-->

الفصل الثالث: سقوط الملاك في عالم الجِراح.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء 1

كان كاميجو وكانزاكي صامتين في سيارة الأجرة على طريق العودة.

فكّر في ميشا. كانا في سيارة، وهي كانت على الأقدام — لا شك أنهما سيصلان إلى البيت الشاطئي قبلها. ولكن قد تستعين ميشا بتوصيلة في منتصف الطريق.

«...» أغمض عينيه، منهكا. وظهرت الصورة المؤطرة، بأشخاصها المُستبدلين، على ظهر جفنيه المغلقين.

لم تحدث فقط لتلك الصورة. في مكان ما، هناك ألبوم صور ثمين حصل له المثل، إضافةً إلى ألبومات تنتمي إلى أشخاص غيره في جميع أنحاء العالم.

وربما حتى لأفلام الثمانية ميليمتر المتلاشية التي وُزّعت في المناسبات الرياضية في المدارس الابتدائية...

وحتى لتلك البطاقة الاحتفالية بمناسبة الكريسمس التي تحمل صورة طفلٍ ما...

وحتى لتلك الصورة بالهاتف المحمول حيث تجمع العديد مع من يحبون لتناسب الشاشة الصغيرة.

كلها ذكريات ثمينة لكل فرد من الناس.

كانت كلها ذكريات لا يجب أن تُدنس أبدًا، لا يجب أن تُشوه، ولكن...

(لماذا... لماذا فعلها أبي اللعين...)

تنهد كاميجو تنهدًا طويلاً.

حتى هذا الصوت بدا أنه يُنهك روحه.



عادا إلى بيت الشاطئ واداتسومي، حيث أحاطه برتقاليُّ المغيب.

بدا كلون دم حديث أو لهيب مشتعل، وجلب ذلك الرعب لكاميجو.

(ميشا... ألم تعد بعد؟)

الآن أن تويا هو الجاني، فإنها –التي تهدف حياته– ستظهر بالتأكيد.

وليس بصفتها وكيلاً للشيطان، بل بطلةٍ صالحة.

ومع هذا، اقتحم كاميجو البيت الشاطئي، خائفاً على سلامة والده. الخير والشر، العدل والظلم — هذه كانت مسائل ثانوية فقط. كان قلقاً فقط على والده. فوق كل شيء آخر، كرهه لهذا الموقف لأنه اعتُبر فيه "شريراً".

«ها؟ أوني-تشان، أين كنت؟»

عندما دخل البيت، نادته ميكوتو. كانت تستلقي على بطنها أمام مروحة وتشاهد التلفاز وهي تلعق المثلجات.

(أشوى،) [1]

على الأقل لم تصل الأوضاع إلى نقطة تحتجز فيها ميشا أحدًا رهينة.

«ذهبت فجأة، فقلقنا جميعًا حقاً، أتدري؟ كنا نلعب بالماء، لكننا توقفنا وصرنا نبحث عنك في كل مكان. إن كنت ستخرج، فكان عليك أن تخبر أحدًا أو تترك رسالة أو أي شيء—»

«ماذا عن أبي؟ أين هو؟»

توسعت عينا ميكوتو عندما قاطعها مفاجئاً. لم يعرف أي نوع من التعبير كان يظهر على محياه، لكن صوته أبداه يكاد يبكي.

«على الشاطئ، أظن؟ لا أدري أين بالضبط، لأن الجميع انشغلوا بالبحث عنك، أوني-تشان. أوه، وليس وكأنني أضيع وقتي؛ إني مسؤولة عن الهاتف. عليك أن تذهب وتعتذر للجميع.»

أومأ كاميجو «نعم».

كاد ينطلق ليبحث عن والده بنفسه. يجب عليه أن يعتذر له.

وبينما كان ينظر نحو الشاطئ، فتحت كانزاكي بجانبه فمها.

«باقي الأمر من مسؤوليتي. من فضلك، انتظر هنا» قالت بصوت جاد. «سأضمن سلامة تويا، لذا—»

«أبدًا!» رفض بصراحة، مثلما لو كان يقف تحت المطر البارد. «سأكون أنا من يُنهيها. أنا من يجب أن يحل هذه المشكلة.»

«لكن—» بدأت كانزاكي، ثم ترددت... ربما بدافع اللطف. لطفها لم يرد أن يدعه يواجه شخصًا قريبًا منه بهذه الطريقة.

لكن هذا أزعجه في المقابل.

«ولا لكن! من تظنين نفسك؟! كاميجو تويا هو والدي! والدي الوحيد في العالم! ولا أستطيع أن أستبدله بأي أحدٍ آخر! إنه والدي الوحيد!!»

صاح كاميجو فجأة، مما جعل ميكوتو تنظر إليه بدهشة.

لم تقل كانزاكي شيئاً.

«لذا...» أعلن كاميجو توما، بمفرده...

...دون أن يعرف ماذا يجب أن يفعل، دون أي إجابات... ومع ذلك، أعلن:

«لذا سأكون أنا من يُنهيها. لن أسمح لأيٍّ منكم باعتراضي. لن أسمح لأيٍّ منكم بإيذاءه. والدي، والدي هو—»

ومع ذلك أعلنها.

قالها، كل كلمة، واحدة واحدة.

«—سأنقذ كاميجو تويا.»

  • الجزء 2

كاميجو تويا كان يمشي على شاطئ تلوّن بالمغيب.

كان لكاميجو توما أن يرىٰ التعب على محيا أباه. وكان جسمه متعرقاً أيضاً. لربما كان يركض في كل مكان بحثاً عن ولده الذي اختفى فجأة. تويا كان مرهقاً حقاً، ولكنه لم يسمح لقدميه بالتوقف. كان يمشي عبر الشاطئ، يجر ساقيه يائساً.

ما بدا ساحرًا.

ولم يبدو محترفاً في المعارك أيضًا.

«أبي...» نادى الولد.

في اللحظة التي التفت فيها تويا، تحول تعبه الحقيقي إلى تعبير سرورٍ وسعيد.

كان هذا وجهًا شخص عادي.

لم يكن إلا تعبير والدٍ بعد أن وجد أخيرًا ابنه الضائع.

«توما!!»

بعد أن انتظر لخمس ثوانٍ كافية، تحول وجهه أخيرًا إلى غضب.

«أين كنت؟! لماذا لم تخبرنا أنك ذاهب؟! والدتك قلقت كثيراً! وأول الأمر، قلتَ إنك كنت تستريح في البيت الشاطئي بسبب تعبك من حرارة الصيف. هل أنت بخير؟ هل يوجعك شيءٌ أو منغثٌ مثلا؟» [2]

ومع ذلك، ما مرت ثانيةٌ حتى تحولت كلمات الغضب إلى رعاية بتوما.

بالطبع.

لم يكن تويا غاضبًا منه لكرهٍ.

كان والده غاضبًا لقلقٍ على ابنه.

صرّ كاميجو أسنانه بإحباط.

ما أراد أن يُحقق مع تويا ولتجنب الأمر لو استطاع. لم يُرِد أن يسأل إذا كان هو المسبب في سقوط الملاك. أراد أن يعامل كل شيء كما لو أنه لم يحدث أبدًا، أن يعود إلى بيت الشاطئ ويستمتع مع أهله مثلما كانوا يفعلون حتى الآن.

لكنه لم يستطع.

كان عليه أن ينهي حادثة سقوط الملاك.

حتى لو عنى الأمر أن يكون تويا عدوه. حتى لو أوقف رغبة تويا، وجعل من والده الفعلي يكرهه في النهاية. وحتى بعد ذلك، قد لا يتحدث والده إليه كأبٍ مرة أخرى.

لأنه قد عزم قراره.

اتخذ قرارًا بأنه سينقذ كاميجو تويا.

لم يعرف ما الذي تمناه تويا. ولكن كاميجو مع هذا تمنى أنه لم يتورط في عالم السحر الدموي. كان كاميجو يعرف حقيقة السحرة. يعرف مدى رعبهم. ولم يرغب في التفكير في أن السحرة المختلفين، أولهم ميشا، قد يأتون سعيًا في تويا.

هذا كان سببًا أكبر لإنهاء الأمور قبل وصولها.

كان يحتاج إلى إنهاء سقوط الملاك.

لذا سأل كاميجو، «...لماذا؟» حارصًا ألّا يسمح للرجفة بأن تدخل صوته أو ينهار ويبكي.

جعد تويا حاجباً عند، لكن الابن استمر.

«لماذا دخلت هذا العالم الغرائبي؟ أنت واحد من العاديين. فما الذي دفعك وورّطك في هذه الهراء الخرافي الغبي يا أبي؟!»

تجمدت ابتسامة تويا عند تلك الكلمات.

«ما الذي تقوله يا توما؟ والأهم—»

«لا تتغابى! أسألك لماذا تتظاهر بأنك ساحر!»

اختفت تعابير تويا كما لو أن سلكا قد انقطع.

لم تكن تعابير ساحر يشعر بأنه في خطر. بل كانت نظرةً يمنحها الأب لابنه إذا ما وقع في الخطأ.

«قبل أن أجيب، فقط قل لي شيئاً واحداً. توما، لن أسألك عن أين كنت. هل أنت بخير؟ أيوجعك شيء؟»

كانت كلماته غير مناسبة تمامًا للوضع، مما أثار دهشة كاميجو.

حتى الآن، ورغم أن الأمور وصلت إلى هذا الحد، كان لا يزال يهتم بصحة كاميجو.

كما يفعل الأب.

«لا أرىٰ فيك مشكلة. إذن.» أومأ تويا بارتياح طفيف. «الآن، أين أبدأ يا ترىٰ؟»

ظل توما صامتاً.

لم يجد شيئاً يقوله. وما كان من سبب لأن يفعل. لكنه حافظ على تركيزه ثابتاً. لم يفصل عينيه عن والده لحظةً واحدة.

كان وجه تويا فارغاً كلياً كدمية خارت بطارياتها.

في نظر كاميجو، بدا الرجل وكأنه فجأة شيّب عشر سنوات.

«علمتُ في نفسي... كنت أعلم أن تحقيق رغبتي بتلك الطرق كانت سخيفة.» بدأ أخيرًا. «اسمع يا توما. ربما لا تتذكر، لأنك أُرسِلت إلى المدينة الأكاديمية مباشرة بعد تخرجك من الروضة،» تذكر تويا، «ولكن عندما كنتَ معنا، أتتذكر ما كان الناس يُسَمّونك؟»

«...؟» عبس توما.

لم يحمل أي ذكريات بداية الأمر، ولا يمكنه حتى أن يتذكر شيئاً من قبل هذا اليوليو.

ابتلع تويا مرةً، كأن في حلقه شيئاً محبوس، ثم استمر.

«قالوا عنك رب الطاعون.»

قالها وبدا عليه كأنه قد عض لسانه.

تعبيره كشف عن ندمه اللامتناهي لحقيقة أنه اضطر إلى إعلان تلك الكلمة لابنه.

«أتفهم يا توما؟ فمنذ ولادتك، كنت منحوسًا. لهذا سَمّوك هذا الاسم. ولكن هل تفهم حقاً، يا توما؟ ما كانت مجرد سخرية بريئة من الأطفال.» رصّ تويا أسنانه. «حتى الكبار قالوها عنك. دون سببٍ. دون داعٍ لذلك. سَمّوك بذلك الاسم فقط لأنك كنتَ منحوس.»

