسه الذي يعكس أي هجوم يُوَجّه له...
أوووه، فهمت. أوزون!
من الممكن تفكيك الأكسجين في الهواء باستخدام شحنة كهربائية. عادةً ما يتكون الأكسجين الذي نعرفه من ذرتي أكسجين، ولكن إذا فككت هذه الذرتين، ستميل الذرات إلى أن تجتمع في ثلاث ذرات أخرى لتُكَوّن "أوزون".
الأكسجين والأوزون يختلفان تمامًا، فلن تملئ رئتيك بتنفس الأوزون.
وكما هو واضح من استخداماته في المطهرات والمعقمات، فإن الأوزون سام.
لم يكن هناك هجوم يصل إلى أكسلريتر أبدًا، ولكنه كحال البشر الآخرين؛ يتنفس الأكسجين ويطرح ثاني أكسيد الكربون. لذا... إذا استُنزف الأكسجين من حوله كاملاً، فإنه سيعاني من حرمان في الأكسجين، ويختنق.
لا داعي لميساكا إيموتو أن تقترب منه. بدل هذا، ابتعدت عنه قدر الإمكان واستمرت في سرقة الأكسجين في مواقعٍ لن تصيبها هجماته – هذا هو الجزء المهم.
«ممتاز، ممتاز! أسحب كلامي، أنت أفضل الأخوات حتى الآن! وأجدرهن خصمًا! هَهَهَه، طار عني الملل! بعد أن قتلت عشرة آلاف منكن، أخيرًا جئتِ بشيءٍ قد ينفع!»
ابتسم أكسلريتر وهو يتمسك بمطاردته. كان يبتسم بفرح مفرط، حتى وإن كان هو في الطرف الخاسر.
«لكن، فيها عيب!»
فجأة، ارتعش كتفي ميساكا إيموتو ورجّت لثانية، ثم تابع الوحش:
«إذا أمسكتك، فإن خطتك فشلت!!»
وعند قدمه، انفجر الحصى خلفه. ربما غيّر مُتّجه قدمه. وكأنه أطلق صاروخاً أسفل قدمه، انطلق مسافة سبعة أمتار إلى الأمام كالرصاصة في خطوة واحدة. انصدمت ميساكا إيموتو، فحاولت القفز للخلف — لكن أكسلريتر اقترب منها بسرعة وقسوة أكبر بكثير مما كانت تتصور.
«انتهبي، تجنبيها بكل ما لديكِ، وإلا تموتين!»
وهو يصرخ، ضرب بيده اليسرى، كانت لطيفة حتى بدت كأنها لمسة في وجنها... لكن عندما لامست يده، سُمِعت تشققات وتشنجات من رقبة ميساكا إيموتو. دارت رؤيتها للعالم، ودار جسمها كله في الهواء، وسقطت بقوة على الحصى.
ولكنه تساهل معها.
لو أراد قتلها حقًا، لانفجر جسمها في اللحظة التي لمس فيها جلدها.
«حسنًا، إليكِ سؤال. كم مرة مُتِ حتى الآن؟!»
بضحكةٍ مكسورة، بدا أكسلريتر كظلام يتغلغل في الوجود.
توسعت ابتسامته عريضاً في عينيها.
فتح فمه كفاية ليسقط منه لُعاب، وفي وجهه شماتة على حالها.
من هنا فصاعدًا، بات السيطرة لأكسلريتر. مستغلاً هذه الثغرة في دفاعها، رفع الوحش طرف حذائه وركل ظهرها المقوس ليمنعها من القيام. وُزِنت كل ضربة لتُكسر جسدها دون قتلها. غمرتها دوامة من الألم كأن مضربًا معدنياً يضربها مرات ومرات.
«أغغخ...!»
حتى أنها ما عادت تقدر رفع ظهرها، فاستسلمت ميساكا إيموتو أمام الركلات وخارت قواها فسقطت بوجهها على الأرض. انساب الدم من فوق عين واحدة فحجبت الرؤية؛ هل تمزق جبينها؟ تضبضبت رؤيتها بينما أخذ أكسلريتر نفسًا عميقًا. مسح اللعاب المتقطر من فمه العريض بيد واحدة.
بعد كل هذا، ما حَمَلَت ميساكا إيموتو أي غضب تجاهه. لم يكن الأمر أنها لا تستطيع أن تكرهه لو أرادت؛ بل أنها لم تتعلم قيمة حياتها أبدًا. ستنتهي التجربة التي استخدمت حياة ميساكا إيموتو بقيمة 180,000 ين ياباني، وستُجمع بقاياها وتُصرف كما لو كانت ضفدعة بعد التشريح.
هذا كان كل شيء.
يجب أن يكون هذا الكل شيء.
ومع ذلك، توقف أكسلريتر فجأة، قد لاحظ شيئًا. لف رقبته ببط لينظر ما كان خلفه.
ماذا...؟
من وضْعِ ميساكا إيموتو بوجهها على الأرض، كان جسد أكسِلَريتر بمثابة جدار يحجب رؤيتها لما كان ينظر إليه. لكن أكسلريتر تجمد.
التجربة برمتها كانت موجودة من أجل رفعه من "الأقوى" إلى "المنيع"، ولكن يبدو أنه نسي كل ذلك.
«...أنتِ، ماذا سيحدث للتجربة الآن؟» سألها فجأة، ولا يزال ثابتاً.
شعرت ميساكا إيموتو أن هذا سؤالٌ غريب تسأله لشخص تحاول قتله. لكن مهما مضى من وقت، لا يزال أكسلريتر ثابتاً.
زحفت ميساكا إيموتو على الحصى واتبعت نظرته.
هناك رأت شخصًا عاديًا ما ارتبط بالتجربة.
هناك رأت كاميجو توما واقفاً.
لم يعلم أكسلريتر أي إجراءات يتخذها بدخول مدنيٍّ أرض التجربة، ما كان عنده كُتَيب لهذا. اكتفى بالنظر إلى طالب الثانوية بنظرة متشككة.
«...ابتعد عنها.»
قال كاميجو وكأنه يطعن بالكلمات أكسلريتر.
غمر جسده بالكامل غضبٌ كأن كهرباء ساكنة ستفرقع منه إذا لمسته.
«قلت لك، ابتعد عن ميساكا إيموتو الآن، ألا تسمع؟!»
عبس وجه أكسلريتر على هذا. ثم التفت أخيراً إلى الفتاة. وبنظرة حمراء طالعها.
«يا أنتِ. ميساكا هو اسم نموذجك، صح؟ إن كان يعرف هذا الاسم، فهو يعرفك أيضًا. لا تجلبي المدنيين إلى المنطقة الاختبار يا أنتِ!»
بدت تعابير أكسلريتر وكأن متعته اختربت بمجيء كاميجو.
«حقاً، حيّرتيني ماذا أفعل؟ هل أُخرس ذاك الفتى لأتأكد من أنه لن يتحدث عن أسرار التجربة لأحدٍ آخر؟ تباً، سيترك هذا طعمًا سيئاً في فمي. أعني، هو ليس دمية أتخلص منها مثلك، هو بشر—»
«قلت، كُفّ عن ثرثرتك هذه وابتعد عنها أيها الواطي!!» [1]
صرخة كاميجو الهائجة أوقفت كلام أكسلريتر.
نظر إليه، فلم يصدق عينيه.
نظر كما لو كان طفلاً لم يُجادل منذ ولادته.
«من تظن نفسك؟ لا تدري أنتَ من تُغضب هنا. قلتَ عني واطي؟ ليس أنني أحد سبعة المستوى 5 وحسب، بل إنني على قمة هذه المدينة الأكاديمية بأكملها، وتُسمّيني واطي؟! أترىٰ نفسك إلهًا أم ماذا؟ لا تضحكني.»
صوته المنخفض، الهادئ، والمليء بالكهرباء الساكنة انبثق إلى الهواء بينهما.
كأن شرّهُ الهائل حَوّل كل ظلمة الليل إلى ملايين العيون؛ وكلها تنظر إلى كاميجو.
«...»
ومع ذلك، استمر الفتى شازراً في أكسلريتر.
عيناه الحارقتان أخبرت بصمت أنه لا يهمه ما إذا كان خصمه الأقوى أو الأعلى أو الأفضل أو مثل هذا.
«هيه... شوّقتني...»
تجمدت عينا أكسلريتر فوراً.
هناك فرق بين أن تكون "الأقوى" وأن تكون "المنيع". "المنيعة" أشارت إلى أن المعركة محسومة قبل أن بدئِها، بينما "الأقوى" كان لقباً يُكسب ويُنتزع.
بمعنى آخر...
كون أكسلريتر الأقوى يعني فقط أن الناس سيأتون في قتاله ما إن يروه—
«—حقاً أنتَ مُشوّق.»
انتقل تركيزه بعيدًا عن ميساكا واستقر على كاميجو، مما يعني أنه رمى هذه التجربة جانبًا للحظة؛ سَحْقُ كاميجو كان أمرًا أهم مِئة مرة بالنسبة له.
احتوت عيون الصبي الأبيض على حماسة قرمزية وافتراسية.
كانت ابتسامته رقيقة وواسعة—مزقت وجهه كسكين يقطع جبنة.
«...»
ومع ذلك، لم يتراجع كاميجو خطوة حتى.
بل أقدَم.
«"ما الذي...»
ما صدقت ميساكا إيموتو ما تراه.
ذاك الفتى جاءَ يتحدى أكسلريتر — الوحش الذي يمكنه تحدي جيوش العالم بأكملها وعلى وجهه ابتسامة. أتاهُ وبدون أسلحة.
هذا الفتى قال ما قال لأكسلريتر.
أمَرَهُ أن يبتعد عن ميساكا إيموتو فورًا.
مما يعني أن سبب ظهوره على هذه الساحة المعركة...
وسببه في أنه يضع حياته على المحك...
«"ما الذي تفعله؟" تسأل ميساكا،» اهتز صوتها وتلعثمت.
