الفصل الثاني: مُحَقّقون في عالَمِ الْقِتال.
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
في اليوم التالي...
كان صباحًا باكرًا في الصيف مشبعًا بجو من الاسترخاء. إندِكس -الأم- فتحت عينيها قليلاً ونظرت إلى الأب والابن المتخاصمين، وكلٌّ منهما لديه هالاتٌ سوداء تحت عينيه.
«صباح الخير لكما. يَه يَه، حديث الرجال؟ هل سهرتما الليل بطوله تتبادلان القصص؟ حسنٌ ما أرىٰ. كأننا في رحلة مدرسية خارجية.»
كانت الطاقة السلبية المؤلمة والكئيبة التي تجوب الغرفة تنافس بالتأكيد تلك التي تسود عندما يحكي الأولاد قصص الحب في غرفهم في الرحلات المدرسية {ثمانون في المئة منها إما كذبٌ أو مبالغة}. ومع هذا، لم يستوعب كاميجو هذا المفهوم من فقدانه الذاكرة.
على أي حال، وبالنظر إلى كل التعب الإضافي من البارحة، كان كاميجو منهكًا تمامًا ولم يستطع حتى الرد عليها. ففكر، (ها...هَهَه. تباً. حميتها بنجاح. وسيكون كل شيء بخير الآن بعد أن حل الصباح.)
بعد ذلك مباشرة، غلبه النعاس وسقط مباشرة على الفوتون.
كاد ينام مع شعورٍ مريح وانتصاري، لكن...
«انظري، نام توما من التعب، على الأقل يمكنني الآن أن أُصَبّح عليكِ.»
«يه يه، مقلقٌ ما أرىٰ. ما الذي ناقشتماه طوال الليل حتى يتعب ولدنا هكذا؟»
بدا أن تويا يريد أن يُقبلها قبلةً صباحية وكأنها الأميرة بياض الثلج.
قبل أن تلتقي شفتي الزوجين، انفتحت عينا كاميجو فجأة بصدمة
«استعد يا هذا... لقبضتي العليا
قبل أن تلمس شفاههما، أرسلت قبضته تويا ليطير مباشرة للأعلى، وسقط كاميجو مرة أخرى على الفوتون ووجهه لأعلى. لم يعتقد أنه ضربه بقوة كبيرة، لذا ربما كان ترنح تويا بسبب حرمانه من النوم. هذه المرة، سيكون الأمر على ما يرام بالتأكيد. فكر بهذا، وغطس مرة أخرى على الفوتون.
ومع ذلك...
لم يكن تويا بالتأكيد الخصم الوحيد الذي كان على كاميجو مواجهته.
«أخي الكبير، أخوي، ابن عمي، خيّي، عضيدي يا أخ المكارم، أبجدهوز
فدخلت عليه ميكوتو، بمزاج مبتهج كبير، وركلته بركلةٍ وضعت فيها كل وزنها مباشرة في ضفيرته الشمسية. [1] انحنى على بطنه وقام {إجمالي وقت النوم: خمسة عشر دقيقة}.
«مغغ
«هَهَهَهَه
«كُفّي عن تسلقي والضحك على هذا
«وظيفة ساعة المنبه بحركات المصارعة هي فطرة تولد بها كل الأخوات الصغيرات، يا كابتن
«اخرسي
ثم سمع أوغامي، الذي يلعب دور إندِكس، ضجيجهم ودخل الغرفة.
«آه
«انتظر، أنا—تمهل أيها العملاق
«لماذا؟
«إيه، ماذا؟ انتظر
هكذا بدأ اليوم الثاني من سقوط الملائك — بضجةٍ وإزعاج.
- الجزء 2
الظهيرة. كانت الشمس في ذروتها.
«تعبتُ من حرارة الصيف. من فضلكم، اتركوا هذا الشايب الصغير هنا واذهبوا استمتعوا.» قالها الفتى كاميجو لعائلته وهم يُسرعون نحو الشاطئ (برفقة راهبةٍ عالة من مسكن كاميجو). ثم وكما لو أنهم اختاروا الوقت بالضبط، وصلت كانزاكي وتسوتشيميكادو وميشا إلى البيت الشاطئي واداتسومي.
لو اكتُشِفَ تسوتشيميكادو —الذي بدا بمظهر الآيدول المشهور المتمشكل— من قبل صاحب بيت الشاطئ، لاختربت الأمور سريعًا. لذا قرروا عقد اجتماعهم الحربي في غرفة ضيوف كاميجو.
بالمناسبة، قد مرّ الوقت وصرنا الآن في الظهر. كاميجو كان فعلاً يعاني من إجهاد الصيف حتى قبل قليل. وكانت كارثة عند استيقاظه، محرومًا من النوم وجافاً.
كانت ميشا تبحث عن هينو بنفسها منذ الصباح، لكنها لم تجد أثراً. ظنُّ كاميجو أنه كان يُبطئهم ملأه بالندم.
«يا ربي. ماذا تعني أنك لم تنم لحظةً؟ فما الذي ضيّعت وقتك فيه؟» سألت كانزاكي بصوت محبَطٍ وقَلِق. كان يترهل كنبتةٍ أهملها صاحبها طويلاً. وكلماتها زادت من انهياره أكثر.
ثم ابتسمت عينا تسوتشيميكادو بخبث خلف نظاراته الشمسية الزرقاء. «عنكِ عنكِ، يا كانزاكي-نيه-تشين. لا فائدة من إذلال المريض أكثر.»
«ماذا تقول، يا تسوتشيميكادو؟ إذا لم توبخ أحدًا وقتما يحتاج توبيخاً، فسوف يكرر نفس الخطأ. ولن نجزم ما إذا تمكنا من إنقاذه في المرة القادمة.»
كانت ككلماتٍ تُوَبّخ طفلاً لَعِبَ بالنار كثيرًا، وطعنت في أوتار كاميجو، وتراً وتراً. لم يستطع تسوتشيميكادو تركها تمر، فقرب فمه من أذن كانزاكي وهمس فيها كعاشق يشارك سرًا.
«...(همم؟ ألا بأس معكِ في هذا، نيا~؟ هذه نبرةٌ قاسية. وما أراد كاميان إلا أن يحمي إندِكس غاليتُك حتى وهو مُتسمم وتعبان.)»
تجمدت أنفاسها.
«...(فهل لا بأس معك في الغضب هكذا رغم أنكِ المديونة؟ هيّا، نيه-تشين، لم تشكريه أو تعتذري عن الحادثة السابقة. فماذا تفعلين، همم؟)»
تجمدت حركتها.
وميشا، التي كانت تراقب الاثنين من بعيد، تنهدت بصوت ناعم، مما أبداها بالتأكيد تسخر منهما. كانت غُرتها تخفي وجهها لأنها كانت دائمًا تنظر إلى الأسفل.
لم يفهم كاميجو الأمر حقاً، لكنه شعر أنه لو تركهم هكذا أكثر، ستتفكك مجموعتهم المؤقتة في منتصف الطريق. قلق قليلاً الآن، قرر أن يضع نفسه في مقعد الرئيس ويحرك الحديث بنفسه.
«إذن، هل أعتبر هذا أن هينو جينساكو هو المسبب لسقوط الملاك؟»
هينو جينساكو — المعتدي الذي هاجمه من تحت الأرض البارحة.
«حسب المعلومات التي شاهدتها أنا وميساكا إيموتو البارحة، يبدو بالتأكيد أنه لم يستبدل كباقي الناس، صح؟»
نظرت كانزاكي إلى كاميجو وأجابت، «لم أرَ هينو جينساكو شخصيًا، لذا لا أجزم القول. إن كان هذا هو الحال، فإنه من المحتمل كثيراً أنه المُسبب.»
«...مما يعني أن علينا الإمساك به... لكن، نيا~.» عبس تسوتشيميكادو وعبث بنظاراته الشمسية.
نعم — للإمساك بهينو جينساكو، يجب أولاً معرفة أين ذهب، ولم يكن لديهم أي أدلة على ذلك.
«إذا كان هينو ساحرًا، ألن نستطيع تتبعه عبر بقايا قوته السحرية؟»
«إجابتي الأولى: لم نجد أثراً لهينو باستخدام السحر البارحة. أُخمن أنه يستخدم خدعة ما لإبعاد المتعقبين.»
«وأكبر عنق زجاجة هو أننا لا نستطيع استشعار الملاك، نيا~. لكننا نتحدث عن شيء بمستوى ملاك. إذا تركناه، سيشوه الأرض بحد ذاتها. لا أرىٰ رَيباً أنه يستخدم طريقةً ما لكتمِه.»
«كَتمِه... أبهذه السهولة يكون؟» سأل كاميجو.
وبعد لحظة تفكير، ردت كانزاكي.
«رغم أن ذلك مذكور فقط في العهد القديم، هناك أوصاف للملائكة وهي تخفي هويتها وتدخل إلى المدن البشرية، وإلى بيوت الناس تأكل معهم. وقد قيل أن أحد كبار الملائكة أنقذ طفلاً غريق. قد نعتبر مثل هذا النوع من تقنيات الإخفاء موجودًا منذ البداية.»
ميشا أومأت برأسها إتفاقاً لرأي كانزاكي.
لم يستطع كاميجو قراءة تعبيرها لأن وجهها كان مخفيًا خلف غرتها، لكن يبدو أن هذا كان تخصصها. كان الأمر نفسه بالنسبة لإندكس — هل تحب الراهبات الحديث عن الكتاب المقدس؟
«بغضّ النظر، علينا بالمعلومات أولاً، هِيَا
كالعادة، ظهرت المعلمة كوموي على البرنامج الإخباري، وبيدها ميكروفون وتتحدث عن شيء ما.
‹‹لقد مرّ يومٌ كامل منذ أن هرب هينو جينساكو من سجن شينفوتشو. معي في الأستوديو اليوم هو أُونو رايزن، أُستاذٌ في علم النفس الجنائي في جامعة ميوا. أُستاذ أونو، كيف حالك اليوم؟››
‹‹بخيرٍ وعافية›› رد بنبرة ثقيلة، رغم أنه بدا كأنه طالب في الصف الثالث الابتدائي. مع المعلمة كوموي بجانبه، بدا الأمر كأنه برنامج تعليمي.
تحدث الأُستاذ أونو. ‹‹تاريخيًا، أنماط سلوك هينو جينساكو نادرة جدًا بالنسبة لمجرم. لقد قتل ثمانية وعشرين بريئاً، ومع ذلك يصر على أنه لم يقتل أياً منهم بإرادته. يقول أن كياناً يُسمىٰ "الملاك" كان يُوَجّهه، لذا ربما نُصَنّف حالته هذه تحت عنوان القتل الطقوسي، كما تُرىٰ في جرائم الطوائف في أوروبا...››
أومأ كاميجو برأسه بخفة وهو يستمع إلى الطالب الابتدائي الذي يرتدي بدلة ويتحدث كأنه رجل مسن.
«هذا صحيح، "الملاك". قال هينو ذلك بالأمس. إذا كان هذا الأستاذ يتحدث عن هينو قبل أن يتم استبداله، فإنه يتطابق مع من لقيناه البارحة.»
«سؤالي الأول: سأؤكد هذا مرة واحدة. هل هذا يعني أن هينو جينساكو هو مرتكب حادثة سقوط الملاك؟»
أومأ برأسه لها.
لم يكن لدى هينو أبداً قدرة [الإماجين بريكر] كما كاميجو. ومع هذا، لم يخضع للاستبدال الذي أصاب الناس جميعًا، لذا لا مانع من اعتبار هينو جينساكو الأكثر شبهةً في الوقت الحالي.
«لكن ما هو هذا "الملاك " الذي هذىٰ به؟»
«عن هذا — بينما كنا نُصلح الأرضية البارحة، ظهر هذا الشيء.»
أخرج تسوتشيميكادو لوحًا خشبيًا رقيقًا بحجم دفتر الملاحظات. كان سطحه مغطى بخطوط وجروح كما يفعل المسمار. لم يكن هناك مكان على اللوح لم يقطع فيه.
«يبدو أن فيها حروفاً إنجليزية منحوتة. كُتِبَ عليها مرارًا وتكرارًا، ولهذا السبب تبدو بهذا الخراب، نيا~.» تنهد تسوتشيميكادو. «هذا نوع من النبوءة، أو كتابة تلقائية. من الممكن جدًا أن هينو كان يتحرك وفقًا للأوامر المكتوبة بيده اليمنى بقوتها.
الفارق الدقيق هنا كأنه "العرافة باللوح الخشبي"، مثل كوكّوري-سان، أظن؟» [2]
(...كوكّوري-سان؟)
في هذا شيءٌ أزعج كاميجو، لكنه بقي صامتاً. لأن هذا كان مجالهم – الغوامض والغرائب.
«إذن، قاتلٌ طقوسي لثمانية وعشرين شخصًا، فعلها فقط بأمرٍ من هذا "الملاك-ساما". ما نوع الطقوس التي قد يشير إليها هذا؟»
«...أتُلمح أن هذا قد يكون سبب سقوط الملاك؟»
قد ذكروا سحرًا عظيمًا على مستوى الكوكب والمواقع الطقسية، لكنه ارتعد مجددًا من حقيقة أن ثمانية وعشرين شخصًا قد قُتل من أجل ذلك. كان الأمر أشبه بالسحرة السود عبدة الشيطان في الكتب المصورة.
«لكن إن كان هذا هو الحال، فإن الأمور تعقّدت. إذا افترضنا أن هينو جينساكو هو الذي جلب سقوط الملاك، فإن من أمَرهُ بذلك كان "ملاكه-ساما"، صحيح؟ إذا كان ملاكًا حقاً، فلماذا تتسبب بسقوط للملاك أصلاً؟»
تأوّه تسوتشيميكادو وضم ذراعيه.
ودون تفكير، سألَ كاميجو «...ربما لأنه أراد النزول إلى الأرض؟ مباشرة؟»
«مَهْ. كاميان، قد يبدو لكَ كلامي متناقضًا، لكن الملائكة لا يملكون شخصية. الملائكة هم رسل الرب. هم في الواقع أقرب إلى الدمىٰ اللحمية المملوءة بقوة فوق الطبيعة هائلة. الفكرة مشابهة لكيف أن للصلبان المزيفة في الأديان التي تعبد أصنامًا تحمل جزءًا من القوة، لذا من وجهة نظر نَظَريةٍ بحتة، يمكنك حتى تقسيم "جوهر" الملاك إلى مئة قسمة ووضعها في السيوف والدروع وغيرها من أشياء. لذا في الأساس، الملائكة لا يَخلقون المعجزات حقاً أو ينقذون الناس أو يقاتلون الشر ما لم يأمرهم الرب بهذا. هُمْ أساسًا مجرد سيارات يتم التحكم بها عن بُعد.»
«...أهذا ماهية الملائكة؟»
«هكذا هم. في العهد الجديد، هناك شيء يُسَمّىٰ يوم الدينونة، وهو واجب الرب أن يحكم على الصالحين والمُذنبين، ثم يرسلهم إلى الجنة أو الجحيم بعد نهاية العالم. بمعنى آخر، سيكون كارثياً إذا قام ملاك بتغيير التاريخ من تلقاء نفسه وإنقاذ الناس أو قتلهم.
«وبالمناسبة»، أضاف وأكمل، «كما قُلتُ آنفاً، الملائكة خاضعة لتحكم الرب، لكنهم لا يتعبون أو يتوقفون عن تلقي الأوامر ولن تتشابك أسلاكهم لتخترب أو أي شيء من هذا القبيل، وإلا حينها كانوا شياطين.»
