-->

الفصل الأول: شَعْوَذَةٌ مَشْبُوهَة في عالَمِ اِلْغَرائِبْ.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء 1

علىٰ أن الواقع الذي أمامه يبدو سخيفاً للغاية، إلا أن الزمن استمر في المضي.

راحَ تويا وإندكس وميكوتو ذاهبين ليلعبوا في الشاطئ تاركين وراءهم كاميجو الحائر لما يجري. كان مرتبكًا، وقد أخبروه أن يرتدي ملابسه السباحة على الفور ويلحق بهم. ثم أخبروه أن يجلب معه مظلة شمسية لهم. وكان الآن جالسًا وحيدًا على شرشف النزهة ويديه متشابكتان حول ركبتيه، غير متأكد تمامًا من متى قام بإعدادها.

(عادي؟ عادي أن أتراخى هنا؟ يبدو حقاً أن العالم قد دخل في فوضى كبيرة، لكن ما لي فكرة عن كيف أتعامل مع كل هذا!)

بفضل انتشار الكثير لقناديل البحر العملاقة، ما كان هناك أي زوار على الرمال. وأغنية ضاربة صدت عبر مكبرات الصوت المثبتة على الأعمدة الخشبية الموضوعة على مسافات منتظمة على طول الشاطئ. عندما شاهد كل هذا، بدا له العالم هادئاً للغاية. لكن لسوء الحظ، قد رأىٰ في الناس فوضى تامة على التلفاز.

مهما كانت القناة التي قَلّب إليها، كل ما رآه هو أناس مختلطين الملبس.

حقيقة أن محطات البث كانت هكذا تعني أن الكارثة لم تشمل فقط بيتهم الشاطئي؛ كان نفس الشيء يحدث في جميع أنحاء اليابان. لا، ربما، ربما، كانت تحدث في العالم كله.

(...مم. أم أنني أرى هلوسات غريبة؟)

كانت مشكلة تحدث في جميع أنحاء الكوكب، لكن مقياسها المادي كان ضئيلاً مقارنةً بهذا: كان الجميع من حوله يجبرونه على الاعتقاد بأن هذا العالم المختلط طبيعي. كانوا يتلاعبون بمشاعره، رغم أنه يرىٰ بوضوح عكس هذا. ترك نفسه ينساق مع التيار، كيابانيٍّ عديم الفائدة حقاً.

بينما كان جالسًا هناك مُتربعًا، سمع صوت أقدام تدوس على الرمل قادمة من خلفه.

«يا توما. شكرًا على تجهيز المكان. ونعم، بما أنه لا أحد غيرنا هنا،

فأظنك أتعبت نفسك، واهاهاهاها!» قال الصوت الذكوري ضاحكًا.

(آخخ، أبي،) فكر وهو يدير عنقه لينظر خلفه—

—وتجمد.

«مم. ما الأمر يا توما؟ أصدمك لباس أبيك؟»

تجاهل كاميجو تويا تمامًا ونظر بجانبه.

نظر إلى إندِكس، الواقفة في مكان والدته شِينا.

(م-ما هذا اللباس الجنوني؟!)

ارتدت إندِكس بيكيني أسود، لم يتناسب مع جسمها الطفولي.

ومع ذلك، عادةً ما يُصنع البيكيني من القماش والخيوط. في حالة إندكس، كانت الخيوط مصنوعة من الفينيل الشفاف. لذا عندما تنظر إليها من بعيد، ترىٰ القماش وكأنه ملتصقٌ على جميع الأجزاء التي عليها إخفاؤها، واستخدمت شريطًا لاصقاً مزدوج الجوانب.

سيقولها بصراحة. مهما كان، كان لباسها للسباحة الغبي ذاك للبالغين تمامًا.

(تبًا! حسناً ما لنا خيار في عالم الفجوات واللا توازن هذا! لا، مهلا، اهدأ—ما هو بوقت للسعادة. إندكس ليس لديها مال! فمن أين جائت بشيء كهذا؟!)

بينما كان كاميجو يحدق مدهوشاً، وضعت إندكس إحدى يديها على خدها.

«يَه يَه. ولا هذا اللبس أعجبك يا عزيزي توما...؟»

«لا، المشكلة أكبر! ما بال هذا اللباس؟ كان عندكِ غيره بالأمس!»

«يَه يَه. فلقد أحضرت معي لبسَين أو ثلاثة من باب التنويع.»

«هاهاها!» ضحك تويا. «نعم، لا تزال والدتك ذواقة في الملبس. ملابس السباحة غالية الثمن أكيد، ولكن هذا يعني أن هدية أباك لم تذهب هباءً.»

في اللحظة التي سمع فيها ذلك، اشتعلت عينا كاميجو.

«أيها الوغد! أغريتها بالمال واشتريت لها ملابس سخيفة؟! ولحظة، كيف عرفت مقاسات إندكس؟ متى رحتم السوق حتى؟!»

«يَه يَه. عزيزي توما، لا تخنق أباك وإلا غاب عن وعيه، تمام؟»

«لا توقفيني يا إندكس. هذا اللوليكون يستهدفك!» صرخ كاميجو، وكأنه على وشك أن يطلق النيران من فمه. «اللعنة، علمت هذا. دائمًا ما رأيت الأمر غريبًا، كيف لأمي أن تبدو صغيرة السن حتى وأنتما في نفس عمره. أراهن أنها في زورت عمرها وهي تبلغ من العمر حقيقةً الثمانية والعشرين، أليس كذلك؟! إذن كم كان عمر أمي عندما أنجبتني؟! أنت مجرم!!»

«بغ-غغغ. ت-توما، اهدأ! هاك، سأعطيك هذه التميمة العائلية التي حصلت عليها في رحلة أيرلندا، لذا، لذا بغغغاغ!»

«تستهبل؟! هذه تمثال امرأة عارية! أتلمح إلى أنك تعرف بالضبط ما تفعله؟!»

«ل-لا، انظر إليها وستراها تبدو مثل [شيلا-نا-غيغ]، إلهة الطقس— أغغ! غوغغغ!»

بينما كان كاميجو على وشك الانحراف في دربٍ لا عودة منه نحو طريق الشياطين، جاءت ميساكا ميكوتو إليه.

«ها؟ عن ماذا تتشاجران، أوني-تشان ويا عمي؟ أهذه واحدة من تلك الأحداث الرائعة التي يتبين فيها أنكما لم تكونا مرتبطين بالدم؟»

«أنتِ...أنتِ... لا تُدخلي خيار "غير مرتبطين بالدم" هنا! وما هذا اللباس؟! هذا ليس مسبحًا مليئاً بالكلور، فلماذا ترتدين ملابس السباحة المدرسية؟»

«ها؟ أهذا غريب؟»

«كه... فما زلت تلعبين دور الأخت الصغيرة المطيعة، ها؟!»

(تعبت! تعبت منهم!) غير راغب في الاستمرار في هذا، أسقط يديه كالأخطبوط من عنق تويا وتنهد.

وكان تويا، الذي سعل بعنف وأمسك رقبته، ينظر إلى وجه ابنه وقال: «يا لإهمالي... ما حسبتك شغوفاً بوالدتك هذا القدر...»

«يَه يَه. قال فرويد إن الأولاد يكرهون أباهم ويحبون أمهم بشكلٍ غير واعي. وأرىٰ ذلك صحيح فيك يا عزيزي توما.»

«ورطةٌ هي. ربما صنعت حياته الطويلة والوحيدة في مسكنه حاجةً ملحة للحب العائلي.»

«...أنت وأنت وأنت...» صر كاميجو أسنانه الخلفية. «توقفوا عن تحليلاتكم النفسية الخاطئة والمبتدئة ووصفي بأني فيني عقدة! تعالوا اجلسوا هنا! سأحفر لكم حُفرًا بهذه المجرفة وأدفنكم حتى رقابكم تحت هذه الشمس الحارقة!»

صرخ الغريبين الثلاثة ضاحكين وهربوا نحو الماء. جمع كاميجو المجرفة بيد واحدة وكان على وشك ملاحقتهم ويقول "لن تهربوا!" لكنه أدرك فجأة أنه كان يتناسى أمراً.

سمع خطوات تدعس الرمال من خلفه مرة أخرى.

(هذا صحيح، لسبب ما كان أوغامي بيرس معنا في هذا المنزل الشاطئي،)

فكر، ثم تجمد.

البارحة، لبست إندِكس ملابس السباحة البيضاء المكونة من قطعة واحدة.

واليوم، ارتدىٰ أوغامي بيرس زيًا أبيض من نفس تصميم ملابس إندِكس لسبب ما.

إذن كيف سيكون أوغامي بيرس هنا على الشاطئ؟

(لا، لحظة. أيمكن…؟ إلى أين يذهب بي هذا التسلسل المنطقي—؟!)

«توما، توما! آسفة على التأخير. شكرًا لانتظارك!»

هذا الصوت الكريه، البغيض، السّنّوري، والذكوري.

(لا تلتفت، أقسم أن أوغامي بيرس يقف ورائي، ولو رأيته، سأفقد شيئًا مهمًا فيَّ.)

هذا ما كان يعتقده، لكن بحركات بطيئة ومتشنجة ومع الكثير من الخوف، التفت لمواجهة الواقع.

الشيطان الذي كان هناك في اللباس الأبيض المكون من قطعة واحدة—

«—ها؟!»

تالي ما عرفه؛ أن الشمس كانت في موضعٍ أعلى مما كانت عليه. وفي يده مجرفة مغطاة بالرمل، وعند قدميه كان ذو الشعر الأزرق أوغامي بيرس فاقدًا للوعي ومدفوناً إلا عنقه فوق الرمل. برز رأسه وحيدًا في الشاطئ كأنه إحدى الرؤوس المقطوعة في فترة إيدو.

(أفعلتُ هذا؟ ما الذي كنتُ...؟ ومن زاوية رأسه، يبدو أنه اندفن عموديًا!)

بعد التفكير في الأمر بعض الوقت، قرر ألا يخرج صديق السوء هذا من الرمل. لو رأىٰ ملابسه الآن، فلعلّه يفقد شيئًا مهمًا فيه.

(أوه، صحيح، أين أبي—تبا، ها هو! انظر إليه يلعب بالكرة الشاطئية مع إندكس وميكوتو! وفي عينيه حماسة لدخول مسار إندكس! ت-تبا! أخيرًا وصلت إلى الشاطئ، وهذه هي عطلتي الصيفية؟! على أي حال، يجب أن أدمر ذلك اللوليكون الذي لا يتصرف وفقاً لعمره!)

فكّر، وهو يركض نحو الشاطئ متذبذبًا مُتأرجحًا، والمجرفة في يده. في الوقت نفسه، تساءل في نفسِهِ عما إذا كان حسناً أن يقلق بشأن شيء مسالم كهذا وربما كان يغفل عن شيء مهم حقاً—

«أونيا~! كامي-ياااان، وجدتك أخيرًا!»

ثم فجأة، جاءه صوتٌ غريب قططي. إذا سألته ما الغريب في ذلك، فغالبًا سيجيب أن الصوت، بالإضافة إلى كونه أشبه بالقطة، ينتمي إلى ذكر وليس أنثى.

(م-ما هذا، ما هذا، ما هذا؟ مهلا لحظة، مهلا، أظنني أعرف هذا الصوت!)

توقف كاميجو عن الركض واستدار، وهناك رأى شابًا كبيرًا، ربما بلغ طوله 180 سنتيمترًا، قادمًا نحوه.

«تس-تسوتشيميكادو؟»

تسوتشيميكادو موتوهارو. كان جار كاميجو في مسكنه وزميله في الصف {...علىٰ ما يبدو—ما كان لكاميجو أي ذاكرة عنه، لذا لم يكن يعرف حقاً}. كانت ذراعاه طويلة فريدة تتدلى حتى ركبتيه. وكان شعره الأشقر على قمة قامته الطويلة مسنناً مُدببًا، وكان يرتدي شورت وقميص هاواي مفتوحٌ أزراره بدون شيء تحته مظهرًا صدره. وكان يرتدي نظارات شمسية زرقاء باهتة، ومع السلسلة الذهبية حول عنقه لإكمال مظهره؛ أعطى انطباعًا عن ملاكمٍ تجوال باحث. ومع ذلك، كانت طبيعته وشكله المتمرد موجودة لرغبته في أن يكون جذاباً للفتيات. وزيادة، كانت أخته الصغرى غير الشقيقة —تسوتشيميكادو مايكا، التي ترتدي زي الخادمة التقليدي— جعلته أخاً كبيرًا متسامحًا.

«...لحظة واحدة. لماذا أنت هنا؟! كيف خرجت من المدينة الأكاديمية؟ هل مايكا معك؟!»

«لا أتمنى أن أراك تنطق اسم أختي عفويًا، ولكن لا وقت لهذا. كامي-يان، فقط لأتأكد... هل أبدو في نظرك "تسوتشِمِكادو موتوهارو"؟»

لم يستطع كاميجو أن يفهم ما يشير إليه. «ها؟ ما الذي تهذي به؟ الأهم من ذلك، كيف خرجت من—»

«ولكن هذا يعني... نيا، لا يمكن...» بعد أن تمتم لنفسه للحظة، أكمل، «حسنًا، أياً يكن. يا كامي-يان، علينا أن نخرج من هنا. الوضع خطير. ما الخطير؟ حسنًا، الخطر الوحيد هو أن نيه-تشين الغاضبة هذه توشك أن تهاجمنا، وهذا هو!»

«ها؟ نيه... تهاجم؟ مهلاً، انتظر، أهناك شيء آخر؟!»

«لا يهم، فقط استمع إلى ما يقوله جارك، زين؟!»

بدا تسوتشيميكادو مُشوشاً، ولم يكن مقصده واضحًا تمامًا. أمال كاميجو رأسه مرتبكاً، وبدأ جاره يُلوّح يديه بجنون لدرجة أن نظاراته الشمسية انزلقت من جانب واحد من وجهه.

«وَل! ألم تدرك أن خطبًا يحدث منذ استيقظت هذا الصباح، نيا؟!»

«مم؟ نعم، الكل غريب. كأنهم تبادلوا داخلهم وخارجهم تمامًا أو شيء من هذا القبيل، لكن... ها؟ كيف تعرف...؟»

نظر كاميجو نحو الأمواج القادمة. رأىٰ الغريبين يلعبون بالكرة الشاطئية.

«ما أعنيه هو—نيه-تشين تعتقد أنك المجرم الذي استخدم السحر لإحداث هذا التبادل!»

«ها؟»

(مجرم؟) في اللحظة التي فكر فيها في ذلك، متحيرًا—

«وجدتك يا كاميجو توما...!»

سمع صوتًا أنثويًا يملؤه الكراهية الكبيرة يأتي نحوه من الجانب.

«ما لي شغل!» نظر تسوتشيميكادو نحو السماء.

استدار كاميجو نحو المكان الذي سمع فيه الصوت، ورأىٰ هناك فتاة واقفة. كانت طويلة بالنسبة لأنثى، حيث وصل طولها إلى أكثر من 170 سنتيمتراً. كان شعرها الأسود الطويل مربوطًا في تسريحةٍ سابّة (ذيل الفرس) وصل إلى خصرها. كانت ذو نمطٍ، وكانت بشرتها شاحبة كفاية ليحسبها أميرة، لكن بغرابة لم يشعر منها بضعف أو هشاشة.

كان لملابسها السبب في ذلك. القميص الأبيض ذو الأكمام القصيرة الذي كانت ترتديه كان مربوطًا مُصَفّطاً كاشفاً بطنها، وكانت ترتدي جنزاً مهترئاً ممزقاً في أماكن... لكن لسبب ما، كانت إحدى الرجلين في الجنز مقطوعة بشكل جريء لتكشف عن نهاية فخذها. وقد غطّت قدماها بأحذية تراها فقط في الأفلام الغربية. وكذلك كان الحزام السميك الملفوف مائلاً حول خصرها. يبدو أن به نوعًا من حمّالة الأسلحة.

ولكن، حمالة الأسلحة في خصرها لم تكشف مسدسًا؛ بل سيفاً كاتانا. ويبدو أنها كان مُعدّاً خصوصًا، وكان بطول مترين تقريبًا عند أول نظرة. عندما تجمع ذلك مع شعر السابّة الأسود الطويل، تراها تبدو كساموراي يظهر في الأفلام التاريخية.

ولأسباب لم يفهمها، كانت هذه السيافية الرومانسية من حقبة باكوماتسو تحدق بثبات في وجه كاميجو.

اقتربت منه مباشرة وبوقاحة بوجه يملأهُ الغضب.

كان أخطر ما فيها هو أن يدها اليمنى ربما أو ربما ما كانت تلامس مقبض سيفها طوال هذا الوقت.

«كاميجو توما! نعلم أنك من دَبّرت هذا السحر التبادلي—سقوط الملاك! أعِد كل شيء إلى طبيعته قبل أن أعد إلى ثلاثة!»

بدا أن الفتاة اليابانية مستعدة لقتله في هذه اللحظة بدلاً من العد إلى ثلاثة. اقتربت منه في لمح البصر. تراجع إلى الوراء. أي شخص كان ليخاف إذا اقترب منه شخص بمظهر انتقامي وسيف ضخم.

«إيه، ماذا؟ ما الذي تقوله هذه؟ تسوتشيميكادو، أهذه الفتاة هي "نيه-تشين" التي كنت تتحدث عنها؟ —هَيي، لا تهرب!»