––‹‹ف-فهمت، أنتِ أختها الصغرىٰ. مذهل، حقّاً تشبهان بعض كثيرًا. أيمكن أن يكون طولكما ووزنكما متطابقين أيضًا؟››
ما اهتمّت ميساكا إيموتو كم مرة تموت في هذه التجربة إذْ أن حياتها لم تحمل قيمة.
––‹‹هلا. أردت أن أشكرك على العصير وطرد البراغيث البارحة.››
لكن ما للفتى علاقة بهذه التجربة، ولا يمكن أن يُنتَجَ جملةً مثل الأخوات.
––‹‹صحيح، اسم! هذه قطتك، لذا تحملي مسؤولية تسميتها!››
هل يمكنها أن تدع أصليًا واحدًا يموت لأجل نسخة كثرانة؟
("ما هذا...)
شعرت ميساكا إيموتو بألمٍ طفيف في صدرها.
مهما حاولت، لم تستطع أن تفهم ما كان أو لماذا.
("...ميساكا تحمل شكوكًا عن حالتها العقلية.")
بالرغم من ذلك، أبقى كاميجو فمه مُغلقًا وخطى إلى ساحة المعركة.
حاولت ميساكا إيموتو إيقاف أفكارها وبدأت تتوسل له بالتوقف.
«"ما الذي تفعله؟" تسأل ميساكا للمرة الثانية. "أنت لا تُعوَّض، ومع ذلك، جئت لأجل نسخة يمكن إنتاجه بأي عدد مطلوب. فلماذا جئت لمثلِها؟" تسأل ميساكا للمرة الثالثة والأخيرة.»
ما كان في منطقها تناقض. وكانت لهجتها غير مضطربة. ما قالته بدا مُفكَّرًا به بعناية، وكأنها أتت من برمجتها. هذا دفعها إلى استنتاج أن حالتها العقلية كانت جيدة وسليمة.
على الرغم من ذلك، كان قلبها ينبض بشكل لا يُمكِّن من التحكم به. كان تنفسها ضحلًا بشكل لا يُصدَّق – حاولت مرارًا وتكرارًا التنفس، لكنها لم تتمكن من امتصاص أي أكسجين.
كانت ميساكا إيموتو ترغب في أن توقف ذلك الفتى عن دخول منطقة التجربة.
كانت ميساكا إيموتو ترغب في منع ذلك الفتى من الاصطدام بأكسلريتر.
لكن جسدها البائس والمضطرب لم يستطع التحرك طبيعيًا. لذا وبينما كانت مستلقية على الحصى، واصلت التوسل له ليرجع عن فعله.
لم تدرك أن كلماتها كانت حافزه الأساسي.
«"يمكن صُنع ميساكا تلقائيًا بضغطة زر، طالما توفرت المواد والأدوية اللازمة،" تشرح ميساكا. "ما ميساكا إلا عقلٌ مُستعار في جسمٍ اصطناعي. وسعرها كان 180.000 ين، وغيرها هناك 9968 أخرى في الاحتياطي، لذا فإن إيقاف التجربة لأجلها فقط هو..."»
«اخرسي...» قاطعها الفتى.
«ما...ذا؟» تمتمت ردّاً.
«قلت لكِ اخرسي، فهمتي؟ لا يهمني أي من ذلك. أجساد اصطناعية، عقول مُستعارة. إنتاج تلقائي بضغطة زر بفضل التجهيزات والأدوية اللازمة. سعرك يبلغ 180,000 ين. لا يهمني أي من هذا!!»
صرخ الصبي في سماء الليل مفجرًا غضبه.
ولكن صوته كذلك تثقل بالحزن، كمن ضربته قطرات المطر الباردة.
«جئت لأنقذك! أقاتل لأنقذك أنتِ فقط، وليس أي أحد آخر! فدعي تفاهات الجسم الاصطناعي، والعقل المستعار، وكل ذاك الهراء وارميها فكلها لا تهم!»
لم تستوعب ميساكا إيموتو.
لم تفهم مراد الفتى. لم تكذب في كلامها، بل بالفعل أمكنهم إنتاجها تلقائيًا كما يرغبون. إذا نقصت واحدة، سيُعوضونها، وإذا احتاجوا عشرين ألفًا، سيُضيفون عشرين ألفًا آخرين. هذا كل ما كانت عليه حقًا...
«—منكِ واحدة فقط في العالم يا غبية! الموضوع بهذه البساطة، ولكنكِ لا تفهمين!»
ولكن لسبب ما، وصلتها صرخة الفتى، بقوّةٍ حتى ظنّت أنه سيسعل دمًا.
ليس وكأنها صدّقته.
ما زالت ميساكا إيموتو لا ترىٰ ضيراً في موتها.
ولكن هنا أمامها، كان هناك شخص يصرخ رافضاً خسارة هذا الوجود الصغير.
أكيدٌ أن الفتى لم يمتلك قوّةً خاصة.
وما امتلك شيئاً يجعله جديرًا بلقب أقوى المدينة الأكاديمية.
«لا تموتي أمامي. عندي الكثير لأقوله—»
ومع ذلك، اعتقدت ميساكا إيموتو أن هذا الفتى كان قويًا.
«—لذا سأنقذك الآن. فاخرسي وانظري.»
فكّرت أن طريقته في الحياة جعلته أقوى من أي شخص آخر.
- الجزء 6
ربما كان أكسلريتر الأقوى، ولكنه ليس منيعًا.
طالما كانت قوته "غير طبيعية"، فإن إماجين بريكر كاميجو يمكن أن تكسرها بلمسة بسيطة، حتى لو كانت معجزة سماوية. "انعكاس" أكسلريتر قد يكون دفاعًا لا يُخترق يصد حتى انفجاراً نوويًا، ولكنه لن يحميه من يد كاميجو اليمنى.
سواء كان هو الأقوى، القادر على مقارعة العالم بأسره...
...إذا كان دفاعه "اللا يُخترق" يُكسر عند الإماجين بريكر...
...فإن هناك فرصة للفوز تتربص داخل هذا الهامش الخطأ.
«...»
تحقق كاميجو من حوله.
أينما نظر من حوله، في منطقةٍ بلغ قطرها حوالي مئة متر، وَجَدَ في الأرض الحصى والقضبان الفولاذية. وقفا على هذا الميدان المستوي بلا أماكن للاختباء، وبينهما عشرة أمتار. إذا ركض بكل ما لديه، قد يقطع هذه المسافة في ثلاث أو أربع خطوات فقط.
أوقف نَفَسَه.
ثم خفض جسده قليلاً كنابضٍ.
«أووووووهه!»
بأكسلريتر هدفاً له، انفجر الفتى راكضاً.
لكن خصمه، لم يتحرك. ولم يُحرك يدًا حتى؛ فكلتا يديه راخية على جانبيه ولم يحسب مركز توازنه ولم يُعِدّ نفسه كما الآخر. اكتفى بابتسامة أنها تذوب عبر وجهه، ثم...
-طك-.
كما لو كان يدق إيقاعًا، طقّ أكسلريتر بلطف الحصى بقدمه.
وفي لحظتها، انفجرت الحصى تحت قدمه كأن لغمًا أرضيًا فجّرهم.
انتشرت سحابة من الحصى في كل الاتجاهات، كصوت رمي بندقية قريب.
«...!»
عندما أدرك كاميجو، كان الآوان قد فات.
وما إن رفع ذراعيه حاميًا نفسه، ضربته عشرات الحصى، كبيرةً كانت أم صغيرة، ضربت جسده بصدماتٍ مدهشة حتى رفعت ساقيه عن الأرض قليل. ما انتبه أنه قد طُرد إلى الوراء بشدة إلا لاحقاً. تدحرج وتدحرج عدة أمتار، ثم وصل أخيرًا إلى نقطة التوقف.
«...بطيءٌ بطيء.» قال صوتٌ كريه بدا كمعدنٍ صدئٍ يكشط آخر.
أربك الألم الشديد كاميجو، فنظر فزعًا تجاه الصوت ونسي تمامًا الوقوف مرة أخرى.
«لا تستحق وقتي أبدًا. فأنت بطيءٌ حدّ المووووووت!»
دعس أكسلريتر الأرض ثانية، فتغيّرت مُتّجهات السكة الفولاذية عند قدميه بشكلٍ مذهل حيث أنها استقامت على نهايتها كأن نابضاً تحتها. ثم رفع أكسلريتر ذراعه وضرب بظهر يده السكة الفولاذية كمن يبعد شبكة عنكبوت.
كان فعله هذا تقريبًا كمن يضرب ضربة خفيفة على رأس طفلٍ مزعج، فحدث رنينٌ كبير كجرس الكنيسة تردد صداه في كل أنحاء ساحة التبديل. ومع هذا الرنين انحنى قضيب السكة الفولاذية لتُشكّل حرف V ثم طارت مباشرة نحو كاميجو كالرصاصة.
«!!»
تدحرج كاميجو سريعًا على الأرض ثم قفز جانباً.
لحظة لاحقة، اخترقت كتلة الفولاذ المهشم المنطقة التي كان فيها كاميجو، كالسيف المقدس.
بالكاد تجنبتها! فكر كاميجو، حيث أثارت صدمة ضربة الفولاذ الثقيل عاصفة من الحصى، بدت كشهابٍ سقط في المحيط.
ضرب عدد لا يحصى من الحصى الصغيرة جسده بأكمله.
وصدمة في صدره أحْرَمَتهُ من الأكسجين.
«غع... هه...»
سقط على الأرض، وأرسل أكسلريتر قضيبين آخرين يطيران نحوه، ثم ثالث.
كانت كتل الفولاذ الطائرة في الهواء صعبة تجنبها كرصاصات المسدس.
لو ضربته واحدة، فالموت مآله. حتى لو نجح في التغلغل من بينها، فسينزل عليه مطر من الحصى كالرصاص المشتت. ومع مرور الوقت، سيقضي التلف والضرر التراكمي على حياته.
كل ما عساه يقدر هو التدحرج عبر الأرض. وكل ما اقتدر عليه هو أن يحاول قراءة الاتجاه التي ستُرتسل إليه الحصى ليقفز في نفس اتجاهها ليُقلل من ضررها قدر الإمكان... هذا بالكاد كان خياره الوحيد.
