-->

الفصل الثاني: حَبَّةٌ سَوْداء، ثَلْجَةٌ بَيْضاء. — و_وَرْدَةٌ_حَمْراء.

(إعدادات القراءة)

انتقال بين الأجزاء

  • الجزء 1

الفتاة بدت وكأنها في العاشرة من عمرها تقريبًا.

لربما كان صعبًا أن تعرف بوجود سقف صالة الألعاب (الآركيد) في منطقة التسوق، ولكن الثلج كان يتساقط في الخارج. ومع برد القارس في منتصف الشتاء إلا أنه لم يكفي أن يمنع الفتاة من التهام كرتي الآيس كريم فوق مخروط البسكويت في يدها.

「قضم، قضم」

「.....لمَ دائمًا آخرتي أعتني بأطفال كهذه؟」

الشاب الجانح هامازورا شياغي وفي عيناه نظرة للبعيد، رغم أنه ما كان من أحدٍ يلومه سوى نفسه. هذه الفتاة الصغيرة التي ترتدي فقط قطعة قماش حمراء متهدلة حول صدرها المسطح كانت تقريبًا ضمانًا للوقوع في المشاكل.

هما الآن في الحي الأكاديمي 13، حيث تتركز المدارس الابتدائية في مدينة الأكاديمية. كانت هذه منطقة التسوق الواقعة على الطرف الشرقي البعيد للمنطقة، والتي يُشار إليها غالبًا بـ"طريق الوجبات الخفيفة بعد المدرسة". تجمّع الأطفال هناك حتى وإن لم يكن في طريق رجوعهم لمنازلهم، مما جعل من المنطقة تُعرف بهذا الاسم. لوْلا عطلة الشتاء، لكان معلمو الرياضة المتحمسون يجوبون المنطقة في دورياتهم.

(لا أرى مشكلة مباشرة. وأصلا ربما يُظهر هذا مدى السلام الذي تنعم به هذه المنطقة، فحتى لفتاةٍ شبه عارية بقطعة قماش رقيقة تغطيها أن تتجول دون خوف.)

لم يُرِد حتى أن يفكر في احتمال أن هذه قد تكون أحدث الهَبّات (صيحات الموضى). على الأقل، لم يرَ قط طفلة من أهل الوطن تلبس ذاك اللبس وتزعج من حولها تقول "ماما نويل بتنورة قصيرة!!" أمام المخابز بأسئلة محيرة محاولةً اكتشاف سر الزلاجة الطائرة التي تتجاوز رادارات الجيوش المتقدمة.

رفع بصره إلى السماء ورأى درون توصيل طعام تحمل صندوقًا بمخالب تشبه أرجل السلطعون. تساءل للحظة عما إذا كانت تحمل كعكة أو ديكًا روميًا قبل أن يعود إلى الموضوع الرئيسي.

「ربما أسأل فريميا لاحقًا. عموما، ما الذي أخّرها؟」

ذلك الشاب الجانح كان صبيًا يأوي قطة ضالة في يومٍ ماطر، لذلك كان لديه صديقةٌ صغيرة في هذه المنطقة. في الواقع، السبب الوحيد لوجوده هنا كان لإحضار زجاجة مشروب ذهبي فوّار مكتوب عليه بوضوح "غير كحولي" (وكان أغلى من البيرة غير الكحولية) لصديقته فريميا سَيْفلن، حيث رفض البائع بيعها لتلميذة مثلها في الابتدائية. أراد إيصال هذا العنصر الاحتفالي للفتاة المتجهمة حتى يرتاح من عمله. وليس أنه كان مهتمًا بروح الكرسماس. كلا، إنما أراد فقط أن يقضي وقته مع عشيقته بعدة طرق وهي تجلس بلا حراك في الكوتاتسو. والأسلوب التقليدي أن يحتضنها من الخلف متاحٌ دائمًا، لكنه فكر أيضًا في أن يتحول إلى طور الغواصة بأن يدخل رأسه من الجانب الآخر للكوتاتسو!!

لكن فتاة الفستان الأبيض المحبوك الواقفة جوار هامازورا تنهدت وهي تبدو أكثر ضِيقًا منه. لم يكن ذكيًا كفاية لأن يعرف ما تفكر فيه الفتاة من مجرد نظرة، لكنه خَمَّن أنها وجدت دوناتها فائقة الحلاوة (والمُعدة خصيصًا للعديد من تلاميذ المرحلة الابتدائية في المنطقة 13) أكثر حلاوة مما تستطيع.

كان اسمها كينوهاتا ساياي.

كانت إسبرةً من المستوى الرابع وكانت في الجانب المظلم من مدينة الأكاديمية أقدم منه.

نظر نظرة سريعة على ساقيها العاريتين الممتدتين من أسفل فستانها القصير.

「هل صار الناس مهووسين بكشف البشرة على أنها دليل للصحة وأنا لا أدري؟ صارت هَبّة؟؟」

「ما بالك تنظر وأنت ترمي علي هذه التخيلات الأسطورية؟ تابع النظر وسأجعلك تدفع الثمن حرفيا. وقبلما تبدأ تطرح أفكار سخيفة مثل حمام شمس عاري في هواء ديسمبر البارد، لما لا تفكر ولو شوي في كيف ستؤثر هذه الأسئلة على حياتك، ها يا هامازورا؟ صح أنها قالت "لا أمانع"، لكني أحس أن بنت البدلة الرياضية البلاتعبيرات ذيك ستغار غيرة ما وراها غيرة」

「اعع~~」

「إن كان هذا كل ما عندك، فإحساسك الباقي حَيل شحيح. [1] إن كان ودّك تستمتع بنزاعات الأحبة هذه في عطلة العُشاق، فهذا شأنك، ولكن يا ويلك تجرني معك. ما هي بمسألة مستويات—تاكيتسوبو-سان ببساطة محال أن تتنبئ بها وهي غاضبة」

بدت كينوهاتا مرتاحة البال غير مكترثة، لكنها في الواقع كانت تراقب النوافذ والأعمدة الفولاذية حولها. ليس من قلقها بشأن شعرها أو ملابسها، بل كان أسلوبًا احترافيًا تراقب فيه النقاط العمياء دون الحاجة إلى تحريك رأسها أو عينيها كثيرًا.

كان الحذر واجبًا في تلك اللحظة.

فعلى ما يبدو، كان الجانب المظلم قد تعرض لصدمةٍ قويةٍ في الصميم.

(الآن، هل ستنجح تلك التنظيفات نهاية العام؟ طالما هناك طرق غير شرعية للربح، سيظهر الظلام دائمًا. الناس يحبون التسعير على كل شيء، وستبدأ الدورة السلبية من جديد ما إن يحتاج الناس التمويل ليهربوا ومخابئ ليحتموا من الفوضى اللاحقة. قد يهتف الأثرياء بالعدالة عبر مكبرات الصوت كما يشاؤون، لكن السوق السوداء لن تختفي طالما كان الناس بحاجة إليها للبقاء أحياء).

「مم」

أخذت الفتاة الصغيرة بلسانها الصغير تلعق الحليب الساقط على إبهامها أثناء حملها مخروط بسكويت الشوكولاتة. يبدو أن هناك لعبة واقعٍ معزز (AR) كانت تقيم حدثًا خاصًا بالكرسماس؛ لأن الأطفال كانوا متجمعين حول مناطق تبدو فارغة وهم يحملون هواتفهم مما جعل من المشهد يبدو كطقوس غريبة. لكن تلك الفتاة الصغيرة لم تُبدي أي اهتمام بمشاركتهم (ولا حتى طلاب الجامعة أولئك من كانوا يقلدون الأطفال)، بل كانت تحدق فيهم بعينين خاويتين.

「أحببت هذه المدينة،」 قالت من قريب. 「الجميع عنده طعام يأكلونه وغرفة دافئة يرجعون إليها، ولهم أن يستمتعوا بهذه الليلة المقدسة ويعتبرونها مشهدًا جميل. الناس هنا لهم عيشةٌ طيّبة. رغم أن المدينة الشتوية كانت يومًا رمزًا للخوف؛ أشد رعبًا من الجثث، حيث كان البرد القاسي والرهيب يتسلل عبر الثلوج ليصل إلى كل زاوية وركن سواء في الداخل أو الخارج. فقط انظر إلى الجوع في قصة القديس نيكولاس أو البرد القارس في قصة فتاة الكبريت الصغيرة」

「......كما تقولين」

كثيرٌ من الأطفال في مثل عمرها يحبون الكلام. فهل قرأت مؤخرًا مجموعة من القصص الخيالية القاسية أو كتابًا عن كسب المال من خلال تدمير أحلام الناس؟

تابعت دون أن تكترث لنظرات الآخرين.

「لذا آسفة على كلامي لكن هذه المدينة ستعود قريبًا إلى شتاءٍ مميتٍ حقيقي. عندما تنتهي من يومٍ سيئ، قد ترغب في نومٍ يَحمل عنك آلام اليوم ويَحمل لك آمال الغد، لكن هناك أوقات ربما لن تستيقظ فيها للصباح التالي. الناس يموتون بسهولة. لكن هكذا حال البشر، ولا ذنب لك」

「.......؟」

غريب.

بدأت الفتاة الصغيرة تهمهم ومعها الهاتف.

「همْ همهم، همْ همهم، همْ همْ همممۤ. طيّب، طيّب. يبدو أن كل الناس في كل البقاع الذين جعلتهم يعيدون كتابة الأوراق لإخفاء شركتي الوهمية عن الأنظار قد ماتوا الآن」

وكأنك انحنيت لتشم زهرةً جميلة فتجد نوعًا جديدًا غريبًا من السعاريف أمام وجهك تحدّق.

لم يستطع قراءة المشاعر في عيني الفتاة الصغيرة.

كان هناك شيء كثيف يكمن في الأعماق.

شقّت ابتسامة على شكل هلال وجهها بينما رفعت رأسها عن الشاشة.

「كيف حال تاكيتسوبو ريكو؟」

「م-ماذا؟ ما الذي تقولينه؟」

「أعتذر، أعتذر حقًا. فذلك خطئي من الأساس. ليس وأنني أتوقع منك أن تفهم حتى لو ذكرتُ اسم المحتالة السيدة حوروس. ولأنني لا أملك طريقة لأثبت بها ما حدث بشكلٍ موضوعي، فمن واجبي أن أتحمل غضبك وكُرهك」

اندفع اسمٌ إلى ذهن هامازورا شياغي.

نعم، لم يعرف سوى اسمها.

تلك الشخصية التي أغرت عشيقته بكلماتٍ معسولة، وسيطرت على جسدها، واستخدمتها كأداة سهلٌ التخلص منها. كان يعرف القليل جدًا عن ذلك العدو المقيت.

「آنّا..」

أخيرا، وجد الشاب الجانح العادي عدوّه.

وجد تلك الشخصية الغامضة التي توارت في أعماق الجانب السحري، وربما كانت أكثر خفاءً حتى من آلهة السحر.

فهل يمكن أن تكون هي حقًا؟

「آنا سبرنجل!!!؟؟؟」

الشخصية الغريبة التي اتخذت شكل فتاةٍ صغيرة لم تعد تنظر إليه حتى.

كانت تمسك بقطعة القماش الرقيقة في يد ومخروط الآيس كريم في اليد الأخرى.

وبيديها مشغولتين، استدارت لتنظر في اتجاه مختلف تمامًا.


「وأعتذر لك مجددًا. إن كنتُ أود أن أستمتع وأمرح، فَلهُم الأولوية」


طرقق!! صدى صوتٌ معدني ثقيل أرجاء المكان عندما هبطت فتاتان على سقف ممر الآركيد القريب المكسو بالثلج.

نجمة وملكة توكيواداي قد نزلتا من السماء.

  • الجزء 2

لم يترددن في الهجوم.

انتشرت المعادن السوداء على ظهر ميساكا ميكوتو كأجنحةٍ شيطانية. ضمّت مجموعة من الأسلحة الثقيلة: مدفعٌ رشاش ومنشارٌ كهربائي ومدفعٌ ذو سبطانة ملساء ونصلٌ قاطعٌ حراري وقاذف صواريخ متعدد ومثقابٌ كبير ومدفع بلازما وغيرهم من المعدات الهائلة الكثير، وكلها اتصلت بقاعدة صاروخَين توأمين.

A.A.A.

أنتي-أرت-أتاتشمنت، أو كما عُرف بالبدلة المضادة للسحر. ذلك الجهاز كان صندوقا أسود غامض حتى #3 نفسها لم تكن تعرف غرضه الأساسي.

ولكن هذا وحده لم يكن كافيًا لتفسير ما يحدث الآن.

في حين أن ميكوتو يمكنها التحليق في السماء بفضل هذه المعدات الخاصة، فإن شوكُهو ميساكي —المصنفة الخامسة بين المستوى 5— لم يكن من المفترض أن تكون قادرة على تحقيق مثل هذا الإنجاز البدني. ومع هذا كانت تواكب تحركات ميكوتو المجهزة بالكامل، وتقفز بسرعة من أسطح المباني إلى سقف الأركيد المكسو العتيق (والذي بدا قديمًا بفضل الطلاء المحترف "المتسخ" المستخدم عادة لنماذج السفن الحربية).

كيف تمكنت من ذلك؟

الإجابة واضحة:

「........أعلم أن هذا الجهاز من أحدث التقنيات، لكن أما وجدتِ شيئًا أدفئ لهذا الوقت من العام؟」

「آههه، برررد، بررردد. اذهبي واشكي لبديلتي، ميتسواري آيو!」

هناك فتاةٌ أخرى امتلكت قوةً نفسية مشابهةً للّتي عند شوكُهو ميساكي. ولقد استخدمت عدة أنواع من الدعم الميكانيكي لتعوّض نقصها الإسبري حتى استطاعت أن تغلب خامسة المستوى 5.

تضمنت تلك المعدات [نظام الفايف أوفر OS] و[الفايف أوفر] نفسه.

كلاهما عُرِفا بـ [نموذج: مِنتل آوت].

للتحكم في هذا الجهاز الغريب، الذي حاول إعادة إنتاج قدرات #5 ميكانيكيًا، لبست ميتسواري آيو بدلةً خاصة.

ولكن...

「برر، بررر، بررردد」

「بلبس السباحة—هَهَه—وبرجلَين مشكوفتَين—آه هَهَهَه!—وفي برد ديسمبر—آه هَهَهَهَهَه!」

「آه اخرسي!! لماذا اخترتِ هذا التصميم الكريه لهذا الموسم والمكان يا ميتسواري-سااان~!؟」

「وبملابس ضيقةُ الضيق—بففف آهَهَهَهَهَه! شوفي، كأن فرجك انتفخ من ضيق تلك المنطقة」

「لا ما انتفخ!! لا أصدق تِلْكَ الفتاة! هل دفعها شعور العزلة لأن تصير منحرفةً مستعرضة أم ماذا؟!」

كانت شوكُهو تُمسك بجسدها تواجه البرد، لكنها كانت تصرخ بيأسٍ مع ارتفاع حرارة جسدها أعلى من غيرها هنا. بدا أن الخجل والحرج كان أدفئ للإنسان من معاطف الفرو والأوشحة.

رغم تصميمها المجنون الأشبه بدروع على شكل بيكيني، كانت القدرات الدفاعية لتلك المعدات حقيقيةً قوية.

وعدوهما الذي كان عليهما هزيمته على الفور كان يقف أمامهما.

(لا تبدو لي أنها تُخفي حاويةً زجاجية أو أي حَبّاتٍ أخرى.)

أساسًا، ما كانت تلبس إلا قطعة قماش رقيقة بالكاد غطتها. فكان من المستبعد أن تخفي أي شيء تحت ذلك، لكن هل يعني هذا أنها بلا وسيلة للدفاع ضد الميكروبات الخاصة التي لن تستطيع حتى المدينة الأكاديمية علاجها؟

أم تُرى عندها أجسامٌ مضادة تحميها داخل جسدها؟

سواء كان لتفتيش ممتلكاتها أو لإجراء عليها الفحوصات في المستشفى، كان أفضل قولٌ لهما في التعامل معها هي بإفقادها الوعي والقبض عليها.

