الفصل الثالث: في فَراغِ الصِّفْرِ. — اتصال_6.
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
「وصول طارئ إلى المدخل 3!!」
「حالة أخرى؟ قد امتلأت كل الغرف!」
كان مدخل الطوارئ المخصص أساسًا لسيارات الإسعاف يعج بالتوتر لدرجة نسي الجميع أن اليوم كان الكرسماس. لم تكن هذه [غرف عمليات]، بل [غرف علاج] مخصصة للفحوصات البسيطة والإسعافات الأولية.
والكل يتساءل ما تلك الرائحة المعدنية —الأشبه بالصدأ— المتسربة من الغرف.
رغم أنهم يعرفون أن كل من يتحرك داخل الغرف والممرات يتم تطهيره بطرق مختلفة، إلا أن الرائحة ظلت عالقة في أذهانهم. لهذه الدرجة كان الوضع سيئًا.
سمعوا صفارة إنذار تُثير القلق (عن قصد) تقترب. وكانت فرق الإسعاف والأطباء يتحركون بسرعة جيئة وذهابًا. وبَدَا أن الداخلين والخارجين كأنهم أوراق لعب تُبعثر على الأرض. وكان على الممرضات وحارسٍ خاص طرد صحفي هاوٍ حاول استغلال الفوضى لالتقاط بعض الصور بكاميرة مخفية داخل قلم.
إذا انخفضت نبضات المريض أو ضغط دمه إلى مستويات خطيرة في [غرفة العلاج]، سيتم نقله في النهاية إلى [غرفة العمليات]. كانت سلسلة [غرف العلاج] الطويلة مخصصة للرعاية البسيطة لتجنب إثقال [غرف العمليات] المحدودة، لكن الفرق بين هذه وتلك بات ضئيلا جدا الآن. وإذا لم تعد [غرف العمليات] متاحة، فسوف يأتي الطبيب إلى [غرفة العلاج] ويعتني بأدنى حد ممكن دون مخالفة اللوائح.
ومصطلح "مستشفى ميداني" كان يتردد في أذهانهم، رغم أن أياً منهم لم يشهد واحدًا حقيقيًا من قبل.
「حقًا، ما الذي يحدث اليوم؟」 تساءل الطبيب ضفدع الوجه، والذي كان يرتدي كمامة كبيرة تغطي نصف وجهه.
بدا وكأنه منفصل عن ما يدور حوله، لكن لن يعرف أحد ما الذي شعر به حقًا في نفسه. قدرته على الحفاظ على رباطة جأشه في جميع الأوقات كانت دليلا على موهبته.
لم تكن هناك جروح خارجية واضحة.
على الأقل، لم يُنطعنوا بسكين أو اصطدموا بسيارة.
ومع ذلك، كانت هناك أضرار داخلية لا تُنكر.
تمزقت أوعيتهم الدموية وأعصابهم.
السبب مجهول، لكن عدد الضحايا استمر في الازدياد، وكانت معجزةً أن لا أحد منهم مات حتى الآن. الطبيب ذو الوجه الضفدعي اشتبه في البداية في وجود سُمٍّ أو بكتيريا أو إشعاع، لكن بما أنه كان واقفا الآن بينهم دون أي معدات حماية خاصة، فمن الواضح أنهم لم يعثروا على دليل على مثل هذا الاحتمال الخطر.
(ولكن وحدهم المختصون ذوو المعرفة اللازمة سيفهمون هذه النتيجة. وقد رأى الناس هؤلاء المرضى يُنقلون إلى المستشفى بعد انهيارهم في الشوارع. آمل ألا تتسبب هذه الأحداث في ظهور شائعات مضرة.)
قدّمت ممرضة جديدة، وهي ترتجف، صينية فضية.
「مم... هذه ممتلكات المريض.」
كل العاملين هنا بالكاد كانوا من طاقم طبي، وليسوا من الأنتي-سْكِل أو الجَدجمنت، لكن عندما تشير إصابةٌ إلى وجود جريمة أو عندما يُعثر على دليل لاستخدام مواد مخدرة غير قانونية، فَهُم ملزمون بتسجيلها والإبلاغ عنها بسرعة. وكان ذلك يتطلب معرفة بما كان لدى المرضى، خصوصًا وإن كان المريض مغشيًا وإنّ التعرف عليه كان ضروريًا.
「همم.」
لاحظ شيئًا مثيرًا بين المحفظة العادية والهاتف.
كان قرصًا يشبه قاعدة الكوب؛ مصنوع من البلاستيك الناعم. تَقَسَّم إلى ألوان مختلفة وبه رموز محفورة مما يشير إلى أنه ربما يحمل معنى معينًا.
「هل صُنعت هذه بطابعة ثلاثية الأبعاد؟」
「نواصل العثور على أشياء مثل هذه،」 قالت الممرضة بصوتٍ يكاد يرتعش من الخوف. 「وجدنا عندهم أشياء غريبة مثل جمجمة صغيرة أو بطاقات برموز غامضة! ما الذي يحدث!؟」
「.......」
الميثولوجيا، الغرائب، العالم الروحي.
فهل لهذا علاقة بتلك؟ تساءل الطبيب ذو الوجه الضفدعي عمّا إذا كان هناك شيء خارجي يؤثر على الطلاب ويُخرج قواهم عن السيطرة، لكن ذلك لم يبدو له منطقيًا. لأنه في هذه الحالة، كان من المفترض أن تكون الإصابات مختلفةً بناءً على طبيعة القوة الإسْبرية: حروق من [مُبعثي النار]، وجروح من [مُحَرّكي المادة]، وهكذا. من الصعب تصور أن يؤدي ذلك إلى أعراض متشابهة كهذا.
(عندما يكون السبب مجهولاً، من المهم أن نرجع إلى بداية الأعراض ونعيد تقييم كل شيء فعلوه. فهل يا ترى بدأوا بشيء جديد مؤخرًا؟ أم فعلوا أخيرًا شيئًا لطالما تجنبونه؟ فإذا توقفوا عمّا دخلوا فيه وذهبت الأعراض، عندها سوف نتيقن من السبب.)
لكن هذه الطريقة لن تقنع إلا نوعًا خاصًا من الناس يرون الآخرين موادًا تُلاحظ وتُراقب.
ثم سمع صوت أنثوي مرح يتحدث من التلفاز المسطح في مكتب الحراسة بجانب مدخل الإسعاف.
『هل تخشى أن الناس يخفون عنك أسرارًا؟ هل تشعر أنك مستبعد؟』
كان الجميع خائف.
والخوف يدفع الناس إلى فعل ما لا يفعلونه عادة.
قد يسخرون من هذه علنًا، لكن ما إن ينفردوا، تتغير الوجوه.
『حسنًا، لا تخف بعد الآن! ربما تعجز الطرق العادية عن مساعدتك، لكن السِّحْرَ الحقيقي يَحُلُّ عنك كل شيء في لمح البصر. إن كان من شيء تريد معرفته أو استقصاءه أو الكشف عنه، فتعال وسجّل دخولك إلى خفيانية R&C. مجموعتنا الكبيرة من طرق التنجيم ستخلصك من تلك المخاوف العبثية!!』
ومن كان يدرك أن التخلص من مخاوفك بهذه الطريقة سيجعلك الضحية التالية؟
لن تنتهي هذه الحلقة المفرغة السلبية حتى يُعرف سبب الضرر، لكن خفيانية R&C كانوا المسيطرين على المعرفة والبيانات اللازمة لمعرفة ذلك.
بدون تلك المعرفة، لن ينتهي شيء.
مثلما أنَّ شركات تكنولوجيا المعلومات ومصنعي السيارات يعرضون رسومات بيانية توضح كيف أن السيارات ذاتية القيادة خفضت حوادث المرور التقليدية بشكل كبير ولكنهم تناسوا أن يشيروا إلى زيادة الحوادث الناتجة عن الهجمات السيبرانية.
أو مثلما تُعلن المتاجر الإلكترونية عن مدى تحسينها لحياة الجميع ولكنهم تغافلوا عن مدى الإزعاج الذي يحدث عندما تغلق المتاجر المحلية فأصبحت مدينتك أو قريتك تعتمد كليًا على المتجر الإلكتروني.
أو مثلما تسلط شركات الغذاء العالمية الضوء على أنها لا تستخدم الإضافات الكيميائية أو المبيدات الزراعية ولكنهم فضّلوا ألا يشرحوا كيف جاءوا بفواكه وخضروات تبقى طازجة ونقية مريبةً وخالية من أي إضافات.
مُصَدِّروا المعلومات دائمًا ما يخفون أي معلوماتٍ قد تضر بهم.
كل المعلومات المتاحة للعامة كانت منحازة بطريقة أو بأخرى.
هذه إحدى الحقائق الأساسية حول الشركات العملاقة.
- الجزء 2
「اغغ」 تأوّه كاميجو توما.
استغرقته لحظة ليتذكر أين كان.
(آه صح. كنت عطشان فخرجت إلى الممر أبحث عن ماء.)
لم يقدر تحديد ما إذا كان يتألم أم لا. فَقَدَ كل إحساس وقدرة على الحكم على آلامه.
وكان يشعر عموما بكامل جسده يتورم. لم يعرف بالضبط ما يعنيه، لكنه يعلم أن هناك شيئًا خاطئًا فيه.
نظر إلى نفسه مجددًا. كان منحنيًا مُتكئًا على حائطٍ بارد في ممرٍ مهجور. حاول ببطء أن يقوم، لكنه عجز. لم يستطع الحركة، وكأن الحائط يجذبه.
「تكاد تصل حَدَّك يا إنسان.」
「أوثيـ...نس؟」
「قلت لك من قبل، ولعلّك نسيتَه من ألمك المستمر.」
أخرج شكلٌ صغيرٌ رأسه من جيبه. كان الإله ذا الخمسة عشر سنتيمترًا الذي عُرف باسم أوثينوس. صعدت الفتاة ذات الشعر الأشقر الطويل والمموج وذات رقعةٍ العين إلى كتفه.
「وإذا كان هذا الجرثوم الحاد [القديس جيرمان] معدلاً من قبل جماعة الصليب الوردي (الروزكروشين) كما تقول الأساطير، فإن التكنولوجيا هنا ستواجه صعوبة كبيرة في شفائك بالكامل. فهو ينمو أسرع مما يستطيع الإماجين بريكر نَفْيه. يا إنسان، إذا استمر حالك هذا، فإن يدك اليمنى كذلك لن تسلم من غزو الميكروبات. وإذا أملت النجاة من الموت، فعليك أن تحادث آنا سبرنجل لأنها من فعلت هذا بك.」
「......」
هذا الصح؟
ربما.
لكن عليه أن يسأل عن شيء آخر قبلما يمضي متبعا هذا الافتراض.
「كنتِ تعلمين؟」
「بماذا؟」
「أنني أحتاج آنا سبرنجل لإصلاح هذا. هل أخبرتِ أحدًا غيري بذلك؟」
تنهدت أوثينوس بتنهد قصير، لكنها لم تتردد في الرد.
「بناءً على الفوضى التي رأيتُها في الخارج، يبدو أن آنا تقترب من هذا المستشفى. لم أخبرهما بنفسي، لكن ميساكا ميكوتو وشوكُهو ميساكي اكتشفتا ضرورة آنا بمفردهما. ولكني لم أرَ أي سبب لأمنعهما.」
تبع هذا صوتٌ مكتوم.
كانت يد كاميجو توما تضغط بقوة على أوثينوس، لكنها لم تُحرك ساكنًا.
「هل ستشعر بالرضا إذا سحقتني؟」
「أوثينوس.」
「هناك شيءٌ واحد يهم هنا. آنا سبرنجل قوية، ولا لكَ أدنى فرصة للفوز إذا واجهتها بتهور وجهًا.」 استمرت الإله الباردة، إلهُ السحر والحرب والخداع، وبقسوتها المعتادة. 「لذلك من الضروري أن ترسل أحدًا غيرك يواجهها أولاً، لتكشف عن أوراقها قبل أن تواجهها بنفسك. فهل كنتَ تفضل أن ينجز أفراد الأنتي-سْكِل أو الجدْجِمِنت هذا الدور؟ سيُذبَحون بوحشية. ولأكون معك صريحة، لا أتوقع من تلكما الفوز، قطعا لا أتوقع، لكن تلكما من المستوى الخامس هما المرشحتان الوحيدتان من قد تصمدان كفاية في القتال قبل أن تخسرا وترجعان إلينا أحياء. وطبعا كل شيء سينتهي إذا أخفقتا، لكن على الأقل عندهما فرصة. وأي أحدٍ غيرهما كان ليُقتل بالتأكيد مهما حاول. وأكرر، بالتأكيد.」
「أوثينوس!!!!!!」 صرخ بغضب.
توقفت سلسلة كلماتها المنطقية عند هذا.
وبعد لحظات...
「ليس من حل موجود نُجنب به الضرر تمامًا. كان هذا هو خيارنا الوحيد الذي يترك ولو أدنى احتمال لبقاء الجميع.」
「هذه مشكلتي......」
「ولو جئتها وحدك تقاتل، لكنتَ أول المقتولين. ومن بعد ذلك كل شيء سينهار، حتى لتلكما الفتاتان اللتان تقاتلان الآن.」
「أرجوكِ يا أوثينوس.」
شَزَرت الإله إلى كاميجو كطفلةٍ غاضبة حتى وأن كامل جسدها الصغير كان مضغوطًا بين يديه. ولكن عينَي الصبي كانتا ترتعشان كطفل ضائع.
「أريد منكِ أن تنقذيني، ولكن ليس هكذا. أعلم أنني تأخرت خطوات كثيرة. قلتِ أن الإماجين بريكر وحده لن يكفي هنا، صحيح؟ حسنٌ، كان الحال دائمًا كذلك. لطالما اعتمدتُ على كل الحيل الممكنة فتجاوزت العقبات. لذا أرجوكِ. إذا كان لا بد أن يموت شخصٌ ما، فليكن هذا الشخص أنا. عندها سأكون معكِ 100٪.」
「فماذا لو رفضتُ؟」
「لا أريد أن أكرهك.」
هذه المرة، التزمت الإله الصمت.