تفاجئ كاميجو قليلاً من هذا. الملائِكة والشياطين التي ظهرت في ألعاب الفيديو كانت غير هذا تمامًا. حَمَلَ في ذهنه صورة عن الملائكة أنهم أناس شُقر ذوو أجنحة ينظرون بتعالٍ إلى البشر من فوق. بالطبع، كان هذا ما استنتجه من الأفلام والمانغا.
«...» ومرة أخرى، قال دون تفكير، «ربما أراد عقلاً؟»
«ليس لديهم فعليًا عقل ليفكروا أنهم يريدون عقلًا. حتى لو بدا أن للملاك فِكراً ذاتياً، فهو يبدو ولا أكثر. حتى لو بدا أنه يتحرك من نفسه، فهو يبدو ولا أكثر. في الواقع، هُم كدميةٍ إذا قُطِعت خيوطها، تفقد كل قدرتها على الحركة.»
بعد التفكير في الأمر، حك تسوتشيميكادو رأسه. «حسناً، أظننا سنضطر فقط إلى إيقافه وجعله يعترف. لنفكر قليلاً في ما قد يكون لدى العدو فعليًا من قِوىٰ.»
كل ما فعلته ميشا ردًا هو أن تنظر إليه. يبدو أنها كانت سيئة في المحادثة الطوعية ولن تتكلم إلا عندما تُسأل. لذا أجابت كانزاكي بدلاً منها. «أولاً، سواء كان هينو جينساكو قد حصل على الملاك أم لا.»
«بعد سماع كل هذا من قبل، فهو محلّ شكٍّ كبير. قصدي، إذا كان هينو قد استولى تمامًا على ملاك، لاستخدمه خلال الوضع الحرج الذي كنا فيه الليلة الماضية.» فكر تسوتشيميكادو للحظة. «أشعر أن أوامر هينو لا تصل تمامًا إلى الملاك، كأن بينهما نوعًا من التداخل الراديوي. وعلى النقيض، يبدو أن أوامر الملاك تصل إلى هينو بتمام. بمعنى، حتى لو أصدر هينو أمرًا في موقفٍ مهم، فهذا لا يعني بالضرورة أن الملاك سيسمع.»
الآن بعد أن ذكر هذا، بعد أن حوصر هينو البارحة في النهاية، تذكر كاميجو أنه سمعه يعبر عن استيائه تجاه "ملاك-ساما". كقوله، ‹‹لماذا لا تساعدني؟››.
«إذن على النقيض... لا يمكننا تجاهل إمكانية أنه عندما يهبط الملاك الحي، سيكون تحت سيطرة هينو اليائس، صحيح؟» سألت كانزاكي تسوتشيميكادو، الذي ابتسمت عيناه بوحشية خلف نظاراته الزرقاء.
«هيّا، لا ضرر في النظر إلى أسوأ السيناريوهات دائمًا، صح نيا؟ ولكن لو أبالغ... هِهِهِه. أظن أن أسوأ سيناريو سيكون وصول الملاك عدوًا لنا. لعلّ حينها ينتهي تاريخ البشر، نيا~.»
فقالها، لكنها لم تدخل عقل كاميجيو.
لم يستطع كاميجو استيعاب فكرة أولئك الملائكة أو احتمال أن يُمحى الجنس البشري بالكامل.
«غير هذا. عن قوة العدو من حيث علاقاته البشرية... ما هي احتمالية أن هينو ينتمي إلى تنظيمٍ أو جماعة؟»
«منخفضة، على ما يبدو. إذا كان "ملاكه-ساما" هو الذي أمر بالهجوم البارحة، فإن مجيء هينو جينساكو وحيدًا يبدو شيئاً بائساً. رغم أن هذه النظرية لن تصمد إذا كانوا جماعةً تعمل على مشاريع أخرى في نفس الوقت، نيا~.»
«هممم. نظرية المتعاون لا تحمل وزناً. إذن، إلى أين تعتقدون أن هينو ذهب ليعالج إصاباته؟ وفقًا لكرويتزف، فقد سحبت سِنَّيْن من أسنانه وكسرت معصمه الأيسر.»
«إذا ذهب مباشرة إلى المستشفى، فستبلغ عليه السلطات فوراً. لا يمكنه الذهاب إلى طبيبٍ في زقاق خلفي أيضًا، [3] لأنه خرج توّاً من السجن — لا يملك مالاً. كل ما تبقى له حقاً هو سرقة شاحنة بنك مصفحة ليأتي بالمال أو يبدأ في تحضير تعويذة شفاء ما، أظن.»
«الشيء الوحيد الذي نعرفه هو أن لا شيء مؤكد. أنا قلقة من أين حصل على ذلك السكين والسم. ربما أخفاها مع معدات أخرى في مكان ما قبل اعتقاله، أو قد تكون أسلحة قدّمها له أحدٌ آخر. ربما معه المال، وربما زوّدته جماعته بالأسلحة. ولكني لستُ بمحللة نفسية. التكهن بأي شيء إضافي عن ملفه الجنائي قد يقدم لنا معلومات خاطئة فقط.»
تنهدت كانزاكي.
عندما توقفت، توقفت المحادثة أيضًا. كان الصوت الوحيد الذي يُسمع هو صوت التلفاز الآلي غير العضوي في هذا الهواء المكبوت إلى حد ما.
ثم فجأة، ارتفع صوت التلفاز الروبوتي.
نظر كاميجو ليرى شريط "أخبار عاجلة" على الشاشة. أيا كان هذا المعلق، فقد دُفِع إلى الجانب، وبِحَيرةٍ نظرت المعلمة كوموي إلى نشرة الأخبار التي سلمها لها شخص ما بشكل مفاجئ.
‹‹لقد تلقينا للتو أخباراً مكملة على حادثة هينو جينساكو
انجذبت عيون الجميع على الفور إلى التلفاز. حتى ميشا انحنت بصمت، وهي بعيدة عنهم، ونظرت إلى الصورة.
انقطعت الشاشة إلى صورة جديدة.
كانت منطقة سكنية عادية تراها في أي مكان. كان الحي الهادئ مليئًا بالمنازل الجاهزة المكونة من طابقين. وهنا وهناك ترىٰ متفرجون فضوليون، وضباط شرطة يبعدونهم، وقوات مكافحة الشغب بملابس توحي بأن حربًا على وشك الاندلاع، وكلهم يسببون الضجة. ومع ذلك، كانت الشرطة وقوات الشغب جميعهم مستبدلين برجال كبار في السن وأطفال ورضع وغيرهم، مما أعطى كاميجو شعورًا مقلقًا.
شخص يبدو وكأنه بائع خضروات حَمَلَ الميكروفون. ‹‹كما ترون، كل المدنيين يُمنَعون –ومعهم الصحفيين– من الاقتراب أكثر من ستمِئة متر من المنزل الذي يختبئ فيه هينو جينساكو. أولئك الذين حولي يبدو أنهم من السكان الذين تم إجلاؤهم. وفقًا للسلطات، هينو جينساكو قد هرب إلى داخل منزل وأغلق جميع الستائر والأبواب، مما جعل من المستحيل رؤية الداخل.››
تمتم تسوتشيميكادو بعبارات غير مسموعة.
كانت عيونه –المختبئة خلف نظاراته الشمسية– تظهر بريقاً وكأنه غيظ.
أكان الغيظ بسبب الضجة الكبيرة التي أحدثها أم بسبب سكان المنزل؟
‹‹لا نعرف ما يحدث بالداخل. يبدو أن شرطة مكافحة الشغب تتجنب الهجوم المباشر، حيث لا يمكنهم الحكم ما إذا كان هينو يحتجز رهائن أو معه أسلحة – مهلا، ما قد يكون ذلك؟ لقد دخلت مركبة إلى المنطقة المحظورة. هل أولئك هم شرطة المفاوضات؟››
انتقل المشهد إلى صورة أخرى، هذه المرة كان مشهدًا جويًا يُصَوّر بمروحية. هل كان المنزل ذو السقف الأحمر المعروض هو المكان المختبئ فيه؟
«أغبياء.» تمتم كاميجو، غير قادر على كبح نفسه.
جَلبُ المروحية من فوق المنزل الذي كان هينو جينساكو مختبئاً فيه سيستفزه دون داع. وربما كان هينو يشاهد التلفاز الآن أيضًا. لا تزال الصورة مكبرة، لذا لم تكن تلك مشكلة، ولكن إذا بثوا الفيديو من ارتفاع أعلى، فسيُخبره هذا بمكان وجود ضباط مكافحة الشغب.
(...انتظر...ماذا؟)
شعر كاميجو بشعور غريب من الفيديو، ولكن بتوقيت مفاجئ وغير طبيعي، كما لو أن شيئاً قد تدخل، عاد البث إلى الاستوديو. كانت المعلمة كوموي في حالة من الضيقِ شديد وهي تقرأ نَصّاً يصف جرائم هينو حتى الآن وتحث السكان القريبين على عدم مغادرة بيوتهم.
«هف، يا للإزعاج. إذا قبضت الشرطة على هينو، فستكون كارثة لنا أن نجبره على إلغاء سقوط الملاك. أود لو نقبض عليه قبلهم، إن أمكن. فماذا نفعل، نيا~؟»
«تسوتشيميكادوأن لديه رهائن؟
كانت كانزاكي غاضبة بشكل غير عادي، لكن تسوتشيميكادو تجاهلها بسهولة. «نياااان~ طيّب، بغض النظر عما إذا كنا سنقبض على هينو أو ننقذ الرهائن إن وُجدوا، علينا الذهاب إلى هناك أولاً. وأين يكون على أية حال؟ ليكن في علمكم أن مقاطعة كاناغاوا كبيرة نوعًا ما.»
«مم،» قال كاميجو، رافعًا يده بخجل.
قالت كانزاكي بصوت متضايق، «ما الأمر؟ إذا رغبت أن نأخذك إلى هناك، فنحن نرفض. لا أعلم عن ستيل، لكنني لن أجرك أبدًا إلى ساحة معركة.»
«ليس هذا. أمرٌ بخصوص تلك الصورة الجوية أزعجني.»
«ما هو؟»
«حسنًا، أعني... أظنني...قد أكون مخطئاً، لكن...»
«اشرح حالاً.»
«نعم... أمي لديها هواية الطيران الشراعي... أوه، وفي هذه الرياضة أنواعٌ وأنواع، أعتقد. أكانت تمارس تلك المزودة بمحركات؟ لا أعرف. المهم، كانت تلك عبارة عن أن تجلس في حزام متصل مع مظلة وترتدي على ظهرك مروحة ضخمة وتطير في الهواء. وعندما التحقتُ بالمدرسة أوّل مرة، لم أألف الحي أبدًا وكنت أضيع، فأحضرت أمي لي كومة كاملة من الصور التي التقطتها من السماء.»
«صور جوية؟ ما علاقتها—؟»
قبل أن تُكمل كانزاكي، استدركت شيئاً.
«نعم.» أومأ كاميجو.
«أنا واثقٌ أنني رأيت هذا السقف الأحمر من قبل...هذه صورة جوية لمنزلي.»
- الجزء 3
الألم الشديد سلب منه هدوءه وحكمه السليم.
السجين المحكوم عليه بالإعدام -هينو جينساكو- كان يمسك بمعصمه الأيسر، الذي بدا وكأنه ثمرة متعفنة، وبصق في الظلام. لا يزال الوقت قبل الظهر، لكن الضوء مُنِعَ من الدخول إذْ أنه أغلق جميع النوافذ، والأبواب المنزلقة، والستائر.
يبدو أن شرطة مكافحة الشغب قطعت الكهرباء هنا. حتى الحرارة الصيفية المتبقية في أواخر أغسطس كانت قاسية، وبدون مكيف هواء أو أي نوافذ مفتوحة، كان هذا المبنى حارًا كالدفيئة. [4] كانت درجة الحرارة في الغرفة مرتفعة لدرجة مثيرة للاشمئزاز حتى بدأ يقلق من أنها قد تتسبب في تقيح جرحه، رغم أنه كان متأكدًا من أن ذلك مستحيل.
عالج معصمه المكسور باستخدام أسلاك وأخشاب وجدها في طريقه إلى هنا لصنع جبيرة. لم يستطع فعل أي شيء بشأن أسنانه المخلعة. تسارعت آلام غريبة داخل الفتحات الملتهبة لتلك الجروح.
هينو جينساكو، وجهه كله يقطر عرقاً من الحرارة والألم، قال بمفرده في الظلام:
«ملاكي، ملاكي-ساما...»
بينما كان يتحدث، أخذ يفكر في الوضع.
عندما أصبح معروفاً لأول مرة "بالقاتل الطقوسي الغامض الذي قتل ثمانية وعشرين شخصًا"، أدى ذلك إلى ظهور العديد من المُعجبين والمقلدين له، وكان الإنترنت محورهم. الطالب الجامعي الذي بنى موقعًا إلكترونيًا لدعم القاتل المتسلسل -هينو- كان يعيش في شقة بالقرب من هنا. كان يخطط في الأصل للذهاب إلى هناك بعد الهروب من السجن ليطلب مكاناً للاختباء وأموالًا للهرب، لكن...
الغرفة كانت بلا كهرباء، والتلفاز لم يكن استثناء. لم يعرف ما الذي كان يحدث في الخارج. بدا أن السكان القريبين قد أُمِروا بالمغادرة. هذا يعني أن "المتعاون" معه الذي كان يعيش في الجوار قد طُرِد أيضًا من المنطقة المحاصرة.
«ملاكي، ملاكي-ساما...»
(ما الذي يجب علي فعله الآن؟) فكّر هينو. لم تكن هناك أي علامات على اقتحام شرطة مكافحة الشغب في الوقت الحالي، ربما لأنهم لم يعرفوا كيف كان الوضع بالداخل. إذا علموا أنه ليس لديه رهائن، فسيهاجمون فورًا.
لسوء الحظ، يمكن لأي خدعة غير محسوبة أن تنقلب عليه وتُعلم شرطة الشغب بقوته القتالية على أي حال. المهم له كان أن يحافظوا على جهلهم. كان هينو متخصصًا في الهجمات النفسية؛ كان يعرف أن الأكثر إزعاجًا ليس السفاح الغاضب، بل الشكل المخيف الصامت.
ماذا يجب أن يفعل؟ كيف سيهرب؟
كان لديه مَدَدٌ في شكل سكين هلالي، ولكن سكين واحد لن يكفي لإختراق الحصار.
«ملاكي، ملاكي-ساما...»
ثم، بدأت يده اليمنى –الممسكة بالسكين– تتحرك من تلقاء نفسها.
طرف السكين اخترق على الفور خفيفاً في بطن هينو وجال وتحرك، فحفر مزيدًا من الحروف. النقش الأحمر الذي نقش في لحمه بهدوء أظهر له الإجابة.
C A L L AN A M B U L A N C E
(فهمت! يمكنني هذا! كنت أعلم أنه لا خطأ في حلول ملاكي-ساما. قبضت علي الشرطة وحكموا علي بالإعدام، لكنني لم أرغب في الموت – وملاكي-ساما منحني تلك الأمنية. حقاً ملاكي-ساما سيقودني إلى مستقبلٍ سعيد.)
بهذا، صارت الأمور بسيطة. بدأ هينو في استعداداته، دون اهتمام بجروح بطنه حتى.