لا يمكنه الاقتراب.
تجنب عشرة أو عشرين قضيبًا فولاذياً، وهو يتعرض في الوقت نفسه للحصى والغبار؛ وأثناء هذا، كان ينتقل تدريجياً من وسط ساحة تبديل القطارات إلى حوافها الخارجية.
وحتى بهذا، شعر كاميجو أن المعركة تقفّلت في وجهه حيث ما وَجَدَ أي تَقدُّمٍ ممكن.
كان صحيحًا أن المعركة كانت من طرفٍ واحدٍ هو خاسرُها، لكنه علم أيضًا أن أكسلريتر لم ينجح بعد في توجيه ضربةٍ حاسمة.
وحينها، قَطْعَةٌ من الهواء قطعت قطار أفكاره.
«...؟»
فجأة قفز كاميجو إلى الوراء، ظاناً أن سكة فولاذية تطير نحوه... وحتى يُخفف من تأثير تفجير الحصى قدرما يستطيع. على أن هذه كانت نيته، إلا أن القضيب المعدني، لسبب ما، لم يأتِ بعد.
ما زال في حالة تأهب، جعّد كاميجو حاجبيه بشكٍّ...
...حينما رأى عمودًا فولاذيًا مرّ مباشرة فوق رأسه فطعن الأرض خلفه.
«؟!»
في تلك اللحظة، كان قد قفز إلى الوراء ليُخفف الضربة من أمامه.
فهاجمته أمطار الحصى من خلفه على مسافةٍ صفرية. كانت أشبه باصطدام شاحنة تسير بسرعة 100 كيلومتر في الساعة بشاحنة أخرى تسير بنفس السرعة. تراجعه للوراء كانت غلطة عادت عليه بالسوء. اختنق بشدة كأن شخصًا ما ضربه بمضرب بيسبول معدني بأقصى قوته، فسقط كاميجو مثيراً للشفقة على الأرض.
استمر صوت الأجسام تقطع سماء الليل.
رفع كاميجو رأسه ليرى العديد من القضبان الفولاذية تتساقط من السماء.
ما...؟
حاول التدحرج فوراً ليتجنبها، لكن القضبان طعنت الأرض حينها في كل اتجاه. طارت كتل ضخمة من الحصى نحوه. كان هذا تقريباً كأن تكون محاصراً بين خمسة أو ستة أنفار.
في هذه الحالة، ما استطاع الدفاع ولا الابتعاد. خياراته اختفت، وأكثر من مئة ضربة ضربته من رأسه إلى أخمص قدميه، انضرب كامل جسده مما أبداه رُبياناً سُحِبَ من المحيط وإلى الأرض انرمى.
«غعه... غِه... آغه...! ها... هااا...!»
مع ذلك، أمسك بإحدى القضبان التي برزت من الأرض واتكئ عليها ليرفع نفسه من جديد. ما زالت ساقاه ترتعشان من هجمات ميكوتو السابقة، ولقد استطعم الدم في فمه أيضاً.
وبينما كان وعيه يتدلى على حافة الهاوية، رأىٰ ذلك.
بعيدًا أمامه، وجد أكسلريتر يُخفض جسمه كأنه نابضٌ على وشك الإنطلاق.
«أها! طالع! أنتَ بطيء، بطيء، بطيء، بطيء للغاية! كخنزير مآله أن يؤكل! ارفع مستواك وكن ثعلبًا وأمتعني قليلاً، أيا الواطي!»
كان بينهما ثلاثون مترا.
دون أي اعتبار لهذه الحقيقة، قطع أكسلريتر هذه المسافة بخطوتين فقط.
تفجرت الحصى تحت قدميه كصاروخٍ ينطلق. أقترب من كاميجو كحجرٍ يقفز فوق سطح الماء. بسرعة لا تصدق، دخل نطاق الذراع مع كاميجو.
غاص التوتر جوف كاميجو.
حاول فوراً أن يمد ذراعه، لكن قدم أكسلريتر ركلت الأرض قبل ذلك.
انفكّت براغي السكة الفولاذية كأنها أزرار قميص من تحته فقفزت في الهواء كأن نابضاً أقفزها.
وقبل أن يُذهل كاميجو، ضرب القضيب من تحته فكّه.
«غغاه...!»
ارتفع جسده في الهواء. كانت قدميه على بعد عشرين سنتيمترًا من الأرض. نظر أكسلريتر إليه برضا، ثم وهو مُتجهٌ نحو جسده العائم المكشوف، فتح الوحش أصابع يده اليمنى كأنها مخالب شيطان.
كانت نفس اليد التي رمت عليه قضيباً فولاذياً كالرصاصة بلمسةٍ واحدة طفيفة.
«...!!»
ما إن رآها كاميجو تتجه صوبه كما لو كانت ثعباناً سامًا، مدّ يده اليمنى، ولو أنه لا يزال معلقاً في الهواء. وبطريقة ما، أزاحت يَدُهُ يد أكسلريتر.
وبهذا الفعل البسيط...
...طالعهُ أكسلريتر بنظرة دهشة تامة، كأنه رأى العجب...
...وداس بقوة على الأرض كأنه يحاول دفع القلق عن عقله.
الحصى القاتل الذي اندلع من تحته ضرب كل جزءٍ من كاميجو المرفوع. خار عنه النَفَس، ثم سقط على الأرض واهناً كالجثة. دار على ظهره لعدة أمتار متدحرجًا بأطرافه ممدودة. ثم اصطدم ظهره بشيء ليتوقف أخيرًا.
«...؟»
كان جدار حاويات.
لقد كان جزءًا من أكوام الحاويات التي تحيط بساحة التبديل. كان أكسلريتر وميساكا إيموتو في وسط المنطقة، ولكن يبدو أنه ابتعد عشرات الأمتار أثناء تدحرجه المتواصل.
الكومة كانت عالية بخمس أو ست صناديق، وصل ارتفاعها قرابة ثلاث طوابق.
نظر إلى جدار الحاويات الذي استند ظهره إليه، لكن...
«هوو، وعندك وقت لتنظر بعيدًا؟! إن أردت موتاً كهذا، فسأصنع من جثتك فوضى عظيمة حتى تُسجل في غينيس!!»
سمع ضحكاً جنونياً.
استدار كاميجو محمومًا للخلف في الوقت تمامًا ليرىٰ أكسِلَريتر يربض ثم قفز عدة أمتار عاليًا من أرض الحصى. كانت قفزةً ثابتة دون ركضة، ومع ذلك عَلَت صورته النحيلة سريعًا إلى ذروة بلغت أربعة أمتار.
فوَجّه الوحش ركلة طائرة مستهدفاً مباشرة رأس كاميجو بكامل وزنه.
وعلى الفور تدحرج كاميجو ليجنبها، فاصطدمت قدم أكسلريتر بالجدار المعدني للحاويات حيث كان فيها كاميجو منذ قليل.
-طو!!- صدح الصوت أعالي المكان كدقّ جرس الكنيسة.
فجأة، انهار جبل الحاويات.
كان مثل أن تسحب طوبًا واحدًا من أسفل بُنيانٍ شاهق فتراه كله يسقط.
سحقت ركلة أكسلريتر أساس الحاويات كجبلٍ من الورق. وعلى الفور، بدأت الحاويات في الطبقات العلوية من فوق تتأرجح، ثم سقطت. وما انتهت الأمور هكذا، بل جذبت الحاويات المجاورة معها، وسقطت كل سلسلة من الحاويات كالدومينو.
استنشق كاميجو الهواء ونظر لأعلى.
طارت حاوياتٌ في الهواء ودارت ودارت كالنرد، ونزلت عليه من فوق كالمطر.
«!»
قفز على الفور هرعًا. كاد أن يقفز جانبًا ليتجنب الحاويات القادمة، لكن قبل ذلك، لاحظ شيئًا ما في زاوية عينه.
انحنى أكسلريتر بجسده كاملاً كأنه زنبرك.
وفي لحظتها، انفجر الوحش نحوه بسرعة كالرصاصة مطاردًا كاميجو الذي حاول الهروب من الحاويات الساقطة.
يقدر أكسلريتر على عكس وردع أي صدمة، فلا داعي أن يقلق من مطر الحاويات حتى لو بلغ وزن كلٍّ منهم طِناً.
ولكن الحكاية مختلفة تمامًا مع كاميجو.
إذا حاول تجنب الحاويات الساقطة من فوقه، لن يقدر على تجنب هجوم أكسلريتر...
...لكن إذا حاول التصدي لأكسلريتر بيمناه، فسوف يُسحق تحت الحاويات.
«...!»
لم يهدر أي وقت. ركل كاميجو الحصى تحت قدميه نحو المفترس المقترب.
بالطبع، لن يوقفه هذا.
«هاها! أتحسب هذا ينجح أم ماذا؟ إذا نويت شيئًا، فأحسنه على الأقل!!»
اصطدم الحصى بجسم أكسلريتر، وعندما حدث هذا، انقلبت مسارات الحصى، فارتدت مباشرةً إلى كاميجو ضِعف ما أتت.
عَقَدَ كاميجو فورًا ذراعيه ليحمي وجهه وصدره.
لم تمر لحظة حتى اِعتدى عليه مجموعة الحصى بقوة البندقية، فطار جسده إلى الوراء عدة أمتار.
وبهذا تجنب الحاويات الساقطة...
...وكذلك وضع مسافة بينه وبين أكسلريتر.
«هييۤ؟»
أصدر أكسلريتر صوتاً يكاد يكون إعجاباً. وفورها، ضربته كل الحاويات الساقطة. طارت سحابة ضخمة من الحصى في الهواء، وغط الغبار كل شيء وعَتَمت بصر كاميجو. ثم جاء سرب من الحاويات تقطع السحابة، تتدحرج نحوه برغبة في القتل. رقصوا حوله بلا مجال للتنبؤ كأنهم امتلكوا وعيًا.
وَل...!
اجتهد كاميجو أقصاه ليقفز جانباً فارّاً من الحاويات.