「حسنٌ،」 قالت الفتاة الصغيرة شبه العارية التي تدعى آنا سبرنجل. 「لقد منحتكم وقتا كثير، لذا سأفترض أنّهُ لم ينتشر في كامل جسده بعد. ولكني أراكم تجعلونني أنتظر أكثر، فلمَ لا أسرّع الأحداث قليلا؟」

ميساكا ميكوتو قد رأت آنّا البارحة واليوم الذي سبقه. لم تلاحظ وقتها، لكن كان هناك اختلاف واضح بينها وبين بقية الأطفال الذين انشغلوا بهواتفهم يطاردون الشخصية محدودة الإصدار: الشيطانة الآلية ماما نويل (وهي بطلة خارقة مفرطة القوة دمّرت ثلاثة عوالم أخرى قبل أن تصل إلى الأرض وهي في الحقيقة وحيدة فقط). في الفتاة شيءٌ خفي يُحيطها، الظلال في عينيها، والابتسامة التي ترتسم على شفتيها. شيء ما جلب في نفس غرابةً ويُشعرها أنها أقدم بكثير من ميكوتو وشوكُهو. لم تستطع ميكوتو التخلص من احساس أنها تنظر إلى صورة شبحٍ مزيفة رخيصة أو مثل هذا.

كانت الفتاة تمسك مخروط الآيس كريم مثل الميكروفون، لكنها ألقت ما تبقى منه بلا اكتراث خلف ظهرها. وبينما طار في الهواء وسقط خلفها، شكّلت شفاهها الحلوة كلمة واحدة:


「حَـٰضِنَةٌ」 [2]


طااا!! ملأ المكان موجةٌ من الصدمة أشبه بانفجار.

طارت الطاولات والكراسي أمام المتاجر بعيدًا، وسقطت زينة شجرة الكرسماس ورجل الثلج، وأُلقي بالناس المارة بلا رحمة على الأرض. تحطمت نوافذ المحلات وحتى السقف الشفاف للأركيد المغطى بالثلج.

「ميساكا-سااان!!」

「أعلم!!」

إذا استخدمت ميكوتو مغناطيسيتها في المعادن وسيطرت شوكُهو على الأطفال والعاملين فاقدي الوعي، فقد يمنعان شظايا الزجاج الثلجي من تمزيق جلود الناس العُزل السائرين أدناه.

بقيت ميساكا ميكوتو معلقة في مكانها بمعداتها، بينما قفزت شوكُهو ميساكي إلى الأرض بعد أن انهار موطئ قدمها.

فقدت منطقة التسوق حمايتها الشفافة مما أدخل الرياح والثلوج.

وذلك أكثر من كافي أن يُجمد الناس المغشيين حتى الموت.

「لا بد أن نغير المكان!!」

「وتحسبينها تسمح لنا؟ سأستخدم مِنتل آوت لأُحرّك هؤلاء الناس بعيدًا، لذا اكسبي لي وقتا حتى أتم!!」

(ما الذي كان ذلك الشيء أصلاً؟)

كانت ميكوتو مصدومةً مذهولة.

ما الذي تسبب في تلك الموجة الصادمة؟

وما ذلك الجُرم العملاق الذي ظهر خلف الفتاة الصغيرة؟

كان الجسم المعدني أكثر من مترين ارتفاعًا، مما جعله أطول من آنّا نفسها. كان يشع بضوء فضي باهت ويحوم في الهواء الفارغ.

هل تسبب ظهوره في شق الهواء؟

هذا يعني أنه يعمل بطريقة مختلفة تمامًا عن الانتقال الآني لـشيراي كُروكو. انتقال تلك الفتاة لم يكن له مثل هذا التأثير العنيف.

لقد تسبب في هذا الضرر الكبير بمجرد ظهوره.

ما كان لميكوتو أدنى فكرة عن ماهيته، لكنها تعلم أن فيه تهديدٌ عظيم.

(كيف خزنت هذا؟ إذا كانت تخزن اللقاح أو الترياق أو غيرها من وسائل الدفاع الأخرى بالطريقة ذاتها، فهل يقدر أحدٌ آخر غيرها على إخراجها؟!)

عضت ميكوتو شفتها وأخرجت عُملة أركيد نقدية.

وضعت العملة المعدنية على إبهامها وهي تحافظ على تموضعها في الهواء، لكن حركتها توقفت فجأة.

كانت الفتاة الصغيرة تشير إلى وسط صدرها بإبهامها مُرحِّبةً متحدية.

「ارميني بأفضل ما عندك」

「..........」

「تلك "القوة" قد صُدَّت مسبقًا بجزء ضئيل مما توفّره شركتنا خفيانية R&C لأي شخص حول العالم، فهل تحسبين حقًا أنه يؤذيني؟」

「ء، إيه!!」

فعلت ميكوتو.

اهتز الهواء بانفجار مدوٍ، وحرق شعاع من الضوء الفراغ، لكن خط الدمار المستقيم لم يكن هو الـريلغن الذي يقذف المعدن بثلاثة أضعاف سرعة الصوت.

بل كان رمحًا من البرق.

خشيت ميكوتو أن تواجه ذلك الصد مرة أخرى. ومع ذلك، هذا الرمح البرقي كان مُعززًا بالـA.A.A. . كان من السهل أن يخترق بدلات المطاط المستخدمة من قبل العمال في أبراج نقل الكهرباء، وربما يتسبب فورًا في توقف قلب أي إنسانٍ عادي يصيبه.

لكن.....


「جبانة」


سمعت كلمةً ملأها احتقارٌ وشفقة.

لم تتحرك آنا سبرنجل ولو خطوة رغم أنها كانت محاطة بالغبار المشحون كهربائيا. كما أن الكرة المعدنية بقيت ثابتة في مكانها.

(ما.....حدث؟)

هبطت ميكوتو من السقف المحطم للأركيد إلى الأرض. بدت بائسة، لكن آنا بدت معجبة.

「أوه، لم تقعي فيها؟」

「......」

「تمامًا كالسابق، لربما انتهى الأمر تمامًا لو لم تري ذلك. فهل يا ترى استخدمتِ المغناطيسية الأرضية؟ أم ربما الاهتزازات الدقيقة غير القابلة للكشف في الصفائح؟ بصراحة أعجبتِني قليل. فحتى الجانب العلمي قادر على اكتشاف تلك الألغام الأرضية التي تُصنع بتشوهات خطوط لاي الأرضية」

ضحكت آنا وأشارت بإبهامها إلى خلفها فوق كتفها.

وهي تتفاخر بالجُرم المعدني هناك.

「أيا قشرةً بلا-روح. ويا بيضة الفيلسوف ويا تابوت الشَفَاف. اسمعوني، تعويذةً لا تشرد أبدا ومستورةٌ حتى في اللوحات والموسيقى. لا أسعى لحجر أحمر، فأظهروا لي نتيجةً ذميمةً مشوهة. فحتى تبقى القذارة قذارة، سَلّيني بخفاءٍ لا أعرفه ولا أُقَدّر」

أوكانت تلك عجلة سفينة عملاق في الوسط تمامًا؟

أمسكت الفتاة الصغيرة بها بيدها الصغيرة وأدارتها بكل بساطة. أصدر صوت طحن مستمر وكأن العديد من التروس الثقيلة تتحرك معه. ظهرت عدة شقوق على الكرة، وانفتحت بطريقة أكثر تعقيدًا من خزنة بنك.

(تباً، أذلك هو الهجوم الفعلي؟!)

لا بد أن في داخلها شيءٌ لا يصدق.

كان الختم يُفتح.

ولا داعي أن تنتظر. علمت ميكوتو أنها يجب أن تنهي الأمر قبل أن تظهر محتويات الجُرم الكروي، لذا وعلى الفور جهّزت المعدات المتقدمة التي ترتديها.

لكنها كانت أبطئ للحظةٍ فقط.

وكأن التوقيت قد حُسب بدقة مسبقًا ليعمل هكذا.

وسط قعقعة عالية خاصة، ظهر [الشيء].


كان، غصن شجرة عادي تمامًا.


تجمد عقل ميكوتو.

بصراحة، لم تعرف ما يعنيه هذا.

تفرّع الغصن عدة مرات ليتخذ شكل يد كبيرة. لم يكن أسْمَكَ من خنصر المرء. وفيه يحمل بعض الأوراق الخضراء الصلبة المبعثرة، لكن ميكوتو لم تستطع تحديد نوع الشجرة التي جاء منها.

حبست أنفاسها، لكن لسبب ما، بدت آنا سبرنجل منزعجة ونفخت وجنتيها من الداخل. أطلقت أنفاسها ببطء، ليتحول ذلك إلى تنهدٍ واضح.

「ويلٌ لهذا، فشل آخر」

「حقًا......!!!؟؟؟」

لم تنتظر لحظةً أطول.

هل يمكن أن آنّا قد أصابت ذلك الأحمق بشيءٍ لا أهمية له لدرجة أنها تركت الأمر للصدفة؟

وفي عشية الكرسماس من بين كل الليالي؟

كل الأسلحة التي شكلت الأجنحة الشيطانية توجهت نحو آنا سبرنجل. كانت جميعها قوية كفاية لأن تغرق سفينة حربية، لكن ميكوتو تجاوزت مرحلة القلق بشأن مدى قوة خصمها.

ولكن.

كان تعليق آنا التالي مليئًا بلامبالاةٍ تامة.

「الفوز بهذا وحده لسهلٌ لدرجة الممل」

شعرت ميكوتو وكأن الريح صدمت جانب وجهها.

لكن في الواقع، تمزقت نصف الأجنحة الشيطانية للـA.A.A. من الجهة اليمنى كما لو كانت مصنوعة من ورق مبلل.

الستار الأبيض للثلج المتطاير انقشع بعد لحظة قصيرة.

ما زالت المسافة بينهما كبيرة.

الفتاة الصغيرة التي لم يُغطي جسدها سوى بطانية رقيقة حركت الغصن بخفة ذراعها.

「ما؟!」

لكن من المبكر كثيرا أن تتفاجئ.

انفجرت محركات الصواريخ المزدوجة واشتعل الوقود الخاص المتسرب منها. وكان شكل الـ#3 ميكوتو قد ابتلعه وميضٌ من ضوءٍ ساطع كالشمس.

「مي—」

كان الانفجار كبيرًا للغاية لدرجة أنه ما كان بممكنٍ أن يُسببه بنزينٌ عادي.

「ميساكا-ساااان!؟」

حتى صرخة شوكُهو اختفت وسط الضوضاء.

ما كان لأحد أن يسمعها، لكن آنا همست بنبرةٍ غَنّائة.

أو ربما لم تكن تركز على "عدوها" أساسًا.

「أقْدَمُ السياط في العالم قيل إنها صُنعت من غصن شجرة رقيقة، وليس من الجلد أو الحبال」

دوّرت الغصن حتى استقر على كتفها العاري.

كان هذا مثل قيام ميكوتو بقذف قطعة نقدية بسرعةٍ تفوق الصوت ثلاث مرات.

في يد إنسانٍ خارق حقيقي ينظر للأمور من زاوية مختلفة، يمكن حتى لغصن شجرة بسيط أن يحقق نتائج مذهلة بهذا الشكل.

「كانت أولى المقذوفات حجارة، وأولى الشاشات الدخانية أعشابًا مجففة، وأولى الأسلحة البيولوجية جثثًا، أما أولى الشفرات فكانت... في الواقع، لست متأكدةً إن كانت من حجرٍ أم عظام. التاريخ والتقاليد تجدها في كل بقاع العالم. ويمكن أن تُستخرج جوهرها من أي شيء. فإذا بذلت الجهد—」

「مهلا، الجوهر؟ عن ماذا تتحدثـ—」

「بما حسبتني كنت أشرحه لتوّي أيتها الرعغغد! كهوفند—آآآااهه—هينغظك!؟」

فجأة، طرأ تغيير على آنّا.

تحركت بينما كانت شوكُهو متجمدة في مكانها عاجزةً عن الحركة.

ذلك الغصن النحيل بَدَا جدًا رخيص، ومع ذلك استطاع أن يقضي على المصنفة الثالثة بانفجار ضخم لربما قتلها أو لا. إذا وصلت الإبرة إلى نهاية المقياس، ستُقتل عبثا. بلا أدنى كرامة. شوكُهو ميساكي كانت متقنة لكل شيء يتعلق بالعقل البشري، لذا لم تحتج أن تنظر في المرآة لتعرف أي تعبير عَبّرت. كان هذا تعبير من سحب بطاقة خطأ.

وفي المقابل، أفعال آنا كانت أوضح وأجلى. لم تكن تلك هجمات تهدف للقتل.

ركلت الماسكوت (الشخصية التميمة) الواقفة أمام مخبز قريب وأسقطت الغصن عليه. لم تتوقف حتى بعد أن مزقت رأسه.

كان هذا مرعبًا بطريقة مختلفة تمامًا عن رؤية سلاح بسيط أو جيش.

كان الأمر أشبه برؤية الطالبة المثالية المجتهدة وهي تمارس عنفا تنمري.

「كنتم يا أيها الناس دائمًا ما تفعلون هذا! دائمًا، دائمًا، دائمًا، دائمًا!! أعلمكم كل الأمور الصحيحة منذ البداية، ورغم ذلك تقولون أنها مرهقة للغاية! فتسلكون أقصر الطرق وتحاولون أن تستمتعوا بإحساس الإتقان دون بذل وقتٍ أو جهدٍ حقيقي!! وإن أوداكم ذلك إلى فشلٍ حتمي، فذلك يكون خطئي؟ أنتم لا تفهمون—تغك—ما تفعلونه، ولكنكم مع ذلك ترون في أنفسكم أهلاً لانتقادي؟ جديًا تحسبون؟! جديًا بحقٍّ—كعع—تحسبون؟! لا! تشككوا! بي!! ~~~تنشسوهغلف~~~! آآآغغه، هناك غرض وراء كل خطوة، لذا تعلموا كل شيء بالترتيب!! لا تحاولوا أن تفهموه بأنفسكم! لا تفترضوا أنكم تستطيعون—نتد—العثور على الإجابة بأنفسكم!! إذا فعلتم فقط ما أطلبه منكم، فلكم أن تجدوا الإجابات وستفهمون كل شيء، يا ببفدهكتوه!!!!!!」

ذلك قد تمزق إلى أشلاء.

ما كان في السابق جذعًا أصبح الآن مجرد كتل بلاستيكية متناثرة.

لكن الوحش لابد أنه لاحظ عيون الفتاة الشقراء المذهولة تنظر إليه.

「اهفف.」

رفعت نظرها من رأس الماسكوت المقطوع، وضمت يديها مع الغصن الغامض في إحداهما، وابتسمت ابتسامة مشرقة.

فتحدثت بلسان بالغةٍ واثقة بدت أغرب على جسد بنتٍ صغيرة.

「آه، آسفة على هذا. لكنني الآن سأشرح لكِ كل شيء」

「........」

كانت شوكُهو تُغوى بحديثها.

على أنها تعلم أن هذه إشارة سيئة.

الفتاة #5 كانت شبه لا تُقهر.

فهي صاحبة أقوى قدرة نفسية. ربما تواجه صعوبة في غابة مجهولة أو وسط صحراء، لكنها لا تُمَس في مدينة كبيرة مليئة بالناس. ومع ذلك، هناك بعض الذين كانت تفضل ألّا تتورط معهم حتى في تلك الظروف.

على سبيل المثال، المصنف الأول الذي يربط كل شيء بالعنف، أو المصنف الثاني الذي لم يعد فردًا واحدًا بل انقسم إلى درجة جعلت من غير الواضح ما إذا كانت الإرادة الكلية لـ"كاكيني تيتوكو" ستلتزم بوعدٍ حتى لو تفاوضت مع كل فرع فرد منه وحصلت على موافقتهم جميعا. كان مثل هذين الوحشين قادرين على تدمير جماعة كبيرة بمفردهم.

وهذه الفتاة مثلهم.

