الفصل الرابع: ظَـٰاهِرَةُ اُلۡكاميجو توما. — لَيۡسَتۡ_الۡيَدَ_اَلۡيُمۡنَىٰ.
(إعدادات القراءة)
- الجزء 1
اثنين ضد اثنين.
「هممم」
تبسَّمت الفتاة الصغيرة بخباثة.
كانت وحشًا يسير مستقيمًا نحو وجهته؛ مدمرةً كل ما يعترضها.
「الآن بات الوضع أشوق. هل لكَ أن توضّح لي هذا المنعطف غير المتوقع وترميه علي؟」
طرفٌ كان كاميجو توما والقديس جيرمان.
وطرفٌ كانت آنا سبرنجل والملاك الحارس المقدس آيواس.
「خُطْوَةٌ」
كانت الفتاة الصغيرة العارية التي بدت في العاشرة من عمرها تُمسك بقطعة قماش حمراء تغطي بها جسدها تحت الثلج المتساقط. ابتسمت بثقة، وبجوارها الملاك الغريب.
بدا أنها تُهدد بوابة المستشفى الأمامية وكأنها حاجز سحري.
بدأت بالمشي بقوة مذهلة لفتاة تبدو وكأن نسمة هواء قد تسقطها. ولم تكن تلك القوة مجرد وصف مجاز؛ الثلج تحت قدميها كان يتطاير، والإسفلت غاص قليلاً، وظهرت شقوق من حولها.
「إذا تكبرت عليَّ واغترت، فهيّا أوقفني من اتخاذ هذه الخطوة الواحدة. خفيانية R&C هي الهبّة (تريند) الجديدة في هذا العالم أجمع. وإذا عجزت صدّ مجرد توجّه عالمي، فأملي منكِ سيخيب كثيرا. ولكَ أن تستنتج بنفسك ما يعنيه ذلك」
「.....」
قبض كاميجو توما قبضة يمينه بصمت.
لكن هذا ليس كل شيء.
ضغط كفه الأخرى على منتصف صدره وتحدث إلى تلك النقطة.
「قديس جيرمان، هل تقدر؟」
『من تحسبني؟ اترك علي ألغام خطوط لاي الأرضية. وعليك فقط أن تواجه التهديد الذي أمامك』
جاءت عبارتان مختلفتان من فمٍ واحد.
رأى كاميجو أن حاجبي آنا اسبرنجل تحركا قليلاً.
كان الصوت الآخر مسموعًا للآخرين، وكان مصحوبًا بنَفَسٍ يُرى.
والآن، أعَدَّ كاميجو توما قبضته. لن يتراجع مهما كان شكل عدوه. في الواقع، كان شيء داخله يخبره بأن احتواء عدو بهذه العظمة في جسد صغير كهذا لأمرٌ غير طبيعي.
لم يكن يستطيع تجاهل ما كانت تفعله خفيانية R&C، ولا الفتاتان اللتان وقفتا معه وكانتا الآن على الأرض مغشيتان.
وله أن يحاول أن يتفهم هذه العدو بعد أن يضربها ويُنهي الأمر.
ولا تزال المسافة بينهما كبيرة.
حتى إذا ركض بأقصى سرعته، سيحتاج إلى خمس خطوات ليصل إليها.
لكن...
「آيواس」
في اللحظة التي همست فيها شفاه آنا الصغيرة ذلك الاسم، اختفى الملاك الذي كان بجوارها.
لا، لقد قبضت الفتاة يدها الصغيرة ثم أرخَتها، ثم لوّحتها بلطف إلى جانبها كأنها تُلَوّح بمروحة.
ثم أعلنت كلمتها.
「اِفْتَح طَريقاً من جِفورة إلى هُود، واسْكُن ذِراعِيَ اليُمنىٰ」
المسافة لم تهم. هذا كل ما تطلبته حتى تُقطع خمسة ناطحات سحاب بعيدة، والتي كانت تشكل ركنًا مهمًا في المشهد، فتسقُطَ على الأرض كما لو كانت لعبة داروما أوتوشي رديئة الصنع. وبما أن المباني لم تحوي نوافذ، فلا بد أنها كانت مباني زراعية آلية تحصد حصادا أكثر من عشرين مرة في الشهر.
「كسّارة الهياكل」، قال فمها الصغير.
كانت تلك القوة النارية العظيمة غير متوقعة تمامًا.
هجومٌ ظالمٌ كهذا من المفترض أن يقتلك قبل أن تدركه حتى.
ومع ذلك، ظل كاميجو توما حيا.
「!!」
رَبَض مباشرة إلى الأسفل.
انبطح على الأرض وأطرافه ممدودة، ثم أمسك بالأرض بذراعيه وقدميه، ثم انطلق نحو آنا سبرنجل وهو على أطرافه الأربعة كمفترس.
اصطدم يمينٌ بيمين.
وبالطبع، كانت الرمزية التي أدخلتها قائدة الروزِكْرُوشِن أسوء من القوة التدميرية الفعلية.
『هل آخذ عنك الزمام؟ أدنى ترددٍ سيوديك إلى الهلاك أيها الإسبر!』
「ليس بعد!!」
لم تنوي آنا بوضوح ترك مسافة بينها وبين خصمها فتستنزفه بوابل من الهجمات. من الممكن أن يكون ذلك الهجوم المبالغ فيه مجرد وسيلة لتخويف كاميجو ودفعه للحراك نحوها إذْ أنه لا يمتلك أي هجمات بعيدة المدى.
لم تكن بحاجة إلا لتحريك يدها المفتوحة كأنها تأرجح مضرب تنس.
ذلك كل ما تطلبه الأمر لتُمَزّق الفضاء ذاته بعنفٍ ولا رحمة، دون أي اعتبار للمسافة أو المواد. مجرد لمسةٍ من راحة يدها تُبطل العالم، ممزقةً كل ما هو موجود ومعه البُعد والفضاء ذاته. جَزَعَ الفتى كاميجو حتى كاد صدره يحترق [1]، لكنه الآن على بُعد مترٍ واحد من آنا سبرنجل.
وجّه هجومه نحو فكّها الصغير بلكمةٍ صاعدة.
「أوووووه!!」
كانت تلك القبضة قادرة على إعادة جميع السحرة إلى مجرد بشر عاديين. ذلك الهجوم يسلبهم وسائلهم لمواجهة العالم القاسي ويلقي بهم في البرّية عُراة.
لكن آنا بخطوة هادئة نَحْوَ الهجوم الحاسم جَنّبت نفسها الضرر بكل بساطة.
بدا وكأنها تحتمي في صدر الصبي.
بتحركها أقرب من القبضة المنطلقة بَعّدها من أن تصل إليها.
ثم.
بيدها الأخرى، يُسراها، كانت تحمل سكينًا عاديًا يقتل بطول 10 سم.
ما كان لكاميجو توما أي وسيلة للدفاع ضد هذا السلاح البسيط.
「قِهقه」
「قديس جيرمان!!」
قعععءءء!!!! صدى صوت معدنٍ عال، لكن السكين التي كانت تحملها الفتاة الصغيرة لم تكن مجهزة لإصدار مثل هذا الصوت.
إذن ما الذي تسبب في ذلك؟
「ألماس؟ أوذلك الضوء الأبدي نُسخةٌ معدلة من المصابيح التي تُنير القبور؟」
『.....،』
تبادلا الأماكن.
عصا خفية قد انتقلت من يدٍ لأخرى.
وفي لحظتها، تغيّر السلاح الذي استخدمه الفتى ذو الشعر الشائك من قبضة يَدٍ يُمنى إلى سحر يَدٍ يسرى.
تحديدًا، بعض الجزيئات اللامعة قد تناثرت في الفجوة التي لا تزيد عن بضعة ميليمترات بين صدر الفتى وكف الوحش عاري الجلد.
يُقال إن الألماس لصلبٌ شديد لدرجة أنه في الواقع هشٌّ سهل الكسر، لكن هذا لا يعني أن الشفرة التي تضربه ستخرج سليمة. فقدْ انكسرت قمة السكين وتشقق النصل عندما اصطدم بالحجر.
「لم تنوي أبدًا صدّها بقوة الألماس. كأنها أشبه بعباءة مصارع الثيران؟ هذا البريق يُربك نظري، وتشقق النصل يُشتت سرعة واتجاه الهجوم التدميري. ومع ذلك، يبدو أن لمدينة الأكاديمية هواءٌ ملوث حقا بما أنك قادرٌ على التلاعب به لتُنتج الألماس」
『فماذا لو فعلت؟』
لم يكن سحر القديس جيرمان يتطلب سيفًا خاصًا أو بطاقات.
أمكنه أن يخلق أي شيء بالكربون العادي فقط.
「أراهُ غير فعال」، قالت آنا. 「استخدام السحر بذاك الجسد يتطلب تكريرا [لقوة الحياة] في كامل جسدك ثم تصقلها إلى [طاقةٍ سحرية، أليس كذلك؟ دائمًا ما ستواجه خسارةً كبيرة لتلك [الطاقة السحرية] الثمينة قبل أن تستخدمها」
『قولٌ صواب. يد هذا الفتى اليمنى لقويةٌ حقًا وليست شيئًا أتحكم به كاملاً حتى ولو سَمَحَ لي』
لم يستطع القديس جيرمان استخدام الإماجين بريكر.
ولم يستطع كاميجو توما استخدام سحر الألماس.
مهما حاول الاثنان، كان عليهما دعم بعضهما البعض أثناء القتال.
لذا كان أفضل رهان لهما هو التبديل بين الجانبين اعتمادًا على ما يتطلبه القتال الحالي. حتى لو كان شيء مميتًا لأحدهما، قد يسع الآخر تجاوزه. كانا يتبادلان الأدوار كأنهما يبدلان مضرب تنس في مباراة عالية السرعة. على أن ذلك بدا مريحًا، إلا أن خصمهما كانت آنا سبرنجل. خطأ واحد كفيل بأن يُفلت منهما "كرة النجاة" فيخسرا المباراة.
『لكن حتى لو كانت السُفَيرات وقنواتها المُتّصلة تتوافق مع أجزاء من الجسد البشري، فلن تسمع يومًا عن أحدٍ لم يعد قادرًا على استخدام السحر بعد جُرحٍ أو مرض. إنّ السحر وسيلة نُعوض بها ما نفتقده ونحقق أحلامنا، لذا كثيرٌ من الناس دخلوا عالم السحر بعد إصابة أو مرض كهذا』
「أوتقول إنك تستطيع فصل يده اليمنى أو تجاوزها؟」
احتوت كلمات القديس جيرمان على خوف واحترام، ومعها كشّر أنيابه.
『لطالما كنتُ ساحرًا وضيعًا رَفَضَ أن يعرفه الناس فقط بحرفي RC. بدلًا من ذلك، سعيتُ لترك بصمةٍ في المجتمع الراقي باسمي الفردي القديس جيرمان. صحيح أن هناك خسارةٌ كبيرة في القوة عندما أحول التدفق حول تلك اليد، لكنني اعتدتُ الجهود المهدرة وهذا لن يكفي لإفشال تعاويذي الألماسية. اتضح أن النسخة الدقيقة التي صنعتها مِنّي كانت أقوى مما توقعتِ ها؟』
انحرف جسد الفتى إلى اليسار بينما كان الاثنان يتحدثان.
لكن ليس بسبب وجود خطة ما.
-طغخخءء- صدر صوت لزج تناثر على الأرض، مُزيّنًا الطريق بالحُمران كأنه احتفالات عيد الميلاد.