للحظة، توقفت الحاويات، لكن الغبار الذي أثاروه عرقل رؤيته. لا، ما كان غبارًا. على ما يبدو، امتلئت الحاويات بطحينٍ أو بودرة بيضاء. وَجَدَ نفسه غير قادر على رؤية قدم من أمام بسبب الضباب المسحوقي.
أحاطته ستارة بيضاء بزاوية 360.
لم يعرف متى أو أين سيأتي أكسلريتر ليهاجمه من خلالها. تسلل قلقٌ يائس إلى داخله. شعر وكأنه ألقي في قفص وحشٍ بري وهو معصوب العينين.
وفجأة، سمع صوتًا يأتي من الضباب الأبيض أمامه.
كأن الوحش يكشف عن مخبئه متعمدًا في الضباب.
‹‹‹هِيه. يبدو أن في الحاويات طحين. ولا رياح اليوم، هِي هِي، إنكَ الآن في موقفٍ لا يُحسد عليه، لو تدري.›››
«؟» راقب كاميجو بشك وهو ينتظر خروج خصمه، لكن...
‹‹‹أسمعتَ يومًا بقصصٍ عن إنفجارات المناجم فجأةً؟ بعضها لا تحدث بفعل فاعل، أو لأن أحدٍ لم يحسن في المتفجرات.››› كشف الصوت المرح عن ابتسامةٍ تملى الوجه. ‹‹‹بل أن بعضها حدثت بتصادم الغبار مع الصخور في المناجم. تمامًا كحالنا الآن.›››
ارتعشت كتفا كاميجو.
فجأة، أدرك مقصد أكسلريتر، وحاول على الفور أن يسحب جسده المنهك بعيدًا عن هنا.
‹‹‹إن طاف مسحوقٌ في الهواء، فممكنٌ أن يشتعل. وتزداد سرعة احتراق الأكسجين حينها إلىٰ سرعاتٍ جنونية؛ حتى يصير كل الهواء الموجود في المنطقة قنبلةً ضخمة.›››
لم يعد كاميجو يستمع.
دون أن يلقي نظرة أخرى، ركض مبتعدًا عن هناك في أسرع وقتٍ ممكن.
ولّىٰ الدبر هربًا من الفضاء الضخم المغطى بالمسحوق.
ركض، وركض، وركض أكثر.
ثم اخترق صوت أكسلريتر ظهر كاميجو.
‹‹‹أكيدٌ أنكَ سمعتَ على الأقل بالانفجار الغباري.›››
وفوراً حينها، خمدت كل الأصوات.
المنطقة التي انتشرت فيها جزيئات الطحين، بقطر ثلاثين مترًا، تحولت إلىٰ قنبلة ضخمة. كأن بنزيناً بحالة غازية قد أُشعل، وانفجر الهواء من حوله إلى عاصفة من اللهب والرياح المشتعلة.
كاميجو نجح بالكاد في الهروب من ستار الضباب المسحوقي.
لكن موجة الصدمة ضربت ظهره وألقت جسده على الحصى، لكنه على الأقل نجا من أن تصيبه النار.
ومع ذلك، الفارق بين انفجار الغبار والانفجار العادي هو كيف يحترق الأكسجين في الهواء. استنفذ هذا الانفجار كل الأكسجين من حوله في لمحة بصر، مما خفّض بشكل ملحوظ ضغط الهواء.
لحسن الحظ، كانوا في مساحةٍ مفتوحة لا مغلقة، لذلك لم يكفي هذا لخلق فراغ. ومع ذلك، التغيير الكبير في الضغطِ ضَغَطَ أحشائه بشدة. ولو كان هذا فراغًا، لانفجر جسده فُتاتا.
«غاه... آآهه...!»
نجح كاميجو بصعوبة بتحريك جسده المصاب ليقف بصعوبة على قدميه.
أضاء بحر اللهب ساحة التبديل كأن الظهيرة قد حلّت. التفت كاميجو ليرى حيث كانت الحاويات التي فر منها.
خرج أكسلريتر من بحر اللهب وراحَ يتجه نحوه.
بهدوءٍ تَقدّم، في وسط بحر جهنم القرمزي الذي خلقه بنفسه.
«يا رجل. ما لي لا أتعلم، ألم أمُرّ بهذا توّي؟ نقص الأكسجين لموجعٌ لي، فإني بشرٌ في الأخير. تباً، حسبتُ نفسي أموت لوهلة. افتخر بهذا أيها الوغد، لربما تكون أول إنسانٍ في العالم يوصلني أنا، أكسلريتر، إلى حافة الموت.»
بدا صوته عفويًا حقاً كمن يحادث محادثة عابرة.
«كيْ كيْ. لعلي أشطب ذلك اللقب الذي عُرفت فيه؛ عن أنني سأعيش من انفجارٍ نووي. نعم، أو ربما آتي مع أسطوانة أكسجين. سمعتُ أنهم يصنعون بعضاً بحجم الزجاجة، صح؟ أتدري كم تكلف؟»
رأىٰ كاميجو الوحش يُدردش ساخراً وهو يمشي وسط الجحيم، مثل هذا المشهد أرعبه.
«...!»
حاول على الفور أن يتموضع في وضعية قتالية.
ومع ذلك، قد امتدت الأضرار إلى ساقيه، وكانت ترتعش بشدة.
«...إذن؟ ما الذي تُعِدُّ له حتى؟» سأل أكسلريتر داخل النيران مائلًا رأسه كالطفل البريء. «كل مجهوداتك السقيمة لم تُقرّبك مني خطوة. وحتى لو فعلت بمعجزة، ماذا تقدر؟» شرع ذراعيه واسعًا وسط اللهب.
«كل مُتّجهٍ يلمس جسدي، أُغَيّره. حتى تدفق الدم أُغيّره، فهل فهمت؟ لذا حتى لو لمستني صدفةً، ينتهي حالك. كل شريانٍ وكل عُضْوٍ فيك سينفجر وتموت، فهل تفهم حقاً؟»
«...»
تجمدت أرجل كاميجو المرتجفة.
حتى لو كسرت يمنى كاميجو انعكاس أكسلريتر...
فماذا يمكنه بعد هذا؟
أمكنه لمس أكسلريتر فقط بيمينه، وهذا يعني أنه كان يقاتل بيدٍ مختومة. وحتى لو نجحت يده في الوصول إلى وجه أكسلريتر، إذا أمسك الأخير بذراعه قبل أن يسحبها...
ابتسم الوحش الأبيض بودية أمام المتجمد كاميجو.
«حسناً. لا تقلق نفسك كثيراً بهذا الشأن. هيّا، لقد بذلت مجهوداً عظيماً. حقيقةً أنك ما تزال تتنفس أمام العظيم أكسِلَريتر بحد ذاته لهي معجزة لا تصدق. فلا تطمع وتطلب المزيد.»
ضحك إليه بوديّة في وسط هذه المواجهة المميتة.
«وَيلٌ لك، من حظّك أن إمكاناتك منخفضة هذا القدر، لإن انعكاسي لن يعمل جيدًا أمام هذا الضعف! يا رجل، حقاً وجدتَ فيَّ نقطة ضعف. لو كنتَ أحد الطلاب الجدجمنت الأغبياء أو أحد أفراد الأنتي-سكيل المُسلّحين بتكنولوجية عالية، لانتهت المعركة من أول ضربة.»
هتف أكسلريتر، وهو يقف في ذلك المحيط المتوهج.
ثم، بصوت يبدو مؤنساً ومقدراً بصدق...
«أبليت حسناً. فعلاً، أبليت وأوفيت... فهيّا استرح ونم.»
انخفض جسده ببطء من خلال النيران.
-هوووع!- وبهديرٍ عَلَى المكان، اندفع الفتى الأبيض نحو كاميجو بسرعة رصاصة، مبدداً حتى بحر النيران في هذه العملية. علىٰ أن بينهما عشرات الأمتار، إلا أنه قطعها في خطوتين أو ثلاثة. تغلغل مباشرة صوب كاميجو كما يقفز الحجر على الماء.
«...!»
دقدق قلبه سريعًا من التوتر من بطنه إلى طرف أنفه.
يمين البلاء ويسار الهلاك.
تلك اليدين القادرة على تغيير مُتّجه أي شيء تلامسهما، وفي الوقت نفسه هي يدين مظلمتين قادرة على إزهاق حياة أي مخلوق فورًا وأكيد. على سبيل المثال، يمكن للمسةٍ بسيطة على الجلد أن تعكس تدفق الدم في الشرايين أو اتجاه الحقل البيوكهربائي حول الجسم – وفي كلتا الحالتين، سينفجر قلب المرء.
وضع أكسِلَريتر يديه معًا.
ضغط رسغيه معًا كأنه يرتدي أصفادا، ووجههما نحو وجه كاميجو.
حاول على الفور الانسحاب، لكن ساقيه المرتجفتين تشابكت. كانت القدرة على تحريكهما بشكل صحيح شيئًا لم يقدر فعله.
اقتربت تلكما اليدين من وجهه، جاهزةً لزهق روحه.
«تببّااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا!!»
أغلق عينيه لا إراديًا، ثم رمى بيمينه دون أن يعرف حتى ما كان يستهدف...
وبإحساسٍ باهت، لَكَمَتْ يَمينُهُ وجْهَ أكسلريتر.
«ها؟»
أول من اندهش بالنتيجة لم يكن أكسلريتر بل كان كاميجو نفسه. ما ظنّ أنه يُصيبه. وحتى لو وصلت اللكمة، ما ظنّ أنها تؤذيه مثل هذه اللكمة الضعيفة والواهنة.
ومع ذلك، ها هو أكسلريتر سقط على الحصى والأرض القذرة.
«ها؟ هذا... يؤلم...؟ كِهْ كِهْ. ما كان هذا؟ شوّقتني. كِهْ كِهْ كِهْ، اللعنة عليك. عظيم، عظيم! أبليت حسناً يا هذا!!»
انخفض الفتى الأبيض الشاحب على الأرض، كشيطانٍ يوشك أن يُخرج جناحيه.
ومع ذلك، ما كان كاميجو بمُستمع إليه.