قد غفل عن تسوتشيميكادو للحظة فقط، ولكن في تلك الفترة القصيرة، كان قد تسلل إلى الشاطئ الرملي. صرخة كاميجو أوقفته فجأة، ثم استدار مرتجفًا. كانت عدسات نظارته الزرقاء الباهتة تلمع في ضوء الشمس كعرق بارد.

نظر كاميجو نحو جانب المياه. رأىٰ إندِكس بملابس السباحة وميكوتو تلعبان على بعد أقل من مئة متر، فعليًا. ومع ذلك، بدا له الأمر وكأنه جنة لن يصل إليها أبدًا.

(أرغب في الهروب، لكن حتى هناك سأجد الجنون بقدر ما هو هنا،) فكر في نفسه. وبدت الآنسة أمامه وكأنها هدأت قليلاً ثم قالت.

«آه، نعم. نعم، فهمت. أعتذر. عزمت أن أرىٰ النتائج حتى نسيت آدابي. سأطرح سؤالًا فقط للتأكد. بمن أبدو لك؟»

(بمن...؟)

مَيّل رقبته مرتبكاً من غرابة السؤال. بنبرتها، سيفهم المرء أن "من" و "أنا" هما اثنان مختلفان. حسنًا، كان كاميجو في الأصل فاقدًا للذاكرة، لذا لم يعرف من هي. وعندما يواجه سؤالًا غريبًا هكذا، ما كان بوسعه سوى الرد بنظرة فارغة.

ثم وكما لو أن فتاة الكاتانا قرأت في تعبيره شيئاً، انفجرت عليه وقالت، «...بحقك، تمثيلك سيئ. قد قلت "نيه-تشين" لذاك المعتوه، أم نسيت؟ أنا كانزاكي كاوري. ساحرة من نِسِسَريوس، من البروتستانتية الإنجليزية (الأنجليكانية). فقط لأننا التقينا مرة لا يعني أنك قد نسيتنا في وقت قصير كهذا.»

كاميجو كان مندهشاً على مستويين مختلفين من نبرتها المستاءة.

الأول هو أنه كان يعرف هذه الفتاة الغريبة التي تجمع بين الشرق والغرب.

الثاني هو أنها أشارت لنفسها ببساطة كساحرة أنجليكانية.

نِسِسَريوس كانت منظمةً تنتمي إليها إندِكس وستيل ماغنوس. كانوا مثل فريق خاص لمكافحة السحرة. الآن بعد ذِكرها لهذا، استوعب أن ملابسها الغريبة لم تتناسب تمامًا مع المجتمع الحديث، وجعلت من ملابس إندكس وستيل تبدو منطقية أكثر {علىٰ أنه كان من الوقاحة التفكير في هذا}.

ومع ذلك، كان هناك شيءٌ غريب حول هذا إذا كان ذلك هو الحال.

مع وجود ساحرة حقيقية هنا، من كان تسوتشيميكادو الذي كان يتصرف على أنه صاحبها؟

رأى تسوتشيميكادو كاميجو وتنهد، ثم نظر إلى كانزاكي. «اسمعي، نيه-تشين! ألا ترين نفسك تتصرفين بعدوانية بعض الشيء، نيا؟»

«ماذا تقول يا تسوتشيميكادو؟ إني ببساطة أكرس كل طاقتي لحل المشكلة أمامنا. في المقام الأول —وإذا سمحت لي بالقول— أنتَ من يفتقر إلى إحساس كون المرء ساحراً.»

كاميجو لم يستطع أن يتجاهل هذا.

«مهلا، ماذا قلتِ؟ ساحر؟»

ناكراً تماماً، وجّه نظره إلى جاره. فابتسم الآخر بخبث.

«إي، مثل ما سمعت. أنا عضو في نِسِسَريوس أيضاً.»

ببساطة. ببساطة أعلن تسوتشيميكادو موتوهارو ذلك.

لذا، استغرق كاميجو بعض الوقت ليفهم ما قاله للتو.

انعكست أشعة الشمس على النظارات ذات الزجاج الأزرق مع توهج مخيف.

«م-ماذا؟ أنت؟ ساحر؟»

«نعم.» هز تسوتشيميكادو رأسه بتواضع. «أكنت تحسب أنه لا وجود للسحرة في مدينة الأكاديمية؟ العكس هو الصحيح! عالم العلوم هو عدو عالم السحر. فلِمَ تستغرب وجود جاسوسٍ أو اثنين في عمق أراضي العدو؟ أعتقد أن هناك الكثير غيري.»

«...لكن...»

ما قاله تسوتشيميكادو فيه من الصحة.

ومع ذلك، كان الشاب جزءًا من حياته اليومية العادية تمامًا حتى الآن. الحقيقة التي قالها شيء وما عاشه كاميجو معه شيءٌ آخر، لا يتوافقان.

«هيّا، حقاً. وجودي خارج مدينة الأكاديمية في المقام الأول هو أمرٌ غريب، ألا تظن؟ كان صاحبك مع نيه-تشين داخل قلعة وندسور في إنجلترا منذ ساعتين. وبالطبع، لم أملء استمارة أو آخذ حقنة نانوية داخل دمي. استخدمت طرقي السرية للخروج، نيا!»

«...»

حتى بسماعه من نفس الشخص، ما رأىٰ كاميجو في الأمر حقيقيةً. بالنسبة له، كان تسوتشيميكادو موتوهارو هذا: جاره في السكن في عالم حياته العادية؛ شخص يحاول أن يبدو جانحًا متمردًا ليكون محبوبًا من الفتيات؛ وعلى الرغم من ذلك، يكون مذعوراً كلما أصيبت أخته غير الشقيقة مايكا بنزلة برد، ثم يأتي إلى غرفة كاميجو لطلب النصيحة — لم يستطع رؤيته بأكثر من شخص عادي. لم يستطع أن يفكر فيه كجزء من هذا الكون الموازي السحري.

لذلك، بحث كاميجو بلا وعي عن طريقة لإنكار ذلك. «أوه نعم. ألم تأخذ المناهج في مدينة الأكاديمية؟ إن كنتُ أتذكر، فإن الإسبر لا يمكنه استخدام السحر، لذ—»

«بالضبط يا صاحبي. قد اخترقت أراضي العدو، هذا صحيح...وبفضل ذلك، انتهت أيام السحر كوني أستاذاً أونميوجي الأعلى رُتبةً. وضف فوقها حلاوة، أنا صفري المستوى لا يمكنني حتى أن استخدم نصف ما أملك من قدرات، نيا. تعبت من هذا!» ابتسم جاره له وأردف. «لكن هناك جواسيس من سيبقون خمسين عامًا ليكسبوا ثقة من حولهم. بدوت متفاجئاً؛ لابد أنك لا تعرف شيئاً عن العالم، وَصَلَت؟»

«أنت...» علق سؤال كاميجو التالي في حلقه.

رأى تسوتشيميكادو وجهه المصدوم وابتسم ابتسامة خفيفة فيها من السخرية ما فيها. «حسناً، ما أحاول قوله، الذي تراه أمامك الآن هو تسوتشيميكادو الحقيقي. أنا جهاز تنصت ينقل تفاصيل دقيقة عن أنشطة المدينة الأكاديمية إلى الكنيسة الأنجليكانية.»

جاسوس.

كانت الكلمة بحد ذاتها خارج نطاق الحياة الواقعية لدرجة كاد كاميجو يعتقد أنهم يتحدثون عن فيلم ما. ومع ذلك، واصلت كانزاكي بصوت ممل. «سأسألك ثانية يا تسوتشيميكادو، أكان من المقبول أن تكشف عن نفسك؟»

«من يهتم؟ الكبار يعرفون هذا منذ فترة طويلة، نيا. ومع هذا تركوني. أنا أساساً أرقص في كفوفهم وأنتظر ما سيحين بعد هذا.» ضيق عينيه خلف عدساته الزرقاء. «حسناً، هذا يعني فقط أن المعلومات التي معي ليست بالقيّمة كفاية لكي يفعلوا شيئاً بشأنها على الفور... لكن الأمور ستصبح بالتأكيد فوضوية ولا تُحتمل في اللحظة التي أكتشف فيها الحقيقة وراء [منطقة الأرقام التخيلية] — [جمعية العناصر الخمسة]. آسف، ولكن وهُمْ يدفعون لي أجراً —أو بالأحرى، لأن هذا هو عملي— فأنا أتخذ قرارًا واضحًا. عليّ أن انسحب الآن، ترىٰ؟ خُطوةً أبعد وسأتورط في العميق. هذا وحده لن يكفي بطاقةً للعب ضد أليستر. يا رجل، مدينة الأكاديمية تخفي ظلاماً مجنوناً بداخلها.»

«...» ارتجف كاميجو مما كان يقوله.

ليس لأنه فهم كلمة مما قال. في الواقع، لم يعرف أي شيء عن ذلك. ولكن،

حقيقةً أنه كشف عن نفسه أنه مقيم من العالم الآخر —عالم الغرائب— وقوله كل تلك الأشياء التي لم يفهمها، أصابت في نفسه موضِعًا أخافته.

«...إذن يا تسوتشيميكادو، أنت ساحر أيضًا؟»

«نعم، رغم أنني فريد قليلاً وغريب بعض الشيء، نيا.»

جاسوس.

حتى الآن، بعد أن عرف هذا، بقيت الصور الذهنية القليلة التي يمتلكها عن تسوتشيميكادو موتوهارو على حالها. الصورة التي بداخله تقول إنه في النهاية كان جاراً له، وكان قلبه ضعيفاً حنوناً تجاه أخته غير الشقيقة مايكا، وكان يأويها عندما تهرب من مسكنها الخاص بالفتيات من حين لآخر — لم تتحطم صورته عنه كأخ أكبر غير مفيد.

ما أرعبه حقاً، غير الكشف عن هويته، كان مدى براعته المدهشة في فهم المدينة الأكاديمية بينما كان لا يزال جزءًا من حياة كاميجو العادية.

«طيّب، يكفي عني،» قال تسوتشيميكادو بسرعة كبيرة. «الآن علينا أن نفعل شيئًا حيال هذا. تبادل الأجساد، الاستبدال. كامي-يان، أنت أيضاً اكتشفت أمراً، صح؟»

«انتظر لحظة. "أيضًا"؟ أيعني هذا أنك تعرف؟»

«آه، نعم، إلى حد ما. ما أعرفه هو أن الاستبدال ليس القضية الحقيقية. كل ما أعلمه هو أن هذا الاستبدال هو مجرد تأثير جانبي، نيا.»

«تأثير جانبي... فما الرئيسي؟»

تجعد جبين كاميجو. مصطلح الاستبدال أثر فيه، بالنظر إلى كيف بدا الجميع هذا الصباح عندما استيقظ، ناهيك عن المشاهد المجنونة على التلفزيون. لكن ما هذا عن تأثير جانبي؟ وما كان الرئيسي إذن؟ بدا هذا وكأن أحدًا قد بدأ حادثًا آخر.

رأت كانزاكي في وجهه الشك وتنهدت. «تسوتشيميكادو، من القسوة أن تتوقع فهم الحقيقة مِن مَن لا يفهم حتى شجرة القِبالة.»

«صدقتِ. لكن ألا يعني هذا أن فرضيتكِ كانت خاطئة، نيا؟» ابتسم تسوتشيميكادو. «هذا التبديل بين الخارج والداخل، تعويذة [سقوط الملاك]... هل اعتقدتي حقاً أن هاوٍ في السحر ككاميجو توما يمكن أن يتسبب في هذا؟»

نظر كاميجو إليه. لم يستطع أن يتجاهل ذلك. «ماذا؟ ماذا قصدتم بكوني متورطًا؟» سأل، لكن التي أجابت كانت كانزاكي، بتعبير غير راضٍ.

«...كان في زمنٍ كان شاب. ولسبب ما، كانت الحوادث تحدث حول هذا الشاب متكرراً. هذه المرة اندلع حادث آخر. ظهرت مشكلة واحدة حول هذا الشاب. وتأثر الجميع من في العالم منها. ومع ذلك، كان هناك واحدٌ فقط تجنبها سليمًا، وكان ذلك الشاب في مركز الفوضى. فهل تراهُ غريبًا أن نعتقد أن هذا الشاب مشبوه؟»

«ل-ل-ل-ل-ل- لحظة واحدة، يا حمقاء! هذا جنون! ماذا تعني بـ "ظهرت مشكلة"؟! أتخبرينني أن هذا الجنون هو حادث من صنع إنسان؟!»

«أتراها كارثة طبيعية؟»

تأوّه كاميجو رغماً عنه وصمت. ابتسم تسوتشيميكادو ابتسامة ساخرة. «لا تصمت يا كامي-يان! وإلا وُجّهت إليك التُّهَم.»

«ومن يُوَجّه التُهَم يا تسوتشيميكادو؟ في الواقع، هو الوحيد في العالم الذي لم يتأثر بتأثيرات سقوط الملا—»

«لحظة. سقوط الملاك؟ لقد ذكرتم هذا من قبل،» قاطع كاميجو، ملاحِظًا على مصطلح أطلقته كانزاكي.

فالتفت إليه الساحران.

«أغ، سقوط الملاك هو، إي... صعب أن أشرحه. كانزاكي، تابعي نيا!»

«تسوتشيميكادو، أزعجتنا، من فضلك هل لك أن توقف عبارات النيا نيا هذه؟» تنهدت كانزاكي بحنق. «ببساطة، هذا الاستبدال كله مُعَدّ بواسطة أحدٍ ما استخدم السحر. إنه حادث من صنع الإنسان.»

«...حادث؟»

«نعم» أومأت بهدوء.

فضحت تعبيرات كاميجو جهلاً في الموقف، فأكملت. «حاليًا هناك سِحرٌ مُعَيّن يتكشف على نطاق عالمي. ملفات القضية في المكتبة البريطانية لا تُخبر شيئاً عن الظاهرة، والتقنيات المستخدمة وتركيبتها لا يزالان مجهولين. وبسبب تأثيراتها الخاصة، اخترنا مُسَمّىٰ [سقوط الملاك] لتسهيل الأمر.»

«...تعرفون ما سيحدث حتى لو لم تعرفوا كيفية عملها...؟»

بعيدًا بعيد... عند الشاطئ، سمع أصوات الفرح لإندِكس والآخرين.

«بسيط. تخيل وحشاً بحرياً عملاقاً مجهول الهوية يهاجم مدينة.» ابتسم تسوتشيميكادو. «وبحثت قوات الدفاع الذاتي عن كل شيء عن الوحش، لكن في النهاية يظل مجهولاً. ما يعرفونه هو أنهم بحاجة إلى إيقاف الوحش قبل أن يسبب ضحايا أكثر. أرىٰ أن الأمر يشبه ذلك، فهل سَهُلَت عليك نيا؟ حسنًا، بالنسبة لك، سيسهل عليك كل شيء إذا رميت جانباً تصوراتك المسبقة عن المنطق العادي واستمعت إلينا كما لو كنا نخبرك بقواعد لعبة فيديو.»

«؟؟؟ ما لي أدنى فكرة عما تعنيه تشبيهاتك.» انحنت رقبة كانزاكي الرقيقة بِحَيْرةٍ من تفسير تسوتشيميكادو.

(ما حسبت أرى كانزاكي تقوم بمثل هذه الإيماءة الأنثوية، أدهشتني.)

«دعنا نتابع. سقوط الملاك مرتبط بمفهوم في القبالة يُسَمّىٰ بالشجرة السِّفروثية. أسمعت عنها؟»

«...لا أظن؟» بالفعل، كان كاميجو يعتقد أنه ربما سمع بها في مكان ما، ولكن كانت ذكرياته غائبة، لذا نفى الأمر. كان لديه إحساس بأن الساحر ستيل قد ذكرها خلال طريقهم إلى الخيميائي، ولكن...

«الشجرة السفروثية هي ببساطة جدول مراتب. بها مراتب أرواح الرب والملائكة والبشر على هرمٍ من عشر درجات. فكّر بها هكذا.

«ببساطة، إنها مثل خريطة لسلطان الرب المطلق التي تقول أساسًا أن هذا الإقليم مخصص للبشر وهذا الإقليم مخصص للرب — فلا يدخل هذا بذاك.

«عدد البشر وعدد الملائكة مُحددان مسبقاً، لذا عادةً لا يمكن لإنسان أن يتسلق إلى منزلة الملاك. والعكس صحيح؛ فلا للملاك سلطانٌ في النزول إلى مستوى الإنسان.

«أساسًا، كل المراتب محددة مكتملة.»

«وبالمناسبة،» أكملت كانزاكي بعد تعليق تسوتشيميكادو الطويل، «ما نسميه بسقوط الملاك يشير إلى ملاك من رتبة سماوية أُجبِرَ على النزول إلى مستوى البشر. مثل كوبٍ امتلء سلفاً، إذا سقط ملاك إلى رتبة البشر، إذن—فهل حصل خطب؟»

«أ-أمم... آا...» تأتأ كاميجو بوجهٍ معتذر للغاية. «مم... ملائكة؟»

«نعم. تحديدًا، ليسوا من بعث النعيم بل بعثٌ من السيّد. فماذا تسأل عنهم؟» أجابت كانزاكي بنظرة جادة.

(همم؟) ...وهنا توقفت عمليات تفكيره.

وصلت أصوات ميكوتو والآخرين وهم يلعبون بالكرة على الشاطئ إلى آذان كاميجو الصامت. كانوا الوحيدين على الساحل الفسيح والوسيع، لذا أشعرته أصواتهم المبتهجة بالوحدة قليلاً.