التلاعب بالعقول لم يكفي حتى يهدئ لها بال أمامها.

「نعم، أين كنت؟ كنتِ تسمعين، فلا شك أنك تعلمين، لا؟」

「ش، شيءٌ عن الاحترام والتبجيل....」

「آه، نعم! أولئك من يسعون وراء دم ابن الإله أو لفائف البردي القديمة ما هم إلا فاشلون صغار يبحثون فقط عن هيبة صورية. كنتِ تستمعين؟ شاطرة يا بنت☆」

الفتاة (التي بدت على الأقل صغيرة في السن) ضحكت ونفت كل ما كان أمامها.

نعم، الإصغاء إليها، اتباع قواعدها، وكسب رضاها لم يكن ضمانًا للبقاء حيا.

أساسا، كانوا بالفعل في خضم قتال.

「وحتى لقب المستوى الخامس هنا في مدينة الأكاديمية لا يختلف.」

  • الجزء 3

ارتعشت شوكُهو ميساكي.

قفزت بسرعة لتختبئ خلف غطاء وكأن لعنةً شلّت حركتها قد رُفِعت عنها توّاً. قد شكّت في أن الحاجز الخرساني الذي لا يتجاوز ارتفاعه مستوى الورك —والذي يفصل الطريق عن مساحة المقهى— قد يصد هجوم آنا، لكنها لم ترغب في البقاء واقفة في العراء.

فلقد هُزمت #3 المدينة الأكاديمية في القتال من أول حركة.

لكن أكثر مما فعلته آنا، فإن ميكوتو قد وقعت ضحية انفجار معداتها نفسها، وتلاشت وسط وميض ساطع من الضوء. لم تستطع شوكُهو أن تركز وتستنج فيما حدث لها. إذا لم تستطع الفتاة الأخرى القتال بعد الآن، فهذا هو الأمر. وأنّ إسبرة نفسية مثل شوكُهو ما عساها أن تمد يدها إلى وقودٍ صاروخي مشتعل فتسحب منه جسد إنسان يحترق.

حتى من هنا، شعرت بالحرارة وكأنها إبر رفيعة تنغرس في جسدها.

لكنها لم تشعر بأي دفء ناتج عن ذلك. ظل برد ديسمبر حاضرًا، واستمرت الثلوج تلسع جسدها، وكانت تلك الحرارة الزائدة تسبب أضرارًا إضافية لبشرة الفتاة الشقراء العسلية.

على أقل الأقل، لم تنتشر النيران إلى المحال التجارية في هذا الحي التجاري (الذي يبدو) قديم.

(بصراحة إني مندهشة لشعوري بالخيانة. على أنني أكره الاعتراف، لكن يبدو أنني كنت أعتمد على ميساكا-سان أكثر مما تتصور.)

ولكنها لا تزال عاجزة عن الهروب.

ذلك الفتى لن يصمد طويلًا إذا لم تُهزم آنا هنا. وكانت شوكُهو هي من في ورطة إذا ضيّع كلا الجانبين أثر الآخر فتفرقوا في المدينة.

مدت يدها بقوة وهي تربض بركبتيها مثنيتين تُحاول أن تمسك سلسلة شنطتها الممتلئة بالريموتات. بطريقة ما، تمكنت من سحبها إليها.

سمعت صوتًا يشبه شد المطاط السميك أو الجلد. الصوت صَدَرَ مِن ما بين ساقي بدلتها حينما مدّت نفسها للوصول إلى الشنطة فوضعت نوعًا من الضغط عليها.

توقفت عندما انجذبت أفكارها إلى ذلك الجزء من جسدها. لم تفكر كثيرًا في هذا الأمر قبلاً، لكن الآن ما عادت تقدر على التجاهل. أفهل كان غريبا عليها أن تفكر في مثل هذه الظروف؟ نعم، لعلها كانت تشتت نفسها عن المصيبة التي تعيشها.

كلمات ميكوتو المزعجة صدت في ذهنها.

(ما هو بمنتفخ، صح؟)

نظرت أسفلها وهي رابضة، لكنها لم تستطع التأكد من تلك الزاوية. كانت تعرف أنه ليس بوقته. تدرك حقًا. لكن هناك أمور لا بد أن تتحقق منها الفتاة. عضت شفتها السفلى وسحبت أداة محظورة: مِرآة.

(هممم؟)

كانت الملكة تتلوى خلف غطاءٍ وهي تحمل مِرآة صغيرة توجهها لمكانٍ خاص جدًا، لكن....

「هَيه.」

「هوووويياااااهه!!!؟؟」

「؟」

قفزت #5 الملكة حرفيًا عندما سمعت صوتًا عاديًا من خلف الحاجز الخرساني.

كانت آنا سبرنجل، بنظرتها المعتادة التي توحي بأنها تعرف كل شيء، تقف هناك مُمَيّلةً رأسها بفضول.

لكن المِرآة لم تكن هي المشكلة الحقيقية هنا. بل الأشياء الأخرى في الشنطة: الريموتات العديدة.

كانت حياة شوكُهو مهددة بالفعل بفضل هجمات العدو وانفجار حليفها وتلاشيه، لكنها مع ذلك سحبت ريموت تلفاز من شنطتها المعلقة على كتفها. كان هذا العنصر مفتاح قوة خامسة المدينة الأكاديمية، مِنتل آوت.

كانت قوتها متعددة الاستخدامات لدرجة أنها واجهت صعوبة في استخدامها بشكلٍ صحيح دون تقسيمها إلى فئات وتنظيمها.

حالما وَجّهت الريموت وضغطت الزر بإبهامها، اهتز رأس آنا سبرنجل بطريقة غير طبيعية، وكأنه ضُرب بمضرب لا يُرى من الجانب.

لكن....

「هذا لن يجدي معي.」

「إببه!؟」

(تعافت؟! لا، بل لم يفلح!!)

كان هذا أسوأ من أن تتولى المصنف #1 أو #2، رغم أنها تستطيع أن تسيطر عليهما ولكن كان عليها أن تبقى حذرة منهما.

لم تتوقع أبدًا أن قوتها لن تعمل على أحد. وليس لأنهم منعوها وصدّوها بالقوة مثلما تفعل ميساكا ميكوتو.

「لقد أخطأتِ في افتراضك أن القدرة الخارقة على التحكم في الناس تسمح لكِ بفهم بِنيَتي العقلية والسيطرة عليها. لو آملتِ أن تفهمي عقل آنا سبرنجل، فدرّبي نفسكِ أولاً لدرجة تُسيطري على ملاكٍ كامل.」

مِنتل آوت لم تعمل.

قوة شوكُهو قوية، لكنها لا تعمل على القطط أو الكلاب.

وإذا كانت قوتها النفسية لا تعمل على العدو، فإن خيارها الوحيد الباقي هو أن تستخدمها على الآخرين لتكسب بيادق أكثر. لكن ذلك يعني أن ترسل أبرياءً ليُقتلوا على يدي آنا. وهذا سيترك أثرًا مريرًا في نفسها.

في الواقع، لا أحد يستطيع الصمود أمام هذه الفتاة.

حتى ذاك قد هُزم بقُبلةٍ واحدةٍ هجومية.

لهذا السبب لم تحضر شوكُهو معها أي طالبة بقوة مفيدة رغم أنها ملكة أكبر زمرةٍ في توكيواداي. ما عاد الأمر يتعلق بالمنطق. فها هي أسطورة تنهار. حتى شوكُهو ميساكي نفسها لم تكن مستعدة لتحمل عبء حياة فردٍ آخر إن كان في مواجهة آنّا.

(بالمناسبة، ماذا تفعل خاوية العقل تلك الآن؟ بسقوط أمازونيتنا المقاتلة، حتى إبعاد الناس العاديين عن الخطر بات أمرًا صعب!)

كان عليها أن تفعل هذا جسديا دون المِنتل آوت. كانت ترتدي المعدات الخاصة المرتبطة [بالفايف أوفر]، لكن القدرات الجسدية العامة التي تمنحها الآلة لها لن تكفيها لتفوق ميكوتو قوةً.

(ومما يقلقني أن ميتسواري-سان لم تُزِل مُحددات هذه البدلة خلال تلك المعركة. ألعاب الجانب المظلم لا تتبع معايير السلامة، لذا آمل ألا أجد مشكلة مع هذا الشيء.)

مع هزيمة #3 في هجوم واحد، لم ترَ شوكُهو كيف تتجنب الهزيمة مهما قفزت وتحرّكت.

لذلك كان عليها أن تجد طريقة أخرى.....

أيُّ طريقة أخرى؟!!

「إذن، أيُّها ستكون هذه المرة يا ترى؟」

سمعت شوكُهو صوت معدن ثقيل يطحن بعضه ببعض.

حتى مع تساقط الثلج عليها من سقف صالة الأركيد المكسور، ألقت آنا سبرنجل الغصن العادي جانبًا وبدأت تُدَوّر العجلة المتصلة بالكرة التي بلغ قطرها مترين.

لم يكن تحقيق نصرٍ منطقي تمامًا مصدر إلهام أو إثارة لها.

لذلك اختارت أن تضحك الآن وقد أدخلت "عشوائيةً" في المعركة مرة أخرى.

تلك الكائن الخارق التي تجاوزت حدود البشر قد وصلت إلى نقطةٍ تستمتع فيها عندما تتخلى عنها سيدة الحظ.

「لا تستسلمي، وربما تفوزين في النهاية. ولكن ليس بسبب أي شيء تفعليه—بل لأن حظي ينفد. ولكن إن لم تواصلي شراء التذاكر، فلن تربحي اليانصيب أبدًا.」

「.......ءءء!!!؟؟؟」

مع صوت مكتوم، ظهرت شبكة معقدة من الشقوق على الكرة، وفُتحت لتكشف عن...

「حبلٌ.」

أهذه هي الأداة التي ستستخدمها لتواجه واحدة من أقوى القوى في مدينة الأكاديمية؟

كانت خردة عادية تمامًا، تبدو بالية لدرجة تكاد تنقطع في أي لحظة، لكن الآنسة سبرنجل كانت تدندن بابتسامة طفلة صغيرة عادت إلى قاعدتها السرية وهي تستعرض بفخر جائزةً وجدتها على الأرض.

ولن تجد في هذا أي أسطورة.

مجرد خدعةٍ بسيطةٍ صريحة.

ومع ذلك ظلت الفتاة كما هي. الفرق بينها وبين خصمها كان ساحقًا كبيرًا. لدرجة أن آنا نفسها بدت ملولة حتى الموت.

「إذن، هاكِ سؤال: ما هو أقدم شكل لهذه الأداة في العالم؟」

  • الجزء 4

ضحكت آنا سبرنجل.

وفكرت أن تخفف عن خصمها إذا أجابت صحيحًا، لكن تلك الفتاة لم تُظهر نيّة للمحاولة. استدارت 180، ولمّا انتشرت خصلات شعرها الأشقر العسلي خلفها؛ بدأ ماراثونها بأقصى سرعة. 

(إيه، التخفيف عنها يعني فقط موتًا بطيئًا وأكثر ألمًا بدل موت فوري يخلو منه الألم).

ما بدا على الفتاة محاولة هربٍ فعلية.

أكان هذا تراجعًا مؤقتًا لتختبئ فتهجم هجوما مفاجئا لاحقًا؟

(أعجبني كيف أنها على استعداد أن تخاطر بحياتها من أجل ترياق قد لا يكون موجودًا من الأساس).

「أنتِ معتادة على العمل خلف الكواليس، أليس كذلك؟ أفهل اعتدتِ أن تأمري الآخرين أن يرهقوا أعداءك بينما ترتاحين في موقع آمن؟ أم أنكِ في الواقع خائفة من أن تُعرّضي هؤلاء الأطفال للخطر؟ هَهَهَه. هذه ثقافة المدرسة، ولا؟ كلكم أطفال، لكنكم أيها الطلاب الكبار (سينباي) تتحملون أعمالا أكثر من باقيكم.」

الفتاة التي ما بدت أكبر من عشر سنوات لم تتحرك خطوة من مكانها. ابتسامتها بقيت، ومع ذلك لم تخفي الملل على وجهها وهي تلوح بيدها الصغيرة جانبًا.

ثم أعطت الإجابة على سؤالها.

「هذه من أقدم أشكال الربط في العالم، فضلها يرجع لمصر القديمة.」

سمعوا أشياء عديدة تخترق الهواء.

ولم تهم المسافة بينهما.

بدا الحبل القديم مهترئًا يكاد ينقطع إذا حَمَلَ وزن جسدٍ ما، لكن زعيمة الروز اقتدرت أن تستخرج جوهره بلا حدود. بهذا، ستُقيّد حتى كويكبًا ساقطًا من السماء فتُبقيه ثابتًا في الهواء.

(الهرب يعني فقط أن أدوس على "لغمٍ أرضي" مشوه في خطوط الطاقة الأرضية (لاي) فتنفجر عليّ).

ولكن.....

「وَعغه!!!؟؟؟」

صرخت شوكهُو ميساكي بصوت غريب فسقطت على الأرض أمامها.

آنا سبرنجل لم تفعل لها شيئًا.

الثلوج التي تراكمت من تحطم السقف ربما جعلت من الأرض زلقة بللة.

الحبل الذي ألقته آنا أخطأ هدفه تمامًا، مرَّ مباشرة فوق رأس ملكة توكيواداي، ولُفَّ بإحكام حول أحد أعمدة السقف المقنطر. مجرد جذب خفيف بيدها الصغيرة كان كافيًا ليُحدث ضغطًا هائلًا يكسر العمود.

آنا استخدمت أقدم سوط في العالم ولغم أرضي مستمد من خطوط لاي الأرضية، ولكن خصمتها تجنبت كليهما في نفس الوقت. ولم يكن ذلك بقدراتٍ إسبرية أو التكنولوجيا خاصة من نتاج المدينة الأكاديمية. كان ذلك ببساطة بسبب افتقار الفتاة للقدرة الرياضية.

الآنسة الاسبرنجل بنفسها حدقت غير مصدقه.

صحيح أن شوكُهو ميساكي كانت ترتدي بدلة تدعم قدراتها البدنية.

ليست بدلة قوية مصممة للقتال، لكنها كانت قطعة غريبة من تكنولوجيا مدينة الأكاديمية حصلت عليها من الجانب المظلم. شوكُهو كانت قادرة على تحمل رصاصة مسدس في الجذع دون أن تترنح، وأمكنها أن ترفع سيارة عادية عن الأرض بذراعيها فقط.

لكن ذلك لا يعني أنها تغلبت على نقص قدراتها الأساسية بالمرة.

لو أنّ شوكُهو ميساكي اتبعت الحركات الصحيحة كما كُتب في الكتيبات، لقُتلت على الفور، ولبَدَتْ آنا كعادتها مَلولة. أو لو أن البدلة التي ترتديها قد حسّنت من حركاتها استنادًا إلى بيانات قتالية مأخوذة من أساتذة الفنون القتالية، لكانت آنا الآن تضحك ساخرة. ولاعتبرت أن تلك البدلة التكنولوجية المتقدمة كانت مجرد طريقة أخرى لغلب هيبة أسلافها.

ولكن هذا لم يكن ما حدث.

شوكُهو ميساكي نجت بطريقتها.

توقعات آنا فشلت. لم تتلقَّ النتيجة المتوقعة. ظهرت ثغرة أو نقطة ضعف في العالم هنا، وقد قلبت توقعات آنا الدقيقة بحركة واحدة فقط.

ربما كان شيئًا بسيطًا للغاية، ولكنه كان أيضًا جميلًا رائعًا وغير معقول......،


「آهَه☆」

تلك الحلاوة لسعت في عقلها.

كانت تعلم أن هذه إحدى عاداتها السيئة، لكنها استسلمت لها على أي حال.

وكأن عدوًا قويًّا لم يسبق له مثيل ظهر فجأة وسط مرحلةٍ متكررةٍ مملةٍ من التدريب.