وكلما كان دخوله مبهرجًا، كان أفضل.
- الجزء 4
كاميجو توما كان فاقداً للذاكرة.
لذلك، لم يعرف فعلياً مكان منزله. بعد أن تفرق مع تسوتشيميكادو والآخرين تحت ذريعة أنه سيذهب إلى الحمام، تذكر الصورة الجوية التي رأها على التلفاز. أدخل إحداثياتٍ في هاتفه الخلوي الذي فيه GPS وفحص المنطقة العامة.
لحسن الحظ، كان في البث مركز تسوقٍ كبير. بالاعتماد أساسًا على منطقة كيوشو، كان هناك مؤسسة واحدة فقط في محافظة كاناغاوا، لذا حدد الموقع فوراً.
حتى الهواتف الخلوية المُزودة بنظام GPS لا تعطي أسماء كل منزل بالطبع.
سيكون عليهم الذهاب إلى المنطقة العامة ثم معرفة مكان الفوضى.
بعد أن عثر على الموقع، ترك الحمام وتوجه نحو الشاطئ هذه المرة. متجاهلا الوجوه التي تلعب على الشاطئ. وصل إلى مظلتهم، بعيداً قليلا عنهم. وفي تصرفٍ غير مبال، تُرِكت الحقائب التي تحتوي على أغراضهم هناك. شعر كاميجو للحظة بالذنب، لكنه شم رائحة محفظة والده، أخذ مفتاح منزله منها، وعاد إلى بيت الشاطئ واداتسومي.
في الطابق الأول، وَجَدَ كانزاكي تنتظره. «إذن، أين منزلك؟»
«مم. يبعد نحو عشرين دقيقة بالسيارة. ربما سيكون آمنًا أن ننادي الأجرة.»
«...سأكرر قولي، لا داعي أبدًا أن تأتي معنا.»
«...وسأكرر ردّي، ذاك بيتي. أخاف أن يُمحىٰ من الخريطة إذا تركته لكم» أصر، علىٰ أنه كان في الواقع قلقاً مِنهُم أيضًا. لقد ردعت ميشا هينو جينساكو بعرض ساحق للقوة الليلة الماضية، لكن ذلك لم يكفي ليطمئن.
«إذا كان هينو ساحرًا، فإن يدي اليمنى على الأقل يمكن أن تفعل شيئاً. لقد قررنا ذلك أمس، أليس كذلك؟ أتذكرين، عندما حاولتِ سحب بنطلوني؟»
«ما...» لم تعرف كانزاكي ماذا تقول، وعاد تسوتشيميكادو وميشا. لم يتمكن كاميجو من التمييز بسرعة من كان بمظهر ميشا، لكن تسوتشيميكادو كان آيدول ذو تاريخ مشبوه، صح؟ لابد أن ذهنه انشغل في ما سيحدث لو قابل الرجل صاحب البيت.
«يَو
ميشا كالمعتاد لم تقل أي شيء. وما كان على جبينها قطرة عرق رغم هذه الحرارة الشديدة.
«أه، بخصوص هذا. ستستغرق، تقريباً، عشرين دقيقة بالسيارة من هنا. لذا قد يكون أسهل الاتصال بسيارة أجرة.»
«إيهه.» قال تسوتشيميكادو بعدم الرضا. «طيّب، حتى وصولها، سنذهب لنختبئ في مكان ما، نيا~. سأتدحرج على الأرض ضحكاً لو سمعت صاحب الشاطئ الذي يشبه ستيل.»
لم يمر وقت طويل حتى اختفى خارج البيت بحركاته النينجاوية.
«تسوتشيميكادو
انذهل كاميجو، لكنه قرر أن ينادي سيارة الأجرة بهاتفه.
(أوه، صح، من سيدفع الأجرة؟ لا أريد أن أكون، ولكن حتى لو قلت أن نقرر بحجر-ورقة-مقص، سأخسر فورًا...)
ثم فجأة، شعر بوجود شخص خلفه—
—وهنا رأىٰ ميشا كرويتزف لا تزال واقفة هناك فقط.
«وااه؟
«سؤالي الأول: ما الذي فاجئك؟»
«حسناً، لا شيء، حقاً...» حاول كاميجو، فعلقت كلماته في حلقه.
كانت طريقة تحدثها الفريدة والاستفسارية رائعة في نقل المعلومات، لكنها لم تبدو مناسبة جدًا للحديث العفوي.
ربما ستستغرق خمس أو عشر دقائق حتى تصل سيارة الأجرة. لم يستطع التحدث مع تسوتشيميكادو أو كانزاكي لأنهما اختفيا في مكان ما، لكنه أيضًا سيكون من الغريب أن يترك ميشا هنا في هذه النقطة. وفي النهاية، كان عالقاً معها، وساد صمتٌ كصمت المصعد بينهما.
لم يكن لدى ميشا سوى عباءة فوق لباسها الداخلي، الذي بدا وكأنه ملابس سباحة ذو قطعة واحدة. بطريقة ما –وعندما تذكر أنهما فقط الاثنان– لم يتمكن من النظر إلى وجهها مباشرة.
(هذه الضغط... هذا الإحراج؛ لا أستطيع إعطاء ابتسامة حتى...!)
بعد ثلاثين ثانية فقط من الصمت، استسلم كاميجو. كانت عبارته المفضلة "سُفرة العشاء الحية" حيث أحَبّ الحديث وإحياء الجو بين الناس. تحركت عيناه هنا وهناك بحثًا عن موضوع يتحدثان عنه. وعندما وصل إلى جيبه، لمس شيئًا صلبًا. أخرجه ليرى أنها علكة.
«ه-هل تريدين واحدة؟» خاطر بحياء. لكن ميشا لم تُحرك عضلة.
«سؤالي الثاني: أفترض من سؤالك أن هذا شيءٌ يؤكل؟»
«هو يؤكل نعم، لكن لا تبلعيه.»
«؟»
أمالت ميشا عنقها الصغير. أمسك كاميجو العلكة وقدّمه لها مرة أخرى، وتحركت يدها بلا صوت. أخذت العلكة بحافة لكي لا تلمس أصابعه. كانت هذه الحركة تشبه إلى حد كبير اللطف الذي يقدمه بائع متجر البقالة عند تسليم الباقي للزبائن.
كما لو أنها لم تسمع بالعلكة قبلاً، نظرت بانتباه شديد إلى الجسم المغلف بالألمنيوم لبعض الوقت. في النهاية، فككته بحذر. وضعت العلكة بالقرب من أنفها وشمتها عدة مرات كالسنجاب، ثم لمستها بطرف لسانها البسيط البارز قليلاً ولعقتها.
(أغغ... هي لا تثق بي. هي تحاول حقاً أن تتأكد أنها ليست سامة.)
ربما كان كاميجو يبتسم، ولكن قلبه يبكي. أخيرًا، ألقت العلكة في فمها. ومن أول عضتٍ، تجمدت للحظة. ربما كان النسيج غير مألوف لها. وقفت بضع لحظات، لكنها بعد فترة وجيزة بدأت مجددًا تحرك فمها. بدت وكأنها أُعجِبَت بها.
«رأيي الأول: نعم، هذا طعمٌ حلو. قيل في السكر أنه مصدر لطول العمر—ذكرني طعمها بنعمة الرب.»
لم يستطع أن يرى تعبير وجهها خلف خصلات شعرها، لكن فمها التوىٰ مُشكّلاً ابتسامة صغيرة... أو على الأقل هكذا اعتقد.
أخيرًا، شعر بأنه أبعد الجو الثقيل بينهما.
تنهد كاميجو الصعداء وهو يراقبها، تبدو كالطفلة الصغيرة تأكل الحلوى، لكن...
سمع صوت ابتلاع من فمها.
«أباااهه؟
«جوابي الثالث: ما ردة الفعل هذه؟ أما كان لي أن أبتلعها؟ أهذا تبغٌ للمضغ فقط؟»
مالت ميشا رأسها قليلاً بعد صرخة كاميجو التقليدية. كما لو كان الأمر طبيعيًا فجأة، رفعت يدها الصغيرة. كأنها تطلب قطعة أخرى.
(هل هذا مقبول؟) تساءل في نفسه وأوضح لها نظام مضغ العلكة السليم.
(حسناً، يعني، عادة ما توضع في الفم، لذا أنا واثق أنها ليست سامة...)
أعطاها قطعة أخرى. ثانية، أمسكت بها من طرف إصبع.
بالمناسبة، كان محال عليه أن يعرف، لكن العنصر الرئيسي للعلكة كان البلاستيك.
- الجزء 5
وصلت الأجرة بعد لحظات قليلة، وانطلق كاميجو والآخرون نحو الحصار. قال السائق {أو بالأصح، فتاة الثانوية التي تمسك بالمقود} إنها لن تتمكن سوى من نقلهم جزئيًا بسبب إغلاق الشرطة للطريق، لكنهم أجابوا أنهم لا يمانعون.
كان سيف كانزاكي قرابة المترين، لذا كان عليها وضعه من المقعد الخلفي إلى أمام المقعد الأمامي لتناسب المساحة الضيقة في السيارة. عبّرت السائقة عن انزعاجها من ذلك، لكن حقيقة أنه سيف بدا كافياً لتخويفها من دون أن تشكو.
نزلوا من الأجرة بعيدًا عن كل المتفرجين.
وبعد هذا، نظرت السائقة إلى تسوتشيميكادو. «إنت، النجم الشهير هاجيمي هيتوتسوي، إي؟ بِنتي من أكبر معجبينك
انطلق السائق. تمركز الحصار الضخم على نصف قطر يبلغ ستمئة متر من الموقع، إذا اعتمدوا على معلومات التلفاز.
«حصارٌ بنصف قطر يبلغ ستمئة متر لهو مبالغٌ فيه نوعًا ما. لو لم تقدر الشرطة على الحفاظ على مثل هذا الحجم، لكان ينبغي لهم أن يُضيّقوه أكثر. أتساءل لماذا يلجأون إلى مثل هذه الطرق الطويلة؟»
كان رد كاميجو على ذلك جدًا واقعيًا، علىٰ أنه لم يشعر بالراحة بقوله ذلك بصوت مرتفع. «ربما حصلوا على إذن لرمي النار. إنهم يتعاملون بحذر لكي لا تصيب رصاصات طائشة أي مدنيين.»
وعلىٰ ذلك، حتى اللص الذي يختبئ في بنك أثناء عملية سرقة لن يُطلب عليه مثل هذا الحصار الهائل.
لم يكونوا يجهزون لرمي رصاصة أو اثنتين فقط، ولكن لمعركة واسعة ومضطربة تشمل أسلحة آلية ومتفجرات. بترك الحوادث الطقوسية في أوروبا جانبًا، كان هذا المستوى من الحذر غير مسبوق في اليابان؛ ولأجل مجرمٍ واحد فقط. هل كان هينو جينساكو حقًا مجرمًا خاصًا مميزاً في نظر الشرطة؟
تجاهل كاميجو أفكاره، واستمرت كانزاكي وتسوتشيميكادو في المحادثة بينهما.
«همم. المروحية التلفازية اختفت أيضًا. ربما حذّرتها الشرطة.»
«يبدو أن وسائل الإعلام الجماهيرية على الأرض متوقفة جميعًا بالحصار. من الغريب أن تلك الضباع تستمع بالصبر هذه المرة الواحدة. لعلهم الآن تحت ضغط ممتع من هذا الأمر بأكمله،» اقترح تسوتشيميكادو وهو يُعدل نظاراته الزرقاء. بدا أنه انزعج من استخدام مصطلح "وسائل الإعلام الجماهيرية" لوصف "الضباع".
«أتقول أن أحدًا في شرطة اليابان يعرف عن استخدام هينو جينساكو لسقوط الملاك؟ لكنني أرى أن التقرير الصادر سابقاً هذا العام الذي حدد وجود قسم تحقيق صفري متخصص في الأمور الروحية كان إشاعةً لا أساس لها من الصحة؟»
«أونيا، ما قصدتُ شيئاً كهذا، فقط ربما لا يرغبون أن يبثوا أن شرطة الشغب ترش دماغ هينو بالرصاص الصغير. كل أنواع الأسباب متاحة هناك. فإن السياسيين يثمنون صورتهم أكثر مما يفعله الآيدول.»
«هفف.» تنهدت كانزاكي، ووجهها كان غير مرتاح. حدقت في المنطقة المحظورة أمامها. ظلت ميشا صامتة وهي تمضغ العلكة.
نظر كاميجو إلى المتخصصين الثلاثة على التوالي وقال.
«إذن، ماذا نفعل؟ بغض النظر عن الشرطة الصارمين، هناك الكثير من المتفرجين من حولنا. فكيف نصل إلى منزلي؟ نعبر من حفرة الصرف الصحي؟»
«أرىٰ أن الشرطة فكرت في أي طريق عبر الصرف على أنها مسارات هروب محتملة لهينو. وعلى أي حال، دعنا نتجاهل ذلك وننطلق مباشرة إلى منزل كاميان.» اقترح تسوتشيميكادو ببساطة شديدة. كان كاميجو مذهولاً من قوله هذا.
«كيف؟»
«كيف كيف؟ سنخترق، بالطبع.» قال، مشيرًا إلى الجدار الخرساني حول إحدى المنازل القريبة.
قد أغلقت قوات الشرطة جميع الطرق في المنطقة المحيطة.
ولكن، لن تجد شرطةً في الأماكن التي لا توجد فيها طرق. فناءات المنازل التي خضعت للإخلاء الإجباري – تلك المساحات لا يمكن أن تُرىٰ من الطريق بسبب الشجيرات والجدران الخرسانية.
كاميجو تبع تسوتشيميكادو وكان الآخرين يركضون من فناء إلى فناء طبيعيًا تمامًا. قفزوا فوق السياجات، وصعدوا الجدران، وركضوا من منزل إلى منزل.
بالطبع، هذا وحده لم يكن كافياً للهروب من أعين قوات الشرطة.
لقد كُلّفوا بمراقبة الطرق أكيد، ولكن ذلك لا يعني أنهم كانوا يتجاهلون تماماً فناءات المنازل وظلال السيارات. إذا رأى ضباط الشرطة بالصدفة كاميجو ومن معه، فإنهم سيُطارَدون.
نعم، إذا رأوهم.
بالصدفة—تحدث ضابطان مجاوران بعضهما، وأحد مُركّز على جهازه اللاسلكي، وأحدٌ ينظر إلى قطةٍ ضالة قفزت من الزقاق، وأحد ينظر براحة إلى السماء. ركضت المجموعة سريعًا مُتخطين، مستفيدين من هذه اللحظات البسيطة من الإهمال. وأيضاً، لن يلبثوا في الظلال طويلاً منتظرين فرصة للمرور. هذا اللحظات الغافلة جاءت غريبةً تمامًا وكأنها مُخطَّطَة بدقة لحظة ركضهم.
نتيجة لذلك، ركض السحرة بكل سرعتهم عبر الحصار دون توقفٍ طويل.
وعلاوة على ذلك، فعلوا ذلك وهم يجرّون كاميجو المبتدئ معهم.
تخيل كاميجو ألعاب الفيديو، مثل تلك التي تتعلق بالجواسيس حيث يتعين عليك التسلل إلى مخبأ إرهابي دون أن يلاحظك الجنود الأعداء، أو ألعاب النينجا في القصور الساموراي المكتظة بحراس. شعر وكأنهم يخوضون تحديًا سريعًا في لعبةٍ من هذا النوع.