أخفضت رأسها قليلاً، مخفيةً وجهها خلف حافة قبعتها الساحرية.
ثم تحدثت بصوت خافت جدًا يكاد يختفي.
「(كان ضروريًا، ولكن حتى الآن، ما زلتَ "لا تريد"، ها؟ إنها رِقَّـتُـكَ من تجبر الآخرين على اتخاذ القرارات الصعبة بدلاً منك)」
قبل أن يسألها كاميجو عما قالت، غرست أسنانها في إبهامه فأرخى قبضته عنها.
「آخ!؟」
「همف، يأيها الإنسان الوقح. لا تلمس ببساطة جسد الإله هكذا. وأعني من دون أن تطلب الإذن.」
استغلّت تلك اللحظة لتفلت من يده ثم تجلس على معصمه بساقيها الرفيعتين تتقاطعان.
「فهمتُ الآن سياستك، ولكن هذا ليس سببًا لتتجاهل المعلومات التي كسبناها الآن. سأخبرك بما تعلّمتُه عن آنا سبرنجل. لنبدأ بما تقدر على فعله. أياً كانت الطريقة التي ستنتهي بها الأمور، فلن تكون إلا بهزيمتك إياها.」
قد عزم أنه سيذهب إلى المعركة بنفسه.
هذه كانت معركته، فهو من كان عليه ومن ينبغي أن يتعرض للخطر دائمًا.
ولكن...
「مهلا؟ إذا كانت ميساكا و.... من الأخرى؟ على أي حال، إذا كانتا في الخطوط الأمامية، فكيف كنتِ تراقبينهما وقت القتال؟ هل تبادلتم أرقام الهواتف لتشاهدي بثًا مباشرًا أم شيئا كهذا؟」
「أحمقٌ مُعَيّن أتذكره كان ولا يزال فقيرا لدرجة أنني لا أملك هاتفا. وأصلا لن تجد هاتفا يكفيني حجما.」
شعر بالذنب لهذا، لكنه لم يحصل على إجابة لسؤاله. أوثينوس إلهٌ حقيقي، لكنها لم تستطع استخدام السحر في حالتها الحالية.
لسبب ما، جَنّبت النظر إلى عينيه.
تمامًا كطفلة خافت من التوبيخ. أو كطفلة سألوها عن من كسر النافذة وهي تخفي حقيقة أنها كَسَرت نبات البونساي أيضًا.
همست بسرعة والعرق يغمرها.
「(شركة خفيانية R&C تجعل الجميع يستخدمون أنواعًا من السحر العبثي، لذا فإن إلهًا محترفا قادرٌ وبسهولة أن يُعدّل تعاويذهم السطحية فيُضيف إليها تأثير هوجِن ومونِن سرا. لكنني حقًا لا يجب أن أخبره بهذا. بالتأكيد لن أتركه يعرف أنني من نشرت تلك الأدوات الروحية المصنوعة من ريش الغراب لمراقبتهم. أعني أنَّ الآثار الجانبية لاستخدام السحر تصيبهم سواء عدّلت تعاويذهم أم لا، لذا ليس وكأنني زوّدت الأضرار، ولكنني أعلم أنه سيغضب على أي حال.)」
هذه المرة، رفع كاميجو توما يده أعلى.
ضغط على رأس أوثينوس بين إبهامه وسبابته.
حان وقت العقاب.
تململت الإله ذات الخمسة عشر سنتيمترًا بعنف لفترة من ضغطٍ على صدغيها.
- الجزء 3
「غ... آغه.」
بحاحٌ وصل إلى أذني ميساكا ميكوتو.
حتى هي تفاجأت من أن صوتًا كهذا قد يخرج من حنجرتها ذي الرابعة عشرة من عمرها.
(لم أمُت؟)
لم تصل ذكرياتها بعد إلى ما قد حدث. كان ذلك نادرًا ولكن مزعج. وكأن جسدها يرسل إشارة تحذير قوية تخبرها بأن فتح باب الذكريات سيهدم غرورها.
ماذا حدث؟
(ماذا فعلت آنا؟ وماذا حدث بعدها؟)
كان بصرها متذبذباً غير مستقر. الجهل بما حدث تسبب في شعور طفيف بالهلع داخلها. ورأت شيئا يومض أمامها، وشعرت بألم خفيف ينبض في صدغها، لكن لم يكن هناك شيء يومض فعليًا—عقلها ببساطة عجز عن معالجة المشهد أمامها. كان الأمر أشبه بأن يُعرض أمامها فنٌّ بصري مخادع دون أن تُخبر عن كيفية رؤيته.
حاولت النهوض ببطء وأخيرًا أدركت أن شيئًا ناعمًا يُحيط رأسها.
شوكُهو ميساكي.
كانت الفتاة الأخرى جالسة على الأرض وتحتضنها إلى صدرها.
وكأنها تهدئ طفلاً صغيرًا.
「حية؟」
「...」
أجبرت ميكوتو نفسها على هز رأسها لتُركز على الواقع.
「لا أصدق أنكِ قُمتِ قبلي.」
「ولم أتخيل يومًا أنني سأعتني بكِ هكذا. ليس وأني امتلكتُ قدرة الخيار. فما عساي أنقِذُهُ دون أن أرميك على آنا، ولذا أنا مستعدة أن أفعل أي شيء، حتى أنني حاولت التمريض.」
كانتا في المنطقة 15.
لم تكن آنا سبرنجل هنا. لابد أنها قد غادرت.
وصلت رائحة محترقة أنف ميكوتو.
كما رأت بريقًا معدنيًا.
كتلة محطمة ومعوجة من الفولاذ كانت على الأرض بالقرب منها، لكنها لم تكن مركبة ذات أربع عجلات أو طائرة ذات أجنحة رئيسية وذيل مميز. رأت ما يشبه أذرع الأخطبوط أو الحبار وطلاءً خاصًا يتسرب على الشارع. كانت التقنية لزجة وسائلة، تُذكرها بجثةٍ متحللة.
بلعت ريقها بصعوبة.
(ما هذا؟ آلة من نوع ما؟)
「ذلك الفايف أوفر OS، نموذج: مِنتل آوت.」
كانت الفتاتان تختبئان خلف ما بدا وكأنه كرة بلاستيكية متفجرة بقطر عدة أمتار.
كانت ميكوتو مترهلة متعرقة رغم البرد، ورفعت شوكُهو يدها بلطف لسبب ما.
كانت أطراف أصابعها تتحرك وكأنها تتحكم بدمية مارونيت.
لابد أن القفازات التي ارتدتها كانت مصممة لقراءة حركات أصابعها.
「هل تعرفين تلك الآلات النسخة من #3 الأشبه بالسراعيف يا ميساكا-سان؟ حسنًا، هذه ليست مجرد نسخة من #5. بل أخرى مشتقة منها. ولأوضح، حصلت عليها من الجانب المظلم ويقال إنها ذات قيمة أكاديمية تُنافسني. لم أتصور أبدًا أنني أضطر لأضحية بها لأنقذ حياتي هكذا.」
كان عليهما اللحاق بآنا التي انطلقت.
هدّأت ميكوتو نَفَسَها وحاولت أن تبعد رأسها عن ذلك الدفء الذي بدا جذابًا كوسادة ناعمة دافئة في الشتاء. لكن جسدها رفض ترك هذه الراحة. جسدها أكثر من عقلها قد تعب من خوف الموت المنتظر إذا استمرت على هذا النحو.
زفرت وسألت سؤال.
「ماذا نفعل؟」
「وماذا نفعل؟ ننقذه. ويعني أن نسرق أي وصفة كانت عند الشريرة. وأنا مستعدة لأحرق كل أوراقي الطفولية لأحقق ذلك. إذن ما رأيك لو أحرق الورقة الثانية؟!」
مع صوت مكتوم، اندفع وميض معدني من الجانب.
كان هذا دُبّوراً طفيليًا غريبًا عجيب بحجم سيارة. التفتت قدماه الأماميتان حول شوكُهو ميساكي وهي خلف الحطام تختبئ. وقفت ميكوتو تشاهد فقط، ولكن عندما أدركت أنها على وشك أن تُترك وحيدة، تشبثت بسرعة ببطنه الزجاجي المقوى. انزلق الجهاز الغريب على الأرض ثم رفرف بأجنحته الأربعة النحيلة بسرعة ليرتفع في الهواء.
لم تكن هذه آلةً مشتقة إضافية.
بل نسخةً أصلية من [الفايف أوفر، نموذج: مِنتل آوت].
(بصراحة، حسبتُ أن هذا الشيء قد تدمّر في تلك المرة، ولكن عندما تحققّت وتمعّنت، وجدتُ مجموعة كاملة من قطع الغيار هناك. حقا لن تسترخي دقيقةً واحدة في هذه المدينة!!)
طار السلاح العسكري المستوحى من الدبورة النمسية نحو السماء في حركة سريعة على شكل لـا كقلمٍ أحمر عَلّم على اختبار.
السرعة النسبية أبدت من الثلج أشبه بعاصفة ثلجية تضرب مباشرة نحوهم.
「هل تعرفين أين ذهبت آنا؟!」 صرخت ميكوتو بفزع. 「إنها تتبع توجيهات هاتفها، لذا إذا لم نوقفها الآن، ستتوجه مباشرة إلى المستشفى. ولن يستغرقها الأمر أكثر من نصف ساعة!!」
「لكِ أنتِ هذا العمل البحثي الميكانيكي في المدينة يا ميساكا-سان. ابدأي باختراق الكاميرات الأمنية والهواتف لتجديها!!」
فهل يا ترى أقلعت شوكُهو فقط لتشعر بأنها تفعل شيئًا؟ قد تبدو باردة ومدبرة، لكن هذا الجانب منها ذكّر ميكوتو بأحدٍ آخر. سحبت ميكوتو هاتفها، لكنها زمّت شفتيها بضيق. لم يكن العثور على آنا سهلاً كما أبدته شوكُهو، لكن.....
「بعض الكاميرات تعرض إطارات متكررة غير طبيعية وكأنها تحاول إخفاء أحدٍ.」
「أين؟」
「استمري شرقًا. فتلك لا تحاول حتى أن تُضلل مَن يلاحقها، إنها تتبع أقصر الطرق إلى المستشفى!!」
زادت سرعة الطيران.
لو لم يعرفوا المسافة المطلوبة، لربما مرّوا بها دون أن يلاحظوا.
سحبت ميكوتو عملة آركيد من جيبها.
قد وصلوا المنطقة 7.
إذا كانت آنا حقًا متوجهة إلى حيث تظن الفتاتان، فما من لحظة يضيعونها.
「حافظي على الوضعية والسرعة ثابتين! ولنرى كيف ستتعامل مع قصف جوي!!」
ثم فجأة بدأت الدبورة العملاقة تتوقف. العاصفة التي كانت تضرب بسبب السرعة النسبية غيّرت اتجاهها. سقطوا مباشرة كدمية مقطوعة الخيوط. فتحت ميكوتو عينيها على اتساعهما وهي متشبثة بالدبورة.
「ماذا، تعطلت؟!」
「لا، شيءٌ آخر!」
أجنحة الحشرة الميكانيكية استمرت تهتز بسرعة كبيرة لدرجة أنها خلقت صورًا وهمية. لم تكن هناك أي أضرار بالجهاز، وكان أداؤه لا يزال في مستواه الأمثل. ومع هذا، فقدْ فقدَ السلاح العسكري المتطور توازنه وسقط نحو الأرض.
رأت ميكوتو ابتسامة آنا سبرنجل الرقيقة في الأسفل.
كانت أيضًا ترفع راحة يدها الصغيرة نحوهم.
وهذا كل شيء، لكن...
「هل قبضت على الهواء وضغطه الجوي بحد ذاته؟!」
الطائرات والمروحيات لا يمكنها الطيران في أي مكان ببساطة. لديها ارتفاع أقصى. الأجهزة التي تطير بتفاعلها مع الهواء تفقد قدرتها على الطيران إذا كان الهواء رقيقًا جدًا.
سمعت ميكوتو صوتًا هادرًا مكتومًا بعد ذلك بقليل.
هاجمت دوامة محلية سماء المدينة الأكاديمية وتمزقت أضواء وأشجار عيد الميلاد ورُفعوا إلى الأعلى وكأنهم على مصعد فضائي. ولقد ضربوا الفايف أوفر فما عساها إلا السقوط بعدما فقدت بيئتها الملائمة للطيران.
「غغه!!」
تحطموا على الأرض وانفجر الثلج الأبيض المتراكم من حولهم.
استخدما سلاحين فائقين من نوع [فايف أوفر] دون أن يسببا أي ضرر حقيقي لآنا على الإطلاق.
كانا على بعد أقل من مئتي متر منها، رغم أنهما كانا مفصولين ببعض المستودعات المؤقتة (ربما قواعد الطائرات بدون طيار) التي بدت مثل خيام السيرك.
「حسنٌ، لنتدبر أمرنا،」 تمتمت ميكوتو وهي تنهض من على الأرض.
في معركة طويلة ومملة لأنمي روبوتات، قد ينسحب الأبطال ويعيدون المحاولة بمجرد أن يواجهوا أدنى مشكلة. لكن في الواقع، فقط الجانب الذي يمتلك جودة وكمية أكبر يمكنه الهروب من مطاردة العدو ليغادر ساحة المعركة. أما إذا استدار الجانب الأضعف بحماقة، فسوف يُسقط مثلما حدث الآن.
هل ستتجه آنا سبرنجل نحوهم؟
أم تتجاهل أعداءها الناجين وتستمر في سيرها إلى المستشفى؟
زفرت ميكوتو وتحدثت.