تركت الحبل الذي كان من المفترض أن يكون ضربتها الأكيدة، ثم دوّرت عجلة قشرة اللا-روح مرة أخرى. مع صوت طحن آخر، الجرم الكروي العملاق انفتح تزامنا مع ظهور شقوق معقدة، ثم مدّت يدها الصغيرة بشدةٍ لتلتقط ما انبثق من الداخل.

كان وجه خصمها محمرًا من الإحراج كثيرًا وهي تحاول النهوض على قدميها وتستمر في هربها. تأرجح شعرها الأشقر الطويل من جانبٍ لجانب وهي تحاول مغادرة الأركيد.

「إهـ هِهِه، آهـ هَهَهَهَهَهَه!! يا لحظك! حظك بحقٍّ يكسر الصخر!! إيه، لا أستغرب بما أنكِ فزتِ في سباق النجاة القاسي للجينات لتولدي وإلى اليوم أمامي تقفين، لذا أرى أنكِ قد أثبتِ جدارة حظك! لـٰكِنْ—هيهي—ما حسبتُكِ أبدًا تجعليني أضحك لهذا الحد. ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه!!」

الجرم المعدني أصدر صوت طحن آخر أثناء انفتاحه. لم يعد يخفي شيئًا عن آنا.

「بفف. آهـ هَهَهَه! مضى زمنٌ منذ حصلت على شيء بهذه الندرة! هذا من القرن العشرين!!」

「خ.」

كان غصن الشجرة والحبل الضعيف مدمرين رهيبين. عبست شوكُهو وخافت مِمّا سيأتي، لكنها ذُهِلت تمامًا مما ظهر.

كانت كتلةً فضية. لم تكن أكثر من كرة بقطر 58 سنتيمترًا، لكنها بدت أثقل بكثير من البولينغ عندما سقطت على الأرض. تكسر الأسفلت تحتها. لكن الوثائق الرسمية ذكرت أن وزن كرة البولينغ قد يصل 84 كيلوجرامًا، لذا هذا متوقع. كما كانت تحتوي على أربع قضبان معدنية تمتد خلفها مثل ذيل مذنب.

بمعنى آخر...

هذا كان...

「سبوتنيك☆ هل الأقمار الصناعية أنسب لكِ يا آنسة الجانب العلمي؟」

「مهلا مهلا.......」

「الجوهر الذي يمكنني استخراجه من هذا هو أول إطلاقٍ مداري في العالم. رغم أن المسكينة الوحدانية لايكا كانت على متن ثاني مركبة سبوتنيك. الآن، آمل أن تستمتعي بموتٍ نادر الندرة كهذا!!」

في اللحظة التي رفعت فيها آنا يدها من بعيد، ارتفع شعر شوكُهو متحديًا الجاذبية. كانت قد خرجت من منطقة التسوق، مما يعني أنه لم يعد هناك سقف أركيد يحميها. فقط السماء المغطاة بالثلوج العنيفة تنتظرها أعلاها.

「آهخ يا ورطتي. أقسم أنّ قدرة هذه النكتة لا تُضحك. من جِدّها تريد أن تقذفني بعيدا بهذا؟!」

شحب وجهها وحاولت بقدر ما تستطيع أن تركض مبتعدة، لكن.....

「إييـء؟!」

التوى كاحلها الأيمن في اتجاه غريب وترنحت إلى الجانب فسقطت. ويبدو أن توقعات آنا وحساباتها لم تأخذان ذلك في الحسبان، لأن لوحة موقف الحافلة جوارها تمزقت من الأرض وقُذفت إلى السماء المكسوة بالثلج بدلاً من الفتاة. فقط السماء الزرقاء كانت بانتظارها.

「هيي هيي. حقًا إنكِ ممتعة.」

「آهخ.」

「أكثر، أكثر، أكثر، أكثر!!」

ابتهجت آنا بسوء حظها.

أخرجت الشيء التالي. كان حجرًا عاديًا بحجم قبضة اليد. لا، كان فيهِ تجويف صغير أدخلت الفتاة الصغيرة إصبعها فيه. ما التقطته لم يكن طلاءًا. كانت مادة سميكة؛ تميل للحُمرة والسواد...

「هَهَهَه، آهـ هَهَهه. أقدم أداة كتابة في العالم كانت الفحم. قبل ورق البردي أو الرق، حفظ البشر سجلاتهم بأن يمزجوا الفحم بالدم أو الشحم فيفركونه على جدران الكهوف.」

حتى أنها لعقت شفتيها وهي تهمس بالإجابة.

عبثت بالمادة على أطراف أصابعها، وحركت يدها كما لو كانت تنقش شيئًا على العالم أجمع.

「بمعنى آخر، كل كتب السحر بدأت من هنا.」

كتبت على طاولة مستديرة قريبة.

كتبت على عمود فولاذي مقاوم للصدأ قد تجنب الكسر.

كتبت على زينة رجل الثلج الموضوعة أمام متجر لبيع الآيس كريم.


وجميعها تحولت إلى كتب سحرية أصيلة تستمد طاقتها من [خطوط لاي] الأرضية للدفاع عن نفسها باستقلالية.


-كزز-، بدأت كلها تصدر أصواتًا متصدعة لمّا تحركت. تحركت أرجل الطاولة الأربع كما لو كانت حيوانًا، وانحنى العمود الفولاذي وزحف كدودة الأرض، وابتسامة رجل الثلج اكتسبت إرادةً واضحة. وكلهم "حدّقوا" باتجاه شوكُهو ميساكي التي كانت تحاول الفرار بعد أن سقطت.

「هيّا. انقضوا☆」

امتثلت تلك الأشياء لأمر آنا الكسول والملول فاندفعوا نحو الفتاة؛ كلٌّ بطريقته.

-كررخ- اهتز الهواء.

وتناثر الثلج الجديد المتراكم بعيدًا بينما بدأت الأشياء تتحرك.

آنا لاحظت مرة أخرى "حظ" فتاة المدرسة الإعدادية عندما لم تلتفت فورًا لترى ملاحقيها. كانت هذه كتبًا سحرية حقيقية، وإن كانت مرتجلة. لو أن كلماتها المكتوبة عرضيًا دخلت مجال رؤيتها، لغزت دماغها وهاجمت ولأخرجت الدم يتدفق من كل ثقب في وجهها.

「وَه!!」

في هذا الوضع المهدد للحياة.

لم تتخيل آنا أبدًا أن تراها تركض مباشرة فتصطدم بعمود عَنَفَة الرياح (توربينة).

الطاولة قد تجاوزت هدفها ثم استدارت لتقطع طريقها مثل كلب مطارد، لكن التصادم غير المتوقع أفقدها التركيز، مما جعلها تصطدم بجدار خرساني بدلاً من هدفها.

「بفف!؟」

عندما وضعت شوكُهو ميساكي يديها على الأرض ونهضت بصعوبة، كان العمود الفولاذي الزاحف موجودًا بوضوح في مركز رؤيتها. ولكن بسبب الدُوار الناتج عن الألم في أنفها والتوتر الذي تعيشه هنا، لم تصل الكلمات المكتوبة أبدًا إلى عقلها. تمكنت من تجاهل ما كان أمامها مباشرة؛ وهذا أنقذ حياتها.

آنا سبرنجل ما عساها إلا أن تُمسك بطنها بكلتا يديها وتضحك.

「آهَهَهَهَهَهَهَه!!!!!! نعم، أعجبتني. كاميجو توما شيقٌ إن كان مادةً خام أعمل عليها، لكنه اعتاد على سوء حظه فتعلم كيف يتعامل معه، لذا فهو عاملٌ لا يتغير كثيرا. أما أنتِ، فأنتِ متعة بحق. حقًا تحاولين فعل كل شيء بمثالية، ولكنكِ سيئة يائسة في ذلك لدرجةٍ تُنقذك. نعم، نعم. تخطيتِ كل توقعاتي!!!」

وكيف رَدّت ملكة توكيواداي أثناء هروبها؟

「في هذه المدينة ملكةٌ واحدة: أنا!!」

(الآن استوعبتُ لماذا ميتسواري-سان لم تُطفئ محددات البدلة مهما يئست وقتها. هذه البدلة تضخم جانبك اللارياضي أيضًا، لذا فإن تسارعًا واحدًا غير محسوب قد يُعثّرك أو يُصدمك بجدار ضِعف السرعة، وكانت تريد أن تتجنب تدميرا ذاتيا كهذا؟!)

شوكوهُو ميساكي، والدموع تملأ عينيها، أمسكت أنفها المحمر بيدها وتصرخ بغضب لخصمتها وراءها.

آنا قد وصفت كاميجو توما "بالمادة الخام".

سوف تُندِمُها على القول. ولسوف تجعلها تعترف بأي لقاح أو ترياق تخفيه. وسوف تفعل المستحيل لتحقق ذلك، تماما كما كانت ملكةً قاسية ستفعل.

آنا سبرنجل كانت تمشي بخطى هادئة عبر منطقة التسوق وأخرجت رأسها من الآركيد ثم نظرت قليلاً إلى الجانب.

عندها حدثت.


-قععء!!!-

عملةٌ معدنية من عملات الآركيد انطلقت من أعلى المبنى بسرعةٍ سبقت الصوت بثلاثة أضعاف.

  • الجزء 5

قد تجاوزت أفعال آنا سبرنجل فكرة أنها ما تزال طفلةً صغيرة في العاشرة.

「هئ!」

ارتجف حلق شوكُهو عند الانفجار المفاجئ.

انفجارٌ قوي وموجةٌ صدمية هائلة اندلعت حول آنا سبرنجل طيّرت البلاستيك المحطم والخرسانة إلى الهواء غبارا ناعما. وجدرانٌ خفية كثيفة اندفعت من كل الاتجاهات أجبرت العمود الزاحف ورجل الثلج أن ينفصلا عن الأرض فانطلقا يهاجمان الفتاة الشقراء العسلية. كان نفس المبدأ لشراع سفينةٍ أو مظلةٍ تحت إعصار. قد سقطت شوكُهو على الأرض عندما رفع الوحشان جسداهما الضخمان، لذا كان تأثير الانفجار عليهما مختلفًا.

「يَهْ يَه.」 ضحكت آنا من قريب وهي تمسك بقطعة القماش الحمراء الرقيقة إلى صدرها. 「أخيرًا تجرأتِ يا فتاة، شاطرة. بدوتما وكأنكما تتجادلان من قبل، لكن أوكانت هذه الفتاة حقًا مُهمّةً كثيرا في نظرك؟」

ما لهذا الحديث وقت، فمشاكلهم أكبر.

نظرت شوكُهو إلى الأعلى مرتجفة.

كانت ثالِثةُ (#3) المدينة الأكاديمية تقف بثبات على حافة مبنى قصير، لكن الـA.A.A. اختفى. بدل أن تتمسك بذلك الحطام شبه المدمر، يبدو أنها تخلت عنه لتركز على الهروب من انفجار وقود الصواريخ.

رفعت شوكُهو ميساكي صوتها وهي تعبر عن اشمئزازها من البلل غير المريح للثلج الذي ذوبته حرارة جسدها تحت إستها.

「ما بال قدرة هذا الغبار اللاصق؟! ميكروبلاستيك؟ مسحوق خرسانة؟ يع، يع يع يع! تحاولين قتلي بجعلي أتنفس كل هذا القرف النتن؟!」

「كُلي التبن يالبقرة وانقلعي ابلعي خضرواتك العضوية التي امتلئت باليرقات والديدان!! أنا بنفسي أنقذتك، فأجدر بك أن تضربي جبهتك على الأرض وتشكريني! والآن تعالي اصعدي. لن أستطيع رمي الريلغن على تلك الدرونات وأنتِ هناك في الأسفل!!」

「ء」

قفزت شوكُهو في الهواء مستقيما قبل أن تدرك. قفزت مسافة سبعة أمتار كاملة دون أي نقاط ارتكاز في المنتصف. وللأسف، كانت مذعورة للغاية لدرجة أنها لم تفكر حتى في كيفية الهبوط. في الواقع، قفزت بعيدًا عن سطح المبنى، ففقدت توازنها في الهواء، ثم دارت عموديًا.

「آه لا! لا! لا!」

「(.....ربما سيكون أفضل للعالم لو تركتها تسقط على إحدى هوائيات التلفزيون أو أشجار الكرسماس هناك.)」

「كفى قدرة حساباتٍ هادئة! أنقذيني الآن! وأعني بطريقة إنسانية!!」

رمت ميكوتو بضع رميات ريلغن إضافية.

ولكن ليس صوب آنا سبرنجل مباشرة، بل إلى الطاولة والعمود الفولاذي ورجل الثلج الذين كانوا يهاجمون شوكُهو.

اندلعت انفجارات وموجات صدمية تسببت في خروج الفتاة الشقراء العسلية عن مسارها بشكل أكبر ثم دارت مرتين في الهواء في رمية غير طبيعية. ولسبب ما، آل بها الأمر في أحضان ميكوتو.

كانت تحملها حمل الأميرة، وهو أمر لم تألفه كثيرا.

「كيون☆」

「لا تقوليها عاليا يا أيتها الملكة الكاذبة!!」

「يعني، هذه ليست مَرّتي الأولى أُحمَلُ فيها كالأميرة، لذا لا أمانع.」

لم يعجب ميكوتو سير هذا الحديث، لذا خففت قبضتها لتُسْقِط شوكُهو مباشرة. وقد أسقطتها مباشرة حيث كان ظهر شوكهو المكشوف ضاربًا ركبة ميكوتو المرفوعة؛ مما أحنى من عمودها الفقري بزاوية غير مريحة.

「آغواااه؟!」

「كفي عنك تصرفات المسيطرة هذه وأجيبي على سؤال واحد. وأحتاج أن أعرف ذلك لأبقى مركزة، مفهوم؟ "مَرّتي الأولى" هذه... أكانت مع ذلك الأحمق؟ لا أتخيل غيره.」

「أ-أترك هذا لخيالك.」

تخللت عتمة كئيبة عيني ميكوتو؛ لكنها كانت تركز على الواقع أمامها. الآن ليس الوقت المناسب أن تستمتع وتمرح مع الآنسة مُستعرضة بملابس السباحة كاشفة الأفخاذ (مع جزءٍ من جسدها مبلل قليلاً بعد جلوسها في الثلج).

عدوهما لم يُهزم بعد.

ولم يقتصر ذلك على الطاولة والعمود الفولاذي ورجل الثلج.

آنا سبرنجل خرجت من بين الغبار تضحك. ومع ذلك، كان الإسفلت تحت قدميها ممزقًا، مما يعني أن رمية الريلغن قد أصابت هناك بالتأكيد.

(يا للوحش!!)

عضت ميكوتو أسنانها، لكنها شَكّت بصدق أن هجومًا مفاجئًا سيكفي لإنهاءها.

كان من المفترض أن تكون الريلغن هي ورقتها الرابحة، ولكن منذ الرابع والعشرين، تحولت إلى مجرد أداة طرقة للأبواب دائمًا ما تخسر أمام دفاعات العدو. ومع ذلك، أكثر ما أهانها هو أنها بدأت بالفعل تعتاد هذه الحقيقة. بالطبع، كان ذلك لأن لديها أساس منطقي عالٍ بما يكفي لتقبل المعلومات الكريهة بسرعة وتعمل نحو حلّ آخر بدل أن تكون مجرد لاعبة تعتمد على خدعة واحدة.

「ماذا نفعل؟! مِنتلي الآوت لا يفيد عليها!!」

「فهل تخلّت عن إنسانيتها بالكامل جسدًا وعقلاً؟ بأي حال، لنبتعد عنها حاليا! حتى لو قررنا مواجهتها، علينا على الأقل استدراجها إلى ملعب كرة قدم أو حديقة طبيعية أو أي منطقة مفتوحة. وإلا فسوف نسبب دمارًا أكبر لكل ما حولها!!」

كانتا تعلمان أن كاميجو توما سيحزن إذا تسببتا في أضرار جانبية هائلة أثناء محاولتهما إنقاذه.

وهذا الجانب منه هو ما أرغبهما في إنقاذه من البداية.