「غ...به!!」
「نعم، الآثار الجانبية. واجه الواقع، لن تقدر على إخراج السحر قدرما تشاء يا غِرّاً أنت وهو. تمامًا كالروليت الروسية، طلقة واحدة منحوسة وهلاكك يكون.」 ابتسمت الفتاة الصغيرة ابتسامة قاسية من قريب. 「لذا أرى أنه الوقت لأفعلها بقوة」
دوّرت يدها الصغيرة حولها، لكنها لم تُعِدّ لهجوم غامض. أصابعها مزقت أنبوب الغاز المار عبر الحائط القريب.
كان على القديس جيرمان أن يواجه هذا النوع من الخطر المادي أيضًا.
لو استمر الوضع على هذا الحال، فلن يقدر كاميجو أن يرجع إلى القتال. وإذا بقيت المعركة بين ساحرٍ وآخر، فهو واضحٌ تمامًا من سيفوز بين القديس جيرمان وآنا سبرنجل.
『تشه!!』
وحتى بذلك، فإن الهجوم المستند إلى الفيزياء العادية يلتزم بالقواعد المعروفة الموجودة في كتب الفيزياء العادية. أنشأ القديس جيرمان طبقةً مزدوجة من ألواح الألماس أرقّ من مظلة. لم يهدف الهجوم أو الدفاع، بل لتغيير اتجاه الرياح كما فعلت المباني. وإذا تغير اتجاه الرياح، فإن الغاز غير المرئي وشديد الاشتعال سينحرف إلى غير هذا المكان.
تجنب الانفجار، لكن كاميجو سعل دمًا من إصاباتٍ داخلية.
『كنت أحاول كسب الوقت لتلتقط أنفاسك، لكن لعلي كثّرت وطوّلت الحديث. لم ننتهِ بعد يا أيها الإسبر! دورك!!』
سمع صوتًا يخترق الهواء.
وكان ذلك إشارة إلى أن دور الهجوم قد حان.
عاد بريق قوي إلى عيني الفتى شائك الشعر. ومع انطلاقة اليد الصغيرة نحوه، قفز جانبًا بكل قوته رغم عجزه عن الوقوف بشكل مستقيم، لكنه انتهى ساقطا على الأرض. عادةً ما كان ليتجنب أرجحة ذراعها الأفقية، ولتقطّع.
لكن هذا لم يحدث.
بعد صوت مكتوم، قفز فجأة عدة أمتار في الهواء.
「قديس جيرمان، تولّى هذا!!」
『حسنا، ولكن التبديل المتكرر يُقصر حياتك فلا تنسى. دورك!!』
ليس وكأنها قفزةٌ من ساقيه بل كأن سيارةً صدمته. فقدْ اندفع من تحته عمودٌ سُداسي من الألماس فأطلقه ثلاث أمتار أو حول ذلك في الهواء. أخطأت أصابع آنا التي استهدفت جذعه البشري فقطعت بدلا منه كتلة الألماس السميكة.
كان العقلان يتناوبان التحكم في الجسد الواحد بالتبديل بين يدٍ يُمنى ويُسرىٰ.
بدا أن هذه طريقةٌ تُحقق بها الانتصار. كان إماجين بريكر كاميجو ضعيفًا أمام الهجمات المتعددة المتزامنة، لكن ألماس القديس جيرمان استطاع الدفاع ضدها. وما كان سحر هذا الأخير قادرًا على إيقاف الهجمات العنيفة لآنا بالكامل، لكن يمين كاميجو دفعتها وصَدّتْها.
「أوووااااه!!」 قبضت اليد اليمنى بإحكام، مظهرةً بوضوح سيطرة كاميجو توما الآن.
كان دور الفتى العادي للهجوم في منتصف الهواء.
حبس الدم داخل فمه وهو يقبض يده مرة ثانية. ما كان ليكون لآنا أي وسيلة توقف بها ذلك إذْ أنها كانت بالفعل في وسط تلويحتها لكفها إلى الجانب عفويا.
نظرت الفتاة الصغيرة أعلاها مُجَرَّدة وابتسمت.
وكانت أصابعها مُخَلّبة بلطفٍ كمخالب قطة، ولكنها الآن مَدّتها مستقيما. ذلك وَسَّع من زاوية مروحتها القاتلة دون أن تغير قوة تلويحتها.
نتيجة لذلك، تمزق الثلج والإسفلت تحت قدميها، وانهارت الأرض من تحتها، فسقطت معها.
وهناك على ما يبدو منصة قطارات أنفاق مباشرة أسفلهم.
ورغم أن ذلك يُعتبر داخل المبنى، إلا أن البرد أصبح أسوأ.
لم يتذكر كاميجو وجود مدخل لقطارات الأنفاق قريبٌ من هنا، لذلك بدا أن هذا الهيكل تحت الأرض فيه معقدٌ نوعا ما. أو ربما كان يحمل سرًا ما، كأن يكون متصلاً بقبو ذلك المستشفى.
「غع!؟」
فشل كاميجو في الهبوط فتدحرج على الأرض الركامية، وما كان عنده وقت ليتألم. بصق الدم من فمه ثم قفز بسرعة خلف آلة بيع المشروبات ذات الغطاء الشفاف المكسور.
كان هو والقديس جيرمان قادرين على مجاراة القتال، لكن ذلك لم يسمح لهما بعد بالرد الفعلي على الهجمات.
وإنّ آنا قد لَوّحت بيمينها إلى الجانب.
「أوه؟」
ولكنها الآن بدت كأنها مندهشة نوعا ما.
لقد صادفت شيئًا لم تتوقعه إلى حد ما.
فور أن قطعت الفتاة الصغيرة الكتلة المعدنية المستطيلة التي استُدْرِجَت إليها، تفاعل المبرد الكيميائي الذي يحافظ على درجة حرارة أقل بكثير من الصفر مع الهواء العادي. وبعد لحظة وجيزة، تمددت سحابةٌ بيضاء من البخار تشبه السحابة الركامي في كل الاتجاهات، كما لو أن قنبلة دخان قد انفجرت.
كان هذا ستارًا دخانيًا واضحًا.
هجوم، هروب، اختباء، راحة، أو تفكير.
مع تباطؤ تدفق المعركة، أصبح لكاميجو والقديس جيرمان الآن إمكانيات لا حصر لها.
- الجزء 2
اليس
تجاوزنا حَدَّ الخطر.
كانت وحدات العناية المركزة وغرف العمليات وحتى غرف العلاج للمصابين الجدد تعمل بكامل كفاءتها.
والمسعفون يستمرون في جلب المرضى بأعداد أكبر مما يسعه المستشفى.
「ارجعوا!! الدخول فقط للمصرح لهم!!」
「ائتوا بأغطية أكثر هنا لنحجب عنهم الأنظار! لا تكشوفهم قدام الهواتف!!」
تبادل الصراخ الغاضب والهتافات المشحونة كان سائداً، والتوتر امتد حتى إلى بهو المستشفى المُزدان بزينة الكرسماس.
ولربما كان الموقف أسوأ.
فهذا مستشفى كان يستقبل هذا العدد من سيارات الإسعاف لأن المشافي الأخرى قد توقفت عن العمل تمامًا، بينما هذه المشفى ما يزال يعمل بقدرٍ من التنظيم من حيث الكوادر والإمداد. لكن ماذا سيحدث للمرضى إذا رفضوا استقبالهم هنا؟ كل ثانية مهمة في عمل فرق الطوارئ، وهم يدركون تمامًا أن هؤلاء لا يمكنهم الانتظار حتى يُنقلوا إلى مكان آخر.
لكن لن يُنقذوا ما لم تُحل المشكلة الأساسية.
إغلاق الجروح وإيقاف النزيف سيُكسبهم بعض الوقت لا أكثر، إلا إذا توقف المرضى عن التسبب لأنفسهم بجروح جديدة.
「استخدموا مخدرًا موضعيًا. لا تُغْشونهم. إذا فقدوا الوعْيَ الآن، قدْ لا يستيقظون أبدا!!」
「ما كل هذه الإهتزازات في الخارج؟」
「لا أدري ولا أهتم طالما أنها لا تُسْقِطُ هذا المريض من على نقّالته. لكن انتبهوا كثيرا على إبرتهم الوريدية ألا تضر أوعيتهم الدموية!」
بدت قاعة المصاعد وكأنها ساحة معركة، لكن فجأةً قُطع المشهد بخطوات صغيرة تسير.
لسبب ما، لم يلتفت أحد إلى الراهبة البيضاء بينما الجميع يركضون مستعجلين.
「مهلا، ما هذا؟」
عندما التفتوا مجددًا، قد اختفت.
نظر الطبيب الشاب إلى المريض على النقالة ثم إلى أجهزة المراقبة الطبية المصطفة إلى جانبه.
「كيف استقرت العلامات الحيوية فجأة؟ ماذا حدث؟!」
وعند سماعه، سارت الفتاة نحو نقالةٍ أخرى.
كانت إندِكس، مكتبة السحر المحظور.
「هممم، هممم، فهمت」
「قد عكسوا العملية تماما. ولكنهم يفتقرون إلى المعلومات اللازمة، لذا ليس هذا خطأهم حقًا」
الإله ذو الخمسة عشر سنتيمترًا الجالسة على كتف الراهبة ظلّت متحفظة بعض الشيء من القط الكاليكو فوق رأس إندِكس.
「طالما يظلون واعين، تبقى مخاوفهم، وببقاء مخاوفهم، لن يكفوا عن السحر، وطالما استمروا في السحر، فجروحهم تبقى. كل ذلك جزء من هذا النمط」
كَمَنْ يغسل وجهه مرة بعد مرة بشكل مهووس ليهدئ روعه. وإذا أنزف ذلك من وجهه ثم رأىٰ شكله الدامي في المرآة، فغالبًا سيقرر أن عليه غسل وجهه أكثر بسبب "بقاء الوسخ عليه".
أبسط أشكال السِّحْرِ لا تحتاج أدواتٍ أو مواقع مُحَدَّدة.
كانوا مرعوبين من فكرة الموت لدرجة أنهم ما استطاعوا أن يسترخوا دون الاستمرار في استخدام تعاويذ الحظ الجيد وأساليب التنجيم التي تعلموها.
ولكن ذلك آل بتدمير أجسادهم الإسبرة.
كان عليهم فقط كَفُّ السِّحْر، لكن ما عساهم يدرون بما كان مُسببها. لذا، إما أنهم يستخدمون السحر ليُحاولوا فهم ما يجري، أو يستنتجون أن الأمور ستزداد سوءًا إذا توقفوا عن السِّحْر.
إذا استمروا هكذا، فحياتهم تنتهي في النهاية.