「شوكُهو، يا بطيطة الزايدة عن الحاجة.」
「ما عندك، يا عظام الدجاجة الناشفة؟」
「سأهاجم آنا مجددًا، لذا استغلّي هذه الفجوة واهربي وعودي إلى المستشفى.」
「....ألا يكون العكس هو المطلوب؟ وضعي أمام الهدف لن يحقق أي شيء. قد علمنا أن المنتل آوت لا تعمل على آنا.」
「نعم، ولهذا السبب عليكِ إخراج ذلك الأحمق من هناك. إذا اتصلنا به وأخبرناه، أنا واثقة أنه سيأتي إلى هنا بدل الهرب. نحن بالفعل في المنطقة السابعة، وهذا يبعد عن المستشفى فقط عشرين دقيقة.」 سرعة حديث ميكوتو أشارت إلى أنها لم تكن مقتنعة تمامًا بفكرتها. 「قد تكونين عديمة الحيلة في القتال الجسدي المباشر، لكنكِ تتخصصين في العوالم الأكثر تعقيدًا من التأثير والمؤامرات، ألستِ كذلك؟ لا يهمني كيف تفعلين، فقط أبعديه إلى مكانٍ لن تصل إليه آنا. سأتكفل بأي شيء لأحصل على اللقاح أو الترياق منها. أقسم بذلك. لذا خذيه بعيدًا عن هنا.」
「أمتأكدةٌ من هذا، ميساكا-سان؟」
「طبعا لا،」 ردت بحدة. ثم أوضحت. 「لكنني أعلم أنه سيكره رؤية ما سيحدث إذا لم نفعل ذلك. إذا تعرض المستشفى الهادئ للهجوم وكل من فيه من أطباء ومرضى تأذوا أمام عينيه، فلا شك أنه يلوم نفسه. لذا أخرجيه من هناك قبل أن يحدث ذلك.」
هذه لم تكن معركة فوز.
كانت محاولة لتجنب المرارة بعد الهزيمة. أفضل سيناريو لديهم قد انحدر إلى هذا المستوى.
كان عليهم تقبل أن آنا سبرنجل كانت وحشًا قادرًا على تغيير العصر الحديث.
「ميساكا سَآن.」 تنهدت شوكُهو ميساكي. 「لن أنساكِ لأسبوع على الأقل.」
「حقًا؟ هذا أطول مما توقعت. ربما يتدمر العالم بحلول ذلك الوقت.」
تبادلتا القبضات وبدأتا العمل.
تحركت ميساكا ميكوتو نحو جدار مبنى وهي تربض منخفضة قرب الأرض، بينما أمرت شوكُهو ميساكي آلة الدبورة النمسية برفعها.
لكن كان هناك شيء ما قد غاب عن أذهانهما.
أو ربما لم تتح لهما الفرصة لتقييم موقعهما بدقة بعد الهبوط الاضطراري بسبب التوقف غير المتوقع. تستحقان الثناء من تأكدهما أن لا يسحقا أي ولدٍ أو فتاة مارّين في المتاجر أو الجمعيات المخفضة في الكرسماس لشراء نودلز السوبا أو آلة صنع الموتشي للعام الجديد.
بمعنى آخر، ماذا لو حدث أن هبطوا مباشرة على الخط بين موقع آنا الحالي والمستشفى؟
انفجار ضوء مبهر شق طريقه عبر المستودعات المؤقتة بينهما.
كان حمقًا منها الغفلة.
ذلك الجرم المعدني الكروي الذي بلغ طوله المترين أو ثلاثة، والذي يمكنه إنتاج أقدم "أي شيء"، كان تهديدًا كافيًا. لكن ميكوتو وشوكُهو تعرضتا لهجوم بطريقة أخرى بعد ذلك. لم تفكرا فيما كان ذلك الضوء. وفي صراع بين القوى الخارقة، تركُ أي ثغرات في الفهم يعادل الانتحار.
لم تُمنحا الوقت لتحليل ما حدث. مثل الجمهور الذي ينخدع بخدعة الساحر، لم تتمكنا من معرفة حقيقة ما شاهدتاه وإن كانتا تريانه مباشرة.
حتى الرؤية استصعبت.
شوكُهو ميساكي ستلقى حتفها لو لم تترك السيطرة للدبورة النمسية وهي تتحرك لحماية مستخدمها تلقائيًا. انحنت الآلة وتحطمت ودُفِعت إلى الخلف أثناء محاولتها صَدَّ القوة. الدرع السميك كاد يسحق الفتاة التي يفترض أنه يحميها. قطعة معدنية ممزقة خدشت خد الملكة حينما سقطت على مؤخرتها. وقَطْعَةٌ امتدت على خدها كأن أحدًا قد قَطَعها بشفرة.
انهارت الآلة الدبورية النمسية.
لم تعد قادرة على الطيران ولا المشي ربما.
لكن ما لشوكُهو الوقت للقلق. الوضع كان أسوأ. إذا تم سحقهما هنا، فإن خطتهما "لاستثمار الخسارة" ستنهار أيضًا.
رأت عمود الأمل يتكسر أمام عينيها.
بما أنهما قريبتان جدًا من المستشفى، كان على سيارة إسعاف —بأضوائها وصفاراتها الصاخبة— أن تنحرف متجنبةً "العقبة" المنهارة على جانب الطريق.
بمعنى آخر...
「ميـ، ساكا...سَآن؟」 نادت شوكُهو من خلف المعدن المحطم.
لم يكن هناك رد.
الفتاة الأخرى بدت كقطة دهستها سيارة. كانت مستلقية على جانبها ولم تلتفت حتى باتجاه شوكُهو. حركتها الوحيدة كانت من شعرها الكستنائي القصير يرفرف بضعفٍ في ريح ديسمبر الباردة. الثلج الأبيض كان يتساقط عليها وبدأ يتراكم بطريقة متساوية وقاسية.
وسمعت شوكُهو أيضًا صوت خطوات هادئة.
هِيَ قادمة.
「ميساكا سَآن!!」
لكن ما من رد.
الفتاة التي أقسمت أن تسترد اللقاح أو الترياق كانت الآن ملقاة على جانب الطريق.
وصفارات الإنذار المُقلقة قيدت قلب شوكُهو.
- الجزء 4
「هم هم همهم....」
أحدٌ يهمهم بهدوء في ممر المستشفى.
وذلك رغم الهزة المريبة التي وصلت لتوها إليهم.
كانت فتاةً قصيرة بجبيرة على ذراع واحدة، وتضع ضمادة طبية مربعة على عينها اليمنى، وتجر عربة معدنية تحمل زجاجة مصل شفافة. تلك الفتاة ذات الشعر القصير والبجامة بدت وكأنها مريضة داخلية بالمستشفى، حيث كانت تتجول مرتديةً نعال المستشفى. لكنها اصطدمت بصبي عندما انعطفت عند الزاوية.
ومع جبهتها لا تزال ملتصقة بصدر كاميجو توما، تحدثت الفتاة مَيْدونة هوشيمي إليه بهدوء.
「(أرى أنك تحاج لمساعدة. لا أدري ما تحاول فعله، لكن إذا فتحت باب الطوارئ، فسينطلق الإنذار في غرفة الممرضات. إذا أردت الهروب بأمان، فمن الأفضل أن تستعين بمحترف)」
「......」
كانا قد أصابا بعضهما البعض خلال معركتهما العنيفة عشية عيد الميلاد، لكن ميدونة كانت بوضوح تبالغ في إصاباتها. ربما يستحق أن يُدان لمجرد ضرب فتاة، لكنه بالتأكيد لا يتذكر أنه كسر ذراعها أو فقأ إحدى عينيها.
كانت تلك طريقتها في التمويه اللافت، حيث اختارت أكثر زي ملفت للنظر وفقاً للظروف، لضمان ألا يتذكر أحد شكلها الحقيقي. تلك المحترفة من العالم السفلي أزالت كل التفاصيل اللافتة عدا "مريضة بالمستشفى".
وعلى أي حال، ميدونة هوشيمي كان اسماً مستعاراً، وكان اسمها الحقيقي لا يزال مجهولاً. لكن مجرمة مشبوهة مثلها كان ينبغي أن تكون محتجزة في غرفة مستشفى بنوافذ عليها قضبان. كان تجولها بحرية هكذا يثبت خرابا في النظام.
「(إني مدينة لك)」 همست فتاة الشعر القصير. 「وأرى أن من الأفضل أن أرد الجميل قبل أن تبدأ محاكمتي. واثقةٌ أنني سأُتهم بالمزيد من الجرائم، فما الذي سيضر إذا أضفت جريمة أو اثنتين الآن؟ هناك شيءٌ لازم عليك أن تفعله، أليس كذلك؟ سأساعدك على الهروب.」
كان كاميجو شاكرا للعرض.
المستشفى كان في حالةٍ من الفوضى بسبب التدفق المستمر لمرضى الطوارئ. لكن مع ذلك، كان الأطباء أو الممرضات بالتأكيد سيوقفونه لو حاول المغادرة عبر المدخل الرئيسي وهو في حالته السيئة هذه. كانوا ليقيدونه جسديًا ويُعيدونه إلى غرفته. ولهذا قرر استخدام مخرج الطوارئ، لكن ميدونة قالت إن في ذلك الطريق مخاطره أيضًا.
ومع ذلك.
وضع كاميجو توما يديه برفق على كتفي الفتاة الصغيرة ذات البجامة.
وببطء دفعها بعيدًا عنه.
「لا داعي.」
「لا أفهم.」
「كنتِ تنوين ترك الجانب المظلم، أفلا؟」 انحنى ليصل إلى مستوى عينيها. 「كأنك تتبعين حمية. إذا قررتِ التوقف عن شيء، فعليكِ أن تعتادي عدم فعله. وإذا كنتِ تنتقلين ذهابًا وإيابًا طوال الوقت لأسباب مثل "فقط هذه المرة" أو "هذه استثناء"، فلن يصدق أحدٌ أنكِ فعلاً تريدين التوقف. كمثل قاتل متسلسل استمر في كلامه أنه سيتوقف غدًا أو الأسبوع المقبل وهو يواصل قتل الناس.」
「.....」
「اسمعي، هذه حياتك.」
كان نزيفه الغامض لا يزال مستمرًا.
كان يشعر وكأنه قد يسعل دمه في أي لحظة إذا استرخى.
لكن مع ذلك، رفض أن يمسك تلك اليد الممدودة.
「خذي قوتك لنفسك. قد تعبتِ من تلويث يديك لخاطر غيرك، أليس كذلك؟ لا تقدرين على استخدام عيدان الطعام، ومع ذلك قررتِ أن تؤمني أنك قادرة على أن تعيشي حياةً طبيعية وتبدئي التقدم مرة أخرى، أليس كذلك؟ إذن لا يمكنكِ فعل هذا. لا تعودي إلى الجانب المظلم مرة أخرى يا ميدونة. الحياة الصادقة ليست بالسهلة. الحياة غالبًا ما تظلم وتحبط، لذلك فإذا كنتِ تعرفين بعض الحيل السرية، فالأمر أسهل بالتأكيد إذا استخدمتِها. لكنكِ قررتِ أنكِ لن تفعلي ذلك بعد الآن، صح؟ هذا كان قراركِ. فعيشي تلك الحياة. إنها حياتكِ، لذا يجب أن تضعي نفسكِ أولوية وتبذلي الجهد وفقًا للقواعد التي اخترتها لنفسكِ.」
تجعد وجهها.
تمامًا كطفلة انفصلت عن أمها في مدينة ملاهي كبيرة.
「لأول مرة.」 مر بعض الوقت، وبدا وكأنها كانت تحبس أنفاسها طوال الوقت. 「لأول مرة، وجدتُ أحدًا أردتُ فعلاً أن أخدمه. ظننت أنه يمكنني أن أفقد صوابي لمرةٍ أخيرة قبل أن يُلقى بي خلف القضبان.」
「كما قلت، الحياة غالبًا ما تظلم وتحبط. لكن هذا لا يعني أن كل شيء مسموح. هذه فرصة جيدة لتتعلمي كيف تضبطين النفس.」
ابتسم ومسح دموعها بإبهامه.
كان يشعر بالثقة بأنها ستكون بخير الآن.
إذا كانت آنا سبرنجل تلاحقه، فلا يمكنه السماح للمستشفى بأن يكون في مرمى النيران.
تمامًا كما كان لميدونة حياتها لتعيشها، كان لكاميجو طريقته في العيش.
ضغط على الصافرة التي كان يرتديها حول عنقه رغم أنه لا يتذكر من أين حصل عليها.
ثم قال وهو يدفع باب الطوارئ بكتفه منطلقا.
「أنا قادم」
- الجزء 5
دوى انفجار في البعيد.
ورنَّ جرس الحريق المرتبط بمخرج الطوارئ وركض كاميجو توما نازلاً على الدرج بالكاد محافظاً على توازنه. لا يزال داخل المبنى فعليا، ولكن التدفئة هنا كانت أقل فعالية. شعر ببرد مريب كأنه وجود خفي للموت يتسلل إلى قلبه.
إذا تم رصده من الآن فصاعدًا، فسوف يقيدونه.
كانوا يتصرفون بنوايا حسنة لا شك فيها، لكن وجوده في المستشفى سيجذب آنا سبرنجل إليه. وإذا حدث ذلك، فإن كل المرضى في الحالات الطارئة الذين دُفعوا إلى حافة الموت بسبب خفيانية R&C سيموتون فعليًا وبحق على يد آنا.
كان عليه تجنب ذلك بأي ثمن.
لكن حتى إحساسه بالألم بدأ يتلاشى، والإنذار عالي الضجيج أربك حواسه، ولم تتغير الدرجات مهما نزل من الطوابق. وسرعان ما أحاط به إحساسٌ كأنه يسير على غيوم ناعمة. بدا الضوء ضبابيًا والأصوات مشوشة. فقد تتبع الطابق الذي كان فيه.
وسط كل ذلك، سمع صوتًا.