كانت شوكُهو ميساكي ترتدي بدلة تعزيزية، لكنها لا تزال تتعثر وتسقط (بقوة أكبر عِدّة مرات الطبيعي)، لذا لن تستطيع القفز بين الأسطح أثناء المعركة. إذا انزلقت على الثلج أثناء انطلاقتها، قد ينتهي أمرها ساقطة ترتطم بالأرض أسفلها. ولهذا السبب، استمرت ميكوتو تحملها حمل الأميرة وهي تقفز من مبنى متجمد إلى آخر.

مشطت ملكة توكيواداي شعرها عن كتفها.

「نعم، هكذا يجب أن تكون. العبقرية الجميلة تتولى كل التفكير الذكي والحسابات بينما تقوم الغبية العضلية بكل القتال والتنقل وهي تعتني بي☆」

「سأُسقطكِ من هذا المبنى الاثني عشر طابقًا يا بطيطة خنزيرة.」

「هاااااا؟! كيف عساكِ تنظرين إلى هذا الجسد المثالي وتفكرين في ذلك المنتج المرعب المليء بالمواد المضافة؟!」

"الملكة الغبية" زأرت بغضب بينما كانت أجزاء مختلفة من جسدها (مليئة باللحم) تتخضخض، لكن ميكوتو تجاهلتها. ومع ذلك قَدْ قررت أن تكون ألطف مع شيراي كُروكو حيث كانت دائمًا تعتمد عليها وتراها وسيلة تنقل مريحة. لقد اكتشفت أن طلب المساعدة وتلقيها كانا تجربتين مختلفتين تمامًا.

كما لاحظت أنها هدأت بما يكفي لتفكر في أشياء أخرى غير المعركة.

عدم تلقي أي هجمات إضافية من آنا سبرنجل سيكون بالطبع الأفضل، ولكن لم يكن هناك سبب حقيقي يدفع آنا للتوقف. كان من الصعب تخيل أنها فقدت أثرهما لمجرد أنهما هربتا عبر أسطح المباني. كان هذا تطورًا إيجابيًا، لكنه جاء على يد العدو. لم تكن ميكوتو متأكدة تمامًا إذا كان من الحكمة قبول ذلك بسهولة، فأصبحت أكثر حذرًا.

「......」

بعد التوقف على سطح مبنى (بينما تحمل "الكعكة المحشوة الساخنة المرجرجة" حمل الأميرة)، نظرت إلى الخلف بعيدًا.

لم ترَ شيئًا.

ولم تسمع شيئًا.

انتظرت للحظة قبل أن تدرك ما حدث.

「هِيَ... لا تتبعنا؟」

لماذا؟

فكرت في الأمر وسط الثلوج المتساقطة، ولم تجد إجابة، مما جعل أفكارها تغلي من الغضب.

تذكرت اللافتة التي رأت آنا سبرنجل تنظر إليها:

أمامك مباشرة – الحي الأكاديمي 15.

بمعنى آخر...

「هل سَئِمت منا تمامًا، بنت الـءء!!」

  • الجزء 6

「تدري إيش أدركت توّي يا كاميان؟」

「أيش؟」

رد كاميجو توما مثله بصوتٍ خَرَت منه الطاقة.

「الموضوع ما له علاقة بالطبيبات والممرضات.」 قال أزرق الشعر مثقوب الأذنين وهو متربع على السرير المجاور بلا شيء يشغله. 「تراني الآن مهووس بالفتيات المريضات بملابس النوم. شفت فتاة ظريفة حد الموت بشعر بوب قصير ورقعة عين في الممر من شوي.」

「ما بالك يا أوغامي بيرس؟ لا تقل أنك طرت في رحلةٍ عقلية إلى عالمٍ آخر عندما كسرت فوكيوسي جهازك اللوحي السري بركبتها وقت زيارتها؟」

「اكتشفت حقيقة أن هذا هو موطن بنات الجبائر ورقع العين! لازم أنتبه أكثر؛ فأنا من أول كنت غافل عن هذا! وأنا الّي المفروض أكون السيد الخبير على مر الأزمنة!」

تفاهة.

وما أهمية هذا أصلاً؟

ندم كاميجو على السؤال، لكنه قرر أن يقول قولا زيادة.

「.......ماذا أفعل بهذه المعلومة؟」

「مشينا نزور غرفة بنت من البنات.」

「ولماذا سألتك حتى؟! لا لن نذهب! أنت مثلك مثل الطفل الذي يهيج بالقوة في رحلات المدرسة وينتهي به المطاف مكروهًا من الصف كله! فكّر لثانيتين لماذا يزعجون أنفسهم بفصل غرف الأولاد عن غرف البنات في المستشفى!!」

「اص!! ما راح أقضي الكرسماس ألعب الورق مع ولد!! أبغى ذكرى واحدة على الأقل فيها حلاوة ومرارة!!」

لم تكن يدا أوغامي بيرس تعملان، ولذا تعلم كيف يلعب الأوراق بأصابع قدميه. دائمًا ما يجد الناس طريقةً للنمو عند الحاجة، وإن كان نموًا عبثي.

كان أكثر منطقيةً مما كان عليه رفضه العنيد أن يعترف أن الكرسماس مميزا، لكنه اتخذ الأمر في المسار الأسوأ. ولقد فضّل كاميجو ألا يُجَرّ في فوضاه هذه.

「ما عليك، كاميان. متأكد أنني أقدر أهرب بأمان لمّا يهاجمونك.」

「ما رأيك لو أكسر عظمتين منك حتى يُمدّدوا إقامتك هنا؟ إذا كنت تعلم أننا سَنُهاجم و"نهرب"، فلن تتحقق أي من أحلامك من الأساس!! فقط تقبل واقعك الذي تعيشه يا أوغامي! في أقصى الأحوال، قد تفتح الباب بالخطأ فترى إحداهن تغير ملابسها، ومستحيل أن يبدأ الحب بهذه الطريقة!!」

「غلط!! لأن معنا ربعنا [3] القدامى: تأثير الجسر المعلق ومتلازمة ستوكهولم!!」

「لكن كلتاهما عن ناس يخلطون بين خوفهم وأمور أخرى؟!」

وكان كاميجو على دراية بأن الكتيبات التي تشرح كيفية إيقاع المرء في الحب بالتنويم المغناطيسي أو علم النفس رفضت أن تختفي في بعض الأسواق المتخصصة، لكنه كان متأكدًا أن النتيجة النهائية لذلك لن تكون إلا خواء. دائما ما يكون الأمر من طرف واحد ولن يرونك أبدًا على حقيقتك.

「إيهِ، قد استسلمت عن أي حب طبيعي،」 قال القمامة الزبالة على السرير المجاور بنبرة الفخور بنفسه.

「.......」

「ما دام إني أقدر "أسَوّيها"، فلا يهمني كيف أصل لتلك النقطة. اختفى خط البلوغ! ويعني أن هناك لعنة جت علينا نحن الأولاد تتطلب منا نفقد عذريتنا قبل ذلك!!」

「أظنك خربت نفسك لدرجة لن تستطيع حتى أن تمسك يد فتاة.」

「لحظة..... غريب أشوفك هادي وأنت تشاركني هالجحيم الكرسماسي. أي حاجز هذا الّي بيننا؟ قل لي!」

حدّق كاميجو توما في الأفق.

وأخذ يأسف لحاله.

ثم وضع منديلا لفّه في أنفه وهو يفكر في شيء.

「التقبيل ما هي بتلك الروعة.」

توقف نَفَسُ أوغامي بيرس.

「ما.....ذا؟ وإيش يعنيه هذا النزيف الأنفي؟!」

「أعني أن أفواه الناس مليئة بالجراثيم. ما تدري أبدًا أي نوع من الميكروبات تلقاه هناك.」

「يابن الـءء!!!」

  • الجزء 7

تنهدت آنا سبرنجل بهدوء.

رفعت عينيها إلى السماء البيضاء الباردة بينما اختفت اللتان كانت تراقبهما، ثم نظرت بعيدًا. كانت كطفلة تتطلع لطائرة عبر نافذة السيارة حتى دخلت نفقاً.

بدأت تمشي نحو ما أثار فيها اهتمامًا أكبر.

فحصت اللافتة الزرقاء واستمرت في السير بملامح وجه متعبة.

(شوكُهو ميساكي ممتعة لأنها تقدم شذوذا كثيرا دون أن تتقصد، لكن الآن ميساكا ميكوتو قد أخذت الزمام مجددًا. مَنْ يُقاتِلُ صحيحًا ويَخْسَرُ بجدّية لهُوَ أكثر الناس مَلَلاً. لا أرى قيمةً ولا تسوىٰ. وكنتُ آمل أن أستمتع بذلك أطول يا ليت.)

تحت السماء الثلجية، مسحت الطلاء الأسود المحمر عن أطراف أصابعها الصغيرة التي بدت أنعم من الكريمة، مما تسبب في انهيار الأجهزة التي أرسلتها فورا. النص القوي الذي كان مكتوبًا على الطاولة وعمود الفولاذ المقاوم للصدأ ورجل الثلج كلهم ذابوا، وحدث الشيء نفسه مع الجمادات. كانت تلك فقط جريموارات (كتب سحرية) مؤقتة ولم تنجح في تأسيس الدورة الصحيحة لقوة [خطوط لاي] الماصة من الأرض، لذلك ظهرت وكأنها انفجرت من الداخل. كان ذلك مشابهًا لسكتة دماغية أو تمدد الأوعية الدموية حيث يقتلك تدفق دمك.

لم تهتم حتى بالنظر إلى ما تبقى.

فرقعت إصبعها وهي تمشي فانضغط الجرم المعدني الكروي بطول مترين خلفها. وفي غمضة عين، تَحَوَّل إلى زجاجة لا تكبر زجاجة قطرة العين. كانت الزجاجة الصغيرة المستديرة مغطاة بورقة رصاص رقيقة. وعلى عكس الزجاجات التي توجد في المدارس العادية، كان لهذه العديد من الأعناق، مما أبداها أشبه بالناي.

لم تكن هذه ورقتها الرابحة الوحيدة.

كانت [قشرة اللاروح] معدنًا أساسيًا صُنِع بتشويه البيضة الأصلية. في الواقع، كان عنصرا روحيا يهدف إلى تشويش إيقاعها الخاص وتقليل مكانتها.

ما إن تتخلص من الموت، ستنسى خوفك من الموت وقد يجلب الآخرين موتك دون أن تدرك. بمعنى آخر، هذا يؤدي إلى أخطاءٍ غير محسوبة. مثلما عجز الآلهة اليونانية الخالدة أن تسيطر على نفسها فآل أمرها مُستسلمة لكبريائها وغيرتها، فظهر منهم أخطاء إنسانية كثيرة.

لن يقدر الناس كبح النَفْسِ أو حُكمها دون أن يرغبوا في شيء.

فكر في أناس ذاك البلد المُعَيّن من كانوا يكرهون مياه بيوتهم النظيفة لدرجة أنهم دائما ما يخرجون يشترون مياه معدنية معبأة. هل قدّر هؤلاء الناس ندرة تلك القطرة الواحدة من الماء بشكل صحيح؟

「أظن هذا يكفي سياحةً. ما عدتُ أجد شيئا جديدا أراه في هذه المدينة، لعلّي أبدأ العمل. حقا لا شيء آخر مثير هنا. ...إذا لم يدمر القديس جيرمان ذلك الفتى بعد، فَلِمَ لا أساعده في عمله.」

(يفترض أن القديس جيرمان قد انتشر في جسده الآن، لكن فيَّ أن أُسَرّع العملية بإغضابه.)

「أتساءل ما سأرى.」

ضحكت.

كل ما فعلته هو الضحك.

「ألمٌ وقلقٌ وخوفٌ واستسلامٌ سيأكل روحك، تاركةً منك فقط قطعة واحدة أخيرة، ولكن أَيَا ترىٰ ما سيكون آخِرُكَ يا كاميجو توما؟ أتحرق شوقا لأرى جوهرك الحقيقي.」

ثم أخرجت آنا هاتفًا ذكيًا عاديًا تمامًا لتحل محل عنصرها الروحي. كان يعرض تطبيق الخريطة المستخدم في جميع أنحاء العالم.

كانت اللافتات هنا تشير إلى أن هذه هي الحدود بين الحي الأكاديمي 13 والحي 15.

كانت وجهتها أبعد إلى الشرق.

عادةً ما يتم حجب مناطق المدينة الأكاديمية عن خدمات الملاحة من خارج المدينة، لكن مع آنا نسخةٌ كاملة بها كل شيء، بما في ذلك الأزقة الخلفية التي ملأها قمر صناعي تابع لشركة خفيانية R&C. يمكنها التنقل بسهولة داخل المدينة الأكاديمية بهذا.

「هم، هم هم، همممم☆」

أدخلت وجهتها وتم حساب عدة طرق تلقائيًا.

لمست أقصر الطرق لتبدأ الرحلة.

كانت وجهتها مستشفى مُعَيّن في الحي 7.

تكلم الهاتف بصوت أنثوي مهذب صناعي.

『ساعة واحدة حتى وجهتك.』

  • الجزء 8

تغيرت الوضعية.

ترددتا قليلاً ثم عادا بنفس الطريق حيث جائا، وتابعتا الإشارات الزرقاء نحو الشرق. وبالطبع استمرتا تقفزان من سطح ثلجي إلى آخر مُجنّبين الالتقاء بالفتاة آنا في الشوارع بالصدفة.

لكنهما في ورطة لو فقدتا أثر آنا سبرنجل.

فهي الوحيدة التي تحمل اللقاح أو الترياق الذي يحتاجونه. وكان عليهما أن يمنعانها من الوصول إلى المستشفى.

لكنهما تعلمان أيضاً أن آنا ستصل إلى المستشفى في النهاية، أفلا تنتظرانها هناك بدل المطاردة؟

لا، لن يمكنهما.

لقد هاجمها مستويان 5 ولم تتبطئ حركتها ولو لحظة، ودمار المستشفى سيكون حتما ساعة وصولها. ليس الأمر أنه إذا كان الصبي المريض المواصل للسعال دمًا سيحقق الفوز في النهاية أم لا. كل شيء هناك—الناس والأشياء—سيتدمرون في العملية.

وذلك يكفي أن يحطم الفتى.

لأنه سيحمل عبء أشياء ليس مسؤولاً عنها.

「وَيْح.」

كان عليهما الحذر أثناء القفز. إذا أسقطتا ثلجا من حافة السطح، فقد تلاحظهما.

وصلوا إلى الحي الأكاديمي 15.

كانت هذه المنطقة مختلفة تمامًا. كانت أكبر منطقة تجارية في مدينة الأكاديمية، وكانت مليئة بالشباب بأزياء بابا وماما نويل وغزال الرنة. كان هناك أيضًا بعض الأزياء الغريبة مثل كوسبلاي الصندوق أو ديك رومي مع أطراف قصيرة ملحقة. وكانت هناك محاولة لتحطيم رقم قياسي لأكبر كعكة في العالم، لذا ما بدا على الحماسة أن تنتهي حتى تتقطع الكعكة ويكون للجميع فرصة لالتقاط الصور.

لن تجد أي مظلات في الأفق.

كان من الواضح أن كاميرات الهواتف كانت أهم من صحة الناس، ولذا كانت قطعة القماش المقاومة للماء تلك التي تحجب الرؤية ستُشعرك بالذنب إن حملتها.

وهذا جعلها سهلةً أن تُرى.

「ها هي!」

بُنِيَ جسر مشاة فوق منطقة عبور المشاة مما جعل المكان مزدحمًا جدًا، لكن فتاةً بدت لا تتجاوز العاشرة كانت تمشي فوق الطريق وسط الحشد. من حين لآخر، كان بعض الشباب ومعهم زجاجات من البيرة والنبيذ الفوار (هل كانوا بالغين فعلاً وليسوا طلابا في الثانوية؟) يسكبون بعضًا من شرابهم عليها ويضحكون. كان القماش الأحمر الرقيق الذي يغطيها بالكاد يَقْبله الناس هنا، لذا كانت أجواء الكرسماس السعيدة والمبتهجة في الحي 15 غريبة جدًا. وبدا واضحا أنه لو جاءت زوجة شابة ترتدي مئزرًا فقط سوف تُعتبر مجرد لبس عادي وسط الناس في هذا اليوم.