الآن بما أنه فكر، كانت هناك غرابةٌ منذ البداية.
لقد حارب أكسلريتر حتى الآن، فلماذا لم يدركها قبلًا؟
كان بينهما عائق طاغي يفصلهما. أكسِلَريتر يقتدر قتل النَفْس بلمسة. وفي المقابل، سيموت كاميجو على الفور إذا لمسه بأي شي عدى يده اليمنى.
وزيادة على هذا، كانت الأضرار التي تلقاها من هجمات برق ميكوتو ما تزال تؤثر فيه، ولم يكن في حالة صحيحة ليحرك ساقيه.
ومع ذلك... علىٰ أنه كان يحارب بمثل هذه العوائق...
...أيمكن...؟
اندفع أكسلريتر مباشرة إليه.
بيده اليمنى تلك التي تقتل المرء بلمسه، انطلقت مباشرة نحو وجهه...
...أيمكن أنه...؟
تجنب كاميجو الضربة ببساطة بميل رأسه جانبًا.
ما تدرب في الجيش يومًا ولا عنده خبرات السنين، لكن بمثل هذا الهجوم...؟ كان سهلاً تجنبه.
هل هو...؟
قبض يمينهُ قبضةً.
ثم اقترب أكثر من أكسِلَريتر، الذي فشل في هجومه، ليوجه ضربةً مضادة.
أيمكن أنه فعلاً... ضعيف؟
«غعاه؟!»
ضربت قبضة كاميجو مباشرة وجه أكسلريتر. لم تفلح يد أكسلريتر –التي انطلقت نحوه بشكل سكين– في أن تلمس حتى بشرة كاميجو. انزلق كاميجو من ذراعي أكسلريتر المتموجة كالثعابين ونزل بقبضاتٍ متتالية على وجه خصمه مراراً وتكراراً.
«اللعنة، ما هذا؟ ما لهذه الحركات العجيبة؟! لستَ بحيّةٍ فكُفّ عن التلوي هكذا!!»
حاول أكسِلَريتر التقاط القبضة التي طعنت وجهه، لكن يد كاميجو انسلت بسلاسة جدًا.
«هَه، لم تخسر أبدًا، ها؟» استهزأ كاميجو، ورقص بخطواتٍ تقفز هنا وهناك. «لهذا السبب بالضبط أنتَ ضعيف! دائمًا هزمت خصومك بلمسة، ويمكنك أن تعكس أي هجوم بسهولة. شخصٌ مثلك لن يعرف أبدًا كيف يُقاتل!»
نعم – هذا لخّص الفارق بينهما.
أكسلريتر لم يتقاتل مع أي أحد قط – إنما كان يقتلهم من طرف. وبسبب القوة الفائقة، ما احتاج أبدًا أن يتعلم القتال الحقيقي.
رأىٰ في وضع أكسلريتر الفوضى. لم يتمكن من تشكيل قبضةٍ، بل كان يعتزم ببساطة أن يطعنه بأصابعه، كأنه سكين. ولم يفكر أيضًا في طريقة توزيع وزنه أو مركز ثقله.
ولكن قوة أكسلريتر كانت بتلك الجبروت حتى ما احتاج أن يقلق بأيٍّ من هذا.
إن كنتَ قادرًا على قتل أعداءك بلمسة وفورًا، فهل ستحتاج أن تطور مهاراتٍ قتالية؟
التقنية والجهد – هاتين في الأساس هما الوسائل التي يأخذها الضعفاء ليُعوّضوا نقصهم.
ولكن، "قوة" أكسلريتر ما أتت إلا من قدرته الإسبرية، ولم يحمل قوةً بدنية.
فماذا لو ظهرت يدٌ يمنى تختم هذه القدرة الإسبرية وتُبطلها؟
أكسِلَريتر لم يكن عدوّاً لا يقهر ولا يُهزم مهما اجتهدت.
كان ببساطة الأقوى – عدوٌ صعب التغلب عليه ولا أكثر – إذن...
كانت فرصة كاميجو في الفوز تكمن في تلك الفجوة البسيطة بين أن يكون "منيعًا" وأن يكون "الأقوى".
«تشه... ستندم على هذا، أيها الواطي!»
طرق أكسلريتر الأرض بخفة بقدمه.
قضيب فولاذي نائم تحت أقدامه استقام عاليا.
إذا ضربها، سترمىٰ كتلة الفولاذ هذه نحو جسم كاميجو.
ومع ذلك، لم يسمح كاميجو بذلك.
توقع كاميجو هجومه فتحرك ليعترضه، ورمى بقبضته اليمنى في وجه أكسلريتر مرة أخرى. حينما دحره وانضرب جسده في الأرض، تلاعب الوحش بمُتّجهات الحصى الصغيرة أسفله فرماها نحو أعلى جسم كاميجو.
لكنها لم تصل.
كان هجومًا سهلاً توقعه كثير. فهبط كاميجو قُرَيب الأرض قريب كأنه يكاد يزحف.
ما كان كاميجو مقاتلاً ماهر.
حتى ضد الجانحين العاديين، لن يتمكن إلا بالفوز في قتال فردي؛ ولو كانوا اثنين، ففي الأمر مخاطرة؛ ولو كانوا ثلاثة، فالهرب أول مسعاه. هكذا بلغت مهاراته.
وعلىٰ ذلك، ما قدر أكسلريتر أن يلمسه.
اللكمات التي ألقاها كاميجو بنفسه ما حملت وزناً وراءها، كانت أقرب للكماتٍ تحويلية، ما حملت شِدةً، كانت فقط لقياس العدو. استخدم معظم قوته في سحب ذراعه للخلف من أجل لكمةٍ أمامية.
ومع ذلك، تعرض أكسلريتر لضرباتٍ شديدة.
حقيقة أن أكسِلَريتر لم يخسر أبدًا تعني أيضًا أنه لم يقاتل حقاً من قبل. كانت قوته دائمًا قوية لدرجة أنه لم يملك فرصة لاستخدام قوته البدنية العادية. لم يتمكن كاميجو من سحق جانح بالمطلق في مشاجرات الشوارع، لكنه كان قادرًا على توجيه ضربات قوية لهذا الذي لم يقاتل أبدًا في حياته.
بعد أن تلقى أكسِلَريتر عددًا من اللكمات السريعة على وجهه، مد يده متهورًا وصاح. «...! خ-ها، مُشوّقٌ حقاً. ما هذه اليد اليمنى؟!»
أحدهما كان الأقوىٰ الذي ما ذاق الخسارة أبدًا في حياته.
والآخر كان الأضعف الذي لن يستسلم مهما خاب وخسر.
ومن منهما كان أقوى؟ لعل الكفة تميل نحو كاميجو. إذا خسر مئة مرة، سيقف مئة مرة. وإذا خسر ألف مرة، سيعاود الوقوف ألف مرة. فهو يُحَوّل هذه الخسائر إلى قوة، ومن قوة يُوَجّهُ لكمةً قوية بيمينه إلى أكسِلَريتر.
لطالما اعتاد أكسلريتر أن يعكس أي هجومٍ يأتيه تلقائياً، فحتى لو علم بعقله قدوم ضربةٍ تُهَدِّده، هذا العِلم في عقله لم يستطع ترجمة هذا الخطر إلى إجراءات تُتّخذ. لم يُولي اهتمامًا للّكمات على وجهه؛ بل اتبع متهورًا كاميجو الفار وهو يمد يديه حوله. بدا وكأنه طفل صغير يلعب مع بالغ.
أكسِلَريتر نفسه كان أكثر من فهم هذا، ولم يتحمله.
كانت كرامته كونه أقوى الأكاديمية تترنح بين حفرتي الواقع واللقب، وقد سمع في نفسه صوت صرير.
ألَمٌ غير مألوف بدا أنه على وشك تحطيم أنف أكسِلَريتر، وهذا أدى إلى تشتت انتباهه بشكل أكبر.
«تبا. تبا! تبااااا!!»
وعندما زأر الأكسلريتر، انفجرت الأرض عند قدمه. طار جسده نحو كاميجو كالرصاصة.
قد عدّل مُتّجهات اصطدام كعبه بالأرض، ولقد استخدم الطاقة الحركية المتناثرة ليُسرع حركته ضِعفين أو ثلاث.
ولكن...
«ما هذا؟! لمَ لا أقدر على ضربك مرةً حتى؟!»
بالرغم من سرعته المفترسة، لم يستطع أن يصل إلى كاميجو.
حتى لو كان أسرع، هجومه سيُرَد طالما كان سهلاً توقعه. يمكن استخدام السكين لقتل أحد، ولكن إذا كان طفل أبو 4 سنوات هو من يمسك به، فلا تهديد موجود.
قد حُسِم القتال تقريبًا. تراكمت الأضرار الناجمة عن ضربات كاميجو الخفيفة وارتخت رِجْلي أقوى إسبر في المدينة الأكاديمية.
وما إن خارت القوى عن ركبتي أكسلريتر بصوت صرير...
-طعع!- ضربت قبضة كاميجو مباشرة وجه أكسِلَريتر بكل عزمٍ امتلكته.
ضربه كمضرب يضرب كرة؛ لف خصره واستخدامه رافعة، فاكتفت ضربة كاميجو وحدها برفع أكسِلَريتر من على قدميه، وإلىٰ الأرض طار يتدحرج.
«-لهاث-... -لهاث-...؟!»
رفع أكسِلَريتر وهو مستلقي رأسه ونظر. بعد تأكيده رؤية قدوم كاميجو توما نحوه، استخدم يده ليتلاعب بمتجهات الأرض ليدفع نفسه إلى الوراء ببطء.
آلمته.
بالنسبة لمن كان يعكس تلقائياً أي هجوم يأتيه، كان هذا إحساسًا غير مألوف. بالنسبة له، كانت كل نقاط الألم مجرد مستشعرات تنقل المتعة من جلده إلى دماغه. جهازه العصبي لم يتطور منذ طفولته لينشئ مقاومة "الألم"، وتلك المحفزات الشديدة أشعرته وكأنه على وشك الانفجار.