『أراك في ورطة ها؟』
لم يكن هناك أحد قبل لحظة.
كان واثقًا من ذلك.
صوت السوبرانو كان واضحًا. كطفلٍ عاليةٌ نبرته، وكان صعبًا أن تحدد ما إذا كان لولد أو بنت. ولربما كان معدلاً عمدًا ليكون كذلك. بالطبع لم يكن كاميجو يعرف هذا الصوت. رفع نظره مجددًا، لكنه لم يرَ أحدًا مستندًا إلى حائط الدرج، إنما كان شكلاً غامض.
—————————————————
وفجأة، اختفت كل الضوضاء المزعجة.
اختفى إنذار الحريق والضجيج المزعج القادم من الخارج.
هل توقفت تلك الأصوات، أم أن حواسه اختفت؟ لم يحمل فكرة. كان محاطًا هنا بصمتٍ كبير لدرجة أزعجت أذنيه.
على الأقل، لم يكن يبدو أن هذا [الشخص] ينوي القبض عليه.
عندما تجاوز كاميجو [الشخص] ونزل إلى الدرج التالي، وجد نفس الشكل ينتظره هناك.
قد لا يكون هذا حقيقيًا.
نظر إلى لوحة رقم الطابق. كان الرقم أمامه مباشرة، لكن معناه لم يصل إلى ذهنه.
『عدم رغبتك في إشراك ميدونة هوشيمي أمرٌ مفهوم، لكن هذا لا يغير حقيقة أنه لا أمل لك إذا استمريت على هذا الحال.』
وضع كاميجو توما يده اليمنى على جانب رأسه.
بدا الشكل وكأنه يضحك.
『أوه، لستُ القديس جيرمان.』
نزل طابقًا آخر.
فَوَجَدَ الشكل نفسه ينتظره مرة أخرى. بدأ يتساءل عما إذا كان الدرج سيستمر للأبد ولن يتمكن من الهروب من هذا السجن الحلزوني دون إذن هذا الولد (؟). [1]
توقف كاميجو أخيرًا وسأل سؤالا.
「من أنت؟」
『عذرًا، لا أظن مظهري يظهر لك صحيحًا، ها؟ ربما سمعت باسمي على الأقل، وربما لا يجب أن أفترض ذلك. بأي حال هو أفضل أن أقدم لك نفسي من البداية』
حتى عندما نظر مباشرة إلى الشكل، كان الضوء ضبابيًا.
حتى ملامح الشكل كانت غير واضحة، كأنه مشهد تَصَوّر بكاميرة مشوشة التركيز.
لكن قبوله لوجود هذا "الشخص" الآخر بدا وكأنه يسمح لعالمٍ بديل أكثر ألوانًا أن ينتشر من حوله. الجدران والأرضية قد أعطيت ألوانًا مهدئة من أجل راحة المرضى، لكنهما الآن تومضان بألوانٍ زاهية، والدرجات المنتظمة صارت منحنية ومتموجة كشفاه مبتسمة. لم تكن هناك فجوات تحت قدميه. لا يمكن أن تكون هناك فجوات. كان هذا المنظر المشوه مجرد وهم. لكنه شعر رغم ذلك أنه سيختفي إلى الأبد من العالم الحقيقي إذا خطأ وسقط في تلك الفجوات السوداء الحالكة.
رفض الحلم أن ينتهي.
أوكانت أفكاره، وليس حواسه، هي من بدأت تتصرف بجنون؟
『أنا أيهانا إيتسو، المُصَنَّفُ السادس مِنَ المستوى 5 في المدينة الأكاديمية.』
「.....」
شعر بضغطٍ يعتصر قلبه.
أوكان حقًا هو؟ أم مُدّعياً؟
「لماذا أنت هنا؟」
『لأفعل المعتاد. المعتاد بالنسبة لي.』
ذلك الجواب بدا مؤكدًا لهويته/ها.
أصحاب المستوى 5 مثل الأول أكسلريتر أو الثالثة ميساكا ميكوتو والبقية؛ خلقوا عالمًا فريدًا خاصًا بهم. قد يكون مجرد وهم، لكنه هكذا شَعَرَ كاميجو. مواجهة أحدهم كانت تضغط عليه بنفس القدر كأنه قد أُخذ داخل فيلم أكشن أو إثارة.
『حسنٌ، ما القوة التي ترغب بها؟ قد أمنحك إياها. لكني لا أفخر جدًا بذلك إذْ أنني لا أقول أنني أخلق القوة فعلا』
إذا لم يحافظ على قوته، فسوف يُستهلك في هذا العالم.
وسوف يبدأ يتساؤل عن وجوده في عالم فيلم حرب أو فيلم إثارة حيث تُستهلك حياة الناس بسهولة كالمناديل الورقية.
أيهانا إيتسو بدا وكأنه/ها يبتسم ساخر/ة.
لم يرى كاميجو وجهه/ها فعليًا، لكنه استشعر ذلك من هالته.
『لا أستطيع الكثير بمفردي. طبيعة قوتي توجب أنني لا أستطيع إحداث العدالة بنفسي. ولذلك، دائمًا ما أفكر بمن سوف أقف بجانبه لأضمن انتصار الخير. ودائما ما كنتُ أُعير اسمي [أيهانا إيتسو] كجزء من هذا الهدف』
「ما الذي.....تتحدث عنه؟」
『أنتَ لستَ صالحًا،』 قـال الظل بوضوح. 『لهذا السبب تجنبتُ التواصل معك سابقًا، لكن يبدو أن دعمك هو الخيار الأفضل هنا. خفيانية R&C، هذا التشوه الذي حدث في العِلم؛ يتمدد بسرعة عبر العالم المتمركز حول المدينة الأكاديمية. يبدو أن دعمي لكَ بقوتي هي الطريقة الوحيدة لمواجهته.』
كان هذا هو سَادِس المستوى 5.
عُرض أمام كاميجو قوةٌ واحدة من قوى المستوى 5 المعترف بهم رسميًا.
『الآن، تخيل نفسك ما تريد أن تكون. تصوّر ذاتك المثالية.』
حدث تشوه في صوت هذا الفرد التي انحجبت ملامحه.
من جانب، ربما كانت هذه هي القوة الأكثر طلبًا في هذا العصر. في العصر الحديث، الذي يضع الأولوية على توفير الوقت والفعالية، لم يعد الناس بحاجة إلى مواجهة مغامرة شجاعة أو استكشاف مبنى مهجور بأنفسهم. مع خدمات البث عبر مواقع الفيديو، يمكن للجميع أن يخوضوا مغامرات من خلال مشاهدة ما نشره شخص آخر. طالما أن هناك من يخاطر بحياته حاملاً كاميرة، فلملايين الآخرين من الناس أن يشاركوا في نفس الإثارة والحماس بشكل آمن. هذا ما يتطلبه العصر الحديث.
لا جهد مطلوب منك.
ولكَ أن تتجاهل جميع المخاطر.
كل ما تحتاجه هو خدمة تقدم النتيجة النهائية فورًا.
『لكَ أن تكون تلك النسخة من نفسك. الآن، سأعيرك [أيهانا إيتسو]』
「.....」
『فمثلاً.』 أشار الشخص بوجهه الخفي بإصبعه إلى منتصف صدر كاميجو توما. 『هل تريد أن تعرف معنى تلك الصفارة؟ هل لديك أي اهتمام باستعادة ذكرياتك المفقودة؟ يمكنك فعل ذلك، طالما رتّبت الشروط اللازمة في هذه المدينة.』
كان السادس يبتسم.
شعر كاميجو بذلك.
『عادة، لا أقدم هذه النوع من التلميحات لأن اقتراحاتي ستُضيّق خيال الناس. ولكن، إيه، أعِدُك أن هذه القوة أكثر فائدة مما كانت عليه رينسا. ولابد أنك تشعر بالنقص في مناطق أخرى أيضًا. ولابد أنك قد أدركت الآن أن يدك اليمنى وحدها لن تكفيك. ولابد أنك تعرف أن التسرع كما أنت الآن لن يوديك إلا إلى هلاكك.』
أي شخص يمكن أن يتحول فورًا إلى بطل، دون الحاجة إلى تدريب مزعج أو رفع مستواه.
أمسك كاميجو توما أنفاسه وهز رأسه.
「لا أريد」
『لمَ لا؟』
「هذا ليس من شأنك」
『هذا قراري. فبأي حق تحسب نفسك قادرا على رفضه؟› ›
كاد كاميجو أن يبتسم بسخرية عند السماع.
هذا بالفعل أحد المستوى 5 المختارين. لطالما كانوا متغطرسين حتى أثناء فعلهم الصواب. تمامًا كما دَمّرت #3 العديد من المختبرات لتحمي أخواتها، وكما قرر #1 بنفسه القضاء على الجانب المظلم.
「هَي،」 نادى كاميجو.
『نعم؟』
「أنت لست ميدونة هوشيمي التي دُفعت إلى الحافة من شخص آخر. ويبدو لي أنك تعيش حياتك جيدًا بما يكفي، لذلك ربما من الخطأ أن أقلق بشأن انخراطك في مشاكلي،」 قال كاميجو بنبرة لم يظهرها لتلك الفتاة المترددة. 「لكنك بدأت تزعجني. لا أحب كيف ترفض كل احتمالاتي بمجرد أن تقول من البداية إنني لا أستطيع حل هذا بمفردي. وكأنك تنظر إلينا جميعًا كأننا مجرد دمى تلعب بها. ....أنت المثال المثالي لما لا يجب أن يكون عليه المستوى الخامس. وحقيقة أنك تظن بصدق أنك تتصرف لصالحنا يزيد من الأمر سوءا.」
『...› ›
「هذه مشكلتنا. ونحنُ لم نقاتل لخاطرك.」
هذا كان النقيض.
كان نفس ما قاله لميدونة هوشيمي، لكن من وجهة نظر معاكسة.
كان يقدم مثالا عن الغضب الذي ينبغي أن تشعر به عندما تدرك أن حياتك تُستخدم لتحقيق أغراض شخص آخر. وبسبب هذا الشعور، رفض كاميجو مساعدة ميدونة. وبسبب هذا الشعور، قرر قطع كل صلاته بها رغم علمه أن الأخذ بمساعدتها ستفيده أكثر في كل مرة يستخدمها.
「مثلك مثل من ينصب كاميرة، ثم يتدخل ليُساعد، ثم ينشر نسخة معدلة جميلة كأنها قصة على موقع فيديو لتبدو ناجحًا؛ كفّ عن هذا أيها المتلصص. ستعيرني [أيهانا إيتسو]؟ لا تضحكني. إذا أردت تغيير العالم، فابذل الجهد بنفسك. ما لقوتك أهمية. سواء كنت صفري المستوى أو معلمًا عديم المستوى، الجميع يفعل ما في وسعهم يواجهون القسوة التي يرونها في حياتهم. تغيير العالم يتطلب شخصًا لا يخشى أن يتأذى، وذلك ليس أنت.」
كان يقف بصعوبة.
كان من الممكن أن يسقط إذا دفعه أحد بإصبعه. في الواقع، بالكاد استطاع الوقوف دون شيء يسنده. وحتى لو كان في أفضل حالاته، فإن مواجهة أحد المستوى الخامس في مدينة الأكاديمية مباشرة بدت كأنها انتحار.
لكن مع ذلك قالها.
كاميجو توما أوضح وجهة نظره بينما يرفع قبضته اليمنى.
「وإذا لا زلت لم تفهم، فأنت مجرد عقبة أتجاوزها. سأستمر في التقدم، أيهانا إيتسو، حتى لو كان ذلك يعني تحطيمك.」
『ستموت』
「أعي ذلك،」 قال كاميجو توما بهدوء.
لسبب ما، تغير صوت #6 قليلا هنا.
وكأنه يتذكر تاريخًا من الفشل المتكرر.
『استمر هكذا، وستموت حتمًا. سواء أسرعت إلى ساحة المعركة أو بقيت هنا، فلن تلبث طويلا. مهما كان اختيارك، سيضحك الشرير في النهاية. فلقدْ تَحَدَّد دمارك هنا.』
「فماذا؟」
كان يخاف من الموت. خاف حقا.
كان يبتسم ليخفي ذلك عن الآخرين ولم يكن يعترف بأي شيء لأي منهم، لكن الكلمات التي كشفها للطبيب لم تكن كذبة. كان هو من قال إنه خائف.
لكن.
هذا موضوعٌ منفصل.
『لقد اتخذتُ هنا قرارًا لم يكن يجب أن أتخذه أبدًا،』 قال #6. 『بصراحة، ما كان يجب أن أتعامل مع أحدٍ منافق مثلك يرفض الانحياز إلى أي جانب، لكنني هنا على أي حال لأنني أرى أنني يجب أن أتصرف الآن ولو كان ثمنها انتهاك مبادئي. ومع ذلك، أصررت على البقاء كما أنت. أصررت على السير في دربك المتناقض حيث تُبربر بلا نهاية عن الخير في طبيعة البشر ومع ذلك عنفك في قبضتك لا يتركك. مثلك كمثل من يرفض الإخلاء حيث كانت الحمم البركانية تقترب من مدينته عند سفح الجبل، وبدلاً من ذلك يحدق في الساعة إلى أن يمشي إلى مدرسته وفقًا لجدوله المعتاد. وهذا هو السبب الذي سيوديك إلى هلاكك. أنت فقط تكرر النمط نفسه مرارًا وتكرارًا.』
「إذا أردت التحكم بحياتي، فلتقبض يدك، أيهانا إيتسو. كلماتك لن تصل إلى أحد إذا رفضت اتخاذ حتى خطوة خارج ملاذك الآمن.」
تشه، سمع نقرة خافتة باللسان.
لا بد أن السّادِسَ أدرك أن أيا من الطرفين لن يتزحزح هنا.
صوت السوبرانو المحايد انخفض فجأة إلى نبرةٍ عميقة سحيقة مخيفة.
ثم قبض(ت؟) يده(ها؟).