اشمئزت شوكُهو إذْ أنها فضّلت الأجواء الأكثر رقيًّا.

「هذا أسوأ مما سمعت.」

「كل هذه الأضواء تكاد تُعميني، وهو سهل أن نُضيّع مكانها. ساعديني في التحقق من موقعها مرة أخرى.」

قد خرج الحفل عن السيطرة، لكن يبدو أن فتاة قد قررت أن هذه فرصتها وبدأت حفلاً غير مصرح به في الشارع. وهناك حوالي عشرة من لاعبي كمال الأجسام يرفعون سيارة فاخرة ألمانية (ربما كانت واحدة من سياراتهم) كعربة نقالة ويبتسمون للكاميرة وهم يصورون إعلان لصالة رياضية. كان هذا الكرسماس الأبيض يزداد برودة قاتلة، لكن فتاةً ببطنها المكشوف ومعها لاقط صوتي ومجموعةٌ من الشُبّان مدهونين بالزيت بلا شيء يرتدون غير السراويل لم يبدو عليهم أنهم يهتمون. كانت المنطقة 15 حقًا مكانًا عجيبًا في ديسمبر. حتى أن مصوري التلفاز الذين حضروا على أمل الحصول على لقطات جيدة كان عليهم تغطية العدسة بأيديهم ليُجنبوا تصوير الأزياء الخطيرة والناس بذيئي التصرف أمام الكاميرة. كان من السهل أن نرى لماذا لمْ يهتم أحدٌ بآنا.

فهل اختارت أن تمشي في المسار المرتفع لأن الطابق الأرضي كان مكتظًا كما في ازدحام القطارات خلال ساعات الذروة؟ رغم أنه بدا أن هناك خيارات أخرى.

「حقًا منطلقة نحو الشرق!」 صاحت ميكوتو بينما تركز على شيء آخر غير الناس.

وهناك لافتة زرقاء مثبتة على جسر المشاة. كانت نصف متجمدة بثلجٍ يشبه السوربيه، ومع ذلك لا تزال قابلة للقراءة: أمامك – الحي الأكاديمي 7.

(تتحرك من الغرب إلى الشرق؟ والمنطقة 15 متصلة مباشرة بالمنطقة 7.)

يبدو أن شوكُهو كانت تفكر في نفس الشيء لأنها رفعت حاجبها المتناسق.

「كثيرٌ من المعالم هناك، ولكن آخر مكان نريدها فيه هو هناك أيضًا: مستشفى المنطقة 7 حيث ذَهَبَ هُوَ.」

كانت آنا تسير مكشوفةً غير محمية لدرجة بدا وكأنها تتحداهما.

وإذا تمكنتا من جذب انتباهها، فهي مستعدة أن تقف وتشاهد العرض. لكن في اللحظة التي تفقد فيها اهتمامها، ستستأنف سيرها نحو ذلك المستشفى. ومتى وصلت، ستدمر المبنى بأكمله مع الصبي الذي يحتضر بداخله. كان إيقاعها المنتظم يعطي نفس خوف القنبلة الموقوتة أو الصاروخ الجوال.

رفست شوكُهو ساقيها كطفلةٍ دَلّوعة بينما تُحمل حَمل الأميرة.

「فماذا نفعل؟」

「كفي عنك الدلع، يا بطيطة خنزيرة.」

「......أسمعك تقولينها مرة بعد؛ وسوف أخترق حاجزك العقلي بالمِنتل آوت مرة ثانية」

「أوه لاه؟ طيّب، قلتُ ألّا أناديكِ "كعكة بطيطة" لأنني تخيلتُ وقعها في أذني غريب، لكن أرى أن هذا ما تفضلينه. المهم، تلك اللعينة معها جهاز مِلاحة، ها؟ إذن علينا أن نقترب ونهجم.」

「أما تعلمتِ شيئًا من المرة الماضية؟! لا أمل لنا في الفوز بقدرتنا القتالية المباشرة!!」

لم يكن هذا شيئًا يُقال من اثنين مستوى 5.

لكن إذا لم تقبلا عيوبهما، فلن تواكبا الواقع. وسيتخلفان.

تنهدت ميكوتو تنهدًا أبيض.

「لهذا السبب سيكون تمويه. خطتنا الحقيقية هي اختراق هاتفها ونشوّش مِلاحتها فنرسلها في دائرة لا تنتهي. لا أعرف حقًا كم هي وحش تلك الآنّا سبرنجل، لكنها تحمل جهازًا إلكترونيًا عاديًا. لنستدرجها لمكانٍ أنسب لنا ومن ثم نُمنِعُها الدفاع عن نفسها. وسوف نُدخلها في عاصفةٍ ثلجية. جاء الوقت لكي تتعلم مدى رعب الحِصار في الثلج في مدينةٍ عالية التقنية تضم 2.3 مليون نفر!!」

「جيّد،」 ردت الملكة النحلة.

جزء التمويه كان يجب أن تقوم به ميكوتو؛ بما أن القتال الجسدي هو تخصصها. وكلنا نعرف أن مِنتل آوت شوكُهو ميساكي لا يعمل على آنّا، لذا ما كان للملكة دَوْرٌ حقيقي. كانت فقط تريد أن تتصرف ميكوتو سريعا وتضحي تضحية نبيلة تمدد فيها حياة ذلك الصبي مدبب الشعر.

إلا أنها نسيت شيئًا.

كان كرهها للفتاة الأخرى متبادلاً.


「طيب، ابذلي الجهد وكوني طُعمةً سهلة الرمي. إذا أكلت تلك الفتاة هذه البطبطة والرجرجة الحلوة والجذابة، أعدكِ أنني لن أنسى تضحيتكِ أبدًا.」

「بواهه، مَهْ!؟ هـ-هـ-هذه بناية من ثمانية طوابق!! فكيف ترميني من هنا، ميساكا-سآآااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااان!!!!!!」


بعد العد واحد اثنين ثلاثة، ألقت ميكوتو بالبطيطة التي كانت تُحمل حَمل الأميرة. شعرت شوكُهو بإحساس غريب بالطفو، لكنها ما عساها سوى الصراخ وهي تسقط. وبذلك الصخب، نظر كل الناس في المنطقة إلى المصدر. ومن بينهم آنا سبرنجل وسط الحشد.

وقد اجتاحت ابتسامة الهلال وجهها.

كانت ابتسامةً قاسية لطفلةٍ صغيرة تنظر في سحق حشرةٍ قد أمسكتها بين أصابعها.

「آهَه☆」

「قد سئمتُ وكرهت أن أكون دمية للمُختلّين عديمي الفطرة السليمة!!」

بينما كانت شوكُهو تخبط بذراعيها وساقيها وتُلَوّح، لا بد أن انتقال القوة قد تم بالشكل الصحيح لأنها دارت في الهواء ثم هبطت قدماها على الدرابزين الخاص بمنصة المشاة.

(و-وميساكا-سان لم تساعد حتى في قدرة هبوطي!؟ أوكانت تلك الأمازونية الحمقاء حقا تحاول قتلي!؟)

「بالطبع ساعدتُ. فقط فعلت ذلك عن بعد.」

جاء هذا الرد من نفس منصة المشاة التي كانت عليها آنا.

كانا أقل من عشرة أمتار عن بعضهما. وكانت ميساكا ميكوتو رابضةً على الأرض بمستوى وحش صياد رباعي الأرجل وهي تصوّب عينها نحو سرّة الفتاة الصغيرة. ثم اندفعت بقوة تكفي لإخراج عمود فقر آنا بضربةٍ واحدة.

-كررش!!!!- وفي نفس اللحظة، جاء صوت مزعج من جميع أنحاء جسد شوكُهو. لا، كانت بدلة الجسم الضيقة التي ترتديها يُتحكم فيها كهربائيًا.

قفزت من على الدرابزين، وأدت قفزة دوران رشيقة كراقصة باليه أو متزلجة، واستخدمت قوة الطرد المركزي لتُحرّك كعبها فَوَجَّهت ركلةً دائرية، تماما حيث وجه آنا. تحديدًا نحو عينيها.

لم تكن بحاجة لضربة دقيقة.

طالما أزعجت آنا أو أجبرتها على التملص، فسوف تفتح مجالا تحتاجه ميكوتو.

「مهلا! ميساكا، لِمَ؟!」

أخيرا انفجرت شوكُهو غاضبة وصاحت كيف أنها اُستُخدِمَت دميةً وحجر فداء، لكن الفتاة بمظهر العاشرة من العمر مدّت يدها الصغيرة نحو الكعب المتجه صوبها وأمسكت بلا مبالاة كاحل الملكة. وبحركة ذراع بسيطة؛ تحولت شوكُهو إلى قذيفة تعترض ميكوتو.

ميكوتو لم تكترث حقًا. ركزت على مغناطيسيتها.

بدل أن تمسك شوكُهو التي طارت وهي تدور مثل البومرنج المعطل، داست ميكوتو على الفتاة (تحديدًا على تلكما الكعكتين الكريهتين) لتقفز للأمام.

هذا لم يُنتج صوت "بويينغ"، ولم يُحسّن قفزتها بطريقة ملحوظة.

(جديًا؟)

كانت الفتاة الشقراء الغاضبة الآن (وهاويةً جدًا لتدرك أن عليها أن تركز على هبوطها في تلك اللحظة)، فأخرجت ريموتا من شنطتها ووجهته نحو ميكوتو.

رفعت تلك الفتاة محبة التلفاز رغم أنها ملكة وسائل التواصل صوتها.

「أرى طواقم تلفزيونية هنا، لذا وَدّعي حياتك الاجتماعية بعد أن أُخلِعَك الملابس وأجعلك ترقصين عارية يا ميساكا-سآاااان!!」

「لا تتدخلي! ما هو وقتك الآن!!」

مع صدمة كهربائية باهتة، اهتزت رأس ميكوتو إلى جانب. لم تنجح قدرة #5 المنتل آوت على #3 طالما كانت ميكوتو ترفضها. كل ما فعلته أنها أعطتها صداعًا بسيطًا.

لوْلا ذلك، لاصطدمت ميكوتو بآنا سبرنجل، ولأسقطتها أرضًا، ولثبّتتها في مكانها. كفتاة مراهقة، كرهت أن تفوز بوزنها، لكن محال لفتاةٍ صغيرة مثل آنا أن تتغلب عليها هكذا.

لكن.

شيء ما حرق الهواء الفارغ.

لو أن ميكوتو استمرت في مسارها السابق، لكان جسدها العلوي قد تحوّل إلى رماد قبل أن تصل إلى آنا.

لم يبدو أن آنا كانت تحمل أي سلاح خاص.

اكتفت فقط بتقبيل الهواء بطريقة ناضجة وغريبة لحجم جسدها.

(ماذا؟ هذه ليس كتلك الخردة التي استخدمتها من قبل!)

حَكّ نعال ميكوتو بالدرج في منصة المشاة. لقد هبطت قليلاً على جانب الفتاة بدل أن تهبط فوقها.

لم تقصد ذلك، وكانت تشك أن شوكُهو تقصدت ذلك أيضًا.

وما تزال جرداء بدون سلاح، ضحكت آنا.

عقدت أصابعها بغرابة وتشد وتفك قبضتها.

「مُضحك. حقا عليكِ أن تتركي الغير رياضية تقود.」

「لَسْـ! ـتُ! غَير! رياضيّة!!!!!!」

لابد أن هذا كان شيئًا رفضت شوكُهو ميساكي أن تقبله إذْ أنها قفزت مجددًا بدموعٍ ودارت وتلوَّت على الأرض (لأنها كانت مركزة جدًا على الانتقام لدرجة أنها لم تستعدّ لهبوطها).

لوّحت آنا يدها الصغيرة وتراجعت خطوة.

وهذا جعلها تقف جنبًا إلى جنب مع فتاة ذات شعر أحمر ترتدي قبعة محبوكة وكانت على نفس منصة المشاة.

「أه لا! تأخذ رهينة!!؟」

「هَي.」

لكن ما حدث بعد ذلك كان مفاجأة كاملة.

بدل أن ترفع آنا شفرة نحو الفتاة، همست في أذنها.

كانت الفتاة تحاول زيادة مشاهداتها على وسائل التواصل بتصوير أكبر قدر ممكن من الحفلات، لكنها لم تجرؤ على ارتداء زيّ خاص بها.

「هل سمعتِ؟ مجرد طالبة في الإعدادية تقلق عليك. أليس هذا محطًا للحرج وأنتِ في المدرسة الثانوية؟」

「مَه؟」

「إلى متى تستمرين في التصوير وحسب وأنتِ تتجولين في الثلج دون مظلة؟ ألا توحشك الوحدة وأنتِ هنا تضبطين تركيز الكاميرة؟ هذا هاتفك، أفلا تكونين مركز التصوير؟ وبات عندكِ قوة جديدة لتستعرضي بها، أليس كذلك؟ فقط لو استطعتِ استخدام السحر صحيحًا، عندها ستدمرين الهرمية الوهمية التي بناها العِلم. أليس اليوم هو اليوم أن تتخلصي من ترددك وتصنعي من نفسك نجمة؟」

همسات آنا سبرنجل جعلت الفتاة تلهث.

كانت تلك الكلمات مثل سُمٍّ بطيء التأثير.

「آهٍ. لعلّ آمالي فيكِ مغلوطة」 ألقت الضربة القاضية. 「إنما كنتِ وأنتِ تجلسين وحيدةً في عيد الكرسماس وتُضيّعين تلك القوة هباءً، أم تراني مخطئة؟ أمثالك من الناس من جاءتهم المقدرة على تغيير مستقبلهم ومع ذلك يرفضون محكومٌ عليكم بالعيش والموت في ظلامٍ منسيين.」

لابد أن تلك الكلمات حملت سحرًا كبيرًا إذْ أن الفتاة بالقبعة المحبوكة غيّرت رأيها فورًا.

「قوة الحيوان رباعي الأرجل قد تُستَخرجُ من إصبعٍ واحد. تخيّلي خطًا يمتد من مركز قلبك إلى طرف إصبعك الأوسط، ودعي جوهر النار يزمجر!!」

-بٌجّْجّْ!!!!- تبع ذلك وميضٌ من الضوء ساطعٌ وصوتٌ أشبه بانصهار معدنٍ أكثر من احتراق.

وكان ذلك دقيقًا لأن منصة المشاة قد ذابت وتقطعت.

「ما الـ—؟!」

「أهـ هههه.」

كانت استجابة فتاة الثانوية بالقبعة المحبوكة غريبة.

لأمكنها أن تصير قاتلة بسهولة في تلك اللحظة، لكن الفرح كان يكسو وجهها. بدت كتلميذة ابتدائية أظهرت قدرتها الإسبرية لأول مرة.

「فعلتها، فعلتها!!」 استمرت تمُدّ يدها نحو ميكوتو وميساكي. 「لقد فعلتها حقًا!! أجبرت #3 الشهيرة أن تتنهد وتتراجع. هَي، صَوَّرتِ؟ السيلفي لا يكفي! لابد أن ينتشر هذا أوسع! فلقد اتضح أن قوتي حقيقية!!」

اندهشت ميكوتو من مدى غرابة الموقف، لكنها سمعت بعد ذلك ضحكا يبتعد. كانت آنا سبرنجل تنسحب عبر الحشد وتهمس بعدة همسات لكل من تلتقي به من أولادٍ وبنات. مع البعض استخدمت ضغينة، وبعضهم أغوتهم بكسب مالٍ سهل، وبعضهم عن عقدة نقص، وبعضهم عن رغبة في ترك الوحشة. اختارت الكلمات المثالية لتتغلغل داخل قلب كل فرد.

وكان هذا كل ما احتاجته لتُطلق شيئا ما فيهم.