غص كاميجو في نفسه.

اختفت التعابير من وجه تويا.

لم تكن فرحة، ولم تكن سعادة. ما كان فيه شيء ببساطة.

«وبقربك منهم، يصبح كل شيء من حولهم نحسًا أيضاً. صدق الأطفال تلك الشائعات ورجموك بالحجارة من إن رأوك. والكبار لم يوقفهم أو يردعوهم أيضاً. وعندما رأوا جروحك يا توما، لم يشفقوا أو يأسوا عليك – في الواقع، سخروا منك. حرّضوا عليك، ويسألونك لماذا لم تصبك جراحٌ أسوأ.»

ما استطاع كاميجو أن يفهم العاطفة وراء الكلمات المتحجرة التي نطق بها تويا.

ربما كان هذا المغزى. كل تلك العواطف التي تلونت وتدور داخله، قوية لدرجة أنه لا يمكنه كبحها. اعتقد أنه كان يعرض مشاعرًا لم يرغب في أن يظهرها لابنه.

«إن اختفيت، يختفي معك النحس. كان الأطفال يصدقون تلك الشائعات ويبتعدون عنك. وحتى الكبار صدقوا. أتتذكر، يا توما؟ قد طاردك رجل مديون فطعنك بسكين مطبخ. والناس في محطة التلفزيون الذين سمعوا عن الحادثة استخدموها ذريعةً واستغلوا وجهك ليُصوّروك على حلقة أبطال خارقين، دون أن يطلبوا الإذن منك، وجعلوك وحشاً شريراً ما!»

كان العالم الملون بالبرتقالي كالنيران التي تحترق في الجحيم.

لم يتمكن الرجل الواحد من شيء ضمن تلك النيران سوى أن يقف مكانه بنظرةٍ متجمدة.

«هذا كان أيضًا سببًا في أنني أرسلتك إلى المدينة الأكاديمية. كنتُ خائفاً. ليس من حسن الحظ أو سوءه. كنت خائفاً من الواقع – حيث يمكن للناس أن يؤمنوا بخرافاتٍ كهذه ويرتكبوا فيك العنف كأنه الصواب.» لم يتغير وجه تويا على الإطلاق وهو يواصل. «كنت خائفاً. بدا وكأن تلك الأسطورة الحضرية ستقتلك في النهاية يا توما. لهذا أردت أن أرسلك إلى عالمٍ ما فيه تلك الأساطير.»

ولذا قطع تويا حتى الرباط مع أحد الأسرة.

ابتغى حماية ولده، ولو فرّق هذا من عائلته.

«لكن حتى على قمة العلوم، كنتَ لا تزال تُعامل معاملة المنحوس. أرىٰ ذلك من الرسائل التي أرسلتها. علىٰ أنه يبدو أن أعمال العنف الخبيثة لم تحدث لك.» ابتسم وأكمل. «لم أكن راضيًا بهذا وحده. أردت أن أدمر نحسك كُلّه. لكن تلك كانت أمنية لن تتحقق، سواء بالفطرة السليمة أو بأحدث الأساليب العلمية.»

ومع ذلك... حتى مع علمه أنها لن تتحقق...

كاميجو تويا لم يرغب أبدًا في الاستسلام.

«ولذا ما تبقى أمامي سوى خيار. قررت أن أدنس يدي بالغرائب.»

قطع كاميجو تويا كلامه هنا.

فكر توما في الأمر — أن تويا قد نفذ سقوط الملاك من أجل محو نحاسة ولده. لكن ماذا كان ينوي تويا باستدعاء ملاك؟ أكان الأمر بسيطًا حد الغباء كرغبة في الحصول على خط مباشر مع الإله حتى تصل صلواته مثلا؟ ولكي يفعل، ورّط الكثير من الناس وحتى ذهب إلى حد استبدال دواخلهم وخوارجهم...

ثم، بعد أن فكر في هذا، أدرك كاميجو.

تبدلت دواخل الناس. بمعنى آخر، لقب كاميجو توما "بالإنسان المنحوس" سيُستبدل مع شخص آخر. ولو حدث ذلك، فلن يضطر إلى تحمل ذلك العبء بعد الآن.

لم يكن الملاك مهمًا أبدًا.

ما كان يريده كاميجو تويا هو استبدال الداخل.

«...أحمق.»

ومع ذلك، كان سيفاً ذو حدين.

ففي آخر الأمر، سيُستبدل "الوجود" المعروف باسم كاميجو تويا بشخص آخر. ولن يعود ابن تويا يفكر به أباً بعد الآن. وفي الواقع، سيتحول كاميجو توما إلى غريبٍ عشوائي تمامًا، وسيَطأ الغريب بوقاحة قدمًا نحو عائلته باعتباره ابناً.

ومع ذلك ابتغى كاميجو تويا حماية ابنه.

ولو ورّط العالم بأسره في هذا.

حتى لو لم يناديه ابنه "أباً" مرة أخرى.

حتى لو لم يعودا معًا أسرة تبتسم ثانية.

فكاميجو تويا لا يزال يريد حمايته.

ولو كان عليه أن يصير مجرمًا، يريد حماية ابنه من هذا "النحس" الخفي.

لم يستطع توما تحملها أكثر، فصاح.

«أيها الأحمق!!»

بدا تويا مندهشاً. كاميجو لم يستطع أن يسامح ذلك.

«نعم، أظنني كنت منحوس» رد حانقاً. «كادت حياتي أن تنتهي عدة مرات فقط في عطلة الصيف. حتى أنني فقدت ذراعي اليمنى بالكامل. إذا قارنتني بالبقية في صفي، ربما كنت الوحيد الذي عانى عطلة صيفية بهذا السوء.

«لكن»، استمر كاميجو، «أقلت لك يومًا أني ندمت على هذا؟ أقلت أنني لا أريد أن أكون بهذا النحس؟! لابد أنها نكتة. نعم، عطلتي الصيفية كانت منحوسة، بلا شك كانت. فماذا؟ أتراني أندم على شيءٍ بهذه السذاجة؟!»

نعم.

الذي أنقذ هيميغامي آيسا من مدرسة ميساوا التحضيرية كان كاميجو توما.

نعم.

الذي أنقذ ميساكا إيموتو من التجربة كان كاميجو توما.

و...

الذي حمى ابتسامة الفتاة في الرداء الأبيض ربما كان هو أيضًا.

حتى لو كانت تلك حوادث جُرّ إليها غصبًا. حتى لو كانت تلك الفرص مجرد سلسلة من الصدف التي أحضره نحسُهُ إليها. لابد أنه كان فخورًا بها. بدل هذا، ارتعش عندما فكر أنه لم يكن ليُجَرّ إلى تلك الحوادث لو كان حظه حسناً.

«نعم، لو لم أكن منحوسًا، لربما عشت في عالم أكثر سلامًا، ولما كدت أموت مرارًا وتكرارًا في هذا الصيف وحده.» نظر توما إلى والده بغضب. «لكن أيكون ذلك حظاً حسناً؟ كنتُ لأعيش حياة راخية، ولكن في الظلال، سيعاني آخرون، ملطخين بالدماء، يتوسلون المساعدة، ولن ألاحظ أيّاً من ذلك! كيف ترى العيش عيشةً عابرة حظاً جيدًا؟!»

نظر تويا إلى توما، متفاجئاً، فقال الابن.

«لا تفرض سعادتك الساذجة علي! لا تأخذ سوء الحظ الجميل هذا مني! سأسلك هذا المسار. ولقد فعلت حتى الآن، وسأستمر في هذا حتى لا أندم أبدًا!

لذا لا تقف في طريقي.

ولا أريد حظك الحسن. إن كنتُ لأعيش دون أن ألاحظ معاناة من حولي، فأفضّل أن أسحب إليّ كل نحس هؤلاء المتألمين من حولي.»

لذا، قال كاميجو توما.

«لا تستهن بنحسي! فأنا أسعد إنسانٍ في العالم الآن!»

لعلّه كان يبتسم.

ابتسامة وحشية، بربرية، خشنة، دون أناقة ولباقة.

لكن كاميجو توما كان يبتسم بأقوى وأفضل ابتسامة وهو يعلن ذلك.

«...»

ومن تويا...

خارته الكلمات.

في هذا العالم المغمور بالبرتقالي، مع صوت الأمواج وحده يملأ أذنيهما، تبسم تويا. كانت ابتسامته أوسع فأوسع فأوسع، شقت ابتسامته وجهه عريضاً.

ثم...تنهد.

لحظتها، لأول مرة حقيقية، أعطى كاميجو تويا ابتسامة صغيرة.

«ماذا، أوحقاً؟» قال بصوت مرتاح. «كنتَ سعيدًا منذ البداية، توما؟»

أومأ توما إيجاباً بلا تردد.

أعطى تويا تعبيراً كأن ثقلاً هائلاً قد رُفع عن كتفيه.

«أحمقٌ أنا. جاء هذا بتأثير معاكس تمامًا. أكنت أحاول سرقة سعادة ولدي منه؟» ضحك على نفسه بارتياح. «علىٰ أنه ليس وكأنني قدرت على شيء أصلاً. يا للحمق. كنت أعرف أن جمع كل تلك الهدايا التذكارية لن تغير شيئاً. كان علي أن أعلم أن تلك الغرائب لم تحمل قوةً أبدًا.»

«ها؟» رفع كاميجو حاجبًا متجهمًا فجأة عند كلمات والده.

لم يلاحظ تويا رد فعله.

«وأيضاً ، إذا ذهب عنك النحس فقط بشراء التذكارات الشعبية والتمائم المنزلية من الأكشاك والمحلات، فلن تكون فخورًا بها. سأكف عن شراءها من رحلات عملي. ولعلّ أمك تسعد أكثر مع الحلوى.»

«تمهل لحظة»، قاطع كاميجو. «أنت المسبب في سقوط الملاك، أليس كذلك؟ فأين هي منطقة الطقوس؟ إذا ما عدت ترغب في التخلص من نحسي بعد الآن، فلنضع إذن حداً لسقوط الملاك، تمام؟»

لسبب ما، أبدا تويا وجهاً متشككاً من هذا.

«سقوط الملاك؟ ما هذه، كلمة شعبية جديدة؟ اسم فرقة؟»

«تمهل قليلاً»، نظر كاميجو إلى وجه تويا مجدداً. «ماذا عن أمي؟ أين هي الآن؟»

«ما تقول يا توما؟ قد عادت إلى بيت الشاطئ، أليس كذلك؟»

وقف كاميجو هناك مندهشاً.

لم يبدو أن والده يكذب عليه.

تويا كان يعتقد حقًا أن إندِكس هي زوجته. لكن هذا كان غريبًا في هذه اللحظة. إذا كان كاميجو تويا هو المسبب الذي نفذ سقوط الملاك، فإنه لا ينبغي أن يكون تحت تأثيره.

(مهلا. فكر في هذا. هذا الوضع بالتأكيد غريب. من كلام أبي، يبدو أنه كان يحاول فقط تقديم تمائم حماية لابنه الذي لا يحظى بالحظ السعيد.)

انقطعت فجأة أفكار كاميجو توما بسبب صوت دهس الرمال.

نظر كاميجو، فوجد...

«...ميشا كرويتزف.»