«...أولئك الأخوات عِشن بكل ما يملكن.» قبض كاميجو يده اليمنى. «حاولن جاهدات البقاء أحياء، وبذلن جهدًا في ذلك...» قال، وهو يضغط على أسنانه. «...فلماذا أصبحن فرائس لأمثالك؟!»
«إيْ!» تجمد أكسلريتر في مكانه.
لكن كاميجو لم يتوقف.
«لا!» هز أكسِلَريتر رأسه.
لم يعرف معنى الخسارة. لم يخسر أبدًا قط – ولا مرةً واحدة في حياته كلها. ما كانت لديه أي درجة من التسامح مع الخسارة.
ومع ذلك، كاميجو لم يتوقف.
داعبت رياح الليل غِرة كاميجو مما أرجحتها كزهرة لا مسمى لها تتفتح في المقبرة.
...رياح؟
أدرك أكسلريتر شيئًا ما أخيرًا عندما حاصره كاميجو الذي بدا كروحٍ شريرة.
الرياح.
«كُهْ...» ضحك أكسِلَريتر، وثبت كاميجو مكانه. لعله استشعر خطراً لا يوصف. ولم يهتم أكسِلَريتر بذلك. الآن بعدما أدرك، كان الأوان قد فات.
«كُهْ كُهْ...»
كانت قوة أكسلريتر هي تغيير مُتّجه أي شيء يلمسه. الحركة، الحرارة، الكهرباء. مهما كانت القوة، إذا كانت تمتلك اتجاهًا، فإنه سيقدر على التلاعب بها.
«كُهْكَ...»
وهذا يعني...
إذا استطاعت يده التقاط اتجاه تيار الرياح في الغلاف الجوي...
فمن الممكن أن يمسك بكامل حركات الرياح العملاقة التي تتدفق في كل ركن من أركان العالم...!
«كُهْكَهْ كِهِهْكَكْـۤ كُكُـهْا كاكْـ كُكُكِكَهۤـ إيكُكْوك كُكُهْ كِهِهْ كُهْكَهْ كِهِهْكَكْـ كاكْـ ككو كي كُكَ كيي كُكَكِكُكْـ هككهْ كـ كاهـ كُكُهْـ إيكُكْوك كُكُهْ كِهِهْ كِكِكِكاااااااااااااااااااااااااااااااا...!!»
مد أكسِلَريتر يده عاليًا كمن يحاول الإمساك بالقمر الخفي.
ضرب صوت الرياح المتدافعة.
شحب وجه الصبي الآخر. قد فاته الأوان. ظهرت دوامة جوية كبيرة بدت وكأنها ثقبٌ انبثق من الأرض فاتخذت شكلاً كرويًا فوق رأس أكسلريتر. والحصى من حوله بدأت ترقص في الهواء بأصوات طقطقةٍ ونقرات. ودوامة الدمار الهائلة، التي بلغ قطرها عشرات الأمتار، أصدرت صرخة فرح مولودٍ جديد.
مبتسمًا، قال أكسِلَريتر: «اقتله.»
كرة الدمار التي انصنعت من أجواء العالم قطعت الرياح...
فتحولت إلى رمحٍ من الريح يطير بسرعة 120 م/ث. وهذه سرعة رياح تكفي لرفع سيارة بسهولة. طار رمح الريح وضرب الصبي بسهولة شديدة كأنه ضُرِب بيدٍ عملاق غير مرئية.
- الجزء 7
الصوت، الرياح، والهواء كلهم هلكوا.
تأمل أكسِلَريتر المشهد الرهيب الذي خلقه.
كانت الحصى –التي غطت الساحة سابقاً– تتمزق في الهواء بفعل الرياح، مما كشف عن تربةٍ هنا وهناك. نُفِخ الصبي للوراء مسافة عشرين متر تقريبًا واصطدم بعمود دعم عنفة الرياح بظهره. ثم انزلق من عمود العنفة وإلى الأرض انهار. ربما كان ليكون أهون عليه لو سقط على الحصى. في كلتا الحالتين، النتيجة النهائية ستكون نفسها. أن تضرب شيئاً بسرعة 120 مترًا في الثانية لم يكن مختلفًا كثيرًا عن اصطدام سيارة دون فرامل.
في الواقع، كاميجو لم يتحرك قيد أنملة. تحت ذلك العمود، كانت أطرافه ممدودة ساكنة. رأى أكسِلَريتر ذلك وشكك فيما إذا كان لا يزال حيّاً.
«...همم.»
بالنسبة لشيءٍ فكر فيه صدفة، كان هذا أقوى مما توقع.
ولكنه كان لا يزال ناقصًا. على عكس انعكاسه التلقائي، تغيير اتجاه شيء ما بإرادته تطلب منه بالطبع أن يأخذ في الاعتبار اتجاهه الأصلي والاتجاه الذي يرغب في تغييره إليه.
الرياح – أو بشكل أكثر دقة، تدفق الهواء – يوصف بمعادلات معقدة تتضمن نظرية الفوضى. بدون حسابات المخطط الشجري، ما كان لأحدٍ أن يتنبأ ولو قريب من تدفق الهواء.
ما ظنّ أن إنساناً واحدًا يمكنه حساب كل تدفقات أجواء العالم في عقلٍ واحد.
ما فعله للتو أخذ كل ما لديه. لقد تلاعب فقط برياح المدينة الأكاديمية.
ولكن، بهذه القوة... ما عاد يريد قوة المستوى 6. إذا تمكن من تحديد تدفق الرياح بشكل أكثر دقة وكمال، فربما يحصل على قوة تقتدر تدمير الكوكب نفسه.
حَمل العالم كله في يديه.
شعور النشوة اجتاح جسد أكسِلَريتر. هذا الإحساس الانتصاري ارتفع إلى حلقه بوضوح بعدما دُفع إلى حافة الهزيمة.
كان مُتيقناً مرة أخرى.
لا شيء في هذا العالم يمكنه إيقافه.
سواء كانت قنبلة نووية أو يد يمنى غريبة، لا شيء يمكن أن يكون عقبة أمامه.
«كِهْ...!» بدأ أكسِلَريتر أخيرًا يضحك. «ما هذا، ما هذا، ما بِكَ؟! تحدثت بغرور، ولكن وقت الجِدِّ خُرتَ، [2] ما أنتَ إلا نَبّاحٌ لا تعض! الآن انهض خاسِرًا لأحطمك ثانيةً وأخيرة!»
صاح إلى الأعلى، ناشرًا ذراعيه كما لو كان يحتضن السماء الليلية.
«اضغط الهواء... اضغط... اضغط. ها؟ فهمت. نعم، أتتني فكرة جهنمية رائعة! هِه؟ هيّا انهض، أيها الأضعف. لن تسوىٰ هذه إن لم تلعب معي أكثر!»
لم يرد كاميجو.
عشرات القضبان الفولاذية كانت تخرج من الأرض، كصلبانٍ شواهد قبور. وفي وسطها، هبّت العواصف الهوجاء والضحكات المجنونة عبر هذه المقبرة كرياح الموت.
الهريرة السوداء عند قدمي ميكوتو ماءت بامتعاض.
وفي لحظتها، دخلت ميساكا ميكوتو ساحة التبديل وحدها.
لقد راقبت معركة كاميجو منذ بدايتها. ومرة وأخرى، أرادت التدخل، لكن فعل ذلك كان سيضمن فشل الخطة. حتى هذه اللحظة، لم تستطع فعل شيء سوى المشاهدة بصمت بينما كان كاميجو يُضرب أكثر وأكثر فأكثر.
وقد وصلت حدودها.
إذا سمحت لذلك الفتى بالقتال أطول، فإنه سيموت حقًا.
«قف مكانك يا أكسِلَريتر!»
من عشرات الأمتار، مدّت ميكوتو يدها. كانت تمسك بعملة موضوعة على إبهامها. ومضت شرارات أرجوانية من جسدها. كل ما كان عليها هو أن ترمي العملة بلمسة خفيفة من إبهامها لتطلقها بثلاثة أضعاف سرعة الصوت، المهارة التي أكسبتها لقبها الشهير: ريلڠن.
لكن أكسِلَريتر لم يلتفت حتى.
زادت الرياح العنيفة شِدّتها كما لو كانت تتحداها.
إذا هجمت، فإن قوتها الكاملة سترتد عليها مباشرة.
أي هجوم قوي يتلقاه سيرتد مباشرة إلى الذي رماه.
«...»
ارتعشت أصابع ميكوتو.
إذا انعكست الريلڠن، فسوف يتحطم جسدها إلى قطع بثلاثة أضعاف سرعة الصوت.
لو تقاتلت هي مع الأكسلريتر، فإنها ستُقتل بعد 185 خطوة. نتيجة هذا الحساب الثابت، التي لفظتها آلة باردة، طعنت في قلب ميكوتو كشظيةٍ جليدية.
رغم ذلك، رفعت عينيها.
ليس أنها أرادت حماية أحدٍ فقط لأنها تقدر على هزيمة عدو.
بل أنها قاتلت عدوّاً لا تقدر هزيمته فقط لأنها أرادت أن تحمي أحدًا.
«...قفي، ميساكا.»
في تلك اللحظة، سمعت اسمها يُنادى.
كان صوتًا ضعيفًا جدًا، لكنه ينتمي إلى فتى مُعَيّن تعرفه جيدًا.
«...توقفي، ميساكا!»
تجمدت يد ميكوتو عند سماع صرخة الألم من كاميجو توما.
في خطة كاميجو، إذا لم يتمكن –العاجز– إماجين بريكر من هزيمة –الخارق– أكسِلَريتر، فلن يتمكنوا من خداع العلماء. تلك الخطة ستفشل في اللحظة التي تتدخل فيها ميكوتو.
إذا لم تتدخل ميكوتو، فإن العاصفة الهوجاء ستسحق جسد كاميجو...
...وإذا تدخلت، فذلك يعني أن كاميجو سيسمح بقتل عشرة آلاف أخوات.
«...»
ومع ذلك، لم تستطع الوقوف ومشاهدة.
بالطبع ما أردات أن تُقتل الأخوات.