『إلى أي حدٍّ تكون عنيدًا؟ إن تاقت نفسك لهذه المصيبة بشدة، فاذهب ومت.』
—————————————————
بعد صوت مكتوم، انهار أحد الاثنين بينما استمر الآخر ينزل ببطء على الدرج. اختفى الدرج اللولبي الذي لا نهاية له الآن. وصل أحدهما إلى الطابق الأرضي بشكلٍ مفاجئ وبسرعة وهو الآن يعُد كم طابقا نزل.
أطلق المنتصر نفسًا وتحدث لوحده.
「أرأيتَ، أيهانا إيتسو؟ أوكان صعبًا للغاية؟」
كان السادس يعلم أنه لن يبقى أحد ليوقف كاميجو توما إذا خسر هنا.
ومع ذلك، كان قد قبض يده "لإقناعه".
لقد كان ذلك نوعًا من الطقوس.
أن يخوض قتالا في معركةٍ يعرف أنه خاسرها كان طقسًا يسمح لكاميجو بالاستمرار في طريقه. لقد خطى هذا النخبة المحتمي بملاذه الآمن خطوةً خارج نهجه المعتاد. كان أيهانا هو من قال إن قوته سَادِسَ المُستوى 5 ليست مناسبةً للقتال المباشر.
كاميجو توما لم يستطع سوى الابتسام وهو يخرج إلى الخارج بعد أن رفض أساليب الآخرين وداس على اهتمامهم به.
شعر بالبرد القارس وغطاء الثلج الأبيض الحاجب لرؤيته. الأطباء المحترفون ذوو المعرفة المتخصصة كانوا قد هزوا رؤوسهم وقالوا إنهم لا يستطيعون دعمه في هذا المجال الخارجي، لكن هذه هي الحرية التي اختارها لنفسه.
كانت هذه هي حياته.
ولذلك لم يكن أمامه الآن سوى خيار واحد: أن ينتصر.
- الجزء 6
شوكُهو ميساكي تنهدت بينما تختبئ خلف غطاء.
تأوهت وهزت شعرها الأشقر العسلي الطويل. كانت متكئة بظهرها على جدار خرساني وهي جالسة على الأرض. وكان طفل صغير ليُدرك أن البرد قد يُجمّد جلدها على الجدار، لكنها انشغلت كثيرا لدرجة أنها لم تفكر حتى في هذا الخطر.
ميساكا ميكوتو خرجت عن المعركة.
لم يعد لديهم أي مقاتل مباشر. كانت تعلم أن الخيارات منهم استنفدت، لكنها لم تكن تستطيع طلب فرصة أخرى.
نظرت إلى الأعلى ولا تزال متكئة على الجدار. بدا الجدار جدار متجرٍ كبير. فبدل المتاجر الفاخرة التي تتسوق فيها عادة، كان هذا المتجر متصلاً مباشرة بمحطة مترو أنفاق كبيرة. ربما نَصِفُه "بجمعية (سوبرماركت) عمودية".
وجدارٌ آخر كان هنا أيضًا.
كانت تختبئ خلف سلاح عملاق شبه مدمر.
[الفايف أوفر، نموذج: مِنتل آوت] كان مدمّرًا ومائلًا على جانبه. حبست أنفاسها وغرقت في التفكير بينما تختبئ خلف ذلك الجهاز الذي يشبه الدبورة النسمية. الصوت، الحرارة، واللون الأبيض كانت كلها ترعبها في تلك اللحظة. لأنها لم تفهم كيفية عمل آنا سبرنجل. على سبيل المثال، من يمكنه أن يؤكد أنها لا تستطيع الكشف عن ثاني أكسيد الكربون؟
(خمس دقائق)
لم تحمل خطة.
كانت ترى سقف المستشفى حتى من هنا. هناك، كان صبي مدبب الشعر والفتيات المستنسخات اللواتي يتلقين العلاج والعديد من المرضى والعاملين. أي خيار يسمح لذلك الوحش بالوصول إلى المستشفى كان مرفوضًا تمامًا.
وحتى إذا سعت للترياق أو اللقاح، كان يجب أن تفعلها بأمان.
وهذا [الأمان] يشملها وكاميجو والآخرين هناك. ملكة توكِوَداي لم تكن بالضرورة عطوفة لهذا الحد، لكنها اليوم تتبع قواعد ذلك الفتى. وكل شيء يجب أن يتماشى مع ذلك.
(لن تستغرق حتى خمس دقائق لتصل إلى المستشفى سَيرًا. حتى لو أخرجْتُه الآن، فلربما تلقانا وتطاردنا. وحتى إن لم ترى فآثارنا في الثلج سوف تفضح.)
وعلى رأس ذلك، قوة آنا سبرنجل. كانت قويةً يائسة. شوكُهو كرهت الاعتراف، لكنها لن تقدر على غلبها بقوتها #5 مِنتل آوت. لم تستطع هزيمتها، ولا الهروب منها حتى.
كان أمرًا محسومًا.
مهما صَلَّت وتمنَّت، فما بيدها حيلة تُغيّرها.
لذلك كانت تعرف تمامًا أنها إذا أرادت العودة إلى القتال، فحوجها للمساعدة من أي أحد أو شيء لازمة.
أول ما خطر ببالها كان الشيء الذي أخذته درعًا.
(لم أستخدم هذا الشيء من قبل، لذا يُخيفني مدى استجابته لي بسهولة. هذه البدلة تدعم الفرد بأن تعبث بعقله، ها؟)
كانت تمسك بريموت في يدها المهيمنة، لكنها حرّكت أصابع يدها الأخرى كما لو كانت تحرك دمية خفية بخيوط غير مرئية. حتى هي كانت متفاجئة من سلاسة حركة أصابعها بشكل مستقل عن بعضها البعض.
ولكن السلاح نفسه قد تحول جزئيًا إلى خردة.
ما عاد قادرا على التحليق بكامل سرعته وهو يحمل الملكة. في أفضل الأحوال، يمكنه الجري على الأرض ساحبا شكله المعوج والمكسور. سيكون ذلك بمثابة دعوة مفتوحة لآنا أن ترمي النار عليه.
(وهذا يعني...)
「..」
أطلقت نفسًا عميقًا، أخرجت مِرآة صغيرة، واستخدمتها لتتفقد الوضع وراءها خارج غطاءها.
لا تزال ميساكا ميكوتو بلا حراك.
وهي مستلقية على الأرض، مع الرياح الباردة تلسع غررها الكستنائية وتنورتها المدرسة القصيرة. شوكُهو لم ترى وجهها، لذا لم تعرف ما إذا كانت الفتاة واعية أم لا.
بينهما بضعة أمتار فقط، لكنها كانت بمثابة حاجز مميت في تلك اللحظة.
فخطوة واحدة خارج مخبئها، يعني هلاكها.
لا فرق بين ملّيمتر وكيلومتر. وكان أفضل لها أن تفترض أنها تقف على حافة هاوية، وأن أي خطوة إلى الخارج ستؤدي إلى ابتلاعها في فك الموت العظيم.
ميكوتو قد عبرت إلى الجانب الآخر.
لم يعد بإمكان أي إنسان حي الوصول إليها.
(آهغ، يُفترض أن تكون ميساكا-سان من تأتي إليّ منحنيةً تطلب الانضمام تحت مظلتي. حينها لن يكون هناك أي خطر عليّ! ويا ليتها كانت واعية وقادرة على قبول حُكم ملكتها الجميلة، عندها كنتُ لأتخطىٰ دفاعاتها الصلبة فأسيطر عليها. لكنها ستقاوم أوامري طالما كانت مغشية!)
سمعت شوكُهو خطوةً هادئة.
سحبت المرآة بسرعة قبل أن تتحقق مما تسبب في الصوت.
لابد أن العدو قد لاحظ وجودها.
كانت تلك هي سيدة الجانب الآخر.
بالنسبة لفردٍ من الأحياء، كانت تلك هي حاصدة الأرواح التي تجرهم إلى الظلام.
بمعنى آخر، السيدة آنا سبرنجل. لم تحسب شوكُهو أنها تتجنب الكشف عن اختباءها بمجرد حبس الأنفاس خلف الغطاء. ناهيك عن أنَّ آنا كانت تهاجم فقط من يعترض طريقها نحو المستشفى. لم تهاجم ميكوتو أو شوكُهو لأنهما من مستوى 5، بل لأنهما وقفتا في دربها المستقيم الذي يفصل بينها والمستشفى.
آنا مستمرة في مسارها مهما كان من يقف أمامها.
وسوف تسحق وتدمر كل ما يعترض مسارها الخفي.
「لا وقت....」
كان بقاء شوكُهو على قيد الحياة حتى الآن مفاجأة بحد ذاته. وإذا لم تعد آنا مهتمة بها، فربما تتجاهلها إذا غادرت. لكن "ربما" لم تكن كافية في هذه اللحظة. إذا مدت آنا يدها الصغيرة صوب ظهرها نزوةً، فتلك نهايتها.
احتاجت شيئا تفعله.
شيئا يشتت آنا سبرنجل كفاية لتخلق فرصة تهرب بها.
إرسال [الفايف أوفر] نصف المدمر سيكون قمة الحماقة. حتى وإن كان بالكاد يوفر أي دفاع، فإنها بذلك تتخلص من درعها الوحيد. ناهيك عن أن سرعته كانت محدودة جدًا حيث أنه لم يعد يملك جميع أرجله. آنا ستتمكن من تفاديه بخطوة جانبية عادية، أو ربما تدمره بهجوم واحد إذا أرادت. ...وإذا دمر الهجوم الآلة، فسيصل إلى شوكُهو خلفها أيضًا.
(هذا لا يترك سوى خيار واحد)
نظرة شوكُهو ميساكي أبردت وأثلجت.
كانت الآن أكثر جمودًا من الجليد.
كان هذا وجه ملكة أكبر زمرةٍ في توكِوَداي. كانت تلك نظرة من أسقطت الكثير من المنافسين وحكمت عالمًا حيث لم تكن المبادئ الجميلة كافية.
عقلها البارد قدّم إجابةً قاسية.
(استخدام ميساكا-سان سيكون الأسلوب الأسهل والأضمن.)
آنا كانت مهتمة فقط بذلك الفتى شائك الشعر.
وكانت شوكُهو ميساكي تدرك تمامًا أن آنا سبرنجل لم تكن مهتمة بميساكا ميكوتو بشكل خاص، لكنها افترضت أن الحذر الفطري قد يدفعها للتعامل مع المقاتلة الجسدية الـ #3 بدرجة من الحذر. فإن آنا قد ردّت على ميكوتو بأن تدافع عن نفسها وهاجمتها، مما يعني – سواء أدركت أم لا – أنها اعتبرت ميكوتو تهديدًا أكبر من #5 التي كانت قوتها العقلية عديمة التأثير عليها.
لم تكن قدرة التحكم بالعقول للـ #5 تعمل على الـ#3 التي تتحكم بالكهرباء.
لم تعمل، لكن شوكُهو تعلم أن ميكوتو تشعر وكأنها تعاني من صداع عند رفض الأوامر.
دوّرت الريموت في يدها وهي باقية مختبئة خلف غطائها.
(إذا استخدمتُ كامل قوتي، أفلن يتحرك جسدها حتى وهي مغشية؟)
كان هذا الاستعداد لوضع مثل هذا الخيار على الطاولة بلا تردد هو ما أوصل شوكُهو ملكةً.
كانت الأفكار البشرية تيارًا مستمرًا، وليست نقاطًا منفصلة. وإذا قيد المرء خياراته مسبقًا بناءً على المحرمات أو ما بدا معقولا، فإنه سيمنع نفسه أن تصل إلى إلهام أبعد. والذين فعلوا أشياء تفوق قدرات الآخرين عادة ما كانوا فوضويين في عقولهم. وإنَّ شوكُهو ميساكي قد اطلعت على عقول بعض الوحوش من هذا النوع، لذا كانت تفهم هذا أكثر من غيرها.
(وحالما تنظر آنا نحو ميساكا-سان الملقاة، سآخذ [الفايف أوفر] وأهرب. لا أتوقع أن يحميني، لكن لعلّه يمنحني فرصة أن أتجنب هجومها إذا التوى ولو قليلاً بعد أن يصطدم بكل تلك المعادن والسيليكون بداخله. يبدو أن هذا أفضل ما أستطيعه هنا.)
حتى الآلات البالية يمكن استغلالها إذا أحسنت بها.
وحتى البشر بحيواتهم قد تستفيد منهم للبقاء إذا رميت أخلاقك وأحسنت بهم.
「..」
اتكأت على الآلة شبه المحطمة ونظرت إلى السماء البيضاء وكأنها تحاول التحرر من قلبها البشري.
أخذت ملكة توكِوَداي نفسًا عميقًا وبطيء.
رقصت عشرات الخيارات في ذهنها، لكنها لم تتمكن من إيجاد ما يمنحها فرصًا أفضل للبقاء.
(بدأت أشعر بالسخف لبذلي كل هذا الجهد. وأنا لم أعرف بعد كيف تعمل قوة هذه العدو، لكنها بالتأكيد تغش.)
بدأت القوة تهجرها.
ورغم استرخائها، شعرت بثقل جسدها مخيف.
(وأصلا، لماذا أفعل كل هذا داعمةً ميساكا-سان؟ ولماذا أشعر بالذنب لمجرد التفكير؟ منذ متى كنا صديقتين صاحبتين؟ هي ليست حتى فتاةً من زُمرتي. ولا عندي أيُّ التزام حقيقي أن أعتني بها. إذا فررتُ؛ فالمستشفى قريب، وإذا أخرجتُه؛ فكل من فيه سيسلم.)
لكن إذا لم يحصلوا على اللقاح أو الترياق أو أيا كان، فإن الفرار يعني فقط انتظار موت كاميجو توما.
كانت فرص نجاحها منخفضةً دنيئة.
لكن ليست معدومة.