كم من الوقت كانت هناك؟ لم يكن هناك مكان للاختباء على هذا الشاطئ، ومع ذلك فتاةٌ ترتدي بدلة داخلية حمراء وردية ومعطفًا أحمر مطابق كانت تقف هناك. التف حولها أحزمة سوداء في أماكن مختلفة، وكانت ترتدي طوقاً حتى.

نظر تويا إليها بذهول.

لم تُجِب ميشا على نداء كاميجو أيضاً.

كانت تراقب وجه تويا صامتة.

بينهم عشرة أمتار أو يزيد. تذكر كاميجو ليلة تعرضه لأول هجوم وهذا أرسل قشعريرة على جلده. هذه القوة التي كانت أعلى حتى من هينو جينساكو المخيفة بحيث سحقته كما لو كانت تطرد قطة ضالة. مسافةٌ بهذا القِصَر لا يمكن أن تُعتبر "مسافة" لميشا.

ومع ذلك، لا يزال كاميجو يعتقد أن مجال الحديث مفتوح. كان هذا خطأه.

خطى أمام تويا كأنه يحميه، وقال: «تمهلي يا ميشا. في الأمر خطب. أبي لم يُستبدل، هذا أكيد. لكنه لا يدرك أن الآخرين مُستبدلين أيضًا. سقوط الملاك يؤثر عليه. لا أعرف كيف، ولكن—؟!»

قُطع حديثه وتجمدت حنجرته.

شعر بقشعريرة.

كان هناك شيء يندفع من جسد ميشا كرويتزف بصورة غير مرئية. لا تزال قدما كاميجو ملصقتين بالأرض، واستقر الضغط في معدته، وأصبح تنفسه غير منتظم، وتسارعت نبضات قلبه، وكأن شرارات مؤلمة كانت تنفجر خلف رأسه، وتوقفت أفكاره.

كاد أن يعتقد أنه كان هناك غاز عصبي ينبعث من مسامها، لكن هذا لم يكن صحيحًا تمامًا. ميشا لم تفعل شيئاً. لم تكن تفعل شيئًا معينًا—وجودها نفسه كان يضيق بجسد كاميجو.

نيّة القتل.

بهذه الأجواء الشريرة وحدها، شعر كاميجو توما نفسه كأنه يتحول إلى حجر.

وفجأة!! اعتراه خوفٌ يضغط عليه كأن الجاذبية هنا قد زادت عشر مرات قوتها الطبيعية.

مالت يد ميشا النحيفة ببطء نحو الحزام على خصرها. ما أخرجته كانت عتلةً بشكل حرف L. رأى أطرافها الحادة التي لم تكتمل، ووراءه، كان تويا يبتلع ريقه. نعم—كان شكل الأطراف الحادة أكثر شرًا من ذاك السكين الهلالي سيئ الصنع.

ورغم ذلك، تمكن كاميجو من مناداتها مرة أخرى. «تمهلي... ميشا... اسمعيني!» ومع ذلك، لم تُجب.

الرياح طيرت غرتها الشقراء ببساطة، كاشفةً عن عينين تشزر وتصرخ حقدًا وخلت من المشاعر في ذات الوقت.

ارتجف كاميجو رغمًا عن نفسه.

بالمقارنة مع عيني هينو جينساكو المزينة بالعواطف العنيفة والمتهورة، كانت عينا ميشا النقيض التام. لم تعد تلك عيون بشرية. لا يمكن أن تكون للعيون البشرية تلك الألوان. كانت عبارة عن كُرَتين تبدوان ككرات زجاجية أو بلورات، كما لو أنها قطعت كل الظواهر النفسية.

ميشا كرويتزف لم تقل شيئاً.

ببساطة، أخرجت العتلة جانبيًا ونظرت إلى كاميجو بعيون تشبه كاميرات الأمان.

تجمد.

توقف صوته.

هذه الفتاة الصغيرة أمامه، ترتدي بدلة داخلية حمراء مغلفة بمعطف، لم تبدو كبشر. بل أشعرت كأنها كيانٌ مختلف تمامًا؛ يرتدي لباس البشر.

أعدت ميشا ببطء، ببطء العتلة كما يُعد المرء [شيناي]. {Shinai}

هذا الجهاز التعذيبي الذي استخدمته لكسر معصم هينو جينساكو بلمسة فقط. أيقدر على حماية تويا من ذلك بينما يتفادى هجماتها؟ كان كاميجو يرتعد، وكفوف يديه ابتلّت بعرق قذر.

ولكنه لم يتمكن من التراجع.

أخذ كاميجو أخيرًا يده المرتجفة وصنع منها قبضة—

—عندها سمع فجأة صيحة غاضبة من كانزاكي تأتي من الهواء.

«ابتعد عن هنا، كاميجو توما!!»

جاءت صرخة من ريح.

شيء يمكن أن يسمى قطعة غير مرئية جرت عبر الرمال وبرقت بين كاميجو وميشا. ارتفع التراب الذي اندفع من القطعة المستقيمة ليشكل جدارًا من الرمال. ميشا –التي كانت تُعد العتلة آنذاك– أعطت انتباهها للحظة، وفي تلك اللحظة دخلت كانزاكي بينهما.

ثم بجانب كانزاكي التي كانت تتهيب بوضعية قاتلة، رأىٰ تسوتشيميكادو.

(متى عاد؟)

«أحسنت العمل يا كاميان. أحسنت العمل حقاً. حللت الأمور، صح؟ فابتعد الآن، القتال هو عملنا.»

لم يعرف ما الوسيلة التي استخدمها، لكن أكان يراقب من قرب؟

نظر تويا إلى تسوتشيميكادو وحرك شفتيه. كان ذلك مفهومًا. إذا كان تحت تأثير سقوط الملاك، فسيبدو لعيني تويا أنه ذاك المشهور المحاط بالشائعات.

لكن لم يبدو أن هناك وقتاً للتوضيح.

وما يزال كاميجو مذهولًا، نظر نحو ميشا التي كانت تتصرف بغرابة.

«ما خطبها يا تسوتشيميكادو؟»

«حسنًا... عندما فكرنا، بدا الأمر غريبًا من قبل.» ابتسم تسوتشيميكادو ساخراً. «كنا قد افترضنا أنه لو جاءنا أحدٌ من كنيسة مختلفة لاستخدم اسمًا مزيفاً له، لكن ميشا لم تفعل. كان أجدر علينا أن نتأهب في ذلك الحين، نيا~»

«؟»

«كما تعلم، "ميشا" هو، نعم—» نظرت كانزاكي إلى ميشا بدون تردد. «—في روسيا، هو اسمٌ يُعطى للأولاد. إنه أمرٌ غريب للغاية أن تستخدمه اسمًا مزيفاً.»

من جهة أخرى، لم تقل ميشا المعنية شيئاً.

حدقت بعيونها وضبطت العتلة من تويا إلىٰ كانزاكي.

«ماذا؟ لماذا تفعل شيئاً كهذا...؟»

«عندما تقدمنا باستفسار إلى الكنيسة الأورذكسية الروسية حول ذلك، اكتشفنا أن هناك اسم ساشا كرويتزف، على ما يبدو. وشكل ميشا الذي نراه هو على الأرجح لـ ساشا.»

نظر كاميجو إلى وجه ميشا.

هذا صحيح – إذا كانت تحت تأثير سقوط الملاك، لابد أنها تبدلت مع أحدٍ ما. سيكون الأمر غريبًا لولا ذلك. لكن إذا كان هذا هو الحال، فمن هذه الفتاة التي استبدلت كرويتزف؟

«هم موجودون يا كاميان – هناك أشخاص في هذا العالم يمكن أن يصبحوا رجلاً أو امرأة. أجناسهم دائمًا غير معروفة، وهم موجودون في الأساطير على أنهم إما كِلا أو ولا. الاسم بالنسبة لهم هو هدفهم بحد ذاته الذي خلقهم عليه الرب. لن يتمكنوا أبدًا من تبادل الأسماء.»

عبس كاميجو على كلام تسوتشيميكادو.

«كاميان، أنسيت؟ ما اسم هذه التعويذة الكبرى مرة أخرى؟»

في لحظتها، توسعت عينا ميشا سريعًا.

مع صرخةٍ تكاد تهز الأرض—

انقلب الغروب المغمور بالبرتقالي إلى ليلٍ كُلّه نجوم في طرفة عين.

«ما...؟»

نظر كاميجو تلقائيًا إلى أعلى. وتجمدت أنفاس تويا.

ليل. كأن مفتاح الضوء قد انقلب، تحول الغروب إلى ليل. بدا البدر الأزرق العملاق مخيفاً في السماء. ومع ذلك، كان الأمر غريبًا. في هذا الوقت من الشهر، يجب أن يكون القمر نصفياً.

«انتظر... ما هذا بالضبط؟!»

«ألا تعرف بالنظر؟ ذلك الشيء قد قلب النهار ليلاً،» ردت كانزاكي بسهولة على كاميجو المذهول.

تحول من النهار إلى ليل. كان هذا بسيطًا كاللعب بالكلمات،

لكن ذلك يعني أنها قد غيّرت مواضع الأجرام السماوية ككل، والأرض والشمس. لا، بالنظر إلى أن المرحلة القمرية مختلفة عما كانت، لعلها تكون قادرة حتى على التحكم في الكواكب الأخرى.

التلاعب السماوي – تعويذة أسترو اليد.

إذا لم يعكس لك هذا المصطلح الجنوني صورة واضحة، ففكّر بها على أنها قوة يمكنها إنهاء العالم. على سبيل المثال، إذا تم تغيير محور الأرض بعشر درجات فقط، فإن ربع المخلوقات سيهلكون. وإذا توقف دوران الأرض، فإن العالم بأسره سينهار. أولئك الذين يقفون على كوكب الأرض لا يشعرون بهذا، ولكن الأرض هو جسم سماوي يدور بسرعة مدهشة تصل إلى 1666 كيلومترًا في الثانية. إذا توقف هذا الدوران فجأة، فإن القوة الرهيبة للطاقة الحركية ستعمل كما في داخل السيارة عندما يضغط السائق على الفرامل فجأةً ؛ ستنفجر قشرة الكوكب بأكملها.

كل هذا يعني...

...أنها، وبمزاجها، يمكنها كسر هذا العالم في أي وقت تشاء ومن أي مكان تشاء.

«مهلاً. مهلا لحظة! أيمكن للسحر أن يفعل مثل هذا الهراء؟!»

«لا، ليس بإنسان.»

الصوت البارد الحاد رجع إلى كانزاكي.

«إذن فهذه هي ليلةٌ معنيةٌ أن تعزز صفاتها. نظرًا لتموضع القمر ومحوره، نعم. فهمت، فهمت. الذي يُشرف على الأزرق رمزاً للماء، والذي يحمي الخلف حارسًا للقمر، الذي أمطر سهام النار على مدينة الفساد عمورة في العهد القديم، والذي أعلن عن إنجاب ابن الإله إلى الأم المقدسة في العهد الجديد.»

بعد كل هذا، تذكر كاميجو أخيرًا.

تذكر ما اسم هذه التعويذة الكبيرة.

سقوط الملاك.

لأنها سُمّيت بهذا، لابد أن كياناً مُعَيّناً قد سقط بالتأكيد.