ومع ذلك، هناك فرق واحد بين الحياة الواقعية والألعاب...
...المراحل، من البداية، بُنيت بالأخذ في الاعتبار أن اللاعب قادر على تجاوزها...
...وساحات المعركة، من البداية، صُمِّمَت لئلا تسمح لأيٍّ كان بالتسلل.
قد لا ترىٰ فرقاً كبير، ولكن الفجوة بينهما لا يمكن تخطيها تقريبًا.
فَهِمَ كاميجو مرة أخرى تمامًا أن تسوتشيميكادو كان محترفاً بعد أن شاهد مثل هذه التقنية اللابشرية، علىٰ أنه ظنّ أنه قريبٌ منه من قبل. كانت مشاعر مريرة له. وفيما كان يخترق الحصار، وهو يتلحن أغنية في نفسه، شَعَر أن تسوتشيميكادو بعيد عنه بعض الشيء.
بعد أن تجاوزوا الحصار المحاط بمسافة ستمئة متر من قوات الشرطة، لم يروا أحدًا لبعض الوقت. وبعد أن جروا أكثر، رأوا الكثير من الذين يرتدون دروعًا من البولي كربونات. بعضها بدت ركيكة قليلاً، ولكن هذا يرجع إلى منظر الرجال والنساء الكبار الذين استُبدلوا.
توقف تسوتشيميكادو واختبأ في ظل سيارة متوقفة. وتبعه الجميع.
«لنرىٰ. سيكون صعبًا أكيد أن نمضي بسرية. جميع قوات مكافحة الشغب المحيطة بمنزل كاميان تركز وتحرس باستمرار بالمناظير. يكاد يكون مستحيلاً الوصول إلى هناك وإسقاط هينو دون أن يلاحظ أحد.»
«مستحيل... فماذا نفعل؟» سأل كاميجو، الذي لم يحسب أبدًا أنهم قد يعلقون هنا.
«حسنٌ، ممكنٌ سيكون أن نستخدم تقنية لاختراق وعيهم — فمثلاً، أن نُنَوّمهم أو نجعلهم يقفون مكانهم في حالةٍ من الذهول. ولكن إذا فعلنا، فقد يلاحظ أفراد الشرطة خارج المنزل صمت أصحابهم على الراديو وربما يرون ريباً في الأمر.» شرحت كانزاكي، وبعد ذلك سكتت.
بدت وكأنها تختار بعناية كلماتها التالية.
«بدلاً من ذلك، لماذا لا نُغير تركيزهم؟»
لم يفهم كاميجو ماذا تعني تمامًا. نظرت ميشا إلى كانزاكي من دون كلمة.
«بمعنى آخر، قد نجبر شرطة الشغب على أن يعتقدوا أن منزل كاميجو توما كان غير هذا تمامًا. بهذا، مهما صار لمنزله الحقيقي، لن تعلم شرطة الشغب به أبدًا.»
سُمِعَت ضجة من شيءٍ يقطع الهواء.
فظهرت أسلاكٌ معدنية حول كانزاكي، رفيعة كفاية لتكون خفية دون أن يتلألأ الشمس عليها.
«حاجز الحظر—هي من طقوس الاستدعاء القديمة لآلهة حماية المنازل المأخوذة من جنوب شرق آسيا؟»
«تسوتشيميكادو، لمَ تحب أن تكشف الخدعة أمام الجمهور؟» تنهدت منه وأردفت. «حتى أنجح في وضع حصار شرطة بأكمله تحت التأثير... كما هم عليه، أرىٰ أن عليّ أن أبني شبكة عنكبوتية بنصف قطر يبلغ مئة متر. ستستغرق مني حوالي عشرين دقيقة لأعلق كل الخيوط، لذا من فضلكم خبئوا أنفسكم في مكان ما حتى ذلك الحين.»
«أمرك يا والينا
«وبعد يا كاميجو توما، من فضلك لا تلمس الأسلاك. بدلاً من حلقة سحرية ثنائية الأبعاد تُرسم على الأرض، الحاجز هو دائرة سحرية ثلاثية الأبعاد انتشرت بالأسلاك. وهي النواة الأساسية للحاجز، فلو لمست يدك اليمنى إياها، قد يُلغى السحر.»
«هيّا عنك، لا أدري لماذا قد ألمسها. تبدو وكأنها ستقطع إصبعي لو جرّبت. وأيضاً، قد انقطعت ذراعي اليمنى كاملاً من قبل، ولن أسمح لها بمثل هذا مرة أخرى. ولن ألوم نحسي الخالص هذه المرة.»
اندفعت المشاعر فجأة في وجه كانزاكي.
«أونيا~ ولكن كاميان، ألم يتبيّن أن ذلك كان حظاً وسط النحس خلال معركة ميساوا؟»
لم يلاحظ كل من تسوتشيميكادو أو كاميجو تغير كانزاكي المفاجئ.
«لم أقطعها رغبةً مني. تباً لذلك اللوليكون الخيميائي. مقابلة شخص مثله كان نحساً في المقام الأول، أتدري
طرقت أحذية كانزاكي الأرض. فلفّت كانزاكي ظهرها لكاميجو.
تتبع كاميجو ظهرها بعينيه وشعر برجفة تتسلل إلى عموده الفقري. لم تفعل هذا بأي نية معينة. كأنها... كأن جسدها تحرك من حسٍّ بالخطر.
ما قال ظهرها شيء.
«م-ما الأمر؟ مرضانة أم ماذا؟»
«لا شيء» ردّت.
دون أن تلتف، غادرت كانزاكي المكان وذهبت لنشر الحاجز.
ركضت كانزاكي عبر المنطقة السكنية المهجورة لبناء الحاجز، ساحبةً الأسلاك حولها.
على عكس مدينة الأكاديمية، تحتوي البلدات العادية على أعمدة هاتف. كانت "نقاط ارتكاز" مناسبة لتعليق الحبال غير المرئية على مساحة كبيرة. باستخدام الأعمدة والأسلاك، أنشأت دائرة سحرية ثلاثية الأبعاد بقطر يبلغ قرابة مئتي متر من موقع أبعد قليلاً عن قوات الشرطة المضطربة. بهذا الحاجز، يمكنها أن تلقي سحرًا بطول موجة معينة عليهم لتشوش وعيهم. كان شكل الحاجز أشبه بشكل مقلاة، علىٰ أن كاميجو قد يسميها بمضخة هوائي (أنتينا).
(كاميجو...)
عبست، وهي تتذكر استخدامه لكلمة "نحس".
(ليس عليه لوم. وغضبي عليه لن يكون بمعقول.)
قد فهمت هذا منطقيًا، لكن جزءًا منها لن يسمح أبدًا بأن يتنهي الأمر هكذا.
لكانزاكي ذكرياتٌ مريرة من عبارة "نحس".
كانت ذكريات مريرة موجعة حتى أنها لو قدرت؛ لما أرادت سماع هذه الكلمة مجددًا.
هربت، خائفة من أن تفتح باب ذكرياتها المغلقة. هربت أبعد وأقوى وولّت بعيدًا — كأنها تغرق نفسها في عملها محاولةً صد النظر عما كانت تخشاه أكثر من كل شيء.
بعد أن هربت كانزاكي، تنهد كاميجو وهو مختبئ وراء سيارة متوقفة.
كان متفاجئًا. من مستوى مهارة السحرة بالطبع، ولكن بشكل أكبر من حركاتهم التي بدت عشوائية إلى حد ما. بصراحة: ما كانوا ليفعلون لو لم تأتي كانزاكي بحاجز؟ أكانوا سيبقون عالقين هنا؟ هذا كان سيكون أغبى شيء قد سمعه.
قد رأىٰ مشاهد في أفلام الأكشن حيث كان حتى فريق "العمليات الخاصة" يطّلعون على خرائط ويأتون بخطةٍ مفصلة قبل الغوص في مخبأ الإرهابيين.
الآن بعدما فكر في هذا، عندما قاتل هو وساحر الرونات؛ الخيميائي في مدرسة ميساوا، تذكر أنهما لم يحملا خططاً عميقة في ذلك الوقت أيضًا.
عندما أعرب عن هذه الاهتمامات –ممزوجة بشكاوى وتذمر– أجاب تسوتشيميكادو كأنه كان واضحًا جدًا كان عليه أن يعرفه.
«كاميان، نحن السحرة قد نعتبر أنفسنا محترفين، لكننا لسنا فريقاً من قوات العمليات الخاصة التي تبرمجت في رؤوسنا الكتب، نيا. لم نتدرب مثل تلك التدريبات العسكرية على "قتل التنظيم" أو "الأيديولوجيات الجمعية" كما يحدث في بعض البلدان. نحن هواة إن تعلق الأمر بالقتال.»
«ماذا؟» عبس كاميجو من هذا. يبدو أن ما قاله ليس له علاقة أبدًا بالسحرة الذين التقاهم حتى الآن.
«تمزح، صح؟ كان ستيل و أوريولُس من الذين يمكنهم التصدي للدبابة من النوع 90 مثلا مباشرة وهم يبتسمون. أولئك الشياطين المهووسين بالقتال لا يمكن أن يكونوا هواة بأي حال.»
أمسكت ميشا يده بلا كلمات، وأعطاها علكةً أخرى. مرة أخرى، لم تحاول لمس يده، وأخذت العلكة كما يفعل بيّاع البقالة عند تسليم الباقي.
نظر تسوتشيميكادو إليهما من خلال عدساته الزرقاء. «أعني، هي كهذا. تخيل طالب في الإعدادية يحمل زر إطلاق صاروخ نووي. أولئك لهم مهارات سحرية استثنائية طبعًا، لكن ذلك ليس لأنهم خضعوا لتدريب عسكري أو مثل هذا القبيل.» ابتسم وأكمل. «ألا تراه غريبًا يا كاميان؟ أما خطر لك يومًا أن السحرة، الذين يفترض أنهم تدربوا تدريبات المحترفين، يُقادون بمشاعرهم شخصية خلال المعارك؟ مثلما يخبرهم العدو بحقائق مدهشة فيتجمدون في مكانهم على الفور، أو يستمعون بإخلاص إلى ما لدى العدو ليقوله، أو يتعاطفون مع العدو، أو يصرون على قتال شرفي واحد-ضد-واحد؟ ركز وسترىٰ الكثير من غير الضروريات التي تحدث في معارك السحرة.»
كان من الصحيح أن "الأسلحة البشرية" الباردة المدربة بالتدريبات العسكرية لن تستمع أبدًا إلى كلمات عدو أو تتعاطف معهم. لن يسمحوا لأنفسهم حتى بأن يُرَوا، فضلاً عن المحاربة وجهًا لوجه. حتى لو عَلِموا معلومة مدهشة ما، سيرمون النار أولاً ثم يسألون لاحقاً. إذا قيل لهم قتل المجرم، فسيرمون النار مباشرة صوب قلب الطفل الذي يُحتجز رهينةً. هذا ما يعنيه أن تكون فردًا قتالياً محترفاً.
«يُعتبر السحرة أطفالاً في هذه المقاييس. نحن أطفال نحمل سكاكين. وحقاً، نحن نبكي، ونرتعش، ونشكي كالأطفال أن العالم قد خاننا.»
ثم أخرج تسوتشيميكادو أنفاسًا بسيطة.
«هكذا السحرة. لن تتحقق أمانيهم، ولن يُنقذهم إلههم حتى لو صلّوا – آخر ما تتشبث به تلك الأرواح الضالة هي الخدعة القذرة النهائية: السِحْر.»
«...» لم يرد كاميجو على ذلك. تسوتشيميكادو نفسه كان ساحرًا. مهما كان مبتهجًا، إلا أنه لا يزال ساحر. لابد أن في داخل قلب هذا الشاب المبتسم فراغاً جاف.
وكذلك الأمر على ميشا، التي كانت تمضغ العلكة بصمت.
«السحرة — وخاصة الذين استقروا في القرن التاسع عشر، أي "السحرة المتقدمين" — ينقشون رغباتهم في أرواحهم. وأقصد بكلامي الأسماء السحرية. نحن ننقش في قلوبنا الكلمات اللاتينية التي تبرر سبب دراسة السِحر، والرغبة الوحيدة التي نموت من أجلها. بالنسبة لي، مُسَمّاي السحري هو Fallere825، ولكانزاكي Salvere000، نيا~. الأرقام تُضاف في حال تكرار نفس المصطلح. اعتبرها مثل @ للبريد الإلكتروني.»
«...لما—»
—(يحتاجون لمثل هذه الدقة؟)
فكر كاميجو. أهدافه كانت غامضة على أفضل تقدير، وحتى هو كان يُحرج بالحديث عن أحلامه أمام الآخرين. فدائمًا هناك خوف من أن تُرفض أحلامك. هناك الكثير من الذين يحلمون بأن يكونوا ممثلين أو رياضيين محترفين ثم يُرفضون دائمًا كأغبياء من قبل أولياءهم أو معلميهم ويستسلمون. فهذا هو مدى الضرر الذي يمكن أن يصيب المرء برفض حُلمه.
أوليس السحرة خائفين بالمثل؟
كم كان عليهم أن يقووا أرواحهم ليتمسكوا بأحلامهم دون أن يستسلموا، حتى وإن رفضهم الآخرون؟
«لهؤلاء، لا يعني الانتماء إلى منظمة الكثير. هم فقط يتمسكون معًا لأنهم يشتركون في الأهداف. كانزاكي وستيل سيتركان الجماعة على الفور إن كانت تعيق حياتهم، دون كلام. وبالطبع، الآن هما يواجهون حالة احتجاز رهينة، فلا أعتقد أنهما سيتركان المنظمة.»
تعجب كاميجو من كلمة "رهينة"، فتنهد.
المعنى المهني للسحرة هو عكس المعنى المهني للقوات الخاصة تمامًا. هذا ما فهمه. إنهم عكس تام للقوات الخاصة، الذين بأمر بسيط سيقتلون من يعصون أوامرهم. السحرة لا يستمعون للأوامر، لا يريدون المال، ولكنهم لا يريدون أيضًا أن يكسروا مشاعرهم، مهما كان الأمر. هذه هي المفاهيم التي استند إليها هؤلاء "المحترفون".
(...إن كان كذلك...)
نظر كاميجو باتجاه الاتجاه الذي ذهبت إليه كانزاكي.
لم يكن هناك أحد. فقط ساد الصمت الفارغ للشوارع السكنية الخالية.
هل قال شيئًا بلا تفكير قد أذى مبادئها بصفتها محترفة، وقد بدت في مزاج متوتر بطريقة ما عندما تركتهم؟
ربما لاحظ تسوتشيميكادو التعبير القلق الطفيف على وجه كاميجو. فابتسم وقال:
«أها، أتساءل ما إذا لم تعجب كانزاكي نيه-تشين بقولك "نحس"، نيا~.»
«نحس؟... أقلتها؟» تساءل كاميجو، وهو يميل رأسه. نظر إلى ميشا، لكنها لم تجب. وما تزال تمضغ العلكة.
«حسنًا، هذا لأنها أساسًا عادة فيك، نيا~. تعرف، لطالما قلت "يا لحظي". حسنًا، نيه-تشين لديها مشكلتها أيضًا – فعندها "حظ الشيطان" لتتعامل معه.»
«...حظ الشيطان؟»
«نعم. أو قد تفهمها "حظ جيد". ما أعنيه هو أن نيه-تشين لا تستطيع أن تغفر لنفسها لأنها محظوظة جدًا.»