(أقدر استخدم [الفايف أوفر] نصف المدمرة لمرة أخيرة فقط.)
ظهرت البرودة المعتادة للملكة على وجهها.
(لذا عليّ ترك ميساكا-سان هنا وأهرب مؤقتًا. وعندما تهجم آنا سبرنجل السادية على ميساكا-سان وهي بلا دفاع، يمكنني صدمها بالفايف أوفر، أو...)
محاولة إنقاذ ميساكا ميكوتو هنا لن تنقذ أحدًا.
بل قد تودي بحياة الجميع.
لكن التخلي عنها قد يفتح الباب لإنقاذ البعض.
「في مثل هذه الأوقات..」
كان لشوكُهو ميساكي بالطبع خطوط ترفض تجاوزها.
فمثلا، لن تأكل برجرًا مليئًا بالمكونات الصناعية ولو كانت عالقة على جبل مغطى بالثلوج في منتصف الشتاء. كان لديها قواعد أخرى عزيزة عليها مثل هذه. ولكن أليست الآن تتبع قواعد الفتى بدلاً من قواعدها؟
ومع ذلك...
「أن أختفي من ذكرياته مهما فعلت لهو أمرٌ مزعجٌ بحق، لكنه فيه إيجابية. مهما كانت النتيجة، لن يحقد عليّ أو ينتقدني」
ثم سمعت خطوة أخرى على الطريق المغطى بالثلوج.
لم يكن هناك استعراض فخور أو تحذير نهائي رحيم. كانت آنا سبرنجل كالقاطرة. تصل ببساطة وتتابع مسيرها، تدوس كل من يعترضها دون أن تجفن ثانية، وإن كانوا #3 أو #5.
والآن كانت قريبة.
إذا اقتربت أكثر، فلن تنجح خطة الإلهاء. كان على شوكُهو أن تهرب في اتجاه مختلف عن الإلهاء، لذا لن تسمح لآنا بالاقتراب كفاية لقتلهم جميعًا بهجوم واحد.
أمكنها الهروب الآن.
هناك زقاق بين الجمعية العمودية والمبنى المجاور. إذا تسللت إليه بينما تكون خلف الفايف أوفر، فسوف تهرب دون أن تلاحظها آنا.
「ميساكا-سان」
كان هذا هو الخيار الأكثر منطقية.
وصوتها قد أصبح أبرد من آلة.
كانت تحمل ريموتا في يدها اليمنى وتتحكم بالفايف أوفر بيدها اليسرى. كانت تركز على خيارها الوحيد في عقلها لتغرق ذاك الضجيج الخارجي عمدًا.
ظهرت كلمة "مسؤولية" في ذهنها.
ابتلعت ملكة توكِوَداي ريقها ثم عزمت.
「لن أنساكِ على الأقل لأسبوع」
انفجرت فجأة فرقعات كهربائية متقطعة.
حدث شيء.
تشتتت عينا آنا سبرنجل قليلاً عن وجهتها.
「هوه؟」
بدا عليها التسلية.
في اللحظة التالية، اندفع [الفايف أوفر، نموذج: مِنتل آوت] نصف المدمر مباشرة نحو الآنسة سبرنجل.
「تشه!! لا أصدق!!」 صرخت شوكُهو ميساكي وهي تقفز أكثر مما تجري.
سمعت صوت تصادم أسوأ من حادث سيارة، لكن هذه الكتلة التي تزن عدة أطنان لم تكن ذات معنى أمام الجسد الصغير الذي بدا لطفلةٍ في العاشرة.
انفجرت الأضواء فتناثرت بلحظةٍ كجبنة مذابة.
حتى مع دعم البدلة، لم يكن هناك وقت كافٍ لتحمل ميساكا ميكوتو حَمل الأميرة وتقفز بها إلى سطح مبنى.
لهذا ركزت بدلاً من ذلك على الريموت في يدها اليمنى.
أمسكت به كأنه وتد فضربته بقوة على صدغ ميساكا ميكوتو الأيمن بينما كانت الفتاة ممددة بلا حراك على الأرض، حيث كانت طبقة رقيقة من الثلج الأبيض تتراكم على جسدها.
「قومي الآن! ميساكا-سآاااان!!!!!!」
لم يكن بمقدور مِنتل آوت شوكُهو أن يصل إلى دماغ #3 دون قبول ميكوتو، لكنها تعلم أن ذلك سيمنح الفتاة صداعًا قويًا.
فماذا لو أحدثت ارتجاج في عقل ميكوتو ما يكفي لإيقاظها؟
ليس عندها أي ضمان أن هذا سيعمل.
كلها مقامرة سيئة تعتمد بالكامل على التخمين. لا، كان أملاً يائسًا تتمسك به متجنبة الخيار الآخر الأقسى.
「غه!؟」
أنَّ أحدهم، ولم تكن ميساكا ميكوتو.
ضربةٌ قوية غبية أصابت الملكة المصنفة 5 في جانبها بينما كانت مستلقية تحمي الفتاة بجسدها. أمكن لبدلتها أن الحامية أن تصد رصاصة مسدس، ولكن هذه الضربة أخرجت الهواء من رئتيها. انقلبت رؤيتها ولم تستطع التحضير لهبوطها، فانتهى بها الأمر تتدحرج على الإسفلت البارد.
أحدٌ ما ركل جانبها.
استغرق الأمر منها بضع ثوانٍ لتدرك هذه الحقيقة البسيطة. ومع ذلك وبطريقة ما، كانت آنا سبرنجل تقف الآن بجانب ميكوتو. ما كان لشوكهو وقت تتفقد ما حدث للفايف أوفر. استصعبت التنفس وبدأت تشهق. حاولت تحريك ذراعيها وساقيها، لكنها ارتعشت فقط. كيف لجسدٍ صغير أن ينفذ هجومًا كهذا؟
「الفنون القتالية الشرقية هي الاستخدام الأشهر لقوة الحياة التي تدور في الجسد،」 قالت آنا وكأن جل الأمر مزحة. ربما بدا في نظرها أنها تركل كرة قدم فقط. 「لكن شجرة الحياة الغربية [سِفِروث] تتوافق أيضًا مع جسم الإنسان. من الممكن التركيز على القنوات التي تربط السُفَيرات لتنفذ ضربةً تعرقل بها تدفق تلك القوة. هِي-ياه☆」
「كحح، آاىهه!!」
لم تستطع شوكُهو التنفس. كانت الأوعية الدموية في صدغيها تخفق بشدة، لكن ذلك لم يكن المشكلة الحقيقية. كانت تشعر بأن نوعًا أكثر أهمية وغير مرئي من الدوران قد تم عرقلته.
أنزلت آنا سبرنجل قدمها الصغيرة التي رفعتها وكأنها تقلد شيئًا.
ثم وضعتها على صدغ أيمن ميساكا ميكوتو.
حسبت شوكُهو أنها سمعت صوتًا مشدودًا، لكنها تعرف أن ذلك لا يمكن إلا أن يكون من خيالها. فكيف لصوت شد جمجمةٍ أن يُسمع خارج الجسد هكذا. ولكن...
ارتكبت خطأً.
مقامرتها فشلت.
لقد وضعت كل قوتها في المِنتل آوت، لكنها فشلت في إيقاظ ميساكا ميكوتو.
أم لا؟
「آه...كخ」
قدمٌ كانت تضغط على رأس ميساكا ميكوتو، لكن جفنيها انفتحا قليلاً. لم تستطع شيء، لكنها حركت عينيها نحو شوكهو ميساكي الممددة على الأرض هي الأخرى.
「اهربي... اخرجي من هنا. بسرعة」
「..」
「ألستِ أنتِ الملكة سوداء القلب التي كان عليها أن تهرب ومعها ذلك الأحمق من المستشفى؟ إذن كفي عنك الحماس الغبي. واتركيني هنا. اذهبي وابحثي عن طريقة تسرقين بها اللقاح أو الترياق واستخدمي أحدًا أفيدَ لك مني. أليست هذه هي الأدوار التي اتفقنا عليها؟」
زاد الصوت المشدود قوةً.
عبست ميكوتو وكأن مسمارًا معدنيًا يطرق صدغها، لكنها صرخت بأعلى صوتها.
「فهيا انهضي! انهضي واهرُبي من هنا، شوكُهو!!」
سماع ذلك أغاظها.
ولا تزال ترتعش بشدة بحيث لا تستطيع الوقوف، لكنها شدّت أسنانها وصرّتها وضبطت قبضتها على الريموت. زحفت بأقصى ما تستطيع بيديها فقط.
ولكن ليس هربا.
زحفت نحو ميساكا ميكوتو.
「لن.... أفعل، ميساكا-سآاان」
أغضبها أن ميكوتو لم تفهم شيئًا بسيطًا كهذا. لم يبدو أنهما تتفقان أبدًا، حتى عندما وهما تقولان نفس الشيء تقريبًا.
「نعم، لستُ مجبرة على إنقاذك. نعم، ترككِ والهرب أسهل علي وأكثر كفاءة، وأكثر منطقية، وسيجلب لي سعادةً أكبر.」
لم تفعل آنا شيئًا.
ولكن بدلاً من أن تمنحهما وقتًا للحديث، لم تبدو مهتمة ببساطة. وكان هذا جيدًا. لم تكن شوكُهو بحاجة إلى إذن أي أحد لتزحف على الأرض وتواجه هذا الموقف.
「لكن إن فعلت، فذلك سيُحزنه」
لذا تفوهت بهذه الكلمات.
ولم يهم من كان يسمع.
「لربما هو أفضل لي أن أتخلص من مصدر إزعاج آخر، وربما يفتح لي ذلك مستقبلاً سعيدًا معه!! ولكني أعلم أنه سيحزنه أن يرى رأسك مسحوقا هناك!! نعم، أكره هذا كثيرًا، لكن ظروفي لا تهم الآن. قد ينسى كل شيء عني، وربما لن يغضب أبدًا أو يكرهني إذا تركتُك! لكنني سأتذكر ما فعلت!! ولقد تعبت من إخفاء الأسرار عنه!!!!!!」
واصلت تزحف، وتزحف، وتزحف.
ثم أمسكت بساق آنا سبرنجل. كانت آنا، بجسدها الصغير كجسد فتاة في العاشرة من عمرها، صلبة كآلة حفر.
「إيه، إيه إيه،」 قالت آنا. 「هذا ليس من طبعكِ أبدا. حسبتُكِ أشبه بي؟」
「أعلم」 كانت شوكُهو، الملطخة بالثلج والطين، تبتسم متحديةً ذلك الصوت الساخر. وتفوهت بكلمات مليئة بالازدراء الذاتي. 「أعلم أنني فظيعة. وأعلم أنني أخالف قواعدي طوال الوقت لأحقق أهدافي، ثم أستخدم قوتي لأخفي أنني خالفتها. ومجددا اليوم، سأخالف قواعدي لأحقق أهدافي」
「..」
「ولذا سأفعل أي شيء من أجله」
تمكنت من استجماع قدر بسيط من القوة.
أدركت أنها لا تزال تتحرك.
「وأبدا أبدا لن أفعل شيئًا يُبكيه. لقد أنقذ حياتي، ولذا سأحمي عالمه الصغير الذي عَيّشه مبتسما. تلك قاعدتي #1، وهي فوق كل مسائل الخير والشر!!!!!!」
لكن ملكة توكِوَداي لم تحسب نفسها تُحرّك آنا ولو قيد شبر.
بدل ذلك، حركت يدها المهيمنة فأمسكت ريموتها ثم وجّهته نحو رأس ميساكا ميكوتو مرة ثانية.
「إذا كنتِ واعية، فدعيني أدخل」 شدّت أسنانها ورفعت صوتها. 「إذا كنتِ تريدين القتال لإنقاذه، فاعطني قوتك!!!!!!」
لا ألم، ولا نَفَسٌ متقطع، واستهلاك طارئ لمخزون الماء والدهون في الجسم، وإزالة القيود الجسدية التي أحدثها الخوف، ورفع الحدود الطبيعية للعضلات، وتجارب نجاح متكررة، وزيادة قدرة الحواس على المعالجة، وتعزيز مؤقت للذاكرة وتحليلها.
ملأت أوامر الريموت عقل ميساكا ميكوتو بكل أخطاء علم الدماغ، مثل القوة المعززة، الحركة البطيئة، التجارب خارج الجسد، ومرور الحياة أمام العينين في لحظات اقتراب الموت.
لم تأمرها شوكُهو بتنفيذ أي إجراء محدد.
لأن ميكوتو كانت صاحبة الغريزة القتالية الأفضل.
تحركت يمين ميكوتو بطريقة غير طبيعية. مسحت الثلج الشبيه بالشراب المتراكم عليها الأشبه بلعنة. بدت وكأنها تقبض يدها بلطف، لكنها لم تكن تستعد للّكم. بل إنّ عملة أركيد كانت على ظفر إبهامها.
ضربةٌ كلكمةٍ صاعدة انطلقت نحو فك آنا.
تشكلت شرارات كهربائية حول الريلغن المؤكد رميته.
「ويح،」 بهدوءٍ قالت آنا.
ثم ارتفعت شوكُهو عن الأرض عندما غادرت القدم الصغيرة صدغ ميكوتو برفقة الجزء العلوي من جسد الفتاة الشقراء المتعلق بها.
هذا ناجح.
لقد نجحتا في تشتيت انتباه آنا سبرنجل. لقد أنزلت حذرها ولو قليل. وكأنها تخبرهما أن هذا سيكون فعالاً.
و،
「يكفي」
كانتا بطيئتين كثيرا للحظةٍ فقط.
تضببت رؤية شوكُهو عندما ارتطمت مباشرة إلى الأسفل. ولحظةٌ أخذت لتدرك ما حدث.
في فعل لا رحمة فيه، أسقطت آنا قدمها المرفوعة لتسحق يد ميكوتو اليمنى المرفوعة.
سلبت ذراع الفتاة كل قوتها وثبتت معصمها على الأرض الباردة. ارتطمت العملة المعدنية بالرصيف مع صوت معدني قوي.