«—يُعرف باسم قوة الإله. كبير الملائكة المجنح الذي يجلس عند يمين الإله.»

الذي خدم الإله لن يُجيب على سؤال من ينحر الإله.

كأن قشرةً انكسرت بقوة غير مرئية، كمن يتخلص من جلد خفي...

بهذا، استفاق الشيء.

  • الجزء 3

الملاك لم يقم بحركات على وجه الخصوص.

بينما تحركت كانزاكي لتتخذ موضعًا تحمي كاميجو وتويا، مدّت يدها نحو الكاتانا على خصرها.

«الملاك قُوّةٌ لا تعرف الخير ولا الشر. إذا أطاع إرادة الإله وأنقذ الناس؛ يُحترم ملاكاً، وإذا وقع إلى الأرض واتسخ بِطِينها؛ يُهاب شيطاناً،» شرحت كانزاكي بحنق. «هذا بالضبط كالأساطير في العهد القديم. قوة الإله... أتصل بهذا الحد حتى تعود إلى مكانك الأصلي؟»

نظر كاميجو بدهشةٍ إلى ميشا – لا، إلى الملاك المُسَمّىٰ بقوة الإله. سببها في محاولة إيقاف سقوط الملاك كان على الأرجح الأبسط بين الجميع هنا.

سقوط الملاك هي تقنية لإسقاط ملاك إلى الأرض.

لذا هو طبيعيٌّ أن يرغب الملاك الساقط بالرجوع حيث جاء.

لم يقل قوة الإله شيئاً.

دون تقديم أي تفسير آخر، أرجح عتلتهُ المائلة على شكل L في الهواء كأنه سيبدأ.

شعر بقشعريرة تسلل إلى قلبه كأن مسمارًا من الجليد طرقه.

شع القمر في السماء بضوءٍ أزرق هائل وملفت. ظهرت حلقة من الضوء حول القمر الساطع، تمامًا كما تحاول عدسة الكاميرا اصطياد الشمس.

الحلقة القمرية –بالبدر في مركزها– اتسعت في لمحة واختفت قاطعةً حافة الأفق في سماء الليل. ثم ظهرت أشرطة متعددة من الضوء كأنها تنقش رموزاً معقدة على داخل الحلقة.

ما كانت ضخمة ببساطة. عندما نظر كاميجو بعناية أكثر، رأى أن كل نقطة من الأضواء التي ترسم تلك الخطوط كانت دائرة سحرية منفصلة. كسرب من الأسماك تسبح في البحر، كصف من النمل يمشي عبر الأرض، ظهرت الملايين والمليارات من الدوائر السحرية تطفو في نمط منتظم وشكلت دائرةً واحدةً كبيرة.

(لكن هناك... هناك كمية هائلة من الضوء.)

لم يستطع كاميجو إلا أن ينبهر عندما نظر إلى مجموعة من الأضواء البراقة في سماء الليل.

من غير الصحيح أن ننظر إلى النجوم في الليل ونعتبرها ضعيفة أو عابرة. الأشياء التي تكون أبعد تبدو أصغر حجماً – حتى طالبٌ في المدرسة الابتدائية يفهم هذا. على سبيل المثال، إن كان المرء يعيش في اليابان، فمن المحتمل أنه رأى مقاتلة جوية من القوات الدفاع الذاتي اليابانية أو القوات الجوية الأمريكية تحلق في السماء من قبل. ومع ذلك، حتى لو كان بإمكانه رؤية سحب البخار تقطع السماء، هل رأى أحدٌ لون اللهب الذي ينبعث من محركاتها؟

هكذا كان الأمر.

هذا يعني أن المسافة محدودة حتى مستوى ألا ترىٰ الضوء من محركات طائرات المقاتلة الجوية. في الواقع، الضوء الاصطناعي الذي يُظهرونه في طبقة الستراتوسفير محدود جداً، وربما يقتصر على ضوء الدفع الصاروخي عند إطلاق الأقمار الصناعية.

وحتى كاميجو –الذي لم يكن ملماً بالسحر– يعي هذا.

يعي أن هذا كان استثنائاً خاص.

ومن داخله تجلى شعورٌ بالرعب.

ظهرت قطرة من العرق على خدي كانزاكي وهي تنظر إلى سماء الليل.

«أمجنون أنت يا قوة الإله؟! تستخدم تقنية تتجاوز حتى المستويات المسجلة في العهد القديم فقط لتهدف فردًا واحدًا؟ أتنوي تطهير هذا العالم؟!»

كانت نبرتها وكلماتها غير عادية.

لم يستطع كاميجو إلا أن يسأل سؤالاً.

«ماذا؟ ما الذي سيبدأه ذاك الملاك...؟»

«المسح. هُوَ سَيْلٌ من سهام النار التي أهلكت مرةً حضارة فاسدة بأكملها. إذا تفعّل مثل هذا، فإن تاريخ البشر سينقضي هنا.»

كان هذا الأمر ضخماً حتى أن كاميجو لم يستطع أن يراه حقيقياً.

ومع هذا، تركت كلمتا "النار" و"السيل" شعوراً غير مريح في عقله.

(سهام النار... ستسقط؟ مهلا، أمِن تلك الأضواء في السماء؟ تلك المجموعات المليارية من الأضواء البراقة التي تتلألأ كالصواريخ المشحونة بالوقود... ستسقط جميعها؟!)

وهو مُتسمِّرٌ مكانه، نظر كاميجو إلى السماء. ببساطة، فإن تلك المجموعات المليارية من نقاط الضوء البراقة كانت قذائف صاروخية موجهة نحو الأرض. هذا لم يكن على مستوى القصفات الجوية البسيطة. ستسقط عليهم قذائف تكفي لأن تضرب كل إنسان في هذه الأرض، وسيبقى منها المزيد بعد هذا.

لم يعرف ما كان نطاق الهجوم. أهذه المدينة؟ أفي هذه البلد؟ إذا كانت كلّ ما في تحت السماء، فلربما يُدمر نصف الكوكب.

وقد بدا وكأن قلبها سيتوقف عن النبض في أي لحظة، قالت كانزاكي: «الملائكة لا تقتل البشر إلا بأمر الإله... فهل نسيت يا قوة الإله؟ عدد الأنفس التي ستُحاكم خلال يوم الدينونة الأخير في العهد الجديد مُحددة مسبقاً. وأنت تعي أن قتل الناس هكذا بلا تفكير يُفسد ذلك اليوم! فأنت من أخبرنا بهذا!»

بدا له أنه سمعها من تسوتشيميكادو من قبل.

قال إن الإله سينزل إلى الأرض في نهاية العالم، ثم سيقرر كلٌّ على حِدة من سيذهب إلى الجنة ومن إلى الجحيم. النتائج تحددت منذ البداية، لذا إذا قتل ملاك بشرًا سهوًا، فسيؤدي ذلك إلى تشويه تلك النتائج النهائية أو مثل هذا القبيل.

وبعيدًا عن المفاهيم الدينية، كان المنطق أشبه بمفارقة زمنية. إذا قَتَل هذا أحدًا كان لا يفترض أصلاً أن يُقتل، فلن يولد أطفال هذا الأحد أبدًا. ولا أحفاده وأحفاد أحفاده – لن يولد أيٌّ منهم. تمامًا كما يُغير عابر الزمن التاريخ، كان لهذا الملاك، الذي كان خارجًا عن تاريخ البشر، القدرة على تغيير مستقبل البشر ونهايتهم.

سامي.

صرخت كانزاكي صرخة محزنة لتوقف هذه المذبحة، لكن خادم الإله لم يجفن.

لم يُجَن أو يغضب، ولم يبتسم ساخراً شامتاً، ولم يشعر مثقال ذرة من ذنب.

لم يتحرك ببساطة.

ارتجف كاميجو من المشهد. ولعلّ المنطق ما عاد ينطبق على هذا الملاك، علىٰ قوة الإله. وكأنه خرج من قضبانه اللحظة التي تفعّل سقوط الملاك.

الملاك أمامهم الآن لديه هدفٌ واحد فقط – العودة إلى السماء.

ولم يفكر حتى في أبسط التأثيرات التي قد تحدث على العالم نتيجةً لذلك.

كما لو... كأنه أراد فقط أن يُعيد كل أمرٍ في محله.

تمامًا كمثل الذي زرع في جسمه عضو شخص آخر في عملية جراحية؛ ليجد أن العضو لا يتناسب – علىٰ أنه يعلم أنه سيموت، إلا أن جسده سيرفض هذا الزرع.

فهل كان هذا يمضي مع كاميجو ومن معه حتى الآن ليُحقق هدفه؟

بعد أن يرمي وابل من القنابل، أكان صعبًا عليه تحديد ما إذا كان "الهدف" قد مات وربما يكون مختبئاً تحت جبل من الحطام والجثث؟ أكان محتاجًا إلى معرفة وجه "هدفه" مسبقاً؟

كشر كاميجو أنيابه ونظر إلى السماء.

يمكن ليده اليمنى أن تمحو أي قوة غير طبيعية، ولو كانت معجزة من سماوية. لكن الدائرة السحرية كانت بعيدًا للغاية أول الأمر. طبقة الستراتوسفير مرتفعة كثيراً بحيث لن يصل إليها حتى بمقاتلات جوية حديثة.

لذا، اكتفى بالشزر إلى قوة الإله. [3]

إذا لم يقدر إيقاف تلك الدائرة السحرية، فكل ما عليه هو إيقاف مستخدمها. كما الأمر مع سقوط الملاك. إذا كان السحر لا يزال غير مكتمل، وأوقف مُسببها، يجب أن يكون قادرًا على عرقلة تشغيلها.

«اللعنة...»

ولكن بالنظر إلى الحل الأبسط أمام عينيه، صرّ كاميجو أسنانه أقوى.

هذا لن يجعله مختلفاً عن ذاك الملاك.

«يا ملعون!!»

[قوة الإله] نظر فقط بانتباه شديد إلى كاميجو، دون أن يعدل تعبير وجهه.

بعيون كأنها تنظر إلى حشرة تتململ في الطين من موضعٍ أعلى.

كبير الملاك الذي أعد قوة كافية لتدمير العالم دون أن يحرك إصبعًا واحدًا لم يقل شيئًا.

لم تحمل نظرته شعوراً بالخطر. وما رأىٰ فيها أي شفقة.

فلا سبب أصلا للتوجع من سحق حشرة واحدة.

«اللعنة! قل شيئاً! اسمع—قد أغضبتني للغاية الآن. أغضبتني حقاً! لن نتفاوض في أي من هذا ولو قليلاً—فاخرس وأوقف هذه التعويذة اللعينة!» صاح كاميجو في وجه الملاك الذي كان أقصر منه، لكن في صوته رجفة.

بدا تويا مندهشاً من ولده الذي رمى بالشتائم أكثر من أي شيء آخر في هذا الوضع.

فكر كاميجو بعناية. فكر في سرعة ميشا التي ضربت هينو جينساكو أمام عينيه البارحة. وزنها. توقيتها. بنيتها. تلك القوة، رغم أنها كانت تُـمَـوّه. كاميجو الواحد لا يسعه سوى أن يُرقص في يديها، كما القطع في لوحة الشطرنج المحددة المسجلة في صحيفة. تلك قوة إلهية.

والآن كانت أكثر من ذلك.