«هي... تقلق من كونها محظوظة؟» ظهر على وجه كاميجو علامات استفهام كبيرة. أومأ تسوتشيميكادو وواصل.
«هناك منظمة مسيحية مخفية في اليابان تسمى الكنيسة المسيحية الأماكسية. قبل ميلاد كانزاكي-نيه-تشين، تقرر أنها سترتقي إلى قمة مجموعتهم وتكون كاهنتهم. وأنها من المختارين من قبل الرب، قديسة نُعِمَت بالوصمة، [5] وهناك أقل من عشرين منهم في العالم.»
كان تسوتشيميكادو يبتسم.
ومع هذا، كانت هذه ابتسامة مختلفة عن العادية المريحة.
«امتلكت موهبةً للنجاح دون جهد. امتلكت شعبيةً لتقف في مركز الناس دون فعل أي شيء. كل ما رغبته سيتحقق، وستحدث لها صُدَفٌ سعيدة غير متوقعة كل يوم قبل الفطور. وستنجو بطريقة ما إذا تهددت حياتها. وستتجنب الرصاصات صدفةً ودون سبب، وستنجو بشكلٍ معجزي حتى لو انفجرت قنبلة بجانبها»، واصل تسوتشيميكادو، كما لو كان يغني تهويدة. «...لذا لا تستطيع نيه-تشين أن تغفر لنفسها لكونها محظوظة. لعلها تكون ملعونة بحظها الشيطاني.»
«...لم أفهم. لماذا تقلق من شيء كهذا؟» بالنسبة لمن كان يكافح مع نحسه اليومي، كان هذا موقفاً محسوداً للغاية.
«من يدري؟ فقط من اعتادها سيفهم.»
ابتسم تسوتشيميكادو.
لكن وجهه لم يكن سعيدًا على الإطلاق.
«لكن يا كاميان، كيف يشعر المحظوظ؟ تشتري تذكرة يانصيب واحدة، وتفوز دائمًا بها بالتأكيد. مما يعني أنك ستجبر أولئك من حولك على اختيار تذاكر الخسارة، مهما حدث.»
«...أوه.»
«وُعِدت بمنصب الكاهنة منذ ولادتها، وبسبب هذا، تحطمت أحلام من أرادوا أن يكونوا كهنة. عندها موهبة النجاح دون جهد، لكنها جعلت أولئك من يعملون بجد يقعون في يأس. لها شعبية لتقف في مركز الناس دون فعل أي شيء، لكنها دفعت الآخرين خارج الدائرة. كل ما رغبته سيتحقق، وستحدث صُدَفٌ سعيدة غير متوقعة لها كل يوم قبل الفطور. ولكن على النقيض، أولئك من لديهم أمنية واحدة غير محققة – ستُصيبهم الكوارث. ستنجو بطريقة ما إذا تهددت حياتها، لكنها ستجعل الضعفاء يسقطون من أمامها وهم يحاولون إنقاذها. فصاروا دروعها من الرصاص والانفجارات، وبالتالي مات الكثير من أولئك الذين عبدوها وآمنوا بها.» [6]
«...»
«لو كانت نيه-تشين مهرطقة، لربما لم تقلق. لكنها لم تستطع أن تغفر لنفسها لحظها الحسن. لم تتمكن من أن تغفر لنفسها لأنها جعلت أولئك من حولها منحوسين، بالضبط لأن أولئك من حولها كانوا أعزاء عليها.»
تنهد تسوتشيميكادو.
ثم، وهو ينظر إلى السماء البعيدة، واصل. «في النهاية، لم تتحمل نيه-تشين ذلك أكثر. جعلت كل من حولها منحوسين، ومع ذلك، سيبتسمون ويخبرونها بأن الحظ جمعهم معًا حتى وهم يموتون فداءً. لم تتحمل أن تشاهدها.»
أعجزت الكلمات كاميجو.
إذا تذكر صح، كانزاكي كانت من كنيسة الأنجليكان. وهذا يعني أنها تركت كنيسة الأماكسا. وُعِدت بمنصب عالٍ منذ ولادتها وكانت محبوبة من الجميع حولها. وعلىٰ ذلك، أرادت أن تتوقف عن جعل الناس الذين يؤمنون بها منحوسين، ولذا تخلت عن منصبها. كان لديها أناس رغبت حقاً في حمايتهم، واختارت العزلة مقابل أن تكون معهم إلى الأبد.
في النهاية، الوحيدون الذين يمكن أن يقفوا بجانبها...
... كانوا مجموعة خاصة مثل نِسِسَريوس، التي كانت قوية بحيث لم يكن للحظ أي علاقة بها.
(كيف شعرت؟) تساءل كاميجو.
ولقد ذكّرها بهذا. قال إن لديه حظًا سيئًا، ثم ضحك كأن الأمر لم يهم أبداً، كما لو كان واضحًا.
نظر تسوتشيميكادو إلى قلقه لكنه ابتسم مشرقاً. «ولكن ليس عليك القلق بشأنها يا كاميان. هذا خطأ نيه-تشين لتذكره، وهذا كل شيء. أن تنغمس في تجاربها النفسية بمفردها لأمرٌ أنانيٌّ غريب بعض الشيء، نيا~» وأخذ يُلوّح يديه باستخفاف. « كأنها طفلةٌ تعاني من نوبة غضب. فلا شيء تقلق عليه حقاً.»
قال ذلك ببساطة وابتسامة، ولكن لم يفلح في التخلص من حزن كاميجو.
توقفت المحادثة للحظة.
لم يكن هناك أصوات مميزة تُسمع في المنطقة السكنية، سوى نباح الكلاب المتفرقة هنا وهناك، كما لو كان منتصف الليل. من بعيد جدًا، سمع صوت قطار يسير.
بعد لحظة، نظر كاميجو حوله في الحي الخالي من السكان.
«لكن، ألم تتأخر هي؟ لا يمكن أن الشرطة أمسكتها، أليس كذلك؟»
«لا يمكن. حتى لو أتاها سربٌ من الدبابات كثير، فإنها تقدر على قطع طريقها عبرهم ببساطة. هي واحدة من أفضل عشرة سحرة في لندن، لكن التقنيات التي تستخدمها غريبة بعض الشيء. رسم الحواجز مثل هذه ليس من تخصصها، لذا عادةً ما يستغرقها وقتاً أطول.»
«...نعم، قلتَ أنك ساحر أيضاً. لا أزال لا أصدق تمامًا. فهل هذا يعني أنك كنت ترتدي ثياب قسيس مثل راهب مهني؟»
«مهلا، لا يرتدي العملاء السريون زياً. وهذا أصلاً خارج مجال خبرتي. قد حصلت يومًا على الكتاب المقدس، لكنه في خزانة ما. تقنياتي الأساسية لا تعتمد على القِبالة، بل [الأونميودو]، وهي نسخة يابانية من [الطاوية].»
«...الأونميودو، أتعني مثل الين واليانغ؟ أرى هذا يابانياً.»
«صحيح. لكن [القِبالة] و[الأونميودو] متشابهتان إلى حد كبير حقاً.» أومأ تسوتشيميكادو مرتين، موافقًا مع نفسه. «على سبيل المثال، كلتا الفنون الغربية والشرقية تستخدمان النجمة الخماسية رمزاً لعرض العناصر الخمسة. يقسم كل منهما كل سمة إلى لونٍ واتجاه أيضًا، وعند رسم دائرة، يضع كل منهما حراسًا في الاتجاهات الأربعة. رغم أن الغرب يستخدمون كبار الملائكة الأربع، وفي الشرق نستخدم الشيكيغامي الأربعة، نيا~.»
«ها.» كل هذا كان غامضًا لكاميجو، لذا رد عليه مبهمًا «حيّرتنا.»
«قد تراه مُحيّراً، ولكنها ليست صدفةً، نيا~. كان في عصر [هَيّان] عندما نشأ [الأونميودو] أوّل مرةٍ ثم أتقنها العجوز [سَيْمَي]. في ذلك الوقت، كانت هناك الكثير من المنتجات الأجنبية التي وصلت من [طريق الحرير]. هذا رأيي الشخصي فقط، ولكني أراه منطقيًا أن نعتقد أنه حصل على تلميحات من هناك. الفكرة الأصلية [للأونميودو] جاءت من [كينوغيوكوتوشوۤ]، وهو كتاب للتنجيم وصل من البر الرئيسي، نيا~. إن كنت مهتمًا، فسَل إندِكس أن تستخرجه من رأسها لك.
«وبالطبع،» أضاف تسوتشيميكادو، وكأنه يضحك على نفسه، «تخصصي هو الفنغ شوي، نيا~. تختلف تقنيات النظر-في-الأرض كثيرًا بين الشرق والغرب.»
«الفنغ شوي؟ أتعني مثل الدكتور ***؟»
«أه، كاميان، فقط لعلمك، فنغ شوي لم تكن مهنة فعلية في هذا العالم في الأصل. كانت في الأساس مهمة [للطواوين] في الصين والأونميوجي، أو ممارسي الأونميودو في اليابان.»
عد تسوتشيميكادو على أصابعه. «كانت [الفنغ شوي] واحدة من مسؤولياتهم. مدراء الفنغ شوي، المنجّمون، الصيدلانيون، المشعوذون، المُعَبّدون، صانعو التقويم، مستخدمو الساعات المائية، وغيرهم؛ هؤلاء كلهم مهنٌ منفصلة تفرعت من الطاوية والأونميودو وأصبحت متخصصة في حقها.»
«ها. أهو مثل كيف وصل جزء من [كونغ فو شاولين] إلى [أوكيناوا] فتحول إلى [الكاراتيه]؟»
«نعم، تقريبًا. إنها مماثلة. "طاو" في "الطاوية" تشير إلى تقنية ضرب الناس بالـ"كي". لكن إذا طبّقت هذا المفهوم على الأرض أو العالم، فستكون [الفنغ شوي]. لنضعها بمصطلحاتك العلمية، فكر بها مثل [فرضية غايا]، حيث أن العالم هو كائنٌ حي واحد،» شرح وتذكر شيء ما. «منهم، أنا متخصص في الطقوس السوداء – على وجه التحديد، أنا متخصص في إنشاء مسالك مائية.»
«إنشاء مسالك مائية؟»
«تمامًا كما يبدو، أنا أنشئ مسالك مائية. الهدف الرئيسي منها هو لحماية القلاع والمدن عن طريق رسم دائرة سحرية ضخمة باستخدام تدفق الماء. استخدام المسالك المائية كدائرة ليس غريبًا حقاً، من منظور عالمي أتكلم. مقصدي، انظر فقط إلى مدينة البندقية –مدينة المياه– رغم أنها ليست تمامًا فنغ شوي. قرابة نهاية الحرب العالمية الثانية، حاول الجيش الياباني القديم بناء دائرة سحرية مائية ضخمة تربط الملاجئ تحت الأرض، لكن يبدو أن ذلك انتهى بالفشل،» فكر تسوتشيميكادو للحظة، كما لو كان يتذكر الماضي البعيد.
«تخصصي هو استخدام المسالك المائية لصنع الفخاخ... أو على الأقل، كان. حسناً، هذا هو الأونميوجي. يضربونك بشيكيغامي من مكان بعيد لا يُرىٰ ثم يرسمون دائرة حول أنفسهم لإخفاء وجودهم. في فترة [هَيّان-كيو] –كيوتو القديمة– لم تكن قوتهم السبب في أن [الأونميو] كانوا يُخشَون. كان جبنهم، وتكتيكاتهم الغادرة، وخداعهم، واغتيالاتهم، ولعبهم بالممنوعات.»
بينما كانوا يتحدثون عن كل هذه الأمور، عادت كانزاكي كما لو كانت تخرج من ظلال الظلال.
كان وجهها هادئاً، وما وجدوا فيها أثراً للقلق.
«حاجز الحظر فعّال الآن. لقد غيّر شرطة الشغب تركيزهم عن منزل كاميجو إلىٰ منزلٍ آخر يبعد ثلاثمئة متر، فلابد أنهم الآن كسروا تشكيلهم.»
«حسنًا إذن، بات منزل كاميان فارغ، فدعونا نذهب وندخل، نيا~»، قال تسوتشيميكادو بكل بساطة، متقدمًا على الفور. تبعته ميشا وكانزاكي. فتُرِكَ كاميجو وحيدًا، وفجأة التفت كانزاكي.
«لماذا لا تأتي؟ أم أنك ستظل هنا حتى نتعامل مع هينو؟»
«أ-أوه نعم،» قال كاميجو، محركًا نفسه. اقترب من كانزاكي التي انتظرته بإخلاص، وتبع تسوتشيميكادو. وبينما هرول، فكر في الاعتذار لها على إحياء ذكريات مريرة لها، لكن...
(...لا، إذا اعتذرت، لربما أذكرها بهذا مرة أخرى.)
إن كانت ذكريات مؤلمة جدًا، فأفضل عليه ألّا يثيرها بسهولة. هز كاميجو رأسه وزاد من سرعته ليفلت من نظرة كانزاكي المُحَيّرة.
- الجزء 6
تثبّت لوحة اسمية عليها [كاميجو] في نهاية الجدار الخرساني، قرب المدخل والجرس.
اختبأ كاميجو ومن معه بين أشجار المنزل قِبَلَ الشارع وراقبوا.
مهما نظروا، كان منزلاً عادياً من طابقين مُشيَّداً من الخشب.
لكن في وضح النهار الحار لهذا الصيف الحارق، كانت جميع المصاريع على النوافذ مغلقة، أو ربما كانت ستائر سميكة مسدلة. كان هذا مشهدًا غير عادي بحد ذاته. علىٰ أنه لم يحمل ذِكرى، إلا أن الفتى كاميجو ما صد علىٰ أن يَحُنّ لهذا المكان. لسوء الحظ، كان المبنى الذي ينظر إليه يشع كآبة شريرة تفوح برائحة حادثةٍ، كأنها حالة عنف منزلي أو اختطاف فتاة صغيرة.
وفي الواقع، ما كان هذا الشعور الغريب أبعد عن الحقيقة.
داخل هذا المنزل –الذي سُدّت عنه الشمس– كان هناك سجينٌ هارب لم يشبع بذبح ثمانية وعشرين أحدًا وتقديمهم قرباناً كأنها عبادة شيطان، بل تسبب أيضاً في سقوط الملاك وجرف العالم بأسره معه.
وهي تراقب النوافذ المغلقة بالستائر في الطابق الثاني من ظل الشجرة، قالت كانزاكي بهدوء، «همم. لا أقدر القول من مكاني هذا عن موقع هينو. لربما اقتدر ستيل على تحديد موقعه عبر اكتشاف مصدر الحرارة» قالت مع لمحة من الحزن. «ومع ذلك، نظراً لأن المنزل مغلق بإحكام، أرىٰ أن هينو لا يدرك اقترابنا. فلو بدأنا هجومًا، ليكن سريعاً. أين مفتاح المنزل؟»
«معي، نيا~.»
لسبب ما، كان تسوتشيميكادو هو من أخرج مفتاحاً فضياً من جيبه. (كيف؟) فكر كاميجو وهو يتحسس جيوبه بقلق. ما كان موجودًا. لم يعرف كيف أو متى، ولكن المفتاح سُرق.
تنهدت كانزاكي أيضاً بتعب من استعراض تسوتشيميكادو غير الضروري لمهاراته في النشل.