حسنًا، استوعب بعضه. فَهِمَ أن المنطق العلمي العادي لن يعمل على كانزاكي وتسوتشيميكادو؛ وهما من عالم السحر. حقاً، كاد أن يموت مرة في حادثة مُعَيّنة تتعلق بمصاصي الدماء.

لكن هـٰذان كانا يتحدثان عن الملائكة.

إذا حدثت مشكلة أصابت العالم كله، وراحَ يقول فجأة "إنه خطأ الملاك!" عند شخصٍ ما ثم رَدّ عليه قائلاً "هذا خبر سيئ!"، فإن ذلك الشخص سيبدو كما لو أنه تعب من الحياة عمومًا وسَلّك له. [1]

«...حسنًا، ترمون كلمة "ملاك" هنا وهناك. أقصد... ليس وكأنكم سترون النعيم إذا اخترقتم الغلاف الجوي بمكوك فضائي أو مثل هذا.»

«مم. النعيم والجحيم ليسا مسألة "ارتفاعٍ" و"انخفاض".»

«فما هم إذن؟»

«حسنًا، على سبيل المثال، الناس لا يرون الأشعة تحت الحمراء أو يسمعون الأصوات عالية التردد. فهمت مثالي يا كامي-يان؟»

«ها؟ أجل، نعم.»

«أمر الارتفاع والانخفاض هنا هو المثل. هو محصورٌ في ما إذا استطاع البشر استشعاره أم لا. لو عَلَا كثيراً؛ فلن يرصده البشر، ولو انخفض كثيراً؛ فنفس الشيء. فمثلا، لو كان الرب جوارك الآن يا كامي-يان؛ فلن تستطيع رصده أبدًا.» قهقه تسوتشيميكادو بسعادة وأردف. «وبالمناسبة، عندما نقول مُنخفَض، فنقصد بهذا الجحيم أو الشياطين وأمثالهم. هي الأشعة فوق البنفسجية مقارنةً مع الضوء تحت الأحمر في مِثالي السابق، وهي موجات الصوت منخفضة التردد مقارنة بالتردد العالي. هي مراحل عكسية. فيهم ترددات مختلفة، ولكنهم جميعًا لهم نفس الموجات. لذا، إذا وقف ملاكٌ جوار شيطان، عادةً لن يدرك أحدهما الآخر. ولإلتقائهما يجب أن يتدخلا في الموجة الفاصلة بين النعيم والجحيم، أو الأرض

«تسوتشيميكادو»، اعترضت كانزاكي، مندهشة.

بدت وكأنها ودّت لو تطلب منه أن يترك تشبيهات العلوم هذه، "أشعة حمراء وأشعة بنفسجية" وغير هذا من هراء، لكن الشاب أكمل ماضيًا.

«من ناحية أخرى، إذا أطلقت أشعة تحت الحمراء على جسم؛ فسوف يسخن، وإذا أطلقت أمواج عالية التردد على الزجاج؛ فسيتحطم، أليس كذلك؟ وببساطة أقول، العقوبات الإلهية والمعجزات تتوافق مع ذلك، نيا. قد لا يبدو في نظر العين الهاوية أن للنعيم نقطة اتصال مع الأرض، لكنه قد يؤثر هذا على هذا اعتمادًا على الزمان والمكان. والعكس ممكن.»

كاميجو لا يزال حائراً ولم يفهم أي شيء.

واصل تسوتشيميكادو بشرح يزيد. «وهكذا يا كامي-يان، في الأديان التي تعبد أصنامًا كالبوذية أو المسيحية، فإن قوة الرب أو الملائكة قريبة جدًا فعليًا.»

«...»

زفر كاميجو، متشككاً.

«ما أكذب عليك يا صاح. اسمعني، تدري أن في أعلى كلّ كنيسةٍ تجد صليبًا؟ للصلبان قوة عند أهلها. ولكن إذا سألت عما إذا كان أحدها صليب [جَلْجَلثة] الذي استُخدِمَ في إعدام القديس، فالجواب سيكون "قطعًا لا!"» راحَ تسوتشيميكادو يُلَوّح يديه بلا اكتراث. «التي تراها فوق الكنائس كلها بوضوح مزيفة. ولكن حتى في المُزيفات قوةٌ أيضًا. طالما أن شكلها ووظيفتها مماثلة، يمكن أن تحتوي على نسبة معينة من قوة الأصلية. إنها الفكرة الأساسية في نظرية المعبود.»

لنُبَسّطها أكثر، إنها مثل أن تمزج السيف الحديدي مع السحر الخفيف لتنتج سيفًا سحريًا من الضوء.

«تنطبق قواعد المعبود علىٰ الملائكة أيضًا، نيا. إذا استخدمت حِيَل، فسيمكنك وضع قوة ملائكية —المعروفة بالطلسمان— في أشياء مختلفة. فمثلاً، إذا نقشت نقش ملائكي في مقبض سيف؛ فسيكون للنصل قوته، وإذا نقشت اسم ملائكي في دائرة سحرية واقية؛ فتستعير بهذا قوة الملاك. وقِس علىٰ ذلك... رغم أن القوة المستعارة تكون في نسبٍ مُعَيّنة. وإن سقوط ملاك طبيعي نقي لم يُسمع به قبلاً إلا في العهد القديم، نيا.»

«إذا لم تفترض وجود الملائكة منذ البداية، فلن نمضي.»

«...أعلم، لكن...»

رغم أنه لم يفهم أيَّ شيء، تردد كاميجو في رفضه مُطلقاً. فَهُمْ أهلُ خبرة. ما كانوا يمزحون أو يهزؤون — تحدثوا بجدية تامة. كان الأمر أكثر من جِدّي بالنسبة لكاميجو، الذي لم يستمع إلى نصف شرح ستيل عندما قاتلوا الخيميائي ومَرّوا بوقتٍ صعب للغاية.

«أوه، سؤالٌ فقط. كل هذا... ليس مجرد مقلب يلفت الانتباه، صح؟»

«لا أدري ما تعنيه بسؤالك هذا.» كَحّت كانزاكي. «نظرًا لأن ملاكاً انتقل بالقوة من سُفَيرة أعلى إلى سُفَيرة أدنى عبر [سقوط الملاك]، وبسبب التقلبات التي سببتها، فإن العوالم الأربعة التي تشكل السفيرات العشر — على وجه التحديد، أبدية عتزيلوت (عالم التشكيل)، أبدية بَرياه (عالم الخلق)، أبدية يِتسرا (عالم الصياغة)، وأبدية عسية (العالم المادي) — كلها تتأثر.» [2]

«تسوتشيميكادو-سان، ما الذي تهذيه هذه؟»

«هممم، كيف أُبسِّطُها، نيا؟ كما قلت، تبادلت دواخل وخوارج الجميع. اعتبرها في الأساس مثل لعبة الكراسي الموسيقية. في بداية اللعبة، كل الكراسي مُصفّطة والأشخاص مبعثرين حولها، صح؟ ولكن عدد الكراسي أقل من عدد المشاركين. في حالتنا هذه ينتهي المطاف بالخاسر في النعيم، حيث يجلس على كرسي الملاك.»

الاستبدال.

كما على الشاطئ هناك وكما رأىٰ في التلفاز.

استوعب كاميجو فقط هذا الجزء.

وابتسم تسوتشيميكادو بطريقة لا مبالية. «ولكن حقاً، المنطق لا يهم كثيراً. على أي حال، عليك فقط أن تعرف أن شيئًا غريبًا يحدث، ونحن بحاجة لإيقافه.»

«...إيقافه؟ يمكنكم؟»

«صحيح. يبدو أن سقوط الملاك لم يكتمل بعد. إن كنا سنوقفه، فعلينا أن نفعل ذلك الآن. حتى مع يدك اليمنى يا كاميان، لن تستطيع إعادة رماد الذين حرقوا بالسحر إلى طبيعتهم. نفس الشيء هنا. إذا اكتملت التعويذة، فقد تأخرنا كثيراً.»

«...»

يده اليمنى.

لم يبدو الأمر مهمًا حقاً، ولكن كيف عرف تسوتشيميكادو بشأن الإماجين بريكر؟

رأىٰ تسوتشيميكادو تعبيره المندهش، وشرح ضاحكاً: «يا رجل، لقد تناولناها وانتهينا. صراع إندكس، وإسقاط مدرسة ميساوا، ومنع تجربة المستوى السادس. كل تلك الأمور تسربت إليّ بسهولة. في الواقع، كنت أنا من جمع المعلومات حول إندِكس وميساوا، أتسمع؟»

أعاد المحادثة إلى مسارها الرئيسي بعفوية وهو ينطق كل تلك المبالغات. «والتقنية المستخدمة بالضبط غير معروفة، ولكن [سقوط الملاك] هو سحر عالمي النطاق. هي كبيرة ليتعامل معها ساحرٌ واحد، لذا من المحتمل أنهم أقاموا موقعًا طقسي يستخدم حاجزاً أو دائرة سحرية أو شيء من هذا القبيل،» شرح وهو يتسلى. «لذا، هناك خياران لوقف سقوط الملاك. الأول هو إسقاط الساحر. والآخر هو تدمير موقع الطقس. لدينا حد زمني في الوقت الحالي، لكننا لا نعرف متى سينتهي، لذا ما عاد الأمر موقفاً يُنبض القلب بشدة!»

في النهاية، لم يكن كاميجو يفهم أياً من هذا حقاً، ولكن المهم كان أن هناك شخصًا ما بَدّل دواخل الجميع... صح؟

في هذه المرحلة لربما رماها باعتبارها شيئاً غير واقعي، ولكن مع الأسف، كان كاميجو من مدينةٍ كان ثمانين في المئة من سكانها الـ 2.3 مليون نسمة أسابر. وفوق هذا، كان مع اتصال بسحرة من الجانب الآخر. ولقد تعلم أن هناك مشاكل لا يمكنه نعتها "بالمستحيل" بساطةً.

ولذا تأوّه وأنّ طويلاً.

السبب في أن الجميع كانوا يتصرفون بغرابة على ما يبدو كان بسبب ذلك الاستبدال. تذكر هذا الصباح. منذ أن استيقظ، عانى وقتاً صعباً. مع تلك الميكوتو التي سَمّت نفسها أخته الصغرى و... «—مهلا لحظة، هذا غريب. كانت تقول أنها أختي الصغرى. لكن ما لي أخت في المقام الأول.»

ولو أن هذا "الاستبدال" السخيف كان حقيقيًا (وهو أمرٌ تشك فيه بحد ذاته ولو رأيت غير هذا)، فإنه لم يكن لديه أخت بادئ الأمر، لذا فإن استبدال ميكوتو بأختٍ ما كان أمرًا غريبًا.

لكن ردت كانزاكي بلا اكتراث: «من يدري؟ ولكن، نظرًا لأنها تبدلت مثل غيرها، لابد أنه كان لها مقعدٌ منذ البداية. أيعقل أن عندك أخت صغيرة في مكان ما في العالم ولا تدري عنها؟»

«ها؟! ما هذا المكان الذي أكشف فيه غموض شجرة عائلتي؟!»

كان كاميجو في حالة صدمة من هذا. ومع ذلك، يمكن اعتبار حقيقة أنه قال شيئًا من هذا القبيل بطريقة لا مبالية دليلاً على أنه لم يؤمن به حقاً في المقام الأول.

«لكن يا رجل، ما الذي يفكر فيه عدونا في لعبه مثل هذه الحيلة الجنونية العالمية؟»

«أُرَجِّحُ مجموعتان رئيسيتان حتى نُفَرّق الأسباب المتوقعة بينهما. الأولى هي لالتقاط ملاك سقط إلى منزلة الإنسان ووضع طوق عليه لاستعباده. أو ربما ينوون اغتصاب منزلة ترتيب الملاك الآن بعد أن فَرُغ.»

«بأي حال، إذا نجح مسعاهم، سيكون عالم القبالة في فوضى. [استِلا مَتوطِنَ] ستُجَنّ جنوناً.»

«القوة الملائكية... بها، سيكون لدى المرء قدرة تكفي لتدمير الفاتيكان وحده، اعتماداً على كيفية استخدامها. وأكيدٌ لن أحسبهم نفذوا هذا تباهيًا أو نزوةً. أتوقع أن لديهم خطط متعطشة.»

«أمم...» وطرح كاميجو بخجل سؤالاً. «ودّي لو نرجع إلى الموضوع. إذن، ماذا سيحدث لي الآن؟ ماذا أردتم مني؟ فقد جئتم كل هذا الطريق.»

«أه، صح صح، هذا، نيا»، أجاب تسوتشيميكادو بنبرة توحي بأنه لم يكن أمرًا مهما أبدًا. «كما ذكرنا، عندما بحثنا في هذا الحادث، اكتشفنا أن "التشوهات" كانت متمركزة على شيءٍ واحد يا كاميان، كلها تتمحور حولك، نيا. ولكن علىٰ ذلك، لسبب ما، أنت وحدك تقف في الوسط سليمًا بلا ضرر.»

«...نعم؟»

صغرت بؤبؤتي كاميجو إلى نقطتين صغيرتين.

«لذا طبعًا سنشك فيك، كاميان! افهمنا، فقراصنة الحاسوب سينشرون الفيروسات في كل أنحاء العالم ولكنهم لن يضروا أبدًا حواسيبهم، وهكذا نراك.»

«نعم؟ انتظر لحظة. تقول هذا، لكنكما لم تتغيرا أبدًا!»

«بصدق، كنتُ وكانزاكي محظوظين. أخبرتك أن سقوط الملاك مركز عليك ومنبثق من حولك. ولكن، كانت نيه-تشين وأنا في لندن في ذلك الوقت الذي تم فيه السحر، نيا~.»

«...إذن، هل سلم الأوروبيون من هذا؟»

«لا أبدًا. سقوط الملاك ليس لطيفاً كما تتخيل. كنا في [قلعة ويندسور]. في تلك القلعة حاجز بمستوى الحصن يقوي مثل [الكنيسة السائرة] البيضاء أو أعلى من ذلك. بخلافنا، يبدو أن الناس في [دير وستمنستر] و[كاتدرائية سَوْثرك] نجوا أفضل مما فعلنا.» ابتسم بعد توقفٍ وأكمل. «حسناً، إنها بالمسافة والحاجز. مع كليهما، تجنبنا المحنة الأولى. ابتلع سحر سقوط الملاك معظم السحرة. فقط قليلٌ قليل يدركون أن شيئاً ما حدث.»

«ها. ما فهمت حقاً، لكن بمعنى آخر، كانت نعمةً نجاتكم رغم السلبيات.»

«حسناً، ربما لا. بخلاف نيه-تشين هنا، لم أكن في أعمق مستوى. بينما كان الحائط الخارجي للقلعة يقاوم [سقوط الملاك] لحوالي ثلاثمئة ثانية، نجحت في إقامة حاجز بطريقة ما.»

«...؟ ها؟ ولكن حسبتك لا تستخدم السحر؟»

لا يزال كاميجو لا يفهم حقاً موضوع السحر تمامًا.

ولكنه رأى في الطلاب الإسبر في مدرسة ميساوا المتلاعب بهم من قبل الخيميائي؛ أن استخدامهم للسحر سيؤدي إلى انفجار أجسادهم كأنهم يتحسسون منه. الإسبر لا يمكنهم استخدام السحر.

بعد ذلك، كأنه قرأ أفكار كاميجو، رفع تسوتشيميكادو طرف فمه وقال له...

«نعم، أجل، وضعي سيّئٌ في أماكن لا تراها. إذا استخدمت السحر مرة أخرى، سأموت بالتأكيد!»

ضربت الريح قميص تسوتشيميكادو الهاواياني.

وبرفرفته، تكشّفت كدماتٌ زرقاء داكنة تغطي جانبه الأيسر نتجت عن نزيف داخلي. بدا وكأنه مرضٌ غير معروف يفتك بجسده.

«نعم، فعلت كل ذلك، لكني لم أتمكن من تجنب سقوط الملاك تمامًا!» ما زال يضحك. «نحن جميعًا استثناءات هنا. ولكن إن رآني الآخرون، سأبدو لهم بديلاً. فمثلاً، سيراني الناس أنني الأيدول الشهير [هاجيمي هيتوتسوي]. على ما يبدو، كشفت إحدى المجلات أنه قد حاول التقرب {التحرش} من ممثلات شهيرات، لذا أنا في منتصف تجربة حياة لطيفة للغاية. كلما التقت عيناي بمعجبة متحمسة متحلمة، أُطارد في كل مكان بمضرب البيسبول المعدني.

«انظر، أنا متنكر» أضاف، مشيرًا إلى نظاراته بإصبعه.

«إذن، بمعنى آخر...» نظر كاميجو إليه مرة أخرى. «عندما يراك الناس بديلاً، هل يرون وجه أيدول جذاب ومثير؟»

«إي، بالضبط كذا، نيا~»، أجاب بفرح لا حدود له.

«تستهبل؟! أنا أعاني من كل هذا، وأنت، أنتَ تستمتع بالشهرة؟!»

«كَهْ. هذه حياة قاسية لو تدري، نيا~. يجب أن ننهي موضوع سقوط الملاك في أقرب وقت ممكن، لكن إذا تجمع جبل من الناس حولي، فما لي فرصة، نيا~.»

«...أظن فيك احترافية في هذا،» تمتم كاميجو، وهو يلتفت إلى كانزاكي. «مم، فلنتأكد منها. حتى هذه الآنسة تبدو مثل شخص آخر عندما يراها الناس؟»

«...» قد صمتت حتى الآن، فارتعشت كتفا كانزاكي بخفة.