قد كَشَفَ عن شخصيته الحقيقية الجلفاء.

«...»

خرج عرق قذر من عليه. خطى أمام تويا ليُغطيه. هذا الموقف بالتأكيد بدا بطوليًا، ولكن جوهره ما كان إلا تهوراً. الفجوة في القوة بينه وبين [قوة الإله] لم تعد شيئًا يمكن سده بأيدي بشرية. وكأنه يواجه صاروخاً نووياً بيدين عارية.

«كاميجو توما.»

ثم، التفت إليه كانزاكي كاوري بصمت.

«سأكبح [قوة الإله]. خذ تويا-سان معك واهربا بأسرع ما يمكن.»

وفي لحظتها، لم يستطع كاميجو أن يفهم ما مقصد كلام كانزاكي.

أعلنت ذلك ببساطة.

أكدت ذلك كأنها في وضع تُطلب منها أن تواجه صاروخاً نووياً بيديها العاريتين.

بدون تردد، ولا جزعٍ، ولا رحمة، ولا خوف، ولا تعب.

صدت كانزاكي ظهرها إلى كاميجو وواجهت الملاك، الذي بدا كإله الموت.

«لـ...لِمَ...؟»

هذا كان السؤال الوحيد الذي استطاع كاميجو أن يطرحه.

ولكن بالكاد خرج منه، ولم تتعب كانزاكي نفسها حتى للنظر خلفها.

«ما عندي سبب. أقف هنا فقط لأني أقدر على شيء،» أجابت وظهرها عليه، بصوت بدا حقاً لااكتراثي. «المسح، قُلت؟ تفاهة. تفاهةٌ حقاً. بأسلوبٍ تافهًا هذا القدر، فإن المقصد الذي أهدف إليه بعيدٌ ولا يوصَل،» ثم أقدمت خطوةً.

لن يقدر كاميجو على إيقافها، ولا مواكبتها. البعد –لم يتجاوز حتى متراً واحداً– بدا له أبديًا كبير. ما كانت قوية، ولا مخيفة، ولا حادة، ولا ثقيلة أو سريعة أو باردة أو حارة.

كانت فقط... مختلفة.

ظهرها هي التي واجهت [قوة الإله] كان مختلفاً لا يصدق، كما يليق بمن في هذا الدور.

القاتلة الإلهية تكلمت.

«الحرب التي سندخلها الآن مختلفة. بينما تفِر، أرجوك أن تأخذ أقصى درجات الحذر لئلا تقع فيها.»

أخبرته أن يهرب، لكن كاميجو لم يسعه الفهم.

إلى أين يهرب في هذه اللحظة؟ المريخ؟

ثم وبدون أن تلتفت لتواجه كاميجو المرتبك، قالت كانزاكي:

«فكّر وانظر. هذا ألقى [قوة الإله] الْمَسْح، فنهاية كل شيء سهلة كثيراً. فلماذا برأيك إذن أن الملاك يراقب ما نقوم به بلا اكتراث؟»

عندما قالت ذلك، أدرك كاميجو أخيرًا الموقف.

إذا استطاع أن يُنفذ "المسح"، فهو يقدر علىٰ ذلك الآن. ما [لقوة الإله] سببٌ في التردد. وعلى آخر الأمر، كان لديه هدفٌ واحد.

لماذا بحق لا ينفذها رغم كل شيء؟

«ليس أنه لا ينفذها، بل لا يمكنه ببساطة. قد يُسَمّونه [قوة الإله]، لكن تقنية بهذا الحجم ستستغرق وقتًا لاستكمالها. ليس شيئاً غير عادي. وفي الأزمنة الغابرة عمومًا، كان هناك وقتٌ لانتظار نزول الحكم السماوي على الحضارات العتيقة.» تكلمت كانزاكي وظهرها عليه. «—ثلاثين دقيقة أو حولها، من حيث الزمن، فهمت. هِهِهِه، وهذا يُقربها قليلاً من ذاك الزمن الذي جمعت فيه الحيوانات في فُلْكٍ.»

خارت الكلمات كاميجو.

ثلاثين دقيقة. بعد ثلاثين دقيقة، ستهبط سهام النار على نصف العالم تقريبًا. بالتخمين وحده، كم من ملايين من الصواريخ ستهبط؟ ولن يقدر إماجين بريكر كاميجو على تغطية العالم بالطبع.

ولكن...

إذا استطاعوا إيقاف قوة الإله في ثلاثين دقيقة...

«حسنٌ إذن، لا فرار! أنا أيضاً جزء من هذا! يمكن ليدي اليمنى على الأقل أن تفعل شيئًا ضد خصم غامض كهذا، أليس كذلك؟!»

«أرجوك ارحل. إذا سمح محترفٌ لمبتدئ بحمايته ثم تضرر، فلا شرف من بعد هذا إلا بانتحار السِبّوكو،» أجابت كانزاكي بصوت مقشعر. [4]

«لمَ أنتِ بهذا الهدوء؟ هذا الشيء، لا يُميّز بين صوابٍ وخطأ. كنتم تقولون كيف لا يقدر الملاك على قتل الناس وكل هذا الهراء، لكن انظري لمدى موثوقة كلامكم هذا!» كان كاميجو يصرخ كمن يحاول إيقاف أحد من الانقضاض إلى الموت. «لن أترككِ تقاتلين هذا الشيء وحدك! أستطيع القتال أيضاً! كيف عساي أفر في هذه اللحظة؟!»

«اسمعني،» ردت كانزاكي ببرود، وما تزال تعطيه ظهرها. «هذا الشيء وُجِدَ خارج معايير البشر منذ البداية. التفكير في مقاتلته، أو الفوز عليه، هو خطأ بحد ذاته.»

أخذ كاميجو نفسًا وثبّت نظراته على ظهرها.

«لا تفهمني خطأ، ما لي نية في الموت موتاً عبثي. لن أكذب وأقول إنني سأفوز، لكنني أيضاً لن أقول أنني سأخسر. كل ما عساي فعله هو كبحه، نِداً لند.

«ويا كاميجو توما» أكملت بعد توقف «بينما أكبحه، أريدك أن تأخذ تويا-سان وتُلغي سقوط الملاك،» قالت له بهدوء.

«مهلاً، مهلاً، ماذا؟»

«أنسيتَ هدف قوة الإله؟ قد صَنَعَ هذا المسح من أجل إيقاف سقوط الملاك. بمعنى آخر، إذا تمكنت من إيقاف سقوط الملاك قبل تنفيذ المسح، فلن يرىٰ ضرورة لفعل ذلك. ألا تظن هذا؟»

بدا وكأن آخر كلامها ليس موجهًا لكاميجو بل للملاك.

الملاك المقشعر لم يرد.

لم يهتم [قوة الإله] مهما صار. وعلى أي حال، فإن المسح سيدمر مُسبّب سقوط الملاك –تويا– في ثلاثين دقيقة. إذا استطاع كاميجو أن يجد وسيلة أخرى لإيقاف سقوط الملاك قبل حدوث ذلك، فلن الملاك مشكلة.

لذا، نظر كاميجو إلى تويا. كان بالتأكيد خطرًا جدًا أن يُترك قريبًا من قوة الإله. ولكن...

«ولكن ماذا عنكِ؟ لا يمكنكِ التصدي لقوة الإله...»

«من يدري؟ فهذا هو الخيار الأكثر فائدة. لن تقدر على صدّه. من فضلك قم بدورك الصحيح وألغي سقوط الملاك في أسرع ما يمكن. ستزيد جهودك من فرص بقائي.»

كانزاكي أخذت خطوة أخرى نحو قوة الإله.

«وقبل كل شيء، ولا ذرة في نفسي ترغب في التضحية بمدني في معركة السحرة. لن أدع كاميجو تويا يموت — ولو كلفني حياتي.»

«أأنتِ جادة بهذا؟»

«نعم. أعتذر على الوقاحة، لكنني أعهد بثقتي إليك. إن كنت قادراً على إنقاذ حياتي كما أنقذت تلك الطفلة أمام عيني، فإني ممتنة.»

ما قال ظهر كانزاكي أكثر.

فكر كاميجو في قول شيء، ولكنه لم يجد الكلمات.

إذا حاول أن يوقفها، فسيُضيّع مزيدًا من الوقت. كلّ فعل عبثي سيقلل من فرصها في البقاء بالتأكيد.

صرّ أسنانه.

«أعتمد عليك، كانزاكي! سأثق بك أيضاً!» صاح، وأمسك بذراع والده المذهول واندفع نحو البيت الشاطئي.

صرخ تويا «انتظر، ما الذي يحدث هنا؟» لكن كاميجو لم يكترث لذلك.

نظرات [قوة الإله] تركت كانزاكي وانتقلت نحو كاميجو.

انزلقت كانزاكي في الطريق لقطعه.

«خصمك هنا. واسمع ما سأقول. من البداية، دَوْر ملاك يشمل أيضاً نقل الرسائل بين الإله والإنسان، ومع ذلك أنت...» بعد ذلك، ابتسمت كانزاكي قليلاً. لم تتناسب مع الوضع. «ولكن مع هذا، قال إنه سيثق بي. أنا، من بين الكل. ويحي — ما لي حق السخرية من تقرير ستيل لقوله كيف ركله خلال معركة مدرسة ميساوا واستخدمه طعمًا. كان هذا كلامًا مثاليًا بالتأكيد. لقد زادت فرص بقائي حيّةً بلا شك بسبب كلماتك،» هي تفكر بصوت عال، وصلت يدها إلى مقبض السيف عند خصرها، سيف السبع سماوات – الشِچتن شِچتو.

ولقد حافظ قوة الإله عينه على كانزاكي، وأخيرًا تنفس، وبصوت غير إنساني:

«—qFOOLISHrw»

انفجر ظهر الملاك.

ما خرج من ظهره كان كالأجنحة، لكنها لم تكن بيضاء نقية كالبجع.

كانت كأجنحة طاووس، كما لو أنها صُنِعت من الجليد المنحوت.

كانت الأجنحة حادة وخشنة، كأنها صُنعت من بلورات مقطعة، وكانت هناك العشرات منها تبرز كأنها وسادة مدبسة. تدفقت أطنان وأطنان من مياه المحيط وضربت ظهر الملاك.

تلامس ظهره مع مياه البحر، فصارت أجنحة ضخمة من الماء.

كل جناح مائي ضخم برز منها بلغ بين خمسين وسبعين متراً في الطول، وتحركوا بعنف خلف ظهر قوة الإله.

بدا وكأنها تشكل جدارًا لا يمكن لأحد اختراقه، وبدت وكأنها شفرات مروحية بلورية حادة تقطع إصبعك إذا لمستها.

امتدت العشرات من الأجنحة المتجمدة بشفراتها نحو السماء.

في النهاية، ظهرت قطرة ماء واحدة فوق رأس [قوة الإله]. رسمت دائرة صغيرة وثبتت كحلقة عائمة في الهواء.

كل واحدة من تلك القطرات بدت كسطح المحيط في آخر الليل — زرقاء قاتمة، ملوثة بالسواد.