「لا يهم كمْ تُخرج من الماء بدلوٍ في قاربٍ يغرق إذا استمرت الثقوب تُفتح وتفتح في هيكلها. ولا تهم مدى مهارة الأطباء—إذا لم يتعاون المرضى فَيَكُفّوا، فلن تُشفى إصاباتهم أو عِلَلُهُم أبدا. ذاك الطبيب المسؤول أحسن العمل وأجاداه بالنسبة لمن يبدو وجهه سخيفًا. فلَوْ لا تعليماته، لربما ماتوا هؤلاء الطلاب」
「كلهم يتنفسون بنمطٍ إيقاعي فريد. هذا يعني أنهم يُكَرّرون [قواهم الحيوية] إلى [طاقة سحرية]」
「علينا أن نبدأ بمصادرة [الأدوات الروحية] المخفية في جيوبهم، لكن أبسط أشكال السِّحْر لا تعتمد على الأدوات. نحتاج حقًا أن نُنوّمهم ثم نُسَوّي نمط تنفسهم الواعي الذي يستخدمونه لتكرير [الطاقة السحرية] حتى نحقق أي تقدم」
「لكن إغشائهم طويلا سيُضعفهم」
「إنما علينا فقط أن نكسر نمط تنفسهم الإيقاعي التي يُكرّرون منه [طاقتهم السحرية]. جِدْ لهم سببًا عشوائيًا حتى تُوصّلهم بأجهزة التنفس الصناعي」
كان السِّحْر أحدث صيحة في المدينة الأكاديمية العلمية.
حتى الراهبة الأنجليكانية التي تعرف كيف تدير السحر صحيحًا استطاعت أن تدرك مدى شذوذ هذا الوضع. لم تسمع أبدًا عن انتشاره بهذا الشكل من قبل، ومع ذلك، لم تتجه إندِكس وأوثينوس إلى مركز الانفجار.
كان لديهما سبب واضح للبقاء في المستشفى.
「ذلك الإنسان لن يعتبر الأمر انتصارًا إذا اكتفى بهَزْمِ آنا في معركةٍ فقط. إذا مات كل هؤلاء الناس وهو يقاتل، فسوف يحمل عبء موتهم، وإن لم يكونوا في ظهره」
「...」
「كبير المعاتيه ذاك لم ينطلق إلى هناك ليحمي حياته. يقول إنه خائف، ومع ذلك يرىٰ أن دمار هذا المستشفى ودمارنا أسْوأ. إنّ رفض أي خيار عدا وفياتٍ صفرية في مواجهة وحش كذاك المستوى لهُوَ من الغرور كبير، لكن هذه المرة، ذلك الأحمق على حق. إن يئست الأوضاع، فإنّ تقليص الأهداف لن يفيدك إلا أن يحشرك في المصائب. تنازل؟ تأقلم مع الواقع؟ آراء الحكمة؟ سُحْقًا عليها جميعا. إن كان من شيء بالغ الوضوح أمامك وهو أن الناس يموتون، ثم عجزت أن تصرخ بهذه الحقيقة الواضحة، فلن تجْلب إلا حربًا طويلة مديدة تلحقها وفيات ومآسي」
مستشفى واحد في الحي الأكاديمي السابع لم يكن كافيًا لاستيعاب كل ضحايا المدينة الأكاديمية. ورغم أن إندِكس وأوثينوس تملكان كل المعرفة اللازمة، إلا أن أياً منهما لم تقدر على استخدام السِّحْر الشفائي بسهولة.
لكن عدم القدرة على الفعل لم يعني أنهما عاجزتان.
「كلنا قادرون على حل هذه المشكلة إذا أخبرنا الناس أنّ الأسابر لا يمكنهم استخدام السِّحْر. علينا أن نصنع دليلاً ونوزعه عبر هذا المستشفى. وما إن يروا أنها تنجح مرةً، سَيَكُفّون حتى لو لم يفهموا كيفيتها بالضبط. وهذا سيمنع المدينة من أن تستمر في الدوران حول نفس المشكلة」
「لكن سكان هذه المدينة قد لا يعترفون بوجود السِّحْر」
ورغم النكران الظاهر، إلا أنّ طقوسًا كانت تنتشر.
في حالة هذا البلد، كان المثال الأوضح هو لعبة كوكّوري-سان. لأن المنظمات البالغة استغرقت وقتًا طويلًا لقبول وجودها، كانت ردة فعلهم بطيئة متأخرة مما تسبب بأضرار حقيقية مثل الهستيريا الجماعية.
「لدينا مصدر يمكننا استخدامه،」 ردت أوثينوس بابتسامة. إلهُ الخداع هذه استندت في جوابها على الوضع الغريب في مدينة الأكاديمية حاليًا. 「سنستخدم شركة خفيانية R&C. المواد التي نشروها يمكن أن نستغلّها لنظهر أنَّ السِّحْر خطير. لربما يرفضون أي شيء نقوله، لكن المعلومات الرسمية من شركة تقنية عملاقة معروفة ستبدو أوثق من كلامنا. ولنا أن نستخدم هذا لصالحنا. تلك المعلومات كانت تهدف إلى دفع الناس لاستخدام السِّحْر، لكننا سنستخدمها لإظهار المخاطر وإبعاد الناس عنه」
「تقصدين...؟」
「فقط لنخلق شيئًا يملأ الفجوة. نصٌّ إضافي يشرح المشاكل التي تحدث عندما يستخدم الإسْبَرُ السِّحْرَ」
كانت إندِكس وأوثينوس تفضلان أن تكونا على الخطوط الأمامية لهذه المعركة.
السحر كان مجالهما، لذلك كانتا واثقتين من أن بإمكانهما تقديم المساعدة هناك.
ولكن.
قاومتا هذا الإغراء.
واختارتا القتال بجانبه، وكان عليهما أن تبذلا كل ما في وسعهما لمواجهة المشاكل التي ظهرت أمامهما. حتى يُجنبا نهاية كارثية تضرب فيها ذلك الفتى بعد أن يعود بجسده الممزق إلى المستشفى أن كل شيء قد فات وانهار.
「اسمعي، لن ندع أحدًا يموت」
「أجل」
ستحميان المدينة الأكاديمية، والناس فيها، وبيتهم حيث يرجعون.
「هذا المستشفى هو الملاذ. نبدأ من هنا، نؤسس منهجية، ثم نوسع هذا الملاذ حتى يغطي كامل المدينة الأكاديمية. وهذا أيضًا سيساعد ذلك الإنسان طيب القلب」
「إنّي أعلم!」
كانت هذه هي معركتهما.
كانت في مكان مختلف وبشكلٍ مختلف، لكن تلكما الفتاتين تبذلان أقصى جهدهما تمامًا مثل كاميجو توما.
- الجزء 3
اليس
البرد القارس اجتاح رصيف محطة قطارات الحي السابع.
ما إن غطى البخار الأبيض رؤية آنا، حتى تدحرج كاميجو عبر الرصيف وعبر الباب المحطم لحاجز الرصيف ليسقط على القضبان. وتلك السقطة تضيف ألمًا جديدًا إلى قائمة طويلة من الإصابات، ولكن ما هو بوقت لعَدّها.
هذه الخطوة لم تمنحهما الكثير من الوقت، لكن حتى ثلاثون ثانية كانت أغلى من جوهرة في هذه اللحظة.
قبض كاميجو يمينه وأرخاها عدة مرات.
الآن دور كاميجو توما.
『أتصور أنكَ لاحظتها الآن،』
「آه، لا عليك. لم ألاحظ شيئًا إطلاقا」
『إنّ تعويذات آنا اسْبرنجل ليست تعويذات روزٍ نقية』
كأي حكمة، حملت هذه عِدّة معلومات مهمة دفعةً واحدة.
بجززز!! أزيزٌ كصوت ماء على مقلاة صدى في الأرجاء. الستارة البيضاء المكونة من بخار الهيدروفلوركربون اشتعلت غيرَ طبيعية ثم بدأت الثقوب تنتشر عبرها كصورة فوتوغرافية تحترق من الخلف؛ مُصحّحة المشهد المشوه.
كانت آنا اسْبرنجل تبتسم من فوق الرصيف بينما تفتح يدها اليمنى المحترقة برفق.
لقد كانت سيدة يدٍ يمنى مختلفة.
「وَجَدْتُكُمْ☆」
「ء!!」
محاولة الهرب على طول القضبان لن تُجدي نفعًا.
وضعت إصبعين أفقياً على شفتيها الناعمتين ونفخت كأنها تطلق صفارة. فورًا، تمدد الهواء انفجاريا. كتنين من كتاب مصور، غطت نيرانها البرتقالية اللزجة القضبان التي كانت أقل بدرجة عن الرصيف.
لم تبدو تلك كنارٍ عادية. الطريقة التي تحركت بها وكأنها سائلٌ لزج ذكّرت الناظر بنيران قاذفة اللهب أو النابالم. ملأت كل زاوية وركن من مسار القطار مثل هطول مفاجئ يملأ الجداول والقنوات.
「آوۤوۤوۤوۤوۤهــــــه!؟」
『يدك اليمنى يا إسبر』
أشار له القديس جيرمان الحَلّ الواضح.
ذا الذي افتقده، ذا الذي تطلع له، وذا الذي تاق إليه قد حَفّز الفتى صفري المستوى وأهرعه.
『سواء كُنتَ مذعورًا أم لا، فهذه ورقتك الوحيدة في مجموعتك، لذا أحسنها!! كما أحسنتُ أنا التلاعب بالألماس والكربون!!』
لم يكن أمامه سوى أن يُلَوّح يده اليمنى بجنون لينجو. أبْطَلَ بحر النيران الهائل الذي كان يتسلق جدار الخرسانة ويركض عبر المجرى في القضبان.
قوةٌ خلقتها يدٌ يمنى قدْ تُدمَّر بيد يمنى أخرى.
ولكن كان هناك شيء آخر يشغل ذهنه.
(هذا مختلف عن السابق!؟)
「آيواس،」 نادت آنا مع فرقعة خفيفة لأصابعها الصغيرة. 「بماذا أسمي هذا؟ كاسر الأدوات رُبّما؟」
تطايرت شرارات زرقاء مُبْيضّة كما لو أن ولاعة كهربائية فشلت في الاشتعال، لكن تلك الومضات العابرة لم تختفِ. وعندما سطعت كشعلة اللحّامة، تحولت لافتات الـ LCD كالأضواء وأجهزة التكييف وخط قطار الكهرباء وكل الأجهزة الكهربائية الأخرى إلى قنبلة.
كان وكأن قنبلة عنقودية قد سقطت في هذا الفضاء الضيق.
وكان في جيب سروال كاميجو هاتفًا.
「غععه!؟」
حدث ذلك تمامًا عندما ركض من منطقة الرصيف إلى النفق.
أصابه ألمٌ حاد نزل حتى عظمة فخذه، فاهتز وَعْيُه.
『ليس بعد أيها إسبر. لم ينكسر عظمك. وحتى لو حدث، فسوف أدعمك بهيكلٍ خارجي من الألماس، لذا استمر مهما حدث!』
كانت المشكلة الأكبر هي موقعهم: منشأة تحت الأرض. مع توقف جميع الأجهزة الإلكترونية، سقطت ستارة من الظلام مما حالت من قدرته على رؤية يده أمام وجهه.
ثم سمع صوتًا غنّائاً في تلك الظلمة الكثيفة.
「هيهيهي. بِتَّ في قبضتي」
「ء!؟」
مَدَّت يدها الصغيرة بدقةٍ تُصَوّب، مستهدفةً إياه حتى في الظلام.
فهل يكون التي كاسر الهروب؟ أم كاسر الدروع؟
مهما كان، فإنها غيّرت يدها اليمنى إلى شيء آخر الآن.
كان كاميجو يعتمد دائمًا على القتال بالأيدي، لذا لم تكن لديه وسيلة يقاتل بها في هذا الظلام.
كانت تقترب.
قد قفزت إلى القضبان وبدأت تمشي ببطء داخل النفق.
-ظزز!!- حركت يدها حركةً عشوائية فقطعت شيئًا. فظهرت لمحات عن سلك كهرباء عالي الجهد يرقص بجنون وينثر الكهرباء.