(ماذا؟ أضربت وتراً ما كان ينبغي لي أن ألمسه؟) فكر كاميجو بقلق.

«—–نوس.»

«ها؟»

صارت عينا كاميجو نقاطًا، وشرحت كانزاكي بنبرةٍ خَلَت من المشاعر:

«أظهَرُ للناس أنني الساحر ستيل ماغنوس. نعم، على ما يبدو عندما يراني الناس، يرون رجلاً طويلًا بطول مترين ذو شعر أحمر طويل. ودائمًا ما يتصلون بالشرطة عليّ كلما دخلت حمامًا أو غرفة التغيير. سَمّوني بالتحرش في كل مرة اهتز فيها القطار. نعم، كان أمرًا مفاجئًا للغاية. في البداية بدا أن العالم بأسره يحاول قتالي، فما علمت ما أفعل بحق.»

العواطف البشرية يمكن أن تُفهم أفضل من خلال وجود أو غياب تعابير الوجه وقوة أو ضعف نبرة المرء. (إذن، ما هذا؟!) تساءل كاميجو. لم يكن يعتقد أبدًا أن الصوت المسطح والوجه اللاتعبيري يمكن أن يكونا بهذا الرعب.

كان واضحًا له.

هذه الآنسة كانت، ولسببٍ ما، غاضبةً حانقة.

حافظت كانزاكي على تعبيرها البارد كالدمية، وقبضت بيديها كتفي كاميجو. «على فكرة، أنت لم تفعل شيئًا حقاً، صح؟ أنت لم تفعل أي شيء، صح؟ اعترف بصدق وأرحنا؛ لن أغضب. تسليم الملاك لساحرٍ لهو أمرٌ غير مسبوق. أتعي مدى الخطر الذي ينطوي عليه ذلك؟ سئمت من هذا. أود لو انهيه فوراً. أقول لك أنه من الصعب تحمل أن يُطلق عليك "أيها الإنجليزي العملاق صاحب المشية الأنثوية" من قبل الناس العابرين.»

«أهغغبغبغبغبغبغغفغ! لا-لا-لا-لا-لا-لا-لا تهزينييي!»

لم تُحرك كانزاكي حاجبًا حتى حين استخدمت قوةً بدنية خارقة لتهزه. أنذرته نَفْسُه أن هذا وحده يكفي لكسر رقبته.

«على أي حال يا كاميان، أنت هنا في مركز التشوه. أنت بمثابة المجرم في أذهان السحرة في جميع أنحاء العالم الذين نجوا بصعوبة. هم يريدونك ميتاً أو، نعم، ميتاً بعد. فهمت علي؟»

«كف عن تصرفك الطائش هذا وأوقف هذه الشيطان عن هزّي!» صاح، وغثيانه يتفاقم. «أوععغغغ...! ل-لحظة، سقوط الملاك هو سحر، صح؟! فكيف لإسبر مثلي تفعيله؟!»

توقفت يدا كانزاكي فجأة.

نظرت إلى عينيه للحظة، ثابتة. ثم مالَ وجهها تدريجيًا إلى عبوس مقلق، كثلج يذوب داخل كوب زجاجي.

«ورطة، فكأننا في بحرٍ بلا مجداف. لا نعرف ما ينويه المجرم بالملاك الساقط، ومع ذلك علينا النظر في أمر سقوط الملاك في أقرب وقت ممكن. أتراني أعيش بقية حياتي باعتباري "الإنجليزي العملاق صاحب اللسان الياباني المتحدث كالفتيات..."؟»

لم يفعل أي شيء خاطئ، لكن بأيّ حال، ما لكاميجو إلا أن يشعر بالذنب قليل.

(ماذا يكون هذا؟ هذا الشعور، حيث أشعر كأنني أرى دموع فتاة الجيران التي لطالما تصرفت "بكمال"؟ وكأني أرى فيها اختلافاً عن الفتاة العالة المتشبثة مثل إندكس.)

«هيّا عنكِ. هذا يعني فقط أنه علينا أن نبدأ صفحةً جديدة نيا،» عزّز تسوتشيميكادو بصوته القططي، وربما شاركها نفس المشاعر.

«...الآن بعد أن فكرت—» لاحظت كانزاكي، ونظرت إليه، «—تسوتشيميكادو، استخدمت السحر رغم أنك إسبر، أليس كذلك؟ إذن...»

على الرغم من هدوئها، أثار صوتها الرجفة في عموده الفقري. ردّ كاميجو بذعر، «مهلا، مهلا، مهلا لحظة واحدة! أنا لا أعرف ما السحر حتى!!»

«نعم. ولكن معك إندكس.»

«أوه، نعم،» تدخل تسوتشيميكادو بنبرة مستريحة، مع قليل من الإعجاب المخلوط فيها. نَظَرَ نظرةً حادة إلى كاميجو. ثم بابتسامة منافق نوعًا ما أكمل: «ولكن يا نيه-تشين، عندما يستخدم إسبر السحر، سيتضرر جزء في جسده. نزيفٌ داخلي إن كان بسيطًا أو ضررٌ يُلاحظ إن كان كبيراً — هذا ما كُتِب في تقرير معركة ميساوا، أيضًا. أترين؟ يبدو كاميان معافاً سليم، ألا ترين، نيا~؟»

«همم. إذن سأرىٰ وأتأكد.»

وسرعان ما مدّت يديها عفويًا لتلمس لمسة خفيفة على جانب كاميجو.

«إيهيهي! ما-ماذا تفعلين؟!»

«لمَ تقفز؟ إني فقط أتحقق من وجود نزيف داخلي بالجَس. وها أنا أراك تستجيب بإفراطٍ كبير. كما توقعت. أفيك جرح لا أراه يا ترىٰ؟»

«كل طالب في الثانوية سيقفز تلقائيا على هذا! هكذا نحن، فلا تلمسيني!»

«مشبوه. خائف من الفحص أنت؟ إن كنت بريئًا، فلن يزعجك التحقيق، أليس كذلك؟»

نظر كاميجو إلى الشاطئ. بالتأكيد لن يريد من إندِكس والآخرين أن يرونه يُدغدغ حتى الموت من امرأة أكبر منه. لن ينهض أبدًا مجددًا إذا شهدوا شيئًا كهذا.

«...(إذا رَفَض، فمعنى هذا أنه الجاني فورًا، ها؟ ربما كان عليّ أن أتوقع هذا من أحد المحققين في النِسِسَريوس، نيا~.)»

كان تسوتشيميكادو معجبًا، وهو الذي لديه عِلمٌ بعالم السحر الخفي. ولكن بالطبع، ما كان لكاميجو فكرة عن قواعدهم هذه.

«غغه... اغ... طيب، طيب! بالمقابل، إذا لم تجدي جرحًا أو نزيف داخلي، فاتركيني في حالي—هَي، أواواواواا! ل-لا تلمسيني كذا!»

«؟؟؟ ثبّت نفسك.»

جرت أصابع كانزاكي الطويلة والنحيفة ببطء عبر صدره وإبطيه. علىٰ الرغم من انطباعها البارد، لمسها كان لطيفٌ ومريح. ربما لأن عرقاً مسرعًا يتقطر من جسده بلل أطراف أصابعها؛ هاجمه إحساسٌ غريب كأن ألسنةً صغيرة نحيفة تلعق جسده.

(إه، وا...! ورطة! بهذا... بهذا الحال، قد توقظ فيّ رغباتٍ ما ظننتها أبدًا موجودة أول الأمر!)

«...» ثم، بعد أن فحصت يدي كانزاكي كامل جسده، توقفت فجأة.

راحت تنظر إلى أسفل.

ركزت بصمت على بنطلون السباحة.

أه، نعم. كما تعلم، كان كاميجو توما فتى في الثانوية ذو صحة وعافية، وفيه أجزاءٌ مُعَيّنة تفاعلت دون وعي مع الفحص البدني لكانزاكي كاوري... ونعم، كان مركز ردود الفعل هذه، كانت، بالطبع، في بنطلونه السباحة.

«م-م-مهلا لحظة، كانزاكي-سان! ما لي حيلة! كان هذا حادثاً حتمياً مكتوباً لا مفر منه! حادث! أعتذر، فأنا حقاً حقاً أعتذر، لذا أرجوكِ اشفقي عليّ واعفي عني الكاتانا!» صرخ كاميجو بذهول.

ومع ذلك، بدا أن بالَ كانزاكي في شيء آخر.

لبضع ثوانٍ، أبقت يديها ثابتة كتمثال، وأخيرًا قالت.

«...معك حق. إن كنت سأفعل، فعليّ أن أفعلها عدوانياً. سأفحص هذه أيضًا.»

«ك-كيف؟! من الذي سيسمح لك بهذا حتى؟! أه، لكن إذا قلت لا، فستعاملني كالمجرم! وأكيد لا أريدها أن تفعل هذا! ألا يحق للشاب المسكين قولٌ في هذا؟!»

«همم.» رفعت كانزاكي عينيها عن بنطلونه السباحة. «أجل. سامحني، من غير اللباقة أن تُفحص من قبل الجنس الآخر.»

«ن-نعم، صح! نعم، الآن فهمتِ؟ بعد أن هدئنا وتحدثنا، بِتنا نصل إلى فهمٍ متبادل!»

«ولذلك، أترك هذا الأمر في يدي تسوتشيميكادو، لأنه من نفس الجنس.»

«شنو؟ تسوتشيميكادو؟ يلمسني مثلما فعلتِ؟ داخل سروالي؟! لا وألف لا! هذا أسوأ حتى من قبله!»

«نعم. ما لنا خيار، بعد أن آل الأمر لهذا، سأفعل.»

«لا لا. هذه ما هي مثل تلك المواقف التي يكون فيها أ سيئًا و ب الحل. مقصدي، أما من خيارات غير الألف و الباء؟! تسمعيني يا كانزاكي-سان؟ ما بال قفازات الجراحة الرقيقة هذه—هَيي، تمهلي! اسمعي، آه—؟؟!!!»



الخيار ج. لَوّح بالمجرفة عشوائياً حوله وصرخ غاضبًا أنه سيقتلهما.

أبعد الغاضب كاميجو —والدموع تكاد تخرج منه— نفسه عن جاره المشبوه وسيدة الكاتانا. مُمْسِكاً وحاميًا بنطلونه السباحة بحياته، نظر إلى تسوتشيميكادو وكانزاكي كحيوانٍ محاصر.

وَقَف الساحران وقد شعرا بعدم الارتياح قليلاً في المكوث.

«أ-أترين، تمامًا كما قلت أول الأمر، نيا~ لم يُستبدل كاميان لأنه الجاني، بل لأن الإماجين بريكر ألغى تأثيرات سقوط الملاك.»

«همم. وهذا أمرٌ مُشكِل. يعني أننا حقاً في بحرٍ بلا مجداف. إذا تَمّ سحر سقوط الملاك، هناك احتمال أن تحل بنا كارثة ذات أبعاد أسطورية... يا ليت معنا أدلة.»

«أوه، عندنا أدلة. على الأقل، سقوط الملاك يَحدُث حول كامي-يان. أي أن هناك احتمالية كبيرة أن الجاني هو شخص قريب منه، نيا~»

«ومع هذا، ليس ضروريًا أن الجاني التقى بكاميجو توما.»

«يا للّغز، ها؟ هناك دائمًا رهانٌ أنني لو استخدمت السحر ثانيةً، فسينفجر تاجي الشرياني وأموت. أوه، صحيح! ما رأيك لو شغّلنا كامي-يان مكاني؟»

«ما الذي تقوله؟ هذا سخيف. أتجعل العوام يبنون البيوت لنقص البنّائين؟»

«ها، ولكن اسمعي. يمكننا حماية كاميان من الجاني، وسيكون كاميان معنا عندما نذهب لتدمير موقع الطقوس حيث توجد الدائرة السحرية. أراها صفقة رائعة، نيا~ فما رأيك أنتَ يا كاميان؟»

لم يرد.

اكتفى كاميجو بالرسم في الرمال، وبإصبعه السبابة كتب "سأقاضيك".

  • الجزء 2

في الثامنة مساءً، وصلت أخيرًا ليلة الصيف.

كانت عائلة الكاميجو –أو بالأصح، كل الغريبين المستبدلين– يجلسون حول طاولةٍ دائرية في الطابق الأول من البيت الشاطئي.

وبينهم كانت كانزاكي كاوري، هنا بصفتها صديق كاميجو، بعفوية جلست معهم. وقلنا صديق لأنها في نظر العائلة كانت "صديق ولدهم الإنجليزي ذو الشعر الأحمر".

لم يعلم الفتى ما إذا كان ينبغي عليهم تجاهل سقوط الملاك وهم لم يكونوا متأكدين حتى من اكتماله، ولكن طالما كانت كل الفوضى متمحورة حول الفتى، بدا أن كانزاكي تريد أن تُجاوره وتكون حارسته أيضًا.

بالمناسبة، لم يكن تسوتشيميكادو هنا. ربما كان يلعب مع صراصير الليل أو مع ذوات الأربع أو مثلهم خارجًا – فهو يظهر للناس مُغنياً آيدول متحرش. ما بدا أن مهارته الجاسوسية المحترفة تسمح لجبل من الناس أن يحاصرونه ويشلّونه.

بأي حال، حول الطاولة مجموعة من الشخصيات الحقيقية (علىٰ الظاهر، على الأقل).

أراد أن ينهي العشاء سريعًا، ولكن لسبب ما لم يكن صاحب المكان موجودًا.

كانت الأخبار المكئبة تُقرأ بصوت المعلمة كوموي، مثل أن سجيناً على وشك الإعدام كأنه يُدعى هينو جينساكو قد هرب ولم يُعثر عليه بعد. كانت هذه هي الأخبار الوحيدة على التلفاز، وما تناسبت لتكون حديث المجلس أكيد.

ودون أن يملك موضوعًا محددًا يحدث به، راحَ تويا يكلم كانزاكي. «تشرفنا. أنا أبو توما. وما حسبتنا نعيش زمناً يُصاحب فيه ولدنا أجنبياً – العولمة بالتأكيد حقيقة! أوه ولأجل هذه الساعة المباركة، تفضل خذ هذا التذكار المصري الوقائي. هذا [جعران]. قالوا عنه أنك لن تضيع أبدًا معه، حتى في الصحراء!»

أخرج تويا حاوية بحجم علبة الملح، ونظر إليها كاميجو مندهشاً وصاح.

كانت فيها حشرة جافة تُقعقع بداخلها.

«انتظر، أليست هذه خنفساء الروث؟! لا تخرجها على طاولة العشاء أيها الغبي!!»

«لا، لا أبدا.» ولكن كانزاكي ردت ببرود. «في مصر، يُصور الجعران على أنه "صورة حلزونية" – رمزاً للسَمْسارا (تناسخ). سمعت أنه تذكار مُحبب من البلاد، إلى جانب عين حَوْرَس والأنخوخ.»

«؟؟؟ أ-أوه، بالمناسبة يا توما. رغم أنني لم أفهم تفصيلاً مما قال صاحبك، لا ينبغي لك أن ترفض ثقافات الغير فقط بناءً على تحيزاتك.»

«ماذا...؟ ولماذا أنا فقط؟! هل أنا الوحيد الذي يرىٰ أن إخراج جثة خنفساء جافة على طاولة العشاء أمراً فظ؟!»

ضرب كاميجو رأسه على الطاولة. وميكوتو -بجانبه- سحبت ملابسه عدة مرات.

«...لا، معك حق! سأخاف أكثر لو استخدم أحدٌ ما شيئًا كهذا زينة لهاتفه. سيهتز ويتأرجح عندما يكون الهاتف صامت!»

«أود أن أشكركِ على تعليقك اللائق، ولكن صوتك المُتمايع هذا لا يزال يزعجني.»

«ماذا؟!» ردت ميكوتو بغضب. تجاهلها كاميجو بسلاسة.

ثم فجأة خطرت له فكرة.

لم يكن لعائلته أختٌ صغيرة. فمن كانت ميكوتو هذه للجميع؟

نقل مجلسه إلى جانب إندكس، التي كانت تلعب دور والدته، وهمس...

«(هَي، أسألك شيء؟ هذا الأمر أزعجني. من تكون هذه الشخصية الأخت بحق؟)»

«يَه يَه يَه. عزيزي توما، أشخصية الأخت الصغيرة هذه صريحة جدًا عليك؟»

ضربها كاميجو بخفة على رأسها، معتبرًا أن أفكار والدته الغريبة يجب أن تُصلح. كانت ضربة تُوجّهها لتلفاز معطل.

«يَه يَه، ضربتك هذه خَلَت منها العاطفة يا عزيزي. هذه بنت عمك الصغيرة، أوتوهيمي.»

«(...بنت العم؟)»

«عزيزي توما، نسيت؟ أنسيت أيضًا عن عمتك وعمك تاتسوغامي؟ لم ترهم منذ جئت المدينة الأكاديمية بعد الروضة، ولكن، آهٍ منك. كنتَ تنام على نفس الفراش مع أوتوهيمي أيضًا.»

«ل-لكنها لم تكن هنا البارحة.»

«وصلت متأخرة، وصلت هذا الصباح.»

في هذه الأثناء، سُمعت خطوات ثقيلة غازت أرجاء المنزل ودخل المالك عبر المدخل المواجه للبحر.

«مرحبًا، آسف لترك المتجر مفتوحًا هكذا. سلك البث على الشاطئ تعطل، وإصلاحه استغرق وقتاً طويل.»