أخرج طلاب المدارس الإعدادية والثانوية الذين كانوا يستمتعون بعيد الكرسماس بعض الأشياء من جيوبهم وحقائبهم. منها عصي بلاستيكية، ومنها ميداليات معدنية، ومنها بطاقات صنعت بطابعة بطاقات العمل التلقائية.

صرخوا جميعًا بشيء، لكن ميكوتو لم تعد تدرك الكلمات.

اهتزت أصواتهم عبر المنصة بأكملها كأنها تشجيع الجماهير في الاستاد، وأنتجت أصواتهم أشعة من الضوء وانفجارات ورمحًا من الجليد وأشكالًا بشرية اندفعت نحو ميكوتو مثل فيضان مفاجئ.

أنذّرها حدسها وحَذّر.

كانت تعرف أن هذه ليست قوى إسبرية التي اعتادت التعامل معها.

حاولت غريزيا أن تقفز بمغناطيسيتها لتتفادى الهجوم، لكنها شعرت بمقاومة في ساقها اليمنى.

كان أحدٌ ما يتمسك بها، ويضغط بكعكتين صدريتين على ساقها.

كانت الفتاة حقًا تحمل دموعًا في عينيها من فكرة واحتمالية أن تُترك وحيدة.

「أي نوع من الخدم تكونين أيا خادمة عنيفة؟ اهتمي بملكتك واحمي جمالها الذي يولد مرة في الألف عام، يا ميساكا-سآااان!!」

「بوااهه؟!」

فقدت توازنها وسقطتا معا من الدرابزين، وابتعدتا بعيدًا عن منصة المشاة تمامًا.

لكن لعلّ ذلك أفضل قرار قد تتخذه حيث أن أشعة من الضوء أحرقت السماء في الأعلى. لم تُرد ميكوتو الاعتراف، لكن ربما كانت ستُمزق جراء تلك القذائف لو أنها تابعت خطتها الأصلية في الهروب.

بدلاً من السقوط على الأرض، استخدمت مغناطيسيتها لتربط كليهما بأسفل منصة المشاة. هذه الحركة المفاجئة خَلّصتهما من كل النظرات من فوق ومن تحت المنصة.

「أتدرين ما كان ذلك؟!」

「ليست قدرة إسبرية، هذا مؤكد. ولو كانت، لما كان كلانا، ونحن من المستوى 5، نختبئ هنا كالحشرات.」

「أتفق معك، لكن هذا ليس حديثي. إذا ظهرت فيك "قوة خاصة" فجأة، فهل ستقتلين الناس بها فورا؟ بصراحة، لم تكن كلمات آنا مغرية أبدا. ومنطقيا، أي إنسان سيشكك كثيرا في أي عرض تقدمه له فتاة صغيرة لا ترتدي شيئا سوى قطعة قماش رقيقة. عادةً ما يحاول المحتالون أن يظهروا بمظهر المحترم قدر الإمكان وهم يبيعون حديث مبيعات محسوب! فكيف إذن نجحت معها؟!」

كانت ميكوتو تسأل أقوى نفسانية في المستوى 5 إن كان قد حدث أي "تدخل" وراء ما حدث.

「كل ما فَعَلَتهُ هو الكلام.」 رفضت الملكة الفكرة قطعيا. لكن، 「لربما ينجح ذلك لو كان معها معلومات شخصية عن الهدف. تحديدا، لو أنها قد درست كل مشاكلهم الداخلية، كعقدة النقص والصدمات النفسية والتوتر العقلي الذي يحتاج إلى تفريغ.」

「لكن كيف لها...؟」

توقفت ميكوتو فجأة حيث وجدت الجواب.

خفيانية R&C.

بدت تلك الشركة الضخمة في مجال تكنولوجيا المعلومات وكأنها ظهرت من العدم، وأخذت طلبات التنجيم من جميع أنحاء العالم. وهذا تطلب أسماء الناس وأعمارهم، وتواريخ ميلادهم، وأنواع دمهم، وغيرها من المعلومات الشخصية المهمة حول الطالب والهدف. (فهل كانت تشمل أيضًا المشاعر الأفلاطونية [4]، مثل رئيسٍ تكرهه، أو أحدٍ تريد الانتقام منه؟) حتى السبب وراء رغبة المرء في التنجيم كان كنزًا من المعلومات عن شكوكه وهمومه. الاحتمالات التي يرفضها المرء لنفسه والكلمات التي يرغب في سماعها من فاه أحدٍ آخر هي مؤشرٌ قوي على جروحه النفسية.

كانت شركات تكنولوجيا المعلومات العملاقة تحب أن تُظهر كيف أن المعلومات الشخصية أصبحت شكلًا جديدًا من الأصول القابلة للاستثمار، لكنها تفعل كل ما في وسعها لاستخراجها من الناس دون دفع أي شيء لهم، لذا فإن تحليل سجل تصفح الفرد حتى تعرض له الإعلانات الأكثر فعالية كان أمرًا بسيطًا عليهم. إذا تعمقت أكثر في هذه التقنيات، فقد تؤثر في العالم الذهني غير المادي من خلال [التحليل النفسي] و[قياس إنسانية الناس] و[إنشاء طائفة إلكترونية] وأكثر من ذلك.

بمعنى آخر، كان من الممكن تطوير مفتاح رئيسي لا يؤثر على بقية السبعة مليارات نفرٍ حول العالم، ولكنه مصمم بعناية لتحريك شيء ما داخل فردٍ واحد ليُدفع نحو فعلٍ مُعَيّن. وبالطبع، هذا يتطلب استثمارًا ضخمًا مسبقًا لدرجة أن الأمر كان غالبًا غير مجدي.

لكن هذه الغبية العجيبة قد فعلتها فعلاً.

هذه الحمقاء تجاهلت كل التنبيهات من الناس الأحكم وفَعَلتها على أي حال لسبب واحد بسيط: لأنها تستطيع.

「بالمناسبة.」 وصل صوت ضحك آنا سبرنجل القاسي من مكان ما في الحشد. بَدَت كطفلة لم تُعَلّم قيمة الحياة. 「علم النفس يتعامل مع الأفراد والمجموعات. مثلما يركض فرد يتسابق مع غيره سعيا نحو التخفيضات أو كما في حفلة موسيقية حيث سيُدفع الجميع للقيام بنفس الشيء، إنَّ تصرفات بعض القِلة تتغلغل وتنتشر عبر مجموعةٍ أكبر. ولأوضح لكما الأمر، حُكم مجموعة لأسهل علي بكثير من حُكم الفرد.」

سمعت ميكوتو صوتًا غرغريًا.

فرفعت دفاعاتها ضد ما قد يحدث، لكن "الفيضان" الذي وقع سابقًا لم يتكرر.

متحيرة، اخترقت كاميرة الشارع القريبة وعرضت مقاطعها على شاشة هاتفها الصغيرة.

「مهْ، ذلك؟」

هل كان هذا سؤالا من ميكوتو أم من فتاة الثانوية بالقبعة المحبوكة؟

الفتاة التي استخدمت تلك التقنية الجديدة الغريبة "السحر" وضعت يديها على فمها. وتسرب من بين أصابعها سائلٌ أحمر داكن. وكان سائلٌ لزجٌ كثير تساقط على منصة المشاة بحيث ما كان ليكون مجرد خدش أو جرح بسيط.

「إهـ، إهـ؟ مَهْ—بف. كحح، كحح، كح!! ماذا يحدث لي؟!」

مدت يديها الملطختين دمًا تبحث عن مساعدة، لكن لم يتقدم أحد. وفي الواقع، كان باقي الأولاد والبنات الذين استخدموا ما كان يُسمى بالسحر يسعلون الدم ويسقطون على الأرض مثلها. لا، بل تجاوز الأمر سعالا دموي. كانت الأوعية الدموية في أجسادهم تنفجر، وكانت علامات زرقاء داكنة من النزيف الداخلي تظهر على بشرتهم، وبعضهم قد انفجرت أوعيتهم الدموية من أعينهم أيضًا إذْ أن بياض الأعين قد تلونت بالأحمر.

ولا إجابة تراها هنا.

بالطبع، لن تجد إجابة والناس هنا لا يفهمون آلية ما يُسمى سحر.

تمسكت عقولهم بالتكهنات هربًا من خوفٍ نتج عن جهل، وأدى ذلك إلى تحفيز كرهٍ جديد.

بمعنى آخر...

「......المصنفة #3 من فعلت هذا.....」

كان هناك استياء عميق في أصواتهم.

رفضوا الاعتراف بخوفهم، فاستقرّ الاستياء في قلوبهم وأدّى إلى عدوانيةٍ وبغضاء بسيطة، حتى يُجنبوا النظر عن مواجهة هلاكهم القادم.

كانوا مدفوعين بخوف خفي.

قد تراجعت الحضارة هنا إلى العصور التي سُمِّيَت فيها الجراثيم بلعنة الساحرات. إذا أصابهم البرد من شتاءٍ قارس، فهي ميكوتو من فعلتها. وإذا اخشوشن حلقهم بعد الصراخ كثيرًا، فتلك أيضًا من ميكوتو.

「هي استخدمت عليكم موجات المغناطيس بطريقة ما!!」

「نعم، صحيح. وإلا كيف انفجرت أوعيتنا الدموية إن لم تكن هِيَ؟」

「إما هي أو نحن! التحليل الكهربائي قد يدمر وبسهولة فيتاميناتنا!!」

كان من الصعب على ميكوتو التنفس.

حتى شوكُهو سألت سؤالًا مرتعشًا وهي تحت منصة المشاة التي كانت تتدلى منها أطراف من الجليد.

كان هناك شك في عينيها.

「......ليس أنني أشك، ولكنكِ لم تفعلي.....صح؟」

「أكيد لا!! ما عندي فكرة ما يحدث هنا. وأصلاً لا أستطيع أن أسبب ذلك ولو أردت!!」

صاحت ميكوتو في وجه شوكُهو، لكن ذلك لم يقلل من الموقف إحراجًا. نعم، كانت ميكوتو وشوكُهو تعرفان أكثر عن الوضع من أي طالب آخر، لكن حتى هما لم تعرفا تمامًا ما يحدث. ومن دون علم، ما عسى ميكوتو أن تكون متأكدة مئة في المئة أنها لم تتسبب في ذلك بطريقة غير مقصودة.

لو كان كاميجو توما هنا، لشرح الأمر على الفور. ولقال أن هذا هو التأثير الجانبي الواضح عندما يستخدم أسابِرُ العلومِ التعاويذَ السحرية. كان سيقول لهؤلاء الطلاب أن يتوقفوا إذا كانوا يريدون تجنب تدمير أوعيتهم الدموية وأعصابهم.

لكن الغالبية العظمى من سكان مدينة الأكاديمية لم يكن لديهم هذه المعرفة.

وبدون المعرفة اللازمة لتجنب الضرر الحاصل، ما كان لهم إلا اللجوء إلى الخرافات الفارغة.

اقتلوا الساحرة، وكل مشاكل العالم ستُحل. اكسروا موراماسا فسَيْفه عَكّر صفو سلام العالم. في الغرب والشرق، دائمًا ما تجد حالات من الهستيريا الجماعية المجنونة حيث يهاجم الناس الأقلية ليحققوا راحة البال.

كان الناس أرعب لَمّا يستوحيهم الخوف بدل الغضب.

لأنهم لن يعودوا قادرين على أن يتخذوا قرار أن يُخفضوا القبضات المرفوعة.

「هيه، ماذا نفعل؟ قد رأت أصلا من نحن. يا ربي. هذا مخيف.」

「اخرسي. لا رجعة الآن بعد أن بدأ القتال. إن لم نهزمها الآن، ستنتقم منا!!」

「امسكوها!! قبل أن تهجم من جديد!! فهجمتها الخفية تلك قد تخترق جدران سكننا، لذا علينا أن نقتلها الآن!!」

「ميساكا-سان」، قالت شوكُهو، لكن ميكوتو تحركت قبل أن تكمل كلامها. ولا تزال الملكة في ذراعيها، استخدمت ميكوتو المغناطيس لتتأرجح لأسفل منصة المشاة كأنها على أرجوحة. طارت في شكل  ر  كبيرة لتصل إلى نقطة عالية فوق قبل أن يملأ المكان أسفل المنصة بأشعة الضوء والحرارة الشديدة. تلك المنطقة من المنصة ذابت فعلاً، ومالَ كامل الهيكل كأنه فقد توازنه.

توسعت عيون الـ #5 واسعةً وهي تتشبث بجنبي الـ #3.

「لن نحصل على اللقاح أو الترياق إذا فقدنا أثر تلك الوحش. وسوف تُدمر المستشفى إن وصلت. فأين ذهبت آنا سبرنجل؟!」

「لا أعلم!! لكن هؤلاء الناس الذين ينهارون هم الأولوية الآن. هل فعلت آنا شيئًا لهم؟!」

كلما استخدم الطلاب المذعورون السحر، ضَرّوا أنفسهم أكثر، لكنهم كانوا يخطئون في ذلك ظناً أنها هجماتٌ غامضة من ميساكا ميكوتو فازداد الرعب في أنفسهم وتمسكوا بالسِّحر أكثر فأكثر ليتخلصوا من هذا الخوف. ولسوء الحظ، ما كان هناك أحدٌ يُنذرهم أنهم محاصرون في دورةٍ عبثية ميؤوس منها.

كاميجو توما لم يكن هنا.

لكن ميساكا ميكوتو ركزت على ما يجب عليهما فعله بينما تطيران مقلوبتين في الهواء.

「شوووووووكوهووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو!!」

الصفعة اللفظية على الخد جعلت الملكة تتنهد فأمسكت بريموت (جهاز تحكم).

نعم.

آنا سبرنجل وميساكا ميكوتو كانتا استثناءات، لكن [مِنتل آوت] أهلٌ أن تتولى أمر هذه المجموعة العادية من الناس.

ضغطت على زر واحد، فتجمد الجموع والعالم من حولهم.

كل أولئك الأولاد والبنات كانوا يقصرون حياتهم بالسحر كأنهم ذاك الذي يفحص للمرة الأخيرة بابه ليتأكد أنه أغلقه قبل أن يذهب، ولكن الآن توقف الجميع.

انكسرت الدائرة السلبية.

وفي نفس الوقت، كان الوحيد الذي لا يزال يتحرك بين الناس يبرز كالبعير بين الخرفان. كانت هيئة صغيرة تنزل السلالم من المنصة المائلة.

فمن غيرها…

「آنا سبرنجل!!!!!!」

  • الجزء 9

「آهخ، لاحَظَت. تلك النفسانية ما تزال مليئة بالمفاجآت والمرح. لعلنا نتناسب لبعض.」

ابتسمت آنا وهي تنزل من منصة المشاة المغطاة بالثلج نحو الحشد على السطح.

وعاملٌ جزئي بطابع بابا نويل على دراجةٍ هوائية حمراء كان محاصرًا في الحشد وهو يحمل هاتفًا وحقيبة معزولة، من المفترض أن أحدًا ما قد طلب طلبية إلى هذه المنطقة دون تفكير. ويبدو أن أولئك الدروع البشرية قد صَعَّبوا على الفتيات مهاجمة آنا، فتنقلت ببراعة عبر تلك الحواجز البشرية وتابعت سيرها. بدأت تفكر في أن استخدام الدراجة قد يكون ممتعًا لأنها رأت محطة تأجير دراجات مزخرفة بطابعٍ كرسماسي شكلت شجرة معدنية عن طريق ربط العديد من الدراجات بباب دوار مصنوع من قضبان معدنية على شكل صليب.

(واثقةٌ أنهما خمّنتا مقصدي، فهل تراهما ترتبكان إذا وصلت قبل الموعد؟)

شدت الفتاة الصغيرة قماشها الأحمر بالقرب من صدرها وابتسمت ببرود. كان خطر أن تكون مفضلها واضحًا كفاية أنه لذلك الفتى الذي اقترب من الموت بسبب قُبلةٍ غير متوقعة منها.

أشواك هذه الوردة تؤذي كل حياةٍ حَوْلها.

عبرت الحي الأكاديمي 15 الذي كان لا يزال يحتفل كما لو كانوا في سدوم وعمورة (وهو ليس مفاجئًا لمدينة بُنِيَت بواسطة أليستر) وتوجهت إلى الحي المجاور.