ولم يكن كافياً.
لم تكفي مشاعرهما لرفض التهديد الحقيقي أمامهما.
وجاء صوت شدٍّ باهتٍ من المعصم الأيمن تحت قدم آنا.
「ضللتم」 تحدثت آنا كأنها ترى حمقى يكافحون بأشدهم للنجاة في عاصفة ثلجية ولكنهم في الحقيقة كانوا يدورون في دوائر. 「سواء في الشطرنج سواء سباق الخيل، أهم شيء في الفوز باللعبة هو أن تثبت بإستراتيجية واحدة. وتركيزك سيضيع إذا غيرت استراتيجيتك كلما بدأت تخسر. ذلك لن يوديك إلى فوزٍ صادمٍ لا يُتوقع، إنما يُعجّلك نحو الفشل」
「أنتِ...لن تفهمي،」 قالت شوكُهو ميساكي كما لو كانت تتلفظ لعنةً.
قد عَلِقت بتلك الساق الصغيرة أكثر مما تمسكت. كورقة جافة علقت بمعطف أو تنورة في الشتاء.
لكنها مع ذلك تُخرج الكلمات قادرة.
「كنتُ ثابتة من البداية. لكنك لن تدركي أبدًا لأنكِ دائمًا ما تضعين نفسكِ أولاً」
「آهٍ، أحسدك. أوهكذا ترون العالم يا مراهقين؟」
تبعه صوت دوي مكتوم.
تلك القدم التي بدت ترجع لطفل صغير، ومع ذلك طارت شوكُهو في الهواء عندما ركلتها كأنها كرة قدم. لَوْلا الزي الخاص، لتكسرت أو تمزقت أعضاؤها وعمودها الفقري. تدحرجت الفتاة الشقراء العسلية على الأرض ثم اسصعبت التنفس لسببٍ غير الألم أو نقص الهواء.
كان الهدف هناك.
لقد وصلوا إلى بوابة مستشفى مُعَيّن.
『صفر دقيقة إلى وجهتك』
أنهى الهاتف في يد آنا العد التنازلي بشكل آلي وقاسٍ.
ضحكت الفتاة الصغيرة.
「ما زلتِ تحلمين بأهمية الروابط مع الآخرين ها؟ فأنا نسيتُ مثل هذه منذ أمدٍ بعيد」
كان ذلك تحذيرها الأخير الفعّال.
عقرب الساعة لن يتوقف. لقد فشلتا في جذب انتباه آنا. والآن تواصل سيرها وفقا للجدول الزمني بينما تسحق وتقتل كل شيء يَصُدُّها. وإنَّ بوابة عبور السكك الحديدية قد انخفضت، وكان الجميع يعلم ما سيحدث لأي أحدٍ غبي بما يكفي لم ينزل بعد.
لقد تحدوا قطار الشحن بأجسادٍ بشرية هشة.
وتلك هي النتيجة.
ولـٰكِنْ.
مَنْ كان أول من لاحظ الغرابة في الموقف؟
أكانت شوكُهو ميساكي، ميساكا ميكوتو... أمْ آنا سبرنجل؟
لم تصل الضربة المتوقعة أبدًا.
الفتاة التي تبدو لا تتجاوز العشر سنين نظرت إلى الجانب وقدمها الصغيرة لا تزال مرفوعة.
لكن لم يكن من المفترض أن يكون الأمر هكذا.
كانت آنا سبرنجل تتابع جدولها الزمني. كل شيء في طريقها سيموت. وهناك فردٌ واحدٌ فقط قد يجذب انتباهها بما يكفي لتغيير ذلك.
لكن ذلك الفرد كان آخر من يريدونه هنا.
قد أتعبت الفتيات حياتهما وهما تقاتلان لئلا يحدث هَـٰذا بالضبط.
كان تلك الصافرة هديةً بلا معنى، ولكن #5 أعطتها له تقول أنّ دَوْرها لتُنقِذَهُ قد حان. حتى وإن كانت الوحيدة التي ما تزال تتذكر ما حدث أول مرة. ومع ذلك، كانت ترغب في فعل ما فعله عندما خاطر بحياته لأجلها.
الوِحدة قد تقتل.
لكن لا يزال إنقاذك ممكنا إذا مدَّ أحدهم يده إليك.
كانت تحسب أن اليوم هو اليوم الذي سترد فيه له الجميل على ما عَلّمها.
ومع ذلك.
「يو」
سمعت هذا الصوت.
كان في حالة سيئة لدرجة كيف له أن يقف بعد الآن.
ربما لا يستطيع حتى تذكر أنه نسي من تكون الفتاة الشقراء العسلية.
ومع ذلك، ها هو هنا.
كأنه يقول إنه سيكون دائمًا الشخص الذي يأتي لإنقاذها.
「....افلتي تلك الفتاة، آنا سبرنجل」
「أه」
لفّت شوكُهو ميساكي رأسها بصعوبة بالكاد تُحرّك.
ورأت شيئًا وراء الثلج الصامت.
「آه」
ما رأته هناك بدا وكأنه يرفض كل ما فعلتاه.
كان يجب أن تغضب.
كان يجب أن يتحقن وجهها سخطا، وتصرخ حتى تتمزق حنجرتها، وتضرب بأطرافها الأرجاء. بماذا ضحتا وخسرتا إذا كان كل شيء سينتهي هكذا؟ ما معنى الدماء التي نزفت والآلام والخوف الذي عانيتاه؟ ولم تسرقتا اللقاح أو المصل من آنا بعد. فإذا سلمتا الراية له الآن، فهي تعرف أنهما لن يحصلا على أي وسيلة لإنقاذ الفتى. لأنه لن يضع نفسه أولوية ولو للحظة، وسيركز فقط على إنقاذ الفتاتين. لكن فعل ذلك يعني أن كل ما بذلتاه من جهود كانت هباء!
ومع ذلك.
(لماذا؟)
لم تشعر #5 المدينة الأكاديمية بأي غضب. لم تكن ملكة توكِوَداي منزعجة إطلاقا من ضياع جهودها.
كمجرد فتاة عادية، لابد أنها قبلت ذلك في مكان ما داخل قلبها.
(لماذا أنا سعيدة من مآل كل هذا! يا لي من غبية!!)
ليس لذلك منطق، لكن كاميجو توما كان واقفا هناك.
- الجزء 7
「مم؟」
أمالت آنا سبرنجل رأسها مرة أخرى.
بهدوء، مسحت الثلج عن قدمها. لم تهتم بأي من ذلك، فخطت إلى الأمام لتتركه وراءها.
مشت نحو الفتى شائك الشعر المسمى كاميجو توما.
「أيواس」
هاجَمَت.
بتلك الكلمة الوحيدة، أظهرت أن قواعد المعركة قد تغيرت عن تلك التي كانت فيها تلعب مع #3 و #5. ظهر إلى جانب الفتاة الصغيرة الآن شكلٌ شفاف. كان ملاكًا غريبًا له أجنحة بجعة ورأس صقر.
ظلت عيون السيدة سبرنجل موجهة للأمام.
كان نظرها مركزًا على واحدٍ مُعَيّن. إن العصبة الذهبية قد أرسلت في زمنٍ مضى رسائل عديدة من إنجلترا إلى ألمانيا البعيدة بحثًا عنها. دون علمٍ منهم كم كانت شزرتُها مخيفةً حقًا.
وضعت يدها على وركها الذي لم تتشكل فيه منحنيات بعد، وضحكت.
「فما الذي تأمل أن تحققه هنا؟ لا بد أن عطيّتي لكَ القديس جيرمان قد بدأ يذيب غرورك الآن」
「..」
لم يرد كاميجو توما.
ببساطة، قبض قبضته اليمنى بينما جسده يميل ميلاً إلى جنبه.
فتنهدت آنا بتعب.
(يا ليتني وجدتك قبل أن يصل إليك أليستر، لأعدتُكَ إلى ما كُنتَ عليه قبلا.)
لم يكن هناك غضب في عينيها.
ولم يكن هناك شيء.
كانت نظرتها نظرة من فقد كل اهتمامه بأحدٍ آخر.
(وحينما استُنزفتَ إلى أقصاك، يا ليتني رأيتُ أي جزءٍ منك ارتبط بتلك القوة الخارقة. تعبتُ من الشروحات. وإنّ جلسات الأسئلة والأجوبة لعبثية. وتبادل الكلمات لا يفيد سوى أن يشوه الحقيقة وينشر معلومات فاسدة لا قيمة لها. لذلك أردت أن أتعلم هذا بنفسي. أردت أن أرى إلى أي مدى يمكن للمرء أن يفهم عندما يلامس قوة خارقة دون أي معرفة مسبقة.)
「ولكن بعد أن حولتك إلى كتلة من الألم وسلبتك ذاتك وغرورك حتى ما عدتَ تستطيع ربط ذكرياتك ربطًا، كل ما بقي منكَ آلةٌ تمشي وراء إنقاذ الناس؟ قد رأيت مثل هذا العرض منذ ألفي عام」
كانت هذه نتيجة تَحسينه.
كانت النتيجة، لكن هل كانت الجواب؟
هزت آنا سبرنجل رأسها.
لم تتقدم خطوة أخرى.
لم تستطع الحفاظ على اهتمامها. ببساطة، فرقعت أصابعها الصغيرة.
كان هدفها كاميجو توما، ولم تظهر أي اهتمام بما حوله. وأخبر تعبير وجهها أنها لا تكترث على الإطلاق إذا كان هذا سيفجر المستشفى الذي خلفه أيضًا.
「ساعَتُك الآن أيتها النَفْسُ الضعيفة عبيدة قوتك. فشلك في جذب اهتمامي يعد صفرًا تامّاً، بهذا أغفر. ولكن تخيـيـبي يستحق درجة سلبة. وجزاء هذا الموت」
زأر الملاك الحارس المقدس.
لم تهم المسافة بينهما. إذا أغلق ذراعيه المجهزتين بمخالبه الحادة، فجَسَدُ كاميجو توما مسحوقٌ مدمرٌ إلى حدٍّ لن تعرفه. وحتى إذا صدَّ ذلك بقوة يده اليمنى، فإن هجوم الأجنحة الأكبر سيقضي عليه. كان زوجا الأكبر والأصغر من المقصات تقتربان منه كمثل حقلٍ خفي من الموت. قوة الإماجين بريكر مفيدة، لكنها لن تفيد أمام الهجمات المتعددة المتزامنة.
و...
لكن.
-طَحءءءء!!- صُدَّ هجومَي الملاك الحارس المقدس آيواس.
طار الثلج في الهواء.
وكذلك ريش الملاك.
「؟」
عبست اِلْآنا سبرنجل في حيرة. ليس كثيرًا، ولكن الوضع قد تجاوز توقعاتها. كان من المفترض أن يسحق القطار الضخم كل شيء في دربه، فكيف انحرف عن مساره.
(ما....؟)
لم يكن الإماجين بريكر وحده كافيًا للتعامل مع الهجمات المتزامنة المتعددة.
أمكنه أن يصدّ المخالب أو الأجنحة، ولكن إن صدّ واحدًا فسوف يصل إليه الآخر ويشقّه.
(ما كان ذلك؟ هل استخدم الإماجين بريكر ليُوَجّه السِّحْرَ المُدَمّر إلى الآخر، كأن يرسل نصل السيف المكسور على رأس الرمح؟ لا، هذا كان شيئًا آخر.........)
「لا يمكن، إنكَ」
صُدَّ الفم الكبير وأجنحة الملاك في اللحظة نفسها.
تناثرت بقعة حمراء داكنة من زاوية فمه.
قد كان يتجاهل نزيفه آنفا، لكن سبب النزيف هو ما كان يهم هنا.
ماذا لو؟
ماذا لو كان كاميجو توما يركز على كُلِّ القطع على لوحة اللعبة هنا؟
وبالنظر إلى كيفية وصوله إلى هنا، بات من الواضح هوية الهجومَين المزدوجَين. بجعلك بمثل هذا الفتى عدوًا، فإن أكبر تهديد ليس قوته في يده اليمنى أو من تقنياته القتالية المستوحاة التي تبدو أكبر من أن تكون من فتى في المدرسة الثانوية.
آنا سبرنجل قد "حَسَّنت" هذا الفتى بأن تُجَرّده من كل ما قد مُنح له حتى ترى ما سيتبقى.
ولقد كشف جوهره هنا.
إذن هنا، هذا يفسر صده الهجومان المزدوجان.
「هل استخدمتَ السحر؟! بأن تتحالف مع القديس جيرمان الذي زرعته فيك!؟」
- الجزء 8
في الحقيقة، كان كاميجو توما يستطيع أن يرى فقط نصف المشهد أمامه.
وكان هذا هو الحال أثناء مسيره إلى هنا.
「لهث، لهث.」
نزل السلالم الطارئة للمستشفى وخرج إلى الفناء.
هناك فَقَدَ توازنه وسقط.
كانت أصابعه المرتجفة تمسك بالصفارة التي انزلقت عبر الثلج.
لم يستطع تذكر متى حصل عليها. لم يكن متأكدًا حتى ما إذا اختارها بنفسه أو أعطاه أحدٌ ما. لكن عندما ضغط عليها في يده، شعر بقوة تملأ قلبه لسبب ما. تلك القوة الدافعة الدافئة ساعدته في مقاومة برد الشتاء.
على أن قوة الإماجين بريكر من المفترض أن تلغي كل الخوارق، سواء كانت خيرًا أم شرًا.
「...،」
تمكن مرة أخرى أن يقف وهو يتشبث بأحد أعمدة الإنارة.
انزلقت قدماه على الثلج، لكنه تمكن من بدء المسير مرة أخرى.
ولا شيءٌ دخل عينيه أو أذنيه قد يصل إلى عقله. كان جسده لا شيء سوى ألمٍ وحرارة شديدين. وما تركه شعور أنه تَوَرمَ فضَعُفَ فوهُنَ فصغرَ حجمه عن المعتاد.