واستدارت إليه الأقرب كانزاكي عند سماع الصوت وقالت: «لا عليك. من المحتمل أنه أغلق كل خدماته لأجل معلومات التسونامي والإغاثة من الكوارث. تعتمد حياة الناس عليه، فلهُم الأولويـ— لحظة، ستَيْل؟ ماذا...؟ مستحيل!»

«ستيل؟ هذه رطانة جديدة؟» نظر الرجل الكبير ذو الشعر الأحمر بتعجب. «أراكم تتعشّون. قائمتنا ليست كبيرة، ولكننا نحضرها سريعًا، فاعذرونا.»

«أعني، آغ... (غَه، يا لإهمالي. لقد كان ستيل هنا في اليابان يصطاد.)»

بدا أن [ستيل] كان تمامًا وكاملاً تحت تأثير سقوط الملاك. من المحتمل جدًا أن غالب السحرة كانوا كذلك وأن أولئك مثل [تسوتشيميكادو] و[كانزاكي] الذين لاحظوا هم القلة.

تمتمت كانزاكي بشيء، لكن لم يلاحظ أحد. استمر الجميع في اختيار ما يطلبونه من القائمة التي بها فقط رامن وياكيسوبا وكاري.

ابتعدت الخطوات مرة أخرى إلى الخلف بعد أن أخذ صاحب المكان الضخم الطلبات، ووضعت إندكس يدها على خدها ونظرت إلى كانزاكي.

«يَه يَه، أراكَ متقناً لليابانية. أذهلتني!»

«ها؟» ارتجفت كتفا كانزاكي للحظة. «أوه، لا. نعم. من فضلك، لا تشغلي بالك بهذا.»

كانت كانزاكي من الكنيسة الأنجليكانية تمامًا مثل إندِكس، ولكن حادثة معينة تسببت في قطع العلاقة بينهما، لذا ما كانت واثقة من كيف تُحادثها.

لكن، لم يعرف أحد ظروفها (بما في ذلك كاميجو، الذي فقد ذاكرته).

«يَه يَه. ولسانك مؤدب للغاية أيضًا. [3] لديك بنية كبيرة وقوية، ولا أنكر أنني أخذت عنك انطباعاً مختلفاً في البداية.»

ارتجفت كتفا كانزاكي قليلاً. كانت أطول من الياباني العادي.

ولكن لم يلاحظ أحد من حولها. وهذه المرة، قالت ميكوتو شيئاً.

«لكن استخدامك للّغة مختلف وخاطئ قليلاً. فهذه كلماتٌ تستخدمها الفتيات! لديك جسم قوي، لذا أرى أن تعدل طريقة حديثك لتبدو رجولية أكثر. فأنتَ بهذا تتصرف بشكل أنثوي قليلاً.»

ارتجفت عضلات خد كانزاكي قليلاً. كان لديها بنية أقوى من الفتاة العادية.

(آه، جابوا العيد،)

فكر كاميجو وانتبه لشيء. ولكن قبل أن يقول، تابع تويا.

«هيّا كُفّا عن هذا. في اللغة، المهم هو أن تصِلَ المعاني صحيحًا. ربما يتحدث هكذا لأن امرأة يابانية علّمته. مظهره شيء، وحديثُهُ يفهم على الأقل.»

ارتجفت أماكن مختلفة في جسد كانزاكي.

غطى كاميجو عليها بسرعة باستخدام لغة الجسد.

«(كانزاكي-سان! كانزاكي-سان! الأمر ليس كما تعتقدين! الجميع يرونك ستيل ماغنوس، هذا كل شيء! لذا لا يقولون أن جسدك كبير، أو أن لديك بنية قوية، أو أنكِ رجل مهما بدوتِ—!!)»

لحظتها، وقفت كانزاكي ببطء على قدميها.

أمسكت بياقة كاميجو، الذي لم يدرك أنه كان أسوأهم قولاً.

«(...أوه. أهذا هو رأيك إذن. فهمت.)»

بينما كانت تهمس في أذنه، سحبته عبر الأرض وبعيدًا عن الطاولة الدائرية.

«(انتظري، إلى أين نذهب؟! ستخنقيني؟ انتظري، هذا طريق الحمام... انتظري! سمعت عن نوع قديم من التعذيب في السجون الأمريكية حيث يرمونك بماء بارد باستمرار ويسلبون الحرارة من جسمك رويدًا؛ أهذا هو؟!)»

لم يسمع ردًا.

سحبت كاميجو كما لو كان كيس جثة.

  • الجزء 3

عندما سأل إلى أين يذهبان، كان جوابها هو الجزء الخلفي من المتجر.

ما بدا أن لكانزاكي وجهة معينة وهي تسحب كاميجو، وتشتكي عليه طوال الوقت. بعد الوصول إلى مكان بعيد عن أعين الآخرين،رصدت كانزاكي فجأة باباً زجاجياً متجمدًا قريبًا.

«الآن، بعد أن فكرت، في هذا البيت الشاطئي حمام، صح؟ من الصعب علي القول، لكن مع حدوث كل هذه المشاكل، لم أغتسل كاملاً بعد.»

نعم، أكيدٌ أن في كل بيت حمام. وكان حمام الشاطئ هنا استخدامٌ خاص لغسل مياه البحر عن الجلد.

التفت كاميجو ليرىٰ حيث أتوا. «لكن حمام... أراكِ متراخية بشأن هذا. ماذا عن سقوط الملاك؟ ظننت أنكِ قلتِ أنه لا رجعة منها إذا تمّ السحر.»

«نعم، قلت...» ترددت في شيء عند هذا. «...أفهم أن المشاعر الشخصية لا تدخل في هذه الحالة، لكني لا أستطيع. ببساطة لا أستطيع التعود على تبسُّمِ تلك الفتاة لي. ما لي حق في هذا.»

قالت هذا، وكأنها تُظهِرُ شيء.

قالت هذا، وكأنها تُجنِّبُ النظر في شيء.

«...»

اكتفى بالصمت. في ذاك الوقت عندما اقتحموا قلعة الخيميائي —مدرسة ميساوا التحضيرية— كان لستيل أيضًا نفس الوجه عندما تحدث عن إندكس.

ربما كان جرحاً عميقاً، جرحًا ما كان عليه الغوص فيه.

قرر كاميجو ألا يقول أكثر.

«همم. إذن لماذا سحبتني إلى الحمام؟ أهذه جلسة استراتيجية نخطط فيها للقادم مثلا؟»

«...» هزت رأسها نافية. «لا، ما أود أن أطلبه منك هو، بصراحة، أن تحرس. هذا حمامٌ جماعي، مثل الينابيع الساخنة والحمامات العامة، صح؟»

«مم.» توقف مجددًا.

في مثل هذا البيت الشاطئي الصغير، لم يكن هناك تمييز بين حمام الرجال وحمام النساء — كلاهما واحد هنا.

كانزاكي تبدو للجميع مثل الرجل الإنجليزي ستيل ماغنوس. لذلك، حتى لو عرف أحد من الظل أنها كانت على الجانب الآخر من الزجاج المتجمد، سيظن "أوه هناك رجل" وغالب الرجال الآخرين لن يترددوا في الدخول. نعم — على سبيل المثال، الرجل الذي يُدير البيت الشاطئي.

«...إني واثقة أنك لا تفكر بأفكار سخيفة، صح؟»

«كفاكِ سخافة! ليس في رأسي شعرة واحدة تجرؤ على المزاح أمام كاتانا ياباني وأعرض حياتي على المحك، يا آنستي!»

بعد أن ألقت عليه نظرة مشككة قليلاً، تركته بقولها «إذن سأترك الأمر لك»، ودخلت غرفة التغيير وراء الزجاج المتجمد.

حتى من خلاله، أمكنه أن يرى ظِلّها. كان الظل المشوش أكثر وضوحاً مما سيكون عليه الزجاج الحقيقي. تحمس كاميجو قليلاً، فأدار رأسه وأسند ظهره على باب الزجاج المتجمد وتنهد.

«هلا يا كاميان. ماذا تفعل هنا؟»

فجأة جاء تسوتشيميكادو يمشي في الممر. ما بدت عليه رغبة في خلع نظارته الشمسية الزرقاء، سواء كان داخل البيت أو حل الليل، ليحفاظ على تنكره.

«تمهل، ألا يراك الناس أيدول وقح متمشكل؟»

«ماذا؟ طالما لم يروني، فأنا بخير. هيّا عنك، فهذا هو شعار تسوتشيميكادو الأساسي.» أجاب كما المعتاد.

رأى كاميجو كل شيء عنه كما الحال دائمًا.

«...آسف، كاميان.»

«عن ماذا؟» سأل. وأظهر له تسوتشيميكادو ابتسامة وحيدة قليلاً.

«في الواقع، كنت أعلم أنك كنت تواجه الكثير من المشاكل حتى الآن، مثل قلعة الخيميائي أو تجربة قتل النسخ العشرين ألف. وغيرها. علمتُ عنها وتركتك وحيدًا، دون مساعدة. لذا أقول آسف، نيا~.»

«...»

«أظن أن هناك فرقاً كبيراً بين العجز عن فعل أي شيء لافتقارك القوة وعدم فعل أي شيء رغم امتلاكك القوة. قد أبدو هكذا، لكنني في الواقع أأسف على الكثير.»

«اسمع، لا يهمك.»

بدا تسوتشيميكادو كأنه متعب، لكن كاميجو رد كما كان ليفعل دائمًا.

بدا تسوتشيميكادو متفاجئًا قليلاً، لكن كاميجو لم يقل أكثر. ما رأىٰ حاجةً للتبرير أو الحفاظ على المظاهر.

مهما "بالغ" تسوتشيميكادو، كان لا يزال تسوتشيميكادو، ولن يتغير هذا. في النهاية، وبالنسبة لكاميجو، كان لا يزال جاره وزميله في الصف كما هو دائمًا.

«فهمت.» ابتسم. «حسنًا، لنترك هذه المقدمة الكئيبة، نيا~. دعنا ننتقل إلى الطبق الرئيسي.»

«الطبق الرئيسي؟»

«تا-داه! إنه الصيف، حدث اختلاس النظر لعزيزتنا كانزاكي نيه-تشين!»

«ما...؟ مجنون أنت؟!»

«...تعال انظر يا كاميان. مؤخرًا صار في الهواتف المحمولة كاميرات.»

«اسمعني! لحظة، هذا فظيع! تلك السيّافة الباكُمتسو تكره النكات والمقالب! إذا قبضت عليك، فبالتأكيد ستقطعك إلى نصفين بتقنيةٍ سرية ورثتها من معلمها أو شيء كهذا!»

«...يا للتناقض. أوكنت لتتجسس عليها إذا ما وجدت خطراً، نيا~؟»

«...»

«...كانزاكي نيه-تشين ممكن أن تُطير العقل لو رأيتها، إن كنتَ لا تعلم.»

(تُطيـ...؟!) حبس كاميجو أنفاسه لكنه هز رأسه بسرعة. «لـ-لكن... لا نقدر! غير أنك في الأساس رفيق كانزاكي، أليس كذلك؟ لا تَخُن ثقتها هكذا!» صرخ يائسًا.

ومع ذلك، كانت نظّارات تسوتشيميكادو الزرقاء تضيء بلمعة.

«هَهْ، ما يقوله هذا المعتوه؟ عندما تتحدث الكنيسة البروتستانتية الإنجليزية عن خبيرها في الاختراق التابع لنِسِسَريوس، عندما يُشيرون إلى ذاك "الشفرة الغدّارة" أو ذاك "القروي من قرية الكذّابين"؛ فهم يُشيرون إليّ أنا، تسوتشيميكادو!»

«وَه! وما بقي إلا أن أرافقك في جسور تبدو خطرة!» وقد كان كاميجو يتمسك بعناد بموقفه الرافض، قال تسوتشيميكادو بنبرة مملة:

«بفف، ممل أنتَ. حسنًا، قد كِدت تُقتل منها ذات مرة، لذا لا مفر من أن تخاف منها. وليكن في علمك أن نيه-تشين ليست بالفتاة المخيفة. في في الواقع لطيفة وظريفة.»

«ظ-ظريفة...؟»

«إي. كما تعلم، جئتُ إلى المدينة الأكاديمية بعد دخولي الإعدادية. وقبل ذلك، كنتُ في لندن، نيا~. في ذلك الوقت، كنت واحدًا من القلة الذين تحدثوا لغتين؛ الإنجليزية واليابانية. ثم جاءت نيه-تشين –التي تعتبر يابانية الأصل– إلىٰ الكنيسة. فعندما يبدأ المرء الإنجليزي حديثاً، كانت هي تستخدم لغة الجسد المجنونة تلك، ويا رجل كيف كانت!» ضرب تسوتشيميكادو الجدار بخفة. «في ذلك الوقت، كنتُ الياباني الوحيد في نِسِسَريوس. عندما كانت نيه-تشين تأتي إليّ قلقة تبحث عن المساعدة، وبيدها كتاب دراسي للإنجليزية، مذهل، حصلت على درجة عالية مني.»

«...لا أصدق. لا أستطيع أن أصدق أن هناك موقفاً يعتمد فيه أحدٌ ما عليك.»

«كف عن قلقك ودعنا نختلس. هيّا، نظرة سريعة على تلك الآنسة الظريفة!»

«أخبرتك، لا تستخدم كاميرة هاتفك!»

«كاميان، كن صادقاً مع نفسك.»

«ولماذا أنت على استعداد تام لفعل هذا؟ وأيضاً، حسبتُ أن نطاق اهتماماتك أصغر ويميل للقواصر، يا ضابط السيسكون!»

«ارجع عن هذا! لا تناديني بهذا الاسم! أساسًا، ما الذي تستند إليه في قولك هذا؟»

«حسناً، حبك لأختك غير الشقيقة بهذه الطريقة ليس طبيعيًا، أيها الغبي!»

«بغغغها! ليس حُباً (أرجوك لاحظ الفرق) معها؛ من قال شيئًا كهذا، نيا~؟!»

«ليس وكأنك تستطيع فعل أي شيء فقط لأنه قانوني، صح؟»

«فعل؟ ف-ف-ف-ف-ف-افعل؟ أفعل ماذا؟!»

«ما هذا؟ لماذا توترت؟ لحظة. تسوتشيميكادو، كنتُ أمزح، لكن هل يعقل أن تكون جادًا...؟!»

«توقف، لا تنبش أكثر، كلمة أخرى منك وسأقتلك وأُمثّل بجثتك!!»

كان تسوتشيميكادو يسحب بقوة ياقة كاميجو لإسكاته، ولكن في اللحظة التي سمعوا فيها خطوة جديدة في الممر الخشبي، اختفى تسوتشيميكادو في الظلال كأنه نينجا.

(آخ، أظن أنه لو رأى أحد ما هذا الموقف، لربما رأوا الصورة المثالية عن آيدول شهير يخنق فتى بياقته، ها؟)

بينما كان يفكر في ذلك بطريقة هادئة نسبيًا، استدار نحو المكان الذي جاءت منه خطوات الأقدام.

«هلا أوني-تشان، ماذا تفعل؟»

كانت ميكوتو ومعها إندِكس.

أو هل يجب أن يصفهما بـ "أمي وابنة عمي"؟

«ها؟ بسرعة، تعشيتم؟»

«يه يه، أبدًا لا يا توما. يبدو أن الطهي سيأخذ وقتاً، ففكرنا أن نستحم رَيثما.»

ثم، حَوّلت ميكوتو عينيها صوب الباب الزجاجي وقالت: «...أوني-تشان، أهناك أحد في الداخل؟»

«آه، أجل، نعم. أنا هنا للحراسة.»

«حراسة؟ لم أفهم. ليس مطالب منك أن تفعل. على الأرجح هو صديقك هناك. أرىٰ أن تشاركه.»

«ها؟» حقاً لم يعرف ما يقول.

استغرقت منه خمس ثوان كاملة حتى يفهم المعنى الكامل لهذه الكلمات.

(أوه، صحيح، كانزاكي كاوري تبدو مثل ستيل ماغنوس للآخرين.)

«م-مهلا، مهلا لحظة! لم أقل أن هناك أحدًا في الحمام! وأيضاً، لا قانون ينص على أنه علي أن أستحم مع أصدقائي! لا بأس إذا انتظرته حتى يَخرج—!!»

«إيه؟ إذا انتظرنا انتهاء كل شخص، فالعشاء سيجهز ونحن في الحمام. كلاكما فتيان، فادخل!»

«نبهببه؟! انتظري، انتظري! تمهلي، بجدية، انتظري— آااااهه!!»

«نعم، نعم، معذرة، معذرة!»

فتحا الباب المنزلق دون تردد وألقيا كاميجو توما بعنف داخل غرفة التبديل.

وهناك...

أمام عينيه...

وقفت كانزاكي كاوري بطريقةٍ لا تليق بالوصف النثري.

لو كانت من النوع الذي يستحم طويلاً، لما حدثت هذه المأساة بهذا التوقيت. فقد كان هناك باب ثانٍ يفصل الحمام على الجانب الآخر من غرفة التبديل.

لكن يبدو أن كانزاكي قد خرجت لتوها من الحمام. لم يكن هناك شيء يغطيها. وكانت يديها حول قِفاها لتربط شعرها البلل. كانت واقفة هناك ثابتة وفي فمها شريط الشعر، وكأن الزمن توقف لها.

مباشرة خلف كاميجو، أُغلِقَ الباب المنزلق بقوة.

«...»

«...»