«تمام. تسوتشيميكادو، ستكون الطُعم. اخترق الباب الأمامي وأحدث ضوضاءً قدرما استطعت. وعندما نسمعك، سندخل أنا وكرويتزف سراً من طريق آخر.»
«حاضر يا زعيم. ألدى صغيرتنا ميشا-تان أي اعتراض؟» سأل تسوتشيميكادو، فأجابته ميشا بإيجاز، «إجابتي الأولى: موافقة.» أزالت المنشار من حزامها، ودون ركضة بداية، قفزت إلى سطح الطابق الأول في قفزة واحدة. فأمسكت جانب نافذة صغيرة في الطابق الثاني.
ما كان لكاميجو وقتاً أن يُذهل – وبعدها، قفزت كانزاكي. مرة أخرى، دون ركضة بداية، طارت مباشرة إلى هناك متجاوزة رأس ميشا التي تموضعت على سطح الطابق الأول، ولمست سطح الطابق الثاني دون صوت. ثم استمرت راكضة إلى الجانب الآخر من السطح نحو الشرفة المواجهة للفناء الخلفي.
كان هذا سخيفاً. وغير معقول حتى. كان الأمر كما لو أن طفلاً سأل، «ماذا أفعل لكي أركض بهذه السرعة حقاً؟» وكانت الإجابة الجدية هي، «ازرع محركاً في جسدك ثم انظر.» بعض الأساسات التي انبنى عليها العالم كانت خارج الحسبان.
كما لو أن تصرفاتهما كانت طبيعية تمامًا، فراقبهما تسوتشيميكادو وهما ينطلقان من بين ظلال النباتات. فراحَ كاميجو يسأله، «ه-هَي. ماذا عليّ أن أفعل؟»
«بما أن نيه-تشين تجاهلتك تمامًا، أرىٰ أن أفضل إجابة هي أن تبقى، نيا~؟» استدار وأكمل. «أرأيت هذا يا كاميان؟ اجتمع ثلاثة من السحرة غير البشريين في مكان واحد. فليس عندك ما تقلق بشأنه.»
«ل-لكن... اثنان هما مجرد فتاتان.»
تسوتشيميكادو نظر إليه بدهشة من وراء نظاراته الشمسية الزرقاء. «اسمعني. نيه-تشين معها الوصمة، فهمت؟ هِيَ سلاحٌ بشري – لا، بل قديسةٌ سلاح. فهل تُصنّفها حقاً فتاة؟»
«...ما قلت؟ قديسة...سلاح؟»
«كما سمعت. كاميان، شرحت لك عن الأديان التي تعبد الأوثان أمس، صح؟ عن تلك الأمور أنه حتى إذا كان الصليب على سقف الكنيسة نسخةً مقلدة؛ فإنه لا يزال يحمل درجة من القوة طالما أن شكله ودوره متماثلان.»
تحدث تسوتشيميكادو بسرعة، مراعياً تقدم كانزاكي وميشا. «هذا ينطبق أيضًا على "نُسَخِ الرب". البشر خلقوا على صورة الرب، لذا فإن "نسخةً" بشرية تمتلكُ قوةً أصلية من الرب هو أمرٌ ممكن. وبالطبع، هذا ينطبق فقط على قِلّةٍ قليلة من الناس الذين يشبهون الرب. مِثلُها، هي التي بُشّرت عند ولادتها أنها قديسةٌ بها قوةٌ ربّانية. بينما أن وصمتها –دليل قداستها– مُطلقة، يمكنها استخدام قوةٍ تفوق البشر مؤقتاً. ألا ترىٰ أنها تستطيع أن تدمر قلعةً بأكملها بمفردها الآن؟»
ثم تركه تسوتشيميكادو قائلاً «نكمل بعدين» كما لو كان يدفعه بعيدًا، ثم اتجه إلى الباب الأمامي. أدخل المفتاح الفضي بهدوء في ثقب المفتاح.
بينما كان وحده في ظلال الأشجار، تأمل كاميجو في هذا الأمر مع نفسه.
(ألا بأس أن أترك كل شيء لهم؟ السحرة محترفوا قتال بالتأكيد. ولقد حاصرت ميشا المجرم الليلة الماضية، وما لقي فرصةً لينافس حتى. لذا ربما سيكونون بخير.)
ولكن...
(هل يفهمون حقاً...كم هو صعب القتال في الظلام؟)
خلال المعارك المغلقة المظلمة، أخطر شيءٍ ليس هجمات العدو بل النيران الصديقة. يظهر ظِلّان، فيتصارعان مع بعض في الظلام الدامس، وفجأة يظهر ظل آخر من الظلال. والأمر الأكثر رعبًا هو ما إذا أخطأ أحدهما الآخر على أنه عدو لا يرىٰ فيضربوه. كاميجو لم يكن قط محترفاً في القتال الليلي، ولكن عندما قرر أن يقاتل بدل الهروب أثناء المشاجرات في المدينة، كان دائمًا يحاول جهده لاختيار مكان مفتوح لذلك. وكان دائم الحذر من الكمائن.
وهو غالبٌ أن يعلم هينو جينساكو بهذا.
كان يعرف القتال في الظلام، ويعرف ما يجب حتى يقلب الحلفاء ضد بعض. لعلّه كان يبالغ في تقدير هينو بسبب هجوم البارحة، لكن الأخير بذل كل الجهد ليغلق الستائر والمصاريع ليخلق منطقةً مظلمة. إذا لم يحسب أن القاتل كان يحاول قلب الحلفاء ضد بعضهم، فسيندم لاحقاً على الأرجح.
(تبا... هذا يعني أنه كلما قَوى الحليف؛ صار أخطر!)
ركض كاميجو خلف تسوتشيميكادو واندفع نحو مدخل المنزل، وكاد يصطدم برأسه في بيت الطيور على فرع شجرة منخفض بجانب الباب الأمامي. لحق به وجاء بجانبه.
«تمهل، تسوتشيميكادو.»
شتمه تسوتشيميكادو بصوت منخفض، ولكن بما أنهما على المدخل، لم يملك وقتاً للنقاش معه ببطء. قال لكاميجو بصوتٍ لم يكن عالياً ولكنه بطريقة ما علق في رأسه: «...سأقتحم، فاختبئ خلفي. لكن لا تظن أنك بمأمن بهذا فقط. احذر وانتبه لظهرك، تمام؟»
فهم كاميجو أكثر من كافٍ أنه لا "مناطق آمنة" في مقصدهم هذا. كاد أن يرد كطفل، ولكن تسوتشيميكادو أدخل المفتاح في الثقب وأداره.
استنشق بسرعة مرةً، ثم فتح الباب الأمامي.
-بام تردد صدى فتح الباب بقوة عبر كامل الحي الفارغ.
(آه...؟!)
كاد كاميجو أن يقول شيئاً وهو ينظر ما وراء الباب.
هواء دافئ يتسرب من الداخل، حيث بدا وكأن أحدًا ما قد صب الظلام فيه. كان هذا هو حرارة مبنى مغلق بإحكام. إضافة لذلك، شمّ رائحة غريبة. لسعت أنفه وعينيه، وكأن هناك خزاناً من جراد البحر الفاسد تُرِك طويلاً حتى فسدت مياهُه.
-هِسسس- سمع هسهسة غريبة من الظلام كأنه صوت هواء يخرج من إطار عجلة.
علىٰ أن المدخل الأمامي المفتوح كان مربعًا، إلا أنه بدا أشبه بفم مخلوق عملاق وغريب.
«...» لم يتبادل تسوتشيميكادو أي كلمات طائشة معه في هذه اللحظة، بالطبع. تَقَدّم بصمت. وتبعه كاميجو، واضعاً قدمه في الظلام الصناعي. وخلفه، أُغلِق الباب الأمامي تلقائيًا بزنبركاته.
الهواء الدافئ والحار أحاط بكاميجو. شعر وكأنه في عرين وحش.
الستائر والمصاريع كانت مغلقة لتمنع الضوء، لكن الظلام الذي خلقته لم يكن كاملاً. وجد تسرباً من الضوء من الفجوة بين الستائر السميكة والمعتمة في النوافذ. لو كان هينو قد لصق الستائر بإطار النافذة، لربما جعلها مظلمة تمامًا، لكن يبدو أنه لم يفعل.
لكن...
لأنها لم تكن مظلمة تمامًا، لأنها كانت مضاءةً بشكل خافت مع تسلل الضوء فقط، هو ما أدى إلى أفكار مزعجة لا داعي لها. لأنهم استطاعوا رؤية محيط الأشياء، فبدا حامل المظلات العادي تماماً وكأنه شكلٌ جاثم. إذا ظهرت ظلال على الجدران، قد يرفعون أيديهم ضدها بغض النظر عمن تكون. وألقت دمية حيوان التانوكي من فوق صندوق الأحذية وزينة صندوق البريد الأحمر ظلالاً مخيفة أيضاً. وسيفٌ خشبي تذكاري بجانب حامل المظلات بدا وكأنه ذراع بشرية مقطوعة أو مثل هذا. بدا وكأنه إذا رفعوا ألواح الأرضية في الرواق، سيجدون جثة هناك. وإذا مزقوا ورق الجدران هناك، فقد يجدون باباً خشبياً قديماً مسمراً ليبقى مغلقاً.
رأوا الكثير من التذكارات التي تبدو بشكل ما دينية، مثل قناع كبير من أمريكا الجنوبية وزخرفة موأَيْ صغيرة. كانت تلك الأشياء على الأرجح مما اشتراه تويا خلال رحلاته التجارية إلى الخارج.
بعد دخولهما من الباب الأمامي، وجدا باباً زجاجياً على اليمين، والسلالم إلى الطابق الثاني من أمام، وبابين بجانب السلالم. أحدهما مقفل. أكان الحمام؟
(ماذا عن كانزاكي وميشا...؟)
نظر كاميجو إلى فوقه لكنه لم يسمع شيئاً. وبالطبع، إذا أمكنه سماعهما من هنا، لما كان من تسللهم فائدة.
بدأ تسوتشيميكادو يمشي.
اتجه نحو باب الحمام، فتحه دون صوت، وتفحص الداخل. بناءً على كيفية إغلاقه للباب مرة أخرى، لابد أن هينو لم يكن هناك. جاء كاميجو خلفه بينما كان على وشك فتح الباب المجاور له.
عندما فتحا الباب، اشتد صوت الهسهسة كخروج الهواء من بالون. لم يعرف ما كان ذلك، لكن الرائحة الحادة التي بدت وكأنها تخترق بشرته ازدادت أيضاً.
أدى الباب إلى غرفة تبديل الملابس.
رأى شكل غسالة، مجففة، ومنضدة. على الجانب كان هناك باب منزلق من الزجاج المصنفر، وظنّ أنه يؤدي إلى الحمام.
فتح تسوتشيميكادو الباب ببطء وألقى نظرة.
تحولت الغرفة التي فيها الحمام إلى مساحة مظلمة مليئة بالرطوبة. وَجَدَ شكل سلحفاة من اليوريثان ملقاة على الأرض، ربما كانت لعبة الحمام. بدا المكان أقل بحمام وأشبه بقبو فيه طفل مخطوف.
تسلل تسوتشيميكادو لينظر داخل الحوض الفارغ.
عاد كاميجو بنظره إلى منطقة تبديل الملابس. في المرآة على المنضدة كانت هناك ظلمة شاسعة وغائمة. كان كالمحيط في الليل. على المنضدة وَجَدَ بخاخ للشعر وشفرة على شكل T بجانب بعضهما، وبجانب ذلك كانت هناك قطعة شطرنج، أو قارورة صغيرة مصنوعة من الزجاج، أو شيء من هذا القبيل. هل كانت هذه إحدى التذكارات التي جمعها تويا خلال رحلاته في الخارج أيضاً؟
دفعه تسوتشيميكادو إلى الجانب وبدأ بالتوجه إلى الجزء الخلفي من غرفة تبديل الملابس. بدا وكأن هناك مطبخاً خلفها.
(...لحظة.)
تملكه شعورٌ رهيب. الرائحة الغريبة، صوت تسرب الهواء، المطبخ، الرائحة التي ازدادت قوة كلما اقتربوا، تلك الرائحة الغريبة القادمة من المطبخ التي تلسع أنفه، كانت...
«...(تسوتشيميكادو، ارجع»
حاول كاميجو أن يهمس بهذا، ولكن بدا له صوته كأنه أحدث ضوضاء هائلة داخل الظلام. قفز قلبه في صدره بسبب الصوت غير المتوقع.
ومع ذلك، لم يقل تسوتشيميكادو شيئاً. نظر إليه، وعيناه تسألان، "ماذا؟"
«...(إنه غاز. تلك الرائحة على الأرجح غاز البروبان. إن أنبوب الغاز مفتوح»
اهتزت كتفي تسوتشيميكادو؛ كان هو أيضاً مرتعباً.
ربما رآهم هينو يقتحمون المنزل وغادر قبلهم بخطوة. ربما خطط لرش النار داخل المبنى وتفجيرهم جميعاً دفعة واحدة (وربما حسبهم المجرم شرطة الشغب). خَطَا كاميجو ببطء بعيداً عن المطبخ، محاولاً الابتعاد. خطا تسوتشيميكادو خارجاً أيضاً، ربما بعدما قرر أخيراً أن البقاء هنا كان فكرة سيئة، و—
خلف تسوتشيميكادو—من المطبخ—بدون صوت، ظهر ظِلٌّ رقيق.
«تسو—
—تشيميكادو، حاول كاميجو أن يصيح، لكن الظِل قد رفع سكينه الهلالي في شكل قوس فوق رأس الشاب.
من كان ليتوقع؟
في هذا الموقف، عندما كان المبنى ممتلئاً بغاز البروبان ويمكن أن يشتعل في أي لحظة. الشخص الذي فتح صمام الغاز قد اختبأ في أخطر مكان—المطبخ.
كان قد انزلق إلى بقعة عمياء نفسية بالنسبة لتسوتشيميكادو، الذي لم يكن قد لاحظ بعد أن الموت كان يقترب من ظهره.
بدون صوت، سقط السكين على رأس تسوتشيميكادو—
«
—ولكن قبل أن يصل بقليل، اندفع كاميجو نحو جسده دافعاً إياه إلى الجانب. كانت غرفة التبديل ضيقة، لذا اصطدم الأخير بالحائط قبل أن يتحرك حتى متر. ومع ذلك، كانت المسافة كافية لتجنب السكين النازل عليه.
عندما اخترق النصل الظلام، شعر كاميجو بألم حارق في الذراع التي استخدمها لدفع تسوتشيميكادو.
قد جُرِح. لكن الجرح كان سطحياً. تجاهل ذلك وحدق مباشرة إلى الأمام. الظل—أو بالأحرى، هينو جينساكو—رفع السكين مرة أخرى نحوه، محاولاً أن يضربه في وجهه من الأسفل مباشرة.
بينما كانت الحافة الفضية تهدده، أمسك كاميجو بأي شيء وجده بالقرب منه وحاول إيقاف الضربة. ومع ذلك، قبل أن نتمكن يُمناه من الإمساك بشيء، داهمته فجأة فكرة كابوسية.
علىٰ أن هذه المنطقة لم تكن مشبعة بالكامل بالغاز، إلا أن غاز البروبان كان يطفو في الهواء هنا.