تلك هجمة جسدية.
「قديس جيرمان، تولّى هذا!!」
دار شيءٌ حول يده اليسرى.
أضاء الضوء بشدة مثل فلاش الكاميرة، وملأ النفق مع صوت دوي صاعقٍ صعــۤق!!، لكن الفتى نجا.
الكربون يوصل الكهرباء.
يمكن استخدام رصاص القلم الميكانيكي والألماس كعوازل لتوجيه الكهرباء.
وأيضًا...
『يا رماحٌ أُناديك. وغرفةً سرية ذات جدران سبع حافظت على أسرارها لعشرين ومئة عام، ولمْ تسمح بدخول الدخلاء!!』
تدحرج جسم الفتى شائك الشعر واتكأ ظهره على جدار النفق قبل أن يُسمع صوت حاد. حَمَلَت آنا راحة يدها الصغيرة كأنها تتألم. كان هناك صوت يشبه التشقق عبر شيء صلب، لكن ذلك كل شيء. كانت هناك رماح شفافة – سبعة مجموعها – قد اخترقت جدار الخرسانة خلفه بحيث مرت فوق كتفيه ورأسه.
『أعماق الأرض هي مجالي،』 قال الرجل المعروف بالكونت وهو يلوح كأنه يحمل عصا خفية. حملت كلماته احتراما وعداء في آن واحد. 『القديس جيرمان يتحكم في الألماس. حتى سيدة معبد الرقم 1 في ألمانيا ستواجه مشكلة توافق في هذا. عند أداء طقوس كبيرة، فإن أول ما نركز فيه هي النجوم والتضاريس. ولكن لا عليك، فإن هذه النتيجة الجريئة لا علاقة لها بمستوى مهارتك』
「اُسْكُت، أيها المحتال الذي أخذ اسم طائفتنا فقط ليزيد من مكانته. تتحكم في الألماس؟ وإن يكن؟ أفظننت أن الوردة الحقيقية والحقة تُبالي بحصىً فقط لأن العالم والناس وضعوا عليها قيمة؟」
كان هذا التبادل العاطفي غامضًا لأناس العصر الحاضر.
لم يكن منطقيًا إلا لأولئك الذين أصبحوا أساطير بمجرد تنفسهم وأكلهم وعملهم وقراءتهم وكتابتهم ومشيهم.
『لماذا تَخدعين يا فُراولين؟』
「بل تَحْسِين—تَفْرِيغٌ وتَحْسِين」
『لا أدري كيف يعمل ذلك، ولكن يَدُكِ اليمنى ليست كَيَدِ كاميجو توما』 قالها القديس جيرمان بثقة. ثم أضاف، 『تأخذين كلماتك تلهمين بها الآخرين وتُحرّكينهم بدل أن تفعلي ذلك بنفسك لهُوَ أسلوب القديس جيرمان. لا يُناسبك. السيدة سبرنجل التي حكمت يومًا في أعماق معبد الرقم 1 في ألمانيا كانت هدف جميع السحرة. كان الجميع يتمنى أن يكونوا مثل آنا سبرنجل التي كانت أقرب إلى الألوهية من أي بشرٍ آخر ولم تكن واحدًا، والتي حصلت على السُلطة للتواصل مع [الرؤساء السريين] فوق البشر بينما حافظت على عواطفها البشرية! ربما تستصعبين الثقة بساحرٍ يُبدّل ذاكرته ومثاليته في لعبه، لكنني لم أكن الوحيد الذي فكر بهذه الطريقة. العصبة الذهبية والأنطولوجيون والساحرات قد جعلوكِ أَنْتِ هدفًا، وليس الإله!!』
「...لكِنْ」 كانت الكلمات التي خرجت من شفتي الفتاة الصغيرة جافةً إلى حدٍّ ما. 「لمْ تفهم أي عصبة كلماتي أبدا. ولقد حرفوا معنى كلامي لأغراضهم」
لاحظ القديس جيرمان شيئًا، ونسي لفترة قصيرة خطتهم. بدأ يخطو نحوها كما لو أنه اكتشف طفلةً بلّلها المطر، لكن فجأة أُصيب بصفيرٍ من الجانب.
كان قطار شحن.
قطارٌ غير مأهول يُستخدم لتلبية طلبات الكرسماس.
「فأنتَ كمثلهم لن تفهمني أبدَا!! أبدًا، أبدَا.....ءء!!!!!!」
『ء، تِتْراكْتِس، يا مُثلثًا عَدَديًا من عشر نقاط. هِبني صعودًا بكمالك!』
أرسل القديس جيرمان خيوطًا من الألياف الكربونية من أصابع كاميجو لتُقفزه إلى سقف كتلة المعدن السريعة، لكن آنا اكتفت بمدّ يدها الصغيرة نحو مقدمة قطار الشحن.
طُخخخءء!!!!! اهتز الفضاء كله بينما سُحِقت أول عربة من القطار فارتفعت، ثم تكدست العربات الثمانية من بعد ذلك ضد بعضها البعض مُميلةً يمينا ويسار.
قفزت العربة الأمامية بزاوية؛ مخترقةً الطريق في المدينة والطبقة الثلجية فوقها قبل أن ترتفع إلى السماء الشتوية المثلجة.
لقد خرجوا في نقطة مختلفة.
على الأرجح لا يزالون في منطقة المستشفى تلك. حددت لافتة بناء قريب على أنها محطة قطارات كبيرة تربط بين عدة خطوط مختلفة.
كان المكان مُخلى. ولعلّ [الرمز الأحمر] أُصْدِرَ، مما يشير إلى هجوم إرهابي كبير أو حريق كيميائي مدمر تحت الأرض مرتبط بمصنع كيميائي.
(إنّ هذا الجسد حقًا لمُعقّد.)
كانت الحاجة إلى تحويل تدفق [القوة الحيوية] حول الذراع اليمنى بينما يتم يُكرر [القوة السحرية] تخلق تأخيرًا زمنيًا قبل أن يُتم القديس جيرمان تعاويذه. وحتى عندما يُكملها، فإنه يفقد قدرًا كبيرًا من [القوة السحرية]. تشعر كما لو أن طائرة تتفكك أجزاءها تدريجيا ويتسرب منها وقودٌ كثيرٌ كثير.
لكن في نفس الوقت، كان القديس جيرمان يعرف تمامًا ما كان ليُحدث لو أنه اختطف بالغًا غير إسبرٍ يُعطيه استخدامًا كاملاً لسحره.
كان سيموت على الفور.
لن تنجح مواجهة السحر بالسحر مع آنا بلا تفكير. كان ذلك مثل جندي مفرط الحماس يحمل كمية ضخمة من الصواريخ الباليستية لتحدي الشمس في قتال.
لا تأخذ الضوء فتحارب الضوء.
بل تحتاج شيئا آخر تمامًا. فإنّ هزيمة الشمس يتطلب ثقبًا أسود يبتلع الضوء أيضًا.
『......』
ركّز الفتى شائك الشعر على تنظيم تنفسه الأبيض قبل أن يقفز من السقف المتعرج إلى الطريق الرئيسي أدناه، لكنه نظر إلى راحة يده قبل أي شيء آخر.
كانت ملطخة بالحُمران والسواد.
(جروحي توسعت كثيرًا. وهذا الجسد المتحسس لن يتحمل طويلاً.)
كان الكشف عن ذلك قاسيًا، لكن القديس جيرمان لم يكن ليتحمل أن ينفجر جسد الفتى من الداخل أيضًا.
『دورك الآن أيها الإسْبَر. أمستعدٌ لحمل العصا مرة بعد؟』
「آهخ، كح!」
انتقل التركيز من اليسرى إلى اليمنى. سعل الفتى ذو الشعر الشائك لونًا أحمر داكنًا بينما قبض قبضته بشدة مرة أخرى.
「عجيب؟ قديس جيرمان، لستَ إلا مجموعة من ميكروبات أقتلها بصابون معقم، فما لي أراك تتبجح؟ لا تدّعي الصمخ أعلم أنك تسمع......」
كانت الخطوات التي سمعوها هذه المرة أخشن من قبلها. كانت هناك شخصية صغيرة تمشي عبر القطار؛ مائلةً قُطُريًا من الأرض لتزحف إلى السطح.
「عندك القوة منذ البداية، نعم، لكن ما كان هدفك؟」 تحدثت بصوتٍ بطيء خفيض أبداها وكأنها تُلقي اللعنات. 「أَلِتُنقِذَ الناس؟ سئمت هذا الكلام. أَلِتُتْقِنَ مجالك الدراسي؟ سأجد كل الأجوبة بسهولة. ألتُدَمّر العالم الذي تكرهه؟ قَدْ تَدَمَّر منذ البداية. أَلِتُحَقّق رغباتك؟ قد فعلتُ وحققتُ أكثر مما تتخيل」
كان ذلك الجسد الصغير يتمايل يمينًا ويسارًا ويدها اليمنى القوية نازلة على جانبها بلا مبالاة.
تلألأ ضوء ساطع في عينيها وابتسامة شقت شفتيها وهي تقترب.
「حياةٌ اِمْتَلَأتْ لَفِيها مَلَلٌ」
بدت حركاتها باردةً بادة كحركات روبوت.
وجافة.
「فبدل ذلك أُحِبُّ من أحدٍ أن يَعُونني」
أظهرت الشكل النهائي من التبذير حيث حتى كان تحقيق الخلود سجنًا أبديًا من الملل.
لكن لا بُدَّ أن في تصريحاتها الجريئة لمحات من الحقيقة.
「بماذا تجني من قوة تشوه القواعد وتجعل من اللعبة عبثية بوجودها؟ خلق؟ تدمير؟ تعزيز؟ تقليل؟ صداقة؟ رفض؟ شراهة؟ تقييد؟ ما معنى أن تعيش؟ ولأي هدف يجب أن أعيش؟ وكيف أجد الشبع؟」
توقفت الخطوات.
كانت آنا اسْبرنجل قد اتخذت الخطوة الأخيرة وظهرت مجددًا فوق الأرض.
وقفت تحت الثلج المتساقط البارد وعلى نفس المستوى مع الآخرين.
「تبادل الكلمات فقط يُشوه الحقيقة، فلا نحتاجها هنا. أريد أن أعرف كم يمكن للناس أن يفهموا بغريزتهم فقط. ومن هنا جاء [التحسين]. كاميجو توما، [مَنْ يُطَهِّرُ الإله ويَنْحُرُ الشّيَٰاطِينْ]. ماذا سيبقى ما إن نُجَرّدك من كل شيء ونُعرّيك؟ عندما تتعرض للمفاهيم الخارقة دون علمٍ مسبق، أيُّ جانبٍ منك سيتنشط أكثر؟ أرني الإجابة」
「....」
ظل كاميجو صامتًا لفترة.