سقط ضغطٌ صامت وثقيل على الغرفة السرية. لو انفجرت بكاءً أو غضبًا، لاستطاع كاميجو تقديم عدة ردود فعل مختلفة، لكن ما كان في محياها ذرّة تعبير أبدًا، ولم تخفي شيئاً. كل ما فعلته هو مدّ يدها -متمايلة- نحو الغمد الأسود الطويل القائم على الحائط.

وعيناها، نطقت بألف كلمة.

عيناها، المتألقتان كالسبج، تحدثت عنها.

وكانتا تسألانه: أعندك كلمات أخيرة؟

«تـ—»

عَلِمَ كاميجو أن الاعتذار أو التبرير سيقودانه بلا شك إلى القبر. عقله الآن في حالة من الفوضى شديد، فصرخ دون تفكير:

«تلويحة قتالية مثيرة جديدة بالكاتانا؟!»

مباشرة بعد ذلك جاءه بريق واحد، لا يُوقَف، من الغمد الأسود.

  • الجزء 4

العاشرة مساءً.

كانت كانزاكي واقفة في شرفة الطابق الثاني لبيت الشاطئ. علىٰ أنه منتصف الصيف، إلا أن الليلة كانت باردة نوعًا ما، ربما لأن الشاطئ الرملي استصعب حفظ الحرارة خلال الليل؛ كما الحال في الصحراء.

ثم جاء تسوتشيميكادو، بعدما تسلل من أحد أعمدة الشرفة الداعمة. لأنه معروف بوجه آيدول، ما كان ليتخذ الطريق العادي للوصول.

نظر إلى كانزاكي الهادئة، حيث كانت الرياح الليلية تعبث بشعرها، وسأل، «ما الخطب، نيا~؟ وجهك كله أحمر. أما زال الأمر يزعجك، نيا~؟»

«...سيكون غريباً إن لم يكن.»

«آه. جسدٌ فاتن أريتيه وأكيد أنك سعدت— أمزح أمزح، طيب؟ كانزاكي نيه-تشين، أراكِ سريعة الغضب رغم كل المسؤوليات التي تأتي مع حملك للسيف.؟»

أجابت كانزاكي بإهمال «أعي هذا،» وتنهدت مرةً ثم أكملت، «ولكن، حسناً... يبدو حقاً أنه ليس له علاقة بسقوط الملاك... كيف أقولها؟ لا أرى فيه شخصيةٍ مناسبة ليكون ساحراً.»

«ولا له دافعٌ في هذا أيضًا، نيا~. ونفس الشيء ينطبق على كل من حول كاميان، أليس كذلك؟ حتى إذا قبض أحدهم على ملاكٍ حي، لا أرى أنه سيستفيد منه.»

ما كانوا يستصغرونهم أو يستخفون. كل ما في الأمر أنه موضوع تصنيفات. الملاك —الذي يمتلك قوةً هائلة أصلاً (أو يفترض أن يكون)— سيكون كالدُرّة عند الخنازير إذا حاول حامِلُها استخدامها دون معرفة مسبقةٍ بالسحر. كمثل أن تقول أن الأجهزة اليابانية رائعة ومتطورة، إلا أنك لن تستطيع استخدامها خارج البلد لاختلاف منافذ الطاقة. المنفذ ليس عاملاً حاسمًا في تحديد من كان "أفضل".

لسوء الحظ، وبوصولهما لهذا الحد، ما كان لديهما أي مشتبه به آخر.

لم يعرفا ما هي الخطوات التي يجب اتخاذها بعد هذا.

سُدّ طريق أفكارهما المترددة، وانزلقت المواضيع إلى أخريات قبل أن يدركوا ذلك.

«بأي حال كان، أتساءل إذا كان من الجيد حقاً ترك كاميجو توما جِوارها. في يوم —لا، في نصف يوم فقط— واجهنا هذا الوضع غير المتوقع. في هذا الزمن، لن يضحك حتى طفل في الثامنة على اقتحامه حمام النساء. وقد يكون بينهما أمر غير متوقع يحدث، ربما حتى أكثر من ذلك...»

«همم. لكني أرىٰ أن كاميان يقوم بواجبه أفضل ما لديه. هيّا، هو ليس بذاك الذي يقتحم نوم الناس.» ربّع تسوتشيميكادو ذراعيه. «هو ليس بمحترف، هذا أكيد. أتفهمين؟ ليس محترفاً. لديه سبب للقتال، مثلنا، ولا يحاول تزوير خطيئة كقتل العدو. هو لا يلقي باللوم علىٰ أحدٍ آخر. بل يتقبله، ومع ذلك يتقدم نحوكِ. ألا ترين في هذا قيمة، نيا~؟»

«...حسناً، هذا...»

«أوّل الأمر، أليس بكاميان هو الذي أنقذ حياة إندِكس؟ غضبت عليه، دون أن تتذكري حقيقة أنك لم تشكريه بعد. يبدو لي أنك ضيّعت المعزى.»

«أفهم هذا، أفهمه.»

نعم — كان كاميجو توما هو من أنقذ حياة إندِكس عندما كانت على وشك الموت.

لم تكن كانزاكي كاوري، ولا ستيل ماغنوس—بل كان كاميجو توما.

بكل حق، كان ذلك عملاً يستحق الشكر. لا، الكلمات البسيطة لن توفي جميله.

المنطق يقول أن تسد الدين بما يساويه. حتى السلاحف وطيور الكركي تفهمها.

«...ولكن... التوقيت كان سيئاً.»

بصراحة، علىٰ أنها استصعبتها بسبب عملها ومكانتها، لم تتمكن من شكره بشكل صحيح منذ أن حُلّت حادثة إندكس. كان هذا كافياً لجعل كانزاكي تشعر بالمديونية.

«ورغم ذلك، عندما كنت على وشك... آهٍ، لا أستطيع حتى أن أطرح فكرة ضرورة سدّ الدين—»

«ماذا؟ كانزاكي-سان، أنسيتِ دَينك فقط لأنه رآك عارية، نيا~؟»

شهقت كانزاكي ثم صمتت.

«مهلا، ماذا؟ كانزاكي-سان، أهذا حقاً ما يَسواه دَينك، نيا~؟»

تأوّهت كانزاكي ونظرت إلى تسوتشيميكادو، وهي تكشر أسنانها.



في ذلك الوقت تقريباً، كان كاميجو توما وحده في الطابق الأول من بيت الشاطئ واداتسومي، يفكر ويحسب.

كانت الأضواء منورة، لكن ما عاد أحدٌ هنا. من الأصوات الضاحكة للفتيات التي كان يسمعها من الطابق العلوي، قد تكون إندِكس والبقية يلعبن الورق أو مثل هذا.

سَمِعَ الأخبار الليلية تُعرض على التلفاز، ويبدو أنه لا يزال قيد التشغيل. الأخبار الليلية هي في الأساس كانت إعادة للأخبار النهارية مع بعض الجمل المفصلة عَبَطاً لتضييع الوقت.

‹‹‹المعتقل الذي هرب من سجن شينفُوتشو، هينو جينساكو، لم يُعثر عليه بعد. جذب هينو العديد من المعجبين والمقلدين لأسلوبه الفريد في القتل الطقوسي، وقد أفادت الشرطة بأنه من الممكن أن يكونوا متورطين في هروب القاتل أيضاً...›››

كان كاميجو يحدق بلا مبالاة في المعلمة كوموي، وهي تقرأ من النص على الجانب الآخر من شاشة التلفاز القديمة.

‹‹‹...إضافة إلىٰ أن هناك سجلات لإقامة هينو جينساكو في مستشفى للأمراض العقلية، وحتى خلال الجلسة الأخيرة، حُكم عليه بأنه يعاني من انفصامٍ في الشخصية. وأثارت مسألة أخرى ما إذا كان ينبغي تحميله المسؤولية الكثير من الجدل، ولكن...›››

هينو جينساكو.

بدون أي ذكريات، لم يعرف أي شيء عن الوقت الذي كان فيه القاتل نشطاً. ومع ذلك، كان اسمه يتردد كلما حدثت حادثةٌ فظيعة. البرامج الحوارية والمجلات كانت لا تزال تظهر صورته بين الحين والآخر، لذا أمكنه أن يخمن أن ما فعله القاتل كان صادماً بشكل متناسب.

مشاهدة هذا لم تُفِد حالته المزاجية، لذا غيّر القناة. وبينما كان يحدق في برنامج حواري يقدم طرقاً مذهلة لفقدان الوزن مخبأة في الأطعمة الصحية، ما زال عقله ملتصقاً بالأخبار التي شاهدها للتو.

(انفصام شخصية، ها؟ أذكر أن جزءًا من الدروس الصيفية كانت عن هذا، ها؟ شيءٌ عن إسبر منفصم الشخصية أو مثل هذا.)

فكر كاميجو في الأمر بينما كان يشاهد التلفاز بعيون شاردة. حتى إذا كان مصطلح "اضطراب تعدد الشخصيات" يبدو محدداً إلى حدٍّ ما، فإنه لا يتجلى دائماً في حالة تبادل سليمة بين الشخصية أ والشخصية ب. أنماطٌ أخرى من "التعايش" كانت موجودة، مثل شخصية مختلفة تتحكم في كل يد، أو أن الشخصية ب تُحرك كِلا اليدين بينما تكون الشخصية أ مشغولة بالتفكير.

—وكان هذا كل شيء تعلمه خلال الدروس الصيفية التي أخذها قبل حوالي أسبوع. لقد سمع أنه لفترة من الوقت، كانت تُجرىٰ أبحاث حول ما إذا كان يمكن لشخص يعاني من اصطراب تعدد الشخصيات أن يمتلك قدرات إسبرية متعددة. "هناك ثروة من البيانات في هذا البحر!" لطالما قالت المعلمة كوموي هذا.

«...يع.» أسقط رأسه على الطاولة، متذكراً مدى كرهه لدراسته.

(حدث الكثير اليوم،)

فكر، وهو يرتب ذهنياً كل ما حدث حتى الآن.

تَفعّل سحر يُسَمّىٰ سقوط الملاك.

كانت على ما يبدو تقنية تحصل من خلالها على ملاكٍ يمتلك قوة هائلة.

كنتيجة جانبية، تبدّلت مظاهر الجميع في العالم.

نطاق فعاليتها كان كبيراً بما يكفي ليغطي العالم كله.

كان سقوط الملاك في حالة غير مكتملة، ونشطة مؤقتاً، وربما هذا الاضطراب لا يزال قابلاً للإصلاح.

ومع ذلك، ظنّوا أنه عندما يكتمل سقوط الملاك، لا مجال لإصلاحه.

ومن أجل إيقاف سقوط الملاك، كان عليهم إما القضاء على المُمارِس أو تدمير موقع الطقوس.

كان مركز التشوه على ما يبدو كاميجو، ويبدو أنهم اعتقدوا خطأً بأنه المُمارس.

بسبب هذا، فإن السحرة القلة الذين فهموا الوضع قد يأتون لقتله.

لذلك، كان على كاميجو كشف المجرم الحقيقي قبل أن يكتمل سقوط الملاك، وإما القضاء على الممارس أو تدمير الدائرة السحرية في موقع الطقوس.

«...هممم.»

كاميجو، لا يزال مستلقياً على الطاولة، فكر في الأمر وحده.

كان ذلك عملاً كسلاني لمن حياته مهددة.

(ومع ذلك، ما أتاني نفس الإحساس المتوتر، ها؟)

نعم — هذه المرة، لم يكن يقفز إلى مبنى حيث يختبئ القاتل، مثل مدرسة ميساوا التحضيرية. كما لم يكن يحاول حل الوضع بأسرع ما يمكن لكي لا يُقتل عشرون ألف شخص. المشكلة التي أصابت الكوكب كله كانت بالتأكيد سخيفة، ولكن ما بال هذا الشعور الغبي والكوميدي الذي كان يشعر به حيال كل هذا؟

(وفوق هذا، معي محترفان في السحر هذه المرة.)

لا يزال يرىٰ تسوتشيميكادو جاره، لكنه ومن معه كانا محترفين في مجالهما (على ما يبدو). حقيقة أن في جانبه متخصصين لسبب ما أشعرته بإحساس غير مشروط بالأمان.

في الواقع كان هو -الهاوي- فقط يضع مسؤولية المشكلة في أيدي كانزاكي وتسوتشيميكادو -الخبراء-... لم يُدركه، هذا الطالب الثانوي الصغير والضئيل.



—"العيون المراقبة" كانت تراقب الفتى المكشوف بثبات.

تلك "العيون المراقبة" كانت مخبأة تحت أرضية بيت الشاطئ واداتسومي. لمنع الرمل والرطوبة من الدخول إلى المنزل، كان هناك حوالي سبعين سنتيمتراً من الفراغ أسفل الألواح الأرضية.

من بين الفجوات الصغيرة بين كل لوح، كانت "العيون المراقبة" تراقب الفتى.

«...ملاكي، آهٍ يا ملاكي.»

الفم الذي صدرت منه تلك الكلمات انتمى إلىٰ كهلٍ [4] نحيف بشكل غير صحي، ومع ذلك كان صوته عالياً كصوت صبيٍّ لم يبلغ بعد.

«...أوه، ملاكي، ملاكي الثمين. أرجوك اسمعني.»

-صررر- صَدَرَ صوتٌ خافت، كأنها أظافر تخدش لوحًا خشبي.

هذه "العيون المراقبة"، في الواقع، كانت محاصرة. حتى هو لم يرغب في أن يكون مختبئاً في مكان مثل هذا. كانت خطته الفعلية أن يزور زملائه السابقين، لكن تحركاته كانت مُقيدة لأن الشرطة قد تحركت أسرع مما كان يتوقع.

«ملاكي، أرجوك، اسمعني، ملاكي-ساما!»

ومع ذلك، على وجه تلك "العيون المراقبة"، لن ترىٰ قلقاً، ولا رعبًا كما يفترض أن يرافق شخصاً في هروبه.

في يده اليمنى حمل سكيناً غريب الشكل. وفي يده اليسرى كانت لوحة خشبية بحجم دفتر، عليها العديد من القَطْعات.

-صررر!- كان ينظر بابتهاج حيث قطع طرف السكين عبر اللوحة.

«ملاكي-ساما، كيف عساي أختبئ من الشرطة وأصل بأمان إلى أصدقائي؟»

-صررررر!!- "العيون المراقبة" تتبعت أطراف أصابع يده اليمنى، وكأنها ترد على صوته، كانت تتحرك من نفسها. كل تلك القَطْعات على اللوح كانت رسائل من ملاكه-ساما.

«ملاكي-ساما، مجددًا؟ إذا قدمت أُضحية أخرى، فسوف أُنقَذُ مجددًا؟»

-صررر. صررر- "العيون المراقبة" كانت دائماً تُطيع الأحرف المنقوشة.

(الملاك-ساما دائماً صحيح. إذا فعلت كما يقول الملاك، لن أخطئ. الملاك أحياناً يأمرني بفعل أشياء لا أرغب فيها. قتلت ثمانية وعشرين شخصاً بسبب ذلك.)

«ملاكي الثمين، ملاكي-ساما، أيفيد أن يكون هذا الصبي أضحيةً؟»

-صرر، صررر، صررر.- ثلاثة أحرف نقشت: YES. ضاق وجه "العيون المراقبة".

(هل سأقتل آخر؟ لا أريد. لا أريد، ولكن... لا خيار لدي، فهذا ما أمرني إياه ملاكي-ساما. ليس ذنبي.)

«ملاكي-ساما، سأثق بك هذه المرة أيضاً.»

هذا ما قاله لسان صاحب "العيون المراقبة"، الذي كان ينتمي إلى المدان الهارب من الإعدام، هينو جينساكو.

أخرج لسانه البدين والقصير وأزلقه عبر السكين ذات الشكل الغريب.

ثم طعن السكين في السلك الكهربائي السميك الجاري تحت الأرضية.



فجأة، انقطعت كل الكهرباء.

(انقطاع للكهرباء؟) فكر كاميجو وعبس في الظلام. كانت مداخل البيت الشاطئي مفتوحة واسعة، لذا كان هناك ما يكفي من ضوء القمر يتسلل داخل البيت لئلا يجعلها ظلامًا تاماً...

عندما ينقطع الكهرباء، قد يميل المرء عادةً من غير وعي أن ينظر إلى الأجهزة الصامتة. كاميجو توجه بعينيه بلا عناء إلى المصباح الفلوري المعلق على السقف الذي فقد فجأة ضوئه—

—صررررر.

سمع صوتاً من تحت الأرض، تحت قدميه تحديدًا، كأن شيئاً يخدش لوحًا خشبيًا.

(ما هذا؟) وَقَفَ من مكانه ونظر فوراً إلى الألواح الأرضية تحت قدميه—

—طَق! فخرجت شفرة سكين على شكل هلال مخترقةً الأرض تحت قدميه.

«...!!»

جف حلق كاميجو. رأى تحته سكيناً مغروزاً في الفراغ الصغير بين قدميه. لو انشغل انتباهه إلى الأضواء الميتة أعلاه لمدة ثانيتين إضافيتين فقط... لو أنه تجاهل الضجيج وظل جالساً... فقط بالتفكير، عَرَق عرقاً كثيفاً اكتسح كامل بشرته.

شفرة سكين.

كان طويلاً ونحيفًا، على شكل هلال، وطوله حوالي ثلاثين سنتيمترًا. ومع ذلك، فإن الشفرة نفسها لم تكن على الجزء الخارجي من الهلال بل على الجزء الداخلي. بدت أكثر مثل مخلب أو مقلاع بدل سكين.