إذا استخدم شيئًا صلبًا لصد السكين، فإن الشرر الذي سينتج عنه سيفجر غرفة التبديل بالكامل
«يا... مختل
في تلك اللحظة بالضبط، ركل تسوتشيميكادو -الذي كان بجانبه- السكين الذي يكاد يطعن رقبة كاميجو – أو بالدقة، ركل اليد اليمنى التي تحمل السكين. انزلق السكين من يد هينو وسقط على الغسالة. شعر كاميجو بالتوتر على الفور، لكن لم تنطلق أي شرارات.
الآن كانت فرصتهم. حاول كاميجو أن يهاجم هينو في بطنه ليشل حركته.
ومع ذلك، فتح هينو فمه اللزج المليء باللعاب على مصراعيه...
«غيي
وصاح كالحيوان. عندما نظر كاميجو إلى داخل فمه اللزج، اشمئز شديدًا لدرجة أن جسده تجمد للحظة. لم يُفوّتها هينو، فركض بسرعة متخطياً كاميجو، فأمسك بسكينه من الغسالة وانطلق خارج غرفة التبديل باتجاه المدخل.
«لن تهرب
كانت رائحة الغاز هناك مروعة. مجرد شرارة صغيرة من كهرباء ساكنه من ملابسه قد تشعل المكان بأكمله. في هذا المكان أنواعٌ من المعادن والأجهزة الكهربائية التي يمكن أن تتسبب في الانفجار، مثل الميكروويف الذي كانت عليه ثلاث ألعاب على شكل نمور تشبه جوائز صناديق الحبوب؛ والثلاجة التي كانت عليها مغناطيسات على شكل تمائم خشبية معلقة؛ وحوض الفولاذ المقاوم للصدأ الذي كان به سبعة أكواب صغيرة كلٌّ منها بلون مختلف. ارتجف كاميجو.
(أياً كان... أياً كان، عليّ أن أغلق صمام الغاز! ولأتجنب ختام قصة حياتي التي بها وفاتي في انفجار في منزلي!)
تلمس كاميجو في الظلام شبه التام ووجد موقد الغاز مغطى بحاجز من الألمنيوم. نظر بخوف خلفه ورأى صمام الغاز مفكوكا من الخرطوم. لف الصمام بحذر كما لو كان يقطع السلك الأحمر في قنبلة موقوتة.
توقفت الهسهسة المرعبة حينها.
لم يحدث أي انفجار. تنفس كاميجو الصعداء، ثم فتح الباب الخلفي على مصراعيه. أحرقت أشعة الشمس المباشرة عينيه التي اعتادت الظلام. شعر بالغاز السام يتدفق ببطء. الهواء المغلي في منتصف الصيف في الخارج –الذي كان يعتقد أنه مميت– شعر به منعشًا مُحيي.
وساعَتها...
...سمع صوتاً ذكرياً عميقاً وصوت خطوات عنيفة.
نظر كاميجو حوله. كانت ترجع إلى غرفة المعيشة على الأرجح؛ سمع أصوات الشجار من خلف الضوء الخافت. كان من هينو وتسوتشيميكادو. كما سمع صوت خطوات سريعة من الطابق الثاني. افترض أن كانزاكي وميشا قد قررا أنه لم يعد ضروريًا إخفاء أصوات أقدامهما.
ركض كاميجو عبر المطبخ واندفع إلى غرفة المعيشة.
كانت غرفة واسعة. فيها تلفاز كبير في أحد الزوايا وطاولة جلوس على مسافة مقاسة منه. كانت الأرضية مغطاة بسجادة منفوشة. على الجدار المقابل للتلفاز رأىٰ خزانة، وفي المساحة المفتوحة بجانبها كان هناك مسجلاً صوتياً يبدو عتيقاً.
كان تسوتشيميكادو وهينو بين التلفاز والطاولة. كان هينو يُأرجح سكينه بلا تفكير، لكن تسوتشيميكادو لم يدافع؛ ركز طاقته على التهرب وانتظار فرصة للهجوم المضاد. أشياءٌ متنوعة كانت هنا وهناك قد توقف شفرة السكين، مثل منفضة السجائر وساعة الرف، لكنه لم يبدو وكأنه يريد إثارة شرارات وإشعال غاز البروبان العائم حوله.
(أيمكن أنه فكر بهذا البعد...؟)
مرة أخرى، اندهش كاميجو من مدى رعب هينو. بتحمل خطر الموت المحتم دائمًا، كان يقيد ويحصر حركات خصمه نفسيًا. لم يرَ أسلوب قتال كهذا من قبل.
لم يعتقد أنه يمكنه تقديم أي مساعدة هنا. تبادل الضربات بلا مبالاة مع سلاح يحمل احتمال إشعال غاز البروبان، ولم يكن لديه ثقة كافية في رشاقته لتفادي ضربات السكين الوهمية لشخص متمرس في القتل.
لم يستطع أن يجد أي أفكار، وربما أدرك تسوتشيميكادو ذلك.
«كاميان، ابتعد
بمجرد أن أطلق تلك الصرخة العالية، تشتت انتباه هينو قليلاً نحو كاميجو.
لكن في تلك اللحظة...
بدهشة، استخدم تسوتشيميكادو كاميجو الثابت طُعماً، واتخذ خطوة كبيرة نحو هينو الذي تذبذب انتباهه، واقترب منه عن كثب.
«؟
هينو الحائر حاول على عجل أرجحة سكينه، لكنه تأخر كثيراً. لقد اقترب تسوتشيميكادو لمسافة صفرية، وأدار خصره ليحرك ذراعه بكل وزنه. بدلاً من لكمه كما في شجار، أخرج مرفقه وضرب بمرفقه صدر هينو. بضربة قوية واحدة، أمكنه حتى سحق ضلوعه واختراق رئتيه. بدا لكاميجو كأنها تقنية مصممة للقتل.
هينو جينساكو...
...بينما كانت ضربة مرفق تسوتشيميكادو القوية تقترب من صدره العاري...
...في تحولٍ لا يصدق، رفع معصمه الأيسر المسحوق ليصد هجوم تسوتشيميكادو الثقيل.
صدى صوتٌ أشبه بمضع فاكهةٍ فَسُدت.
أغلق كاميجو عينيه بسرعة. رغم أنه أدار وجهه بعيدًا بشكل لا إرادي، جائته بقعةٌ من سائل دافئ نوعًا ما على خده.
مرة أخرى، بدأ كاميجو يشك في سلامة عقل هينو جينساكو.
أثارت في نفسه اشمئزازاً أرجفت رجليه. اجتاح إحساسٌ غير مريح كل أصابع يديه العشر. «غيي-هيي
وثم مزق السكين الهلالي الهواء قاطِعاً.
«تسوتشيميكادو
—فصدىٰ صوتٌ ما كان قطع سكين، بل ضربة مرفق.
«آه؟» أصدر كاميجو تأوّهاً غبيًا وفتح عينيه.
لم يهتز تسوتشيميكادو أبدًا. لم يُبعد النظر حتى. لم يدع جسده يتجمد. نظر مباشرة وبصدق إلى العدو أمامه ودون تردد صدم مرفقه كالمطرقة في وجه الرجل.
«فماذا؟» وسخر بكل ثقة.
ابتسم. لم تكن ابتسامة مجنونة، أو مكسورة، أو مرتاحة. سأل هذا بابتسامته العادية، اليومية، المعتادة.
لم يؤثر عليه.
لم يؤثر عليه بأدنى شكل، ولا مقدار ذرّة.
بعد أن تلقت جثة هينو ضربة مرفق صافية، طار للخلف كأنه ضُرِب من مضرب معدني. طار لمترين دون أن يرتد. وجثته، التي صارت حطاماً، تدحرجت عبر الأرضية ثم اصطدمت بالخزانة فتوقفت أخيرًا.
«والآن، إذن
كشف تسوتشيميكادو عن أسنانه بشراسة.
في عيونه بريقٌ وحشي خلف النظارات الشمسية الزرقاء.
بدا أن هينو كان واعيًا، لكنه ما بدا أنه يستطيع الهجوم المضاد. فقد توازنه، وبالكاد يُحرك أطرافه. كانت صورته تبدو كحشرة على شفا الموت.
توقفت معظم عمليات تفكير كاميجو في مواجهة وضع متطرف كهذا.
أخيرًا، وصلت كانزاكي وميشا من الطابق الثاني.
«أنت بخير يا تسوتشيميكادو؟
بدأت أفكار كاميجو المتشتتة تتحرك مرة أخرى. البروبان أثقل من الهواء، لذا لابد أن الاثنتين لم تلاحظاه في الطابق الثاني.
وبمجرد أن رأت وجه هينو، كادت ميشا أن تسحب العتلة على شكل L من حزامها، فأمسك تسوتشيميكادو يدها قبل أن تفعل. إذا سببت شرارات وهي تُأرجحها، فإنهم جميعًا سيُقتلون.
أخبرهم كاميجو عن الغاز. فتصلبت كانزاكي قليلاً وقالت، «سنستجوب هينو جينساكو. فهلّا تمانع في فتح النوافذ لتُهوي المكان؟»
بدا أن وجهة نظرها لم تكن مخطئة في البداية، لكنه سأل على أي حال.
«إن كنت لأفعل، ألن يكون أأمن لنا أن نأخذه خارج المنزل؟»
«بل نستجوبه هنا حتى نحصل على المعلومات اللازمة. لا نريد إعطاءه فرصة للهرب بعد أن وصلنا إلى هذا الحد.»
«تمام» رد كاميجو مقتنعًا، وأماءَ مجيباً.
في هذه الحالة، سيكون من الأفضل إخراج الغاز من المنزل بأسرع وقت ممكن. إن كان هينو اليائس قد خطط لتفجير نفسه، فذلك سيسبب مشاكل. ذهب كاميجو إلى أهم الأماكن في الطابق الأول، وفتح نوافذها وأبوابها. وفي كل مكان ذهب إليه، رأى أطنانًا من الهدايا التذكارية الإثنية {عرقية} من الخارج. ذُهِل كاميجو تمامًا من مدى سوء هواية أبيه هذه، لكن الوقت لم يكن مناسبًا للتفكير في هذا.
بعد أن فتح كل نافذة إلى أقصاها، عاد إلى غرفة المعيشة. كانت المصاريع والستائر قد أُزيلت بالكامل، لذا لم تعد الغرفة مظلمة. كانت مجرد غرفة معيشة عادية، كأي غرفة تراها في أي مكان.
«...لا أعرف.» عندما عاد إلى غرفة المعيشة، سمع هينو يقول هذا من مكانه المتهالك بجانب الخزانة.
«ماذا؟ ما هذا؟ سقوط الملاك؟ لا أعرف. ملاكي-ساما، ما الذي يقوله هؤلاء؟ لا أعرف. أجبني من فضلك، هذا غريب، إنه غريب حقاً، لماذا يحدث هذا؟»
همهمة، همهمة. همهمة، همهمة، همهمة. همهمة بلا توقف وبصوت منخفض لفترة طويلة كأنه شريط قديم ممتدد بفعل الحرارة يتكرر مرارًا وتكرارًا. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه، لكنه بدا أيضاً وكأنه يحاول التأثير على السحرة المحققين.
ابتسم تسوتشيميكادو بسخرية، ابتسامةً مُهلهلة، ابتسامةً تكتسيها السرور قبل أن يبدأ. «تمام إذن، لنسمع قولك. شرط استسلامك هو أن تبوح بموقع طقوس سقوط الملاك، لذا تذكر هذا. ولنبدأ. أولاً، أرىٰ أن نخلع مرفقك. الذراع المخلوعة تمتد أكثر مما تتخيل، لذا لنحاول مع بعض فعل ذلك سنتيمتر واحد في كل مرة، نيا~؟»
نبرة صوته السعيدة أرسلت قشعريرة في عمودهم الفقري. بجانبه وقفت ميشا بصمت، وفي يُمناها مفك وفي يُسراها منشار. حسب الوقت والمكان، ستتحول تلك الأدوات الخاصة بالحرافة اليدوية إلى أسلحة وحشية مرعبة.
ومع ذلك، لم يُغير ذلك موقف هينو.
استمر مُتمتماً في نفسه، من دون طاقة، وأطرافه ممددة لا تتحرك.
«ما أعرف، ما أعرف، ما أعرف، ما أعرف، ماأعرف، ماعرف، ماعرف، معرف، معرف، معرف، معرف، معرف، معرف، معرف، معرف، مرفـ~~»
صوته المسطح تمامًا ودون أي نوع من التعديل أرسل رعشة باردة عبر ظهر كاميجو.
تحركت سبّابة هينو الممددة مثل اليرقة.
تحركت من نفسها، تقريبًا كأن في عضلات ذراعه أقطاب كهربائية مغروسة. بدا وكأنه يرسم أحرفاً على السجادة المنفوشة، لكن بدون حبر أو أي شيء، لم تلتصق.
ومع ذلك، نظر هينو إلى السجادة التي كان إصبعه السبابة يمر عليها بعيون راضية بعض الشيء.
«آه، ملاكي-ساما، ملاكي...»
تعويذٌ غريب تتدفق من فمه المليء باللعاب. [7]
طرح كاميجو سؤاله دون تفكير.
«ملاك-ساما؟»
«نعم، ملاكي-ساما دائمًا في قلبي. ملاكي-ساما سيجيب على أي شيء أرغبه. ملاكي-ساما لا يخطئ أبدًا. ملاكي-ساما سيجلب لي السعادة بالتأكيد طالما اتبعه
بعد أن انتهى، تشنجت وتلَوّت يد هينو. فبدت كانزاكي يقظة لحركات يده.
«نعم، ملاكي-ساما دائمًا على حق
نظر كاميجو إلى بطن هينو جينساكو. فرأىٰ عليه كلماتٍ إنجليزية محفورةٍ بسكين.
C A L L AN A M B U L A N C E
«...مكتوبٌ عليه أن ينادي بالإسعاف، نيا~»، ترجم تسوتشيميكادو بعد أن رأىٰ نظرة كاميجو.
(هكذا.) فكر كاميجو.
في الأصل، كان من المفترض أن تكون شرطة الشغب هم من سيدخلون هنا، ليس كاميجو ومن معه. وسيكون لدى شرطة الشغب هؤلاء تجهيزات دفاعية مثالية مع خوذاتهم ودروعهم الواقية.
كان من المتوقع أن ينسحب هينو جينساكو إلى مكانٍ بِنيته صلبة، كالحمام. ثم عندما يقتحم شرطة الشغب، سيُشعل الغاز ويُفجر المكان. ثم سيسرق المعدات والملابس من الضباط المنهارين. وبعد ذلك، إذا تظاهر بالإصابة واستدعى سيارة إسعاف، فإنه يمكنه بسهولة تخطي الحصار... ربما.
"ملاكه-ساما" سيخبره بالجواب على كل ما يريد فعله. ومع ذلك، اعتقد كاميجو أن هناك شيئاً غريباً في ذلك.
كان إصبع هينو يكتب الكلمات بكثافة قد تكسره.
بصوت حاد ومحذر، أمرت كانزاكي: «أوقف يدك يا هينو جينساكو. هذا ليس تحذيرًا، بل تهديد. إذا لم تُطع، سأستخدم الكاتانا.»
كان صوت كانزاكي باردًا صلباً، لكن يد هينو لم تتوقف.
-خربشة، خربشة. خربشة، خربشة- خَرْبَش وسجّل الحروف على الأرض.
«هيي-إيي-هيي، ل-لن تتوقف. لا أستطيع إيقاف ملاكي-ساما.»
هينو بنفسه بدا وكأنه يشعر بالرعب من صوت كانزاكي الحاد.