「اسمع.」
وقد يكون هذا هو السبب أنه ركز عقله داخليًا.
「ربما هذا كل ما بت عليه الآن. فقدتَ جسدك، واتخذت شكل الكائنات الدقيقة، ولم تعد تستطيع فعل أي شيء إلا بشكلكَ إكسيرًا للحياة تدخل أفواه الناس. قد تكون أقرب ظاهرة من إنسانٍ الآن.」
همسات فقط، لكنه نادى لأحدٍ ما.
كان الوحيد هنا. لم يركض أي ممرضٍ أو حارس للبحث عن الهارب عندما انطلقت صفارة الإنذار من الحريق. لكن هذا لا يعني أنه لم يكن هناك من يستمع.
استشعر.
أنّ مستمعًا ينتظر بداخله.
「لكنك أيضًا ساحر، أم تُراني مخطئ؟」
نعم، لقد كان كاميجو توما يقاتل طوال الوقت.
لكن ليس ضد ألم جروحه. كان يواصل هذه المحادثة طوال وقته في المستشفى.
كل ذلك لأجل أن يفتح الباب لشخص كان يعاني منذ وقتٍ طويلٍ مديد.
لقد رفض ميدونة هوشيمي. ولقد "لَكَمَ" آيهانا إيتسو.
لأن هذه كانت مشكلتُنا ولن يسمح لشخص خارجي بالتدخل.
لم يكن يتحدث إلى مجرد دمية. كان هناك ممثلٌ آخر على المسرح يُشارك مصيره.
أحدٌ يمهد الطريق لنفسه بالقتال.
「أنتَ ساحرٌ نقشت اسم سحرك على قلبك وبدأت في ذلك دربك لأسبابك، صحيح؟ إذن، فماذا كنت تريد أن تفعل في ذلك الوقت؟ سأساعدك، قديس جيرمان. دعنا ننهي هذه اللعبة السخيفة من التظاهر. إذا كان هناك شيء تريد فعله، سأعيرك جسدي.」
لقد دمر القديس جيرمان جسده من الداخل كجزء من خطة آنا. تلك حقيقة لا تُنكر.
لكن.
أوكانت نتيجة خُبثٍ من القديس جيرمان؟ هل أظهر أي مشاعر مظلمة؟ الإجابة هي لا. كانت آنا سبرنجل من نَوَت عليه الأذى، ولن تجد أي إرادة بشرية من القديس جيرمان في ذلك.
ماذا لو كان يسبب الأذى فقط بوجوده، ولم يكن لذلك الساحر مقصد في أيٍّ من هذا؟
هل كان القديس جيرمان حقًا عدوًا نَصُدُّه؟
لم يستطع كاميجو توما أن يُجيب على هذا السؤال.
لذا، كل ما كان عليه فعله هو أن يسأل.
『...』
لم تأتِ الإجابة كصوت مادي ناتج عن اهتزاز الهواء.
لقد أصاب القديس جيرمان جسده بالكامل، لذا لابد أنه وصل إلى أعصاب الفتى أو خلايا دماغه.
أياً كان سببها، كانت هناك إرادةٌ واضحة.
إرادةٌ تختلف تمامًا عن معتقدات كاميجو توما — إرادةٌ كانت مقموعةً حتى الآن — تحدثت في ذهنه.
『أنا..』
عذاب، استسلام، فشل.
كانت إرادة بشرية واضحة تغمرها كل تلك.
『أردتُ أن أعطي الناس أحلامًا. ما سعيتُ في الثروات العظيمة أو الشهرة وأنا ساحر. ابتغيتُ فقط أن أظهر في المُدن وأذهل الناس بعروضٍ صغيرة ممتعة — هذا كل ما في الأمر. كنت آمل أن يسعى أحدٌ ما وراء تلك التقنيات التي بدأت بالكذب وفي النهاية يُحقق شيئًا أعظم من أعظم أحلامهم』
لابد أن ذلك لم يحدث أبدًا.
لم يحاول أحدٌ فعل ذلك بنفسه. إنما كانوا يعتمدون على القديس جيرمان الذي قَدّم لهم كل شيء.
اتبعوا الطريق السهل.
الطريق الأناني.
الساحر الذي ادّعى أنه متمكنٌ من تقنيات صنع الذهب والألماس وإكسير الحياة قد وجد نفسه محاطًا بأسوأ أنواع النبلاء والأثرياء. دفعوه إلى وسط الحياة الاجتماعية ولم يستطع الرجوع. وما إن لم يعد قادرًا على خداع هؤلاء الجشعين الذين كانوا يهتمون فقط بالثروات والشهرة، طلبوا محاكمته وأُجبر على التخلي عن جسده المادي.
لكن حتى هذا الساحر كانت له نقطة انطلاق.
لم يكن مجرد أداة. كان إنسانًا حيًا.
لذا.
لم يتردد كاميجو توما أن يركز في تلك النقطة المركزية. واستخدم قوة كانت فعلاً مرعبة عندما تُستخدم ضدك.
قال الفتى كلماتٍ تصل عميقا إلى جوهره.
「إذن افعلها، قديس جيرمان.」
『...』
هل كان عدوًا أم حليف؟
أوكان هو المهلة الزمنية التي تهدد حياة الفتى؟
ولكن ما يهم في أيٍّ من ذلك؟
تلك كانت فقط قواعد اللعبة التي فرضتها آنا سبرنجل عليهما معًا. إطاعة تلك القواعد ستسعد آنا فقط. لم يرغب كاميجو توما يومًا في رسم خط ممل كهذا بينهما.
كان يخاف من الموت في النهاية. كان مرعوبًا. لكن ينبغي أن يكون عنده شيءٌ يسعه بينما لا يزال حيا. شيءٌ لا يمكن إلا لكاميجو توما أن يفعله.
عندما يتخلى العالم بأسره عن أحد، يُحكم على هذا الأحد "شريرًا".
قالت له إلهٌ سابق ذلك، ولقد اتفق معها.
ولنضعها بشكل آخر، كل ما تحتاجه هو شخص واحد لن يتخلى عنك مهما كانت طبيعتك مأساوية.
كل ما تحتاجه هو واحدٌ لا يكف حديثه معك.
حينها، بالتأكيد.
لا، بل يقينًا سوف يُنقَذون.
「أردتَ أن تستخدم سحرك لتعطي الناس أحلامًا؟ وأردت أن تتقن السحر لتبعد دموع الأطفال، وتصنع من وجوه الكبار المتنازعين ابتسامات، وتحرر عقول الشيوخ التي تحجرت؟ إذن، وقتك الآن. ولا سبب واحد لتتردد لأن هذه حياتك. إذا كنت تريد أن تطلق على نفسك لقب ساحر، فلا تُشح بعيدًا عن هدفك. لكَ جسدي فاستفد منه، فاخرج إلى هناك واتقن طريقك الذي اخترته لنفسك، قديس جيرمان!!」
-جِجِجِجَّ-، صوت شدٍّ غريب من داخل جسده.
لم يعرف إن كان هذا الصوت ناتجًا عن تمزق أوعية دمه أو أعصابه أو عضلاته أو أعضائه أو عظامه.
جسد الإسبر لن يصمد إذا استخدم القديس جيرمان السحر من خلاله، وكان القديس جيرمان سيتآكل تدريجيًا طالما كان الإماجين بريكر موجودًا في ذلك الجسد.
كانا في غاية التنافر.
لم يكن ينبغي لهما أبدًا أن يعملا معًا.
لكن.
لم يتردد كاميجو توما في قوله.
「قل لي ما تشاءه وتبتغيه.」
『...› ›
「سأُحققه بجسدي، لذا الآن ليس وقت الخجل!! أنت لا تزال متمسكًا بهذا العالم حتى بعد أن تحولت إلى هذا الشكل، لذا لابد أن عندك ندمٌ لا تستطيع أن تنساه. إذن أخبرني ما هو فأحققه لك!!」
『أريد أن أحمي أحلام الناس. دموع الفشل والاستسلام لا مكان لها في هذا العالم!!』
- الجزء 9
كان هناك انفجار واضح.
كان ضوء الإمكانية الذي خلقه ساحرٌ مُعَيّن.
كانت القوة لحماية أحلام الجميع.
تكسر فكّ الوحش الخفي بقبضة يد فتىً، بينما أطلق الضوء السحري من يده اليسرى الملطخة بالدماء لتصد أجنحة الملاك.
عدو أم حليف؟
يا للسؤال السخيف. هذا التحديد لا يسوى شيئًا لكاميجو توما.
لم تكن هذه قوة الإماجين بريكر ولم تكن تجربته القتالية المبنية على حدس حاد ومعارك لا تعد ولا تحصى.
كانت القوة لتحطيم الحواجز والعمل معًا.
كانت القوة للاستمرار في المحاولة دون خوفٍ من الفشل مهما مددت يدك من مرات ومهما وُجِّهت إليك نظرات الكره.
كان هذا هو الجوهر الذي بقي عنده عندما تَجَرَّد من كل شيء آخر، وكانت السمة الخاصة التي يجب أن يخشاها كل من سيقف ضده.
- ما بين السطور 3
الكونت قديس جيرمان هو واحد من أكثر الشخصيات غموضًا، حتى في مجال السحر.
تم تأكيد أول ظهور له رسميًا في أوساط المجتمع الراقي في باريس خلال خمسينيات القرن الثامن عشر. قيل عنه ناطقٌ طلق لِلُغات عِدّة، وكان يشع جاذبيةً غامضة، وكان بليغًا فصيحًا يُقرّب الناس من أول لقاء. في ذلك الوقت، لم يكن الفصل بين العِلم والسحر واضحًا تمامًا، لذلك كان المثقفون يتلقون تعليمًا في جميع أشكال السحر، وكانت طرق التلاعب بالمواد الكيميائية والألماس شائعة بشكل خاص.
بعد بعض التغيرات المعقدة في الأحداث، أخبرت السجلات الرسمية إنه توفي من مرض ودُفن في ألمانيا سنة 1784، لكن الأشخاص الذين ادّعوا أنهم "قديس جيرمان" شوهدوا من حين لآخر من بعده.
هذا، إلى جانب الأسطورة التي تقول إنه لم يتناول شيئًا سوى الحبوب ودقيق الشوفان الذي كان يصنعه بنفسه، دفع النبلاء والأثرياء في ذلك الوقت إلى نشر شائعات بأنه كان ساحرًا قد صنع بنجاح إكسير الحياة.
نظرًا لتلاعبه بالألماس وتلقيبه "بكونت"، اختلط الأمر على البعض فظنّوه [كاليوسترو] الذي كان متورطًا في قضية قلادة الألماس التي شملت أيضًا [ماري أنطوانيت]، وهو ما قد يفسر القصص القديمة عن وفاته وتدميره. ولكن ذلك الرجل الغامض استمر في الظهور حتى نهاية القرن العشرين، في عصر أجهزة التلفاز الملونة. ومهما صَحّت أخباره، فقد ظهر أحدٌ يَدّعي أنه القديس جيرمان (وليس مجرد أحد يمثل دورًا) في بث تلفزيوني ملون. على الرغم من أن الكنيسة الأنجليكانية ومدينة الأكاديمية لم تتخذان أي إجراء لوقف ذلك البث، لذا قد يكون هذا كل ما تحتاج إلى معرفته حول أحقّيته.
لقد ارتبط بعصبة السحر الروزكروشية القديمة ليحصل على أحقيةٍ في عالم السحر.
ولكن اسمه لم يُذكر في أساطير الـ CRC أو أتباعه، لذا يمكن افتراض أنه انضم إلى العصبة في فترةٍ لاحقة.
في الحقيقة، قد فكك جسده المادي ليصبح مستعمرة من الكائنات الدقيقة.
عادةً ما يتم الاحتفاظ بها جافة للحفاظ عليها لفترة أطول، ولكن بمجرد أن يبتلع المضيف الحبة السوداء وتقوم اللعاب والسوائل الجسدية الأخرى بتفعيل الكائنات الدقيقة، فإنها ستستولي بسرعة على جسد المضيف وتبدأ في العمل كقديس جيرمان. وبالتالي، عندما ننظر إلى التاريخ ككل، يبدو كأنه شخصية خالدة تظهر هنا وهناك في عصور مختلفة.
يتقن التلاعب بالكربون وبالتالي الألماس.
تم رؤية عدة أشخاص يدعون أنهم قديس جيرمان معًا داخل مبنى الديانويد، وهذا مَعْلمٌ من مَعالم المدينة الأكاديمية.
عندما رأت الساحرة آنا سبرنجل القديس جيرمان الحالي، قالت إن نقاوته قد انخفضت.
إنه يحمل أدنى رتبة.
لا توجد أدلة على أنه تواصل مع معبد رقم 1 في ألمانيا.
لكن إذا سمحت ببعض التخمين، فإن رغبته في تقديم الأحلام للناس تتقاطع إلى حد ما مع خطة الروزكروشن للقضاء على أمراض العالم عن طريق تحسين المجتمع البشري غير الكامل باستخدام المثقفين كدواء ينشر التعليم، لذلك قد يكون من المفيد أن ترى إذا ما كان قد توصل إلى تفاهم مع تلك العصبة.
أهداف القديس جيرمان غامضة وغالبًا ما يُقال إنه يمتلك داء العظمة الذي يدفعه إلى زعزعة العالمين السياسي والمالي بالحيل والمقالب التي يدعي أنها تهدف إلى دعم أبحاثه في الألماس.
ولكن بما أنه ساحر، لابد أن شيئًا ما قد دفعه إلى اليأس في هذا العالم أو في التروس الإلهية التي تربطه، مما جعله يسلك طريق السحر حيث يمكنه الوصول إلى الحيل المعجزية بمفرده.
لا توجد سجلات لما كان ذلك.
لأنه قرر أن ذلك كان أفضل هكذا وأغلق تلك السجلات بنفسه.
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)