-كررش- تحركت الشفرة قليلاً يمينا ويسار، ثم اختفت أخيرًا ببطء تحت الأرضية.

عَلِمَ كاميجو أن عليه الخروج من هنا على الفور، لكنه لم يتمكن من الحركة. كان جزءًا خلف رأسه يدغدغه كما لو أن دواءً مشبوهًا قد تسرب إلى أوردته. وهو يرتجف، وقلبه يكاد ينفجر من صدره، حدق مندهشاً إلى الفجوة في الأرضية التي أحدثتها سكين الهلال.

ثم رأى شيئًا.

من داخل تلك الفجوة الطفيفة في الأرضية... كما لو كان يحدق داخل غرفة من خلال ثقب مفتاح... في هذه الحفرة الرطبة من الظلام... رأىٰ عيوناً امتلأت جنوناً ودماء.

«هيي...»

أخرج كاميجو صرخةً ضعيفة وانسحب إلى الوراء. لحظة لاحقة، كأنه يتتبعه، طعن السكين الأرضية من جديد، تحديدًا كانت قُريب قدمه. تعثرت قدماه خوفاً، وسقط على الأرض. اختفت شفرة السكين مرة أخرى في المساحة المظلمة تحت الأرض، تُجهز لضربة أخرى.

(اهدأ، اهدأ!!) كرر هذا كأنها تميمة حظ، ولكنها ما فادت إلا بتثبيت جسده أكثر. حاول أن يفكر؛ ولكن رأسه تَخَدّر. وبأي حال، كانت مخاطرة كبيرة أن يسقط على الأرض.

(عليّ فقط أن أقفز إلى الطاولة لأبتعد عن الهجمات القادمة من الأرض.)

هكذا فكر، لكنه عندما حاول الوقوف...

انفجرت الأرضيات وظهرت يد تمتد إلى أعلى، أمسكت بكاحل كاميجو.

«هيي...ييي؟!»

الصدمة الغريبة أقفزت قلب كاميجو إلىٰ حلقه.

حاول قدر الإمكان تحريك ساقه، لكنه لم يستطع إزالة كاحله عن هذه القبضة الحديدية. لم تكن كأن قدمه كانت تحت قبضة قوةٍ خارقة كبكرة مرساة. هي فقط لم تجرؤ على الحركة، كأنها شُلّت.

(اهدأ، لا تنفعل. لا تخاف. لا أعرف من هذا، لكنه ليس كائناً غير معروف. إدخال سكين عبر الأرض أو ضربها بقبضة ليست شيئاً مستحيلاً على الإنسان، لذا اهدأ—)

—ثم، بعد أن فكر حتى هنا، رأى فجأة.

اليد التي تمسك بكاحله.

بعض الأظافر كانت متشققة، بعضها ممزق، وبعضها ملطخة بالدم الأسود المتصلب. كانت أصابعه زرقاء بُنّية دلّت على أن فيه نزيفاً داخلي، وعلى ظهر اليد، وَجَدَ قروحًا كبيرة جافة ممزقة، كاشفة عن الجرح الأسود الرطب المغطى باللحم.

بدت كثمرة فاسدة، مغطاة بمخاط شفاف.

كأنها يد جثة لعبت فيها البكتيريا طوال الزمان.

«آه، ما...! هِي، هِيي، آه...!!»

تشوه تنفسه. ودق قلبه دقّاتٍ غريبة.

كانت كل إجراءات مُعتديه، فرديًا، ضمن الإمكانيات الممكنة تمامًا للبشر. لم تكن شيئًا يستحق الذكر مقارنةً مع ذو الدرب الواحد أكسلريتر أو الخيميائي أوريولس. إذا خرج بعيدًا، ربما يشعر حينها حتى أن هذا الضجيج، وهذا الارتباك، لم يستحقا التنفس بصعوبة ودقدقة نبضه.

ولكن فكّر أنتَ بهذا المثال.

لنقل أن أحدًا أمسك صرصورًا حيًا داخل كيس فينيل شفاف. حتى عندما يعلم أنه لن يلمس الصرصور مباشرة بسبب الفاصل الكيس، هل سيكون قادراً على عض الكيس وسحق الصرصور بأسنانه؟

كان نفس الشيء.

فَهِمَ كل الأمر منطقيًا، لكن هذه الرعشة، هذا الرعب، لم يكن شيئًا يمكنه إنكاره.

استخدم مُعتديه الاشمئزاز الفسيولوجي والإجهاد لتقييد فريسته.

«ها، أهِ، آ، أغ، أوغ...!»

عمل كاميجو بيأس على ساقيه وحاول تحرير قدمه من يد المعتدي. ومع ذلك، لم يتمكن من وضع أي قوة فيها. كأنها تخدرت. لم يستطع التخلص من الإشمئزاز الأسود الذي غزى عقله.

وبينما كان ممددًا على الأرض، مقيدًا بقدمه، بدأ يسمع خدخشة طرف السكين تخدش اللوح الخشبي بالقرب من صدره.

وحينها.



عيونٌ مراقِبة أُخرى، مستلقية على الشاطئ المظلم بمسافة 150 مترًا، رصدت الوضع في بيت الشاطئ واداتسومي.

كانت راهبة حمراء.

كانت فتاةً تبلغ من العمر ثلاثة عشر. شعرها الأشقر الطويل المجعد وبشرتها البيضاء بدا أنها تعكس ضوء القمر. كان مظهرها ظريفاً، ولكن كل شيء على جسدها كان غير عادي. كانت ترتدي معطفاً متدليًا فوق الملابس الداخلية التي تُلبس عادةً تحت العباءة الدينية. ولكن، كانت على الأرجح ملابس داخلية ذو قطعةٍ واحدة، وبدت كأنها تكشف عن خطوط جسمها الرفيع. وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك أحزمة سوداء ومرفقات معدنية في أماكن مختلفة. بدت وكأنها صُنِعت لتؤدي نفس الغرض الذي تؤديه السترة المُقيّدة (سترة المجانين). وفوق ذلك، امتدت لجامات من قلادتها السميكة، وبرزت أشياء كثيرة من حزام خصرها: مثل ملاقط معدنية، ومطرقة، وعتلة على شكل L، ومنشار.

كلها بالتأكيد لم تكن للحِرافة. كانت هذه آلات التعذيب المستخدمة في المحاكمات على الساحرات، تهدف إلى سحق الجسم البشري، وطحن عظام الإنسان، وتقسيم أجساد البشر. بنظرة أقرب، يمكن للمرء أن يميز أن فيها تعديلات طفيفة عن الأدوات العادية.

تجهّزت الفتاة بعدد لا يحصى من أدوات التعذيب، لكن وجهها كان بلا عواطف تمامًا.

انحنى رأسها، فغطت ضفائرها معظم وجهها. لكن فمها الصغير، الوحيد المرئي، أطلق نفسا عميقا.

كانت تبحث عن علامات الحياة.

كان هناك عِدّة حاضرين في الطابق الثاني من بيت الشاطئ واداتسومي. يبدو أنهم أدركوا أن هناك شيئًا ما يحدث، لكن من المرجح أن يستغرق الأمر ستة ثوانٍ منهم للنزول إلى الطابق الأول.

بهذا الوقت القليل، سيكون من السهل للمعتدي تحت الأرض أن يخترق الأرض ويَنحُر ضحيته.

تحت وجهها المخفي بالغُرَر، [5] أطلقت الفتاة نفسا عميقا مرة أخرى.

ببطء وبلادة قامت.

دون أي حركات استعدادية، قَطَعَ ظِلّها الصغير مسافةً تبلغ 150 متر في وقتٍ أقل بكثير من ست ثوان.

خمسون مترًا في الثانية.

كانت سرعتها سرعة سهم، وربما أسرع.

ولحظتها...



بسرعة مهيبة، اقتحمت الراهبة ذات اللباس الأحمر فجأة من جانب كاميجو.

جَرَت بسرعة أعجزته على رؤية أنها فتاة بشرية.

الشكل الأحمر ركض منخفضاً جدًا قُرب الأرض لدرجة أنها يمكنها لمسها بلسانها. أخرجت العتلة على شكل L من خصرها ولَوّحت بها بكل قوتها كمضرب تضرب بها معصم المعتدي؛ الذي برز من الأرض.

-طَع!- وبصوتٍ باهت لا يُصدق، التوى معصم المعتدي باتجاه غير طبيعي.

لم يكن مجرد كسر. بالكاد كان ممزقاً.

«غِـ، بِه! غغاه!!»

وبصرخة، تركت اليد قدم كاميجو وهربت تحت الأرض. -صررر- سمع صوت احتكاك على الخشب، كان صوت معتديه يبتعد أكثر فأكثر.

«...» رمت الراهبة ذات اللباس الأحمر العتلة جانباً ورفعت هذه المرة مطرقتها. ثم ضربت بها بقوة في الأرض تحت قدميها. فانكسرت الألواح الخشبية، مما فتح المجال لحفرة كبيرة بقطر حوالي سبعين سنتيمترا.

الفتاة ذات الشعر الأشقر المتموج تركت المطرقة، وأخذت زرّادية، وقفزت إلى الحفرة.

ثانِيَةٌ من الصمت، ثم...

دَوىٰ دويٌّ كبير من تحت الأرض. كان هناك شيءٌ يهتاج. كأنه وحش حبيس قفصٍ ضيق يكافح لحُرّيته.

ترك كاميجو أصوات المعركة تسلل إلى أذنيه، مرتعدًا، لكن...

فجأةً رنّ صوت تحطم عندما انطلق لوحٌ أرضي أمامه على بعد خمسة أمتار في الهواء كأنه انفجار ماء. قفز كدلفين يقفز فوق الماء، واندفع ظِلٌّ أسود من تحت.

ظل أسود.

لم تكن الراهبة الحمراء.

سَقَطَ على الأرض، ثم قام، هذا الظل كان كَهِلاً نحيف.

أمكنه أن يقول من لمحة أن بشرته كانت غير صحية وأن أعضائه كانت في حالة سيئة. كان يرتدي ملابس عمل بيجية ملطخة بالعرق والطين والدم والزيت. في يده اليمنى سكين على شكل هلال كأنها مخلبٌ حديدي. وكان معصم يده الأيسر مكسوراً، ودمه احتقن باللون الأزرق. خَطٌّ من دم أكثر احمراراً تعلق من شفتيه.

وانتُزِع من فمه سِنّه الأمامي ونابه.

«غييه، غاه!!»

لَوّح الوحش الجريح بالسكين وحاول الوقوع فوق كاميجو، الذي كان لا يزال جالسًا.

(كُه...!!)

تمعن كاميجو دون وعي محيطه، ولكنه ما وَجَد أسلحة توقف هذا السكين. أغطس يده في جيبه وتحسس بأصابعه شيئاً صلب. أخرجه — كان هاتفه الخلوي. أقسم في نفسه أنها لن تفيد ضد سكين... ولكنها أصابته. بعد أن فتح الهاتف بإبهامه، صَوّب بعدسة الكاميرا على العدو الذي يركض نحوه.

فلّش ضوء الكاميرا المكثف خلال الظلام.

«بوييييييييه!!»

توقفت سكين الهلال في يد الرجل المُعمى. لم يُضيع كاميجو وقتاً في الهرب، لكنه لم يستطع تحريك ساقيه. تدحرج بالقوة عبر الأرض ووضع مسافة بينه وبين مُعتديه.

الرجل الكهل أعَدّ سكينه ولكنه لم يتبع بهجوم.

هتف. أرخى جسده وهمهم بنفسه.

«ملاكي-ساما...»

لمع شيءٌ حول صدر بدلة العمل في ضوء القمر.

كان وَسمًا بهِ اسم.

«ملاكي، ملاكي-ساما!»

الوسم البلاستيكي، المخيط بإحكام على ملابسه، حَمَلَ هذا المكتوب بأحرف غير عضوية:

السجين رقم 7-0687، هينو جينساكو

«ملاكي-ساما، ما الذي يحدث؟ ملاكي-ساما، لقد استمعت إلى ما قلته، ولا يمكن أن تُخطئ! فما الذي يحدث، ملاكي-ساما؟ لقد قدمتُ لكَ بإخلاص ثمانية وعشرين صاح الكهل في زي السجين. صاح كأنه مكسور، كما لو أنه أصيب بالجنون، كما لو أن كل شيء انتهى.

وأخيراً، تذكر كاميجو أخبار اليوم بأكمله.

—‹‹نعم، معكم [كوموري] في الموقع. لا يزال [هينو جينساكو] —المسجون الذي كان في طريقه إلى الإعدام والذي فر من سجن [شينفُوتشو] في العاصمة باكر صباح اليوم— لم يُعثر عليه بعد. الأجواء هنا متوترة، حيث أن المدارس القريبة، مثل المدرسة المتوسطة، أصدرت إلغاءًا طارئًا لجميع أنشطة النوادي.››

(لكن...)

نظر إلى الرجل الذي كان يصرخ ربكةً. أمكنه القول أنه كان مجرمًا. ومن ملابسه، أمكنه القول أنه كان هينو جينساكو، الذي فر من السجن.

(لكن إذا كان هذا هو الحال، فلماذا لم يُستبدل هينو جينساكو بأحد؟)

—كان الأمر غريبًا أنه ليس الجميع مُتبدّلين بسبب سقوط الملاك.

ومن هو "ملاك-ساما" هذا الذي كان يصرخ به طوال الوقت؟

—ما هو الهدف من تفعيل سحر سقوط الملاك وما نهايتها؟

(هذا الرجل... أيمكن أنه...؟)

في اللحظة التي كان على وشك أن ينسى نفسه ويسأل، رفع هينو جينساكو سكينه في الهواء وصرخ:

«أجبني، ملاكي-ساما! ماذا أفعل؟ ماذا يجب أن أفعل من الآن فصاعدًا؟! ملاكي، عليك أن تتحمل مسؤولية هذا! أجبنييييييييييييييييييي!!»

وضرب به.

لكن ليس على كاميجو. طعن صدره بسكين الهلال. -خرر خرر- تحرك طرف السكين فيه. السكين الذي حمله بجنون كان يقطع لبس عمله، ويقطع قميصه الذي تبلل بالعرق، وبدأ الدم على الفور يتدفق.

بلمحة، قد ترىٰ الجروح العديدة عشوائية، لكنها كانت تُشكل حروف، كخربشاتٍ نُقِشت على مكتب.

G O   E S C A P E

ما ظهرت قواعد لغوية، فقط كلمتين بالإنجليزية بجوار بعض. ومع ذلك، عندما رأى هينو جينساكو تلك الكلمتين، تحول وجهه الدموي إلى ابتسامة كبيرة.

في اللحظة التالية، انهارت الألواح الخشبية بين كاميجو وهينو والراهبة ذات اللباس الأحمر التي قفزت خارجًا. كانت الزرادية في يدها تُمسك بشيءٍ صغير أبيض. بدت كأسنان بشرية حتى. ضغطت الزرادية وحطمتها بسهولة.

وبعد أن فقد أسنانه الأمامية، أخذ القاتل هينو جينساكو خطوة إلى الوراء، ثم أخرى، دون أن يهتم بما فعلته الراهبة ذات اللباس الأحمر. ثم أخرج قماشًا جلديًا رطبًا، مسح الدم من السكين، وألقاه نحو الراهبة.

حركت الراهبة الحمراء رأسها بسلاسة لتجنبها — بسلاسة كافية ليكون صوت -وهووش- مناسبًا.

بعد أن ضيّع هدفه، حمل السلاح وأسقطه مباشرة نحو وجه كاميجو.

«إيه؟» أنّ رغمًا عن نفسه، ثم أدرك كم بدا غبيًا تمامًا. وفي حين كان، كانت سكين الهلال تتجه نحو عينيه بقوة مطرقة تضرب مسمار.

«أوواه!!» حاول أن يتدحرج جانبًا على الفور، لكن السكين خدش خده.

هذا فقط.

ولكن في اللحظة التالية، تشوشت حاسة توازنه. كان مستلقيًا، والآن لم يكن قادرًا على النهوض. اندلع عرق غير مريح في جميع أنحاء جسده، وأحس بالغثيان كأنه دُوار.

(سم؟ تبا، لقد وضع شيئًا على السكين...!)

كان قد مسح شفرة السكين بتلك القماشة الجلدية ليُغطيها بالسموم.

كانت هناك قبائل صغيرة في أفريقيا كانت تصطاد الحيوانات البرية بالرماح الخشبية المغطاة بعصائر الحشرات السامة المدمرة. أكان هذا السم نفسه هناك؟ لابد أن لديه مقاومة معينة للمخدرات بفضل مناهج المدينة الأكاديمية، لكن لم يبدو أن أي من ذلك أفاد.

بدأت رؤيته تتشوش وكان الظلام يتسلل.

مع صوت بهجٍ سعيد للغاية، ركض هينو جينساكو خارجًا إلى الشاطئ... هذا كل ما استطاع فهمه.

الراهبة ذات اللباس الأحمر ترددت للحظة ما إذا كانت ستتبعه، لكنها رَجَعَت وركضت نحو كاميجو.

وحينها فَقَدَ الوعي.

  • الجزء 5

أمَرّت دقيقة أم ساعة؟

استقيظ كاميجو على حلْقٍ جاف وكأنه أُصيب بالحمى. كان على الأرض الصلبة مُستلقياً. وهو على هذا، نظر حوله ورأىٰ أجزاءً مختلفة من الألواح الخشبية مدمرة ومنتشرة.