تلك الأجنحة التي كان فيها طلسمان يمر من أطراف الريش إلى بداياتها دون فجوة واحدة، وكان كل واحدة منها هجومًا إلهيًا فرديًا يمكنه أن يدك جبالاً كاملة، ويمزق الأراضي، ويخلق الوديان. عادةً، كان ليكون لكانزاكي ما يكفي من القوة حتى يهابُها أعداؤها على ساحة المعركة ويُوَسّعون لها الطريق، لكن حتى هي وجدت جسدها يزداد قلقاً من هذا. ربما ينسى الشخص العادي التنفس فقط من الشر النقي الذي ينبعث من هذا المكان.

«قد وعدت وعدًا جريء لمثل هذا الموقف الشاق.» انخفضت كانزاكي قليلاً — ثم لاحظت شيئًا. «؟ تسوتشيميكادو، أين أنت؟ تسوتشيميكادو؟»

لم يكن هنا.

في نقطةٍ ما، كان قد اختفى بذكاء من ساحة المعركة.

مستاءة من تسوتشيميكادو الذي حافظ على سياسة الخيانة حتى في هذا الموقف الشاق، تمتمت قائلة: «حسنٌ، هكذا عرفته. حتى لو تخلّيت عنه فسيظل حياً بطريقة ما. الآن، لأركز على النجاة بقوتي. والآن، مع بريقي الواحد -يُويْسِن- أُعطي مُسَمّىً واحدًا.»

ثم، أعلنت كانزاكي كاوري...

...اسمها الآخر، المحفور على جسدها وروحها.

«يَدُ الخلاص لِمَن لا يمكن إنقاذهم — Salvare000.»

  • الجزء 4

في غضون ذلك، جرى تسوتشيميكادو وحده قاطعًا الظلام.

(والآن، آل الوضع سيئاً، نعم، سيئًا حقاً. على أنه كان حتميًا، كان أجدر عليّ أن أفجره كله إلى حطام ساعَتها.)

كما لو كان يبتعد عن ساحة المعركة... كما لو كان يفر من القتال.

(عليّ أن أنسى العديد من الأخطاء — وأنقي رأسي بأفكار إيجابية. حسنٌ، كانزاكي تكبحه، وكانت لتعيقني من وجهة نظر معينة، لذا يجب أن أفكر في كيف بِتُّ حُرّ الحركة الآن.)

كأنه ينطلق إلى ساحة معركة جديدة، كحشرة تغطس في النار.

(هههه. والآن، حان الوقت لأبدأ خيانة مثيرة. آسف، كاميان، يبدو أن حل هذه المشكلة سيتطلب على الأقل فردًا واحدًا ليكون تضحية.)

مبتسمًا بمتعة، Fallere825 — شفرة طعن الظهر، تسوتشيميكادو موتوهارو — قطع الظلام مندفعًا.

  • الجزء 5

تواجهت كانزاكي كاوري وقوة الإله وبينهما عشرة أمتار.

لكن، إذا كنت تعرف حتى القليل عن المسيحية، فإن تلك الجملة ستبدو متهورة. ليس على مستوى كون كانزاكي ضعيفةً أو أن كبير الملاك قويًا، انتبه. كان الجزء الأكثر جوهرية، في جذوره، مختلفاً تمامًا.

تقريبيّاً، هذه قاعدة تنطبق على ديانات البشر في جميع أنحاء العالم...

أن البشر لا يمكنهم معارضة الإله.

غير الزنادقة الذين يخدمون آلهة مختلفة، لا يمكن لأتباع المسيحية مقاومة الملائكة من نفس الدِين. إنها قاعدة واضحة عندما تفكر في الأمر.

بعبارة أخرى، بمجرد أن دخلت كانزاكي نفسها في الكنيسة، فإنها ستكون عاجزة تمامًا عن الفوز ضد قوة الإله.

كمثل لعبة حجر-ورق-مقص حيث يكون خيارك الوحيد هو المقص – بمجرد ظهور الحجر، فإنها ستخسر بالتأكيد.

لهذا السبب كان كل هذا سخيفاً.

ومع ذلك، لم تتكلم الفتاة الملائكية كلمة واحدة. لم تظهر حتى ابتسامة الرحمة.

رفع [قوة الإله] ببساطة أحد الأجنحة المائية الخارجة من ظهره إلى أعلى. كان هناك ما يقرب من عشرة أمتار يفصل بينهما، لكن ذلك لم يهم. بالنسبة لأحد تلك الأجنحة، التي بلغ طول كل واحدة منها سبعين متراً، كان ذلك قريبًا جدًا.

ذلك الجناح المائي، الذي شمل فيه الطلسمان حتى أطرافه، يمكن أن يصف بأنه حكم إلهي قادر على سحق مدينة واحدة. برفرفة واحدة لأسفل، سيطير الشاطئ، وستقدر على حفر حفرة في الأرض وخلق خليج. تمامًا كما شَكّلت قوة الآلهة شكل الأراضي في عصور الأساطير.

لم يتردد [قوة الإله].

حتى وإن علم ما سيحدث إذا أطلق تلك القوة المدمرة على إنسان عاجز.

لم يتردد كبير الملاك الذي يرأس اللون الأزرق لحظةً واحدة — أسقط ذلك الجناح المائي البالغ طوله سبعين متراً.

كأنه انهيار برج. تحول الهواء المقطوع إلى قبضة هوائية تجتاح المحيطات. ثم، متخطياً حتى ذلك، سقط ذلك الجناح المائي البعيد في اتجاه كانزاكي كاوري بسرعة مخيفة.

وهكذا كان.

هكذا كان ليكون.

تردد صدى قطْعةٍ حينما انقطع جناح الماء بضربة أفقية وامضة.

من كان ليصدق حدوث هذا؟

أوقِفت قوة الإله فجأة؛ واكتفت كانزاكي بزفيرٍ عميق وأجابت.

كان الكاتانا الياباني بطول بلغ المترين، وقد كان معلقاً على وسطها.

بمجرد أن سحبته، انقطع الجناح المائي الضخم البالغ طوله سبعين متراً كتفجر الخيزران. ولم يكن هذا كل شيء. تفتت حطام الجناح المقطوع على الفور إلى قطع صغيرة جدًا وكأنه تفجر واختفى في ظلام الليل على الفور.

لم تحاول كانزاكي قول شيء.

كانت شفرتها الكاتانا بالفعل تستريح في غمدها الأسود مرة أخرى.

رفرفرت الأجنحة الزجاجية لقوة الإله في الرياح. وخلفهم تحركت العيون الزجاجية، تشزرانها، وكأنها تبحث عن ضعف. ثم أرجح جناحًا مائياً آخر من ظهره كأنه يختبر شيئاً.

هذه المرة، نشبت عاصفة شرسة، تبدو كأنها ستمحو كل من يقف على الأرض بضربة أفقية مبهرجة.

ولكن، حتى بهذا...

قطعت كانزاكي كاوري بسيفها الوحيد بسهولة الجناح البالغ الخمسين مترا.

وليزيد على هذا، كانزاكي لم تترنح أو تُلقىٰ بعيدًا من سرعة سحب السيف أو وزنه. الشفرة التي سُحِبت قبل لحظة، باتت بعد لحظة تستريح بهدوء في غمدها.

على بُعد عشرة أمتار، كانزاكي كاوري تداعب بصمت غلاف الكاتانا.

توقفت حركات الملاك...

...كما لو كان يُعيد بتمهل خططه، يتساءل عن أفضل طريقة لطهي الفريسة أمامه.

«إن كان من أمر—»استهزأت، «فأنا على الأقل لم أتوقع منك أن تكون مندهشاً من هذا. ربما استهنت بهذه المخلوقة كانزاكي كاوري بعض الشيء، لا؟»

لم يستجب [قوة الإله]. هذه المرة، رَبّع جناحيه المائيتين، على اليسار واليمين، وشكلهما مثل المقص.

-كييي!- فأصدر الجناحان صرخة وهاجماها...

...ولكن بهجوم واحدٍ من كانزاكي –التي دورت جسدها كالإعصار– قُطِعا في نفس الوقت وتدمرا.

«...»

رقصت غُرته في ريح الليل. والعينين وراء الغرر دارت ودارت، كما لو أنها تؤكد حقيقة واحدة.

ليس أن واحدًا أو اثنان منهم قد قطع — ككل، كانت أربعة. ما كانت صدفة بل كان ضرورة تحمل في طياتها تناقضاً. ولا يجب أن تكون تابعة المسيحية قادرةً على الوقوف ضد ملائكتها.

وله، قالت كانزاكي بصوت بارد...

«خطأك الأول كان أن تعتقد أنني مجرد تابعة للمسيحية.» أظهرت هدوءًا كافيًا لدرجة أن تكشف بطاقتها الرابحة. «تقنياتي هي من نمط الكنيسة الأماكسية. إنها شكل من أشكال المسيحية اليابانية، أُنشِئت بالاعتقاد بالإله حتى ومؤمنوها كانوا يتعرضون للاضطهاد خلال عالم إيدو.»

أثناء عصرٍ كان القمع فيه متطرفاً لدرجة أن مجرد حمل صليب أو صورة للسيدة مريم يُبرر الإعدام، أخذ مؤمنونها الأوتاد الخشبية الشنتوية مكاناً "للصلبان" وأخذوا صور بوذا مكاناً "لصور مريم". أصبح الأماكسا –الذين تخفوا بهذه الطريقة باستخدام الشنتو والبوذية– في وقت ما متشابكًا جدًا مع هذه الوجوه المزيفة للشنتو والبوذية، وبدأ من الصعب جدًا معرفة من أين بدأت المسيحية الفعلية. لقد بنوا نسخة من الأصلية.

الاندماج المتنوع للأديان مع تقنيات المسيحية — الأماكسا.

بعبارة أخرى...

إذا لم تستطع الفوز ضد ملاك بتقنيات المسيحية، فلن تستخدمها. ستلتفّ وتستخدم تقنيات "ديانة لا يظهر فيها الملاك"، أي البوذية والشنتوية، وتهاجم الملاك بهذا — هكذا كانت.

ما لا يمكن بالتقنيات المسيحية سيُمكن بالبوذية.

ما لا يمكن بالتقنيات البوذية سيُمكن بالشنتوية.

ما لا يمكن بالتقنيات الشنتوية سيُمكن بالمسيحية.

تُغطي كنيسة الأماكسا نقاط ضعف كل ديانة باستخدام تقنيات الأخرى. بعبارة أخرى، يمكنها اختراق الفرضية الرئيسية التي تقول بأنه لا يمكن لإنسان هزيمة "ملاك" في "المسيحية".

«...»

تجمدت عينا [قوة الإله]. رفع ثلاثة من أجنحته المائية، واحدة يسار وواحدة يمين وواحدة فوقه مباشرة.

ومع ذلك، قُطِعوا مرة أخرى بسهولة بالوميض الواحد لكانزاكي – يويسن.