عندها طريقة أخرى. إذا خسرت أمام أكسِلَريتر عن قصد، قد يُخدع العلماء ويتوقفوا عن التجربة.
ما أرادت الموت.
في النهاية، لم يهم كم ناضلت. ما امتلكت خيارات أخرى متاحة منذ البداية.
«...آسفة.»
لهذا السبب أخذت هذه الفرصة الأخيرة لتعتذر لكاميجو.
ولا أي من الخيارات التي يمكن أن تتخذها قادرة على إنقاذه. إذا سحقته الرياح الهوجاء، فسوف يموت بالطبع، ولكن إذا اُجبِر على مشاهدة الأخوات يَمُتن أو أن تموت ميكوتو وحدها لإيقاف ذلك، فلن يتمكن من تحمل هذه الحقيقة.
قد تمنى نهاية لا يخسر فيها أحد، لا يخسر فيها أي شيء، ويعود الجميع سعداء. اعتذرت لأنها كانت على وشك أن تُبدد هذا الحلم إلى الأبد.
«لذا أنا آسفة...»
اعتذرت ولو كانت أنانية.
«...ومع هذا، ما زلت أريدك أن تعيش.»
صرخ كاميجو طالبًا منها التوقف.
مد يدًا لن تصلها أبدًا، محاولًا بيئس إيقافها، رغم آلمه وجروحه التي منعته من الوقوف.
ابتسمت ميكوتو بلطف.
لم يدرك الصبي أن صراخه هو ما سمح لميكوتو بالقتال دون خوف من الموت.
«________________________________________»
وجهت يدها اليمنى نحو أكسِلَريتر، العدو الذي لن تهزمه أبدًا.
كل ما عليها فقط هو أن تُنشئ قضباناً مغناطيسية تخيلية ثم تنقر عملتها المعدنية لترمي رميةً لا رجعة فيها. لن يتضرر أكسلريتر بسبب انعكاسه الشامل، لكنها ستقدر على وضع حدٍّ للموت المقترب أمام عينيها.
لِمَ انتهت هكذا؟ لِما لم تنتهي نهاية أخرى؟ لماذا لا يمكن أن تنتهي بأروع طريقة حيث يعود الجميع إلى بيته في النهاية مبتسمين دون أن يخسروا أي شيء؟
طافت أفكار ميكوتو في الهواء. وكأنها يَسخر منها، فتح أكسِلَريتر ذراعيه ونظر إلى السماء الليلية. فجأة، تجمعت كل الرياح العائمة عبر المدينة في نقطة واحدة على بعد مئة متر فوق رأسه. ما إن تجمعت عاصفة عنيفة هناك، ظهر ضوء أبيض ساطع، كالذي تصدره شعلة اللحام.
بلازما.
بضغط الهواء، تُكتسب الحرارة؛ استخدمت المحركات الداخلية هذا المبدأ. انضغط كل الهواء في المدينة الأكاديمية بمعدل ضغط عالٍ للغاية، وتحولت إلى كرة فائقة السخونة تزيد حرارتها عن عشرة آلاف درجة مئوية، مما أجبر الذرات في الهواء القريب على الانقسام إلى كاتيونات وإلكترونات، ثم أكملت تحولها إلى حالة بلازمية عالية الطاقة.
ابتلعت نقطة الضوء هذه الهواء المحيط ونَمَت على الفور ليصير نصف قطرها 20 متر.
غزا النور الأبيض ظلام المكان.
تسببت حرارة عشرة آلاف درجة في ألم حارق على جلد ميكوتو.
«!»
صرخ عمودها الفقري كما لو شُلّت للتو.
لم يعد بإمكان الإنسان الدفاع ضد ضربة كهذه. كانت العاصفة ذات الحرارة العالية كافية لاقتلاع ملجأٍ نووي من الأرض؛ حتى التفكير في معارضتها كان سُخفاً.
في الكهرباء، كانت ميساكا ميكوتو بلا شك الأقوىٰ في مدينة الأكاديمية.
نظرًا لأن البلازما هي ذرات انقسمت إلى كاتيونات وإلكترونات، فقد تكون قادرة على إعادتها إلى حالتها الذرية بإعادة الإلكترونات إلى الكاتيونات.
لكن بماذا سيُفيد؟
حتى لو أعادت البلازما إلى حالتها الأصلية، فإن أكسِلَريتر سيجمع المزيد من الرياح ويعيد إنشائها. ولا جدوى من الهجمات الكهربائية أيضًا. منع هذا الهجوم يتطلب شخصًا يمكنه التحكم في الرياح كما يفعل هو الآن. ومن البديهي القول أن ميكوتو لا تسطيع التحكم في الرياح بما أنها متحكمة كهبراء. عضت أسنانها وهي تُدرك عجزها، ثم...
ثم أدركت شيئًا بسيطًا: طالما استطاعت التحكم في الرياح، فبإمكانها إيقاف أكسِلَريتر.
«آه.» فتحت ميكوتو فمها كالحمقاء.
بدا صوت مراوح عنفات الرياح وكأنه ضحكات جماجم وهي تدور.
كانت تلك البلازما شيئًا تم إنشاؤه من ضغط الرياح المتجمعة من جميع أنحاء المدينة الأكاديمية. ما كانت شيئًا أُخِذ برياح العالم كله، مما يعني أن في قدرته قيود. على سبيل المثال، ربما احتاج إلى حساب الاتجاهات الأصلية والمطلوبة للرياح من أجل التحكم بها بإرادته، على عكس انعكاسه التلقائي.
في هذه الحالة، العبث برياح هذه المدينة؛ تعني العبث بحساباته.
كانت هناك العديد من عنفات الرياح في جميع أنحاء المدينة الأكاديمية. وربما أكثر من مئة ألف عنفة.
ومن خلال ضخ العنفات بموجات كهرومغناطيسية مُعَيّنة، يمكن تدويرها.
حتى لو كانت كل عنفة تخلق نسمة بسيطة فقط، فإن أكثر من مئة ألف تُحرك الهواء معًا كانت بالتأكيد شديدة. وربما تكفي لإفقاد أكسِلَريتر سيطرته على الرياح.
لكن لن يكون لذلك أي معنى إذا كانت ميكوتو، ذات المستوى 5، هي التي تتحكم في المراوح.
في هذه المعركة، لم تستطع التدخل مباشرة أو إيقاف التجربة.
إذا كانت تطيع الشرط الذي ينص على أنها لن تستخدم قدرتها للتدخل في هذه المعركة، إذن...
هذا كان عملًا لميساكا إيموتو وحدها وليس لأي أحد آخر في العالم.
قوة [ميساكا إيموتو] و[ميكوتو] كانتا على مستويات مختلفة. ضوضاء الراديو الخاص بميساكا إيموتو كانت نسخة مخففة من قدرة ميساكا ميكوتو، يمكن أن تسمى بالمستوى 2 على الأكثر. بالنظر إلى كمية المراوح التي يحتاجون تحريكها، لن تصنع الكثير.
ولكن، في هذه المدينة عشرة آلاف أخت.
وعلى عكس أكسِلَريتر، الذي كان يحسب جميع تدفقات الرياح بنفسه، كانت الأخوات العشرة آلاف قادرات على ربط عقولهن عبر موجاتهن الدماغية والتنبؤ بتدفق الرياح معًا. تمامًا كما فعل المخطط الشجري باستخدام معالجته الموازية فائقة الكفاءة.
جسد ميساكا إيموتو المكسور ما بدا عليه القوة للوقوف مجددًا. ترددت في أن تطلب منها شيئًا متهورًا آخر.
لكن كان هذا شيئاً هي وحدها ولا غيرها من تستطيع.
«أرجوك، قفي. أعلم أنني أطلب الكثير، وأعلم مدى قسوة ما أقول. لكن من فضلك، هذه المرة فقط، قفي!»
لكن كل ما عساها هو الطلب.
«هناك ما أريدك أن تفعليه. لا، هناك شيء لا غيرك يقدر عليه!»
ألّا يخسر أحدٌ شيئا...
أن يبتسم الجميع معًا عائدين إلى بيوتهم... من أجل ذلك...
«فقط هذه المرة! أرجوكِ استمعي إلي! عجزت عن حمايتكن جميعًا. ومهما اجتهدت وسعيت، لن أقدر على هذا أبدًا! لذلك أرجوكِ، أرجوكْ!»
نهايةٌ يبتسم فيها الجميع، نهايةٌ أرادها الجميع...
ولأجل أن تصل لذلك...
«أرجوك، خذي بقوتك واحمي حلمه!»
بينما كان وعيها ينقطع ويرجع، سمعت ميساكا إيموتو بالتأكيد صرخة الأصلية.
حقاً كانت تراه مطلبًا سخيفاً. لم تكن تعرف الموقف، لذلك افترضت أنه سيكون من الأفضل للأصلية، الإسبرة الأقوى، أن تستخدم قوتها بدل إجبار النسخة على ذلك، حيث كان قلبها على وشك التوقف.
ولكنها لم تشكو.
كلمات الأصلية كانت عنيفة غير معقولة، ولكن...
لسبب ما، رأت ميساكا إيموتو فيها طفلةً تكاد تبكي، تتوسل للمساعدة.
«...»
لم تكتشف ميساكا إيموتو أبدًا أي قيمة في حياتها.
كان عقلها فارغًا، محقونًا ببرنامج، موضوعًا في جسد لحمي يُنتَجُ بضغطة زر. آمنت بجدية أنها قابلة للصرف بسهولة إذْ أن حياتها بلغت قيمة 180,000 ين.
لكنني... لا أريد هذا...، فكرت ميساكا إيموتو.
حياتها لم تسوى فعلياً، ولكن الآن بعد أن عرفت أن هناك أشخاصًا سيشعرون بالحزن لفقدان "شيء" بسيط كهذا، ما عاد حقًّ عليها الموت.
وفكرت كذلك أنه إذا كان وجودها البسيط قادرًا على مساعدة فتاةٍ تكاد تبكي، فذلك سيكون شيئاً رائعاً.
بات عليها شيءٌ تفعله.
لقد وجدت شيئاً عليها حمايته.