كان هذا الطابق الأول من بيت الشاطئ واداتسومي. يبدو أنه لم يُنقل إلى مكانٍ آخر، لذا غالبًا لم يلبث طويلاً منذ فقد الوعي.

تسوتشيميكادو وكانزاكي كانا يربضان بالقرب منه. [6]

علىٰ كل الضجيج، لم تنزل ميكوتو وإندِكس. عادةً ستلاحظان أيَّ صغيرةٍ حتى لو كانتا نائمتين. أيعني هذا أن كانزاكي ربما استخدمت سحرًا لإبعاد الناس كما فعل ستيل؟ ظنّ كاميجو بهذا وعقله كان غائمًا.

وأثناء تفكيره في هذا، رأىٰ ميساكا إيموتو في تيشيرت وشورت ومريلة بين السحرة. كانت تبحث بحذر شديد في المتجر المدمر.

بالطبع، كانت هي الموظفة هنا في وجه ميساكا الصغيرة.

«لقد أعددت مجال إقصاء الناس [أوبِلا] في الطابق الثاني، لكن... يبدو أن الموظفين ينامون في الطابق الأول، إذن... أنت شاهدة» قالت كانزاكي، وقد أرعش كلامها كتفي ميساكا إيموتو.

نعم، لأنها شهدت موقع جريمة منظمة إجرامية. كانت تعبيرها يُمثل انتظارها لأي "عقوبة" كانت تنتظرها.

على أي حال، لمست كانزاكي مقبض الكاتانا الطويل بشكل مبالغ وقالت: «سأحذرك فقط للآن. من فضلك، لا تخبري أحدًا بما رأيتِ اليوم. إذا ما بدا هذا الكاتانا حقيقيًا في نظرك، فتجاهليه وتحملي العواقب.»

كان صوتها حادًا مرعبًا، لكن كاميجو لاحظ أن تسوتشيميكادو الذي كان بجانبها يحاول كبت الضحك... أما كانوا جادين؟

من ناحية أخرى، كانت الراهبة ذات اللباس الأحمر تختبئ في الظلال بعيدًا عنهم.

(من تلك؟)

فكر فيها وركز. قد تدخلت في وقتٍ مناسب للغاية، لكن من كانت تلك؟

«أوه، ليست عدوًا» قالت كانزاكي، مدركةً أين كان ينظر. «قالت إنها عضو في أنيهلاتس، من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.» [7]

تلخبط كاميجو من الكلمات الأجنبية المخلوطة باليابانية التي يسمعها.

قرأه تسوتشيميكادو أيضًا وزاد: «حسنًا، إذا أخذنا الكنيسة الأنجليكانية لتخصصها في مطاردة الساحرات، فإن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تتخصص في مطاردة الأشباح. سواء كان [المصباح اليقطيني] أو [أوستُك] أو [شِنّاتِراو]... هُم ببساطة صيّادوا الأشباح، خبراء في كل أنواع الغرائب غير الموجودة.»

نظر كاميجو مرة أخرى إلى الفتاة ذات الشعر الأشقر الممتزجة مع الظلام.

لم تُحرك عضلة، ولو كانوا يتحدثون عنها. واصلت كانزاكي الكلام، كما لو أن قلة التفاعل الاجتماعي مثل هذه لم تكن أمراً غريبًا في عالم الغرائب.

«قالت إن اسمها [ميشا كرويتزف]. يبدو أنها مصّت عنك السم، فلماذا لا تشكرها؟»

(مَصّت عني السم...) استمع بهدوء إلى هذه الكلمات، لكنه فجأة اِحْمَرّ وجهه. كان الجرح على خده. كان مُبرّراً أنها فعلتها من دافعٍ طبي، لكنه ما استطاع أن يوقف هذا العرق.

«فـ-فهمت.» قال، وأشعرت جوانب حلقه كأنه ملتصقة ببعض. «شكرا. لو لم لحقتيني فورًا ، لربما مت الآن.»

الابتسامة التي تمكن من صنعها تجمدت فجأة.

ظن أن ميشا كانت تقف بعيدًا، لكنها قفزت فورًا قِبَلَه. راحت يدها اليمنى إلى حزامها وأخذت أداة — المنشار. قبل أن يرمش حتى، كانت تقف فوقه بالشفرة المفتتة على عنقه.

لم يتفاعل أحد. كان كاميجو ساكناً بالطبع، ولكن حتى تسوتشيميكادو وكانزاكي، اللذين اعتقد أنهما بجانبه، لم يتحركا. شعر بالشفرة الباردة تتفحص عنقه.

نظر إلى ميشا كرويتزف، التي كانت تحمل المنشار. كانت عيناها ثابتة تمامًا وهي تنظر إليه من بين غُرَر شعرها الطويلة. وكان في عينيها عاطفة باردة شديدة، أبرد من الشفرة حتى.

«سؤالي الأول: هل أنت من سَبّب سقوط الملاك؟» سألت بصوت آلي ثابت.

كان كاميجو في حيرة. نظر تسوتشيميكادو وكانزاكي إلى ميشا بتعجب في وجوههما أيضًا.

«تمهلي. ألم تدافعي عن كاميجو من المعتدي وشفطت عنه السم من جرحه استنادًا إلى الحقيقة أنكِ علمتِ أنه ليس الذي سبب سقوط الملاك؟»

ألقت ميشا نظرة إلى كانزاكي عندما سمعت ذلك ونظرت إلى وجهها.

«إجابتي الأولى: جئتُ هنا لأمنع سقوط الملاك. اِمتنعتُ عن الحكم فقط لأنني لم أتمكن من طلب تفسير عمّا إذا كان هذا الفتى الجاني أم لا. ولهذا أسأله الآن.»

نظر كاميجو إليها، والشفرة لا تزال تلامس عضلات عنقه. أخذت نظرتها من كانزاكي وعادت إليه، ونظرت كما لو كانت تراقب عينيه.

«سؤالي الأول، مرة ثانية: هل أنت من تسبب في سقوط الملاك؟»

«...لا.»

«سؤالي الثاني: هل عندك إثبات على هذا؟»

رمت ميشا سؤالًا آخر له كما لو كانت قد توقعت إجابته من البداية. ربما توقعت إجابته... وربما رأته يكذب حتى يُبعد عن نفسه الشبهة.

«لا... ما عندي دليل. وزيادة، لا أعرف شيئاً عن السحر أصلاً.»

أمالت رأسها قليلاً كما لو كانت تعبر عن شكوكها الداخلية.

تنهدت كانزاكي. «إذا أردتِ، يمكنني الإجابة عن موقف نِسِسَريوس الرسمي.»

وهكذا، بدأت تشرح لميشا. عن كيف أن كاميجو لم يكن ساحرًا، وكيف أنهم لم يعتقدوا أنه من سبّب سقوط الملاك. أن الأسابر من يستخدمون السحر سيحملون حملاً وضرراً على أجسادهم، وما وجدوا أي علامات عليه. وأن سبب عدم تأثر كاميجو بسقوط الملاك كان ربما بسبب تأثير يده اليمنى، الإماجين بريكر، التي تمحو أيَّ غامضٍ وغرائب بلمسةٍ واحدة، وما إلى ذلك.

أوأمت ميشا بإيجاب قصير كثيراً، كأنها تقرأ بنودًا على قائمة واحدة تلو الأخرى. ثم في النهاية، عادت عيونها إلى كاميجو —أكثر تحديدًا، انخفضت نظرتها إلى يده اليمنى. بدا أن عبارة "الإماجين بريكر" من شرح كانزاكي قد علقت فيها.

«فالانس. أربعين، تسعة، ثلاثين، سبعة. ثمانية وستين في المجموع.»

دوىٰ صوت تحطم تيار مائي عبر الأرض خلف ميشا. وكأن أنبوب مياه تحت الأرض قد انفجر.

«MEH TETH LAMEDH ZAYIN

(تراسُل. ماء يتخذ شكل الثعبان فيضرب كالسيف.)»

استمرت ميشا تُحرك فمها. وكالثعبان، رفع الرذاذ رأسه مِنجليُّ الشكل. كان أفعواناً مائياً متفرعاً إلى عدة فروع، أقرب شبهًا [للهيدرا] أو [ياماتا نو أوروتشي]. قبل أن يحمل ذهنه وقتاً ليرفع الأعلام التحذيرية، تحولت تدفقات الماء إلى رماح وانطلقت بقوة مباشرة نحوه.

-كشش!!- اخترقت الرماح السائلة الأرض قرب كاميجو الواحدة تلو الأخرى.

ودون تردد انطلقت إحدىٰ التيارات مباشرة نحو وجهه.

«واااه؟!»

رفع فورًا يمينه ليحميه، فانفجر الرمح كبالونة ماء. كما لو كان محميًا بدرعٍ لا يُرىٰ، لم تصبه قطرة واحدة.

وهي تراقب بعناية شديدة الماء الذي تناثر على الأرض، قالت ميشا: «إجابةٌ صحيحة. رأي كنيسة البروتستانت الإنجليز يتفق مع نتائج هذه التجربة. سأعترف بهذا التفسير وهذه الطريقة لرفع الشك. أيها الشاب، أعتذر منك الآن أنني وجهت سلاحي نحوك بسبب تفسير خاطئ.»

«وجهتِ السلاح؟ كاد أن يخترقني! وأيضاً، انظري إلى عيون من تعتذرين له!»

«سؤالي الثالث: إذا لم تكن الجاني، فمن نفذ سقوط الملاك؟ يجب أن يكون مركز هذه الفوضى هنا. ألديك أي أفكار؟»

«اسمعيني، أنت...! مهلا، لستِ بمتأسفة حتى، أليس كذلك؟!»

نظر كاميجو إلى الثقب الكبير في الأرض من وضعه المستلقي.

ثم تحدثت ميساكا إيموتو، التي كانت ترتجف طوال الوقت دون فكرة عما يحدث. ربما استعادت قليلٌ من شجاعتها.

«مهلا، هل هذا... هل هذا تصوير لأحد برامج التلفزيون الخيالية لأبطال التوكوساتو؟ والذي هرب من قبل، أليس هينو جينساكو الهارب من السجن؟ أيمكن أنكم جميعًا من فرقة طعم في الشرطة التي يظهرون على التلفاز طوال الوقت؟»

«أحسن لك ألا تحققي فينا أكثر من هذا.» رفضت كانزاكي قطعيًا سؤالها.

ومع ذلك، شيء من ما قالته أزعج كاميجو. «مهلا... مهلا. هل بدا لكِ أنه هينو جينساكو؟»

«ومن غيره؟ على أي حال، من سيُعوض المتجر؟ هينو؟ الشرطة؟ محطة التلفزيون؟»

راحت الكلمات عن كاميجو.

فلنأخذ أوغامي بيرس في الزي الراهبة على سبيل المثال.

يبدو للجميع أنه "إندِكس"، ويراه كاميجو "أوغامي بيرس".

فإذا كان المظهر الداخلي والخارجي نفسه، إذن...

«هو... لم يُستبدل؟»

شرح فكرته للسحرة، وتجمدت وجوههم جميعًا بسرعة شديدة.

«سؤالي الرابع... تعني أن الذي هرب من قبل؟» نظرت ميشا في اتجاه هينو جينساكو الذي هرب. كانت على وشك الركض نحوه، فأمسكت كانزاكي كتفها وأوقفها.

«تمهلي. إذا كنا نتتبع نفس الفريسة، فلماذا لا ننسق خطواتنا؟»

«سؤالي الخامس: ما منفعتي معكم؟»

«سأجيب على سؤالك بسؤال آخر. هل تخصصتم أنتم في صيد البشر؟ تلك الأسلحة هي الأدوات السبع من برج لندن، أليس كذلك؟ لن يستخدم الإنسان المحلي بضائع تحمل اسمًا معروفاً مثل هذه. فإنّ الفأس العادي عمليٌّ أكثر من فأسٍ ذهبيّ أو فضي» لمّحت كانزاكي بهدوء. «تخصص الكنيسة الأورثذكسية الروسية هو في القضاء على الأشباح. إذا نويتِ صيد البشر، وهو تخصصٌ لا تفقهيه، فلا أرىٰ أن وجود مُرشدين أنجليكانيين متخصصين معك فكرةً سيئة.»

«...إجابةٌ حكيمة. أشكرك على سؤالك.»

ميشا وبشكل مفاجئ مدّت يدها الصغيرة لكانزاكي. بدت الأخيرة متفاجئة في البداية، لكن عندما أدركت ميشا أنها تريد مصافحةً، ابتسمت قليلاً وأخذت بيدها.

كاميجو، وهو يراقب الأمر، سأل: «إذن ماذا نفعل؟ أنطارده الآن؟»

«يعجبني حماسك، يا ليت تسوتشيميكادو يتعلم منك القليل. لكن في وضعك هذا، أرىٰ أن الأولوية هي أن تستعيد قوتك. وقد يكون من الأأمن أن نحميك أثناء ذلك. لا نعرف هدف هينو، لكن هناك احتمالية غير صفرية أنه قد يعود ليلاً ويهاجمك وأنت نائم.»

بسماع هذا، سألت ميشا: «سؤالي السادس: ليس هناك حاجة كبيرة لأن نحميه كلنا. هل لي أن أُطارد الجاني وحدي؟»

«دون أن نعرف قوات العدو، من غير المستحسن أن نتفرق. وفي أسوأ الأحوال، قد يكون بحوزته ملاك، أليس كذلك؟»

ظلت ميشا صامتة، بدت غير راضية عن الإجابة. ولعلها قد ندمت على التوصل إلى اتفاق معهم. ومع ذلك، لم تتوقف كانزاكي واستمرت.

«وفقًا لهذا، يجب أن نناقش خطوتنا التالية معك يا كرويتزف. يجب أن نصلح هذه الكارثة بأي وسيلة. بمجرد أن تنتهي، سنعود إلى مواقعنا حُرّاساً... تسوتشيميكادو، أرىٰ فيك عدم الرضى.»

كلمات كانزاكي أشعرت كاميجو بخطبٍ.

إذا فعلوها، لن يرتاحوا أوقية واحدة حتى. وما رغب أيضاً في أن يستمتع لوحده بالنوم ويُتعب الآخرون طاقتهم وروحهم. سواء كان مصابًا أم لا، فهذا كان خطأه لأنه لم يكن حذرًا في المقام الأول، لا مبرر له.

هذا ما فكّر فيه، لكنه لم يعبر عن مخاوفه بصوتٍ يُسمع. ظهر ألمٌ حار في حلقه الجاف.

نظرت إليه كانزاكي بعيون مؤلمة على نحو غير معهود. «سنشرح نتائج مناقشتنا مع كرويتزف لاحقاً. عليك فعلاً أن تذهب إلى غرفتك وتستريح. أن نسمح لهاوٍ أن يُصاب أكثر في هذا لهو إهانة وخطر على منصبنا أيضاً.»

«أجل، لسنا بمحترفين بائسين كفاية لنعيش وندعو المبتدئ يموت،» قال تسوتشيميكادو بنبرة بعيدة عنه عادةً.

ربما كان لهما التزامات قيّدتهما. تنهد كاميجو بضحالة ثم—

(مم؟ أعود إلى غرفتي؟)

ثم شعر بنفسه محاصرًا بصوت عقله.

«آه، آهاااااااااااه! مهلا، إندِكس؟!»

انطلق وقفز على قدميه كما لو أن الضرر الذي تلقاه لم يكن شيئًا.

تاركًا المجموعة المصدومة خلفه، اسرع صعودًا السلالم وانفجر إلى الطابق الثاني.

وَجَدَ رموزاً غريبة محفورة على الدرابزين تبدو كما لو كانت من سيف. بمجرد أن أمسك كاميجو بها بيده اليمنى، سمع صوتا يشبه تكسر الزجاج. هل كانت هذه هي رموز [أوبِلا] لإبعاد الناس؟ فكّر في ذلك، لكن ما كان هذا وقتاً لهذا.

كانت وجهته ليست غرفته، ولا غرفة ميكوتو.

 فجأة فتح الباب الذي كان ينوي كاميجو توما تحطيمه لو كان مقفلاً، وكان هناك فوتون مزدوج ممدد على الأرض في غرفة مظلمة.

أكان هذا كاميجو تويا، على وشك أن يغطس مباشرة في الفراش الذي كانت فيه إندِكس نائمة؟

بالطبع، من وجهة نظر تويا، كانت هذه زوجته كاميجو شينا، لذا لم يرىٰ في الأمر عَيباً.

ومع ذلك، فإن رؤية والده يدخل في إندِكس —التي ظهرت للناس بعمرٍ أقل من أربعة عشر عامًا— كانت تظهر لكاميجو توما كأنها تتجاوز الخيال وتتجه نحو كابوس.

«توقف، توقف، توقف، توقااااااف! قف مكانك يا ملعون!»

فتجاهل توما الغثيان الملازم لجسده وغطس مباشرة في وسط الفراش بينهما.

كان تويا هو من فوجئ.

وبالمناسبة، كانت والدته —أو إندِكس— قوية بما يكفي لتتحدث في نومها رغم الضوضاء.

«...(ما—! تـ-توما! لا تدخل علينا في مثل هذا الوقت المحرج!)»

«اهدئ، اهدئ، اهدئ! سننام هكذا الليلة، وأنا في الوسط! التقنية المميزة: العملية الخاصة "روابط العائلة"!»

وهكذا بدأت معركتهم في وسط الليل.

دون أي اعتبار لمراعاة كانزاكي تجاهه، وهو مريض، لم يحصل كاميجو توما على لحظةٍ من النوم تلك الليلة.

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)