وجهه بدا وكأنه يبكي ويضحك في نفس الوقت، لكن يده اليمنى استمرت في التحرك كأنها مخلوق منفصل.
(...؟)
فجأة، شعر كاميجو باضطراب من هذا الموقف.
شعر كأنه رأى شيئاً مشابهاً في مكان ما من قبل... لا، كأنه سمع عن مثل هذا من أحدٍ ما من قبل.
لا، لحظة، كانت في دروسه الصيفية.
لقد قالت المعلمة كوموي شيئًا خلال محاضراته الصيفية، أليس كذلك؟
إذا تذكر صح، كان هناك بحث حول ما إذا كان يمكن لجسمٍ واحد استخدام قدرتين—
«—صحيح، شخصية منقسمة.»
أعصاب الإنسان جميعها جزء من شبكة واحدة. عندما يُحجب جزءٌ منها لإخفاء ذكريات لا يُمكن تحملها مثلاً، يحدث الفصام. وعندما يكون هذا الجزء المحجوب من الشبكة قادرًا على الحركة بشكلٍ مستقل، فإنه يصبح اضطراب الهوية المنفصلة، أيّ إنفصام الشخصية.
قالوا ذلك على التلفاز أيضًا.
تم تشخيص هينو جينساكو بتعدد الشخصيات خلال حادثةٍ سابقة، وكان هناك جدل حول ما إذا كانت ستُحَمّل عليه المسؤولية أم لا.
ذوو الشخصيات المنقسمة لا يتبعون بالضرورة نمطًا يتمثل في تبديل الشخصيات بشكل كامل بين "شخصية أ" و "شخصية ب" كما يحدث في المانغا والأفلام. واعتمادًا على الحالة، يمكن أن تكون الشخصيتان "متقاطعتين".
على سبيل المثال، قِصّةٌ عن مريضٍ منفصم الشخصية يخاف من أن يحادثه انعكاسه في المرآة. من وجهة نظر الطبيب، فإن المريض يتحدث فعليًا إلى المرآة بنفسه. لا تدرك الشخصية ألف أن الشخصية باء كانت تتحكم في فمه.
كانت يد هينو اليمنى مثل هذا، أليس كذلك؟
ماذا لو كان لهينو جينساكو انفصام، وكانت شخصيته الأخرى تتحكم في يمينه؟
«مهلا، آثار سقوط الملاك الجانبية هي أن تُغير دواخل وخوارج من استُبدِلوا، أليس كذلك؟» كاميجو سأل كانزاكي. «فماذا يحدث مع منفصم الشخصية؟ هل يُحسب "خارج" واحد "داخِلَين" اثنين في هذه الحالة؟»
«ها؟» نظرت كانزاكي إليه.
«حسنًا، مقصدي—» تابع على الفور، ونظر إلى عينيها. «—هل هو مُمكِنٌ أن تُستبدل الشخصية ألف والشخصية باء في جسم هينو جينساكو؟»
تجمد الجميع الحاضرين عند هذا الكلام.
«إذا ما تبادلت الشخصيتان داخل "ظاهر" هينو جينساكو، فلن يبدو مختلفاً من الخارج، صح؟»
اختار كاميجو كلماته بحذر. «فماذا سيحدث؟ هل يجب أن نعتبر شخصًا يعاني من انفصام الشخصية بأن لديه "اثنين من الداخل؟" أم نعتبر منفصم الشخصية ككل "داخل واحد"؟»
«...»
احتارت كانزاكي. نظرت إلى تسوتشيميكادو وميشا، فما حملا إجابة أيضاً. بعد حدوث سقوط الملاك، لم يلتقوا بأحدٍ يتمتع بهذه السمة غير العادية، لذا لم يحملوا عِلمًا بهذا الأمر.
ولكن في الواقع، كان هينو جينساكو من هم الذي كسر الصمت أولاً.
«خ-خ-ح-خ-خ-خ-اخرس
من وجهة نظر هينو، رفض وجود ملاكه كان ربما أكثر ألمًا من أخذ حياته. على الأقل، لن يتردد هينو في قتل الناس إذا كان الأمر يتعلق "بملاكه-ساما".
لسوء الحظ، لم يُفِده عذره شيئا.
وفعلاً، جعل من كانزاكي والآخرين ينظرون إليه بشكل أكثر حدة.
«طبيب... طبيبٌ قال هذا؟ أن فيك انفصامًا في الشخصية، وأنه ملاكك -ساما؟»
«هِييي
كان هينو يرتجف مثل الطفل، ولم يستطع كاميجو إلا أن يصد نظره.
علىٰ أن هينو كان قاتلًا، إلا أن الشعور بالذنب في كاميجو ينخر فيه في مكان ما.
«إذن... حُسِمت.» تنهد كاميجو تنهدًا ثقيلاً. «هينو جينساكو يعاني من انفصام الشخصية. السبب في عدم ظهوره بديلاً هو ببساطة لأن الشخصية ألِف استُبدِلت بالشخصية باء من الداخل.
«بمعنى آخر—» انهى بصوت مؤلم...
«—هينو جينساكو ليس الفاعل.»
- الجزء 7
فوجئ من سمع.
كان هينو جينساكو –الذي تورط تمامًا في كل هذا– قد فقد الوعي. ربما من الألم الشديد، أو ربما كانت صدمة اكتشافه أن الملاك الذي آمن به لم يكن حقيقيًا.
وأي أدلة امتلكوه حول من يقف وراء سقوط الملاك قد فُقِدَ الآن. ولقد ضيعوا وقتاً كثيراً أيضاً. ما كانوا يعرفون من أين يبدأون التحقيق التالي، ولا حتى ما إذا كان لديهم الوقت للتجول عشوائياً.
«إذا لم يكن هينو جينساكو المسبب وراء سقوط الملاك، فمن يمكن أن يكون؟»
«لا تسألني...» ما كان لكاميجو قول. كانوا في نهاية مسدودة. ما عساهم سوى أن يقفوا مكانهم مذهولين، دون أدنى فكرة عن الخطوة التالية.
أو هذا ما اعتقدوه.
«مم؟» حينما التفت كاميجو بعيدًا عن نظرة كانزاكي، شعر بشيء غير طبيعي في المشهد. لم يكن يعرف ماذا كان، ولكنه شعر بشيء غريب.
اقترب من المكان حيث ترصدت عيناه—إلى الخزانة التي كان هينو يتكأ عليها.
كانت الخزانة مليئة بأشياء متنوعة. وكأن تويا قد سافر رحلات عمل في الخارج بانتظام مُستمر؛ بدا أن الأب كان يُلقي بالهدايا التذكارية التي جمعها من جميع أنحاء العالم هناك بطريقة عشوائية.
ومن بينها كلها، رأىٰ شيئاً واحداً وحيد لا يمكن تصنيفه تذكار. كانت صورة مثبتة في إطار. لم يعرف كاميجو الفاقد للذاكرة بالضبط، لكنه قد انتقل إلى المدينة الأكاديمية بعد تخرجه من رياض الأطفال على ما يبدو. لذا، كان الذين في الصورة الطفل كاميجو ووالديه الأصغر سِناً—أو على الأقل، هكذا يجب أن يكونوا.
«هذا...»
"الاستبدال" لم ينطبق فقط على اللحم والدم، بل امتد إلى الصور أيضاً. حقيقة أن ذو الشعر الأزرق ذو الأقراط -أوغامي بيرس- كان يرتدي لباس إندكس يمشي على نفس المنطق. كان كل شيء يتعلق بالمرء—من ملابسه ومقاس حذائه إلى بصمات أصابعه ومعلوماته الجينية وصوره ومقاطع الفيديو له—قد تم استبدالها.
كانت تلك الذكريات داخل الصورة المثبتة قد تشوهت بسبب سقوط الملاك أيضاً. لا تزال صورة كاميجو نفسها وهو طفل بفضل تأثير الإماجين بريكر، لكن في مكان والدته سوف يرى إندِكس، وفي مكان والده سوف يرى—
«—لحظة،» تمتم دون وعي. راحَ السحرة ينظرون إلى حيث نظر، وأدركوا أيضاً حقيقة واحدة.
ماذا عن تويا؟
لماذا لم يُستبدل كاميجو تويا؟
الكلمات التي تبادلوها سابقاً عادت إليه كما لو كانت من الماضي البعيد.
—كان هناك واحدٌ فقط تجنبها سليمًا، وكان ذلك الشاب في مركز الفوضى. فهل تراهُ غريبًا أن نعتقد أن هذا الشاب مشبوه؟
شعوره الغريب كشف مشاعر فضائية أكثر من ذكرياته، واحدة واحدة.
—اكتشفنا أن "التشوهات" كانت متمركزة على شيءٍ واحد يا كاميان، كلها تتمحور حولك، نيا.
—ولكن علىٰ ذلك، لسبب ما، أنت وحدك تقف في الوسط سليمًا بلا ضرر.
أخذت كل تلك الغرائب أخيرًا شكلًا واحدًا وأصبحت سؤالًا.
—بصدق، كنتُ وكانزاكي محظوظين.
—حسناً، إنها بالمسافة والحاجز.
(هذا صحيح،)
إن كان السحرة –حتى المحترفين في عالمهم– نجا قليلهم بالكاد من سقوط الملاك، إذن...
«أيمكن أنه... أبي؟»
رفعت كانزاكي حاجبًا عند سماعها تمتمته.
«ماذا قلت؟ أتقول أنه لم "يستبدل"، وأن شكله هذا الأصلي؟»
أما كاميجو، فلم يستطع أن يفهم إلى أين كانت تريد كانزاكي أن تصل بهذا السؤال.
لكنه أراد فقط أن يفكر في الأمر بهدوء. طالما أن سقوط الملاك استبدل حتى الصور والسجلات، فإذا كان أحد يجمع الوثائق المتعلقة بـ "الشخص أ" بعد حدوثها، فإن البيانات الوحيدة التي ستكون معه هي بيانات عن "الشخص ب" الآخر. حتى لو ظهر كاميجو تويا بوضوح في البيانات، فإنه من الصحيح أن يُقال أنه كان واحدًا مستبدلاً مختلفا.
ثم تنهدت ميشا تنهدًا باردًا، وكانت تقف بجانبه.
«إجابتي الأولى: إجابة ذاتية. الهدف بات مُحددًا الآن. كل ما تبقى هو إثبات النظرية... رأيي الأول: كانت نظرية مملة جدًا.»
لم يلبثوا حتى قفزت من نافذة مفتوحة إلى الحديقة وركضت بعيدًا إلى مكان ما.
«انتظري، ميشا كرويتزف
هدفها.
هذه كانت الكلمة التي نطقت بها بينما كانت تنظر إلى صورة كاميجو تويا.
«...تسوتشيميكادو،» بدأ كاميجو، متنفسًا عميقًا. «أهو حقاً نادر أن يبقى أحدٌ مثلي سليمًا من "سقوط الملاك"؟»
«حسنًا، بصراحة، ينبغي أنك الوحيد.» نظر تسوتشيميكادو إلى الصورة من خلف نظارته الشمسية الزرقاء. «حتى لو قام أحدٌ ما برسم دائرة مثلما فعلتُ أنا، وحتى لو اختبئت عميقاً في الطبقات السفلى من [كاتدرائية القديس جورج] أو [دير جبل القديسة ميشيل] [8] مثلما كانت نيه-تشين، لن تتمكن من الهروب تمامًا من آثاره. فمثلاً، علىٰ أنني أعلم أنني تسوتشيميكادو موتوهارو، إلا أنني ابتُلِعت بالاسم الآيدولي الشهير "هاجيمي هيتوتسوي".»
تمامًا. هذا هو السبب الذي جعل كاميجو توما محل اعتبار المسبب لسقوط الملاك.
كان من المفترض ألّا يسلم أحدٌ في العالم من تأثيرات سقوط الملاك. وإن كان هناك واحد فقط لم يتأثر بالسحر العظيم، إذن...
... إذن، بمعنى آخر، هذه هي الإجابة.
إذا كان الذي لم يتأثر أبداً بسقوط الملاك هو المسبب، إذن...
نظر كاميجو مرة أخرى إلى الصورة المعلقة على الرف. نظر إليها بتركيز شديد.
كانت هناك عائلة مكونة من ثلاثة أفراد في الصورة.
كان يعلم أن كاميجو شِينا قد استُبدِلت بإندِكس.
كما كان يعلم أنه لم يُستبدل بسبب الإماجين بريكر.
لكن...
كاميجو تويا لم يُستبدل.
وليس لديه الإماجين بريكر مثل كاميجو. إذا كان من الغريب أن لا يتأثر كل من في العالم بآثار سقوط الملاك... وإذا كان هذا مشابهًا تمامًا لفيروس الحاسوب؛ "وسيلةٌ" صنعها إنسان... وإذا كان فقط من نشره هو الوحيد السليم منها...
«لعنة...»
لكن هذه كانت الاحتمالية الوحيدة التي تبقت.
«اللعنة
المسبب كان كاميجو تويا.
كاميجو توما لم يستطع إلا أن يكره نفسه لأنه وصل إلى هذه النتيجة.
- الجزء 8
سقوط الملاك بدا أنها سِحرٌ عظيم، تعمل بحاجزٍ ودائرةٍ سحرية.
لذا، إذا قاموا بتدمير الدائرة السحرية فقط، يمكنهم وقف سقوط الملاك.
«ارجع يا كاميان.»
ومع ذلك، دون أن يبحث حتى عن موقع الطقوس الذي قد يكون في هذا المنزل، خرج تسوتشيميكادو فجأة بهذا القرار. «سأتفقد هنا. كاميان وكانزاكي، أنتما اذهبا واحميا تويا-سان.»
عبّر كاميجو عن انزعاجه من استخدامه لكلمة "حماية".
إنهما عضوان في كنيسة الأنجليكان. حتى الآن، كانا يتعاونان تحت ذريعة إيقاف مسبب سقوط الملاك، لكن لماذا اختارا أن يقفا إلى جانب كاميجو الآن بعد أن علما أن تويا –من لحمه ودمه– هو الجاني؟
نظر تسوتشيميكادو إلى وجهه وابتسم بمرارة.
«لا تستخف بي، كاميان. هدفنا إيقاف سقوط الملاك. إذا استطعنا تحقيق ذلك دون القتل، فهذا هو الحل الأمثل، نيا~.» ثم قلب الطاولة ونفث الكلمات التالية. «ميشا تلك اللعينة، تتسرع كثيرًا. وهو ليس مؤكدًا أن بقتله تُحَلّ المشكلة.»
قتله.
تجمّد عمود فقر كاميجو عند هذه الكلمة.
ميشا لم تظهر أبدًا أي تردد عندما كانت تطارد جانياً. لقد كسرت ذراع هينو جينساكو وضغطت بلا رحمة بشفرة منشار على عنق كاميجو مهددة.
هل ستفعل ذلك أيضًا مع كاميجو تويا أيضاً؟
لم يكن لديه أي فكرة عن السياق الذي جعله يُسبب سقوط الملاك...
...لكن أيعني هذا أنها ستُنزل المطرقة بلا رحمة على والد كاميجو توما؟
«تبا لهذا الهراء...»
لن تتردد.
هذا هو السبب الذي جلب ميشا كرويتزف هنا في الأساس.
لأنها كانت تحاول حل المشكلة بقتل الجاني وراء سقوط الملاك.
«هذا هراء، اللعنة
الذي كان يجب أن يكون هدف غضبه لم يكن هنا بعد الآن.
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)