هل كان يدرك حتى أن كتفيه مائلتان؟
「........أتعرفين،」
「؟」
「أظنني عرفت نوعًا ما كيف لم تجدِ الشبع」
「قد أفهمك، لكنك لن تفهمني أبدا. لأنني أحوي أكثر منك بكثير」
「وإلى الآن تدافعين هكذا؟ حتى بعد أن عَرّينا قلوبنا في هذه المعركة القاتلة؟」 تفوّه كاميجو بغضب. 「تريدين من الآخرين أن يمنحوك الشبع بدل أن تجديه بنفسك؟ لا تضحكيني. حتى لو جاء أحدٌ وأعطاكِ إنما ستجدين فقط أشياءً تشكين منها وتستمرين. لن تهربي أبدًا من هذا الشعور بعدم الشبع حتى لو رميتِ حياتك واسترخيتِ. وحتى لو فعلتِ فلن تقبلي ذلك ولو غضبتِ وكرهتِ وانتقمتِ. تريدين من غيرك أن يدعمك؟ تلك كلمات أحدٍ لا يعرف خوف أن يتركه ذلك الآخر فجأة. ما داعي الخوف من أن يخونك إن كنتِ تعلمين بقدرتك على دعم نفسك بنفسك. ولربما تدعين أنكما "تدعمان بعض"، ولكنك أصلا تملكين كل ما تحتاجينه لنفسك.」
「مهلا」
「وأقصد بكلامي....」
「قلت مهلا」
「أقصد....」
قد قالت آنا أنها تأمل أن تراهُ بنفسها.
وهذا بالضبط ما حدث.
「عندكِ تقنياتك سرية للغاية ترفضين تعليمها لأيٍّ كان، ومع ذلك تريدين إظهارها. وهذا ليس بأمْرٍ عظيم. فهُوَ ما يحلم به الجميع كل يوم」
قععععع!!!! انفجر صوت ثقيل.
「...بحقٍّ، لماذا يصر الأغبياء على استخدام رؤوسهم ومَنْ حولهم يكرهون؟」
كانت تُظهر علامات إغتظاظٍ واضحة، وهو ما كان يناقض بشكل صارخ فرحتها الغامضة من قبل.
「لا تحسب أنك تفهمني يا فتى」
أهذه ستُسَمَّى كسّارة الجاذبية؟
رفعت آنا اسْبرنجل إصبعًا واحدًا ودوّرته. وكان هذا كل ما استغرقه الأمر ليدور شيءٌ خفي حولها، جَمَعَ حاويات القمامة المعدنية والروبوتات التنظيفية وأعمدة الإنارة وعَنَفَات الرياح ثلاثية الشفرات إلى كتلةٍ واحدة كبيرة، ثم يبني قوة طرد مركزي هائلة، ويلقي بها نحو كاميجو توما. كما لو كانت تلك الأشياء متصلةً بسلسلة خفية كانت تُدَوّرها.
「خ」
لم يستطع أن يحجب هذا تمامًا بالإماجين بريكر.
مواجهتها بيده اليمنى لن تفلح.
لكنه لم يُبدل إلى القديس جيرمان.
إذا كان سيكتفي فقط بإبطال القوة الخارقة، فسيتم سحقه بالقوة التي تراكمت بسبب جبل الخردة. لكن الفيزياء فيزياء. أمكنه بالفعل رؤية المسار العام الذي ستتخذه هذه عندما تنطلق صوبه.
ولقد أظهرت آنا بنفسها الجواب له في وقتٍ سابق. إذا أقترب إلى داخل دائرة الدوران أكثر، فلن تلمسه تلك المسارات المتأرجحة للخارج.
كل ما كان عليه هو أن يتقدم خطوة إلى الأمام.
قبض قبضته اليمنى بكل قوة وتحرك نحو الفتاة الصغيرة. أمكنه الآن تجاهل ذلك الشهاب الصباحي. ما عليه سوى أن ينسى اختلاف أجسامهم ويضع كل قوته خلف ضربةٍ قاسية مباشرة إلى ذلك الوجه الصغير.
تبعه تأثير ثقيل.
لكن ليس من ضربةٍ واصلة. إنّ ضربة كاميجو صُدَّت.
صُدَّت من...
「يساري」
「خ」
قد لفّت يدها الصغيرة حول قبضته لتدافع، لكن هذا كَفَى أن تُوقفه.
ولكن ذلك كَسَرَ من نمطها.
وكان ذلك أمرًا بالغ الأهمية، لذلك وضع كاميجو توما ابتسامةً متحدية.
「هالمرة أي "كسّارة" كانت؟ تفاهة. قد كررتِها كثيرا لدرجة صار كل شيء تافهًا، فما عساي الآن إلا أن أتساءل. أنتِ حتى لم تستخدمي ذلك الآيواس الذي كنتِ تتفاخر به في وقت سابق، أم لا؟ بما أنكِ كسرت قواعدك لتوقفيني بيسارك، فدعيني أُخمّن: تلقي الضرب لهو مؤلم كثيرًا حتى للساحرة الأسطورية، ها؟ أم تُراني مخطئ يا آنا سبرنجل؟」
「من أعطاك حق الكلام؟」
هذه المرة، وضعت راحة يدها اليمنى على بطن الصبي.
كان قد وَجَّه قبضته وتوقفت، لذا كان في تلك اللحظة مشكوفا بلا دفاع.
اتسعت عينا الفتاة ذات الكبرياء الجريحين إلى أقصى ما يكون.
「لا تتفاخر. يا هاربا من الموت كنت」
قُذِف جسدٌ بحجم إنسان إلى الوراء كأن بندقية ضربت من قريب.
『يا إسْبَر!!』
「اص يا جيرمان. كلها في قبضتي. اتركني أستمر」
『لا، ليس ذلك. عليك أن تنهض قبل أن يصلك الهجوم التالي!!』
لم يُمنح حتى الوقت ليتمدد في الثلج.
تدحرج كاميجو عبر الإسفلت البارد فدخل شيئان في رؤيته.
سمع إجهاد هيكلها العظمي حتى من هنا. آنا اسْبرنجل قد تحولت مِنْ فتاةٍ صغيرة هشة تبدو في العاشرة إلى اِمْرأة فاتنة سامة.
حركت سَبّابتها ووسطاها اليمين معًا في إشارة مقص.
「كسّارة... كسّارة... أتدري؟ سئمتُ من ابتكار هذه الأسماء. ربما هكذا تفقد النساء فِتْنتهن」 [2]
تخلت آنا عن تسمية يدها اليمنى.
لكن ذلك لم يعني أن قوتها التدميرية قد تقلصت بأي حال.
「بما أنه الكرسماس، ماذا لو أُقدّم لكَ عرضًا؟」
وكان الشيء الآخر الذي رآه هو سفينة هوائية تطفو ببطء عبر السماء البيضاء فوقه.
تمزق كيس الغاز على شكل كرة رجبي؛ محوّلاً إياه إلى نجم شهاب برتقالي. كان يحك جدران ناطحات السحاب أثناء سقوطه باتجاهه مباشرة.
وبشكل ساخر، كانت الشاشة الكبيرة على جانب نجم الشهاب تعرض صورة كبيرة لبابا نويل ذو لحية بيضاء على زلاجته.
「ميري كرسماس☆」 هامسةً آنا بينما تراقب ذلك الوجه العملاق يسقط نحو الأرض.
(اللعنة!!)
ببطء، نهض كاميجو واتجه نحو مبنى قريب. دفع بابه الزجاجي بكتفه فسقط داخل المبنى. وكان العالم خارج الزجاج المقوى يستهلكه اللهب والحرارة.
كان هذا متجرًا كبيرًا، وليس فاخرًا.
لابد أنهم حاولوا إبداء المتجر أفخر مما كان عليه ليجذبوا المتسوقين في موسم الكرسماس، لكن هذا لم يكن إلا سببًا لإبراز كيف أنه ليس فاخرًا. كان من النوع الذي قد يُشعر كاميجو بالراحة لدخوله بمفرده.
ولا بُدّ أن قدرته على الشعور بالدفء قد تعطلت لأنه لم يشعر بأي راحة رغم أن جحيم اللهب كان يَحُدّه باب. أذلك يعني أن ارتجاف أطرافه ليس من البرد؟
بدا أن الطابق الأول مخصصًا للمجوهرات والنظارات والآلات الموسيقية. كانت صفوف الواجهات الزجاجية مع الموسيقى الهادئة التي تعزف في الخلفية تذكره بطريقة ما بالمتحف.
بعد أن انفجار قطار شحن من الأرض وسقوط سفينة هوائية محترقة، بالطبع لن تجد في المكان أحدًا. كل الزبائن والموظفين وحتى الحراس قد غادروا.
فقط الموسيقى الهادئة بقت.
هذا أفضل، فكّر كاميجو.
فما كانوا لينجوا لو قرروا البقاء هنا لحماية المجوهرات أو الأموال في الخزائن.
「...」
لا يزال لا يعرف ماذا كانت تفعل آنا.
لكن هناك شيء في الأمر بَدَا خاطئًا له.
كانت تُخرج قوةً خارجية، وتُعيد ترتيبها داخل جسدها كما تشاء، ثم تُطلقها مرة أخرى. كانت هجماتها بالتأكيد مميتة ومدمرة، ولكن عندما فكر وتمعن، وَجَدَها مركزةً أكثر على الجانب الإنتاجي للأشياء.
لقد قاتل كاميجو عددًا كبيرًا من السحرة لأجل يده اليمنى. وربما كانت هذه واحدة أخرى من تلك. لقد قدّم كل ساحرٍ منهم نظرته ورأيه. خلال كل تلك الكلمات المتبادلة، قال بعضٌ إن الإماجين بريكر كانت نقطة العالم المرجعية. كان السحر يُغير كل شيء، لذا فإن أولئك من امتلكوا السحر أمكنهم أن يُهدّئوا عقولهم بالتركيز على نقطة ثابتة واحدة لا تتغير أبدًا. من هذه الناحية، كانت فكرة إضافة المزيد لغريبةٌ غريبة.
لم تتناسب.
تيقن في نَفْسِه أنّ طريقة آنا اسْبرنجل كانت غير صحيحة.
إذن...
(السِّحْر)
ركز أفكاره.
قال القديس جيرمان إنّ تعاويذ آنا لم تكن تعاويذ روز (وردة) نقية.
(إنها تستخدم نوعًا من الطرق للتلاعب بالعجائب والمعاجز. لن أدع تركيزي على يدي يَضُلّني عن الطريق. إنها تستخدم فقط طرقًا عادية أيُّ ساحر يسعه استخدامها حتى ستَيْل وكانزاكي إذا عرفا الكيفية!!)
لكن لم تكن معه في تلك اللحظة إندِكس، التي حفظت على الأقل مِئة وثلاثة آلاف وكتاب جريموار، ولا أوثينوس، إلهٌ حقيقي أُعطي شكلاً جديدا. لذا حتى لو تخيّل وافترض، ما عساه يجد الإجابة.
وهناك أيضًا تلك المرّة التي اِسْتَخْدَمَت فيها يدها اليسرى. لا بد أن قوتها لَمْ تكن محصورة في يدها اليمنى، لكن ذلك لم يخبره بِمَا كانت حقا تفعل. شعر بنفسه كَمَنْ يتساءل عما قاله الطبيب وهو متشكك من العلاج الفعلي.
لكن...
「...」
ثَبَتْ.
مندهشا، قد رأى كاميجو توما شيئًا.
إنّ قسم المجوهرات في المتجر يحتوي على العديد من الواجهات الزجاجية. لابد أن الموظفين قد بذلوا جهدًا أكثر من المعتاد إذْ أن العيد كان على الأبواب يطرق، ولذلك هناك لافتات يدوية داخل الواجهات الزجاجية، ربما لجذب انتباه الزبائن الذين كانوا في موعد.
لاحظ كاميجو إحدى تلك اللافتات:
تفقدوا عرض الجيماتريا لشهر ديسمبر☆
تعال واسْأل أي موظف متاح وسيُحول اسمك إلى أرقام يكتشف منها أي جوهرة هي الأنسب لك. وهي مجانية! عشيقان أنتما ولا تريان بينكما رابطة؟ تعالوا وغوصوا في أعماقكم تجدون رابطًا أقوى!!