الحي الأكاديمي 7.

لكن قبل أن تصل، سقط نجمٌ أسود ثاقب عموديا.

بسَيْفٍ من الرمل الحديدي صنعته من تجمع كل الرمال الحديدية في المنطقة، حيث كان اهتزازه يصل لسرعات تتخطى العين، ميساكا ميكوتو قد سقطت مباشرة على رأس آنا.

رفعت الآنسة سبرنجل يدها الصغيرة.

لكن أصابعها كانت متشابكة بطريقة غير عادية بدل أن تمد يدها وحسب.

كان هذا كافيًا أن توقف هجومًا قادرًا على قطع قطار مدرع.

「وإنَّكِ لمُمِلَّةٌ يا ميساكا ميكوتو. كنتِ مثيرة نوعًا ما عندما تمزجين بين العِلم والسحر بالأنتي أرت أتاتشمنت، لكن ليس بعد الآن. الآن بتِ مجرد قوية عادية. لكِ أن تزيدي معاييرك كما تشائين، لكن حركاتك نفسها صارت رتيبة بسيطة. لستُ مهتمة بزعيم مرحلةٍ يتطلب أقوى المعدات، فهيّا انقلعي عني.」

「ء!؟」

لم تتوقع ميكوتو أن تحقق ضربة دقيقة.

في اللحظة التي حاولت فيها اختراق الحواجز، لم تكن آنا سبرنجل هي من تدمرت. بل أحد الأشجار المعدنية التي كانت منتشرة هنا وهناك في الحي 15. كانت محطة تأجير الدراجات تشكلت من خلال ربط جميع الدراجات بأعمدة معدنية لتشكل شجرة.

تساقطت سحابة كبيرة من الثلج في الهواء حول نقطة هبوطها.

تصدعات مزعجة اجتاحت الدرج المعدني والخرسانة التي كانت تقف عليها آنا. انقطعت الأعمدة المعدنية إلى قطع صغيرة وانزلقت الفتاة التي كانت تبدو في العاشرة من عمرها إلى الأرض مع الحطام الناتج عن الدراجات.

كانت هذه الدراجات مستأجرة، لذا لم تستخدم أي مواد فاخرة مثل إطارات الكربون أو الألومنيوم.

وهذا يعني أن ميكوتو كانت تستطيع التحكم بها عبر المغناطيسية.

(لا أحتاج إلى هزيمتها. إذا استطعت سحقها تحت هذه الحطام وأعجزتها عن الحركة وثبتها، فلن تتسبب في المزيد من المتاعب. وما إن أقبض عليها، سأطبق عليها ضغط أكبر من كل الاتجاهات بمغناطيسي لأؤكد قيدها!!)

「لن يفيدكِ جدوىً.」

اخترقت صوتها قلب الفتاة.

وحتى بين الحطام لم تُضيّع هذه الكلمات القاسية دربها.


「قلتُ لكِ، لستُ مهتمة بقوةٍ خام. لأنني أعرف وفعلا من يربح في مثل هذه المنافسة.」


وكأن بركانًا قد انفجر.

قِطَعُ الخرسانة والحواف الحادة تفرقت في كل مكان. ودُفِعَت ميساكا ميكوتو (وشوكُهو ميساكي التي تشبثت بجانبها) في دوامة عنيفة. قُذِفا بزاوية عالية، فبدل السقوط إلى الأرض، زرعت ميكوتو قدميها على جدار مبنى قريب لتقف عليه.

「ماذا...حدث للتو!؟」

「امهلي، ما ذلك؟」

كانت أسئلة ميكوتو وشوكُهو مختلفة بشكل طفيف.

عندما رمشت ميكوتو عينيها وأعادت النظر، لاحظت وجود شكلٍ شفاف يقف بجانب آنا سبرنجل. كان "الشيء" يرفع قبضة صغيرة للأعلى بطريقة سخيفة.

ما ذلك؟

لم تعرف حقًا.

كان يبدو ككائن بشري يبلغ طوله طول رجل، لكن نبتت من ظهره أجنحة ضخمة كأجنحة البجعة، وكان رأسه قد تحول إلى طائر جارح كصقر أو نسر. وأضاء بتوهجٍ بلاتيني شاحب وليس بممكنٍ أن تُخطئ فتحسبه إنسانًا عاديًا. لكن رغم مظهره الشيطاني، سترى هالةً متوهجة تحوم فوق رأسه القاتل.

أي أحدٍ سيعرف ما يعنيه هذا.

حتى في كتب الأطفال المصورة سترى هذه الرمزية تشير إلى الملاك.

شعرت ميكوتو بشعور فظيع خطأٍ، اشمئزازٌ ورفضٌ يتسلقان عمودها الفقري، كأنها رأت جثة متعفنة ملأها الدود يتم تسميتها بالفائزة في مسابقة جمال ومع ذلك لا أحد يسأل أو يشكك.

كان هذا الكائن خطأ.

ليس الأمر متعلقًا بالفصل بين عِلمٍ وسحر. حتى ميكوتو، عابدة علم ولا تفقه شيئًا عن الغرائب، استشعرت من هذا كفرا وتجديف.

فتلكما هي ما خطرت على بالها وهي ترى هذا الكائن الذي يكسر القيم العادية للناس بمجرد وجوده.

「إيواس」 همست الطفلة ببرود، وهي تغطي عريها بقماش رقيق.

أوكان هذا اسمه؟ لم تكن ميكوتو متأكدة حتى إن كانت أذناها قد سمعت صحيحًا. ولو أنها حلّلت الترددات العالية والمنخفضة بجهاز سمعي، لربما اكتشفت أن اسمه نُطِقَ بطريقة مختلفة تمامًا.

على أي حال، هذا كان على مستوى آخر تمامًا.

لعله كان حتى المصدر الذي شارك قوته مع الوحش المسماة آنا سبرنجل.

لكن ميساكا ميكوتو أجبرت نفسها أن ترى الوضع من زاوية إيجابية.

「.......قد أخرجنا هذا منها. هذا يعني أننا كسرنا ابتسامتها الواثقة.」

「ا-امم-ممم، ميساكا-سان؟ أشك أن منتلي الآوت سينجح أمام هذا الملاك الصقري، فإذا اكتفيتِ مني، فهلّي أن أرجع إلى سرير ذلك الولد في المستشفى و...」

「هذا يعني أن المعركة الحقيقية قد بدأت أخيرًا!! مسارنا هنا صحيح. إذا استمررنا هكذا، سنجبر آنا على استنفاد كل ما في جعبتها!!」

「أرجوك، دعيني أذهب!!!!!!」

نظرت الطفلة إليهما من الأرض.

لم تكن مبتسمة بعد الآن.

تحدثت آنا سبرنجل مع ذلك الوحش الغريب بجانبها.

لم تلتفت حتى إلى شريكها الموثوق هذا.


「لا تخرج إلا عندما أدعوك يا سفيه. خَرّبت متعتي.」


غليان.

انغلت ميساكا ميكوتو وظنت أن رؤيتها تحولت إلى الحُمران تمامًا.

كان لآنا وسيلة للفوز في أي وقت، لكنها اختارت ألّا تستخدمها. لقد سَيّرت المعركة بينما ترقص برشاقة على الخط الفاصل بين الحياة والموت، وكأنها تستخرج آخر قطرة من الدم.

أفهل حقًا ما عندها شيءٌ آخر تُقدّمه؟

أما كان فيها رغبة حقيقية لا تصبر على تحقيقها؟ أو قلقٍ من أن الأمور لن تكون كما رَجَت إذا أخفقت في هذه اللحظة؟ أولم تشعر بإحباطٍ أو كراهية لدرجة تفقد نفسها؟ ألهذه الدرجة امتلئت ثقةً أنها تستطيع اللعب والمرح قدرما تشاء وتختار أكبر عدد من الطرق والخيارات لتُجربها؟

حتى وميكوتو تقلق وتخاف على الناس البريئين الذين أصيبوا، والتهديد المؤكد للمستشفى، والميكروبات التي تأكل حياة ذلك الولد من الداخل؟

「إياكِ—」

جمعت ميكوتو قوتها في حاجبها ورصّت أسنانها بشدة لدرجة ظنت أنها تكسرها.

وجهزت زئيرها.

لكن قبل أن تفعل، تنهدت الآنسة سبرنجل وقالت أكثر.

「لأنني يا سفيه قادرةٌ على نحرهما فورا ودونك.」

  • الجزء 10

 دُـــفف....ءء!!!

رجفةٌ مشؤومة؛ هزت أركان كامل المدينة الأكاديمية.

  • الجزء 11

تشوّه الهواء ولم يتحرك أحد.

كانت هذه هي الأجواء المظلمة لِما بعد المعركة، حيث رُميت الجثث.

وفي وسط كل ذلك...

「هم، مم، مم ممم.」

اختبأت فتاة صغيرة بشرتها الناعمة تحت قطعة قماش حمراء وهمست بأغنية كرسماسية نشاز.

لم تكترث بالنظر وراء.

لم يبقَ أحدٌ يوقف دربها، فعبَرت ساقاها الصغيرتان الحدود إلى الحي السابع بهدوء.

ذلك هو موطنهم.

وفيه ذاك المستشفى.

(والآن، يا ترى هل كان أولئك الأبطال الصغار الأبرياء يدركون ما يعنيه القلق على حياة أحدٍ آخر؟ فذلك يعني أنك تؤمن أن حياتك ليست في خطر وأنها ليست ساعتك بعد.)

تابعت آنا سبرنجل توجه هاتفها المحمول بينما تتكلم بصوت عالٍ.


「الاعتقاد أنك مميز وأنك لن تموت هو شكلٌ شائعٌ من جنون العظمة بين المراهقين، لكنني أشك جديًا أنَّ العالم الحقيقي سيكون لطيفًا ذلك الحد.」


كلنا أموات في النهاية.

لكن في معظم الحالات، لم يعرف الناس ساعتهم.

  • ما بين السطور 2

شيءٌ يدفع من معدته.

ظنّ أنه قيء، لكنه كان دمًا. بعد أن رش شيئاً بلون عصير الطماطم في الحوض المضاد للبكتيريا، تراجع كاميجو توما متمايلا.

ومع وجود العديد من المرضى الذين يعيشون في أماكن مشتركة، سيتشكل طابور أمام الحمامات إذا كانت هي الأماكن الوحيدة التي بها مرايا للعناية بالمظهر وأحواض لغسل الوجه. ولهذا السبب غالباً ما كانت المستشفيات تحتوي على محطات غسيل منفصلة.

كانت تُستخدم عادة للحفاظ على النظافة والمظهر الحسن حتى في مكوثك في المستشفى.

لكنها لم تتصمم لترى وجهك الشاحب بيأسٍ.

「علة القديس جيرمان، هَه؟」 تنهدت أوثينوس من على كتفه.

كان تعبير وجهها الصغير في المرآة يقول إنها لا تستطيع أن تُطلق على نفسها لقب إله الحرب إذا كان اللون الذي تناثر في الحوض كافياً لإرباكها.

يمكن أن يُنظر إلى الفخر غالبًا على أنه شيء سلبي، لكنه كان مريحًا أن يكون المرء محاطاً بأناس يمتلكون المعرفة الصحيحة لِما يجب فعله في الأزمات.

「هل تعرفين ما يحدث لي؟」

كانت هذه ظاهرة غير مفسرة من حيث التحليل العلمي في مدينة الأكاديمية. كان كاميجو توما يثق تمامًا في مهارة الطبيب ذو الوجه الضفدعي. ذلك الرجل أنقذه مراتٍ لا حصر لها. لكن هذا هو السبب أن الأمر أثر به كثيرا، لأن العلة كانت فوق طاقة ذلك الطبيب.

لربما توسعت أعين فتيات توكيواداي لو سمعن نبرة صوته هنا. كان من غير المعتاد بالنسبة له أن يُظهر ضعفه هكذا.

تنهدت الإله ذات العين الواحدة الجالسة على كتفه وارتفاعها خمسة عشر سنتيمتراً تنهدًا خفيفا وربّعت ساقيها وهي جالسة.

「الساحر قديس جيرمان هو مستعمرة من الميكروبات الطفيلية. أوه، ولن تصيب أحدًا آخر إلا إذا اتُخِذت خطوات مُعَيّنة، فلا تخف بشأن ذلك. أرى أن القديس جيرمان نفسه أراد تجنب تخفيف نفسه أو تغييرها عن طريق الانتشار العشوائي.」

「.....」

「هذا يعني أن القديس جيرمان نفسه ليس له [طاقة حيوية] تُستَخدَمُ مصدرًا [للطاقة السحرية] (مانا). لعله يكون أسهل عليك أن تفهم ذلك من منظور شرقي بدلاً من غربي. بدون جسم يحتوي على الأعضاء والأوعية الدموية والأعصاب، لا يمكن للطاقة أن تتدفق، ولا يمكن أن يُحول تلك الطاقة إلى [طاقة سحرية] (مانا). ولهذا السبب، كان القديس جيرمان دائمًا يستخدم جسماً مضيفاً ليُحَوّل [الطاقة الحيوية] إلى [طاقةٍ سحرية] قبل استخدام السحر. بالنسبة لأسابر المدينة الأكاديمية، فإن الآثار الجانبية لذلك تعمل كهجوم داخلي تدمر الجسم.」

مسح كاميجو شفتيه الملتصقتين بظهر يده، لكنه شعر بأنهما ما تزالان متسختان. نظر إلى الأسفل فوجد أن ظهر يده تغطى بالدم أيضًا. تمزقت بشرته وبدأ سائلٌ أحمرُ داكن يَخرج.

حتى بعد أن رأى الجرح، لم يشعر بأي ألم واضح في تلك المنطقة.

وربما كانت فيه جروحٌ كثيرة بحيث لم يعد يستطيع تمييز أيُّهم. استشعر جسده كله بالحرارة والانتفاخ وكاد يُقسم أنه نَمَا فصار حجمه ضِعف ما كان. كان ككتلة بشرية من الألم.

「الطريقة مختلفة، لكن هذا يشبه إلى حد كبير ما تفعله آنا سبرنجل تحت ستار شركة تكنلوجية معلوماتية عملاقة」 قالت أوثينوس. 「طلاب هذه المدينة يتعرضون للهجوم من خلال معرفتهم عبر الإنترنت، بينما تتعرض أنت للهجوم المباشر من الداخل بالميكروب، لكن في الحالتين، يتلخص الأمر في المحرمة حيث استخدم الإسْبرُ السِّحرَ.」

سمع مجموعة من الخطوات السريعة تمر خارج الباب الزجاجي. ربما كانت الممرضات يسرعن إلى غرفة مستشفى بعد تلقي مكالمة طوارئ.

كان من الصعب كفاية أن تعثر على الذين انهاروا في مهاجعهم أو في الشوارع ثم نُقلوا إلى المستشفى، لكن المشكلة لم تنتهِ بهذا. كان عدد ضحايا خفيانية R&C مستمرين في النمو. وبمجرد أن يصلوا إلى نقطة معينة، كان من الممكن أن تتوقف المستشفيات عن العمل.

حتى بعد كل هذا، لم يكن لديهم أدنى فكرة عن هدف آنا.

لماذا أراد الروزكروشينيون التسبب في هذا الدمار الكبير في مدينة الأكاديمية؟

(.....ماذا علي أن أفعل؟)

سأل نفسه.

على الأقل، كان يعرف أنه لن يتحسن شيء إذا ظل هنا ببساطة. إذا لم يفعل شيئاً بينما لا يزال قادرا، فسوف تقل عدد خياراته المتاحة سريعا.

لكن إلى أين يذهب وماذا يفعل؟

شغل الصنبور ليغسل الدم الأحمر الذي شعر وكأنه انسحب مباشرة من عمره.

فتمتمت أوثينوس من على كتفه.

「ستعرف ذلك قريبا جدا.」

(صفحة المجلد)

<<الفصل السابق                        الفصل التالي>>

تعليقات (0)