«هناك ما أريدك أن تفعليه. لا، هناك شيء لا غيرك يقدر عليه!»
"ميساكا لا تفهم المعنى من كلماتك—
ببطء، وجّهت ميساكا إيموتو القوة إلى أطرافها.
—ولكن بطريقة ما، قد حرّكت هذه الكلمات شيئاً في داخلها،" تفكر ميساكا معبرةً عن مشاعرها الصريحة.
لوجود أحدٍ يقول لها هذا...
...قدرت ميساكا إيموتو على الوقوف مرة أخرى.
- الجزء 8
مع هديرٍ من الرياح شديد، فقدت كرة البلازما الطافية شكلها.
«ماذا...؟»
نظر أكسلريتر للأعلى تلقائياً. انسحبت الطاقة من الرياح في جميع أنحاء المدينة وانضغطت بشدة في نقطة واحدة لتُكوّن بلازما. كانت للحظة، ولكنه شعر باهتزازها. وقد تسبب ذلك في حدوث خطأ في نسبة الضغط مما تسبب في اهتزاز البلازما أيضًا.
هل أخطأت في الحسابات؟ فكر، وهو يعيد بناء المعادلات من جديد. كان ذلك مزعجًا؛ على عكس انعكاسه التلقائي البسيط، كان التحكم الفعلي يتطلب منه حساب كلِّ مُتّجهٍ قبل تغييره وبعده.
ومع ذلك، استغرقت من أكسلريتر عشر ثوانٍ فقط ليضبط هذا الحساب الهائل بدقة. لم يكن هذا المستوى من التفكير مشكلة لشخص تم تطوير دماغه. كانت تنمية القدرات الخارقة جزءًا من أساليب التعليم في المدينة الأكاديمية. بمعنى آخر، كان أقوى الأسابر أذكائهم.
ولكن...
وكأن الرياح في المدينة كانت تهرب من المعادلات التي حسبها عقله المثالي، فتغيّرت حركتها فجأة. ما كانت صدفة؛ بل بدا الأمر وكأن الرياح نفسها لديها إرادة وكانت تتسلل عبر الفجوات في حساباته لتعيقه.
بدأت كتلة الهواء المضغوط فوقه بالتشتت، وبدأت البلازما تذوب في الهواء.
ماذا؟ ما هذا؟! لا خطأ في حساباتي. ولكن هذه الحركات غير المنتظمة لا يمكن أن تكون من رياحٍ طبيعية!
أيعقل أن متحكم رياح في مكانٍ ما في المدينة الأكاديمية كان يعيقه؟ لا، هذا التدفق غير المنتظم للهواء كان يتخلل كل زاوية من زوايا المدينة. إن كان هناك متحكم للريح بقدرات تتفوق على حساباته، فلا بد أن يكون في المستوى 5. ولكن حسب ما يعلم، ما كان هناك أحدٌ يتحكم بالرياح بين سبعة المستوى 5.
بدأ الذعر يتسلل في أكسلريتر وهو يتسائل ما حدث، ثم سمع قعقعة جافة.
كان صوت دوّارات عنفات الرياح.
مهلاً... نعم، قد سمعت أن المحركات الكهربائية هذه صُنِعت حتى تدور بالموجات الدقيقة...! (الموجات المَيكروّفية)
التفت أكسلريتر نحو مكان الأخت، التي كان من المفترض أنه قد هزمها.
ومع ذلك، لم يرَ فتاةً تحتضر.
ما وجده هناك كان عدوه.
ما وجده هناك عدواً تقف بأرجل تكاد تقع، ولم تشتكي مرةً بالألم المتصاعد في كامل جسدها، وهي تشزره بصمت.
اللعينة...!
تغيرت عيون أكسلريتر الحمراء إلى قرمزيةٍ قاتلة.
حتى لو سُرقت سيطرته على البلازما والرياح الهائجة، لم تكن الأخوات تشكل تهديدًا له. الشيء الوحيد على هذا الكوكب الذي يمكن أن يخترق دفاعاته المثالية هي تلك اليد اليمنى.
«سأقتلك!»
خَطَا أكسلريتر خطوة نحو الأخت، وابتسامة ممزقة تملي وجهه.
ثم وقفت ميساكا ميكوتو بينهما.
«...أتظنني سأتركك؟»
كان صوت ميكوتو هادئًا بما يكفي مقارنة بالدوامة الهائجة، وربما أن الهواء ابتلعه تمامًا. لكن لسبب ما، انغرس صوتها في طبلة أذنه مباشرة.
«هَه. لا تغتري. مستواك أدنى، ولن تصلي إليّ. ولن تقدري حتى على إبطائي. قالوا أن فحص العيون يكون من 20/10، صح؟ نفس الشيء هنا. أعلى مستوى في المدينة الأكاديمية هو 5، ولهذا أنا عالقٌ معكم أيها التافهون في نفس المستوى.»
لم ترد ميكوتو بأي شيء. ربما فهمت هذه الحقيقة أفضل من أي أخدٍ آخر. ولكنها وقفت مكانها هنا لأنها لم ترغب في الهروب.
رآها أكسلريتر عائقاً، فقرر أن يقتلها أولاً، ثم—
سمع صوت خشخشة شيء من خلفه.
«...»
استدار أكسلريتر ببطء.
أمامه، رأى شيئًا لا يصدق. الصبي الذي أطاحته الرياح بسرعة 120 متر في الثانية واصطدم بعامود عنفة الرياح، كان ينهض ببطء على قدميه.
امتلئت جروحٌ كثيرة لا تحصى جسد الصبي. وبدت الدماء تنزف مع كل عضلة يحركها. ما استطاع تسخير الكثير من القوة في جسده، واهتزت ساقاه، وتدلت ذراعاه إلى جانبيه كأوراق شجرة الصفصاف.
ومع ذلك، لم يسقط.
مهما صار له، لن يسقط.
«.......................................................................................................................................تشه!»
جفّت الرطوبة من حلق أكسلريتر كصحراء أقحطت.
نظرة واحدة تكفي لتُوَضّح أن ذاك الفتى لم يعد قادراً على القتال. من تعرض لمثل هذا الضرر الحرج يجب أن يكون فريسة سهلة لأكسلريتر.
إذا لم يرغب في القتال وجهًا لوجه، يمكنه قتل ميكوتو وأختها ثم يستعيد سيطرته على الرياح والبلازما. فقد كان أقرب إليهما بكثير من الفتى.
أخبره مَنْطِقُه أن فوزه عليه سهل إذا تعامل مع كل شيء بهدوء.
لكن شيئًا أعمق فيه أخبره أنه من الخطر الكبير أن يُدير ظهره لذلك الصبي.
كل زاوية من جسده كانت تصدر إشارات تحذير صارخة.
لو كان إنساناً عاديًا، لأدرك أن هذا هو خوف من الألم، ولتعامل معه.
«مُشوّقٌ أنتَ...»
قبض أكسلريتر قبضته.
«...حقّاً، مُشوقٌ بحق!»
خطى كاميجو بجسده المحطم خطوةً.
شعر وكأن كل دمه سيتبخر من أصغر حركة. شعر وكأن وعيه سيفر من أبسط فكرة.
رغم ذلك، واصل كاميجو توما تقدمه.
بوَعْيه الضبابي، لم يفهم كاميجو الوضع كاملاً. لماذا هبّت هذه الرياح العنيفة؟ كيف جائت البلازما وكيف اختفت؟ بأيِّ منطقٍ نجا؟ كان عقله في حالة يرثى لها بحيث ترك مثل هذه الأمور الهامة جانبًا.
لكن كان هناك شيء واحد أكيد.
أمامه مباشرة، رأىٰ أكسلريتر يحاول قتل ميساكا إيموتو.
ورأىٰ ميكوتو تقف بينهما لتكون درعها.
وكان هذا كل احتاج معرفته.
كان هذا أكثر من كافٍ ليجعله ينهض مرة أخرى.
‹‹‹مُشوّقٌ أنتَ...›››
سمع صوت أكسلريتر.
‹‹‹...حقّاً، مُشوقٌ بحق!›››
وهو يزأر تحت سماء الليل، ركض للأمام وهو يضغط قبضته معًا ليسحق كاميجو توما. غيّر مُتّجهات قوة دعسته على الأرض كما فعل من قبل؛ حتى يطير للأمام كالرصاصة. وبدا هذا من حسن حظ كاميجو. إذا أتاه خصمه بنفسه، فلن يضطر إلى المشي أبعد من هذا. مع جسد كاميجو المتضرر، من المحتمل أن ينهار قبل أن يصل إلى أكسلريتر.
كاميجو توما لم يحمل أي قوة باقية.
القوة للوقوف على قدميه والمشي. القوة لتشكيل الكلمات بلسانه. القوة لامتلاك أفكار في رأسه. لم يكن لجسده حتى الحد الأدنى من الحيوية اللازمة لأي من هذه الأمور.
ومع ذلك، قبض كاميجو بيمينه.
قبض.
ورفع عينيه.
قد قطع أكسلريتر جُلّ المسافة بينهما وهو ينطلق كالرصاصة.
يمين البلاء ويسار الهلاك.
يديه هاتين، التي تقتل إنساناً بلمسة، اقتربتا من وجه كاميجو.
للحظة، بدا أن الزمن توقف.
صَبَّ كاميجو كل أوقية من القوة المتبقية في جسده وغطس لأسفل كمن يؤرجح رأسه، فمرّت يمين البلاء من فوقه، وصُدّت يسار الهلاك جانباً بالإماجين بريكر.
«إحكم أسنانك أيها الأقوى...» قال كاميجو لأكسلريتر، الذي تجمد قلبه بعدما صُدّت ضربتاه القاتلة.
على مسافة قريبة جداً، يكادان يلمسان بعض، ابتسم كاميجو ابتسامة وحش.
«...ضربتي الأضعف ستوجعك قليلاً!»
ثم...
لكمت يمنى كاميجو توما وجه أكسلريتر.
ضرب جسده النحيل والشاحب الأرض الحصوية، وتدحرج بعيداً وذراعيه وساقيه منتشرة.
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)