لم يصدق عينيه.
أكان السحر دائمًا مثل هذا؟
『انقش الرون في خاتمٍ من الذهب الخالص! بعض الحضارات كانت تنقش هذه الرموز المقدسة على العُملات الذهبية والأكواب ليجلبوا الثروة أو ليُجنبوا السُمَّ. وأيضًا....』
『تبغى أن تضيف شيء إلى دروسك اليوغا المعتادة؟ اصنع بخورك وسوف تُصَوَّر تحركات الأنفاس داخل جسمك أسهل، لذا....』
『الشفاء بالبلورة لا تحصر على الغرب! حتى أغراضك في منزلك تفي! والسبحة هي أكثر الخيارات رواجًا حاليًا!! ولك أن تختار لمسباحك أي حجر تريد غير البلورات....』[3]
كان كاميجو على علمٍ خفيف أنَّ محلات المجوهرات تستخدم مثل هذه الطرق لتبيع الأحجار الكريمة وأحجار الشفاء.
لكن هذا مبالغ. تلكم المصطلحات والمعادلات كانت معرفةً يجب أن تُخزن في مكتبة قديمة أو في رأس تلك الراهبة البيضاء. كان يجب ألا يُعلَن عن تلك المعلومات على لافتات يدوية من ورقٍ مقوى وبقلمٍ مُحدِد.
فكيف حدث هذا؟
جوابٌ واحد فقط ممكن.
「قد وصلت خفيانية R&C إلى أماكن كهذه أيضًا...ءء؟!」
طرخخ!! سمع تحطم الزجاج المقوى. لابد أن الخارج قد ابتلعه اللهب البرتقالي، لكنه بدل ذلك كان متجمدا متلونا بالأبيض. فشلت الجدران الزجاجية السميكة في تحمل الفرق في درجات الحرارة، فانهار الزجاج كله وسقط كالشلال.
خطت المرأة الفاتنة خطوة وخطوة إلى داخل المتجر.
ما بدا عليها قلقٌ إطلاقا من البحر الزجاجي الذي سببته. ولاستصعب على أي إنسان أن يجد امرأة أنسب منها أن تمشي في محيط المجوهرات والآلات الموسيقية هذه.
رفع كاميجو يمينه في صمت مجددًا.
「هل أنتِ...」 ابتلع ريقه ومع ذلك يواجه تلك التهديد الجلي. 「هل تستخدمين شيئًا تُبدلين به بين أنواع مختلفة من "القوى"؟ ما تفعلينه ليس مثل يميني. تلك قوةٌ سحرية من العالم الخارجي تُتيح لكِ التحكم في مجموعةٍ متنوعة من القوى الخارقة تلقائيا!!」
「تلك هي الوردة والصليب، الروزكروس」
لوّحت المرأة المثيرة بيدها اليمنى مع ابتسامةٍ سادية.
وقالت قولا آخر وهي تقترب.
「ولا أتوقع منكَ أن تفهم ما تعنيه」
- الجزء 4
اليس
فقدان هاتفه لضربةٌ قاسية.
كانت الإجابة في مكان ما. وكان من السهل كثيرا أن يُعثر عليها حتى الهاوي يفعلها صُدفةً. ولكن كاميجو توما ما عنده حاليًا أي وسيلة يصل بها إلى ذلك الموقع الرقمي.
「تشه!!」
「قِهقه」
مع كل حركة عفوية ليد المرأة الفاتنة الطويلة، هبّت ريحٌ قوية، أو انتشر حمضٌ حارق كالأميبا، أو اشتعل ضوءٌ ساطع.
كانت حركات يدها أشبه بسوط مرن أكثر من صلب. وارتسم على وجهها ابتسامة سادية وهي تواصل توجيه صفعات قاتلة لا رحمة فيها.
بدل أن تقتله بالسحر، كانت تقضي عليه بهجماتٍ جسدية. حطمت زجاج إحدى الواجهات فأخذت بشظاياه المتطايرة سلاحا تضربه به.
ولم تكفِهِ قبضته وحدها.
「قديس جيرمان، بَدّل!!」
『سأبقيك حيّاً』
بدّلا اليدان.
بالطبع، ما استطاع القديس جيرمان التفوق على آنا وحده، لذلك كانا يتناوبان.
فهما يناديان الآخر كشركاء يقاتلون ظهرًا لظهر. يصُدُّ اليمين الرياح العاتية، ويصُدُّ عمود الألماس المتفجر قُطُريًا من الأرض الحمض المتدفق. ركض كاميجو على العمود الشفاف وكأنه منحدر شديد ثم قفز باتجاه الآنسة سبرنجل في الهواء.
كان الجسد الواحد يلعب أدوار السِّحْر والعِلْم معًا.
لكن...
「قدْ بَلَغتَ حَدَّك」
「ؤ!!」
لوّحت بيدها اليمنى أفقيًا، فاندفع الضوء المنبعث ليصطدم بجنب كاميجو. أطاح به بعيدًا عن مساره الهابط نحوها. طار إلى الجانب واصطدم بواجهة عرض مناثرًا حوله خواتم الياقوت وقلائد الزمرد مع زجاج مهشم.
「كعهه!؟」
اخترقت زجاجة حادة فخذه.
لكن ما عنده وقت ليشعر بالألم.
「قد يبدو أنك تصمد بأسلوب قتالك الغريب هذا، ولكن لا ريب أنكَ تعلم. في صراع السحر، النظرية الكامنة وراءه هي أهم بكثير من الكمّية. فمن بعد كل هذا، لا زلت لا تفهم ما أفعله」
「...ء」
لا داعي أن يعترف بذلك بصوت عالٍ، لكنها كانت محقة. كاميجو لم يعرف سوى أنها تستطيع تغيير قوة يدها اليمنى حسب الرغبة، لكنه لم يعرف ماهية التعويذة أو إلى أي نوع من السحر تستند.
أمكنه إبطال كل الخوارق بالقوة المطلقة، ولكن ذلك لم يكفي أمام شخص مثلها.
الاندفاع الأعمى نحو ساحر مثله كمثل الجري فوق حقل ألغام ضيق. ولنقل إن الاستراتيجية الإعتيادية للساحر هي الإعداد والتجهيز ماخذًا بالاعتبار ألا تنجح الهجمات المباشرة.
「قديس جيرمان.....」
「لن تأتيك إجابة وأنتَ لا تعرف حتى السؤال الذي تطرحه،」
لوّحت بيدها المفتوحة بلا مبالاة من بعيد، فظهرت ثلاثة انفجارات متتالية بسرعة.
ابتلع كاميجو الدم الذي تجمّع في فمه وأطلق زئيرًا.
「بَدّل!!」
عندما صار القديس جيرمان مسيطرًا، تراجع إلى الخلف بينما يصد الهجوم بدرع وعمود ماسي. كان دفاعًا متينًا، ولا أكثر. الاعتماد على السحر وحده كان يقودهم وبوضوح إلى دربٍ مسدود. كاميجو وحده لم يقدر هزيمة آنا، وقديس جيرمان أيضًا لم يستطع.
لذا كانا يتبادلان.
عدم الاعتماد على أحدهما فقط كان السبيل الوحيد للبقاء.
『دورك. عدّل توقيتك قليلاً المرة القادمة. ولا تدع لها مجالا تتوقع تحركاتنا!!』
「قديس جيرما—!!」
『أرفض. قلت عدّل توقيتك يا إسْبَر!!』
كان عمود مربع مكسور يتجه نحو كاميجو، لكنه اضطر أن يتعامل معه بنفسه. تفادى بصعوبة السلاح الثقيل الضخم الذي أطاح بمُسجّلة المال (كاشير) وجهاز اختبار النظر بالكامل.
في حين أنهما يتبادلان الأدوار متكررا، كانت قبضة كاميجو تفسد الإيقاع التدميري.
وما كان أمامه خيار سوى مواجهتها وجهًا.
أي غطاء يختبئ خلفه كان يُدمَّر معه، والانتقال إلى جانب الجدار سيترك له مساحة لا تكفي ليستخدم يده اليمنى.
وهو يكسب الوقت بهذا الشكل، تساءل عن كل ما شهده. سواء أفاده أم لا، كان يعلم أن قسم المجوهرات هذا قد تأثر بالفعل بسحر الروز.
لم يكن مضطرًا أن يصيب الهدف مباشرة وفورا. في الواقع، كان يشك في إمكانية ذلك.
لوّح بقبضته الملطخة بالدماء بينما يسأل شريكه الداخلي بضعة أسئلة.
「ما هو العلاج بالبلورة؟ أعلم أنني سمعت المصطلح كثيرًا!」
『ظنّ الناس أنّ الأحجار الكريمة تجمع طاقة الأبراج وتعيدها إلى مُرتديها. وقيل أيضًا أنه كلما كان الحجر أصلب، زادت الطاقة التي يمتصها، مما يجعل الألماس المثال الأكثر تطرفًا. لهذا يُعتقد أنه يمكن استخدامه لتحقيق العديد من الأهداف المحددة مثل إزالة السموم وطرد الأرواح الشريرة، وليس فقط لجلب الحظ الحسن عمومًا』
「ما قصة نقش الرونات على الكنوز مثل العملات الذهبية والأكواب؟」
『رأى البعض أن نقش رون النصر على عملة معدنية يُعد وسيلةً للدعاء بالثراء، ونقش رون المعاناة على كوب هو طريقة لكشف السم في المشروبات. فكر بها مثل تميمة وقائية ذات تأثيرات محددة』
「فما علاقة اليوغا والبخور؟」
『هي ليست اليوغا التي تُمارس في صالات الرياضة بالمعنى الحرفي. بل طريقة للتحكم في الجسد الداخلي بالتنفس لتحقق تأثيرا على العالم الخارجي. الأدوات عادةً غير مطلوبة. في الواقع، يُفترض أن تتخلص من جميع الممتلكات والأفكار الدنيوية، لكن المبتدئون قد يجدون التركيز على التنفس أسهل إذا كان الهواء ملوّنًا أو معطر. وبالطبع، استخدام دليل يعني فقط اتباع المسارات الموضوعة لك، وبالتالي يفقد الفعل معناه بالكامل』
「وماذا عن الذهب والفضة؟!」
『في العصور الغابرة، أعطى الناس سبعة معادن أهمية خاصة، ولكن منها الحديد والرصاص؛ مما يعني أن ليس كل المعادن ثمينة. وعلى هذا الأساس، فكرة أن الأسلحة الفضية فعّالة ضد الوحوش جاءت في الغالب من الفولكلور والترفيه، لذا لا أنصحك أن تعتمد عليها. ربما تجد تأثيرا بسيط، لكن المرء المتدين حقًا لن يُذيب صليبًا فضيًا ليصنع سكينا أو رصاصة』
「آغغ، ماذا أيضًا؟! سبحات الصلاة؟!」
『تلك أداة من الأدوات الروحية المستخدمة في البوذية. يشير المصطلح عمومًا إلى بذور [شجرة البُودهي] التي تُربَطُ بخيط واحد لتشكل حلقة، ولكن تُستخدم أيضًا حبات من البلورة. عادةً ما يكون عددها 108، وغيرها من الإصدارات الأخرى. ومثلها مسبحة الصلاة المسيحية تستند إلى نفس الفكرة الأساسية』
لم يكن أي من ذلك محددًا للغاية، وبدأ الحديث يخرج عن السياق.