«أيضاً، ستجد عددًا كبير من الآلهة في الشينتو اليابانية، حتى عند مقارنتها بالأديان الوثنية الأخرى. [ياو-يوروزو نو كامي]؛ الآلهة الثمانية المليون التي تتواجد في كل شيء في العالم. [تسوكموغامي]؛ التي تتكون حتى في الأشياء البلا قيمة بعد فترة طويلة من الزمن. [إينوغامي] من صنع الإنسان، رغم أنه أُنشِئ على عجل لحماية منازل الناس. [سارو-كامي]. [هيبي-كامي]. ربما لن تجد ديانة في العالم تتألف من عدد كبير من الآلهة مثل الشينتو اليابانية. لذا—» لمست سيفها [الشچتن شچتو] (سبع سماوات) في خصرها كأنها تؤكد على ذلك. «وقد يكون هذا صعبًا تصديقه لملاك من ديانة توحيدية، ولكن هناك طرق للتفاعل مع آلهة الشينتو المتعددة — بعبارة أخرى، طرق لمقاتلة الآلهة. توجد قصص تصف مثل هذه الأساطير كقتل الناس للآلهة الشريرة التي انفجرت غضبًا على الناس –والتي طالبت بفتاة قرباناً وإلا عاثت فسادًا– بمجرد سيفٍ عادي. ولقد جاء قيدٌ في الشنتو ينص علىٰ أن المرء لا ينبغي عليه أن يجرح إله، لكن... لماذا برأيك أنشئوا مثل هذا القانون؟» سألت بصوت غنّاء.

قالت ذلك لكي لا تنتهي هذه المباراة الأحادية مع الملاك.

«...»

لم يُجِب [قوة الإله] وبقى صامتاً وفحص "عدوه". استقبلت الأجنحة المائية المقطوعة مياه البحر من جديد وبدأت تعود إلى حجمها وشكلها الأصلي.

في الجهة الأخرى، لم تكن كانزاكي بحاجة إلى أي استعداد. كل ما عليها فعله هو لمس إصبعها برفق إلى مقبض السيف الطويل الذي كان يعلق على خصرها. حيّكت الطاقة داخل جسدها باستخدام نوع معين من أسلوب تنفسٍ فريد، ثم أعادت بناء جسدها بما يعرف بـ "مدمر الإله".

ثم جاء الصمت.

بعد هذا الصمت، الذي كان قصيرًا جدًا —ألفٌ من الثانية— لن يرصده للإنسان حتى...

بدأ قوة الإله ومدمر الإله صراعهما للحياة والموت.

صدىٰ صوت خوار قوي.

كان من كانزاكي، على بعد عشرة أمتار، وهي تقطع جناح الماء بطول خمسين متراً الذي أسقطه الملاك على رأسها.

ولكن لم يتحرك قوة الإله، لأنه يقدر على إصلاح أجنحته المقطوعة بأي عدد من المرات احتاج. قبل أن تعيد كانزاكي سيفها إلى الغمد وتستعيد توازنها، طار نحوها جناحٌ آخر من يسارها ليضربها.

بمجرد أن قطعت كانزاكي ذلك الجناح، تحرك آخر بسرعة على اليمين مستهدفاً ظهرها.

بين كانزاكي وقوة الإله مسافة عشرة أمتار. وبدا أن الملاك أراد الحفاظ على تلك المسافة. كرر سلسلة من هجمات الأجنحة، ممنعاً كانزاكي من الاقتراب.

لفّت كانزاكي جسدها بأكمله، ودارت، وقطعت الجناح القادم نحو ظهرها إلى قسمين. كما لو أنه يستهدف تلك اللحظة، رفع خادم الإله ثلاثة أجنحة مائية من فوق رأسه، تاركاً فجوات زمنية بين كل واحدة.

ولكن الفجوات الزمنية كانت بمقدار جزء من مئة الثانية — عالم سرعة إلهية، فجوة لا يرصدها البشر أبدا. ومع ذلك، تفاعلت كانزاكي مع هذا. يبدو أن الجسم البشري يحتاج إلى 0.18 ثانية لتوصيل أمر من الدماغ إلى أطراف الأصابع، ولكن كانزاكي –بعد أن تحولت إلى طور مدمر الإله– كانت مؤقتاً في حالة فوق النطاق البشري، ومثل ذاك المنطق الشائع لن ينطبق عليها. كانت الأوعية الدموية، والعضلات، والأعصاب، والأعضاء، والهيكل العظمي – كلها أُعيد بناؤها حتى تمكنها من قتل الآلهة بالتقنية التي تستخدمها.

-شووشش!- قطعت كانزاكي أول مئة جناحٍ مائي بسحب الكاتانا.

وقبل أن تمر المئة الثانية التالية، قد أنهت كانزاكي سحب سيف الشچتن شچتو وإلىٰ غمده استكن، وكانت تُعِدّ الضربة التالية. بوقت كافٍ للاحتياط، فكرت مع ابتسامة في تلك المئة من الثانية، لكن في لحظتها—

—الجناح المائي الثاني تحطم بشكل مفاجئ.

صنعت ألواحًا من الشظايا، كأجزاء زجاجية دقيقة، ومباشرة انطلقت نحوها.

«ما...؟!»

حاولت كانزاكي على الفور التعامل مع هذا النهر العاتي من الشفرات، لكن في لحظتها، جاء سرب الأجنحة المئة الثالثة فجأة ليتخطى نهر الشفرات كأنه يُفرقه.

«...كُه!»

شقت بالكاد المفاجأة الثالثة. لكن ما كان لديها الوقت لتعيد وضع سيفها في الغمد. وإن فعلت، لن تجهز في الوقت للتعامل مع نهر الشفرات القادم. بدون خيار آخر، ألغت كانزاكي هجومها السريع. وبدون إعادة الشفرة في غمدها، بدأت في اعتراض النهر.

ومع ذلك، من المستحيل لسيف كاتانا واحد أن يقطع كل حافة من الآلاف.

الشظايا السبعة عشرة التي تسللت من دفاعها (وحقيقة أنها قطعت البقية تظهر براعتها) سقطت إلى الشاطئ حول كانزاكي. -بوو!!- جاء صوت الصدمة الانفجارية المفجرة حيث ارتفعت الرمال في الهواء.

كان جدارًا من الرمال، يغطي رؤيتها بأكملها كعاصفة في الصحراء.

شَقّتها كورقة، ثم جاءت أجنحة أكثر نحوها من اليسار، واليمين، واليمين المائل.

ثَــبُــتَت حالة المعركة هنا.

بين كانزاكي وقوة الإله عشرة أمتار. وبمعنى آخر، يعني ذلك أن هجمات كانزاكي لن تصل إلى الملاك وهجمات قوة الإله ستكون أحادية الجانب.

لزيادة الرهان، بسبب الهجمات السريعة والمتكررة للملاك، لم يسمح لكانزاكي حتى بإعادة الكاتانا إلىٰ الغمد. تخصصها، باتّوجتسو (السحب السريع)، قد نُفِيَ، وكانت في الوضع الدفاعي، تُلوح بسيفها بجنون. لن يراها أحدًا إلا وفكر أنها الطرف الأضعف.

صرّت كانزاكي أسنانها.

كانت واحدة من أفضل عشرة سحرة في لندن.

أمكنها أن تحصي عدد المرات التي خسرت فيها المعارك الفردية بأصابع يديها. "الفردية" لم تكن محدودة فقط في "إنسان ضد إنسان"، بل أيضًا "إنسان ضد ملك الوحوش" و "إنسان ضد سلاح".

لكن يبدو أنها وصلت إلى لحظة القرن.

يبدو أن هذه "السجلات" التي يمكنها حسابها على أصابع يديها على وشك أن تصبح لا نهائية.

بالطبع...

كان من الشكوك جدًا ما إذا كان يجب حسبُ هذا الملاك غير القياسي.

انبثق الشرر الناتج عن خمسة وأربعين قطْعةٍ في الثانية.

كأن سيفَ حربٍ كبير من صنعٍ متين يُقَطّع بثباتٍ منتظم وسط تبادل الضربات.

لم يحاول الملاك الرجوع. مستوعبًا في هذه المعركة المطولة، كما لو كان ينهك تدريجيًا قدرة كانزاكي، بدأ في إرسال ضربات سريعة بأجنحته المائية بسرعات أكثر لا تصدق. دون إعطاء كانزاكي حتى جزء من الثانية لترتاح، عمل بأجنحته العشرات كما لو كان كل منها مخلوقاً منفصلًا وهاجم كانزاكي من زوايا مختلفة، بتوجيهات مختلفة، بسرعات متفاوتة.

ثم، بَرَق شيء في يدي كانزاكي، مغموراً في ضوء القمر.

جاء صوت تقسم الهواء بشكل مذهل حيث قطعت سبعة أسلاك عبر السماء.

ناناسِن.

بالطبع، ضد تلك الأجنحة المائية الممتلئة بالطلسمان من أطرافها إلى جذورها؛ لن تكون الأسلاك ذات فائدة. كانت أسلاكاً فولاذية، من فئة التراث العالمي، صنعها حدادٌ ورث توقيع الساموجي، لكنها ومع ذلك تمزقت بسهولة كالحرير بضربة واحدة من الجناح.

لكن عندما بقطع تلك الخيوط الحادة، فإن الأجنحة أبطأت سرعتها.

كانت مجرد فعلة بسيطة مقاومة، وعلىٰ أنها أبطأت، إلا أنها كانت عُشر الثانية.

لكن...

في هذه المعركة، اقتدرت على إطلاق أربعة أو خمسة حركات في فترة أقل من رمشة عين.

«—IkCURSES!»

تشنجت عينا قوة الإله ودارت. قطع الأسلاك تهوراً قد أبطأ سرعة أجنحته. كانزاكي لم ترغب في تضييع تلك الثواني العشر بالهروب. أعدت سيفها الطويل وسطها ودفعت بقوة—

—لكن لحظتها، فقدت ساقيها التوازن.

(...؟)

أما الملاك، بعد أن عاد دافعه، فقد رفع ثلاثة من أجنحته المائية نحوها، واحدا بعد الآخر، لكن كانزاكي ما زالت تقطعهم جميعًا برشاقة ودقة مذهلتين. ومع هذا، حينها رأى قوة الإله—

العرق الحارق الذي بدأ ينبعث من جميع أنحاء جسد كانزاكي كاوري.

علىٰ أن تقنيات قتل الآلهة موجودة، إلا أنه ليس الجميع قادرًا على استخدامها. ولا، ليست مسألة موهبة. بل إن العبء الذي ستضعه على جسم إنسان لهو كبيرٌ عظيم.

ليس وكأن الباتّوجتسو (السحب السريع) كان تخصصها.

كانت ببساطة تقنيات تُوصل جسدها إلى حد الدمار ما لم تُنهها بفترة زمنية قصيرة.

بينما الملاك يرمي بضرباته عديمة الرحمة بأجنحته المائية، نظر إلى كانزاكي ثانية. علىٰ أنها كانت تقوم بحركات شاقة تزيد عن عشر مرات التي يقوم بها شخص عادي، لم يكن وجهها محمرًا، بل قد تحول إلى الأزرق، كأن ماء قارصًا بلل كامل رقبتها. ولعلها أيضاً أظهرت رعشةً طفيفة في اليد التي تمسك الكاتانا.

لقد بدأ الثمن لذلك العمل الشاق تآكله في جسدها.

واصل قوة الإله أرجحة أجنحته المائية دون إعطاءها نَفَس. بدأت نتائج المعركة المطولة في الظهور أخيرًا. في هذه المرحلة، كان علىٰ الملاك فقط أن يضيق عليها وسوف تُدمر نفسها. بدأ جسد كانزاكي أخيراً في الترنح بسبب هجماتها السريعة.

أمَرَ ملاك الأزرق أجنحته المائية على ظهره بإرسال ضربة قاتلة—

—لكن نظرة كانزاكي اخترقت مباشرة [قوة الإله] ببريقٍ حاد في عينيها.