حتى الآن، كانت حياة الفتى تتضاءل مع كل ثانية تمر عليه بحرية. كان ينزف أكثر في كل مرة يتبادل فيها الأدوار مع القديس جيرمان، لكنهما استمرا. كان عليه جمع كل تلميح يأتيه من اللافتات المصنوعة يدويًا وجداول الرموز الغامضة الملصقة على جانب مسجّلة المال.
「فماذا عن أحجار الميلاد؟!」
『كل شهر من الأشهر الاثني عشر يرتبط بجوهرة مختلفة، لكن هناك عدة إصدارات لهذا النظام. النسخة الأكثر شيوعًا اليوم نشأت بالرابطة الوطنية الأمريكية لصائغي المجوهرات』
كانت مضيعة للوقت تمامًا. ربما استخدموا مصدرًا أقدم عند تحديد قائمتهم، لكنه شك في أن تقليدًا عمره قرون قد نُقل بدقة كاملة. في أفضل الأحوال، لعلّ جزءًا منه قد أُدرج. شعر برغبة في الصراخ من هذا النظام المبتذل. كان الأمر أشبه بالمتاجر التي تُخبرك بتوزيع الشوكلاتة في عيد الحب فقط لتزيد من مبيعاتها. لن يضع حياته بين يدي ذلك.
كقرر!! سمع صوتًا مقلقًا كشرارةٍ كهربائية.
لم يكن الهجوم موجهًا إليه مباشرة، لذا كان بطيئًا في الاستجابة. بدلاً من ذلك، اصطدمت الكهرباء بالواجهة أمامه، فتفجرت من الداخل. الجدار الزجاجي الحاد اخترق كل جسده وأطاح به أرضًا.
「ضربت」
「آه... قه..」
「أظنني أفهم الآن كيف يعمل. أنتَ سريع، لكن عندما لا تكون حياتك مستهدفة مباشرة، يبطئ حدسك」
كان هناك أنواع لا حصر لها من السحر.
وآنا اسْبرنجل كانت في أعمق الأعماق. أفهل كان مستحيلا عليه أن يعثر على الإجابة فقط بالبحث في بعض الأجزاء العشوائية من المعرفة السحرية؟
لكن...
تحدث القديس جيرمان من داخل كاميجو بينما كان الأخير يقبض يده بقوة.
『أعلم. لن نعثر على إجابة مباشرة، لكن يمكننا الوصول إليها بأن نقصي كل الإجابات الخاطئة واحدةً واحدة』
「...؟....」
『الرونات ليست ضرورية، ويمكننا أيضًا استبعاد اليوغا والبوذية. لقد قامت خفيانية R&C بنشر جميع أشكال السحر. لربما يجعل هذا من رصد الغرائب أصعب، تمامًا كأضواء المدينة التي تُخفي نجوم السماء، ولكن إذا فهمنا أساليب الروز، فإن المعرفة التي تحتاج تركيزنا تتجلى وتوضح تمامًا』
لم يكن كاميجو توما يعرف ما يكفي ليعترض على هذا الاستنتاج.
كان عليه الاعتماد على حدس القديس جيرمان، الذي لا يزال يعرف الروز، تمامًا كما لا ينسى الناس كيفية استخدام أعواد الطعام أو ركوب الدراجة.
『الإجابة ثلاثة』
داخ كاميجو، لكنه وُجِّهَ نحو هذه الإجابة تحديدًا، لا أربعة ولا خمسة.
تابع القديس جيرمان الشرح.
『كان الروز يعتمدون بشكل كبير على [القبالة]، التي تقول إنّ العالم بأكمله يمكن تفسيره باستخدام الأحرف العبرية الاثنين والعشرين. كل ما علينا هو أن نطرح المعادن السبعة والأبراج الاثني عشر من الرقم 22. إذا أزلنا كل البتلات الخارجية، يبقى الرقم المخفي في مركز الوردة. يبقى ثلاثة أحرف』
الآن وقد فكّر في الأمر، ألم تذكر آنا بنفسها الوردة والصليب — الروزكروس؟
『شين هو النار، ميم هي الماء، وألف هو الرياح. يمثل رمز الوردة العالم من خلال إحاطة هذه العناصر الثلاثة بحلقة مقسمة إلى سبعة أجزاء ومزينة بالألوان الاثني عشر』
تمكّن كاميجو من مواصلة التنفس، لكن بدا أشبه باختراق حاجز لزج.
أوذلك أن جسده تمزق من الخارج أم تآكل من الداخل؟
ما عاد يُميّز.
「إذن... هل تستخدم آنا ذلك لتخلق أشياء مختلفة من الطاقة الناتجة عن ذلك الملاك المسمى آيواس؟」
『نعم، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن هناك 22 نمط هجوم مختلف فقط. [القبالة] تتضمن نظامًا رمزيًا يُعرف بالجيماتريا. يتم تخصيص أرقام للأحرف، وتعتبر الكلمات التي تشترك في نفس الرقم ذات معانٍ متشابهة』
「لكن.....」
إذا بدأت فقط بثلاثة أحرف، ألن تكون عدد التركيبات محدودة؟
لكن القديس جيرمان سبق سؤاله بجواب.
『على سبيل المثال، القيمة العددية لحرف شين هي 300، ولكن الجيماتريا تفصل الأرقام للوصول إلى رقمٍ أحادي. ذلك يعطيك الإجابة ثلاثة. ولكن يمكن قراءة ذلك ببساطة على أنه 3؛ أيْ جِمِل، أو تقرأه 1+2؛ أي ألِف وبيت. لذا، حسبما كانت طريقة تحليلك، تكون الاحتمالات غير محدودة. ولهذا السبب يمكن أن يكون الكتاب السحري القوي بيئة خصبة للتفسيرات الخاطئة』
「تساءلتُ عن ذلك، لكنه ليس سؤالي الرئيسي.... أين تُخفي آنا إكسسوارها الوردة؟!」
كان يشك في أن يكون في زينة شعرها التي تشبه الرُبيانة المقلية.
كما أنه لن يكون في فستانها الرقيق.
ستحتاج إلى رمز مفصل يحدد بدقة الأحرف العبرية الـ22 على بتلات الوردة، لكن كاميجو لم يستطع رؤية أي شيء من هذا القبيل.
ابتسمت المرأة الفاتنة ورفعت يدها اليمنى من مسافة قصيرة.
「لن ينتهي هذا أبدًا ما لم ندمر ذلك. سنُقتل إذا لم نحرم آنا من قوتها!!」
- الجزء 5
اليس
「وجدتُها!」 صرخت إندِكس بحماسة في مستشفى الحي السابع الأكاديمي.
إذا كان بالإمكان إنشاء السحر الأساسي بكلمات سحرية وإيماءات وحركات يدوية دون الحاجة إلى أداة روحية، فقد يبدو أنه لا يوجد وسيلة لإنقاذ الأسابر من الآثار الجانبية.
لكن هذا الافتراض كان خاطئًا.
「النجوم، الأنبياء الثلاثة، ارتباطٌ بالتاريخ، ولا تتفعّل إلا في الخامس والعشرين」
「إذن هي لعنة تستغل وقت الكرسماس!؟」
قد يبدو ذلك سخيفًا، لكن في مرحلة ما، أصبح الكرسماس أكثر من مجرد مهرجان ممتع. ربما قام أحدٌ شديد التحريف بنشر الفكرة أو ربما كان الكثير من الناس يرغبون في تصديقها لأن هناك تقاليدًا عدة مثلها منتشرة. فمثلا، هناك شخصيات غامضة تظهر فقط في الكرسماس، والتي لا تريد حتى أن تصادفها، مثل العم نويل الطالح [4] الذي يخطف الأطفال العاقّون أو العفريت الذي لا يظهر إلا في نهاية العام.
وكان للنفس البشرية ميلٌ مثير للاهتمام لنشر قصص الشؤم أكثر من قصص السعد. فمَثَلٌ مَثَلٍ مثال،
قل للناس أنّ "أسطورة حضرية تقول أنه بعد أن تبلغ سن العشرين وتتذكر عبارة [مرآة فضية] ستجلب لك البشرى" وسينسونها مع قطار الحياة. ولكن قل لهم أنّ "أسطورة تقول أن بعد بلوغك العشرين وتذكرك عبارة [مرآة بنفسجية] ستجلب لك الكرب والموت" لن تغادر أذهانهم على الأقل بسهولة.
لذلك، كلما كان الكرسماس وقتًا أسْعَدَ، زادت فرحة التفكير في الذين كانوا يعيشون وقتًا تعيسًا ساعته. نعم، فرح. عندما يفكر الناس في حفلة كبيرة في أناس ليس عندهم أحدٌ يشاركونه موعدًا في الكرسماس، فإنهم عمومًا يتخيلون أشخاصًا في حال أسوأ منهم لتُشفى نُفُسوهم تجاه أوضاعهم. ولربما كان ساحرٌ في وقت ما منح هذا الخيال تأثيرًا ماديًا. إما لإفساد الكرسماس أو لضمان أن يتذكر الناس المناسبة دائمًا.
في الواقع، لم يكن من غير المألوف في عالم السحرة أن يمنح الخبراء شكلاً ملموسًا لشيء وجدوه مثيرًا للاهتمام. فأوثينوس التي دَمّرت العالم أجمع مرةً قد فعلتها ولا داعي للذكر، لكن السحرة يميلون إلى تجاوز بعض الحدود التي تعتبر عادةً من المحرمات.
خذ على سبيل المثال كل ما يتعلق بأسطورة كثولو.
أو بالصليب الوردي الذي زعم [أندريه] أنه اخترعه بنفسه.
「....تميمة حظ تهدف إلى تأكيد سعادتك، ها؟」 قالت أوثينوس بنبرة مشمئزة وأكملت. 「ويؤول أمرها إلى تدمير جسدك كلما استمررت في استخدامها. الشكّ في النَفْسِ لأعظم السموم. وأصلا، إن احجتَ إلى شيء يخبرك موضوعيًا أنك سعيد، فتأكد أنك لست سعيد」
「ولكن الآن بعدما عرفنا هذا......」
「نعم، نقدر على إنهاء الحفلة. لنترك هدية بجانب وسادة المريض وهم نائمون وقبل أن يستخدموا ذلك السحر وأيديهم فارغة. زيارة بابا نويل تعتبر ذروة الكرسماس في هذا البلد، لذا ما إن تأتيهم الهدايا، ينتهي الكرسماس، صح؟」
「تعويذة لإنهاء الكرسماس」
「ما إن تجهز، ابحثي عن بالغ بين الزوار. إذا لم يكن إسبرًا، فلنجعله يستخدم السحر دون أي آثار جانبية」
في الظروف العادية، قد لا يجدون أي راغبٍ في التعاون. خاصة في مدينة الأكاديمية. ولربما يصرخ في وجوههم لطلبهم شيئًا غير لائق للغاية.
لكن الأمور كانت مختلفة الآن.
إن خفيانية R&C هي التي أزالت الحاجز عن السحر.
وكانت إله الحرب والخداع والسحر ستستخدم كل ما يتاح لها. إذا كان العدو سيمنحها هدية، ستستخدم تلك الهدية لتغصب العدو على الركوع. ذلك كان أسلوب أوثينوس.
「إذن لنحسم الأمر」 قالت الإله بلا تردد.
- الجزء 6
اليس
آنا اسْبرنجل فكرت بهدوء في الخطوة التالية التي ستتخذها بيدها اليمنى، لكن مع توتر يشبه تفكير محتارٍ ما يُطبخ لعشاء تلك الليلة.
بيدها أكثر من مليون خيار للهجوم.
(يجب أن تنتهي عملية التحسين قريبًا، والنتيجة المملة قد ظهرت وتجلّت.)
اتخذت قرارها.
40 + 300. تم تقسيم كل رقم على حدة ثم جمعتهم معًا، مما أعطى الرقم سبعة. وهذا يعني أن الحرف الحقيقي الذي استخرجته كان ‹ز› أو زاين. هذا يتوافق مع بطاقة [العاشق] في التاروت، وكانت القناة التي تربط بين مجالَي [الفهم] و[الجمال] في شجرة الحياة السِفِروث.
كان يعني سيفًا أو درعًا.
هذا حدد طبيعة يدها اليمنى.
(مشاعر الإزعاج نادرة فيَّ، لكنني أشعر بها من وقت لآخر. إذا لم تعجبني هذه النتيجة، لربما أتخلص منها وأمضي قدمًا نحو هدفي التالي.)
آنا اسْبرنجل مدت يدها النحيلة بلطف. كانت يدها اليمنى قادرة على قطع أي شيء بإصبعين سبّابة ووسطى فقط. بمعنى آخر، مجرد إغلاق إصبعيها كان سيخلق فكًا ضخمًا غير مرئي مع رأس هدفها بين تلكما الفكين.
في تلك اللحظة، قام كاميجو توما بخطوة غير معتادة.
「『بدّل!!』」
فعل العكس تمامًا لما يفعله عادة، حيث اندفع بشجاعة مع قبضته مشدودة. بل قفز إلى الخلف ليبتعد عنها.
ذلك لا يزال تصرفًا انتحاريًا، لأن الفتى لم يمتلك أي هجمات بعيدة المدى.
مما يعني...
(قديس جيرمان!!)
ابتسمت آنا.
قد يبدو في البداية أن كاميجو توما قد اكتسب مجموعة متنوعة من الخيارات، لكن الحقيقة العكس تمامًا. عندما يتعلق الأمر بجوهر الصليب الوردي (روزكروشن)، لم يكن هناك ساحر يعرف أكثر منها، باعتبارها قائدة المعبد الرقم 1 في ألمانيا. لم يكن لأحد فرصة لهزيمتها إذا تحداها في هذا المجال. لربما يقاومون لفترة، لكنهم لن ينتصروا أبدًا. ما عساهم إلا تأجيل موتهم الحق.
كان من الواضح أن الطريقة الوحيدة لهزيمة هذا السحر هي بتدمير الوهم.
(محاولة الابتعاد واستنزافي بهجمات بعيدة بعد كل هذا لأمر بائس مشفق)
كان القديس جيرمان متخصصًا في صنع الألماس.
وهذا يعني التلاعب بالكربون.
(إذن كل ما علي هو أن أمتص كل أشكال الكربون، سواء صلبة سواء غازية، لأزيلها من هذا المكان.)
تجمعت في يدها اليسرى الصغيرة كرة سوداء قذرة، أكبر قليلاً من حبة دواء.
(الآن، قديس جيرمان بلا حول ولا قوة. أو هل سيستخدم جسد مضيفه فيصنع ألماسة؟ وفقًا للخدمات الاختيارية التي تقدمها دور الجنائز، فإن كمية الكربون في جسد إنسانٍ كامل لن تكفيك إلا لصنع ألماسةٍ لا يتجاوز حجمها طرف ظفر إصبع!!)
ضحكت آنا، لكنها سرعان ما عبست بصمت.
مهما قالت، فإنها تعلّقت بالنجاح والنصر أكثر من أي أحدٍ آخر. إلى حدٍّ لا يمكنها الاستمرار دونهما.
عادت إليها كلمات الفتى، مصحوبةً بألم.
ولكن.
「......................................................................................................................................」
تبع ذلك صمت قصير.
بعد أن تراجع للخلف، مما جذب انتباه آنا التي كانت تلاحقه — رمى كاميجو توما شيئا خفيفا في الهواء.
كان رمزًا مصنوعًا من طلاء ذهبي رخيص ولم يتجاوز طوله بضعة سنتيمترات. ليس رقمًا أو حرفًا من الأبجدية، بدا هذا الرمز أشبه بـ [ـؤح] رَسْمًا.
كان الرمز يشير إلى برج الجَدي.
جوهره كان الأنثوية، النشاط، زحل، الشوق، والازدهار.
وكذلك...
(عنصر الأرض.)
نعم.
تم تقسيم الـ 22 حرفًا إلى 3 و7 و12. ومع وجود 3 فقط في المركز، ما كان لرمز الروز الذي تديره الحروف العبرية الاثنين والعشرين مكانٌ للأرض في وسط الزهرة.
ورغم أنه كان رمزًا سحريًا، إلا أنه لم يحتوي على أي قوة سحرية بداخله. في الواقع، بدا وكأنه محاولة من شخص لا يمتلك سوى القليل من المعرفة دون أي مهارات عملية لدعمها.... هذا لم يكن القديس جيرمان، الذي امتلك تلك المهارات.
بمعنى آخر...
「أوكان هذا كاميجو توما؟」
كانت تعرف، لكن الأفكار البشرية تتأثر بسهولة بافتراضاتها.
شيء إضافي أُضيف إلى المزيج.
برج الجَدي كان رمزًا لعنصر الأرض.
كيف تبدو الأشياء في غرفة حمراء تختلف تمامًا عما تبدو عليه في غرفة زرقاء، ولهذا يختارون ألوان مقصورة السائق في القطار بعناية.
لأن الألوان الخاطئة قد تُشتت.
(إن صح، فهذا سيئ!!)
- الجزء 7
اليس
حجر الميلاد لشهر ديسمبر هو إما الفيروزي أو اللازوردي.
يا أصحاب الجَدي، لا تحزوا من انتمائكم لعنصر الأرض. لأن الكرسماس هو موسمكم. اليوم هو يومكم لتطلبوا هديةً خاصة!
「ء!!」
كاميجو توما شد أسنانه وهو يركل إحدى اللوحات يدوية الصنع المنتشرة على الأرض.
أمامهم، عبست آنا اسْبرنجل وأمسكت بمعصمها الأيمن الأنثوي بيدها الأخرى. شكَّ أن ذلك قد يُحدث أي فرق، وحتى إن فعل، فلا تزال الثغرة التي يحتاجها موجودة.
كان كل ما يحتاجه هو فجوة كافية ليخطو خطوة واحدة كبيرة.
شق طريقه بقوة، متحديًا الضوء الأبيض الذي اتسع انفجاريًا أمامه. جمع ما تبقى من قوته ليقترب منها مباشرة.
لا بد أن آنا لم تعد تكترث بفقدان السيطرة لأنها حاولت اعتراضه بكفها الأيمن رغم أنه لا يزال يُبعث ضوءًا يُعمي أشبه بمشعل اللحام.
「ولكن كيف!؟」 زأرت المرأة الساحرة التي بدا أنها تفسد كل شيء حولها بمجرد وجودها.
نعم. لقد واجه كاميجو توما العديد من السحرة، لكنه لم يكن قادرًا على تكوين تعويذة بنفسه. ربما أمكنه استخدام السحر لو سمح للقديس جيرمان بالسيطرة، لكن القديس جيرمان لم يكن ليعتمد على القبضة التي ستقتله.
لكن الإجابة كانت بسيطة.
「خفيانية R&C」
「ء」
「لقد نشرتِ هذه المعرفة بنفسك. لو لم تفعلي، لما كنتُ قادرًا على المقاومة!!」
تخلت آنا عن محاولة التحكم في يدها اليمنى.
كسرت قواعدها ورفعت يدها الأخرى.
نعم، لم تكن يد آنا اسْبرنجل اليمنى مميزة بأي شكل من الأشكال. كان ذلك مجرد قيد غير ضروري تفرضه على نفسها. لقد غشت بهذه الطريقة من قبل، لذلك لم يتردد كاميجو.
اتخذ خطوة.
لكن إذا استخدم قبضة يمينه الآن، فسيكون مجرد تكرار لما حدث آخر مرة. بينما تتصادم يده اليمنى مع يدها اليسرى، يمكنها استخدام يدها اليمنى لتطيح به بعيدًا.
لذلك...
「مَه!؟」
عض على يدها الفاتنة. على أصابعها الطويلة والنحيلة. كان ذلك خيارًا بدائيًا من منظور مثقفة ملمة بكل أشكال السحر، لكنه كان فعالاً أكيد.
لأن...
(أصابعها الخمس.)
كاميجو توما شد على أسنانه.
كان من المنطقي أن يركز متجر مجوهرات على شيء كهذا.
لأن إذا كان وضع خاتم على إصبع بخلاف إصبع الخاتم في اليد اليسرى يعطيه معنى خاصًا، فقد يكون لديهم وسيلة أخرى للإعلان للناس.
نعم.
لم تكن آنا بحاجة إلى حمل رمز وردة كامل.
ورقة ملقاة على الأرض—ربما كانت ملاحظات للتحدث مع العملاء—شرحت العناصر التي تتوافق مع كل إصبع.
(بدءًا من الإبهام: هُمْ أثير وماء ونار وأرض وهواء. لذا بثني السبابة والوسطى والخنصر لتعطي الأمر، يمكنها تشغيل أو إيقاف العناصر الأساسية من النار والماء والهواء، فتخلق الحرف العبري الذي تريده في كفها. هذه هي الطريقة التي كانت تتحكم بها آنا في ملاكها. هذا هو سحرها! مما يعني...!!)
بغض النظر عن الطريقة، كان عليه فقط أن يمنعها من تحريك أصابعها.
سيتيح له ذلك تعطيل تعويذة الوردة العبرية لآنا اسْبرنجل.
ومع إبقاء قبضته اليمنى جاهزة بالطبع.
「...ء!!」
كاميجو توما وقديس جيرمان وصلا إلى هذه النقطة عبر مسارات مختلفة تمامًا. واحد من العلم، والآخر من السحر. كانا اثنين مختلفين تمامًا بلا أي قاسم مشترك.
لكن في هذه اللحظة، نظرا في نفس الاتجاه تمامًا.
لم يكن يهم إن كانا منبوذين أو اعتُبرا خيبات أمل.
أي كائن يعيش في اللحظة الحاضرة كان لا يزال يمتلك الحرية لتغيير ما يحدث له.
مهما اتخذ هذا الكائن من شكل.
كان عليهما فقط العمل بناءً على رغبتهما في حماية الناس والمشاعر التي يعزونها.
عندها سيقاتلان على قدم المساواة ضد أياً كان في العالم!!
(كاميجو توما.)
(قديس جيرمان.)
استخدم فمه.
قابضا أسنانه، ما استطاعا الحديث عاليا.
لذا واجها عدوهما الوحيد منتهين في صمت.
ولطالما أرادا شيئا واحدًا يفعلانه حيال استبداد آنا اسْبرنجل.
أن يشدا القبضة أقصى ما يكون.
أن يجمعا كل ما فعلته تلك المرأة لهما، ويضعاه في تلك القبضة، ويرسلاها...
( (دورك!!) )
هذه المرة، إرادتاهما المنهكتان أصابت آنا اسْبرنجل في عظمة وجنتها مباشرة.
اختر اسم وأكتب شيء جميل :)