«...بطيء!!» صاحت، ضاربة هجوم الجناح الذي كان سينهيها.

وكانت حركاتها، التي كانت فوق ما يستطيعه الإنسان، قد رفعت درجة حرارة جسدها إلى مستويات غير طبيعية، وأفسدت تدفق دمها، وأكلت من أوكسجينها. لم تكن آلامها آلام الحمى. لعل شرب السم كان أسهل عليها هنا.

ورغم ذلك، لم تتوقف كانزاكي.

وبنظرة كإله شرس، قطعت أجنحة الماء دون أن تتراجع حتى خطوة واحدة.

رغم أن كانزاكي كاوري كانت تغلب الملاك، فلقد دُفِعت إلى حافة الموت.

مع كل حركة، شعرت بجسدها يتدمر تدريجيًا. في كل مرة ترفع فيها سيفها الشِچتن شِچتو، فإن الثمن تلك الحركة الزائدة يُمدد مفاصلها؛ يُصرخ شرايينها؛ ويَصِلُ بأعضاؤها –التي لم تأخذ أوكسجيناً كافياً– إلى دماغها بصراخ ينذر بنقص الوقود على شكل ألمٍ.

علاوة على ذلك، لم تعرف كم من الوقت كفى لكبح هذا الكيان. إذا تمزق أحد شرايينها، والتي كانت كلها تصرخ إيقاعياً، فإن حياة كانزاكي بالتأكيد ستنتهي.

«لكن—» كشرت أسنانها، ثم قطعت جناحين يأتيانها من اليسار واليمين من السماء مثل إعصار.

حركت شفتيها، وما عادت تستشعر طعم الطين والدم.

«—أتقول أن هذا يهم؟»

قطعت من خلال عدد لا يحصى من الأجنحة، وهي تلوح سيفها الكاتانا الطويل مثل عاصفة غاضبة.

(لن أدعه يخترق.)

إذا سقطت كانزاكي هنا، فإن قوة الإله بلا شك سوف تبدأ في تدمير الكاميجو، الأب والابن، الذان يحاولون إيقاف المسح النازل على العالم.

(لا يمكن أن أسمح له أن يخترق!)

في الظاهر، قطعت الأجنحة المائية، بينما في الباطن كانت تنهار تدريجياً، وحالتها فوضويةٌ يرثى لها. ورغم ذلك، صرّت أسنانها وأعدت سيفها مرة أخرى. ضد الهجمات القطعية التي تبدو غير معقولة من الأجنحة المائية القادمة بعُشر الثوان، قطعت الهجمات السريعة السخيفة مرات ومرات في الثانية، في حين أعدت نفسها لحركتها التالية.

طعم الدم ووعيها المتلاشي أثارت بها ذكريات أيام بعيدة.

كان ذلك عندما كانت كانزاكي كاوري تُدعى بكاهنة الأماكوسا. كان ذلك عندما كانت معشوقة وتُنادى باسم أبعد عن أن يرجع لفتاةٍ صغيرة تبلغ من العمر 12. لطالما حملت كانزاكي في نفسها الشكوك. كما كانت تستمع إلى مقاطع من الكتاب المقدس قبل النوم كما لو كانت من كتاب صور. لطالما حملت الشكوك.

الجنة والجحيم.

عندما يموت الإنسان، يُقال إن الإله يقرر مصيره ما إذا كان سيرفعه إلى النعيم أم يُسقطه إلى الجحيم. لذا، يجب على الإنسان أن يعمل العمل الصالح في حياته ليستعد للذهاب إلى النعيم.

لكن...

إذا كان الإله قادرًا على إنقاذ كل الناس، فما ضرورة الجحيم؟

إذا كان يستطيع إنقاذ الجميع، فعليه أن ينقذ كل واحد منهم. وإذا كان هناك من ضلوا، فعليه فقط أن يقودهم إلى الطريق الصحيح. إذا كانت يَدُ الخلاص موجودة حقاً، فسيكون من الأفضل لو أصبح شيئاً يمكن للجميع استخدامه حتى يبتسموا مع بعضهم البعض على قدم المساواة.

لماذا بعض الناس سعداء دون غيرهم؟

لماذا علىٰ أولئك الذين لم يُختاروا أن يذهبوا إلى الجحيم؟

كانت كانزاكي دائمًا من بين المُختارين. ولكن، بسبب هذا، لم يُختار أي أحدٍ آخر من حولها. إذا تحطمت طائرة كانت عليها، فإنها وحدها من ستنجو. ويموت غيرها. لن تصيبها رصاصة مسدس القاتل حتى لو صُوِّبَت إليها. ولكن الرصاصة الضائعة ستصيب غيرها. وإذا انفجرت قنبلة داخل غرفة من مبنى، فإن الناس سيسقطون أمامها واحدًا واحدًا ليحجبوا عنها، ولو كان بينهم طفل لا يزيد عن عشر سنوات.

وهكذا، سينظرون جميعًا إلى وجه كانزاكي ويبتسمون.

«أه، أشوى ما أُصِبتِ،» سيقولون

«سعيدٌ أن أراكِ بأمان،» سيقولون.

وهم يمررون أيديهم على رأسها بآخر قوتهم يُرَبّتون، يُهوّنون على الصغيرة كانزاكي وهي تبكي.

ثم تُغلق أعينهم بسعادة وتختفي معها القوة فتسقط معهم اليد التي ربتت رأسها.

كانوا جميعًا خطأها.

لابد أن الإله قد أخطأ في توزيع "الحظ الحسن". ولهذا السبب كانت كانزاكي، واحدة لم تكن قوية حتى، محظوظة. ولهذا السبب كان هناك أشخاص يعانون، محشورون تحتها. لذا لم تفكر كانزاكي أبدًا في استخدام قوتها لصالح من اختير. يجب على المختارين أن يعيشوا بقوتهم. كان من غير الصحيح أن يتمتع فقط المختارون بالقوة.

إذا كانت هذه القوة غير المستحقة شيئاً قد سرقته من غير المختارين، فإنها يجب أن تعيدها لهم.

لأن أولئك الذين يتمنون يَدَ الخلاص...

...هم أولئك الذين لم يُختاروا، هم المنسيون من القدر.

لذلك، ما حقّ لكانزاكي أن تَقتُل. مهما وسعت قوتها، لا تستطيع قتل أي أحد. كان هناك وقتٌ حيث طاردت فهرس الكتب المحظورة وتواجه شابًا واحدًا وحيد. كان جليّاً أن المعركة بين محترفٍ وهاوٍ ليست بمعركة حقيقية. بعد أن أنهتها في بضع ثوانٍ، سألها الشاب الجريح سؤالًا واحدًا. لماذا لا تقتليني؟ كانت إجابتها بسيطة. لم يكن أنها لن تقتله، بل أنها لا تستطيع. لأن ما أرادت كانزاكي حمايته كان الأشخاص مثل ذلك الشاب؛ الذين واجهوا عنفاً غير عادل وسَعوا للخلاص.

لهذا السبب شعرت هكذا.

لن تملأ شفرتها إلا بقناعة واحدة فقط وتنحُت طريقها بذلك السيف الواحد.

(يا ربي، إن قلت أنك ستُخلّص فقط أولئك المختارين...)

(...فإني سأنقذ كلّ من لم تختره.)

«—ها-آاااااااااهه!!»

أطلقت كانزاكي نفسًا طويلاً ولَوّحت سيف الشچتن شچتو عاليًا فوق رأسها؛ فمزقت جناحين مائيين. ثم، بعد أن جلبت الكاتانا للخلف، قطعت ثلاثة أجنحة تقترب منها من الجانب. وهي تدافع بالهجوم، مرة بعد مرة، كانت كانزاكي تعلم أن هذا التوازن سينكسر قريبًا.

من المحتمل أن تخسر. وإن كان جسدها يقتل الآلهة، الذي أُنشِى من خلال تجميع جوهر تقنيات الأماكسا، فلن تقدر على صد أحد أجنحة الملاك المائية والخروج بأمان.

ومع ذلك، لم تستسلم بعد. في لحظة تقطع جسدها –في تلك اللحظة بالضبط– ستخمد حركة أجنحة ماء [قوة الإله]. في تلك اللحظة، إذا أرسلت هجومًا أخيرًا يائسًا، فقد يتمكن سيف السماوات السبع -الشِچتن شِچتو- الممتلئ بقوة مدمر الآلهة من أن يقطع مخترقاً كِلا ساشا كرويتزف الظاهرة والملاك الباطن كليًا في وقت واحد.

تجعد وجه كانزاكي بمرارة.

ليس أنها تنبأت بسهولة وتأكيد هزيمتها.

كانزاكي لم تتمنَّ قتل قوة الإله فعلاً، كانت ترغب فقط في كبحه. على عكس الناناسِن –وهي تقنية أسلاك صلبة تستخدمها خدعةً– لم تستطع كانزاكي كبح تقنية اليويسن لسيفها الشِچتن شِچتو. فقط أن فكرت في إمكانية أن تنزلق بالخطأ وتخترق حافة سيفها [قوة الإله]، كادت القوة أن تهرب من أطراف أصابعها.

رغم أنها تعي ذلك، إلا أنها لم تتمكن من إيقاف سيفها. في اللحظة التي تتوقف فيها عن استخدام كامل قوتها، سيُقسَم جسدها إلى نصفين من قبل [قوة الإله]. هزيمة كانزاكي تعني موت الكاميجو.

لأجل أن تساعدهم، لا يمكنها أن تترك ولو للحظة.

ولكن، إذا تركت يدها تمضي إلى النهاية، فإن الشفرة قد تصل إلى [قوة الإله].

كان هذا سببًا آخر لإبعاد كاميجو عن هنا. إذا تقاتل الهاوي كاميجو مع قوة الإله، فسيُقتل كاميجو على الفور 99%. ولكن، يده اليمنى كانت الإماجين بريكر، القادرة على إلغاء كل الخوارق والغرائب. إذا حصل الأسوأ ولمست يد كاميجو اليمنى قوة الإله، الذي كان وجوده بحد ذاته كتلة من الشذوذ الغرائبي، فقد يدمر تمامًا قوة الإله بهذه البساطة.

ترغب كانزاكي في إنقاذ كل من لم يُختار.

وحيث أنها آمنت بهذا، فإن الملاك أمامها لم يكن يقف هنا أمام فك الموت رغبةً منه في ذلك.

لأن سقوط الملاك...

...عنى في الحقيقة أنه هو بنفسه من سقط، دوناً عن أي ملاك آخر، كان بلا شك حظاً سيئاً.

(لذلك—)

(...دون أن يمحو كاميجو توما سقوط الملاك، فلن أستطيع إنهاء هذه المعركة دون خسائر. لذا أرجوك، قبل أن تنتهي هذه المعركة الجنونية، عجّل—)

بتعبير حزين ومرير، لوّحت كانزاكي كاوري سيف الشچتن شچتو حولها.

كما لو أنها، بعد أن دُفِعت خطوة واحدة قِبَلَ الموت، تُقدم صلاةً من أجل [قوة الإله]، الذي بدوره دُفِعَ إلى هناك أيضاً. همست صلاة طفلة ترتجف في عقلها.

(...لذا أرجوك، أنقذ هذا الملاك يا كاميجو توما.)

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)